الفصل الأول

4.1K 155 19
                                    

الفصل الأول

في مدرسة قديمة محدودة الحجرات تهالك طلاؤها، جلست هذه المرأة متوسطة البنية بيضاء البشرة عسلية القدحتين تطالع الساحة التي يلعب فيها بعض الطلاب في شرود، أفاقت من شرودها على صوت أتى من خلفها تقول صاحبته بعطف:
_لسة زعلانة؟

استدارت تطالع محدثتها التي لم تكن سوي  مروة_ جارتها وصديقتها وزميلتها بالعمل _لتنفض حزنها قائلة بهدوء:
_مش زعلانة ولا حاجة.

_واضح فعلاً وعشان كدة الوش اللي الابتسامة مبتفارقهوش عابس ومكفهر زي العواصف والأعاصير.

ابتسمت رغماً عنها قائلة:
_عابس ومكفهر.. لأ واضح ان اللغة العربية سيطرت على عقلك جوة الفصل وبرة كمان.

ابتسمت مروة بدورها قائلة:
_أيوة كدة ابتسمي، لما بتكشري الدنيا مبيبقالهاش طعم ياحبي.

اختفت ابتسامتها واحتلت نبراتها لمحة من الحزن وهي تقول:
_تفتكري ابتسامة هي اللي ممكن تحلى الدنيا دي يامروة؟

شعرت بقلبها يخفق ألماً لهذا الألم الذي تنبض به حروف صديقتها لتقول بحنان:
_ابتسامتك على الأقل بتحلي دنيتنا كلنا، أنا ومامتك وباباكِ وأشرف وولادك كمان ياسوسو.

استدارت تطالع الطلاب في الساحة مجددا وهي تقول بمرارة:
_أشرف.. انتِ بتضحكي علية ولا على نفسك،خلاص يامروة.. الكل بقى عارف عمايل أشرف فية ولا انتِ مسمعتيش كلام أيمن لية قصاد الكل.

وقفت جوارها قائلة:
_وانتِ هتاخدي على كلام واحد معتوه زي أيمن الكل عارف إنه متغاظ منك عشان محدش من طلاب فصلك بيروحله ياخد درس خصوصي.. وهياخدوا ليه وانتِ بتشرحيلهم بضمير ومتابعاهم ومشجعاهم لدرجة ان الأوائل على المحافظة بيكونوا من جوة فصلك، وهو طالع واكل نازل واكل على الفاضي وطلابه بيعدوا المادة بالعافية ولولا خوفهم ليستقصدهم مكنوش راحوا له أساساً.

طالعتها قائلة:
_متغالطيش نفسك ، صحيح الكل عارف ان أيمن مش طايقني وفعلا متغاظ عشان اللي قلتيه، بس نظرات الشفقة اللي شفتها في عيون حنان ومصطفى ومحمد والشماتة اللي شفتها في عنين ضحى ونجاة خلوني متأكدة ان النهاردة مش هتكون أول ولا آخر مرة يعايرني فيها أيمن بجوزي العاطل الحشاش جوز الست اللي بتشتغل بالنهار مدرسة حساب وبعد الضهر بتشتغل محاسبة في فرن الحارة عشان تكفى احتياجات بيتها.

لو بيدها لأراحتها من هذا العمل الإضافي ومنحتها المال ولكن حالها كحال صديقتها، تعيش وحدها.. يكفيها مرتبها بالكاد فهي بدورها لا تعطي دروساً خصوصية وترفضها تماماً، كما أنها تعرف سعاد جيداً لتدرك كم هي عفيفة النفس لا ترتضي إحساناً، تنهدت قائلة:
_بصي ياسعاد انتِ ملكيش ذنب في ظروفك، مين بس كان يفكر ان أشرف الصنايعي الشاطر هيشرب مخدرات تلحس عقله وتخليه يعاملك بالطريقة دي، أما شغلك يابنت الناس فهو لا عيب ولا حرام ولو شايفاه كدة وهتتأثري بكلمتين فارغين من ناس عقولها مريضة يبقى تقعدي من الشغل وتريحي دماغك.

ذات الكتاب الأحمرDär berättelser lever. Upptäck nu