وجـوه خلف الأقــنـعـة (رواية)

By H_Zara_H

8.1K 483 208

سعيها لبلوغ غايتها الوحيدة يقودها لطريق مليء بالمتاعب، كما سيتحتم عليها ارتداء عدة أقنعة للصمود، غير مدركة أن... More

المقدمة
(1)
(2)
(3)
(4)
(5)
(6)
(7)
(8)
(9)
(10)
(11)
(12)
(13)
(14)
(15)
(16)
(17)
(19)
(الخاتمة)

(18)

192 17 10
By H_Zara_H


بعد بوحها واعترافها لوالدها في تلك الليلة، شعرت سمر وكأن آخر قناع كان بحوزتها قد سقط، مخلفا خلفه ملامحها الحقيقية والتي كادت تنساها لكثرة الأقنعة التي ارتدتها سابقا.

إنها و لأول مرة لا تخاف من شيء، تمشي في الشارع لا تخشى الشرطة ولا تلتفت يمينا وشمالا، هي الآن مستعدة لكل شيء سيحدث مهما يكن.

لم يكن من السهل عليها الإعتراف لوالدها بالحقيقة كلها خشية أن يخيب ظنه أو يحكم عليها، إلا أنه كان متفهما شاعرا بالذنب فقط لما وصلت إليه، فلو أنه استمر بالتواصل معها حتى وهو في سجنه فلم تكن صغيرته لتدخل عالم جربه هو نفسه ولذغ بسمه.

هو من ظن أن بابتعاده ومنع بناته من رؤيته تماما سوف تنسيانه مع ماضيه المخزي، لكن إحداهما بقيت عالقة في ذلك الماضي الذي يعيش حاضرها وتوغلت كثيرا به.

كانت نهاد وفي كل زيارة تقوم بها له عند بداية كل شهر تخبره عن تفاصيل حياة ابنتيه، دراستهمها وكل جديد يطرأ في حياتهما. لكنها هي نفسها لم تكن على علم بذلك الجانب الآخر من حياة ابنتها البكر لتخبره.

في ذلك اليوم كانت سمر على موعد هي و والدها مع مجد، هذا الآخير الذي فضل أن يكون اجتماعهم في شقته بدل المكتب ليتحدثا بعيدا عن أجواء العمل.

استقبلهما وكأنها ضيفين عزيزين، متجاوزا كل ما حدث بينهم في الماضي.

كان حسام متواجد أيضا، ورغم كل شيء فهي قد لاحظت كونه لم يستطع بلع حقيقة وجودها حوله. قدم مجد القهوة ليجلسوا حول طاولة النقاش استعدادا لفتح ملفات الماضي.

وكان مجد أول المتحدثين إذ قال:

"اجتمعنا اليوم للكشف عن كل الخفايا والأسرار التي بقيت مخفية عنكما ولوقت طويل. أتمنى من صميمي أن بعد هذه الجلسة سوف نرمي ماضينا الأسود خلف ظهرنا لنستقبل يوما جديدا، لأجل شخص واحد تهمنا جميعا مصلحته"

سألته سمر:

"وهذا الشخص هي سلمى صحيح؟"

أومأ لها مؤكدا، فقال يونس يمرر نظره على الثلاثة:

"أعتقد أنه علينا البدأ في سرد الأحداث من البداية، السبب في حدوث ذلك الخلاف بيني وبين والدكما رحمه الله "

أيده مجد وسمر فيما التزم حسام الصمت، ليتابع يونس:

"في تلك السنة خططت أنا و رضوان لعملية كبيرة كانت ستكون الأخيرة بيننا، لأنني بعدها كنت مخططا لمغادرة المدينة بشكل نهائي لبداية حياة جديدة وهادئة مع أسرتي.. لكنني وقبل ذلك كنت بحاجة للنقود لإجراء عملية لنهاد كانت هي أملنا الوحيد لاسترجاعها القدرة على المشي. وقد طلبت من رضوان أن يقرضني بعض المال لأجل ذلك قبل أن نقوم بتلك العملية الخطيرة والتي لم أكن واثقا من نجاحها حتى، عكس رضوان الذي كان واثقا من نفسه لأبعد حد...

أدخل والدكما طرفا ثالثا معنا في العملية، وأثناء قيامنا بعملية السطو قام أحد عمال المؤسسة بإعلام الشرطة، علمنا بذلك فورا فأخذنا كل ما كان بين أيدينا وهربنا نحن الثلاثة من هناك.

تتبعتنا الشرطة وكانوا على وشك القبض علينا، ولنداري أنفسنا قمنا بترك السيارة في مكان بعيد عن وسط المدينة وقمنا بدفن كل المال في مكان ميزناه جيدا، واتفقنا على العودة إليه في اليوم التالي ليلا لأخذه واقتسامه فيما بيننا. في اليوم الموالي ذهبنا نحن الثلاثة حيث دفنا المال، حفرنا في المكان المحدد فلم نجد شيئا، إذ تم سرقة المال المسروق منا!"

كانت دهشة سمر واضحة لهم وهي تسمع كل ذلك من والدها، وقد رأت أن مجد وحسام لم يتفاجأء من كل ذلك هما أيضا. فلابد من أنهما كانا على علم بكل شيء.

تابع يونس:

"حدث نقاش بيننا نحن الثلاثة، اختلفنا وتبادلنا الإتهامات فيما بيننا، اتهم كل واحد منا الآخر بالخيانة وسرقة كل المال. ذهبنا للمكان حيث تركنا السيارة ولم نجدها، عندها ظننا أن الشرطة ربما قد تكون علمت بمكان وجود المال والسيارة فأخذتهما"

سكت آخذا فنجان قهوته يبادله بين يديه مردفا:

"بعد أيام اختفى فيها كل منا تجنبا لأي مشاكل، أتى رضوان إليَّ بعدها يتهمني بخيانته، معللا ذلك بظروفي القاهرة وقتها ومرض زوجتي وابنتي الصغيرة سلمى! عمى الغضب بصيرته فهددني بأنه سيجعل من حياتي جحيما إن لم أعد لها كل المال... لم يكن ذلك ممكنا فلم يكن لدي أي مال، و لكنه لم يقتنع أبدا بأنني لست الفاعل، ففكر بالضغط علي عن طريق خطفكن، عندها لم أجد حلا آخر غير التبليغ عني وعن البقية لإنقاذكن قبل أن أتجه إليه وخلفي الشرطة."

قام حسام من على الكرسي حاملا فنجانه يقول موجها حديثه لها ببساطة وكأنها قصة أطفال تروى لهم قبل النوم:

"والباقي تعريفنه أنت، والدك قبض عليه، ثم عاش والدي باقي أيام حياته القليلة هاربا. ليكتشف في النهاية وعن طريق الصدفة أن الطرف الثالث من تلك العملية هو الخائن! وأثناء مواجهته بذلك قُتل والدي وذهب رفيقه إلى السجن بعد أن استمتع لأيام بماله المسروق، وانتهت القصة!"

رمق مجد شقيقه بنظرة يرجوه السكوت، فيما ابتسم يونس بمرارة لتذكره ذلك الماضي. أما سمر فقد صححت لحسام معقبة وهي مطرقة برأسها:

"لم تكن تلك نهاية القصة، بل كانت مجرد بداية، بداية قصتي وقصة سلمى وكل شخص منا."

رفعت نظرها تمرره على الأخوين مردفة:

" أنتما التزمتما الصمت عما تعرفانه، لما لم تحاولا البحث عنا وإرجاع الطفلة بأي ثمن؟ كانت ستكون حملا ثقيلا بالنسبة لكما فلما تركتماها تعيش بعيدا عن عائلتها طوال ذلك الوقت؟"

أشار حسام لمجد للإجابة، فقال هذا الأخير:

"عندما تم أخذ سلمى معنا تلك الليلة قمنا بتركها عند عمتي التي كانت تقطن في ذلك البيت حيث..."

فهمت هي أي منزل يقصد، أي المنزل الذي حدثت فيه آخر عملية لها. فأومأت له بخفة ليتابع هو:

"ذهبنا نحن الثلاثة لمدينة أخرى حيث اختفينا لبعض الوقت، وبعد إعلامنا بخبر مقتل والدي لم نكن نعلم ما سنفعله بسلمى. كان والدي قد أخبر عمتي بكونها ابنة صديق عزيز قد تم إدخاله السجن لسنوات عديدة، وطلب منها الإعتناء بها لحين عودته هو لأخذها لمكان آمن، لكنه لم يعد."

شعر بضيق نفسه فأخذ نفسا عميقا قبل أن يردف:

"بعد وفاته لم أدري ما أفعل، عمتي لم تكن تعلم بكل ما حدث مؤخرا، وأنا كنت خائفا جدا من تورطي أنا وأخي بجرائم أبي تلك. بعد أيام اكتشفت عمتي مرض سلمى، وقد أصرت على علاجها والإعتناء بها كما كان وعدها لأخيها..

وهكذا مضت الأيام بسرعة، استأنفتُ حياتي و دراستي متناسيا أمر الطفلة وعائلتها، أصبحت سلمى جزءا من عائلة عمتي التي كانت تعتبرها أحد بناتها، ونظرا لمرضها والوضع الذي خمنت بأن تكون عليه عائلتك أقنعت نفسي بأنه ليس من الصواب بأن نعيدها، وكم كان ذلك قرارا مجحفا في حقكم. قررنا بعدها نسيان كل شيء عن الماضي وعدم النبش فيه، إلى أن ظهرت أنت في حياتنا فجأة"

حدقت به مطولا تستمع لأول مرة لبعض التفاصيل الجديدة، أما يونس فقد كان على علم بكل ذلك فقد أخبره مجد بكل شيء أول مرة التقاه بها.

ران سكوت مطبق بينهم لدقائق مضت ثقيلة، حتى تكلمت هي:

"حسنا، أعتقد بأنه لو لم أدخل عالم العصابات لما استطعت إيجادكما بسهولة، وما كان والدي الآن هنا بيننا...حتى أنني لم أكن ربما لأرى أختي مرة أخرى أبدا! "

استقر نظرها على حسام مردفة:

"رغم كل شيء سيء مررت به في سبيل الوصول إليكما وإيجاد أختي فأنا لست نادمة الآن مطلقا! في النهاية فنتيجة ذلك تستحق المغامرة وذلك العناء، ثم من قال بأنه سيأتي يوم علينا نجلس فيه سويا حول طاولة واحدة؟!"

أومأ مجد موافقا، فيما أشاحت هي نحو والدها سائلة:

"ذكرت أنت ومجد شيئا عن مرض أختي، وأنا لا أتذكر أنها كانت مريضة ولا حتى أمي سبق لها وذكرت ذلك، فكيف ذلك يا أبي؟"

وضع يونس يده فوق يدها التي لاحظ برودتها، يجيبها:

"قبل أيام من عملية والدتك اكتشفت مرض شقيقتك، كان مرضا في الكبد يلزمه علاج مطول وعناية كبيرة، كنت أريد الإنتهاء من عملية والدتك حتى تستعيد قدرتها على المشي قبل أن أصارحها بوضع سلمى، لأنها إن علمت بمرضها ذاك قبلا فلم تكن لتوافق على إجراء عمليتها هي لأجل علاج ابنتها أولا بذلك المال الذي كانت تعرف بأنني قمت فقط باقتراضه"

وضعت يدها على فمها جراء سماعها بخبر مرض أختها ذاك، لاحظ مجد خوفها من أن يكون شيء سيء حدث لها فقال مضيفا على كلام والدها:

" لحسن الحظ فقد اكتشفت عمتي مرضها ذلك بسرعة وعرضتها على طبيب تابع وضعهها حتى شفيت، وهي الآن بخير وسترين ذلك عندما ستلقينها مباشرة يوم غذ!"

توجهت أنظار الثلاثة المدهوشة بمن فيه حسام صوب مجد، متفاجئ هو بدوره لسماع ذلك منه. أضاف مجد موضحا:

"اتصلت بي العمة تخبرني برغبة سلمى في لقاءكم جميعا في أقرب وقت ممكن، كما أني أعتقد بأنكم أيضا متشوقون لرؤيتها، لذا لا أرى ضرورة لتأجيل الأمر أكثر. فما رأيكم بهذا"

أيده يونس:

"أتفق معك، سوف نكون جاهزين يوم غد وفي الموعد الذي تراه مناسبا لإنطلاقنا"

سعد مجد بموافقته على قراره المتسرع ذاك، فقال:

"إذا اتفقنا، سوف أسبقكم إلى هناك منطلقا هذا المساء، وأنتم الأربعة سوف تأتون صباح يوم غد باكرا وسوف يوصلكم أخي حسام بسيارته، أعتقد بأنه سيسعدُ بمد يد العون لكم، صحيح يا أخي؟"

وجه آخر سؤال لحسام الذي لم يصدق أن مجد يطلب منه مثل ذلك الطلب، فلما لا ينتظر "البطل العادل "حتى يرافقهم بنفسه؟ ألا يخش مثلا أن يقلب السيارة عليهم رأسا على عقب!؟

ما إن شاهد عيونهم تحدق به بانتظار إجابته حتى أجاب موافقا:

"حسنا، سأفعل ذلك"

تنهد مجد بأريحية يقول:

"وبهذا أعتقد أننا انتهينا من جلسة نقاشنا، في حال كان لدى أحدكم أي سؤال آخر فيمكنه طرحه الآن أو لاحقا، لأننا وعلى ما أعتقد بأننا سوف نلتقي كثيرا من هنا وصاعدا"

نهاية الفصل الثامن عشر.

انتم ايضا ان كان لديكم اي سؤال فمرحبا، ورجاء لا تبخلو علي بتصويت او تعليق.

Continue Reading

You'll Also Like

36.1K 2.1K 80
لن يفهم سطور هذا الرواية. إلا أولئك الذين قد تجرعوا ذات يوم مرارة الفراق. فإذا كُنت لست منهم ، فإن هذه الرواية لا تعنيك ، اخرج منها فوراً ، وغادر...
20.8M 1.3M 49
حياةٌ اعيشها يسودها البرود النظرات تحاوطني أواجهُها بـ صمود نظراتٌ مُترفة .. أعينٌ هائمة ، عاشقة ، مُستغلة ، عازفة ! معاشٌ فاخر ، صوتٌ جاهِـر اذاق...
36.6K 2K 75
جلال الدين الرومي هو محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البخلي، ولد في بلاد الفارس وانتقل إلى بغداد وبعدها قام برحلة طويلة إلى البلدان ومن ثم بعدها استق...
19.6M 636K 157
بريئة اوقعها القدر بين براثن شيطان لا يرحم ، حاول ايذائها فتأذي هو