مُديرية أمن القاهرة.

Comenzar desde el principio
                                    

لم تكف عن البُكاء مُنذ أن وصلت إلىٰ هُنا، وأنا لسذاجتي اعتقدتُ أنها ستكف عن البكاء إن تركتها لوحدها؛ كُنت أسمع صوت بُكائها من الخارج!

ولٰكنها معذورة، في النهاية لن يتحمل أحدنا هذا، تمايلت بظهري مُنحنيًا للأمام نحوها، فعقدتُ يديَّ قائلًا:

- ... بُصي يا خلود، إللي حصل ده كان غصبٍ عنڪ، وعياطڪ ده عمّال علىٰ بطّال مش هيساعدڪ ولا هيساعدهم، إحنا دلوقتي مطلوب مننا نشتغل، وعلشان نشتغل لازم تآكلي!

لا تزال تنتفض وتشهق، تُحاول السيطرة علىٰ نفسها ولٰكن الأمر كان شبه مُستحيلًا، وأنا بصراحة أريد تدخين سيجارة!

فتحتُ حقائب الطعام البلاستيكية، وبدأتُ في رصّ الطعام أمامها علىٰ المكتب، وعلىٰ غير المُعتاد، كانت علىٰ وجههي ابتسامة شبه عريضة.

- ... بقالِڪ قد إيه مكلتيش من «ماڪ»؟ أكيد كتير.

لا تزال تتجاوز عمّا أقول، وأنا لا أزال مستكملًا في رصّ الطعام، ومُحاولة استثارة مشاعرها لتستجيب، فأكملتُ بعد أن التقطت أحد السندويشات، ومددتُ إليها:

- يلّلا، خُدي.

رمقتني دون رد، فحركت يدي.

- خلود، متكسفيش إيدي!

ولٰكنها لم تستجيب.

- يا خلود أنا عُمري ما عملت كدة، هوَ إنتي خطيبتي؟!

أشاحت ناظريها عني، فاستنتجتُ أنها تتهرب، وأن النُكتة أعجبتها، فأكملت قائلًا:

- طب بذمتڪ، لو مخطوبين هتتقلي عليَّ كدة؟!

ابتسمت رُغمًا عنها، فاقتربتُ منها قائلًا:

- كُلي يا خلود، كُلي عشان خاطري!

أنا أكره نفسي حقًّا!.. عن أي خاطرٍ أتحدث؟ أنا لا أعلم حتىٰ تاريخ ميلادها، مدَّت يدها لتلتقط مني السندويش المُقدم لها بخجل، في حين أخرجتُ أنا بتلهف السندويش الآخر، ليس لجوعي، وإنما لإنهاء هذا بسرعة لأدخن سيجارة؛ أنا أشعر برأسي يكاد يأكله الدود من الألم!

* * *

بعد ثلاث ساعات.

وصل ثاني فنجان قهوة لمكتبي، منذ أن حضرت، بينما كنت أراجع أقوال تلڪ المسكينة، قبل أن أتركها بنفسي بعد توصيلة مجانية بسيارتي حتىٰ منزل جدتها، فعدتُ مرة أخرىٰ إلىٰ هنا، مُتابعًا قراءة ما سمعته ودوَّنته بنفسي بمذكرتي الجلدية، مُشاركًا في أمسيتي بُن القهوة، وتبغ السجائر المستوردة.

قالت لي أنها -علىٰ غير العادة- قضت تلڪ الليلة عند جدتها، إلىٰ أن وصلت للنُقطة المُهمة باعترافاتها، فقالت أنها قد سُئلت وهيَ بطريقها للخروج من شارع العمارة من قِبل مجموعة متكونة من أربعة شباب، يستقلون «ميكروباص» عن عنوان والدها، فأدلّتهم.

تراجعتُ للوراء مُرددًا بصوتٍ مسموع ليصل صوتي لجانب عقلي الباطن:

- أربع شباب بميكروباص!

قُمت بحڪ شعر ذقني قبل أن أُنادي العسكري.

- يا عيسوي!

فُتح الباب ليدلف مُلقيًا التحية العسكرية.

- أوامر يا نزية بيه!

- هيثم برة؟

- لأ يا بيه، روَّح عشان ينام.

فقُلتُ مستهزءً:

- آه، حبيب قلبي تعب قوي النهاردة فعلًا!

ثم التقطتُ هاتفي من علىٰ المكتب مُتصلًا برقمه، فردَّ وأنا ارتدي سترتي التي كانت مُعلقة وراء كُرسيَّ.

- همم.. مين؟!

- هيثم، معاڪ نزية، قوم إغسل وشڪ وحصلني علىٰ مسرح الجريمة!

ثم أنهيتُ المكالمة، فألقيت نظري لأجد عيسوي لا يزال واقفًا يتأمل ما يحدث، فقلتُ بنظرة خبيئة، ماكرة:

- بيني وبينڪ، غلاسة!.. أنا مش محتاجُه.

فضحڪ.

الملف الأسود | The Black FolderDonde viven las historias. Descúbrelo ahora