الثالث من أغسطس، 2019.

34 13 0
                                    

«مكتب مُصطفىٰ نزية»

الساعة 09:05 صباحًا.

وصل هيثم للمكان، فأمرته بالجلوس قبل أن أطلب له فنجانًا من القهوة، وكالعادة، انهال عليَّ بالكلمات المُتممة شُكره علىٰ هذا الكرم الوافر.

- ... جيبت الراجل إللي بلغ؟

- واقف برة يا باشا، مستني سعادتڪ.

أومأت برأسي علامة الإيجاب، فأخرجت من جيبي علبة سجائري لأخرج لي وله واحدة، مُرددًا:

- حلو! دلوقتي مطلوب منڪ تدوَّرلي في شُغل فادي عزام، تعرف لو كان في مشاكل بينه وبين واحد من زباينه.

مددت له السيجارة وهوَ يُتمتم ما آمره به.

- ... وتجيبلي إللي وصلتله أول بأول، وأول ما تخلص الكلام ده تدوَّر في مشاكل فريدة مُختار في السجن.

أشعل سيجارته، ثم مدَّ يده ليُشعل سيجارتي.

- ... سعادتڪ شاكك يكون المُخطط من جوة السجن واتفق مع حد برة؟!

دخنتُ نفسًا.

- فريدة ماتت لسبب مالهوش لازمة، وفي الأول والآخر لو فرضنا إنها كانت موجودة مُمكن تعيق القاتل، فهيَ كانت بتصلي، وكونها ماتت علىٰ سجادة الصلاة.. ده معناه إنها لا قاومت، ولا سمعت حاجة؛ ليه اتقتلت؟

سألت السؤال بدافع منطقي، في حين ردَّ هوَ بدافع ديني:

- ولاد الكلب الكـ...

قاطعته:

- مش ده قصدي، أقصد إن القاتل كان جاي عشان فريدة من الأساس، وإنه احتمال يكون قتل باقي الموجودين في البيت عشان يلغوش.

أشار نحوي مُقتنعًا:

- ... أيوة صح، مُمكن والله يا نزية بيه!

شردتُ قليلًا، قبل أن أعدل عن قولي:

- أو جايز كان جاي عشان فادي، وقتل الباقيين عشان يلغوش.

هنا بدت تعابير الحيرة علىٰ وجه هيثم، فأمرته أنا بتنفيذ ما طُلب منه:

- ... هتحضر معايا التحقيق، وتخلص قهوتڪ وبعدين تعمل إللي قولتلڪ عليه.

- تمام سعادتڪ.

* * *

بعد دقائق.

- ... وإيه إللي خلّاڪ تشڪ إن في حاجة مش طبيعية يا أستاذ جمال هارون؟

نحن نتحدث عن مُدرس لغة عربية، يعمل بمهنته لأكثر من عشرون عامًا، بمدرسة ثانوية للبنات، وكان جارًا لتلڪ العائلة مُنذ أكثر من ثلاثون عامًا، كما كانت تربطه بـفادي علاقة صداقة مُقربة.

- في الأول أنا سمعت صوت مش طبيعي قبلها بليلة، كان في اختلاف تقريبًا، وصوت صراخ، بس مرضيتش أتدخل لإنهم كانوا ساعات صوتهم بيعلىٰ في خناقاتهم العائلية... بس بعدها بيوم كان المفروض زيه زي أي يوم اتنين، بنطلع مع بعض الشغل بعربيتي، لإن حصصي بتتفق مع معاد شغله، ولمَّٰ مردش... اتأكدت إن المُشكلة اتطورت!

فسألته وأنا أُطالع ورقة أمامي لأتأكد من المعلومة:

- ... أستاذ جمال، إنتَ قولت في التحقيقات لرجالة الشرطة إنڪ كلمتهم قبل ما تكلم الشرطة!

- مظبوط.

هنا عقدتُ يديَّ أمامي علىٰ المكتب مُتأملًا إياه.

- كلمت مين؟

- فادي عزام، ومدام فريدة.

- وإنتَ جيبت نمرة مدام فريدة منين؟

أتؤمن بأن العالم دورًا كبيرًا من الشطرنج؟!

إن كُنت تؤمن، فدعني أعرفڪ بحركة الكِش التي ألقيتها لوجه جمال توًّا، بالطبع تبدلت ملامح هيثم ذهولًا من هذا السؤال، في حين حاول جمال بكل ما أوتي من وسائل لإقناعي أن الأمر ليس كما يبدو عليه.

- ... يا نزية بيه، مدام فريدة ديه أختي من أكتر من تلاتين سنة، من ساعة ما هيَ وفادي اتجوزوا، وإحنا الوش في الوش، وساعات الأمر بيتطلب مراتي تكلمها، أو هيَ تكلم مراتي.

أومأتُ برأسي علامة الإيجاب.

- تعالىٰ أمضي علىٰ أقوالڪ.

- تمام.

وما إن فعل، أشرت له بالرحيل، وبمُجرد أن خرج أشرت لـهيثم نحوه.

- خليه تحت عينڪ، وشوف في الخط بتاعه لو كان بيتواصل مع فريدة.

- تمام، وأجيب لسعادتڪ الحاجات ديه كُلها إمتىٰ يا نزية بيه؟

رمقتها مُستعجبًا السؤال، فكان ردي:

- إمبارح.

فاستنتج أن الأمر ضروريًّا، فهمَّ بالرحيل بعد إلقاء التحية العسكرية.

* * *

بعد ست ساعات.

- ... عينت تلت شيفتات مُخبرين يراقبوا جمال هارون كويس، وعملت تقرير بآخر أعمال فريدة مُختار في السجن، وبالمشاكل إللي حصلت لـفادي عزام في الفترة الأخيرة؛ وطلعت بتلت عداوات.

التفتُّ له مُنتبهًا بعد أن كان كُل انتباهي بتقريرٍ طلبته من إدارة مُكافحة الجرائم الإلكترونية، يُظهر لي التفاعلات الأخيرة علىٰ حساب جمال هارون الشخصي، وما إذا كان هُناڪ تواصل إلكتروني بينه وبين فريدة مُختار.

- ... الأول راجل من الصعيد، كانت مُشكلته في دفع فلوسه لـفادي عزام، والتاني كان راجل المفروض مضي متفق مع فادي بالتراضي إنه يسيب له شقة كان بيأجرها منه بسبب تأخير الدفع، والتالت سمسار زميله، خلافاته معاه كانت بسبب الزباين.

التقطتُّ منه التقارير الخاصة بالثلاثة، ثالثهم كان مرفوضًا من وجهة نظري، والثاني كان امم.. مُمكنًا، أمّا الأول!

- ... الفلوس مُشكلتها كبيرة، وبعدين الصعايدة معروفين بإنهم يموتوا ولا يتذلّوا، وبما إن فادي سمسار؛ مينفعش يأخر القرش إللي ليه، فغالبًا طلبها منه كتير.

ثم أشرتُ نحو اسم المشبوه الأول بالتقرير.

- رؤوف أبو الفدا.

الملف الأسود | The Black FolderWhere stories live. Discover now