الفصل السابع

3K 68 1
                                    



الفصل السابع
في قوقعة

فتح رشاد باب سيارته لخطيبته قائلا وهو ينحني بطريقة مسرحية :- تفضلي يا آنستي
رمقته آية بنظرة كانت تقول بوضوح .. ألن تتوقف يوما عن هذا التهريج؟ .. ثم دخلت السيارة بطريقتها الأنيقة .. وانتظرته حتى دار حول السيارة وجلس إلى جانبها لتلتفت نحوه قائلة بامتنان :- أشكرك يا رشاد على هذه الأمسية الرائعة .. لقد أردت مشاهدة هذا الفلم منذ فترة طويلة
ابتسم لها بطريقته الجانبية العفوية وهو يقول :- أعرف بأنك تحبين جورج كلوني بسبب شبهه بي .. لهذا فكرت بأن حضور فلمه الأخير سيعجبك
رمقت ملامحه الجدية بجمود غير قادرة على معرفة إن كان يمزح أم لا .. قبل أن تقول بارتباك :- آه .. حسنا .. هناك شبه طفيف بالفعل
أطلق ضحك عالية جعلتها تزفر بارتياح .. وفي الوقت نفسه تغضب بسبب مزاحه الغريب .. قال غير قادر على التوقف عن الضحك :- يجب أن تري ملامح وجهك .. أعرف بأنني لا أشبه ممثلك المفضل .. ولكنك تحبينني على أي حال .. صحيح ؟
قالت باسمة :- أحبك لأنك لا تشبهه .. ما الذي سأفعله برجل يبدو وكأنه ليس من البشر بوسامته وشخصيته وخلوه من الشوائب ؟
أدار محرك سيارته وهو يقول متصنعا السخط :- ما الذي تقصدينه بخلوه من الشوائب ؟ .. أنا أكثر وسامة من ذلك الرجل .. على الأقل أنا أكثر شبابا ..
مالت نحوه وهي ترفرف بأهدابها الكثيفة سارقة قلبه بنظرتها اللعوب :- أكثر ما أحبه بك هو عيوبك .. فهي تشعرني بالكمال
تاه للحظات طويلة في لون عينيها الشديد الزرقة .. عاجزا عن التركيز واكتشاف مضمون كلماتها .. وإن كانت ذما أم إطراءا .. تأثيرها عليه .. ومنذ قابلها أول مرة عندما بدأت العمل في مكتب صلاح .. كان طاغيا .. نظرة واحدة من عينيها الناعستين كانت كفيلة بنزع كل ذكاءه وهدوءه وفطنته التي اشتهر بها ..
في البداية .. قلق من أن تنال إعجاب صديقه المقرب المعروف بأن جمالا كهذا لن يفوته أبدا .. ليفاجئ بأنها لم تثر أي اهتمام لديه خارج نطاق العمل .. ربما لأنه كان يكافح محاولا ترويض ابنة عمه الرافضة منذ الأزل .. وربما لأن آية وبكل بساطة .. لم تكن من النوع العابث الذي يلهو معه صلاح عادة..
مهما كان السبب .. فإن رشاد مازال غير مصدق بأن هذه الفتاة البارعة الجمال هي خطيبته .. وستصبح زوجته فور أن .......... فور أن تحدد أخيرا موعد الزفاف
يحبها .. ويعشقها .. ويربكه إحساسه الدائم بأنها كالزئبق بين يديه لا يمكن الإمساك بها .. كانت رقيقة .. ذكية .. نزقة الطبع في كثير من الأحيان .. إلا أنها كانت غامضة .. صامتة .. متحفظة المشاعر مما كان يثير أعصابه .. ويزيد توقه للانفراد بها كعروس له أخيرا .. حيث يكون قادرا على كسر تحفظها .. وإجبارها على مبادلته العاطفة بمثلها
انتزع نفسه بصعوبة من أسر عينيها .. وانطلق بالسيارة قائلا وهو يحاول تهدئة نبضات قلبه الصاخبة .. بصوت لا ينبئ البتة عن اضطرابه :- أين تحبين تناول العشاء ؟
استرخت فوق مقعدها بعد أن ثبتت حزام الأمان .. وقالت بكسل :- اختر أنت المكان هذه المرة
رسم على شفتيه ابتسامة مكر صغيرة وهو يحدد وجهته .. بعد نصف ساعة .. ندمت آية على كرمها الحاتمي الذي دفعها لتسليمه دفة الأمور .. فقد مر بالسيارة أمام مطعم متواضع .. اشترى منه بعض الشطائر الطازجة والمشروبات الباردة .. ثم أخذها إلى إحدى الحدائق العامة التي تذكرها بطفولتها .. حيث جلسا على أحد المقاعد الخشبية تحت شجرة كبيرة يتناولان الشطائر بصمت .. بينما الناس يروحون ويجيئون أمامهما مما جعلها تتنهد مفكرة بصمت .. إياك أن تسلمي أمرك لرجل ثانية ..
هبت نسمة باردة محملة برائحة الطبيعة .. فأخذت نفسا عميقا وهي تشعر ببعض انزعاجها يزول بعد أن أنهيا الطعام .. وأخذا يتبادلان الحديث المرح حول مواضيع متنوعة .. ويشاهدان الأطفال وهم يلعبون هنا وهناك .. استرقت النظر إلى رشاد عندما أمسك بردة فعل سريعة .. كرة طارت نحوه بالخطأ .. ثم نهض يرميها نحو الأطفال وهو يداعبهم بكلمات مرحة .. ابتسمت مفكرة بأن رشاد رجل رائع .. واختياره لهذا المكان جزء من شخصيته التي تميزه .. إذ أنه شخص هادئ وعفوي .. محب للطبيعة والأطفال .. إنسان منفتح على الآخرين .. بدون عقد تعكر حياته .. لقد كان الرجل المثالي للارتباط به .. طموح ينتظره مستقبل باهر .. وحيد أمه المسنة والطيبة للغاية .. ويحبها بجنون لم تكن تتخيل يوما أن تحظى به
ما الذي يعكر سعادتها إذن .. اختفت ابتسامتها .. وأطل الحزن من عينيها .. هي تحب رشاد .. صح .. تحبه كثيرا .. بل هي لا تستطيع التفكير بغيره زوجا لها .. إلا أن ...
تنهدت بحسرة .. وحاولت إخفاء مشاعرها عندما عاد رشاد للجلوس إلى جانبها ملاحظا اكتئابها .. قال باهتمام :- هل هناك ما أزعجك ؟
قالت بسأم :- نعم .. أريد العودة إلى عملي
ابتسم قائلا :- هل اشتقت إلى نزق صلاح وسوء أخلاقه منذ الآن
قالت بضيق :- أي شيء أفضل من قضاء النهار في البيت .. متى تنتهي هذه الخطة التي لا أعرف عنها شيئا والتي تقومان بها أنت وصاحبك حتى أعود إلى عملي
قال ببساطة :- عندما تنتهي
قالت ببغض :- لابد أن تلك الحر باءة مسرورة للغاية لأخذها مكاني
قال بدهشة :- عمن تتكلمين ؟
:- عن نادية .. سكرتيرة السيد حافظ .. إنها مغرمة ومنذ سنوات بالسيد صلاح .. والكل يعرف هذا في الشركة .. لابد أنها تفكر الآن بأن الفرصة مفتوحة تماما أمامها للإيقاع به
أطلق ضحكة عالية أزعجتها .. خاصة عندما مسح دمعة كادت تفر من عينه وهو يقول دون أن يتوقف عن الضحك :- توقع بصلاح ؟؟؟ .. لقد ظننت بأنك وبعد العمل لديه لسنوات قد أصبحت تعرفينه .. لا أحد يوقع بصلاح إن لم يكن هو راغبا .. كما أنه لن يلتفت لتلك الفتاة فلا شيء يميزها .. إن كان قد قاوم سكرتيرته الحسناء وقد كانت خسارته ربحا لي .. فلن تكون مقاومته لألاعيبها أمرا صعبا
فكرت بسخرية .. هل أنت متأكد ؟ ..تذكرت الفتيات اللاتي كن على مر السنوات يأتين لزيارته في مكتبه بيأس بعد تخليه عنهن .. دون أن يسمح لإحداهن بتخطي عتبة مكتبه ..
هل كن جميعا فاتنات ؟ .. لا .. لقد كن جذابات .. مغريات .. يملكن كل مقومات جذب رجل لا يهتم إلا بقضاء الوقت الممتع بلا أي التزام .. وهي متأكدة بأن نادية لا تختلف عنهن
فرقع بأصابعه أمام عينيها قائلا :- هيه ....إلى أين سافرت ؟
نظرت إليه بارتباك وقد باغتها نسيانها لمكانها أثناء استغراقها بالتفكير .. وتمتمت :- إلى البيت .. أظن بأنني قد تأخرت
قال :- هل تحبين أن نمضي من هنا ؟
هزت رأسها موافقة .. ثم نهضت معه وغادرا الحديقة إلى السيارة المنتظرة في الخارج
أوقف السيارة أمام المبنى الذي تقيم فيه عائلتها .. ونظر إليها قائلا :- ألن تدعيني لشرب فنجان من القهوة ؟
عبست بريبة قائلة :- هل أنت متأكد ؟ على الأغلب لن تجد مكانا تجلس عليه بسبب ازدحام المكان
ابتسم قائلا بتعاطف :- أما زالت شقيقتك تمكث هنا مع أطفالها ؟
زفرت قائلة :- لا عجب أن زوجها يرفض إعادتها إلى البيت .. لابد أنه يعيش الآن لحظات نادرة من السلام النفسي والهدوء في بيته بدون صخب أولاده الثلاثة .. يجب أن تراهم وهو يتشاجرون مع أخوتي الصغار .. لن ترغب في الإنجاب فور أن تقضي خمس دقائق برفقتهم .. بالإضافة إلى شجار بشار وريما الذي لا ينتهي كلما تواجدا معا وهو نادر هذه الأيام
أطلقت الشفقة من عينيه وهو يتذكر شقيق خطيبته الذي هرب مع حبيبته وتزوجا رغما عن الجميع ليعانيا معا من ويلات الواقع بعد ذلك .. قال برقة :- تستطيعين الهرب من كل هذا بالزواج مني في أي لحظة
تورد وجهها وهي تتحاشى النظر إليه .. فقال بتركيز :- آية .. ما الذي يؤخرنا ؟ .. تعرفين بأنني مستعد لإقامة أفضل حفل زفاف لأجلك متى أشرت .. وأنني أموت شوقا لضمك بين ذراعي كزوجة لي يا حبيبتي
همست وهي تضم قبضتيها بقوة :- أعرف هذا .. الأمر .. فقط
أخذت نفسا عميقا .. غير واعية لنظرات رشاد التي تجاوزت الاحتشام منذ لحظات ممشطة وجهها الجميل .. ومنحنيات جسدها الرائعة .. والطريقة التي علا فيها صدرها مع تنفسها العميق .. قالت أخيرا :- الوقت غير مناسب الآن .. مع ظروف شقيقتي ليال .. وتعاسة بشار .. لا أستطيع أن أدخل البيت وأعلن بكل بشاشة بأنني سأتزوج الآن
نظرت إليه لترى ظلمة عينيه السوداوين .. فقالت برجاء :- أرجوك .. امنحني بعض الوقت .. القليل فقط .. وستجدني قريبا أحدد موعدا بنفسي
مد يده الخشنة ليلمس جنتها الناعمة .. فلم تخطئ فهم نظراته التي تعلقت بشفتيها .. سرى بينهما توتر أخافها .. إذ أن الاستجابة الحسية نحو إظهاره لرغباته لم يكن أمرا معتادا منها .. قال بصوت أجش :- سـأصبر يا آية .. ولكنني لا أعدك بأن صبري سيطول كثيرا
أومأت برأسها مرتجفة .. ثم غادرت السيارة وهي تسمعه يقول بهدوء وكأن اللحظة العاصفة لم تمر لتوها بينهما :- بلغي سلامي لعائلتك ..
لم تتحرك سيارته حتى اختفت خلف البوابة .. أغلقتها خلفها وهي تسمع صوت السيارة تبتعد .. فتنهدت بتعاسة وهي تحدث نفسها :- أنت غبية يا آية .. غبية تماما

مرت من هنا الجزء الثانى من سلسلة للعشق فصول لكاتبة بلومىWhere stories live. Discover now