الفصل الثامن

Start from the beginning
                                    

لانت قبضته تلقائيًا على ذراعها حين دخلت لأنفه رائحة عطرها المثير فأغلق عيناه محاولًا تمالك انفعالاته الداخلية حتى لا يضعف ، وكان على وشك أن ينصاع خلف رغبته لكنه استفاق فورًا وترك ذراعها ثم نظر بعيناها وقال في صوت خشن وجاف :
_ بعد الفطار ادخلي خدي دش والبرفان ده متحطهوش تاني .. وإياكي تحطيه وإنتي خارجة
ثم القى عليها نظرة قاسية أخيرة قبل أن يبتعد عنها ويرحل بينما هي فظلت ملتفة برأسها للخلف تتابعه وهو ينصرف بغضب وممسكة بذراعها ثم همست بغل :
_ حقير .. بس ورحمة ماما لأخليك تندم على كل حاجة عملتها معايا ياعدنان
تركت ذراعها وعادت تكمل تحضير الفطار وهي تهتف بقرف :
_ لو اقدر احط سم كنت حطيته عشان تطفحه واخلص منك نهائي

                                     ***
كانت زينة بأحد المقاهي المشهورة والمطلة على النيل ، تجلس على أحد المقاعد وأمامها طاولة مستديرة ومتوسطة الحجم ويقابلها مقعد آخر فارغ .. وبيدها تمسك كوب عصير مانجا طازج وتتأمل منظر الماء من أمامها بشرود ، وبداخلها خلافات عنيفة .. وسؤال تطرحه باستمرار على نفسها .. لماذا تجلسِ بمفردك ولم تذهبِ له بدلًا من الجلوس هكذا كالحمقاء .. لكنها باتت تشعر أن كرامتها على حافة الهاوية ، ولا تستبعد أن يكون قد فهم مشاعرها تجاهه ويتجاهلها بتصرفاته الطبيعية معها ، لا مجال لمزيد من الركض خلف أحلام واهية .. ستترك كل شيء يسير كما هو مقدر له ! .
فجأة وجدت أحدًا يجلس مقابلًا لها على المقعد الفارغ فالتفتت برأسها فورًا له وعندما وقعت عيناها عليها ظهرت الدهشة والخنق  حيث بقت تحدق به لفترة وجيزة بعدم فهم حتى هتفت بحزم :
_ أنت بتراقبني !!!
ابتسم رائد وقال بخفوت ضاحكًا :
_ أكيد لا .. أنا شفتك بالصدفة وقولت اسلم عليكي ونتكلم شوية لو مفيش عندك مانع طبعًا
احتدم وجه زينة بغيظ ثم التقطت هاتفها وأشيائها من فوق سطح الطاولة واستقامت واقفة وهي تقول باعتذار صارم :
_ أسفة بس أنا ورايا مشوار ومستعجلة وكنت ماشية قبل ما حضرتك تاجي
همت بالانصراف لولا قبضته التي أمسكت برسغها في لطف وهتف بوداعة :
_ لحظة بس إنتي متعصبة مني ليه كدا ! .. لو قولت حاجة ضايقتك من غير قصد سواء دلوقتي أو يوم الفرح أنا آسف مقصدش والله
زينة باقتصاب :
_ مفيش زعل يا أستاذ رائد أنا زي ما قولتلك مستعجلة بس وبخصوص الموضوع اللي والدتك فاتحت ماما فيه فـ.....
رائد مقاطعًا إياها بنظرات ذات معنى وجذابة :
_ أنا مجيتش اتكلم معاكي عشان اسألك موافقة أو لا .. خالص بالعكس أنا كنت حابب نتكلم وندردش مع بعض مش أكتر

أحست أنها قست قليلًا عليه في حدة كلامها فتنهدت بهدوء وتمتمت في صوت رخيم وابتسامة بسيطة :
_ مرة تاني إن شاء الله .. عن أذنك
ثم سحبت يدها من قبضته واندفعت إلى خارج المقهى بأكمله مسرعة دون أن تلتفت خلفها ، بينما هو فتنهد بقوة ورفع يده يمسح على وجهه بيأس ! .

                                      ***
يقف أمام المرآة يقوم بتسريح شعره بعد ارتدائه لملابسه ويستعد للمغادرة ثم أمسك بزجاجة العطر الخاص به ونثر على ملابسه بكثرة حتى امتلأت الغرفة كلها برائحته .. انفتح الباب وظهرت من خلفه أسمهان التي وقفت للحظات تتطلع إلى ابنها الأصغر في حنو ، كلما تنظر له يذكرها بأبيه يمتلك نفس عيناه ووسامته الساحرة ، وشغفه وحبه للحياة والمرح .. لم تنسى يوم ولادتها عندما  قال زوجها ( سيكون آدم الأحن بيننا أما عدنان فهو عُقاب يصعب ترويضه ) ! .
اقتربت ووقفت خلفه ثم وضعت كلتا كفيها على كتفيه من الجهتين وقالت بنظرة جانبية خبيثة وحانية :
_ مش ناوي تفرحني كدا يابني وتخليني اشوفلك عروسة وافرح بيك
التفت لها بجسده وقال ضاحكًا بمشاكسًا :
_ لا ريحي نفسك ياست الكل لما احب اتجوز أنا اللي هختارها
أسمهان رافعة حاجبها باستنكار ووجه جاد :
_ لا والله !
آدم ببشاشة وبرود متعمد :
_ طبعًا يا سلطانة .. اعذريني مش هسمحلك تتولي المهمة دي بذات ، ده جواز مش لعبة
_ أنت هتعمل زي أخوك !!
زم شفتيه بعدم اكتراث وتمتم :
_ ماله عدنان !
أسمهان بقرف وغيظ :
_ مش لو كان سابني انقيله عروسته على مزاجي كان زمانه دلوقتي عايش مبسوط ومتهني في حياته ، لكن البيه لعبت بعقله حلاوة بنت فاطمة الخدامة وخلته مش شايف غيرها .. ولما جات الفرصة إنه يتجوز تاني راح واتجوز بنت نشأت غصب عني
مسح آدم على وجهه متأففًا وقال بصوت غليظ واستياء حقيقي :
_ عدنان هيكون مبسوط ياماما لما تتخلي عن تصرفاتك ومحاولاتك في إنك تتخلصي من جلنار ودلوقتي بقت فريدة ، سبيه ومتدخليش في حياته ومتخقليش مشاكل بينهم
ثم اندفع لخارج الغرفة بأكملها فصرخت هي منادية عليه في سخط :
_ آدم
ثم أكملت بعينان ملتهبة بالغيظ والغل عندما لم يجب عليها :
_ مش كفاية ساحرة لعدنان بنت الرازي كمان حتى ابني التاني مش بيستحمل يسمع عليها كلمة .. ماشي يا جلنار مبقاش أنا أسمهان الشافعي أما طردتك من حياة ابني ومن حياتنا كلها

رواية امرأة العُقابWhere stories live. Discover now