الجزء الاول

96 3 3
                                    

منذ متي تأتي الرياح بما تشتهي السفن ، منذ متي يحدث ما نريده ، منذ متي نتجاوز صعوبات الحياة بدون امراض نفسية تتشعب بداخلنا ، منذ متي نختار ما نحتاجه وليس ما تجبره الحياه علي عاتقنا ،،
وكل هذة الاسئلة تتمحور حول سؤال هام واساسي ، هل نحن مخيرين في هذة الحياة ام مجبورين ان نخوض حياه اخري لا نريدها ..
هذا السؤال ظل يراود أسيا مرارا وتكرارا ، منذ صغرها وهي تحيا حياه ملئية بالصعوبات والاهانات بداية من والدها القاسي الذي خلي قلبه من اي رحمة ، فكان دائما وابدا يعاقبهم علي جرم لم يفتعلوه ، فكانت بين حين واخر تفكر فماذا اذا كان العقاب علي جرم حقيقي فعلته ، فماذا سيفعل بهم ، فمنذ الصغر عاشت معني فقدان الام وحنانها وغاب عنها الاحساس بالحماية ،،
فاذا كان والدها هكذا فماذا سيكون العالم الخارجي ، ولكن شخصيتها القوية رفضت ان تكون مهشمة تأثرا بكل ما مرت به ، فبرغم بغضها الشديد من قسوة والدها الا انها اصبحت نسخة مصغرة منه ، فامتلئ قلبها بالقسوة والجفاء واجبرت نفسها علي تلك النسخة لتستطيع ان تواجه الحياه ..
وكان كل ذلك لا شيء عندما انهارت اعمال والدها واعلن افلاسه فاصبح نسخة اكثر وحشة ولم تفعل شي هي واختها الا تحمل والدها وهو يفرغ غضبه بهم ، الا ان جاء اليوم المعهود او اليوم المشؤوم كما اطلقت عليه اسيا ..
جاء والدهم من الخارج مصحوب بحالة غريبة فكانت مزيج من الحماس والتوتر ولا كان الطاغي عليه هو ذلك شعاع الامل الذي رأته اسيا بوضوح في عين والدها ولمسته بنبرته عندما قال لها : هيا يا اسيا جهزي اشيائك انتي واختك
فردت عليه اسيا وهي ناظرة لاسفل احترما له او بالاحري خوفا منه : الي اين سنذهب يا ابي
فاخبرها سريعا وهو يضع بضع الملابس القليلة بحقيبته : سنغادر البلاد سنذهب الي اروبا يا بلهاء
فصدمت اسيا من قراره المفاجي ، فبرغم ما عانته من والدها من عنف وقسوة الا انها ببلادها فوجودها بداخل منزلها وسط جيرانها يشعرها ببعض الطمانينة ، ولكن الان يريد ان يحرمها من ابسط حقوقها يريد ان ياخذ منها ابسط الاشياء التي تشعرها بالامان وبرغم هلعها الشديد من قرار والدها الا ان لم تجرء علي قول كلمة واحدة لابيها ،،
لذلك ابتلعت ريقها الجاف وقالت له بصوت مرتجف: هل سنمكث كثيرا هناك ، لانني لا اعلم ماذا احضر معي
فرد عليها بفرحة عارمة غير عابئ بشحوب وجهها : احضري معكي كل شيء فمن المحتمل ان لا نأتي الي هنا مرة اخري
فاخذت حديثه كالصاعقة التي سقطت علي مسمعها ثم تحركت من امامه واخبرت اختها بقرار ابيها وكانت اختها اكثر هشاشة منها فبكت بحرقة ولم تفعل اسيا شي الا احتوائها بداخل ذراعيها وهنا لم تستطيع ان تمنع دموعها اكثر من ذلك فسقطت دموعها باستسلام علي خديها ..
ولكن لم ياخذوا وقتا طويلا في الاعلان عن خوفهم من القادم فنهضوا سريعا لينفذوا ما امرهم به والدهم حتي لا يثيروا غضبه وهما بامس الحاجة لبعض الهدوء ،،
اخذوا معهم القليل لانهم لم يكن ب حوزتهم الا القليل ثم ذهبوا الي المطار وصعدوا علي متن الطائرة برهبة اصابت وجدانهم وكانت اسيا الدرع الامن لاختها في الوقت التي كانت هي من تحتاج لكلمة تطمئنها او ذراع يضمها او نظرة حنان تشعرها بان كل شيء سيكون علي ما يرام..
هربوا من خوفهم بالنوم فاستسلموا له ولم يستيقظوا الا عندما سمعوا ابيهم يقول : هيا انهضوا لقد وصلنا
فتحوا اعينهم ونهضوا سريعا ثم ذهبوا وراء ابيهم ، انتظروا بعض الوقت بالمطار لانتهاء الاجراءات الروتينية وبعدها استقلوا سيارة وذهبوا لمنزلهم الجديد..
واكثر ما ذاد خوفهم هو الشوارع الفارغة من البشر التي يحيطها اشجار النخيل علي الجانبين وكأنهم استقروا بداخل غابة فلم يعلموا بأي مكان هما ولم يجرؤا ان يسألوا ابيهم فاكتفوا بالصمت وتأمل المناظر الخلابة ..
وبعد مرور الي ما يقرب من الساعتين استقروا امام منزل مكون من طابقين مصنوع علي الطراز الحديث..
نزل ابيهم اولا من السيارة ثم امرهم بالنزول وراءه قائلا : هيا يا فتيات لقد وصلنا للمنزل
نزلوا من السيارة وضربهم الهواء الصقيع علي بشرتهم الناعمة فاسيا انسجمت معه وشعرت كأنه يهدئ من خوفها فهي عاشقة للبرودة والهدوء والانعزال عن الجميع ..
ولكن كانت اختها (عهد) علي النقيض فارتجفت واحكمت غلق ردائها البالي لعله يبث لها القليل من الدفء ،،
ولكن لم ينتظروا كثيرا بالخارج فدخلوا سريعا لمنزلهم الجديد وحقا لن ننكر نظرات الانبهار التي ظهرت بوضوح بعيون كلتاهما ، انتشلهم ابيهم من هذة اللحظة وهو يقول بنبرة غلبها الارهاق : استكشفوا المنزل سريعا ثم اجهزوا للنوم لان لدينا غدا يوما مليئًا بالمفاجات
فردت عليه اسيا بداخلها : ارجوك كفي مفاجات ، فانا غير قادرة علي شيئا اخر
ولكن اكتفت بالصمت والموافقة علي حديث ابيها بدون اعتراض يذكر ثم ذهبت هي وعهد لاستكشاف المنزل واختاروا اكثر غرفة تري الاشجار والطبيعة الالهية ، فكانت تلك الغرفة هي اول شيء يرسم الابتسامة اعلي ثغرهم منذ رحيلهم من موطنهم الاصلي ...
جاء يوم الغد سريعا ، فاستيقظوا مع بزوغ الشمس وقاموا بتحضير طعام الافطار فوجدوا كل ما تطيب له النفس بالمنزل وكأنه كان يوجد شخص قبلهم قام بتحضير كل شيء ، ثم انتظروا ابيهم حتي يستيقظ ، وبعد مرور الي ما يقرب من الساعة نهض ابيهم وجلس يلتهم الطعام بشراهة ثم قال لهم والطعام بفمه : ستأتي سيدة بعض قليل ومعها بعض الملابس ومستحضرات التجميل ، ستكون مسؤلة عن تحضيراكم للمساء
فسالته اسيا بصوت مرتجف : الي اين سنذهب مساءاً يا ابي
فرد عليها بصرامة : سيقام حفلاً مساءاً ويجب ان نكون علي اتم الاستعداد
دهشت اسيا من تصرفات ابيها غريبة الاطوار فمنذ متي كان يحب الحفلات والضوضاء المصاحبة لها ، ولكن اكتفت ب ايماءة بسيطة فعلتها براسها دليلاً موافقتها لحديث ابيها..
مرت الي ما يقرب من ساعة ثم جاءت سيدة في قرنها الرابع انتشرت التجاعيد علي رقبتها وبجانب ثغرها ولكن احتفظت بجمالها واحتفظت مقلتاها بالصرامة ..
اقتربت لهم وحثتهم علي الصعود لغرفتها وكانت هي بالمقدمة والغريب انها كانت علي علم بالمكان بشكل اثار فضول اسيا وشعرت بان هذة المراءة لم تاتي هذا المنزل لاول مرة فهي معتادة عليه وتعلم اركان المنزل عن ظهر قلب ، ولكن نفضت كل تلك الافكار عنها عندما سمعت صوت هذة المراءة تقول لها : من اسيا ومن عهد
فردت عهد برقتها المعهودة : انا عهد وهذة اختي اسيا
فاكملت المراءة حديثها بنبرة أمرة : اسيا سترتدي هذا وعهد خذي هذا الثوب لترتديه
صدموا هما الاثنين من حديثها ونظروا لبعضهما البعض بنظرة ذات معني فطالما ارتدوا ملابس بالية وقديمة ومستعملة برغم غناء ابيها ، ولكنه كان محرم هذة اللذة مثل باقيها ،،
اقتربت اسيا واخذت الثوب منها فعلمت من رائحته بأنها ستكون اول من ترتديه ، فكان ثوب قصير يصل الي ما بعد ركبتها بقليل ابيض اللون يأخذ شكل الجسد وله فتحة ظهر كبيرة بعض الشيء ومغلق من الامام بالكامل واخيرا كان مرصع ببعض اللؤلؤ عند الرقبة فاعطاه المزيد من الرقي ..
فصمت صوت الكون واخذت اسيا الثوب وذهبت لغرفة اخري لكي ترتديه فلاول مرة تتخيل نفسها فتاة صغيرة وبيديها ثوب العيد فشعرت بهذة الفرحة التي حرمت منها اعواماً..
وبعدها قامت بفتح سحاب الثوب وقامت بارتدائه ببطي لكي تستمع بكل لحظة تمر عليها وبعدما انتهت نظرت لنفسها بالمرآة وجدت نفسها فتاه اخري اكثر جمالا واكثر جاذبية وكأن الثوب صنع خصيصا لها ..
فاظهر نحافتها وبياض بشرتها وما خجلت منه انه اظهر شامتها المميزة التي تتوسط ظهرها ، ولكن استعادت رباطة جأشها من جديد وطرقت شعر حر طليق خلف ظهرها لمنع شامتها من الظهور علي قدر الامكان  ، وخرجت بخجل طفلة صغيرة و وجنة متوردة وراس مائلة لاسفل واخيرا توتر كبير ظهر بكف يديها ..
انبهرت اختها بثوبها الجديد وهرولت تجاهها ثم احتضنها بقوة وقالت : ما اجملك يا اسيا
وهنا نظرت اسيا لاعلي ورأت اختها بثوبها الجديد فكان حقا مميز بلونه الاحمر الصارخ الذي اعطاها انوثة طاغية وجاذبية محطمة لافئدة القلوب ، فكان طويل بشدة وله فتحة صغيرة ابرزت رقبتها التي تميزت بالنحافة وعقلت شعرها للخلف وتركت بعض الشعيرات حرة طليقة تجعلك تريد ان تأثرها مع باقي شعرها ولكنها تمردت عن الباقي ..
وهنا قالت المراءة : حقا لم اتوقع هذا الجمال الدفين ، الان علمت لماذا ابيكم قرر حبسكم بالبيت ورفض خروجكم ، فلديه جميلتان يمكن ان يغويهم الهوا ويقضي عليهم بسهولة
فنظرت لها اسيا نظرت استغراب وقالت لها : من اين عرفتي كل هذة المعلومات عنا ، هل ابي قص عليكي شيء
فاكملت السيدة بنظرات حادة ونبرة اظهرت ذكائها : نظرتكم للملابس الجديدة وحماسكم المبالغ فيه يجعلني اخمن كل ذلك بدون معرفة من احد ، هيا انهوا اللمسات الاخيرة لانه ستتواجد خبيرة تجميل ستأتي بعد قليل ، لتحاول ان تخبئ هذا الشحوب الذي ظهر بوضوح علي وجهكم
ف كلامها الاخير اثار غضب اسيا فكانت علي وشك ان ترد عليها ولكن امسكتها عهد من معصمها لتحثها علي ان تتخلي عن ما تريد ان تفعله ، فانصات عقل اسيا لها وفضلت الصموت ..
ثم جاءت خبيرة التجميل واعطتهم القليل من المجاملات كمثل (ما اروع بشرتكم الصافية ، ما اروع شعركم الطبيعي ، ولكن انبهرت بعيون اسيا الرمادية )
فلم تستطيع ان تملك نفسها وقالت : عيونك رائعة ، بها تدرجات اللون الرمادي الذي اعطاها جاذبية خاصة ، وبذات الوقت النظرة المطولة بها تشعر المرء بالخوف والتفكير مرارا قبل الاقتراب منك ، فعيناكي مثل جمال عيون القطط ولكن تحمل شراسة بداخلها
فضحكت السيدة الكبيرة بسخرية وقالت : اول ما رايت عيناكي شعرت بانني امام اعين ذئب وليست قطة مرودة
فردت عليها اسيا بتحدي : هكذا انا اخدع الجميع برقة مزيفة ولكني بداخلي ذئب شرس قادر علي افتراس كل من امامه لذلك الجميع يبتعد عني وانا اشعر بلذة بهذا البعد ، اكره الضوضاء واكره كل من يكون سبباً في انشاء هذة الضوضاء ..
كلمات اسيا البسيطة اثارت غضب السيدة الكبيرة فكانت علي وشك نتف شعرها واخراس لسانها السليط ، ولكن حماها القدر هذة المرة عندما سمعوا نداء ابيهم بالتعجيل لان الحضور علي وشك الوصول ..
فتدخلت عهد قائلة : ابي ينادي هيا يا اسيا حتي لا نثير غضبه
انهت خبيرة التجميل اللمسات النهائية سريعا ثم ترجلوا جميعا لاسفل ، وتفاجئت كلا من اسيا وعهد من ازدحام منزلهم باشخاص كثيرون ، و واضح كثيرا بانهم ذو جنسيات مختلفة ولكنهم لم يحددوا اي جنسية جاءوا منها فهما لم يعلموا حتي الان بأي بلد هما ..
نزلوا لاسفل ببطئ وحرص شديد بسبب الحذاء المرتفع الذي اجبرتهم السيدة علي ارتداءه هما لم يعتادوا علي هذة الاحذية المؤلمة ولكن انصتوا لها باستسلام عندما علموا بأن ذلك طلب ابيهم ..
وبذات اللحظة كانت توجد أعين كثيرة ترصدهم بقوة فلو تحدثت النظرات ستقول بأنني اصبحت  رصاصة اصابتهم بمنتصف قلبهم ..
فكانت هذة النظرات الحادة ترجع لاكبر عائلة وسط جميع الحضور ، بل هذة العائلة هي السبب الرئيسي لاقامة هذة الحفلة وفعل كل هذة التجهيزات ،،
اخيرا وصلت اسيا وعهد لاسفل ووقفوا بجانب ابيهم ، انبهر هو اولا بالصورة الرائعة التي اصبحت بناته بها ووقف بتفاخر بجانبهم ثم اعطاهم بعض كلمات المدح امام الحضور ، وسط زهول من اسيا وعهد فلاول مرة يسمعوا كلمات مدح مخصصة لهم تخرج من فم ابيهم ، وشعروا برضا كبير عن مظهرهم واصاب وجدانهم سعادة لحظية ، الا ان جاءت هذة العائلة لتتبادل التحيات ..
فأول من تحدث كان الجد الاكبر للعائلة : كيف احوالك يا رأفت
فرد عليه رأفت بحماس كبير (والد اسيا): بخير يا سيدي ، كيف احوالك وكيف احوال العائلة
فأكمل الجد : بخير بخير ، هذا ابني الكبير جاسر ، وهذا ابني الاخر فؤاد
فرحب بهم رأفت بسعادة كبيرة وكأنهم من عائلته واخذهم لاكثر طاولة مميزة وضعت بالمنزل وبدوا في نقاشات عدة غلبها العمل والصفقات الممتلئة بالاف الجنيهات ، فلم تفهم اسيا طبيعة هذا العمل المربح ولكنها قررت هذة الليلة ان تستمتع بكل لحظة تمر عليها لذلك مكثت هي وعهد بمكان هادي بعض الشي وظلوا يدردشون حول عدة مواضيع ..
وبعد مرور الي ما يقرب من ساعة قررت عهد التجول بحديقة المنزل واحضار بعض الطعام لها هي واختها فذهبت بعيدا عن اسيا بعدما قالت لها : سااتي بعد قليل ، انتظريني هنا
فردت عليها اسيا بابتسامة : حسنا
وكانت تلك اول مرة لعهد ان تتجول بمكان محاط بالاشجار والحشائش ، فقررت ان تفعل حركة جنونية لذلك خلعت حذائها وتركت لقدمها العنان وسارت حافية الاقدام علي الحشائش المبتلة ببعض قطرات المياه فشعرت بالانتعاش والحرية وبعد قليل اغمضت مقلتاها وسارت هكذا ..
فلاول مرة تشعر بالسعادة تغمر خلاياها بدون استاذان ولكن أهل تسير كل الاشياء كما يرام وكما نريد ، فيجب ان يعكر صفونا شيء بغيض ويفسد علينا اسعد لحظاتنا ،،
فاثناء سير عهد اصطدمت برجل طويل القامة قوي البنيان فنظرت له واكتشفت مدي قصر قامتها مقارنة به ..
فابتعدت عنه قليلا وخجلت من فعلتها البلهاء وقالت له باعتذار: اعتذر منك سيدي
فلم تلقي منه الا الصرامة وحدة الحديث عندما قال : ما هذة التصرفات البلهاء ، هل مازلتي طفلة بالمدرسة؟
فشعرت عهد باهانة صريحة بنبرة صوته ، وبرغم رقتها وهشاشة شخصيتها الا تمتلك لسان سليط ونبرة حادة ورثتها من ابيها ، لذلك تحولت نظرتها الخجولة لنظرة غضب وردت عليه : لا اسمح لك بأن تقلل من شأني
فاشتدت بينهم المواجهه وطال الحديث الحاد ، بذات الوقت قلقت اسيا علي شقيقتها لذلك خرجت تبحث عنها بالحديقة ، فوجدتها تقف مع رجل غريب الاطوار فاقتربت منهم قليلا فوجدته دفع شقيقتها بكتفها ..
في هذا الوقت لم تري شيء امامها فركضت تجاههم ثم ضربته بالكف علي وجهه بأقصي قوة امتلكتها حينها !!!

صراع الافاعي Where stories live. Discover now