غَسقٌ أم دُجى ؟

6 1 0
                                    

هنا في آخر أيام ديسمبر كعادتي من كل عام في إنتظار الغسق ، كنت فقط جالساً على حافه شاطئ البحر ، حيث كانت الأمواج تضربني و تعود للخلف خجلاً ، تملأ عيناي دموعَ تحاول السقوط والألتحاق بتلك الأمواج ، لتأتي هي وتجلس بجانبي معانقه ليدي و مسنده رأسها على كتفي ، لو تعلم هي كم أحبها حين تأتي و تسندني في أشد أوقات ضعفي ، وبدأت بالحديث بينما اكتفيت انا بالصمت ، أخبرتني " هيلي " عن أسطوره قد سبق و سمِعتها من إحدى الصديقات ، تقول تلك الأسطوره ان هناك ملاك أبيض اللون ذي أجنحه جميله و جذابه للغايه ، و كان يحب الجميع ، يحب رؤيه ابتسامتهم ، و اعطائهم الأمل ، يحب ان يجعل الجميع بخير ، وكذلك الجميع كان يعشقه و يعشق وجوده بينهم ، و لكن في إحدى الأيام ذهب خلف ذلك الملاك صبي صغير من الملائكه كان يحبه ، و لسوء حظ ذلك الصبي نسى الملاك باب بيته مفتوحاً تلك المره على غير العاده ، حيث كان يقفله دائماً ولا يسمح لأحد بالدخول ، دخل ذلك الصبي خلف الملاك ليصدم من ما يرى ، تحول ذلك الملاك الابيض الجميل في أجزاء من الثانيه للسواد الشديد ، كأنه دُجى ليلٍ بلا نجوم او قمر ، اختفت اجنحته المذهله لتظهر مكانها قرون حمراء بشعه قد اعتلت رأسه ، صرخ الصبي ، صرخ ليشد انتباه ذلك الملاك الشيطاني و يلتفت له ، لتزداد صدمه الصبي برؤيه دموعه ، ولكنه تسائل كثيراً هل هذه دموع أم دماء ؟ ، فقد كانت باللون الأحمر القاتم ، كان يبكي دماً متخثراً كأن أعواماً مضت عليه داخل عينين الملاك ، و في تلك اللحظه التي نظر فيها الملاك للصبي و تعرف على هيئته عاد ملاكً أبيض حسن الشكل ، توقف الصبي عن صراخه ليسأل ملاكه المحبوب ، ملاكه الذي كان الجمال يخشع في وجوده،  ما الذي حدث و لما كان بذلك الشكل المرعب ؟ ، ليصمت الملاك لفتره وجيزه ناظراً للأرض ثم يعيد نظرهه للصبي و يحكي له لِما " قد كنت طوال عمري أحاول إخفاء ذلك الجانب مني بعيداَ عن أنظار الجميع ، أحاول أن أكون لطيفً معكم ودوداً ذو ضحكه واسعه تشرح الصدور ، ولكنك رأيت الآن جانبي المؤلم ، جانبي الممتلئ بالسواد و العتمه ، قد مررت بماضي لم أستطع نسيانه إلى اليوم ، لم أقدر على نسيان ألمي ، ولكني أحاول ان لا اجعل احداً أبداُ يعاني ما عانيته ، قد تم اخذي عندما كنت في عمرك من قبل البشر ، قام الجميع بنبذي ، تعذيبي ، و اذيتي ، اجرو تجارباً علي ، كوني ملاكً أسود ولست كباقي الملائكه أبيض اللون ضن هولاء البشر أنه من المباح لهم إجراء تجاربهم القاسيه علي وعلى جسدي ، قد قام احدهم بقص جناحيّ ذات مره ، و وضع لي قرنين مكانهما ، أخرجوا عيناي من مكانهم دون رحمه ثم اعادوها مكانها ، قام هولاء البشر بشق صدري لنصفين فقط لرؤيه ما اذا كان تركيب أعضاء جسد الملائكه كأعضائهم ، أتعلم يا صغير قد هربت منهم بعد عناء طويل ، و لكن لم أستطع الهرب أو نسيان ما حدث لي معهم ، انا الان أخفي حقيقتي فقط لكي لا يتكرر ذلك ، أغير شكلي فقط لكي يحبني الناس ، فهم لا يحبون اللون الاسود ، انهم يفضلون البياض كأنه شيء مقدس ، أتعلم لم يكن لي احد قبلاً بقى هادئ مثلك حتى احكي له هذه القصه الجميع كان يهرب عندما يرى شكلي الحقيقي الذي لم اكن أظهره الا عندما أكون وحدي ، وانا حقاً لا اعلم لما اهتم ، ولكن لا أريد ان يحدث ما حدث لي لهم لذلك أحاول بكل الطرق ان أكون سنداً لمن ليس لهم سند ، و املاً لم كان اليأس سيد الموقف معهم ، انا فقط اريدهم بخير ، ارجوك الآن لا تخبر احداً بما رأيت " ، كان الصبي واقف تملئ عينيه الدموع ، لم يصدق أنه اكمل كلماته ليركض محتضناً اياه طالباً منه إظهار شكله الحقيقي ، ليفعل الاخر ما طُلب منه ، و يسمع كلمات ذلك الصبي التي صُبت على جروحه كأنها العلاج المنتظر ، أخبره الصبي بأنه يحبه كما هو ، ابيضاً كان أم أسود هذا لا يهم ، فهو يعلم ان له قلباً ناصع البياض لا يتأثر بلونه الخارجي او بلون ماضيه الأسود ، اخبره بأنه مهما قام هؤلاء الناس بإذائه و تشويه مظهره الخارجي لم يستطيع أحدهم ان يشوه قيمه و مبادئه كملاك ، اخبره بأنه جميل بهلاته السوداء تلك و ان عينيه الجميله لا يجب ان تذرف الدموع الا فرحاً ، أخبره بأنه سيبقى معه دائماً .

ما إن أكملت " هيلي " سرد اسطورتها حتى تركت يدي و جلست امامي ، نظرت إلي بعيون دامعه ، كنت أعلم منذ البدايه أن الامور ستصل إلى هنا ، نعم إنها الآن تشبهني بذلك الملاك ، انها تراه بداخلي ، إنها تعلم مدى ألمي ، آرى دموعها تتساقط مكان دموعي ، انها تعلم ، تعلم سبب ذلك الألم و حجمه ، فالملاك قد قام غرباء بتعذيبه ، أما انا فقد كان أبي و أمي سبب ذلك ، تعلم أن الملاك قد قطعت له اجنحته ، و قطع والدي طفولتي امام عيني إلى نصفين ، تعلم بإنهم فتحو صدر ذلك الملاك و لكن انا قاموا بفتح أبواب شياطيني ، هذا هو الفرق بيننا " هيلي " ، إن الملاك بعد عذابه لم تتغير قيمه ، أما أنا فقد قام الجميع بتحويلي إلى شيطان لا يعرف شيء غير الاذى في حياته ، لم أرى العاب في صغري ، كنت ارى خناجر و سكاكين ، و حين كبرت لم ادخل للمدرسه للتعلم و إمساك القلم ، إنما امسكت السلاح و تعلمت القتل أولاً .

غرقت في أفكاري لترمي " هيلي " نفسها علي تُخبرني ان اطمئن وإنني بخير و أن لا شيء من ما يجول داخلي قد يُضعف حبها لي ، حبها الذي كان شمعه صغيره اعادتني من الدُجى للشروق ، أحببتها ليعود لي حب الحياه ، علمتني كيف أحب بعد ان كنت لا أعلم شيء غير الكره في حياتي ، اعطتني أملاً كان اليأس يأخذ مكانه في داخلي ، أحبتني رغم قسوتي ، حاولت إصلاحي رغم إنني حقاً كنت غير قابلٍ للإصلاح في ذلك الحين ، كانت " هيلي " كالقمر الذي أضاء ظلام ليالي عمري الحالكه ، كانت ورده قد أهديت من فتاه طيبه القلب لصغير كان يبكي مشتاق لأمه المفقوده ، كانت رغيف خبز اشبع جوع فقير اهلكت عاتقه الدنيا بأثقالها ، كانت سقفاً حمى عائله من أمطار رعب الأيام ، فقط لو تعلم كم أحبها .

لم ننتبه انا و هيا حتى ضاع ظلام السماء بنور شمسٍ بدأت في الصعود ، لتسألني هيا مبتسمه كعادتها " غسقٌ أم دُجى ؟ " ، و أجيبها بعد أن بدأ لون عينيها البني بالسطوع حباً لنور الشمس وشعرها الذي أقمر ليله باكراُ " الشروق " .

Nana Ambark.

One part stores .Where stories live. Discover now