الفصل الأول

966 22 6
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم
يلا نبدأ على بركة الله

هي من علمتني الحب
رواية
لداليا السيد محمد


مقدمة
أنا لا يمكنني وصف كل الحكايات والمشاعر التي تعيشها الفتيات وهن ما زلن مراهقات لأن لكل واحدة قصة مختلفة قد لا تدوم أو تتحقق أو قد تتحقق وتكبر وتعيش، هذه هي المشاعر والقصص التي يمكنني أن أكتبها فالحب كثيرا ما يدق أبوابنا فمنا من يتجه إليه بكل جوارحه، والبعض قد يتجاهل وجوده أصلا، والبعض الثالث يجعل عقله دون قلبه هو الفاصل.
ربما يكون الحب مثل فصول السنة ترى به كل التغيرات من صفاء الأجواء بين الأحبة وحرارة المشاعر بينهم مثل حرارة الصيف وصفاء شمسه، وقد ترى فيه غيوم تمر به مخلفة وراءها بعض الخسائر القليلة أو تذبل بها المشاعر مثل الخريف، وربما تبرد تلك المشاعر تماما ويتلاشى وجودها مثل الشتاء القارص الذي يذهب بكل جميل مخلفا وراءه أجواء من الأحزان، أو قد تتحول المشاعر من البرودة إلى الدفء وتدق بها الحياة من جديد بعذوبة ورقة مثل حلاوة الربيع وشمسه الحانية.
ترى أي تلك المشاعر عاشتها أميرة في هذ القصة؟ دعوني أحكي وأترك لكم الحكم..


الفصل الأول
حياتي..
أسرعت أميرة الخطى كي تصل إلى الكلية وتلحق محاضرتها الأخيرة للدكتور عبد الرحمن عميد كلية الآداب سابقا وأستاذ اللغة العربية وكم كان الجميع يعشق محاضرات ذلك الرجل لما في طريقته من سلاسة وبساطة
عدلت ملابسها البسيطة ودقت الباب واستأذنت في الدخول فهز الرجل الواقف في وقار وثقة أمام الأعداد الكبيرة من الطلبة رأسه ليسمح لها بالدخول
كانت تعلم أنها آخر محاضرة قبل أن تبدأ الامتحانات وكان عليها أن تحضر فهي لا تفوت أي محاضرة لأي مادة حيث لم تكن إمكانيات والديها تسمح لها بتحمل نفقات تعليمها أو كورسات إضافية لذا كانت تبذل كل مجهوداتها بالدراسة كي تحقق التفوق لتحصل على التعليم المجاني الذي نالته على مدار سنواتها الدراسية بالكلية حيث كانت الأولى على الدفعة كل عام
انتهت المحاضرة بسرعة كالعادة والتف الجميع حول الدكتور الذي كان يعيش من أجل العلم والطلبة الشباب فرغم أنه من أغنياء المدينة لانحداره من أسرة معروفة بالمجتمع تركت له إرثا كبيرا وأموالا وعقارات لا تحصى إلا أنه كرس نفسه من أجل التدريس ومساعدة الشباب المجتهدين أو المحتاجين للمساعدة وقد ساعد الكثيرين منهم على توفير فرص عمل لهم أثناء الاجازات إلا هي، رغم احتياجها للعمل إلا أن كرامتها أبت أن تجعلها تطلب المساعدة رغم أنه حاول عرض المساعدة عليها بأشكال مختلفة من الوظائف الجيدة إلا أنها كانت ترفض لأنها ترفض أن يكون لأحد فضل عليها أو مدينة لأحد بشي..
“أميرة ألن تقولي وداعا؟ إنها المحاضرة الأخيرة بعامك الأخير بالكلية وقد لا أراك مرة أخرى"
توقفت وشعرت بالإحراج حتى احمرت وجنتاها البيضاء فالتفتت إلى أستاذها الرجل الوقور وتأملت عيونه الخضراء وقالت بصوت رقيق أخفى إحراجها
“نعم، آسفة ولكني كنت متعجلة"
لا تعلم متى انفض الجميع من حولهم ما عدا لمياء زميلتها، ابتسم الدكتور وقال "حسنا، لن أعطلك أنا فقط أردت تحيتك قبل الذهاب وإخبارك أني ما زلت عند كلمتي، إذا احتجت أي شيء فأنا موجود وتعرفين مكاني"
شكرته بتوتر وأسرعت بالهروب من أمامه وهي تعلم أنها لن تقبل مساعدته لا هو ولا سواه كما أنها كانت تخجل من التحدث مع أي رجل حتى بعمر الدكتور عبد الرحمن الذي كان بعمر والدها وربما أكبر وبالنهاية هي تخجل من مواجهة أي رجل.
تحركت بسرعة وتبعتها لمياء بصعوبة وهي تقول "يا أميرة انتظريني أنا ما زلت هنا"
لم تتوقف وإنما بطأت من سرعتها ولم ترد وهي تخرج من الكلية وتشعر ببعض الهدوء يعود إليها حتى لحقت بها لمياء وقالت بدهشة
“أنا ما زلت لا أصدق أنك ترفضين مساعدة الدكتور لك، منذ وقت طويل وهو يحاول معك ولكنك ترفضين فلماذا؟"
لم تنظر إلى لمياء وهي تجيبها بنفس الرد الذي ترد به بكل مرة وقالت "ككل مرة أجيبك بنفس الكلمات، أنا لست بحاجة إليه ولا أي رجل سواه فأنا لدي عمل بالفعل"
ركبت الفتاتان الترام ووقفتا بين الركاب فقالت لمياء "وهل تسمين هذا عمل؟ مجرد سكرتيرة لمدرس في أحد السناتر التعليمية وتقومين بتصحيح الأوراق وحجز المواعيد"
ابتسمت أميرة بفم رقيق صغير وأسنان بيضاء مستوية تمنحها جمال أكثر مما تدرك هي نفسها خاصة عيونها الخضراء، قالت بهدوء من شخصيتها التي صنعتها المسؤولية "الحمد لله عليه، هو عمل حلال وجيد ويوفر لي وقت للمذاكرة وما احتاجه من مصاريف، يكفي أن يتحمل بابا مصروفات نهلة وأحمد أما أنا فسعيدة بحياتي هذه"
نظرت إليها لمياء وقالت "تعشقين الفقر يا أميرة، ألا تبحثين عن الأفضل؟ معلمة بمدرسة خاصة ودروس خصوصية؟"
ضحكت ببراءة وقالت "ربما ولكن كل شيء وله أوان وأنا أنتظر وقتي ولا أتعجله، أما أنت فهنيئا لك بعملك الجديد"
ضحكت لمياء وقالت "ما زلت لا أعرف كيف سأتعامل مع كل هؤلاء الأطفال سأحاول ولو مللت لن أكمل أنا لست مثلك ليس لدي الصبر على التعامل مع السن الصغير كما تفعلين"
نظرت لها بعتاب وقالت "بل هي أفضل مرحلة وأنا أعشق الأطفال وقرأت عنهم الكثير خاصة من يصعب التعامل معهم وعليك أن تفعلي"
لم ترد لمياء وقد وصلت لمحطتها فنزلت وتبعتها أميرة بصمت
وصلت المنزل بنشاط معتاد، بدلت ملابسها وطبعت قبلة رقيقة على وجنة والدتها التي كانت عائدة من عملها فهي تعمل سكرتيرة بأحد المكاتب وقد نزلت للعمل مؤخرا عندما طرد زوجها من الشركة التي كان يعمل بها بسبب أحد زملائه الذي اتهمه بالباطل بضياع أحد الملفات الهامة وذلك لأن أميرة رفضت عرضه بالزواج منها وظل والدها وقت كبير حتى حصل على عمل كمحاسب في أحد المكاتب الصغيرة بمرتب ضئيل، لذا اضطرت والدتها للعمل وكذلك هي، أما أحمد فما زال طالب بالثانوية العامة ويحتاج إلى مصاريف طائلة تساعد هي بها لو فاض منها، أما نهلة فكانت بالسنة الثانية بكلية الحقوق وهي لا تقل اجتهادا عن أختها، فهي متفوقة وتعمل بأحد مكاتب المحاماة، كانت تحب أختها وتعتبرها مثلها الأعلى رغم أنها أقل منها جمالا مما كان يثير بعض الغيرة لديها ولكن أميرة كانت دائما الأخت الحنون والتي لا تتواني عن التسامح والتماس الأعذار للجميع خاصة أسرتها واعتادت أن تمنح دون مقابل
مرت فترة الامتحانات بسلام وشعرت براحة وهي تتذكر أنها أخيرا أنهت دراستها وعليها أن تبحث عن عمل آخر مناسب لها ولن تترك عملها الحالي حتى تحصل على سواه
كان العمل هادئا بذلك اليوم كما هو المكان حيث كان السنتر يقع بمنطقة راقية جدا يسكنها الأغنياء الذين كانوا يبدون غناهم بملابسهم أو سواها ولكنها لم تحاول الاهتمام بهم ولا بسياراتهم الفارهة التي تقف أمام السنتر ولا أمام الحضانة التي تقع بجوار السنتر حيث تعمل زميلتها نادية
انتهى عملها مبكرا بالسنتر فقد انتهت الامتحانات بكثير من المراحل فلم يعد هناك الكثير من الطلاب، اندهشت عندما رأت نادية خارجة من الحضانة بذاك الوقت المتأخر عن موعدها الرسمي
اقتربت منها نادية فابتسمت هي وقالت "لماذا تأخرت اليوم؟"
لم تبتسم نادية كالعادة وقد كانت المسؤوليات تثقل كاهلها وظروفها تقريبا بنفس ظروف أميرة، أجابت وهي تتحرك مع أميرة "كان عندي ضيف هام وعلى فكرة أنا أردت رؤيتك من أجله"
ركبت الفتاتان الباص وتساءلت أميرة "لماذا تريدين رؤيتي؟ ما الذي يربطني بالضيف؟"
قالت نادية بنفس الجدية "لا شيء أقصد أنه كان يريد معلمة لحفيده بالمنزل، الطفل ما زال صغير، خمس سنوات تقريبا والدته توفت منذ ميلاده، بصراحة أنت تعلمين موقفي من العمل الإضافي فليس لدي أي وقت لذا احترت ولم أجيب طلبه وقتها لكن ما أن رأيتك حتى فكرت بك، لم لا تقومي بذلك العمل؟ أنت تحبين هذا العمر من الأطفال والجد يبدو شخصية ثرية ومحترمة جدا حتى أني اندهشت عندما رأيته يدخل عندنا ولكنه أخبرني أن كل من كلفهم بالبحث فشلوا أو أحضروا من لا يتلاءم مع الطفل، ما رأيك؟"
لم تجيب وهي تفكر بالأمر فعادت نادية تقول "تعلمين أن السنتر سينتهي العمل به قريبا للأجازة الصيفية وأنت أنهيت دراستك وبحاجة للمال وهو يعرض مبلغ كبير نظير الحصة الواحدة وأنت أولى به، ما رأيك؟"
كانت تعلم أن نادية على حق فهي بحاجة للعمل رغم أنها كانت تتمنى أن تعمل معلمة بإحدى المدارس أو ربما الحلم الأكبر؛ معيدة بالكلية ولكن إلى أن يتم ذلك فلن يضرها أن تعمل فهي بحاجة للمال..
هزت رأسها وقالت "حسنا، ولكن ماذا عن الجد ألا يمكن ألا يوافق علي؟ ربما يريد معلمة أفضل مني فهو كما تقولين ذا مكانة اجتماعية عالية؟"
نظرت لها نادية وقالت "لو كان يمكنه أن يحصل على الأفضل ما أتى إلينا، وافقي يا أميرة ولا تفكري كثيرا، سأتصل به اليوم وأمنحه رقم هاتفك لتتفقا على كل شيء"
لم ترد وتركت الأمر للظروف، عندما عادت وجدت نهلة وقد عادت هي الأخرى وقد انتهت امتحاناتها فقالت "ما أخبار الامتحانات هذا العام؟"
تمددت نهلة بالفراش وقالت بتعب "صعبة جدا يا أميرة، ولكن الحمد لله أديت جيدا بها، ما أخبار عملك؟"
بدلت ملابسها ودخلت الفراش وقالت "قاربنا على الانتهاء كما تعلمين"
قالت نهلة بجدية "ستبدئين بالبحث عن بديل مؤقت"
هزت رأسها وهي تفكر باقتراح نادية ولا تعلم هل سيكون لها نصيب به أم لا، نظرت لأختها وقالت "ما أخبار أحمد؟"
قالت نهلة بدون اهتمام وهي تداعب هاتفها "لا أعلم، لم أراه منذ يومان، الدروس تأخذ كل وقته"
دق باب غرفتهم فأذنت، رأت أحمد يدخل فاعتدلت بابتسامة وقالت "كنت أسأل عنك"
ابتسم وقد كان يشبهها وقال وهو يجلس على طرف فراشها "قلبك يشعر بي بالطبع"
ضحكت وقالت "يشعر بأنك في مأزق وبحاجة لمخرج"
احمر وجهه ولم يرد فنهضت لحقيبتها، أخرجت مبلغ من المال وعادت لتضعه بيده فنهض ونظر إليها وقال "لم أستطع أن أطلب من بابا فقد فعلت بالأمس و"
قاطعته بنفس الابتسامة وقالت "لست بحاجة للتبرير أنت تأتي بأي وقت وتطلب ما تشاء"
ابتسم وقال "دائما ما تفعلين معي ذلك شكرا أميرة"
قالت بحنان "لا أريد كلمات شكر أريد مجموع كلية الطب هل تفهم؟"
هز رأسه وقال "إن شاء الله هذا حلمي كما هو حلمك، طابت ليلتك"
وخرج فعادت للفراش بينما قالت نهلة "تدللينه كثيرا وكأنه ابنك"
تمددت وقالت "هو بالفعل كذلك بالنسبة لي"
لم ترد نهلة وأغمضت هي عيونها وهي تحلم بنتيجة أخيها وكلية الطب التي يحلم بها
استيقظت على رنات هاتفها فاعتدلت وأجابت لتجد صوت رجل يقول "الأستاذة أميرة؟"
قالت بجدية "نعم أنا"
قال الرجل "أنا اتصل من طرف الآنسة نادية بخصوص حفيدي آدم"
تذكرت الأمر فاعتدلت وقالت "نعم أهلا بحضرتك"
قال "أهلا بك، ترى متى يمكنك الحضور لنبدأ؟"
تراجعت من جدية الرجل وقالت "أنا متفرغة كل صباح وحتى الثانية عصرا"
قال الرجل "وأنا أتركك لاختيار الوقت المناسب للبدء حتى ولو كان من اليوم لو أمكنك"
قالت بهدوء "تمام أمامي ساعة هل تمنحني العنوان؟"
بدلت ملابسها وخرجت لتجد والدها فاندهشت وقالت "بابا!؟ ألم تذهب للعمل اليوم؟"
ابتسم الرجل لها وهي تطبع قبلة على وجنته وقال "سأفعل حبيبتي ولكن أخذت إذن بالتأخير لدي أمور هامة سأقضيها أولا، إلى أين؟"
تناولت بعض الشاي بالحليب وقالت "نادية أحضرت لي عمل جديد سأذهب لأراه ولو أعجبني سأكمل به"
قال الرجل "أنت ترهقين نفسك يا ابنتي، كفاك ما تفعلين"
طبعت قبلة أخرى على وجنته وقالت "تعلم أني أحب العمل فلا تحاول معي"
أخفض رأسه وقال "أنا أعلم أني أثقل كاهلك بالمسؤوليات ولكن صدقيني غصب عني لو بيدي لمنعتك عن العمل و"
جلست بجواره وأخذت يده وقبلتها وقالت "بابا يا حبيبي أنت لا تفعل أي مما قلت، إنه أنا التي تحب العمل، أنت تكفينا وتفيض ولكن أنا من أحب ما أفعل وأريد ذلك وأتمنى أن أحصل على المزيد من العمل كي ترتاح أنت وماما ولا تعودا للعمل أبدا"
رفع يده لوجهها ونظراته كلها أسى وحزن وقال "كم تفيضين بالحنان يا ابنتي وتتمتعين بإسعاد الآخرين ولو على حساب راحتك أتمنى من الله أن يسعد قلبك ويمنحك الزوج الصالح الذي يريح قلبك ويسعد أيامك"
قبلت يده واحمر وجهها ونهضت وهي تقول "ستخوض في هذا الحديث عن الرجال وهذا ما لا أحبه لذا سأعاقبك بأن أتركك وأذهب، هل تريد أي شيء؟"
ابتسم بحنان وقال "أريدك بخير حبيبتي"
وقفت أمام العمارة التي منحها الرجل عنوانها وقد كانت بجوار السنتر والحضانة ولكنها كانت عمارة هائلة وفاخرة جدا وشعرت بالخوف وهي تدخلها وتتجه للمصعد حيث صعدت للطابق العاشر وخرجت تبحث عن رقم الشقة وسط عدد من الأبواب الكثيرة
دقت جرس الباب وانتظرت حتى فتحت امرأة الباب فقالت "أنا أميرة"
تراجعت المرأة وقالت "أهلا يا أستاذة تفضلي، الدكتور بانتظارك"
توقفت قدماها أمام جمال المكان واتساعه والأثاث الفاخر الذي يفترش القاعة أمامها والنجف الثمين المعلق واللوحات الفنية القديمة حتى السجاد بدى رائعا وهي تتحرك عليه بخطى غير ثابتة ورائحة الفل تعطر المكان وتمنحه جوا أليفا يثير الراحة
تراجعت عندما سمعت صوتا تعرفه يقول "أميرة؟ ماذا تفعلين هنا؟"
يتبع...

هي من علمتني الحب  بقلمي داليا السيدWhere stories live. Discover now