الفصل السابع والثلاثون والاخير

3.9K 70 7
                                    



الفصل السابع والثلاثون

تضحية ... لأجل من ؟؟؟


لثواني طويلة .. ظلت كل منهما تنظر إلى الأخرى ذاهلة .. وكأنها تتخيل رؤياها .. أماني كانت أول من قطع الصمت ..بقولها المتردد :- لندا
قاومت لندا رد فعلها الغريزي بأن تخفض رأسها خزيا عندما تذكرت بأنها لم تعد مضطرة لذلك بعد الآن ... فزوجها هي .. قد أنقذ حياة زوج أماني .. زوجها هي ... من تدين له هذه المرأة بالكثير ... غريب تفكيرها بالتوحد مع صلاح رغم فراقهما .. بأنهما شخص واحد .. مصيرهما واحد مهما كانت ظروف حياتهما معا .. رفعت رأسها .. وقالت بهدوء :- أماني
رمشت اماني بعينيها وكأنها تستغرب هدوء ملامح لندا .. خمنت لندا بأن أماني تقارن بين الفأرة الخائفة التي كادت تمزقها غضبا في حفل عيد ميلاد تمام .. و السكرتيرة المضطربة دائما التي عرفتها قبل أن ترتبط بهشام .. ربما تكون هذه هي المرة الأولى التي تراها بها كزوجة لصلاح النجار .. الغريب أن لندا لم تشعر من قبل بأنها زوجة صلاح النجار .. أو الفخر لهذه الفكرة .. كما هي الآن .
كانت أماني ما تزال ممسكة بباب الصيدلية الزجاجي مفتوحا .. بينما تحمل أكياسا كثيرة في اليد الأخرى .. وكأنها كانت تتسوق قبل أن تمر بالصيدلية .. أفسحت الطريق للندا قائلة :- أنا أعترض طريقك .. آسفة .
دلفت لندا إلى الصيدلية بارتباك متذكرة بصعوبة الأدوية التي توجب عليها شرائها .. قالت أماني عندما مرت إلى جوارها :- سأنتظرك في الخارج إن كنت لا تمانعين
امتقع وجه لندا وهي تنظر إلى أماني التي أغلقت الباب ورائها .. ووقفت على الرصيف في انتظارها .. ما الذي تريده منها .؟
دفعت ثمن علب الأدوية بدون تركيز ... فقد كانت عيناها تتجهان تلقائيا عبر الزجاج نحو المرأة المنتظرة في الخارج .. كانت أماني تبدو شديدة الأناقة بمعطفها البني الجميل .. وشعرها الأشقر المرفوع ببساطة .. انتابها ذلك الشك المعتاد حول مظهرها .. وشعرت بالراحة لأنها اهتمت بنفسها قليلا قبل خروجها ..ربما هي أبدا لن تكون بجمال أماني ... إلا أنها وبفضل خزانة الثياب الجميلة التي أصر صلاح على أن تقتنيها ... قد توازيها أناقة .
خرجت من الصيدلية ببطء .. مؤجلة المواجهة قدر الإمكان .. ونظرت مترددة إلى اماني التي كانت في مثل ترددها ... نظرت أماني إلى الكيس الصغير الذي تحمله لندا وقالت :- أرجو أن تكون والدتك بخير الآن ..
تمتمت :- إنها بخير .. تتماثل لشفاء ..
هزت أماني رأسها بشيء من الراحة .. وكأنها حقا تهتم بسلامة والدة لندا ... وقالت :- جودي تطلعني على أخبارها باستمرار .. آسفة لأنني لم .. لم أستطع زيارتها في المستشفى ..
عندها .. تذكرت لندا ما عرفته سابقا من جودي عن وفاة والدتها بسبب مرض خبيث .. وأدركت سبب اهتمام أماني بصحة والدتها ... لا أحد مهما كان شريرا .. كان ليتمنى لآخر مهما كان يكرهه .. أن يعرف ألما مماثلا .. تمتمت لندا بتعاطف :- أتفهم هذا.. لقد عادت إلى البيت قبل أيام .. تستطيعين زيارتها متى شئت ... أنت مرحب بك دائما ..
أجفلت أماني .. وبدا شيء من الذعر في عينيها الخضراوين .. وكأن لندا كانت تنهشها بأسنانها .. لا تحاول أن تكون لطيفة معها ..
سرعان ما اختفى الذعر وحل محله الأسى .. الأسى والندم العميق وهي تقول :- لقد كانت جودي محقة ..
لم ترغب لندا بمعرفة ما كانت جودي محقة به ... لقد كانت متوترة بما يكفي محاولة أن تصمد قدر الإمكان في مواجهة أماني .. نظرت حولها بشيء من التوتر وكأنها تبحث عن سبيل تختفي به من مكانها .. قالت أماني :- هل تمانعين لو تحدثنا قليلا ؟ .. لن آخذ من وقتك الكثير .. دقائق قليلة فقط ..
ابتسمت لندا بتكلف وهي تقول :- بالتأكيد ..
نظرت أماني متمعنة نحو وجه لندا الشاحب ... ولوهلة .. تمكنت من رؤية السكرتيرة الرقيقة التي كانت تعمل لدى هشام قبل سنوات .. لقد كانت تحب تلك الفتاة الصغيرة المرتبكة على الدوام ... كانت معجبة برقتها وطفوليتها الواضحة .. الآن تستطيع وهي تنظر إليها من جديد بدون غشاء كراهيتها القديم ..أن ترى ما رأته جودي بها ... ما رآه صلاح بها .. الخطأ الذي ارتكبته لندا في حقها لم يكن مقصودا ... في الواقع .. لم يعد مهما على الإطلاق في هذه اللحظة .. قالت بهدوء :- أنا أدين لك باعتذار كبير على تصرفي معك سابقا يا لندا ... كنت غبية في إصراري على النظر إلى الأمور .. إلى الأشخاص خاصة .. من جانب واحد .. لقد كنت غاضبة ذلك المساء .. وعندما عجزت عن إفحام صلاح .. وجدت فيك أنت صيدا سهلا ..
أربك لندا اعتراف أماني المفاجئ .. تمتمت :- أفهمك .. كما أفهم سبب مشاعرك السلبية اتجاه صلاح ..
ظهر حزن طفيف في عيني أماني وهي تقول :- أنت تعرفين بأنه قد أنقذ حياة زوجي .. صحيح ؟
أومأت لندا برأسها .. وقالت بهدوء :- أهذا ما يدفعك الآن لمعاملتي بلطف ؟؟؟ ... لست مضطرة للتظاهر بسبب إحساسك بالامتنان لما فعله صلاح ..
قطبت أماني قائلة :- لو عرفتني جيدا لأدركت بأنني لا أستطيع إرغام نفسي على اصطناع اللطف إلا لو عنيته حقا ...أنا فعلا آسفة لأنني قد أسأت إليك .. استغرقت وقتا لأدرك بأنك لست إلا بيدقا في اللعبة الأبدية التي قدر لنا أنا وصلاح أن نلعبها .. لم تقصدي أبدا أن تسببي لي الأذى في الماضي .. صحيح ؟
أومأت لندا برأسها بتوتر .. ثم قالت :- لا أظن صلاح أيضا تعمد أن يسبب لك الأذى حقا ..
أدهشها دفاعها عن صلاح كما أدهش أماني التي قالت عابسة :- أنت تحبينه حقا ..
ترقرقت الدموع في عيني لندا وقد تضخم قلبها بالأحاسيس لذكره .. إنما تمكنت أخيرا من القول بدفاعية :- لماذا تشكين بهذا ؟
هزت أماني رأسها قائلة :- لا أشك بهذا .. انا فقط أظن ...
ترددت للحظة .. قبل أن تقول :- الحب من طرف واحد قد يكون قاتلا .. وأظن صلاح قد عانى بما يكفي ..
تشنج جسد لندا .. وازداد توترها .. هبت نسمة باردة لتحرك شعرها الطويل المنسدل خلف ظهرها .. دون أن يساهم في التخفيف من تشنجها وهي تقول :- أعرف بأنه قد أحبك لفترة طويلة جدا .. أعرف بأن حبي له بينما عقله وقلبه مرتبطان بك إلى الأبد صعب للغاية .. إلا أن صلاح يستحق التضحية .. وأنا لا أتذمر .. أنا أمنحه قلبي وحياتي .. مقابل أن يكون سعيدا ..
شحب وجه أماني وهي تستمع إلى التفاني في صوت لندا الأجش .. وترقرقت الدموع في عينيها بشيء من الألم وهي تقول :- لم أكن أتحدث عنك أنت يا لندا ..
أشاحت بوجهها محاولة ضبط مشاعرها .. بينما نظرت إليها لندا بحيرة .. قالت أماني دون أن تنظر إليها :- لفترةطويلة جدا .. ظننت بأنني أكره صلاح .. يا الله كم كرهته .. كنت أرى في حبه لي آفة .. لعنة .. تمنيت دائما لو أنه يختفي من حياتي بطريقة ما ...أن يختفي فقط بدون رجعة .. لطالما فكرت بالأسوأ .. تخيلت سيناريوهات وحشية لطريقة اختفاءه .. لقد حقدت عليه دائما وأبدا .. كما كره هو نفوري منه .. وقد كنا غبيين للغاية .. وسخيفين للغاية ..
نظرت إلى لندا بتعاسة ساخرة وهي تقول :- لا صلاح أحبني جقا .. ولا أنا كرهته حقا .. هو أراد مني تقبل الأم التي لم ترغبه .. وأنا أردت منه ابن العم الذي لم أحظ به .. لم أدرك كم كنت بحاجة إليه حتى أعاد لي هشام ... أتعرفين كم هو ممتع ورائع أن يكون لديك أخ أكبر .. يقف في الظل دائما ... مستعد باستمرار للتدخل والوقوف إلى جانبك وقت الحاجة ... ؟؟؟
نعم ... لندا تعرف ... تذكرت عادل الذي كان لها دائما الأب الروحي ... والمربي والراعي حتى قبل أن يتوفى والدها .. وشعرت بالأسى على أماني لأنها لم تحظ بأخ مماثل ..
قالت أماني بإحساس جارف :- لم أدرك إلى أي حد افتقدت صلاح حتى غادر منزلي بعد أن اعاد لي هشام .. غادر تاركا فراغا كبيرا .. كان دائما موجودا .. وأنا رفضت الاعتراف به .. كنت أرى علاقته بجودي وأشعر بالحسد .. كنت أتساءل دائما عن السب الذي يمنعه من النظر إلي كما كان ينظر إليها ... لماذا كان عاجزا عن أن يحبني بهذه الطريقة .. ؟
تمتمت لندا كارهة :- نحن لا نختار عادة من نحب ..
أومأت أماني برأسها قائلة :- ربما أنت محقة .. إلاأن صلاح ما كان ليكون مهووسا بهذا الشكل حولي لو لم أكن أنا أيضا بذلك التعنت والعناد حوله ... لا أعرف لماذا رفضته .. لماذا كرهته بهذا الشكل عندما دخل بيتنا بعد وفاة والده .. ربما لأنه كان الصبي الذي أرادني أبي أن أكونه .. لقد شعرت بالتهديد منذ أخذه أبي تحت رعايته .. لقد شعرت نحوه بالغيرة .. بالحسد .. وهو كان قادرا على الإحساس برفضي ...
قاطعتها لندا قائلة بهدوء :- فلم يزده هذا إلا إصرارا على الحصول عليك ..
لم تعرف لندا ما يبقيها لسماع هذا الحديث المزعج ... هي لا تريد أن تسمع كيف كان زوجها مهووسا بأماني طوال سنوات طفولته .. والأسوأ أن تعرف بأن أماني لم تعد تكرهه كالسابق .. الرجل الذي كانت تحقد عليه في الماضي بات بطلها الآن وقد أنقذ حياة زوجها .. كيف على هذه الأخبار أن تسعدها ؟
قالت محاولة اختصار الحديث ... علها تتمكن من وضع أكبر المسافات بينها وبين أماني .. :- أماني ... أنا أفهمك ... أنت ممتنة لصلاح بسبب ما فعله لأجلك .. بينما أنا أتفهمه بالكامل .. رغم معرفتي القصيرة به .. فأنا أعرف إحساس صلاح العالي بالمسؤولية .. لم يفاجئني على الإطلاق وقوفه إلى جانبك .. فأنت ابنة عمه .. وهذا يربطك به شئت أم أبيت .. وستظلين مسؤولة منه مادام في قلبه عرق ينبض ..
نظرت إليها أماني بحنان قائلة :- أنت تفهمينه جيدا .. أليس كذلك ؟ .. لا عجب أنه يحبك إلى هذا الحد ..
نظرت إليها لندا باستنكار ونفور ...وقالت :- لا حاجة بك إلى مجاملتي يا أماني .. اعرف بأنه يحبني بطريقة أو بأخرى .. إلا أنك أنت من ستظل أبد الدهر مالكة قلبه ... دائما ستظلين أنت حلمه المستحيل .. مهما أقنع نفسه بأنه قد تجاوزك أو تخطى مشاعره اتجاهك ..
ساد صمت ثقيل معبر بينهما بينما كانتا تقفان على الرصيف .. تحدقان بالسيارات المارة ... غير عابئتين بالناس من حولهما ..
همست أماني فجأة:- لا تسمحي لي بأن أدمر حياتك يا لندا ... لاتسمحي لماضي تافه لا قيمة له أن يعميك عن حب صلاح لك .. لقد كنت سببا غير مباشرا بجميع المشاكل بينكما .. أعرف هذا الآن .. لقد فرقت أنا بينكما .. أنا .. ذلك المساء في منزل جودي ... كنت أعرف بأنك تستمعين .. لقد لمحتك من وراء الباب الموارب .. وتعمدت أن أجرحك بحديثي ... وقد تشاجرت بعدها مع هشام طويلا بسبب ما فعلت ... لم أعرف نفسي حاقدة إلى هذا الحد .. لم أرغب بأن أفعل هذا .. إلا أنني لم أفكر ... أظنني أشبه صلاح بهذا الجانب ... عندما أغضب .. عندما أجد نفسي محاصرة ... ألجأ إلى أكثر الحلول يأسا للانتقام ممن حولي ...
تجمدت لندا مكانها دون أن تنظر إلى أماني التي تابعت بمرارة :- ثم سافر تاركا إياك عندما كنت في أمس الحاجة إليه بسبي أنا ... لقد سافر لينقذ هشام في محنته عندما كانت أمك مريضة .. وأنت كنت حاملا بطفله .. بحاجة إلى حبه ودعمه ... وأنا .. لم أفكر بك على الإطلاق .. كل ما فكرت به هو ما يستطيع صلاح فعله كي يعيد زوجي ... صلاح الذي أكرهه .. الذي ظننت نفسي أكرهه .. لقد استغليته .. وظللت أستغله .. حتى عندما أرادت جودي الاتصال به وإخباره بإجهاضك ... أنا حاولت منعها .. خشية أن يفقد تركيزه في مهمته .. خشبة أن يتخلى عنها ويعود إليك ... أترين إلى أي حد أنا أنانية ؟ .. أترين الآن الإنسانة الحقيقية التي تظنين زوجك واقعا في حبها ..؟ أفيقي يا لندا ... ولا تسمحي لي بإيذائك أكثر ... بإيذاءكما أكثر .. صلاح يحبك ... لم أره أبدا كما في تلك اللحظة التي نطق فيها باسمك وهو يتحدث عن المرأة الرائعة التي أحبته دون ان يستحق حبها .. صلاح يحبك .. مهما كانت مشاعره نحوي ... مهما كاه هاجسه فيما يتعلق بي .. أنت هي المرأة التي يحتاج إليها .. التي يريدها ... أرجوك اسمحي لي بأن أفعل هذا لأجله ... أن أعيدك إليه ... لم أفكر به يوما من قبل كإنسان ضعيف وهش بحاجة إلى الحب ... ليس قبل أن أرى نظرته إلى عائلتي يوم عاد هشام ... عندما انزوى وحيدا ... بعيدا ... عندما رحل طالبا مني السماح دون أن أتمكن من منحه إياه ... لقد كنت عمياء من قبل ...عمياء وغبية ... إلا أنني حقا أريد أن أراه سعيدا ... لن يحرره مني .. من أشباح ماضيه ... إلا أن يجد السعادة .. وأنت الوحيدة القادرة على منحه إياها ..
تدفقت الدموع غزيرة من عيني أماني ... فسقطت الأكياس الكثيرة من يديها المرتعشتين ... أسرعت لندا المذهولة وبدون تفكير .. تساعدها في لملمة الأشياء المبعثرة على الرصيف .. عندما أمسكت بأحد الأكياس الصغيرة .. ولمحت غير متعمدة .. العلبة الصغيرة الزرقاء داخلها .. تجمدت .. وهي تستوعب ما هية الشيء الذي اشترته أماني من الصيدلية قبل دقائق قليلة ... لقد كان جهاز كشف حمل منزلي
لم تدرك أماني التخبط في مشاعر لندا وهي تتناول منها الأكياس .. محاولة السيطرة على انفعالاتها .. كانت لندا الضائعة تفكر في حمل أماني المحتمل ... هو محتمل وغير مؤكد حتى الآن ...إلا أن لندا لم تستطع التوقف عن التفكير بأماني حاملا .. وأما ... للمرة الثانية .. أما سعيدة ومزهوة برفقة زوجها الذي تحب ... بينما هي .. وحيدة .. بائسة .. بلا زوج تحبه .. وطفل تمنحه حياتها ... لقد أحست بالحسد .. بالغيرة .. بالشوق ..
لم يكن القيام بماتطلبه منها أماني صعبا ... هي قنوعة بطبعها ... وماذا لو لم تحظى بقلب صلاح كاملا ... ماذا لو ظلت أماني تحتل جزءا من مشاعره إلى الأبد ... المهم أنه سيكون معها ... أبا لأطفالها ... حاميا لها ولهم ... ولكن ... كيف تستطيع فعل هذا وهو يصر منذ فترة على الاحتفاظ بمسافة بينهما ... لقد خرجت أمها من المستشفى ..ومرت فترة على خضوعها للعملية .. إلا أنه ما يزال مصرا على البقاء بعيدا ... كيف تستطيع منحه حبها إن كان رافضا أن يأخذه ؟؟؟ ... لم تحسب أبدا أنه سيستسلم بهذه السهولة ... أنه سيتركها مع رفضها الطفولي وتمنعها السخيف .. وهل صدق بأنها لا تريده ؟ ... هل هو بهذا الغباء حقا ؟ .. أم أنها هي الغبية في أملها الذي لا يتوقف بعودته ؟
لم تشعر أماني بشرود لندا وتخبطها في أفكارها .. مسحت دموعها قائلة :- أتفهم عدم تقبلك لما أقوله ... وعدم غفرانك لما فعلته .. هذا لا يهم حقا ... أستحق غضبك بطريقة ما .. إلا أنني أتمنى حقا أن تفكري بكلامي ... أن تمنحي صلاح فرصة أخرى ..
ماذا إن رفض هو أن يمنحني هذه الفرصة .. تمتمت لندا بلطف :- ليس هناك ما أسامحك عليه يا أماني ... وأنا شاكرة حقا لكل ما قلته لي ... أعرف جيدا بأنه قد كلفك الكثير ..
ظهرت الراحة على ملامح أماني .. وكأن حملا ثقيلا قد انزاح عن ظهرها ... نظرت الفتاتان كل منهما إلى الاخرى .. بحيرة وارتباك ... وكأن الحواجز بينهما تأبى أن تزول تماما .. عرفت لندا بأنها وأماني ما عادتا عدوتين ... إلا أنهما لن تكونا أبدا صديقتين حميمتين ...
أطلقت سيارة مارة نفيرا قصيرا دفع الاثنتان للنظر نحوها .. لوحت أماني الشاردة الذهن بتلقائية للسائق .. الذي رمى نحوها ابتسامة تحية عابرة... دون أن يلقي نظرة ثانية نحو لندا .. ولماذا يفعل ؟ .. فالمرة الوحيدة التي تقابلا فيها .. كانت تبدو مختلفة .. أكثر شحوبا وإرهاقا .. مثقلة بالقلق على والدتها المريضة .. والحزن لفقدان جنينها ..
تجمدت مكانها ... مصدومة ... تحاول أن تستوعب الحقائق التي ضربتها بعنف في لحظة واحدة ... ذكريات .. أحداث .. تمتمت بجمود :- هل ... هل تعرفين هذا الرجل ؟
قالت أماني بدون اهتمام :- إنه صديق قديم للعائلة ..
يا إلهي .. إلى أي حد كانت عمياء ... لاحظت أماني شحوب وجهها ... وارتعاش جسدها الشديد ... قالت بقلق :- هل أنت بخير ؟
نظرت إليها لندا بذهول ... كم هي حمقاء .. كم هي غبية ... كيف غفلت عن الحقيقة وقد كانت واضحة كالشمس ؟
:- لندا ...
تمتمت لندا هامسة :- أنا ... يحب أن أذهب الآن
تحركت نحو حافة الرصيف ... تبحث عن سيارة أجرة شاغرة ... فسمعت صوت أماني تقول بقلق :- سيارتي قريبة ... سأوصلك إن أردت
سارت لندا وراء أماني بلا تفكير ... استقلت السيارة الفضية الصغيرة والأنيقة .. وانتظرت حتى انطلقت السيارة فقالت :- خذيني إلى البيت ... حيث صلاح
كانت أماني تعرف الطريق نحو منزل صلاح .. إلا أنها لم تغفل عن المعنى المزدوج لعبارة لندا .. لقد أرادت أن تذهب إلى بيتها .. كما كان هشام دائما وسيبقى بيتها وملجأها ... فإن صلاح كان وسيبقى بيت لندا .. بل حياتها ...
قادت سيارتها بصمت ملاحظة توتر لندا .. وفركها العصبي ليديها المرتعشتين .. لم تجرؤ على سؤالها عن سبب توترها .. فهي لا تملك هذا الحق .. ليس بعد على الأقل ..
أوقفت السيارة أمام البوابة المعدنية الكبيرة .. فترجلت منها لندا على الفور.. لم يكن هناك أي وجود لسيارة صلاح ... فقط .. سيارتها الحمراء الصغيرة التي أهداها لها قبل أشهر .. كانت واقفة بخجل بمحاذاة الرصيف .. متسخة بسبب المطر والغبار .. وحيدة وبائسة .. مثلها تماما
.. اتجهت نحو الباب .. لتلف أصابعها فوق الأعمدة الحديدية المزخرفة .. تنظر من بينها إلى المنزل الكبير المظلم .. المنزل الذي شهد أسعد أيام حياتها ..
حدقت في الحديقة الجرداء التي كانت مزهرة يوما ... إلى الأشجار التي عراها الشتاء من أوراقها ... إلى الممر المؤدي إلى الباب الخشبي الكبير للمنزل .. والمكسو بالأتربة الملساء .. دليلا واضحا على أن قدما لم تطأ هذا المكان منذ فترة ..
أتاها صوت أماني يقول :- لا أحد هنا يا لندا ... أعرف من خلال جودي بأن صلاح مسافر .. لا طائل من دخولك إلى المنزل وحيدة وانتظاره هناك .. لابد أن المكان بارد للغاية في الداخل ..
بدت لندا وكأنها لا تسمعها ... اشتدت أصابعها حول القضبان حتى ابيضت مفاصلها .. وجهها الشاحب ازداد شحوبا .. إلا من احمرار طفيف اعتلى أنفها بسبب البرودة .. بينما ترقرقت دموع البؤس في عينيها .. وقفت أماني ورائها عاجزة عن قول كلمة تخفف عن الفتاة المسكينة .. والتي كانت تتعذب في حب رجل .. يحتاج إلى الكثير ليعرفه عن حب فتاة برقتها .. لم تستطع أن تحثها على الرحيل .. تركتها غارقة في تأملاتها الحزينة حتى رأتها أخيرا تبتعد عن قضبان البوابة هامسة :- هلا أخذتني إلى منزل جودي ؟
همستها كانت هادئة جدا .. مناقضة للدموع الحبيسة في عينيها .. طلبها أجفل أماني وأثار حيرتها .. تمتمت :- بالطبع
سارتا معا نحو السيارة .. استقلت لندا المقعد الأمامي مدركة بأنها تثقل على أماني بطلبها .. فهي أم وزوجة ... وربما حامل أيضا وبحاجة إلى الراحة .. إلا أن لندا ما كانت قادرة على الانتظار حتى تجد وسيلة نقل أخرى .. لقد كانت بحاجة ماسة لرؤيةجودي .. للنظر إلى عينيها .. وطرح ذلك السؤال الملح المتراقص على حافة لسانها
ترجلت لندا فور أن أوقفت أماني السيارة .. عبرت الحديقة الغناء وصولا إلى الباب الكبير المزخرف .. وقرعت الجرس ليدوي صوته عاليا .. مخيفا ..
أماني كانت واقفة إلى جانبها عندما فتحت جودي الباب .. حدقت مذهولة بالمرأتين الواقفتين أمامها .. لندا .. وأماني .. واقفتين جنبا إلى جنب أمام بابها .. هتفت لاهثة :- ما الأمر؟ .. ما الذي حدث ؟

مرت من هنا الجزء الثانى من سلسلة للعشق فصول لكاتبة بلومىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن