الشطرِ الثالث و العشرون : فلسفَة .

1.2K 130 27
                                    

كرسامٍ مُخضرَم ، كنتُ أحبِ أن أتأمل الأشياء لمدةٍ طويلة ، لأحفرهَا في ذهني ثم أنقلهَا إلى ورقةٍ ما .

و ككِل رسام لم أكن أملكُ مشكلةً في تأمُلِ ذات الشئ مرارًا و تكرَارًا .

لكِنني على الرُغمِ من ذلك لم أتجرأ بتأملك يومَا ، كنتُ أشعر بأنني أتلصصُ عليكَ أو أتجسس ، لذا إكتفيتُ دومًا بإلقاءِ نظراتٍ خاطفةٍ عليك .

كان عليّ الإعترافُ دومًا أن وجهكَ مليحٌ جدًا ، كتلكَ الوجوهِ التي لا يكرههَا أحد و يتفقُ الجميعُ على حُسنها

كنتُ أخشىَ أن أعترف بما يجوُل في عقلِي بخصوصكِ لعدةِ أسباب ، كان منهَا تغيّرِ نظرتكَ لي .

لذا كنتُ ألوذُ بالصمتِ حينما تُداهم عقلِي .

بعدَ محادثةٍ صغيرة معك ، و عشاءٍ دسم ولجتُ إلى غرفتِي و بيدِي كوبٌ من الشايّ الثقيل ، كان الشايُّ حتمًا ما كانَ قد يَمنعُ النومَ من عيني .

لم أكُن هاويًا للقهوة كسائر الفنانون ، و لا مِثل أولئكَ الذين يشربونَ القهوة فقط ليظنهُم الناسُ انهم أحسنُ الفنانين ، كنتُ مكتفيًا بما أملُك ، اشربُ الشايّ لكي لا أنامُ و القهوةُ لذاتِ السبب ، لذا كنتُ أعدُ الشاي غالبًا ، لربما لأننِي شخصٌ يابانِي عاشَ على الشايِ أكثر من غيرهِ .

كانت الأوراقُ مبعثرةٌ على مكتبي فجُل ما كنتُ أفعلهُ هو الغوص في قضيتُك - كما أسميتهَا - و البحثُ عن إجاباتٍ كانت تتواجدُ أمام عيني .

تنهدتُ و وضعتّ كوب الشايِ بجانبِ المكتب ، ثُمّ جمعتُ الأوراق بفوضوية و وضعتهم جانبًا .

نظرتُ إلى اللوحة الصغيرة التي علقتهَا بجانبِ الطاولة ، و قد وضعتُ بهِ مشتبهٌ واحدٌ فقط ، لكِي أشعر بأنني اعمل على قضية حقًا .

رواياتُ أجاثَا كريستي و كتب مغامرات شيرلوك هولمز في الحقيقة علمتنِي أشياء كثيرة لم أكن أعلمها مسبقًا ، لكن السئ في قرآئتهمَا أن الواقع مختلفٌ تمامًا عن تلك القصص المرتبة ، و التي دومًا تنتهِي بالقضاء على الشرير .

الواقعُ أدهَى أظلَم ، و أكثرُ بؤسًا من تلك الروايات ، ففي الواقع لا يمكنكَ الجزمُ بالمجرمِ إلا إن كنت تحملُ أدلة ، و لو كان لديك المال ستُفلت من القانون بعد إرتكاب ألف جريمة .

لذا كان لدّي ذلك الشعور دومًا أننِي خاسرٌ في قضيتُك ، سواءً حللتهَا ام لم أفعل ، لكن شئٌ ما كان يدفعنُي دومًا بأن أستمر ، لم أُصَب بالكللِ يومًا ، و أنا أعملُ ليلاً و نهارَا ، بل كنت أشعر بأنني أنجِز ، و كانت تلك اول مرةٍ أشعر بهذا الشعور .

قال أحدهُم - و لربمَا أنا قُلت -
أن هنالكَ حبٌ في هذا العالم ، طاهرٌ برئ كَالثوبِ الأبيضِ الخالِي من الدنس ، حينما يجتاحُ المرءُ ذلك الحُب يبذلُ كل ما يستطيعُ دونَ مقابل ، و هو أجملُ شعورٍ وجودي على وجهِ هذا الأرض .

إرتشفتُ بضعة رشفاتٍ من كوب الشاي و وضعتها جانبًا ، شرعتُ بالبحث في بوابةِ جامعتك عن شئٍ قد يفيدنِي .

لكنَ التعليقات على واجهةِ البوابةِ جعلتنِي أضعُ مئةَ صحٍ على المشتبهِ الوحيد في هذه القضية .

....

فلسفات تَاي كلها فلسفاتِي صدق أو لا تُصدِق .

- إكتبو لي فلسفة إخترعتوها .

هارُوكَا | تايكوك .Where stories live. Discover now