السادس عشر

12.5K 355 1
                                    

في وقت الغروب و قد اوشك الليل علي إسدال ستائرة لحجب الشمس بنورها ، تقف ناظرة لسطان الذي يركض في المحيط المتاح له و من حوله ذلك السور الخشبي و المستندة عليه تتأمله.
تنهدت و عينيها تنظر لابعد من ذلك السور الخشبي، تحاول ان تكسب شقيقتها و لكن نظراتها العدائيه دائما ما تظهر لها كرهآ لم تصنعه يومآ....
رغم محيطها الهادئ، الا انها تشتاق لمكان مولدها، عائلتها الصغيرة والدها و والدتها، ذلك الدفئ الذي افتقدته رغم محاولة جدها و عمها بتعويضها ذلك ، الا انها تشعر بتلك الانقباضه في يسار صدرها دون سبب.
ابتسمت لسلطان الذي اصدر صهيلآ عاليآ مستمتعآ بحركته الحرة، كم يشبه صاحبه!
قوي و مسيطر ، هادئآ و متهورآ، تراه مغرور لكن مع من يطلب المساعده يكون في منتهي اللين و الرحمه، عينيه في غضبه كا ليل سماء ملبدة بالغيوم ، اما هدوءه صافيه في ليله مقمرة.
ضربت علي جبينها بخفه،  تخشي علي نفسها من وصولها ان اصبحت تتغني به في فكرها.
زاد صهيل سلطان و ازدادت حركته غير المعتاد، التفت خلفها و جدته قادمآ، تحفزت مستعده لاعتراض منه علي خروجها كا كل مرة.
وقف بجانبها بمسافه كافيه و مد يده لسلطان بقطع السكر الذي التهمها الآخر بسعادة.
قال صقر بهدوء : واقفه بقالك كتير اوي ، حتي ما اتحركتيش من مكانك
التفتت برأسها اليه و لهيئته ، ذلك الجلباب و تلك العباءة حول كتفيه و عمامته، لم تكن تتخيل في احلامها ان تنجذب لرجل مثله يوما ما.
خرجت من شرودها علي صوته مجددا : ايه الي واخد تفكيرك اوي كده
_ انت هنا من امتي؟
تكلم صقر و اجابها : من وقت ما وصلتي
تسائلت كارما: غريبه ما شوفتكش
اجابها و هو يمسح علي رأس فرسه: كنتي  غرقانه في تفكيرك، ما حبتش اقطع قعدتك مع نفسك
ابتسمت بهدوء و قالت : و ايه اللي خلاك تقرر تظهر دلوقتي
نظر اليها و قال صقر : ايه اللي شاغل بالك و مخليكي واقفه لحالك كده
بادلته النظر بعينين حائرتين و قالت : مش عارفه
قضب جبينه و هتف: مش عارفه ايه؟
تنهدت و احتارت في إجابتها، ثم قالت  بأندفاع: و تفتكر انت الشخص المناسب اللي ممكن احكيله
اجابها علي الفور بنبرته الواثقه: انا اكتر شخص هاتلاقيه فاهمك
ارتبكت قليلا و قالت مستنكرة: مش صح علي فكرة
ابتسم بجانب فمه و قال صقر : كل واحد ادري بحاله
استدارت له بكامل جسدها باندفاعيه غير مبررة: مش ها تبطل غرورك ده
فعل المثل و قف قبالتها مجيبآ: تبقي بتكذبي علي نفسك لو مصدقه انه غرور
قبضت بيدها علي السور و هتفت: يعني ايه
نظر لها تلك النظرة التي زلزلتها، و كأنه يقر بشئ لم ينطقه لسانه بعد، شئ لم يظهر للنور لم يخرج من بين ثنايا قلبه، و لكن ظهر في عينيه بلغه ابلغ من الحديث
اخفضت عينيها و دارت برأسها عنه، و لم تسيطر علي تلك الرعشة البارده التي اصابتها .
خلع صقر عنه عباءته الصوفيه و  القاها علي كتفيها ثم عاد لوقفته مرة اخري.
اغمضت عينيها لا تعرف تأثرا بدفئ عباءته ام رائحته التي تغلغلت لانفها دون رحمه.
مر وقت قصير ، قالت كارما بصوتآ خافتآ: يالا نرجع
اوما برأسه و صارت بجانبه، في نفس الطريق الذي شاهد إصابته، نظرا لبعضها و عادت هي براسها مرة اخري و لم تري تلك الابتسامه النادرة و الخاصة بها ، و عند اقترابها من البيت خلغت عباءته قائله في خفوت: شكرا
و لم تنتظر اجابته و هي داخله للبيت الكبير.
،،،،،،،،،،،،،، ،،،،
أنا عاتب عليك يا بن رحيم
ضحك صقر مقبلا رأس جده و قال : كله الا عتابك يا جدي ماقدرش عليه
لوي عتمان فمه و قال : غايب ليه عني
جلس صقر قبالته و قال : بشوف الشغل المتأجل من وقت الحادثه
نظر له عتمان و قال : و انا مش واعيلك يا بن رحيم
اخفض صقر عينيه و قال : مافيش حاجه تتقال يا جدي
ثم التقط تلك الصورة بجانب جده و قال مبتسمآ: كل ما ادخل عليك لوحدك تكون بتقرا قران او ماسك صورة ستي الله يرحمها
اخذها منه عتمان و وضعها بجانبه بحرص قائلا بخفوت: دي اللي بتصبرني لحد ما يجي معاد اللُقا
تسائل صقر و قال : لو كانت عايشه، كنت هاتفضل تحبها كده
تنهد عتمان و قال بحنين: لو كانت عايشه عمر ما حبي ليها كان ها يقل ، مهما عشت
تكلم صقر متحيرآ : امتي عرفت انك عشقت
_ لما القلب يتنفض وقت ما تشوفها، لما تحس بحزنها من غير ما تحكيه، و عينيك تدور عليها في كل مكان ، لما تعرف انها الشق التاني لروحك
تاه صقر بحديث جده ، و شعر  أنه الُقي في ذلك السحر.
هو الذي دائما ما كان قلبه ملكه و لا سبيل ليهبه لأي من كانت من بنات حواء ، حتي انه كان يتعجب من اقوال البعض عن العشق و الهوي ،  و لكن الغريب ان لاول مرة يستمع لحكاوي جده و يشعر انه يتفهما و مدرك معانيها، يشعر انها توصف تلك الاحاسيس بداخله ، التي تحدث معه لاول مرة .
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
خرجت للحديقه تقطف بعض من وريقات النعناع، فجاءه سقطت تلك الكرة بجانبها و تعالا صريخ الاطفال  علي الجهه الاخري من السور لفقداهم الكرة.
ضحكت كارما و جذبتها و توجهت لهما من البوابه و التي كانت مفتوحه، هلل الصغار بفرح لعدوة كرتهم مرة اخري،
القتها كارما اليهم فاندفعوا مرة اخري باللهو بها كا مباراة بينهم.
التفت الداخل و لكن توقف لذلك الذي وجدته قبالتها قائلا: حظي حلو اني شوفتك
عادت بخطوتها للخلف و قالت بضيق: عايز ايه
قال مجد متعمدا اسلوبآ مهذب: كان نفسي اشوفك تاني عشان اعتذرلك ، انا فعلا كان اسلوبي وحش جدا
قالت كارما بأختصار : حصل خير
هتف مجد مجددا: مش حابب يكون في بينا اي عداوة او سوء تفاهم
ردت كارما بإيجاز : خلاص مافيش حاجه
_مجد
انتفضت كارما مكانها من ذلك الصوت القوي الغاضب من خلفها، التفتت لصقر الذي آتي بخطوات واسعه هاتفآ: ايه اللي بيحصل هنا
ابتسم مجد و قال ببرود : كنت بعتذر للانسه كارما علي اللي حصل المرة اللي فاتت
تعال صوت صقر جهوريآ مناديآ علي احدي الغفر معنفآ: انا قولت اكتر من مرة البوابه ما تتسبش مفتوحه و ماحدش يسيب مكانه علي البوابه
تلجلج الغفير امام غضب سيده ، التفت صقر لكارما آمرآ: ادخلي جوا
لم تستخدم كارما عنادها الآن،  دخلت دون جدال من غضبه
قال مجد ببرود متعمد: ايه اللي بتعمله ده يا صقر، دي مش اصول
احتدت عينيه و هتف به غاضبا: و الاصول انك تقف علي باب الدار تكلم الحريم، لو انت يا مجد ما تعرفش الاصول انا اعلمهالك
اجابه مجد قائلا: انا عشان عارف الاصول جيت استاذن صحاب الدار و ابلغهم اني جاي مع ابويا و عمامي الليله
قضب صقر جبينه و قال : خير
ابتسم مجد بأستفزاز: ايه مابتستقبلوش ضيوف
هتف صقر بعينين كادت تحرقه: دار الجارحي مفتوحه لأي حد
اوما له مجد و اشار بأصبعيه تحية و تحرك من امامه.
نظر صقر من خلفه بغضب و اندفع للداخل، قابلته كارما التي مازالت واقفه علي درج باب البيت، وقف قبالتها هاتفآ بها بحده : ايه طلعك من الدار
رفعت سبابتها وقالت بحذر: ممكن تهدي شويه

احتد صوته اكثر قائلا: ايه طلعك برة، و ايه وقفك معاه
رمشت بعينيها عدة مرات من اندفاع كلماته و قالت : ايه بينك و بينه بتكره كده
كاد يجن منها و من اسألتها في ذلك التوقيت الغير مناسب كليآ.
انفعل صقر اكثر قائلا: اكره و لا احبه يخصك في إيه، كنتي واقفه معاه ليه

اجابته كارما و قالت : ماكنتش واقفه، كنت بطلع الكورة بتاعت الولاد اللي بيلعبوا برة و لاقيته في وشي، كان بيعتذر عن طريقته اخر مرة
قال صقر من بين اسنانه : و لما شوفتيه ما دخلتيش ليه، و تطلعي ليه من اساسه
هتفت قبالته قائله : صقر انا مش محبوسه علي فكرة ، ايه يعني لما اخرج برة البوابه انا ما اتحركتش من قدامها
صمت قليلا ،  فا ظنت ان نوبة عصبيته لم تنتهي ، و سيطولها بعض من غضبه او كلماته اللاذعة ، لكن اندهشت عند همسه الخافت لها : انا خايف عليكي
رفعت عينيها اليه و تسائلت بقلب مضطرب: من ايه
كانت إجابته الصادقه: من كل حاجه، من اي حد ممكن يفكر انه يمسك، من اي أذي ممكن يطولك، من نظرة خبيثه تشوف طرفك
اضطربت و تبعثرت الكلمات هنا و هناك، لم تنتظر اكثر و ركضت امام عينيه لداخل الدار، و عينيه تبصرها يتمني لو اتخذت بين جفونه مسكنآ
يتبع

عشق الصقر /سارة حسنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن