الثاني من أغسطس، 2019.

121 20 4
                                    

أكتُب سطور تلڪ المُذكرات والتي اعتبرتها وزارة الداخلية إدلاءً بالمعلومات، لسببٍ أرفض وأنكر وأعلو عن الاعتراف به، ففي النهاية، أنا، المُقدم المُترقىٰ حديثًا، مُصطفىٰ فؤاد نزية، فوق مُستوىٰ الشُبهات!

بدأ الأمر مُنذ ثلاثة أيام، عندما أفاقت الداخلية بأكملها علىٰ عدوٍّ جديد يجابهها ويُعاندها بُكل ما أوتي من قوة، ويُشكل خطرًا عليها أكثر من المُتهمين أنفسهم؛ نعم يا سادة، أنا أتحدث عن وسائل التواصل الاجتماعي.

كان الأمر -ولا يزال- أخطر من وسائل الإعلام بمراحل، نحن نفتح أجهزة التلفاز الخاصة بنا لنُتابع مُذيعون وصحفيون تخرجوا ليفعلوا هذا، ولٰكن الأمر كان مُختلفًا مع أولٰئِڪ الذين يختبئون وراء شاشات هواتفهم وحاسوباتهم.

وكما نعلم جميعنا، أن الداخلية ترفض تمامًا أن يُملي عليها أحدهم ما تفعله، ولٰكن الأمر مُختلفًا بتعظيم سُلطة السوشيال ميديا يومًا بعد يوم.

هذا بالضبط ما حدث باليوم ما قبل الأخير، بالشهر الفائت، حيث اعتقد الثائرين من مُتابعين المواقع الإخبارية علىٰ الإنترنت أنهم لوحدهم قد رأوا بشاعة القضية التي عُرفت بإسم «سفاح القناطر»، وأنهم -علىٰ العكس من وزارة الداخلية- الوحيدين المُتعاطفين مع ضحايا الحادث.

نحن -يا سادة- أمام مُخطط احترافي في التخطيط والتنفيذ.. ويجب علينا للتعامل معه الاعتراف به أولًا!

* * *

«أحد فنادق الهرم».

الساعة 06:13 مساءً.

إن العُظماء -أمثالي- يتمتعون للمُحافظة علىٰ عظمتهم العملية أيًّا ما كان مجالهم الذي يتمرسونه، ببعض القواعد الدائمة، فأنا مثلًا، أُحافظ علىٰ هدوئي وسلامي الداخلي، وسكينتي النفسية، وأعلم جيدًا أنني بقدر ما شعرت بغضب.. فقدتُ تركيزي، ونسبةً من ذكائي العملي.

أيضًا من ضمن الطقوس الواجب توافرها لدىٰ قاموس مُصطفىٰ نزية، التأمل، وقد بدأت مُنذ سنين في الاعتياد علىٰ ممارسة التأمل الذهني من بين كُل فترةٍ وأخرىٰ، اغتنامًا لأجازتي من مُديرية أمن القاهرة.

وقد وجدتُ أنها فُرصة مثالية تلڪ التي ترقيت بها لأحظىٰ بأجازة، أقضيها -كعادتي- بأحد فنادق الهرم، الردئية، تلڪ التي لا يعلم لا النُزلاء ولا العاملين بها مَن هوَ مُصطفىٰ نزية؛ المُستبصر العظيم!

ولٰكن في النهاية، لنتفق علىٰ أنڪ لن تحظىٰ أبدًا بالسكينة المُطلقة، ولا السلام النفسي، إن كُنت تعمل بالداخلية، حتىٰ وإن كُنت موظفًا بائسة بإحدىٰ إداراتها!

يرن هاتفي لمُقاطعتي عمَّا كُنت أقرأه بعلم قراءة لغة الجسد وعلاقته بالفراسة، فاضطر -كُرهًا- لإغلاق كتابي لالتفت له.

رقمًا غريبًا!

- ألو..!

- رقم المُقدم مُصطفىٰ باشا نزية؟

ناولتُ الهاتف من يدي اليُمنىٰ ليدي الأخرىٰ، لأحظىٰ بوقتٍ كافي في تنهيدتي الساخنة، فأنا أعلم جيدًا تلڪ المُقدمة، وما تُخبئه لي.

- ... مين معايا؟

- سعادتڪ، أنا روحتلڪ الڤيلّا بتاعتڪ في المعادي، وسألت غفير الڤيلّا بتاعة الناس جيرانڪ وقالي....

أنزلت الهاتف عن أذني مؤقتًا لأخرج علبة سجائري، بعدها أخرجت سيجارة، فأشعلتها وأنا أسمعه صوته يتردد من الهاتف، وهوَ لا يزال يستكمل مُغامرته الشيقة في البحث عن نزية!

- ... والحمد لله أخدت منها رقمڪ!

تندتُ قبل أن أرد عليه بهدوءٍ قدر المُستطاع:

- ... طب الحمد لله! همم، وبعدين؟

- سعادتڪ فين دلوقتي؟

رمقتُ ساعة يدي لأتأكد أنه قد أمضي دقيقة كاملة دون أن يرد علىٰ سؤالي حتىٰ!.. فعاودتُ تكراره:

- علىٰ فكرة إنتَ مخدتش بالڪ إني سألت: «مين معايا؟».

- أنا الملازم أول هيثم المصري يا باشا، الإدارة بعتتلڪ طلب استدعاء رسمي؛ لازم تيجي المُديرية دلوقتي!

أمسكت منطقة بين عينيَّ، والتي تُعرف بإسم «شقرة العين الثالثة»، مُحاوِلًا السيطرة علىٰ رد فعلي، ثم رددت له:

- خير؟

- في جريمة قتل حصلت في منطقة القناطر، وسيادة اللوا مُدير الأمن طلبڪ بنفسه للقضية ديه.

تنهدتُ وأنا أقول آخر ما لدي بتلڪ المُكالمة:

- ... طيب يا هيثم، حصلني عَٰ المُديرية!

- تحت أمر سعادتڪ يا باشا، بس بعد إذنڪ كُنت عايز أسأل...

قاطعته بإنهائي المُكالمة بالرغم من سماعي الجيد لما حاول أن يقوله، فلا المزاج ولا الوقت يسمح لي لفتح أي نقاشٍ مع غريب يود التعرف عليّ، أو مبهورًا بمُجمل أعمالي.

الملف الأسود | The Black FolderWhere stories live. Discover now