الجزء 2

9.3K 35 1
                                    

كان خالد يظن أنه يتحدث إلى نفسه وحيدًا.. ولم يكن يعلم أن هناك من يسمع حديثه إلى نفسه بصوت عالٍ خارج الحجرة.. حيث وقف جده مجاورًا لباب الحجرة يستمع إلى ما حدّث به نفسه.. و رغم هذا لم تبدُ على وجهه أي دهشة، وكأن ما سمعه من حديثه عن نزوله السرداب أمر لم يمثل له أي اختلاف، بل بدا كأنه أمر توقع حدوثه.. و ظل واقفا حتى صمت خالد، وأغلقت أنوار حجرته، وساد الهدوء المكان، لم يقطعه إلا هذا الصوت المميز الذي يعلمه جيدا حين ينام حفيده..
***

بعدها غادر متكئًا على عصاه إلى حجرته حيث جلس صامتا على أريكته لدقائق ثم حرك عصاه ليجذب بها صندوقًا خشبيًا صغيرا بدا عتيقا وفتحه، وأخرج منه (ألبوم) قديمًا للصور غُطى بالكثير من الأتربة.. وبعدما أزاح عنه الأتربة بدأ يقلّب في صفحاته صفحة تلو الأخرى ، ويشاهد ما به من صور .. حتى توقف كثيرا عند إحداها..
***

11

في اليوم التالي استيقظ كلّ من خالد وجده مبكرًا كما تعودا دائمًا؛ فخالد لديه عمله المبكر، وجده لا ينام بعد صلاة الفجر، ويظل يقرأ في كتاب الله حتى ينهض خالد فيتناولا إفطارهما سويا.. والذي تعده لهما فتاة تسكن بجوارهما، قد اعتادت على هذا منذ سنوات.. حتى جلس خالد وكان ينظر إلى جده بين الحين والآخر وكأنه يريد أن يخبره بشيء.. حتى قطع صمته، وسأل جده:

- عبدو ( كما كان يحب أن يناديه ) .. انت تقدر تعيش لوحدك؟
فنظر إليه جده.. وأظهر أنه لا يفقه سؤاله:
- انت عايز تسافر ولا إيه؟!
صمت خالد.. ثم نظر إليه مجددًا:
- لو سافرت لفترة قليلة.. تقدر تعيش لوحدك؟ ثم أكمل وكأنه يوضح كلامه:
- أنا عارف إن كلامي صدمة ليك.. بس انا قررت إني أسيب البلد لفترة.. وأقسم لك إني هرجع في أسرع وقت.. ومش هتحس بغيابي.. ثم حاول أن يبرر حديثه:
- أنا هسافر أي مكان ألاقي فيه نفسي.. أحس فيه بوجودي.. انت عارف ابن ابنك خريج كلية التجارة بيشتغل إيه؟
- آه.. شغال في مخزن أدوية..
- ابن ابنك شغال شيال في مخزن أدوية.. شيال.. هات الكرتونة دي حطها هنا.. خد الكرتونة دي وديها هناك..
ثم همّ بالوقوف ليغادر.. وقال لجده:
- هسافر فترة مش طويلة.. ثم التفت خارجًا، حتى أوقفته كلمات جده :
- انت ليه بتكذب يا خالد؟!.. انت ليه مش عاوز تعرفني إنك عاوز تنزل السرداب؟!
12

كانت تلك الكلمات كالصاعقة التي وجّهت إلى خالد بعدما اختلق رغبته في السفر لفترة كي لا يعلم جده بذلك، ويظن أنه أصيب بالجنون.. ولم يعلم كيف عرف جده بنيّته.. فنظر إليه مرتبكا:
- سرداب؟!.. انت عرفت منين؟ !!.. أقصد سرداب إيه.. وكلام فاضي إيه.. فأكمل جده:
- عرفت من زمان.. من زمان جدا.. ثم أمره بالجلوس مجددً ا.. وسأله في جدية:
- انت عاوز تنزل السرداب ليه؟
صمت خالد.. ثم تحدث محاولاً أن يجعل الحديث مزحة:
- انت ليه مصمم على حكاية السرداب دى.. أنا بقولك أنا هسافر..
أعاد جده سؤاله: خالد.. انت عاوز تنزل السرداب ليه؟
فلم يجد مفرا وأخرج زفيرا طويلا، وأجاب:
- عايز أنزل عشان أثبت لمنى وأبوها إني بطل.. إني مختلف عن غيري ..
فسأله جده:
- بس؟
فأجابه في تعجب:
- أيوة بس.. وأكمل:
- ومين عارف، يمكن ألاقي الكنز اللي انتوا كنتوا نزلتوا قبل كده عشانه..
فكرر جده سؤاله:
- بس؟
13

ارض زيكولاWhere stories live. Discover now