عَوْدَة مُفَاجِئَة

39 6 19
                                    

استَيقظَت مُبكّرًا كَـ عادَتهَا، تتَأمّلُ سَقف غُرفَتِها، وشَريطُ حيَاتِها مُنذُ صِغَرها يَمُرّ أمَامِها. بَكت بِصَمت، بَكت وَحيدَةً، بَكت مِثلَما تَبكي كُلّ عَامٍ في نَفسِ اليَوم، وكَانَت تتَذكّرُ ما حدَث بالتّفصِيل، هيَ لَم تَنسَ أيّ شَيء كَما يَعتَقِد الجَميع.

لقَد اعتَادَت على 'الادّعَاء'، لَم يَكُن الأمرُ سَهلًا في البِدايَة ولكِنّها اعتَادَت عَلَيه. لقَد أتقَنَته جيّدًا. 'ما الذي سـ يَستَفيدُه الجَميع إذا عَرِفُوا ما بِداخِلهَا؟ ما فائدَةُ الحَديث عمّا مَضى علَيه أربَعُ سنَوات؟ ما الذي سـ يَفعَلُه المُتحدَّث إلَيهِ إذا أفشَت أو أظهَرت حتّى ما بِداخِلها؟ كلّ ما سـ يَقُوم بِه هُوَ مُحاولَة مُواسَتِها في حُزنِها وهيَ اكتَفَت من المُواساة، لَم يَعُد لَها فائدَة.'

كانَت تِلك الأسئلَة تَدُور بِـ ذِهنِها في كُلّ مَرّة تُحَاوِل إفشَاء ما بِداخِلها. قاطَع حَبل أفكَارِها طَرقُ أحدهم باب غُرفَتِها مُعلِنًا قُدومَه. مَسحت دُموعِها بِسُرعَة وتَظاهَرت بِالنّوم.

"آمِيليا! آمِيليا! هيّا استَيقِظي! لِمَ أنتِ كَسُولَة هكذا؟! هيّا أسرِعي لِتَذهَبي إلى المَدرسَة" قالَت والِدَتُها بـ صَوت عالٍ لـ إيقَاظِها.

ردّت آمِيليا على والِدَتِها بـ صَوت مُصطَنِع النّعاس: "أمّي! اترُكيني قَليلًا! فقَط خمسُ دقَائِق وسأجهَزُ على الفَور!"

"لا! هيّا الآن. سأُحضّرُ الفَطور، وأوقِظُ أخوَاتِك، لَن آتِ لإيقَاظِكِ مَجدّدًا" وخَرجَت والِدَةُ آمِيليا من غُرفَة آمِيليا.

"ماذا كان سـ يَحدُث إذا كان للبَشر القُدرَة على مَعرِفَة ما يَدُور بدَاخِلهم؟ على الأقَلّ لَن تأتِ أُمّي يَوميًّا لإيقَاظِي ظنًّا مِنهَا أنّني نائمَة" تنَهّدَت آمِيليا بتَعب وإرهَاق من التّفكير وهمّت لِتَجهَز لِـ بدء يَوم جَديد مُعتاد من التّظاهُر أنّها بِخَير.

ارتَدت آمِيليا زيّها المَدرَسيّ وأقنَعت نَفسها أنّها بِخَير وذَهبت للمَطبَخ لِـ حُضور الإفطار مع عائِلَتِها، وكَالعَادَة كانَت أوّل مَن يَصِل بَعد وَالِدَتها، وظَلّت هي ووالِدَتُها مُنتَظِرين حُضور الأب والأخ والأُخت.

"هَل أنتِ بِخَير؟" سألَت آمِيليا وَالِدَتُها بِجدّيّة.

"ما الذي تَقصِديه؟" تصَنّعَت وَالِدَتُها الجَهل وهِي تَعرِفُ جيّدًا ماذا تَقصِدُ ابنَتِها.

"أمّي! ما الذي تُحاوِلين إخفَاؤهُ على ابنَتِك؟! أعلَمُ بالفِعل أنّكِ لَستِ بِخَير لِذلك قرّرتُ الاتّصال بِهم"

"مَن هُم؟" رفَعت والِدَة آمِيليا حاجِبَها بـ تسَاؤل.

"سَـ تَعرِفي فَور عَودَتي. ودَاعًا أمّي!" ابتَسمَت آمِيليا بـ حُب لـ والِدَتها وقبّلت جَبينَها وذَهبَت لـ مَدرَسَتِها.

عَوْدَة مُفَاجِئَة! Where stories live. Discover now