الفصل الخامس والثلاثون

14.2K 552 23
                                    

نظراتها عالقة على ساعة الحائط المعلقة منذ وقت طويل .. الساعة تخطت الثانية صباحًا ولم يعد حتى الآن ، تتذكر جيدًا كلماته الأخيرة لها بالصباح وبعدها فورًا اختفى وغادر وإلى الآن لم يأتي .. لأول مرة يعاتبها ويتحدث بتلك النبرة الغريبة .. هل حقًا يؤلمه جفائها وبالأخص حين تخبره بكرهها المزيف له ! .. باتت تشعر أن حقيقة التغير التي لا تؤمن بها قد تكون موجودة بالفعل !! .

التقطت اذناها أصوات أقدام تقترب من الغرفة فاعتدلت في فراشها فورًا وثبتت نظرها على الباب منتظرة دخوله .. ثواني معدودة ورأته يفتحه ويدخل بخطوات متعثرة وغير متزنة قليلًا .. ويمسك بطرف سترته التي فوق كتفه وتتدلى على ظهره .
تابعته بعيناها المدهوشة لتراه يقترب من الفراش ويلقى بسترته في عدم مبالاة فتسقط فوق حافة المقعد ثم يتجه إلى الفراش ويلقى بجسده فوقه رافعًا ذراعه ليضعه فوق عينيه متنفسًا الصعداء بحنق .
لم تكن بحاجة للاقتراب منه حتى تتأكد أنه ثملًا بعض الشيء وليس بوعيه الكامل .. فبقت جالسة مكانها تحدقه بصمت لدقيقة  كاملة حتى ارتفع صدرها بنفس عميق أخذته وهبط ببطء مع زفيرًا متمهلًا .. ثم خرج صوتها الخافت بتعجب :
_ عدنان إنت كنت سايق العربية بالحالة ده !
همهم بهدوء تام :
_ امممم .. خايفة عليا ولا إيه !
أصدرت تأففًا قوى بيأس لتجيبه في جدية :
_ طيب قوم غير هدومك وخد دش
لم تسمع أي رد منه فقط صوت تنفسه الحاد كان هو المسموع .. وبعد برهة من الوقت سمعت همسه وهو يبتسم بمرارة :
_ الحقيقة دايمًا بتوجع .. وإنتي قولتي الحقيقة امبارح

ابعد ذراعه عن عينيه وتطلعها بعينان لامعة يتابع كلامه بخزي وألم :
_ واللي يوجع اكتر هو نظرات الكره وعدم الثقة والنفور اللي بشوفها في عينك .. صدقيني بتخليني اكره نفسي اكتر .. هي وجعتني في كرامتي وشرفي وإنتي في قلبي

لوهلة اشفق قلبها عليها ربما لو كان بوعيه لما كانت اشفقت لكن كلامه وهو ثمل هكذا يشعرها بالسوء والحزن .. فاقتربت منه في الفراش وامسكت بذراعه تحثه على النهوض هاتفة :
_ عدنان قوم إنت مش في وعيك لما تفوق قول اللى إنت عايزه

رأته يضحك بسخرية ويغمغم في نبرة موجوعة :
_ وهو أنا من إمتى كنت بوعي أساسًا .. لو كان عندي وعي وعقل كانت هتقدر تستغفلني أربع سنين وكنت هظلمك واخسرك بسببها

تقوست ملامح وجهها بتأثر فضغطت على ذراعه أكثر وغمغمت برجاء :
_ قوم ياعدنان عشان خاطري
لم يبالي برجائها أو محاولاتها بل تابع بنفس نبرته السابقة وابعد يدها عن ذراعه بلطف :
_ لما بشوف كرهك ليا بقول معقول أنا وصلتها للدرجة دي .. معقول إنت كنت غبي وحقير كدا ياعدنان

لا تتفوه ببنت شفة تستمر في التحديق به بسكون والعبوس ظاهر على محياها .. تستمع لكلماته التي يجلد بها ذاته في قسوة .. وفي أعماقها تتمناه أن يتوقف فلا تريد أن تسمع منه أي شيء وهو بهذه الحالة المزرية .

رواية امرأة العُقابWhere stories live. Discover now