الفصل الثالث

319 16 4
                                    

الفصل الثالث
إنقاذ
تحرك آدم تجاه دكتور عبد الرحمن وقال "جدو أين أميرة؟ لماذا لم تأتي اليوم؟"
حمل الرجل الطفل ووضعه على ساقيه وقال "بالتأكيد لديها عمل اليوم فهو الشيء الوحيد الذي يؤخرها عنك"
تذمر الطفل وقال "ألا يمكنها أن تعمل عندك فلا تحتاج لعمل آخر وتقيم معنا!"
اندهش الرجل من تفكير الطفل وقال "هل تريدها أن تقيم هنا؟"
هز رأسه وقال "نعم أريدها معنا كل وقت أنا أحبها جدو فهي تلعب معي وتذاكر لي وتعلمني الرسم وتشاهد الكرتون معي، كما أنها تحكي لي قصص كثيرة من فضلك جدو دعها تأتي وتقيم معنا"
احتضن الرجل الطفل وأدرك أن تلك الفتاة فعلت ما لم تفعله فتاة سواها من قبل وقد تعلق الطفل بها بحق..
فزعت أميرة عندما رأت أمها ملقاة على الأرض وهي تنظر لابنتها بدموع وفزع وتحاول أن تنطق أو تتحدث ولكن فمها الذي عجز عن النطق ويدها التي لا تتحرك أنبئتها أن أمها أصيبت بجلطة وربما شلل
****
"آسفة دكتور عبد الرحمن ولكني لم أستطع إبلاغك بأي شيء"
كان الرجل يقف أمامها بالمشفى بعد أن اتصل ليعرف سبب غيابها بالأيام السابقة ليصطدم بما عرفه فأسرع ليكون معها كما اعتاد أن يفعل مع الجميع
أمسكها من ذراعها وقادها إلى مكان بعيد عن أختها والموجودين وقال بحزم "ما هذا المكان يا أميرة؟ والدتك لابد من نقلها لمشفى آخر أفضل من ذلك لتلقى عناية أفضل"
أخفضت وجهها الشاحب وهي لا تعرف كيف تخبره أنها لا تملك تكاليف أي مكان آخر إنها حتى لا تعرف من أين ستأتي بأتعاب المحامي فلم ترد ولكن يبدو أنه فهم فقال
“دعي لي الأمر وأنا سأتصرف"
رفعت وجهها إليه وقالت بحزم "لا، لن أقبل ذلك"
أدرك ما تعنيه فقال بنفس الحزم "لا تقلقي ما سأفعله سأطالب بمقابله وسيكون عليك دفعه"
تراجعت فهي تعلم أن ذلك ليس سلوكه ولكنها تماسكت من وسط زحمة المصائب لن تضر واحدة أخرى فقالت "الذي هو ماذا يا دكتور فربما لا أستطيع السداد؟"
أبعد وجهه لحظة وقال "ليس الآن يا أميرة ليس الآن"
لكنها قالت بحدة "بل الآن يا دكتور وإلا لن تفعل أي شيء إنها كرامتي"
نظر بعيونها وأدرك صلابتها فقال "اسمعي يا أميرة الآن كلانا بحاجة للآخر كلا منا لديه مصلحة لدى الآخر أليس كذلك؟"
قالت "أي مصلحة؟ أنا لا أفهم"
أشاح بوجهه بعيدا لحظة ثم عاد لعيونها وحسم أمره وقال "أنت لا تدركين كيف تعلق حفيدي بك بالفترة الأخيرة بشكل لا يمكنك تصوره أنا تركته بالبيت منهار لتغيبك عنه لذا أنا أصبحت أبحث عن مصلحتي عندك، أما أنت فبحاجة لي ولأموالي لإنقاذ والدك ووالدتك لأنك لن تفعلي وحدك"
ظلت تنظر لعيونه وعندما توقف عادت تقول "ما زلت لا أفهم"
اقترب منها وقد كان طوله قريبا منها فنظر لها وقال "أنا رأيت بك الأم المناسبة لحفيدي والرفيق الذي أثق به معه لو رحلت أنا لذا لم يعد بإمكاني تركك بعيدا عنه لحظة واحدة وهو ما يصعب تحقيقه دون.."
ولم يكمل فعادت تقول "دون ماذا يا دكتور؟ أكمل من فضلك"
شحب وجهه ولكنه قال بإصرار "دون أن يكون لوجودك بالبيت صفة شرعية تخرس بها أي لسان خبيث"
تراجعت من كلماته وقالت "وكيف يكون ذلك؟"
صمت وكلاهم يوجه نظرات قوية للآخر حتى قال هو "بأن نتزوج، أنا وأنت لابد أن نتزوج"
تراجعت بذهول من المفاجأة ورفعت يدها على فمها لتمنع شهقة فزع من عرضه وضاع صوتها وتاهت أفكارها وكلماتها وهي تحدق به دون أن تصدق أن الواقف أمامها هو ذلك الرجل المعروف بالأخلاق والعقل والحكمة، فأين ذهب كل ذلك؟
لم يتراجع وهو يقول "اسمعيني جيدا وفكري بعقلك، أنا سأوفر لك ولأسرتك كل ما يمكن أن تفكري به، سأقف مع والدك حتى تثبت براءته أو أعيد الأموال التي فقدت، وسأنقل والدتك إلى أفضل مشفى بالبلد وأمنح أخيك وأختك أفضل مستقبل يمكن أن يفكرا به، وأنت ستكونين امرأة متوجة فوق الجميع وسأمنحك من المال أو العقار ما تريدين فقط في مقابل أن تكوني أم لحفيدي وتظلي معه لآخر العمر"
اهتز جسدها واندفع الصداع لرأسها فجأة واعتصرت الأفكار عقلها وهي تعيد كلماته ولم تعد تجيد التفكير ولا تعرف ماذا تفعل أو تقول، هو على حق فهو يوفر لها كل ما تتمناه وكأنه الفانوس السحري يحقق  لها كل الأمنيات
سمعته يقول "أنا أعلم أن الأمر صعب لكن لابد أن تجيدي التفكير لأنك الآن تقرري مصير عائلتك كلها، بمجرد موافقتك سأبدأ التنفيذ وأنت لا تعرفين إلى أي مدى يمتد نفوذي بهذه البلد ولكن انتبهي إلى أنك لا تملكين وقت كثير للتفكير"
بالفعل كان على حق فهي لا تملك وقت ولا بديل ولا حتى أحد يمكنها أن تلجأ إليه ليخرجها من أزمتها، أغمضت عيونها بحيرة وهمست داخلها "يا رب ساعدني والهمني الصواب، يا رب أنا لا أعلم ما الصواب من الخطأ فأضأ لي طريقي يا رب"
رأت والدها يبتسم لها ويهز رأسه بالموافقة فتراجعت وفتحت عيونها لترى عبد الرحمن يحدق بها فنظرت حولها تبحث عن والدها ولكنها لم تجده فعادت لعبد الرحمن الذي قال
“أميرة نحن لا نملك وقت كثير"
قالت دون أمل بحل آخر "نعم أنا لا أملك وقت ولا بديل ولا أجد أي يد سوى يدك لكن لابد أن تعلم أنني لن أقدم لك سوى الرعاية الكاملة لحفيدك فقط و"
قاطعها بابتسامة هادئة وقال "وأنا لا أريد أكثر من ذلك، الزواج لن يكون إلا ليمنح وجودك بالمنزل صفة شرعية كما أخبرتك أما أنا فبالنسبة لك مجرد أب لا أكثر ولا أقل وهذا وعد مني بذلك"
لم تكن لتصدق كلماته ولكن كان عليها أن تفعل لأنها لا تملك سواه فهزت رأسها بضعف يعبر عن اليأس والحزن والألم ولكن ما خفف أحزانها أنها تفعل من أجل إنقاذ أهلها فهم كل ما تملك وهي لن تتواني عن تقديم حياتها كلها لهم دون تفكير
قالت كلمة واحدة بألم "أوافق"
تم نقل والدتها إلى أكبر مشفى بالبلد حيث تم الاهتمام بها على الفور وهي تتابعهم دون أن تملك أن تفعل أي شيء وتابعت نهلة ما يحدث بصمت دون أن تفهم ما يحدث
خارج المشفى كلف عبد الرحمن رجال للبحث حول قضية والدها لمعرفة السارق الحقيقي وأرسل محامي معروف لمتابعة القضية بينما اتفق هو معها على أن الزواج بمجرد أن يحصل والدها على البراءة ولم تعترض ولكنها لم تخبر أحد بالأمر وعندما تساءلوا عن تكاليف المشفى قالت أنها دين للدكتور ستقوم بسدادها من عملها معه ولم يجادلها أحد فلم تسمح الظروف بذلك..
خلال الأيام التالية انشغلت ما بين قضية والدها حيث أجاد رجال الدكتور عملهم وبدأت الخيوط تتجمع حول السارق الحقيقي بينما تابعت والدتها التي أخبرها الأطباء أن حالتها استقرت على شلل نصفي نتيجة الجلطة وبالطبع عدم القدرة على النطق فسلمت بقضاء الله وقدره ولم تملك الاعتراض
بنهاية الاسبوع كان المحامي قد جمع أدلة البراءة وقاد الشرطة إلى ذلك الرجل الذي نصب لوالدها الفخ القديم والذي كان يريد الزواج منها وقد اتفق مع فراش الشركة لتدبير السرقة وعمل مفتاح آخر للخزنة من مفتاح والدها واندهشت من إصرار ذلك الرجل على الانتقام منهم لهذا الحد
أفرجت النيابة عن والدها لثبوت براءته وعاد الجميع إلى المنزل وكانت السعادة تعم الجميع رغم نظرات البعض الغير طبيعية لكنهم لم يهتموا
رن هاتفها لترى اسم المتصل فذهبت سعادتها، ابتعدت إلى غرفتها وأجابت حتى جاءها صوت الدكتور يقول "مبروك البراءة لقد وفيت ديني وانتظر دورك"
ابتلعت ريقها بصعوبة ومنعت دموعها كالعادة من أن تتساقط وقالت "نعم أعلم، سأخبر بابا الآن ويمكنك أن تأتي وقتما تشاء لتتحدث معه"
قال بجدية "آسف يا أميرة لتعجلي ولكن آدم منهار لبعدك ولا يمكنني أن أصف لك حالته هل يمكن أن ننهي الأمر اليوم؟"
أغمضت عيونها والخوف من القادم يملأ قلبها، هدأت وقالت بصعوبة "نعم تفضل"
أغلقت الهاتف واعتصرته بيدها وهي تستجمع نفسها ثم سحبت نفس عميق حاولت أن تستمد منه الشجاعة لمواجهة أهلها بالخارج بالأمر الذي لم تستطع الهروب منه
تراجعت من غضب أحمد الذي هاجمها بقوة لم تتوقعها وانهال عليها بكلمات لاذعة وجارحة من أنها تبيع نفسها من أجل المال وأنها رخيصة لأنها فعلت ذلك وأنه لم يعد يكن لها الاحترام كما كان يفعل ولم يكن يظن بها ذلك من أنها تفضل المال على الكرامة وباعت نفسها لرجل عجوز من أجل لا شيء
لم تجيب وهي تعلم أنها باعت نفسها من أجلهم جميعا، ضحت بشبابها وحياتها وسعادتها من أجلهم ولكنها لم ترد ولن ترد
طأطأ والدها رأسه والحزن يملأ عيونه وكأن ما حدث له كسره، نظراته لها كانت تعني أنه يفهم ما تفعله ويعلم أنها تضحي من أجل الجميع، أما نهلة فاكتفت بالدموع كعادتها وقالت كلمات قليلة ولكنها ذات معنى وهي تنظر بعيونها وتقول
“أنت تقتلين شبابك وتضحين بحياتك وأحلامك، من أجل ماذا يا أميرة؟ ما الذي يستحق؟ ليس المال"
لم تهرب من نظرات أختها وقالت "كانت يا نهلة كانت لي أحلام ولكنها ضاعت وانتهت لأن هناك أشياء والتزامات أخرى حلت محلها ربما لن تفهيها الآن ولكن قد يأتي يوم وتفعلين" ثم التفتت لوالدها وقالت "بابا دكتور عبد الرحمن سيأتي اليوم وأنا أرجوك أن تحسن مقابلته فلن ننسى ما فعله معنا"
هز الرجل رأسه وهو ينظر إليها ويقول "أعلم يا ابنتي أعلم ولكن هل أنت تعلمين حقا ما تفعلين؟ إنه زواج يا ابنتي زواج"
ابتعدت وقالت "نعم أعلم"
ودخلت غرفتها وأغلقت بابها وتركت نفسها لأحزانها، ربما هي خاطئة وربما حقا قتلت شبابها وأحلامها كما قالت أختها ولكنها أنقذت والدها من السجن وأنقذت حياة أمها من الموت لذا ليس عليها أن تندم أو تتراجع لأنها لم تملك بديل لم فعلت وما زال أمامها الكثير لتفعله فأمها ما زالت بحاجة لتكاليف المشفى والعلاج ووالدها الآن بدون عمل حتى يحصل على سواه وأخوها ببداية حياته بحاجة ليد المساعدة ونهلة لا تملك شيء حتى لنفسها فمن سواها سينقذ الأسرة؟
اتفق والدها مع عبد الرحمن على عقد القران بمجرد خروج زوجته من المشفى في حفل عائلي بالمنزل ومنه لمنزل الزوجية ولم يستطع أحد الاعتراض
استقرت حالة والدتها وخرجت من العناية لغرفة عادية ثم خرجت إلى المنزل مع ممرضة خاصة أحضرها عبد الرحمن وبالطبع لم يجعلها تشعر بأي هم أو مسؤولية وكان معها بكل خطوة وكانت تعلم أنه ينتظر المقابل ولم يمكنها الفرار منه..
باليوم التالي لخروج والدتها كانت تستعد للزفاف وقد أرسل لها فستان أبيض جميل ورقيق وميك اب ارتست استقبلتهم بدون أي رغبة وبعض الرجال من معدي الحفلات تولوا الإعداد لكل شيء واختفى أحمد تماما أما نهلة فلم تستطع ترك أختها والأب سكن أمام الرجال دون حديث والأم بفراشها..
لم ترى نفسها بعيون العروس السعيدة لجمالها الواضح للجميع وإنما رأت نفسها ضحية الربيع قربان الخير والنماء لأهلها ولكنها لم تملك إلا الانصياع لقدرها
سمعت الزغاريد بكل مكان وأدركت وصول عبد الرحمن من صوت السيارات والمأذون فأغلقت عيونها وهي تسترجع أحلامها التي كانت تعيش لتحقيقها ولم تتخيل يوما أنها ستتزوج رجلا أكبر من والدها لتدفن شبابها تحت خدمته وخدمة حفيده..
فزعت عندما فتح الباب فجأة ودخلت نهلة وهي تصرخ بها "أميرة هناك رجل بالخارج يريد إيقاف الزفاف ويواجه الدكتور بغضب وقوة"
وقفت وهي تحاول استيعاب ما يحدث ولا تفهم ما الذي يحدث؟ ومن ذلك الرجل؟"
يتبع..

هي من علمتني الحب  بقلمي داليا السيدWhere stories live. Discover now