اختطاف الأخت الخطأ 🔞🔞🔞

By Narjuus

531K 5.8K 460

كتاب يضم مجموعة من الروايات المكتوبة الكاملة من روايات عبير وأحلام وروايات رومانسية تنوية هذة الروايات منق... More

بنت عمي
(النسر) ل فيوليت وينسبر
اذا كنت تجرؤ
صرخات بلا صدى Shouts without echo
صرخات بلا صدى Shouts without echo
أسيرة في شباك العنكبوت
أتفاقية ما قبل الزواج
صيف المطر الباكي
اهات قاتلة ل ميشيل ريد
فخ الخيانه -روايات عبير
خلف أبواب الخوف -روايات عبير
خلف أبواب الخوف - روايات عبير
قيود من حرير Restrictions of silk - روايات عبير
البحيرة الذهبية ل سوزان كلير - روايات عبير
ظلم لا يغتفر
الحب في البرية
الحب في البرية 2
عذراء الثلج
عذراء الثلج 2
رغبة الملياردير السرية
رغبة الملياردير السرية 2
الثلج يحرق أحيانا
الثلج يحرق احيانا 2
عشيقة ميديتشي
زواج المنتقم
زواج المنتقم 2
زوجة للأيجار
زوجة للأيجار 2
انتقام لا هوادة فيه
انتقام لا هوادة فيه 2
الحقيقة الضائعة
الحقيقة الضائعة 2
أغليوس
إشارة ممنوع الحب
إشارة ممنوع الحب 2
سجن الأكاذيب 2
سجن الأكاذيب 3
الراقصة والارستقراطي
المجهول الجميل
المجهول الجميل 2
المستبد
سيدة قلبي ... جاريتي !
سيدة قلبي. .... جاريتي !
ملاك الانتقام
ملاك الأنتقام 2
ملاك الأنتقام 3
أيما
إيما 2
مرتفعات وذرينغ
مرتفعات وذرينغ 2
اختطاف أوليفيا
خادمة الملياردير
المثير
أريدها بأي ثمن
سامانثا وعيد الحب
اختطاف الأخت الخطأ

سجن الأكاذيب

5.5K 74 8
By Narjuus

فضلآ وليس أمرآ .....

أنت قرأت القصة وأعجبت بها... أذا قم بالتصويت عليها والتعليق فيها....

تعليق من أي شخص سيجعلني سعيدة ☺

(( ملخص القصة ))

((( رغم أن كايت كانت مختلطة الدماء كما لقبتها زوجة أبيها دائما ًإلا أن الصدق كان أهم مبادئها،
و لكن حين وقعت شقيقتها في مشكلة مستعصية لم تجد حلاً. غير الكذب.. فكذبت أكبر كذبة في حياتها وأسوها على الإطلاق، حين اتهمت نيكولاس كاتسورانيس بأنه غرر بها وتخلى عنها حين علم إنها حاملا كان تصريحها ذاك صدمة لوالدها اليوناني المتمسك بالتقاليد ..فما كان منه إلا طلبها للزواج،
مقسماً بينه وبين نفسه أن يذيقها أقسى أنواع العذاب. هل تتزوج كايت من نيكولاس وهي تعلم ما يضمر لها؟؟ أو تعود للعيش مع والدتها في انجلترا؟؟
هل يكتشف نيكولاس سر كذبتها؟؟
هل يسامحها؟؟ أم أن كرامته وكبريائه سيحولان دون ذلك؟؟)))

اسمعني أبي... هناك أمر مهم أريد إخبارك
إياه" . لكن سيزار كما العادة كان مشغولا جداً ليستمع إلى ما لديها ، فأشار لها بيده إنه سيستمع إليها فيما بعد وهو يخطو باتجاه مجموعة من رجال الأعمال، كانت كايت تعلم جيداً أنه لم يعد هناك وقت ففي دقائق سيعلنون عن خطوبة أختها للمدعو كاتسورانيس، ومن غير وعي منها صرخت
بقوة: "أبي أنا حامل". كما لو أن العالم كله قرر السكون في تلك اللحظة فقد توقفت الموسيقى عن العزف وتوقف الهرج ونظر إليها الكل باستغراب،
ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تكمل: "أنا احمل
طفل نيكولاس كاتسورانيس".

تنفس نيكولاس الصعداء وهو يحرك يده ليرجع خصلات سوداء حريرية تساقطت على جبهته، نظر لصديقه ماركوس وهو كذلك مدير مكتبه في لندن قائلاً: "وأخيراً مر الاجتماع على خير.. سأدع لك بقية الأمور لتسويها أنت مع العميل الجديد. .فأنا يجب أن
ارتاح قليلا.. فغداً رحلتي إلى اليونان". "
قال اسم بلده بشوق وحنين ظهر جلياً في التماع عينيه السوداوان فقد اشتاق إلى جزيرته وهدوئها ومناظرها الطبيعية الخلابة وهو يحتاج إليها الآن أكثر من أي وقت مضى بعد سجن دام أسبوعين في مكتبه بلندن لتسوية أخر صفقة تشكل آخر اجتياح لشركته للسوق العالمي.
نظر إليه مارك بمكر وهو يقول: "ارتح يا صديقي فلا شك أن شقراء فاتنة بانتظارك الآن في السرير.
ابتسم نيكولاس لمزحة صديقه وقال: "لا... لقد أوقفت جميع علاقاتي السابقة فأنا الآن على وشك الزواج أم انك نسيت ذلك.".
"لا... لا يمكن أن اصدق إنك ستتخلى عن جيش نسائك من اجل الزواج بفتاة ليست حتى من نوعك المفضل ... قال مارك بعدم تصديق، فقد سبق له أن شاهد ميليتا في إحدى الحفلات في أثينا ورغم إنها جميلة لكنها لا تقارن أبداً مع أي فتاة ممن رافقهن نيكولاس خلال السنوات الماضية، فقد كن خلابات
ولسن جميلات فحسب.
"لا يهمني جمالها بقدر ما يهمني عفتها ونقائها... لا تنسى أنني اخترتها لتكون أما لأولادي... كما إنها يونانية أصيلة أي تعلم كيف تطيع زوجها ولا تجادله في كل صغيرة وفي وكبيرة... أما بالنسبة للجمال الخلاب فقد اتخمت منه يا صديقي... ولا أريد الآن غير الاستقرار" قال نيكولاس بصوته الرخيم
الواثق في حين لا تزال نظرات الشك مستقرة
في عيني صديقه الذي قال: "لا استطيع أن أصدقك نيك.. فأنت من النوع الذي يمل بسرعة ولا شك انك بعد عام واحد من الزواج ستبدأ عملية البحث عن
مغامرة من جديد".
"لن افعل أبداً... فأنا رجل محترم ولن أدنس زواجي بعلاقات غير شرعية أبداً... أنا يوناني أصيل يا مارك" قال نيكولاس بصوت يشوبه الغرور والتعجرف وهو يقف بقامته المديدة التي تبلغ س190م وأخذ حقيبة أعماله، ثم توجه نحو الباب، لكن صديقه استوقفه قائلا "أراهنك بمرتبي لمدة شهرين انك لن تستطيع مقاومة شقرائي".
ابتسم نيك لتحديه فقد ذكره التحدي بأيامهما في الجامعة حين كانا يتراهنان على من سيوقع فتاة ما أول، استدار لينظر لصديقه بثقة وهو يقول: "ابعث حتى جيشاً من الشقراوات فلن يثرن حتى شعرة مني". ابتسم له مارك بخبث وهو يقول: "صدقني
فهذه الشقراء وحدها تكفي... إن فزت فستدفع لي قيمة شهرين من مرتبي وسآخذ شهراً إضافياً عطلة".
لك مني قيمة أربعة أشهر لكن لا تأمل كثيراً، فأنا لم أخسر رهاناً في حياتي" قال بصوت واثق فهو فعلا لم يخسر يوماً ، غادر مكتبه متوجها لشقته طلبا لقسط من الراحة.

💄💄 الشقراء المثيرة للمشاكل 💄💄

كان يوماً آخر من أيام حزيران حيث تتمتع لندن مدينة الضباب بشمس دافئة ونسمة هواء عذبة تلطف الجو راقت لكل الجالسين حديقة
فى مستشفى "س.ت.جورج" ومتعتهم ببداية صيف
مبشر بالخير. كانت كايت تجلس على طاولتها المعتادة بكافيتيريا المستشفى حيث تطل الواجهة الزجاجة على الحديقة، كان جمالها المميز يجذب عيون المارة بقربها خصوصاً الرجال، كانت تبدو كحورية بل كانت أقرب إلى ملاك بمعطفها الأبيض وبشرتها العاجية الصافية و بشعرها الأشقر الحريري الذي يتوج رأسها كتاج من الذهب الخالص، بينما تظهر عيناها الزرقاوتين المكحلتين برموش كثيفة عمقاً وغموضا غريب وهي تنظر لسماء الصافية كأنها في عالم غير عالمنا شعرت بيد توضع على كتفها وتجذبها من عالمها الخاص ، فالتفتت لتنظر لشخصاً خلفها ، ابتسمت برقة حين طالعها وجه دايف الحنون.
كان دايف في الرابعة والخمسين من العمر ورغم
ذلك لازال يحتفظ بقوته وجزء من شبابه، فقد
كان طويلا ذو ذوبنية رياضية ورغم أن الشيب
غزى معظم شعره إلا أن عينيه الزرقاوتين وابتسامته الدائمة تظهران شباباً لا نظير له. جلس في الكرسي المقابل لها وهو يقول بصوته الدافئ الذي طالما كان اكبر مخدر لها منذ الصغر، فكانت تنام مع بداية حكيه للقصة، "كنت أريد منك أنت أن تخبري آل"دايسون" عن نجاة طفلهم".
"ألم تخبرهم أنت؟" قالت كايت مستغربة وهي تعقد حاجبيها المرسومان بعناية. "بلى... لكن الفضل في ذلك يعود لك، وأنت من كان يجب أن تسمع شكرهم".
"أنت تعلم أن هدفي هو مساعدة المرضى فقط وليس تلقي الشكر من ذويهم... كما إنني ما كنت لأنجح لولا إرشاداتك.. إذاً فأنت أحق بذلك مني" وابتسمت له ابتسامة باهتة لا تشبه أبداً ابتساماتها المعتادة.
أدارت عينيها ناحية السماء لتغرق في التفكير مجدداً وقد صار لون عينيها أغمق فعلم دايف أن هناك شيء يقلق راحة بالها، فعينيها دوماً ما تعكسان ما بداخلها.
أنت متوترة بسبب سفرك أليس كذلك؟.
"اجل..." استوت في جلستها وحولت عينيها لتلتقيا بعينيه الدافئتين، ثم تنفست الصعداء قائلة:
"أنت تعلم أن لدي رهاب من الطائرة... كما إنني
لم أسافر إلى اليونان منذ كان عمري أربعة عشرة
عاماً "إذا أنت لن تغيري رأيك بخصوص السفر مهما
حاولت إقناعك" قال دايف مستفسراً. لا... أنا مصرة على ذلك". "إذاً سأخبر أمك إنني حاولت ولم انجح" قال وابتسامة ماكرة تعلو شفتيه مما جعلها تبتسم
هي الأخرى. "لا اصدق إنها طلبت منك أن تحاول إقناعي بالعدول عن ذلك؟" قالت كايت بعدم تصديق
وابتسامة مرحة لا تفارق شفتيها. "أنت تعلمين كيف هي أمك. . أما أنا فكما كنت أخبرك منذ صغرك. .. لا احد يتعلم من أخطاء الآخرين يا ابنتي، لذا إن رأيت أن ما تفعلينه هو الصحيح فأنا أدعمك مائة بالمائة"
صمت قليلا ثم استطرد والمرح يغلف صوته:.لكن بدون علم والدتك". ضحكت كايت لمزاحه وهي تقول: "أنت لا تتغير أبدا دايف".
دوى صوت جهاز الاتصال الصغير الخاص بالأطباء
في جيبها منبهاً إياها أن هناك حالة مستعجلة تتطلب حضورها ، وقفت من جلستها بسرعة وهي تنظر إلى دايف مبتسمت وتقول : "الواجب ينادي... سنتحدث فيما بعد" أسرعت الخطى باتجاه باب الكافيتيريا ملبية نداء الواجب بينما ظل دايف ينظر إليها بفخر.
كان بقية اليوم مشغولا جداً بالنسبة لكايت، فقد انقلبت حافلة نقل عام وكان عدد.المصابين الواصلين للمستشفى في تزايد، كما.اضطرت لدخول غرفة العمليات مرتين مع دايف كانت آخرهما أكثر من مرهقة فقد استمرت لثلاث ساعات، جلست في غرفة تبديل الملابس بعد أن غيرت ثيابها مستندة على ظهر الكرسي وهي تشعر إنها قد أنهكت تماماً في أخر يوم لها قبل العطلة، رن هاتفها المحمول فنظرت لاسم
المتصل... إنه جوناثان خطيبها ، أجابت قائلة
بصوت ملئه الإرهاق: "مرحباً جون ".
"مرحبا حبيبتي... أنا بانتظارك أمام باب المستشفى... أتمنى أن تسرعي قبل أن أحصل على مخالفة بسبب الغير مشروع" قال صوت جوناثان المرح فأجابته بأنها ستخرج حالأ. في طريقها للخروج التقت بدايف الذي ابتسم لها قائلا: "أحبيب القلب بالخارج؟".
"اجل... ألن تغادر أنت كذلك؟" استفسرت كايت فقد انتهت مناوبتهما معاً ورغم ذلك لازال مرتدياً معطفه الأبيض والسماعة الطبية معلقة على عنقه.
"سأغادر بعد قليل فلازال لدي بعض المهام...
أراك بالبيت" اقتربت منه كايت وطبعت قبلة خفيفة على وجنته وغادرت. كان جوناثان ينتظرها بفارغ الصبر وما أن فتحت باب السيارة وجلست بجانبه حتى اقترب منها محاولا تقبيلها ومعانقتها ، لكنها انسلت منه بهدوء معطية إياه وجنتها بدل شفتيها ورغم.إحساسه بالإحباط لتصرفها إلى إنه كتم غيظه
ورسم ابتسامت مزيفة على شفتيه وهو يقول:
"اشتقت إليك". أجابته: "وأنا كذلك. ..".

شعرت بالخجل من نفسها لأنها تكذب عليه فهي
لم تتذكره ولو لثانية واحدة خلال غيابه طوال الأسبوع الماضي، كان جوناثان شاباً وسيما يبلغ
طوله 180 م ، ابيض البشرة شعره كستنائي
رائع كما تزين عينيه العسليتين رموش كثيفة
وتزيد من إبداء وسامته ورقته، رغم أن الممرضات
وزميلاتها الطبيبات يحسدنها عليه إلا إنه نادراً ما
كان يثير بداخلها أي شعور وما قبلت خطوبته إلا
لأنه شخص طيب ويعتمد عليه، كما إنه احترم
إنها لا تريد أي علاقة قبل الزواج. تعرفت عليه أول مرة السنة الماضية حين تعرض الحادث بسيارته، كانت حينها في سنتها.الدراسية الأخيرة وقد أبدت بروداً شديداً في تعاملها معه رغم أن الأغلبية كانوا يسارعون لتلبية طلبه، فالرجال كانوا يريدون رضاه
بصفته ابن أغنى رجال انجلترا والنساء كن يقعن
تحت تأثير سحره ووسامته، ولسبب يجهله الكل
بما فيهم هي وقع في غرامها وظل يطاردها إلى أن
وافقت على الخروج معه. بعدها بمدة قصيرة طليها للزواج ولأنها تعتبر نفسها امرأة تقليدية وافقت فهي ترفض الاعتراف بالحب قبل الزواج، قطع عليها تفكيرها.وصولهما إلى احد أرقى مطاعم لندن، نظرت
كايت إلى جوناثان بغير تصديق وهي تقول: "لم
تخبرني أننا سنتعشى خارجا". "حبيبتي... أمعقول بعد أسبوع من الفراق أن أقلك لمنزلك فحسب؟؟ بالطبع أريد أن امضي وقتاً أطول معك.." قال برقة وحنان وهو شيء.اعتادته منه دائماً حتى إنها أحيانا تكاد تخنقها كلماته العذبة. لكنني لم أجهز نفسي للعشاء خارجاً. .. وخاصة بمطعم كهذا قالت وقد تحولت نظرة عدم التصديق إلى نظرة عتاب.
"حبيبتي أنت رائعة كما أنت. .." خرج من سيارته
ليلف ويقف أمامها مساعداً إياها على النزول وبعد
ذلك منح الخادم مفاتيح السيارة ليضفها بعيداً جذبت كايت الأنظار بسروالها الجينز الأزرق وبلوزتها البيضاء القطنية.. نظرت إليها النساء بتهكم بينما التهمتها أعين الرجال بشوق، فقد بدت فاتنة.. طويلة... ورشيقة كما كانت ملامحها خلابة تسلب اللب. جذب لها جون كرسيها لتجلس واستدار ليجلس على الكرسي المقابل لها ، طلباً الطعام وتحدثا لبعض الوقت عن سفره ومهمته التي لاقت النجاح وجعلته فخراً لوالده، كانت كايت تستمع إليه بعقل شارد فقد أكثر من الكلام وفقدت هي الاهتمام بمتابعته وظلت تصطنع الاستماع، بينما غاب عقلها وسافر إلى أثينا حيث يجب عليها أن تكون غداً ، شعرت بيد توضع على يدها فانتبهت إلى جوناثان الذي قال بعتاب.
"حبيبتي هذه المرة الثالثة التي أسألك فيها عن
رحلتك غداً". استوت في جلستها وهي تبعد يدها عنه قائلة.بأسف"جون. .. أنا حقاً متعبة، فقد كان يوماً عصيباً" صمتت قليلا قبل أن تستطرد : "رحلتي ستكون غداً في العاشرة صباحاً" أجابته
بإيجاز كما لو انه سؤال امتحان.
"كنت أتمنى لو انتظرت قليلا كنت لأسافر معك وأساعدك في اجتياز محنة الطائرة...
وبالمرة أتعرف على والدك وأختك ميلينا". شعرت كايت بمغص في معدتها ما أن ذكرها بركوب الطائرة فلا يوجد شيئان تخافهما أكثر من الظلام والارتفاع، والطائرة تجمع كابوسيها فهي لم تتجاوز محنتها بعد ورغم إصرار أمها ودايف على ضرورة خضوعها لعلاج نفسي إلا إنها رفضت وفضلت تخزين ذلك الرعب داخل خبايا عقلها ، وأقفلت عليه بمفتاح ولم تضطر للتعامل معه يوماً ، لاحظ جوناثان تغير لون وجهها فقال برقة سئمتها كايت: حبيبتي بإمكاني مرافقتك إن أردة سأؤجل أعمالي وأسافر معك"
"لا جون لست مضطراً لذلك كما إنني سأطلب مساعدة المضيفات. .. بالإضافة لا يمكن أن اسرق أضواء خطوبة شقيقتي بإعلان عن خطوبتي أنا. .. لا أظن أن ذلك سيكون عادلا ". ابتسمت وهي تفكر فيما ستقوله زوجة أبيها إن فعلت!. .. فهي لن تتوقف عن الإهانات فحسب بل ستتهمها أيضا بعلاقة غير شرعية بجوناثان وستهين دمها الانجليزي قائلة: "إنها فاسدة
كأمها" وهذا حقاً ما لن تتحمله في الظروف الراهنة لي خصوصاً وإنها تريد لأختها يوماً مميزاً وتريد الحديث مع والدها بعد ذلك عن نجاحها ، وعن إنها لا تزال شريفه نقية وإن ما يجري بعروقها هو دم يوناني أصيل، فالمرأة اليونانية لا تسلم نفسها إلا لزوجها !!. لاحظ جون انغماسها في تفكيرها وقال بنفاذ صبر فهي تهمل وجوده منذ بداية السهر، وتساءل مع نفسه إن شعرت بأي شيء تجاهه يوماً: "اعتقد أن علينا الذهاب فكما أرى إنك بالكاد تسمعين ما أقول" . حاولت الاعتذار مرة أخرى لكنه أوقفها قائلاً: "لا داعي للاعتذار... هيا" وقاما من مكانهما بعد
أن دفع الحساب، أوصلها إلى منزلها وحين حاولت
النزول جذبها إليه قائلا: "ألم تشتاقي إلي كايت؟؟".

رأت نظرات الرغبة التي طالما أخافتها في عينيه
فقالت: "طبعاً اشتقت إليك جون. .. ما هذا
الكلام؟؟". "قبليني إذاً" رأى الرفض في عينيها فسارع يقول بغضب "ولو لمرة واحدة كايت. .. فأنا الخطيب
الوحيد في العالم الذي لم تسمح له خطيبته بتقبيلها يوماً". "أنت تعلم مبادئي جيداً جون... لم أنافقك
للحظة فأنا..." قاطعها قبل أن تكمل بغضب:
"تجري في عروقك دماء يونانية. .. اعرف كايت
لكن لصبري حدود " صمت قليلا قبل أن يقول بلهجة آمرة: "سنتزوج مباشرة بعد عودتك من اليونان
"ألا ترى نفسك متسرعاً جون... أنا لا أريد الزواج
الآن فقد بدأت مستقبلي المهني للتو... اعتقد
انه. قاطعها للمرة الثانية وهذا ما جعل دمها يفور
غضباً وشعرت أن شياطين العالم تتقافز أمامها
وللحظة أوشكت على رمي خاتمه في وجهه فهي
تكره أن يقاطع كلامها احد مهما كان.. فذلك يعتبرتقليلا من شأنها .
"تبا لمستقبلك.. الاتحسين بي؟؟" وجذبها بالقوة إلى أحضانه وطبع قبلة قاسية على شفتيها ، دفعته عنها بقوة ودوى صوت صفعة تلاها رميها لخاتمه في وجهه ونزلت بسرعة وأقفلت الباب بقوة على وجهه، نزل هو الأخر خلفها قائلا بأسف وقد عاد إلى قناعه المزيف: "حبيبتي اعذريني. ... أنا لم اقصد كايت".
امسكها من ذراعها فالتفتت إليه ونيران زرقاء تلمع في عينيها وقالت وهي تصر على أسنانها
"إياك أن تلمسني مرة أخرى. ..." وجذبت ذراعها
من يده وقد تدلى فكه بذهول، فهو لم يرها ولو
المرة خارجة عن هدوئها وابتسامتها الباردة: "لقد
انتهينا جون" تحركت إلى منزلها حيث وقفت والدتها أمام الباب تنظر إليهما باستغراب، دخلت كايت
وانطلق جون بسيارته بسرعة خلفت وراءه الغبار
كما لو أن شياطين العالم تلاحقه.أقفلت والدتها الباب ودخلت لتجد ابنتها تجلس على أريكة في غرفة الجلوس، كانت نظرة واحدة على وجه ابنتها المحمر من الغضب كفيلة بجعلها تفهم سبب الشجار، اقتربت من ابنتها وجلست بقربها وهي تقول: "حبيبتي... أما آن الأوان لتتوقفي عن التمسك بقيم واهية. .. إن كنت تظنين أن سيزار سيهتم لما تفعلينه وسيعجب به، فأنت مخطئة فقد سبق واصدر حكمه عليك كما فعل معي من قبل. فلا تعذبي نفسك أكثر" قالت راشيل بحنان حين اقتربت منها ابنتها لتضمها إليها وأجهشت كايت ببكاء حار، فهي رغم ما قاله عنها والدها منذ زمن لازالت تأمل إنه يوماً ما سيعرف حقيقتها وسيفتخر بها ، وسيعلم أن كل أكاذيب ووساوس زوجته ما هي إلا صورة معكوسة عنها.
ظلت راشيل تمسد شعر ابنتها الذهبي الطويل إلى
أن هدأت فقالت بحنان: "أنا لا أزال غير موافقة على سفرك غداً... صدقيني كايت ستعودين محطمت أكثر من ذي قبل". "لا أمي... لن يحطمني شيئاً بعد الآن... وأنا حقاً بحاجة إلى رؤية ميلينا، فأنا في شوق إليها. ..." قالت كايت وهي ترسم ابتسامة بائسة على
شفتيها الورديتين بينما مسحت دموعها بيديها
وقالت: "ولن ادع لاجوناثان البائس ولا تاليا الشريرة يفسدان رحلتي" قالت بثقة جعلت والدتها تبتسم.
"أتمنى لك التوفيق يا ابنتي" قالت راشيل وهي
تضم ابنتها إلى صدرها مرة أخرى.
"ما هذا ... أهناك تجمع عائلي بدون علمي؟؟" .
التفتتا معاً إلى مكان الصوت حيث كان دايف عاقداً ذراعيه أمام صدره ومستنداً على حافة باب غرفة الجلوس وابتسامة فاتنة تعلو شفتيه، وقفت راشيل واقتربت منه تلكزه بخفة وهي تقول: ""ألا يمكن أن اغفل عنك لحظة. .." ابتسم لها وهو يجذبها إليه ويقول: "ولو لثانية حبيبتي...".
قامت كايت من مكانها وتوجهت نحو الدرج قائلة بمزاح: "ألن تكبرا أبداً على هذه الأمور.
"أبداً حبيبتي. .. أبداً" قال دايف بمرح في حين
تابعت هي صعود الدرج وبعد اختفائها نظرت إليه
راشيل برقة وهي تقول: "ألم تستطع إقناعها. ..." انحنى دايف على زوجتهزوطبع قبلة خفيفة على أنفها وهو يقول: "وهل استطعت إقناعك يوما" فابتسمت لتعليقه بينما أكمل هو: "فهي كما تشبهك في الشكل
تشبهك كذلك في صلابت الراس وفي التأثير علي بدرجة مليون في المائة" ضحكت راشيلزلقوله وقالت وهما يتوجهان لغرفتهما "يا لك من محتال".

توقفت سيارة دايف أمام مطار هيثرو الدولي نزل
الثلاثة من السيارة وحمل دايف حقيبة كايت التي لم تكن كبيرة، فهي تنوي العودة بعد أسبوع أي بعد زواج أختها مباشرة، لذا لم تجد داعياً في تحضير عدد كبير من الثياب وقفت بعد أن طبع جوازها وطلب من المسافرين إلى اليونان التوجه إلى غرفة الانتظار.
التفتت كايت لأمها تعانقها وعانقت دايف كذلك وفي كل خطوة كانت تخطوها كانت أمها تنادي باسمها مرة تنبهها بضرورة الاتصال بها ومرة أخرى أن تطلب من المسافر الذي ، سيجلس بقربها إمساك يدها إلى أن تتعدى خوفها ، وفي أخر مرة حاولت قول شيء ما لكن دايف أوقفها قائلا: "رحلة سعيدة كايت".
دخلت كايت إلى قاعة الانتظار وهي تتمنى في
قرارة نفسها أن يكون جارها بالطائرة امرأة والأحسن لو كانت كبيرة في السن، فتتفهم خوفها الذي يلازمها منذ كانت في الخامسة عشرة، كان أغلبية المسافرين يجلسون على شكل ثنائيات والبعض الأخر كانوا مشغولين إما بدراسة أوراقهم المالية أو مراجعة حاسوبهم النقال.
هنا شعرت بالخوف والتوتر وتمنت لو إنها قطعت
تذكرة درجت اقتصادية بدل الدرجة الأولى، على الأقل كانت ستجلس وسط عدد كبير من الناس، أخذت تجيل نظرها في القاعة التي تتكون من كراسي وآرائك للمسافرين فوقع نظرها على آلة بيع القهوة وفكرت لربما تخفف عنها قليلا.
اشترت كوباً وارتشفت منه قليلاً لكن توترها زاد
بدل أن يخف ففي كل لحظة تكاد توشك على العودة والسفر بحراً رغم بعد المسافة، كانت تسير بلا تفكير وفجأة اصطدمت بجدار بشري كاد يوقعها أرضاً وانسكبت قطرات من القهوة الساخنة على سترة الرجل الذي صرخ بقوة:"اللعنة... أيتها العمياء. .. ألا ترين أمامك؟؟!". تمتمت كايت بصدمة: "آسفة سيدي.. عذراً لم أكن..." كانت تتحدث وتحركت يديها بعفوية تمسحان القهوة عن سترته التي بدت غالية وعن قميصه الأبيض دون أن تدري أنها كانت تزيد من أماكن البقع، امسك يديها بقوة وهو يصرخ في
وجهها للمرة الثانية بينما ضغطت يده عل يدها
بقوة حتى كاد يكسرها: "توقفي أيتها الحمقاء إنك تزيدين الطين بلة".وحمقاء أحقا ناداها بالحمقاء وشعرت بغضب عارم يجتاحها فرفعت عينيها لأول مرة لتنظر إلى مخاطبها والتقت النار الزرقاء بنار غضبه السوداء، كيف يجرؤ على نعتها بالحمقاء لقد اعتذرتزإليه ولكن مثل هذا النوع من البشر لا يقبل
الاعتذارات، بل كان الأفضل لها أن تدع دمها الانجليزي البارد يتحكم وتتخطاه ببرود وتتركه يحترق بنار غيظه كما كانت تفعل عادة مع كل الرجال، ولسبب خفي قررت هذهزالمرة ترك العنان لدمها اليوناني المتفجر وقالتزبغضب ظاهرة
"لو كنت اعلم انك من سأصطدم به لما سكبت القهوة على سترتك" نظر إليها بسخرية
وهو يقيمها بعينيه بوقاحة: "أحقاً... وماذا كنت
لتفعلي؟؟"."هذا..." قالت وابتسامة شيطانية تعلو عينيها واقتربت منه ورغم إنها طويلة وتلبس حذاء عالي الكعب اضطرت لتقف على أصابعها وأفرغت ما
بقي من كأس القهوة على رأسه.
سمعت أصوات تعجب صدرت عن الجالسينوخصوصاً وأن عدداً منهم علم شخصيته الحقيقيةزكأقوى رجال الأعمال. ...... صدم نيكولاس لتصرفها وقالت بسخرية: ""كنت لأساعد لكن كما تعلم أنا فقط أزيد
الطين بلة" قالت بسخرية وهي تضحك وبدأ بعض الناس يضحكون كذلك، مما زاد من نيران غضبه.
تحركت تتجاوزه وهي تشعر بنشوة داخلية فهي
لم يسبق أن تصرفت بطفولية وتهور حتى حين
كانت صغيرة، أمسكت يد قوية ذراعها وجذبتها بقوة لتصطدم بصدر من الفولاذ البشريزوسمعت صوتاً ساخراً يقول: "ليس بعد يا..... كانت تتحرك بقوة تحاول الإفلات من قبضته لكنها لم تستطع الإفلات منه كما لم تستطع تجنب شفتيه اللتان ضغطتا بقوة مهينة على شفتيها ، شعرت كما لو إنها صعقت وتوقفت الدماء عن الصعود إلى دماغها للحظة كما شعرت كمن الكم في معدته واجتاحتها رجفة غريبة
وبطريقة غريبة لم تتحرك أوتقاوم ، أبعدها عنه بطريقة مفاجئة دافعاً إياها بعيداً وقد بدت عليه ملامح التوتر أيضا وقال بصوت مهزوز والرغبة تستعرفي عينيه.
"اللعنة!!" ثم تخطاها ليتجه إلى احد الكراسي
بعيداً عنها ، شعرت كايت بارتجاف في ساقيها ولم تدري كيف وصلت إلى اقرب كرسي لتنهار عليه.. أخذت تتساءل مع نفسها عن ما حدث للتو البارحة صفعت خطيبها لتقبيلها وأهانته، أما اليوم وقفت بدون حراك تتقبل قبلة غريب حقير أهانها أكثر من مرة، بعد تفكير طويل قررت تفسير ذلك بسبب التوتر والخوف من ركوب الطائرة حتى تريح بالها وضميرها.

جلس نيكولاس على كرسيه بغضب وهو يلعن في نفسه ألف مرة، كيف أقدم على تقبيلها وهو رجل خاطب وسيتزوج خلال أيام ؟؟ أين هي أخلاقه ومبادئه؟؟ لقد صدق مارك حين قال إنها لا تقاوم ، شعر بغضب عارم حين أهانته وسكبت كأس القهوة على رأسه وكان قصده من جذبها هو الضغط عليها للاعتذار وبقوة، لكن ما أن اصطدمت به حتى شعر بنار تحرق جسده ورؤيته لشفتيها الورديتين المكتنزتين وعينيها اللتان لم ير مثل بريقهما يوماً جعلت الرغبة تسيطر على عقله وكما توقع تماما كانت شفتيها أحلى من شهد العسل!!.
لم يستطع التوقف إلى أن دقت نواقيس الإنذار في عقله أنها هنا فقط مبعوثة من طرف كارلزوكل هذا كان لجعله يخسر الرهان فدفعها بعيداً، سمع صوت نداء المضيفة تطلب منهم التوجه إلى الطائرة فقطع أفكاره واقسم أن لا يفكر بتلك الغريبة مرة ثانية فهو خاطب أولازولن يخسر رهانه ثانياً.
كانت كايت تتحرك ببطء كما لو إنها موجهة إلى مقصلة الإعدام صعدت الدرجات الأولى للطائرة وفجأة جبنت وقررت التراجع فهي لن تتحمل إقلاع الطائرة وإحساسها بالارتفاع، حاولت العودة فاصطدمت للمرة الثانية بشخص خلفها التفتت لتعتذر فما كان إلا نفس الغريب الذي دفعها لتصعد قائلا:ز"توقفي عن التغزل بي... أنت لا تثيرين غير
غضبي!!" قال بحنق وغضبا ..أسرعت تصعد الطائرة وهي تشعر بالغضب والإهانة... إنه يعتقد أنها تتغزل به يا له من أحمق مغرور.إي من يظن نفسه؟؟ كانت تريد أن توجه إليه هذه الكلمات بدل أن تقولها لنفسها، لكن يكفيها ما حدث منذ قليل وهي ستتعامل
معه ببرود ودم انجليزي متجمد ، فهذه هي الطريقة الوحيدة لاجتناب المشاكل معه. جلست على كرسيها وقد عاودتها وساوسها مرة أخرى وأخذت تحاول تهدئة نفسها وهي مغمضة العينين فقد شاهدت هذه الطريقة في فيلم وتمنت أن تنجح معها،
شعرت بيد توضع على كتفها ففتحت عينيها وابتسمت للمضيفة التي قالت لها بصوت مهذب:
"من فضلك يا آنسة... هل يمكن أن تقفي قليلا ليستطيع السيد المرور والجلوس في مقعده".
"آه... طبعاً" وقامت من مكانها وهي تتساءل باستغراب لما لم يطلب ذلك الشخص بنفسه دون
الحاجة لاستدعاء المضيفة، لكن ما أن تحركت حتى علمت هوية جارها وبات واضحاً سبب استدعائه للمضيفة، فهو الأخر قرر معاملتها ببرود إ
بعد أن جلس في مقعده شعرت كايت أن هذه الرحلة منذ بدايتها تعلمها بضرورة عودتها لبيتها ونسيان أمر اليونان نهائياً، فالمصائب تتوالى. .. تنفست الصعداء وحملت مجلة تحاول مطالعتها متجاهلة الشخص الجالس بجانبها ، طلبت منهمزالمضيفة ربط الأحزمة ففعلت وقلبها يكاد يقفززويهرب من صدرها خوفاً ولكنها حاولت أن لا تبدي أي رد فعل حتى لا يسخر منها الغريب...... بدأت الطائرة في الإقلاع وبدون شعور منها أمسكت بيده التي كانت موضوعة على جانبها وأخذت تضغط عليها بقوة وقلبها ينبض بسرعة سيارة سباق الفورميلا،زشعر نيكولاس بنار تجتاحه كلما زاد ضغطها على يده إن لهذه المرأة تأثير ظن أنه تجاوزه منذ سنين، فهي تجعله يشتعل بالرغبة وهو من ظن نفسه قد اتخم. ... اللعنة عليك يا ماركي! اللعنة عليك هكذا اخذ يسب في نفسه.
ما أن استوت الطائرة حتى استدعى المضيفة التي
جاءت مسرعة فقال لها ببرود: "هل من الممكن
أن تطلبي من الآنسة ترك يدي. . لم تصدق كايت ما سمعته أذناها ففتحت عينيها بسرعة ونظرت إلى يدها التي ضغطت على يده بقوة فتركتها مجفلة كما لو كان مصاباً بالجدري!.
"آنستي المرجو منك عدم إزعاج السيد وشكراً لك" وتحركت المضيفة لتلبي طلب مسافر آخر. التفتت إليه فلاحظت ابتسامة ساخرة تعلو شفتيه بينما أغمض عينيه طلباً للراحة، اللعنة عليه لقد جعلها تبدو كفتاة في الابتدائية تحتاج إلىزتوبيخ حتى تحسن التصرف!!. من طريقة تنفسه الهادئة علمت أنه نائم وأرادت بشدة إقفال النافذة التي تبدي شكل السماء
وتذكرها بمكانها وعلى أي ارتفاع هي، تحركت برشاقة وجلست بركبتيها على كرسيها واقتربت من النافدة وأغلقتها دون ملامسته، شعرت بالفخر وهي تعود لكرسيها لكن صوت المضيفة أرعبها وسقطت عليه فأيقظته، بدا شكلها كما لو أنها تحتضنه
فدفعها عنه بحنق قائلا بصوت مرتفع جذب
انتباه كل المسافرين.
"اللعنة عليك يا امرأة ألا تفهمين معنى إنني لا أريدك... بحق السماء توقفي عن محاولة إغرائي"
احمر وّجه كايت من الخجل بسبب نظرات المسافرين إليها وقالت بغضب: "أنا لا أحاول أي شيء يا هذا ... تبا لك ولغرورك من تظن نفسك!".
لم يجبها بل تحرك من مقعده متجاوزاً إياها وطالب المضيفة واخبرها برغبته في تغيير مكانه فكان رجل شاب أكثر من سعيد لمبادلته، شعرت كايت بالاختناق من نظرات الرجل وكلماته الوقحة عن إنه يعرف كيف
يسعدها أكثر من ذلك الغريب لكنها لم تجبه بل تصنعت البرود وعدم الاهتمام وهي تلعن في نفسها ذلك الغريب الذي أوقعها في هذا الموقف الحرج.
لكن حين امتدت يد الرجل بجانها ليضغط على
رجلها قامت بصفعه بقوة وهي تقول: "إن وضعت يدك علي مرة أخرى قتلتك...".
جاءت المضيفة مرة أخرى وهي تقول بابتسامة
متصنعة رغم إنها تتحدث بغيظ: "آنستي... أرجوك أنت على طائرة محترمة" كانت جملتها اكبر إهانة تلقتها كايت في هذا اليوم وذكرتها بجملة زوجة أبيها حين كانت تقول: "أنت في بيت محترم..لكن مع دماء
كدماء والدتك أشك إنك ستحترمين ذلك "
شعرت كايت بأنها كبركان على وشك الانفجار وهمت بصفع المضيفة لولا وقوف سيدة عجوز انجليزية طالبة من الشاب مبادلتها قالت كايت بوعيد للمضيفة: "الا تعتقدي إنني سأسكت عن ما اتهمتني به يا. .".
جلست في كرسيها ولم تكمل الجملة لأنها بصمتها أوصلت المعنى، حاولت السيدة العجوز تهدئتها قائلة إنها تصدقها وأنها قد شاهدتها حين كانت تحاول إغلاق النافذة وسقطت على الغريب الفظ، مرت بقية الرحلة بسلام كما ساعدت المرأة العجوز في تهدئتها ساعة نزول الطائرة في مطار أثينا.
توقفت الطائرة في مطار ارانتينا وكانت أصعب
وأسوء رحلة قامت بها في حياتها ، تنفست الصعداء وهي تنزل درجات الطائرة بسرعة كما لو أنها تخاف وتعود للإقلاع بها مرة ثانية، كادت تنحني وتقبل الأرض لولا خجلها من أن يسخر منها الناس المارين بجانبها .

بعد ذلك مر الوقت ببطء خلال روتين طبع الجواز واستلام الحقائب، وبعد انتظار استلمت حقيبتها وهمت بالمغادرة كانت تعتقد أن سائق والدها سيكون بانتظارها لكنها لم تلمح وجهه فظلت تحول عينيها من شخص لأخر علها تعرف احدهم، لكنها لم تحد شخصاً واستغربت للأمر فوالدها يعلم بموعد قدومها منذ أيام؛ واخبرها بنفسه إنه سيرسل من يقلها من المطار للبيت!!. ظلت واقفة مكانها لدقائق ثم سمعت صوتاً خلفها تعرف صاحبه جيداً.. استدارت ونظرت
إليه باحتقار قبل أن تنظر لمكان اخر.. كان يتحدث على الهاتف بلغت يونانية جعلت صوته جذاباً أكثر، كان يتحدث عنها لشخص أخر هذا ما فهمته من كلامه حين قال: "إنها شقراء مثيرة للمشاكل... بل هي مصيبة تتحرك على قدمين" كان صوته يبدو غاضبا:
"صدقني يا صديقي لم أكن لآخذها لسريري ولو
ترجتني أكثر.... فهي أغبى مخلوقة شاهدتها
في حياتي؟". شعرت كايت بأن الدماء صعدت لعقلها مرة واحدة وبأنها على وشك الانفجار، من يظن نفسه هذا الأحمق وليكيف يجرؤ على التكلم عنها هكذا ؟؟ كانت تضغط على راحة يدها بأظافرها حتى كادت تدمى واستدارت لتوجه إليه اكبر قدر من الإهانات وبكلا اللغتين، لكن مع استدارتها طالعها منظر جعل ابتسامة شيطانية تعلو شفتيها وبريقا غريباً يلمع في
عينيها وقالت لنفسها: "حسناً سيدي المحترم فلتعلم شعور اتهام شخص بالباطل". كان نيكولاس يتحدث مع مارك على الهاتف ولاحظ اقترابها منه وهي مبتسمة ابتسامة جعلته يشك بأنها تنوي أمراً سيئاً بحقه... فهي تشبه ابتسامتها حين سكبت كأس القهوة على رأسه.
وقفت بجانبه وابتعدت في ثانية دون أن يفهم سبب ذلك لكن لم يطل استغرابه فمع تراجعها وقفت امرأة كانت بقربه لم يلاحظها وصفعته بقوة صدمته وأوقفته عن إكمال جملته لصديقه على الهاتف، لم يستوعب ما يحدث له حين انهالت عليه المرأة بالإهانات "أنت وغد مريض.. كيف تجرؤ على وخزي في مؤخرتي... أيها المختل!".
كانت المرأة متكئة على عربة دفع طفلها الصغير تحاول إطعامه وهي تعطي بظهرها لنيكولاس الذي كان يتحدث بالهاتف، فاقتربت منه كايت ووخزتها في مؤخرتها وتحركت بسرعة حتى يبدو إنه الفاعل!!.
كانت قد شاهدت مثل هذه الخدعة في برنامج
الكاميرا الخفية وجاء رد فعل المرأة كما تمنت كايت تماماً ، أخذت تضحك بقوة وهي ترى نظرة الصدمة على وجهه الرائع التقاطيع فالتفت إليها ونظرات الشر تلمع في عينيه السوداوتان المكحلتين برموش كثيفة، لاحظت إنه حاول التحرك باتجاهها لكن المرأة لم تكن قد اكتفت من إهانته بعد، خصوصاً وأن زوجها انضم
إليها وامسك نيكولاس من ذراعه قائلا إنه لن يسمح له بالمغادرة قبل مجيء شرطة المطار، متهماً إياه بالتحرش بزوجته. نظر لكايت بوعيد وهو يقسم إنه حين يجدها "سيجعلها تدفع ثمن كل إهانة سمعها من تلك المرأة وما زاد من غضبه إنها قبل أن تغادر
ضحكت بسخرية وأخرجت لسانها بطريقة طفولية لتغيظه وأخذت تمشي وهي تهتز بسعادة.

💄💄 غرباء عن قلبي 💄💄

سارت كايت بسعادة لا توصف نحو سيارة أجرة،
شعرت كما لو إنها تكاد تطير من الفرحة... من كان يظن أن مثل تلك التصرفات الطفولية تأتي بمثل هذا القدر من الراحة الداخلية والسعادة دخلت سيارة الأجرة وأملت السائق العنوان وأخذت تبتسم لنفسها وهي تتذكر النظرة الغاضبة على وجه الغريب،
ضحكت وهي تتذكر كيف أخرجت لسانها في وجهه كما الأطفال لتزيد من غيظه.
"الحب آه ما أجمل الحب. .. يرسم البسمة على
كل الوجوه" قال سائق التاكسي وهو ينظر إليها من المرآة وابتسامة واسعة مرتسمة على شفتيه، أومأت له كايت موافقة وهي تحاول السيطرة على نفسها حتى لا تنفجر من الضحك فليس الحب ما يفرحها بل هو الفعل الشيطاني الذي قامت به منذ قليل، نظرت
باتجاه النافذة وأخذت تحاول الاستمتاع بالمناظر
الخارجية حتى تلهيها عن التفكير في ذلك الغريب مرة أخرى. دخل نيكولاس سيارته الليموزين السوداء واقفل الباب بغضب ثم جلس مكانه وهو يزفر بقوة،
فتح باب السيارة من الجانب الآخر ودخل ديميتريوس وهو ابن عم نيكولاس وصديقه المخلص كان يشبه نيكولاس من حيث البشرة السمراء والعيون السوداء لكن ملامحه رقيقة وحنونة بخلاف ملامح نيكولاس القاسية كما انه اقصر من نيكولاس بعشرة سنتيمترات، بنيته عادية، ليس ضخما ومفتول العضلات كما نيك الشبيه بمصارعي الثيران.
لك عشر ثواني لتضحك وتقول ما تريد بدل أن تجلس بجانبي . كما البالون الذي على وشك الانفجار في أية لحظة!" قال نيكولاس بغضب حين لاحظ الطريقة التي يحاول بها ديم أن يمنع نفسه من الضحك!!. "حقاً نيك... كان يجب أن ترى وجهك وتلك
المرأة وزوجها يتهمانك بالتحرش وأخذ ديم يضحك بقوة حتى بدأ يسعل من شدة الضحك:ز"من كان يتصور أن نيكولاس كاتسورانيس الرجل الحديدي.. قرش اليونان، ستخدعه امرأة وتجعله يتلقى الصفع واللوم كما الطفل الصغير!!".
"اقسم أنني سأجعلها تدفع الثمن" قال نيكولاس
وشرارات الغضب تتطاير من عينيه "سأجدها ولو
اختبأت في ابعد بقاع العالم... فلا احد يسخر مني وينجو" كان صوته يدل على انه غاضب لدرجة الغليان فتوقف ديم عن ضحكه حتى لا يسبب لنفسه مشكلة هو في غنى عنها فهو يعلم جيداً ما يقدر عليه ابن عمه وهو في مزاج اسود كالآن وشعر بشفقة تجاه تلك الفتاة التي سخرت من قرش اليونانية.
"لما لم تكن طائرتي الخاصة جاهزة صباح اليوم في المطار؟؟" استفسر نيك وملامحه لا تزال متجهمة.
لقد نسي جيوس أن يأخذها للصيانة وقد واجه
مشكلة...." لم يدعه نيك يكمل جملته وقاطعه قائلاً:
"اطرد جيوس. .. لا أريد أن أراه مرة أخرى" قال
بلهجة آمرة لا تقبل المناقشة فلا احد جرؤ يوماً
على تحديه أو مناقشته في قراراته، اوما ديم موافقا وقد شعر بالحزن فهذا ثالث طيار يصرفه نيكولاس من الخدمة خلال هذه السنة، إنه لا يغفر الخطأ ولو كان صغيراً.زتوقفت سيارة الأجرة امام فيلا ضخمة فدفعت للسائق أجرته، وضع لها حقيبتها بالقرب منها قبل أن يعود لسيارته وينطلق، لم تتحرك كايت من
مكانها بل ظلت واقفة لمدة وقد شعرت بانقباض
بداخلها ، لم يتغير شيء.. لازال المنزل ضخماً كئيباً من الخارج، يظهر الغنى وقدرة صاحبه المادية من خلال سوره المحيط بالفيلا بلون التراب وأجهزة المراقبة المثبتة كل أربعة أمتار والمعلقة على أشجار الصنوبر التي يتعدى طولها السور وتبدو كما سياج من الجنود تحمي المنزل من عيون الفضوليين.

ابتسمت كايت لنفسها بسخرية فلطالما أرعبتها ظلال هذه الأشجار وهي صغيرة حيث كانت تتخيلها وحوشاً قادمت من قاع الأرض أتت لتأخذها لأنها مختلطة الدماء ومدنسة كما كانت تخبرها تاليا زوجة أبيها ، تحركت من مكانهازوهي تجر رجليها وترغمهما على التحرك نحو البوابة الضخمة وفي كل خطوة تخطوها تزداد ندماً على قدومها ، فلا شك أن والدها سيكون أكثر من مشغول للتحدث معها وميلينا ستكونومشغولة بأعمال خطوبتها وستبقى هي وحدها في مواجهة تاليا ولسانها السليط كما ستضطر للتحمل حتى لا تتهمها بالغيرة ومحاولة خلق المشاكل في خطوبة أختها. حاولت عبور البوابة الحديدية الضخمة الشبيهة ببوابات السجن لكن حراس الأمن منعوها ،
ابتسمت بسخرية للموقف فحتى حراس منزل
والدها لا يعرفون أنها ابنته كيف سيعلمون وهي لم تعد لهذا البيت منذ اثنا عشرة سنة، اطلعت الحارس على اسمها ونظر إليها بتشكك فقالت بغضب: "ألا تصدق أنني ابنة سيزار ديلاس؟".
"وأنا ابن كارلوس بابولياس" واخذ يضحك بسخرية هو وأصدقائه مما زاد من غيظها ، هذا فعلا ما كان ينقصها مجموعة من الأغبياءويسخرون منها ويشككون في نسبها لديلاس، قبل أن تبدأ بإهانتهم قاطعها صوت ضعيف نابع من شخص يقف خلفها ، فالتفتت لتنظر إلى فيلبس وابتسمت لوجهه البشوش الذي رسمت عليه خطوط الزمان وجعدت عينيه الخضراوتين المليئتين بالحنان، نظر إليها لوهلة باستغرابزقبل أن يقول: "كايت. ... أمعقول؟؟ أهذه أنت يا ابنتي: اقتربت منه كايت تعانقه بحنان فطالما كان عطوفاً وطيباً معها حين كانت تاليا تعاملها بسوء
فكان يسمح لها بمساعدته في سقي أحواض الزهور معلماً إياها أسمائها ومعانيها ، عمل فيلبس كبستاني في منزل والدها منذ خمس وثلاثين سنة.. هو وزوجته ديرا التي تهتم بالمطبخ، ورغم رغبة تاليا الشديدة في طردهما لأنهما لا يحبانها وأحيانا لا يهتمان لأوامرها إلا أن والد كايت رفض الإصغاء لزوجته وسمومها لأول مرة في حياته وكانت تلك المرة الوحيدة التي شعرت فيها كايت بالفخر بوالدها.
"لقد تعرفت علي رغم كل هذه السنين..." قالت
كايت باستغراب فآخر مرة شاهدها فيها كانت مجرد مراهقة في بداية نموها.ز"أنت تشبهين السيدة راشيل كثيراً... وأنا لمزأنسى وجهها يوماً كما لم أنسى أن أيام إقامتها هنا كان اسعد أيام حياتنا" وقصد بالجمع السيدزسفيرارا كذلك فهو أكثر من يعلم كم أحب
السيد زوجته الأولى وكم عانى حين غادرت إلى
بلادها وهجرته.ز"اعتقدنا انك قادمة مساءاً" قال فيلبس مستغرباً.
احقاً... لقد أعلمت تاليا أن...." توقفت عن الكلام وقد استوعبت أخيراً سبب عدم إرسال والدها لسائقه، يبدو أن تاليا قد أعلنت عليها الحرب قبل قدومها وابتهلت إلى الله أن تمر هذه الأيام على خير.
"لا يهم... المهم أنني وصلت." قالت مستطردة حين لاحظت أن فيلبس لازال ينتظر تكمله لجملتها.أمر احد الحراس بحمل الحقيبة إلى الداخل وقدمها إليهم فابتسمت بسخرية للحارس الذي أهانها قبل قليل ومرت من أمامه مرفوعة الرأس، فما كان منه إلا أن أحنى رأسه وقد احمر وجه....سارت برفقة فيلبس على الممر الطويل الذي يفصل بين البوابة والباب الأمامي للمنزل وقبل أن يطرق الباب فتح وخرجت منه مجموعة من الخدم تعرفت كايت إلى أغلبيتهم تتقدمهم امرأة ممتلئة الجسم سمراء كبيرة في السن
ارتمت على كايت تعانقها بلهفة وهي تقول: "آه كم اشتقت إليك يا ابنتي" ابتعدت كايت عنها قليلا تتطلع إليها بعينين مغرورقتين بالدموع "لقد كبرت يا صغيرتي وصرت امرأة" وعادت تضمها إليها وهي تقول بصوت متحشرج بسبب البكاء: لما لم تعودي يا صغيرتي: ؟... كنت أخاف دائما أن أموت قبل أن أراك مرة أخرى". أبعدت كايت المرأة عنها ومسحت الها دموعها التي كانت غالية على قلبها فديرا امرأة
عاطفية جداً ومحبة لكايت ووالدتها راشيل، كانت عوناً كبيراً لها خلال عطلاتها الصيفية التي كانت تقضيها ببيت والدها، "توقفي عن البكاء غاليتي... تعلمين أن ذلك كان رغماً عني.. اشتقت لك كثيراً ديرا". "اعلم أن تلك الشمطاء..." وقبل أن تكمل
جملتها أشار لها زوجها بالتوقف فالسيدة تاليا
كان تقترب منهم وهي تصرخ: "لما انتم متجمهرون هنا ألا يوجد لديكم عمل لتقوموا به؟؟".
وقفت على بعد متر ومدت يدها بتحية متعالية
فاستقامت كايت في وقفتها ومدت يدها هي الأخرى لتسلم على زوجة أبيها وكل واحدة منهما تتأمل الأخرى كما لو إنهما لبقتان على وشك المعركة، قيمت كايت زوجة أبيها وعينيها تلمعان بسخرية فلا تزال تاليا كما لو إنها رأتها البارحة فقط وليس منذ اثنتي عشر سنة، طويلة وفارغة كالفزاعة ملامحها حادة
عينيها السوداوتان تحملان شر العالم بأكمله يتمركز فوقهما حاجبين دقيقين احدهما مرفوع بسخرية، انفها حاد وشامخ وشفتيها صغيرتين ترسمان ابتسامة مستفزة، نحيفة حتى تكاد عظامها تظهر من تحت جلدها ، ترتدي تنورة سوداء ضيقة زادت من إبداء نحولها وقميصاً ابيض بدون أكمام، من النظر إليها فهمت كايت حقاً سبب عدم سعادة والدها وكآبته الدائمة فهي تشبه مورتسيا من عائلة آدم.
شعرت تاليا بغيرة عمياء وهي تنظر إلى كايت
وتملكها غضب اسود ظهر جليا في عينيها اللتان
تقطران سماً، تمنت لو تنشق الأرض وتبتلع كايت
ان لم لتختفي من حياتها للأبد فها هي ابنة راشيل
عادت لتنغص عليها حياتها مرة أخرى وهي من
اعتقدت إنها تخلصت منها ومن زياراتها نهائيا
*اللعنة عليك ميلينا" قالت في نفسها فهي من
دعت هذه المصيبة إلى حفل الزواج، إنها تكرهها وتكره والدتها.. فمنذ سبعة وعشرين سنة استقبلت نفس هذه الملامح على عتبة هذا الباب وكانت سبب تحطم أحلام مراهقتها وصباها واليوم يعود نفس الشبح على شاكلة ابنت راشيل ليذكر سيزار بما فقده وليزيد من عذابها مرة أخرى.
"كيف حالك تاليا؟" كانت كايت هي السباقة للحديث وجاء صوتها جافاً لا يحمل بين طياته أي شعور.
"بخير... بل أحسن مما كنت عليه يوماً" قالت
تاليا بتعالي "فأنا أجهز لزواج ابنتي زواجاً يونانياً
أصيلا بأحد أرقى وأغنى رجال اليونان. ..".
كانت تاليا تتفاخر وحين لمحت نظرات الخدم
الساخرة صرخت فيهم قائلة: "فليذهب كل إلى
عمله.. وإلا اقسم أن أطردكم جميعاً. تحرك الخدم بسرعة وعانقت ديرا كايت قبل أن تغادر وهي تعطيها نظرة تطالبها بالصبر فأومأت كايت برأسها موافقة فهي الأخرى لا تريد أي مشادة كلامية، كل ما تريده هو حضور زفاف أختها وإعطاء فرصة اخيرة لعلاقتها مع والدها الحقيقي، أشارت لها تاليا بالدخول، تراجعت تاليا عن الباب لتسمح لكايت بالدخول بينما أخذت تقوم ملابس كايت المكونة من سروال جينز
ازرق فاتح يظهر طول ساقيها وبلوزة حريرية
بيضاء بينما تجمع شعرها الأشقر الطويل على شكل ذيل حصان وقد تركت وجهها صافيا خالياً من أي مواد تجميل، فيشرتها المرمرية لا تحتاج الإضافات كما أن عينيها مكحلتين برموش شقراء كثيفة وطويلة تزيد من لمعان وتألق اللون الأزرق في عينيها.

"أتمنى أن تكوني قد أحضرت ثياباً لائقة" قالت
تاليا باستفزاز وبدون مقدمات جعلت كايت
تلتفت إليها بسرعة: "عفواً" استفسرت كايت فهي لم تفهم مغزى كلام زوجة أبيها.
أشارت تاليا بإصبعها إلى ثياب كايت وقالت بترفع: "عائلة زوج ابنتي عائلة محترمة جداً وغنية أيضاً... وأخر ما أريده هو إحراج بسبب ثياب أخت ابنتي الغير الشقيقة". "لا تقلقي تاليا... لن اسبب أي إحراج لكم. كما أظن أن عائلة زوج ميلينا ستهتم بالعروس
أكثر مما ستهتم بأختها " ردت كايت بغيظ وهي تتمنى حقا لو تمسك تاليا من شعرها وتريها معنى الإحراج الحقيقي.. لكن لا.. لن تدعها تجد حجة أخرى لتفرق بينها وبين والدها. كانت كايت قد وصلت إلى منتصف الردهة وأخذت تجيل نظرها في المكان متجاهلة تاليا فهذه هي الطريقة الوحيدة لتتجنب المشاكل معها ، كانت جدران الردهة مطلية باللون
الأبيض ومزينة بعدة لوحات أثرية لأشهر الرسامين، كما علقت مجموعة من صور أجدادها على حائط الدرج كانت هذه الصور ترعب كايت في صغرها بسبب الخرافات التي كانت تقولها لها تاليا.. فدائما ما تخيلت وهي طفلة أن احد أجدادها سيخرج من الصورة ويقوم بخنقها وهي نائمة حتى ينظف دم ديلاس من النجاسة. "هل والدي هنا؟؟.... أم انك تدبرت عدم وجوده كما تدبرت عدم إبلاغه بقدومي باكراً؟؟" قالت كايت وهي تجلس على إحدى أرائك
الردهة البنية اللون. "أوه. .. أنابي. ..." قالت تاليا باستنكار بينما عينيها تلمعان بخبث "فعلا اعتقدنا إنك قادمة مساءاً" صمتت قليلا قبل أن تتابع: "كما إنني
كنت قد استبعدت احتمال حضورك و...".
"لما استبعدت حضوري تاليا؟؟. .." قالت كايت باستغراب قبل ان تكمل بصوت حاولت قدر إمكانها أن تجعله هادئاً "ميلينا أختي الوحيدة ولابد لي من حضور زفافها". حسنا عزيزتي كنت اعتقد أن لك بعض الكرامة.. فبالطريقة التي خرجت بها من هنا
منذ سنين، ما كنت لأظن أبداً انك ستعودين"
صمتت قليلاً وهي تنتظر رد فعل كايت على كلامها لكن هذه الأخيرة التزمت الصمت وهي تضغط على أعصابها بقوة حتى لا تنفجر في وجه تاليا وتعرفها مكانتها الحقيقية. .. أي تحت قدميها.
لكن لما الاستغراب حقا فأنت تشبهين أمك شكلا ومضموناً. .. مجرد انجليزيات لا تمتون للأخلاق والكرامة بصلة"
يكفي..." صرخت كايت بينما لمعت النيران
الزرقاء داخل عينيها وهي تقف من جلستها: "قد
اسمح لك بإهانتي لكنني لن اسمح لك بالكلام عن أمي بسوء أبداً فهي اشرف منك.". كانت تتحدث وهي تقترب من تاليا التي تراجعت خوفاً من تلك النظرة، بينما أكملت كايت وهي تقف مباشرة أمام تاليا وتبعد عن وجهها بسنتمترات قليلة.
"أتمنى أن لا تتحديني تاليا فأنا لست ابنة السبعة أعوام التي كنت تخيفينها بقصصزالأشباح، كما أنني لست ابنة الرابعة عشرة التي اتهمتها بتهمة شنيعة. . صدقيني تاليا أنت لا تتمنين مواجهتي لأنني حينها سأجعلك تندمين على كل لحظة أسأت فيها إلي".
تراجعت تاليا خطوة للخلف فاصطدمت بأريكة
وسقطت لتجلس عليها ، انحنت كايت تحتجزها
وهي تضع يديها على ظهر الأريكة وصوتها يشوبه التهديد: "دعيني امضي هذه الأيام بسلام وارحل ولا اقسم أنني سأبقى هنا إلى الأبد لأنغص عليك حياتك... فلا تستفزيني تاليا" لم تستطع تاليا النطق بكلمة واحدة بل ظلت تنظر إلى كايت بحقد.
"كايت. .." قال صوت من خلفها آت من جهة الباب
الأمامي فالتفتت بسرعة وهي تستوي في وقفتها
وعينيها تلمعان بسعادة لرؤية وجه أختها ميلينا.
ميلينا فتاة سمراء اصغر من كايت بست سنوات
تشبه والدها كثيراً، عينيها سوداوان مكحلتين
برموش سوداء كثيفة تتمركزان تحت حاجبين
دقيقين، أنفها شامخ كما أنف والدتها.. شفتيها
مكتنزتين مصبوغتين بلون زهري بارد ، طولها
متوسط وجسمها رشيق وفتان ترتدي فستاناً اسود
أثار استغراب كايت فهي تعرف مدى عشق أختها
للألوان والبهرجة، تحركت الفتاتان في نفس الوقت لتلتقيا في منتصف الطريق وكل منهما تحتضن الأخرى بمحبة واشتياق. "آه كايت كم اشتقت إليك شقيقتي... تبدين أحلى في الواقع أكثر من رؤيتك على كاميرا الشات" قالت ميلينا مازحة وهي تبتعد عن أختها بمسافة صغيرة وعينيها لا تفارقان وجهها فقد مرت اثنتا عشر سنة طويلة اشتاقت فيها
لمعانقتها والنظر إلى وجهها مباشرة بدل التراسل
عن طريق السكايب.
"أنت التي تبدين أروع يا صغيرتي..، وقد كبرت
وستصبحين زوجة " تغير اللون في وجه ميلينا بعد
ذكر كايت لقضية الزواج وتوترت فجأة بعد أن كانت ضاحكة، شعرت كايت بتغير مزاج أختها وأرجأت ذلك إلى توتر ما قبل الزفاف. "ألن تسلمي علي ميلينا. .. أم أن حضور كايت قد أنساك وجودي" قالت تاليا تذكرهم بوجودهازبالغرفة، دجت ميلينا أمها بنظرة غاضبة وقالتظبنفاد صبر وهي تجر أختها خلفها:
"ما رأيك أن نصعد لغرفتي ولتخبريني برأيك
في ما اشتريت" قالت ميلينا وهي تتجاهل نظرة
والدتها واتجهت ناحية الباب لتحمل أكياسها البلاستيكية حيث رمتها حين شاهدت أختها ، ساعدتها كايت في حمل الأكياس وصعدتا معا إلى غرفة ميلينا بينما بقيت تاليا تزم شفتيها دخلت الفتاتان إلى غرفة ميلينا المتواجدة بالجناح الأيمن من المنزل، أعجبت كايت بغرفة أختها التي شكلت أول اختلاف لاحظته بالمنزل، كانت غرفة دافئة مطلية باللون المشمشيزالبارد وسجادتها كاكية اللون تحتوي على سرير واسع مغطى بشراشف بيضاء ومشمشية يحتل الجزء المقابل لنافدة ذات ستار أبيض مموجزبشرائط برتقالية مطلة على الحديقة الخلفية للمنزل.

"غرفتك رائعة. .. أخيراً شيء جديد بهذا البيت" علقت كايت مبتسمة. "أنت تعلمين أن والدي متمسك بالمنزل وآثاره... حاولت أمي كثيراً حثه على تغيير فرش وديكور المنزل لكنه رفض... أحياناً كثيرة
تساءلت إن كان ذلك فقط ليحتفظ بكل شيء لمسته يد والدتك" قالت ميلينا مازحة. "وهذا شيء يثير جنون أمي" . "أحقاً أبي لازال على حب والدتي رغم كل هذه السنين؟؟" تساءلت كايت بصوت منخفض فهي تعلم أن لجدران هذا البيت آذان.
"لا ادري... لكن ما أنا متيقنت منه إنه لم يحب
أمي يوماً" قالت ميلينا وهي تفتح خزانة ملابسها
لتعلق أخر فستان قامت بشرائه من اكبر محلات
أثينا، بينما جلست كايت على حافة السرير وهي
تنظر إلى أختها بتفهم. "ربما أنت محقة... أنا اشك أحياناً أن والدنا يمكن أن يفتح قلبه لأحد." قالت كايت بأسى ظهر جلياً على ملامحها الرقيقة.
"ربما يكون قاسياً ومتحجراً في تعامله معك
كايت لكن أنت تعلمين السبب.." صمتت قليلاً
ثم قالت:ز"لكنه سيدرك قريباً إنه أخطأ الحكم علينا
جميعاً" تنفست ميلينا بعمق وزفرت. شعرت كايت أن أختها تضمر سرا فخلف حديثها معاني أصابت كايت بالرهبة. "ميلينا... الست سعيدة بهذا الزواج؟؟" تساءلت كايت بخفوت.
"إنه قدري يا كايت سواء كنت سعيدة أم لا فلن
يغير ذلك شيئا!" . كيف لا؟.
. أنت المعنية الأولى بالأمر ولا احد يستطيع إجبارك على زواج لا تريدينه... فأنت من ستعاشرين ذلك الشخص طوال حياتك وليس هم " قالت كايت بانفعال وهي تفهم سبب تصرفات أختها.
"أنت في اليونان كايت لسنا بانجلترا لأقرر الموافقة أو الرفض... كما أن والدي هو من طلب من نيكولاس الزواج بي... وكان أكثر من سعيد بموافقة نيك" كانت ميلينا تتحدث كما متهم حكم عليه بالإعدام وفقد الحق فيزالدفاع عن نفسها.
"أنا لا استطيع تصديق ما اسمع... أبي عرضك
كما السلعة لذلك الشخص... اللعنة عليهما معاً
سأخذك ونغادر حالا ". "لا كايت. .. لن يكون الأمر بذلك السوء فأنا قد جهزت نفسي لمصيري، كما أنني بت راضية الآن فلا تدمري علاقتك بوالدي أكثر مما هي مدمره....لم تستطع كايت قول أي شيء آخر فان كانت ميلينا راضية بقدرها فمن هي لتقف في وجهها
وتحثها على التمرد؟!! لقد أتت لحضور الزفاف لا
لتخريبه وكل ما عليها فعله هو تشجيع أختها،
فمن يعلم ربما يكون هذا العريس أكثر من مناسب لأختها ، فكثير من الزيجات المدبرة تنجح في اليونان قضت كايت مع أختها بعض الوقت قبل أن تستأذن منها وتغادر لغرفتها طلباً للراحة، شعرت باختناق الدموع في مقلتيها حين دخلت غرفتها القديمة، فقد قامت تاليا برمي كل أشيائها القديمة وغيرت اللون الوردي البارد بأخر ابيض، حولت الغرفة إلى غرفة ضيوف بسريرين وكانت تلك رسالة واضحة بأنها لم تعد من أصحاب البيت، أخذت حماماً دافئاً واستلقت على احد الآسرة طلباً للراحة فلقائها بوالدها سيستنزف ما بقي لديها من طاقة.
"اخبرني انك استطعت معرفة هويتها" هكذا
صرخ نيكولاس في ابن عمه ديم حين اخبره انه
لم يستطع إقناع مسئولي المطار بإعطائه معلومات عن المرأة المجهولة التي أثارت جنون نيكولاس، حاول ديم تهدئة غضب ابن عمه قائلا: "سنجد طريقة يا نيك. .. ارتح أنت، وأنا سأتدبر امري".
"ومن أين لي الراحة؟ وأنا اعمل مع مجموعة من
الأغبياء... لا تريني وجهك قبل أن تعثر على أي
معلومة عنها" زمجر نيك وقطع الاتصال قبل أن
يستطيع ديم النطق بأي كلمة أخرى، ضرب هاتفه المحمول مع حائط غرفة نومه وهو يقول بغضب: "سأجدك. .ولو اختبأت في أخر بقاع العالم، سأجدك.. فلا احد سخر مني يوماً ونجى بفعلته!!".
شعرت كايت بيد تحركها لتوقظها من نومها ،زفقد كانت متعبة ولم ترغب في الاستجابةزلمطالب تلك اليد التي تحركها برقة، ارتسمتظابتسامة عذبة على شفتيها وهي تفكر أنها لابد وتأخرت عن عملها وقد جاء دايف ليوقظها فلا احد يوقظها بمثل هذا اللطف غيره...توقف دايف. .. دعني أنام. .. أنا متعبة حقاً"
قالت بصوت ناعس وهي ترفض فتح عينيها ، إلا أن
صوتاً غريباً بدا غاضباً لا يشبه صوت دايف أبا
وقال: "لقد حان وقت العشاء. ... استيقظي".
فتحت عينيها بسرعة ونظرت لوالدها باستغراب
ثم تذكرت أين هي فقفزت مجفلة من مكانها
وهي تقول: "أبي... آسفة لقد غفوت قليلا" حين
لم تلاحظ أي دليل على إنه سيتحدث قالت:
"كيف حالك أبي؟". "بخير..." أجابها بغضب لم تفهم معناه ثم قام من مكانه واتجه للباب وهو يقول: "العشاء بعد نصف ساعة فجهزي نفسك" .
خرج دون أن يلتفت إليها ، شعرت كايت بطعنة
في قلبها من تصرفه فهو لم يرحب بها حتى ولم
يسألها عن أحوالها كما لو انه رآها البارحة فقط
وليس منذ ما لا يقل عن أربع سنوات في أخر
رحلة له لانجلترا لكن حقا ماذا كانت تتوقع؟؟ أن يستقبلها بحب ويحضنها بشوق ويقول اشتقت لك يا ابنتي؟ إنها تعرف طباع والدها جيداً ومجرد مجيئه لإيقاظها ورؤيتها قبل أن تنزل يعتبر مجهوداً جباراً منه. قامت من مكانها وتوجهت لتأخذ حماماً ينعشها
ويعدها للعشاء العائلي. سجن سيزار نفسه في مكتبه بحجة القيام ببعض الأعمال قبل العشاء، لكن السبب
الحقيقي هو عدم رغبته في إبداء انكساره أمام
أهل بيته، فالفرق بين لحظة دخوله مسروراً ولحظة خروجه من غرفة كايت فرق شاسع كانت ميلينا قد أخبرته عن مجيء وفرحته أجل جميع لقاءاته مساء اليوم لرؤيتها، حين عاد للبيت وعلم أنها نائمة توجه مباشرة لغرفتها.. كانت سعادته لا توصف وهو يراها
نائمة بهدوء وأخذ يملس شعرها الذهبي وينظر
بحب لملامحها الفاتنة التي تشبه ملامح والدتها.
كان سعيداً بنومها لأنه أتاح له الفرصة أن يتجرأ
على الاقتراب منها وإبداء حبه الأبوي لها ، وهو
يعد نفسه انه يوماً ما سيجعلها تحبه وتفتخر به
كأب لها وليس كما قالت له منذ أربع سنوات
بأنه لا يستحق أن يكون له أي علاقة بها ، لكن
ما أن نطقت باسم دايف حتى تحطم أمله فكما
سلبه ذلك الدايف حب راشيل منذ سنوات سلبه
أيضاً ابنته، خرج دون أن يقول أي كلمة من كلمات الترحيب التي درب نفسه عليها طوال الطريق.
طرقة صغيرة على الباب أخرجته من تفكيره
الكئيب ونظر إلى زوجته التي قالت: "العشاء
جاهز". "لحظة وأكون معكم" قال لها بهدوء فخرجت
وهو يتطلع في إثرها ويحس بالأسى تجاهها ، فهو
لم يستطع أن يحبها أبداً، كما لم يستطع أن. يسامحها.. كانت وستبقى صديقة طفولته التي
دمرت سعادته وليس أي شيء أكثر، فقلبه ملك
لامرأة واحدة وقد تركته منذ سنين. كان عشاءاً صامتاً أغلبي الوقت.. مر بشكل بطيء أصاب كايت بالسأم والحنين إلى جو العشاء بمنزلها في لندن ومرح دايف ونكاته وتصنع أمها للغضب ومحاولاته لمصالحتها التي كانت تنتهي بالضحك والدغدغات، شتان ما بين العشاء هناك وهنا فوالدها شارد وميلينا
تلعب بطعامها دون أن تأكل منه شيئاً، أما تاليا
فهي تنظر إليها بحقد كما لو أن نظراتها ستحبس اللقمة في حنجرة كايت وتقتلها خنقا .

بعد العشاء كل ذهب إلى غرفته كالأغراب فقررت كايت التوجه لغرفة جدتها من أبيها السيدة ماريانا ، طرقت باب الغرفة ففتحت لها الممرضة الخاصة بجدتها ، طلبت منها كايت أن ان لم تسمح لها برؤية جدتها لبعض الوقت فوافقت الممرضة بشرط أن لا تتعدى الزيارة ربع ساعة فميعاد نوم السيدة قد أوشك. نظرت كايت لجدتها بحنان وهي تقترب منها،
جلست على السرير وقالت بصوت دافئ، "جدتي
اشتقت لك كثيراً... جدتى أتذكرينني؟! ". نظرت إليها الجدة التي كانت ضعيفة البنية بسبب المرض وبشرتها وجهها ملأتها تجاعيد الكبر أما شعرها فقد كان ابيض، رغم ذلك لازالت ملامحها تحتفظ بجزء من جاذبيتها التي كانت يوماً رمزاً للجمال اليوناني.
ابتسمت الجدة ما أن رأتها ، فرحت كايت فربما
تتذكرها ولم تنسها بعد فهي تحب جدتها "راشيل. ...." كلمة واحدة قالتها الجدة أطفأت
شمعة الأمل بقلب كايت "كنت على يقين انك
ستعودين يا ابنتي... اعلم أن سيزار صعب لكنني اعلم كذلك انك تحبينه" قالت الجدة بمحبة وهي تحتضن كايت التي سالت دمعة كريستالية على وجنتيها وهي تقول: "جدتي أنا كايت. .. راشيل والدتي. ... لكن الجدة لم تكن مستمعة إذ بقيت تناديها راشيل وتحدثها عن مراحل نمو والدها وعن مدى صعوبة طبعه وهو مراهق كما سألتها عن جدها
الميت قائلة: "كما انه لم يعد يأتي لزيارتي..
رغم علمه بأنني مريضة بقيت كايت مع جدتها لمدة بسيطة قبل أن تغادر لغرفتها ، كانت غرفتها مجاورة لغرفة ميلينا وهي تمر بالقرب من باب غرفة أختها سمعت صوت بكاء فأسندت رأسها للباب وأرهفت السمع، إنهازميلينا تبكيلي حي رهذا الأمر كايت، لما توافقزميلينا على هذا الزواج إن كانت تتعذب؟؟
حثها صوت داخلها أن تطرق الباب وتقنع أختها
بالتراجع عن الزواج بشخص لا تريده، لكن رنين هاتفها النقال أوقفها فتحركت لغرفتها حتى
تجيب على اتصال أمها: مرحباً ماما... كيف حالك؟؟".
"اشتقت إليك رغم انه لم يمر يوم بعد... لما لم
تتصلي بي فور وصولك؟؟ لقد قلقت عليك"
قالت أمها بنبرة تأنيب. "آسفت حقاً ماما.. كنت مرهقة ونمت ما أن وصلت للمنزل... كيف هو دايف؟؟".
"بخير ويرسل إليك تحياته. .. كيف مرت رحلة
الطائرة؟؟" . ابتسمت كايت ما أن تذكرت أحداث الرحلة وتصرفها الأخير، فكرت أنه كان يجب أن تخبر
والدتها لكنها شعرت بأن والدتها متوترة ولا تحتاج إلى أي إضافات فقالت كاذبة: "مرتزبخير... وقد ساعدتني سيدة باجتياز المحنة".ز"جيد..." صمتت قليلا قبل أن تقول: "كيف حالزوالدك؟؟". "إنه بخير وبدون أن تسألي.. فقد عاملني جيدا وسر بزيارتي.." قالت لتطمئن والدتها ، فلو قالت لها الحقيقة لأصرت عليها بأن تعود فوراً "وزوجته؟؟ أتعاملك جيداً؟؟" قالت راشيل مسمسرة.
"أجل أمي.. كل أموري بخير.. لا تقلقي علي."
كانت أمها على وشك طرح سؤال أخر فأوقفتها
كايت قائلة: "كل شيء على ما يرام فتوقفي عن طرح الأسئلة ودعيني أتحدث إلى دايف قليلا" انصاعت
والدتها لطلبها وتحدثت مع دايف لنصف ساعة
تقريباً، جعلها تضحك أغلبية الوقت.. فدايف
شخص مرح ومحبوب ويدخل للقلب ويسكنه
دقائق. "آه دايف أنت مجنون. .. لا اعلم كيف سرت
جراحاً مشهوراً وأنت لا تأخذ أي شيء بجدية!!"
قالت كايت بمحبة وهي تحاول أن تسترد نفسها
اننا لم من شدة الضحك. "أولا تعلمين أن الضحك دواء الروح؟... وبصفتي طبيب فانا أحب وصف الأدوية بكثرة" قالزمازحاً.
"اشتقت إليكم كثيراً... أشعر كما لو إنناوافترقنا لشهور وليس لساعات. .." قالت كايتزبحنين والشوق يملئ صوتها ، صمتت قليلاً ثمزأضافت: "دايف الأمور ليست جيدة كما أخبرت أمي. .. أشعركما لو أنني فرضت نفسي عليهمزوأنهم أغراب عن قلبي".
"لا تستسلمي بسهولة يا كايت. .. حاولي مجددا
التواصل معهم فهم عائلتك كذلك". استمرت تشكي همومها ومخاوفها لدايف فهي تثق به وبأحكامه منذ كانت طفلة فهو بئر أسرارها،زليس معنى ذلك إنها لا تثق بوالدتها لكن راشيلزمن النوع المتسرع ولا تكتفي بالنصح فقط بلزتتصرف على طريقتها وذلك يزيد من تضخيم بعد أن أنهت المكالمة وقفت من مكانها
وتوجهت للشرفة كانت ليلة دافئة والقمر مكتمل تحيط به النجوم سرحت كايت بعينيها في السماء وهي تشاهد نجمها المفضل سيريوس ألمع نجوم السماء وكانت تلك عادة منذ أيام المراهقة حيث قرأت مرة في إحدى القصص الرومانسية أن هذا النجم ثنائي وانه بلمعانه يرمز للمعان الحب داخل حبيبين اجتمعا بعد فراق طويل منذ ذلك اليوم كلما شعرت بضيق تبحث عن هذا النجم لتشكي له همها ، فهي على يقين بأن توأم روحها ينظر لهذا النجم في نفس الوقت.
"اخبرني يا سيريوس... لما أفراد عائلتي غرباء عن قلبي؟؟!!" صمتت وهي تتنهد بقوة.. عيناها معلقتين على النجم كما لو أنها تنتظر الجواب

وقف نيكولاس في شرفته وهو يهدئ أعصابه
بعد حلم مزعج، لم يكن كابوساً بل كان جنة، حلم بأنها بين ذراعيه وأنه يقبل شفتيها الأحلى من العسل، مشاعر غريبة تتحرك داخله لم يشعر بمثلها يوماً وهو يحرك أصابعه على بشرة وجنتيها وعينيها تلمعان بنار زرقاء تعده بمشاعر حارقة وما أن حملها لسريره حتى رن صوت هاتف بقوة أيقظه من نومه مجفلا، كانت
أخته هي المتصلة لتطمئن عليه فهو لم يقم بزيارتها كما اخبرها من قبل أعتذر منها واخبرها انه كان مشغولا جداً ونسي الاتصال بها استمرت المكالمة لدقيقتين فقط فقد كان مزاجه معكراً وأخته فهمت ذلك من نبرة صوته. كان يرتدي سروالا قصيراً ابيض وقميصاً فتحت أصدافه كلها حركه النسيم البارد للخلف ليظهر عضلات صدره القوى الأسمر، وضع يده
على رأسه يمشط شعره الحريري الأسود بأصابعه للخلف بقوة ربما تزيل تلك الصورة من عقله،
رفع عينيه للسماء المرصعة بالنجوم وأخذ يتأمل
المعان نجم سيريوس الذي فكره بلمعان العيون
الزرقاء في الحلم وقال وهو يكلم النجم: "أي
سحر ألقته علي تلك الشقراء؟؟!".

💄💄 الحقيقة المرة 💄💄

وقفت كايت وهي تسند رأسها على ذراعيها متكئة على حائط الشرفة متأملة الحديقة الواسعة وعقلها لا يسجل أي صورة خضراء بل غاب في تفكير عميق عن أحوالها خلال اليومين الماضيين، لم تحرز أي تقدم في علاقتها بوالدها حتى إنها لم تستطع التحدث إليه بكلمتين على انفراد دون تدخل تاليا!..
كانت ترغب في إخباره بأنها صارت طبيبة جراحة وأن لها مستقبلا مبهراً في مجالها ، أرادت أن تصارحه بمخاوفها وأن تشاركه أسرارها لكن كيف وهو لا يمنحها حتى دقيقة من وقته؟! فمنذ يوم قدومها وهو مشغول، أما ميلينا فهي في عالم أخر تماماً... حالتها تزيد سوءاً يوماً بعد يوم.
فهي تقفل على نفسها طوال الوقت ولا تخرج إلا
لتناول الطعام ثم تعود لتدفن نفسها في سريرها وتجهش بالبكاءل حاولت كايت إقناعها أكثر من مرة بمساعدتها وأخذها بعيداً والهرب من هذا الزفاف لكن ميلينا كانت ترفض مصرة على أنها رضيت بقدرها وكلمت القدر هذه زادت من خوف كايت، أما تاليا فهي لم تدخر جهداً لإثبات أنها غير مرحب بها وأنها مجرد دخيلة!!. زفرت بقوة وهي تشعر أنها أخطأت فعلا بالعودة، فبلدها الحقيقي هناك خلف البحار حيث دايف برقته ومرحه الدائم وأمها بعطفها وحنانها الذي
لا ينضب. "كايت. .. كايت. ." انتبهت كايت أن أحداً
يناديها وكانت ديرا تقف قرب البوابة وتشير لها
بيدها حتى تجذب انتباهها.. أشارت لها كايت
"إن كنت غير مشغولة... ما رأيك أن ترافقيني
للمركز التجاري؟". "انتظريني لحظة وسأكون جاهزة. .".قالت كايت بحبور.. فأخيراً ستخرج من هذا
الغم.. على الأقل التسوق مع ديرا سيضفي على رحلتها الكئيبة شيئاً من السعادة، نزلت بسرعة بعد أن غيرت ثيابها وارتدت قميصاً بحمالات أبيض اللون يظهر كتفيها الناصعتي البياض وتنورة برتقالية قصيرة فوق الركبة مع صندلا صيفياً وكانت تسرع الخطى لتنظم إلى ديرا فلمحت زوجة أبيها التي أعطتها نظرة نارية كما لو كانت ستحرقها.. لكن كايت لم تعرها اهتماما.
انضمت إلى ديرا وأخذهما السائق إلى المركز التجاري من اجل اقتناء لوازم للبيت، كانت كايت تتأمل البنايات والشوارع وتسأل ديرا التي كانت تشرح لها التطور الذي لاحظته في أثينا والبنايات الجديدة، كان كل شيء مخالف لمازمضى ومتطوراً بشكل مذهل مما جعل كايت تشعر كما لو مر قرن وليس اثنا عشرة سنة طلبت ديرا من السائق إيقافهما بعيداً عن المركز
حتى تستطيع كايت التجول قليلاً ورؤية المناظر
بروية، كانت عيون الرجال وكلمات الإعجاب تلاحقها منذ نزلت من السيارة فبشرتها النقية كبياض الثلج ورشاقتها الفاتنة كانت تسلب لب الرجال وعقولهم، وهما في طريقهما وقف أمامهما شاب اسمر وبيده وردة جورية ومدها لكايت وهو يقول: "آه. .. اخبريني من أي قصة خيالية خرجت ؟؟" .
ضحكت كايت لتعليقه لكن ديرا دفعته وهي
تقول بصوت غاضب: "من الجميلة والوحش وإن لم تبتعد أكلك الوحش" كان نبرتها المهددة كفيلة بإبعاد
المعجب وعينيه ترسلان إشارات تجاهلتها كايت.
"مجنون ومغفل.." قالت ديرا مبتسمة وهي تضع
يدها على قلبها بحركة معبرة لكن من يلومه فأنت يا ابنتي ستتسببين بأزمة قلبية لكل رجالنا... الرحمة بهم ولا تلبسي مجدداً قميصا بدون أكمام .
ضحكت كايت لتعليق ديرا وقالت: "توقفى.. تجعلينني أتخيل نفسي فعلا بتلك الروعة وسيصيبني الغرور. أخذتا تضحكان معاً، وتوقفت أمام إشارة المرور حتى تغيرت إلى اللون الأخضر فعبرتا للجهة
الثانية من الشارع حيث المركز التجاري. كان جو حاراً مما اضطر نيكولاس للاستغناءزعن سترته الرمادية وفك ربطة عنقه وفتح الأزرار العلوية لقميصه، مرر يده أكثر من مرة في شعره وهو يشعر بأن رطوبة العرق قد بللته، شعر بأنه في أمس الحاجة إلى حمام بارد واستراحة لبقية اليوم أمام حمام السباحة في
منزله، لكنه لا يستطيع فلديه من الأعمال ما يشغله لبقية الأسبوع دون راحة إن أراد فعلا الحصول على شهر للعسل. توقف السائق مع اشتعال الضوء الأحمر نظر نيكولاس للنافدة وهو يشعر بغيرة من الناس
المتفرغين والجالسين أمام المقاهي ينعشون
أنفسهم بالمشروبات الباردة، للحظة أسرت نظرته
شابة فاتنة بتنورة قصيرة برتقالية تنعش النفس
كما لو أنها عصير برتقال بارد ، شعر بقلبه ينبض
بقوة ولوهلة استدارت فصرخ بقوة في سائقه الذي
هم بالتحرك بالسيارة: "توقف. ....".
استغرب السائق للأمر ونظر لسيده قائلا: لكن
سيدي الإشارة!!. ....". لم ينتظر نيكولاس أن يتم السائق جملته بل خرج بسرعة يركض للاتجاه الأخر عله يمسك بها غير عابئ بصوت السيارات المتذمرة التي مر أمامها ، فهو لن يدع أحداً يقف في طريق الوصول إليها... إنها نعمة من الله أن يلمح تلك المسافرة البغيضة التي سببت له الأرق خلال الأيام
الماضية هنا تتسكع في شوارع أثينا.
لاحظ دخولها للمركز التجاري فلحق بها وسمع
احد حراسه يناديه: "سيدي ما الأمر؟؟. ... هل هنالك خطب ما؟؟" . "لا... لكن هناك ثأر يجب أن أنفده." قال
بغموض وابتسامة شرسة مرسومة على محياه وهو
يتحرك بسرعة ورجاله يتبعونه ليؤمنوا له الحماية.
أحبت كايت التسوق برفقة ديرا والتجول في أروقة المركز وهي تستمع لحديث ديرا المرح عن مغامراتها في شبابها وعن طريقة تعرفها على زوجها: "آه كلما تذكرت يوم زفافي اشعر كما لو انه مر قرن... كان اسعد أيام حياتي أو على الأقل كنت أظن انه كذلك... فيلبس كان غاية في الجاذبية وقد حسدنني صديقاتي عليه..." وابتسمت للذكرى.
"ألا زال الحب قائما بينكما إلى الآن ديرا؟؟"
تساءلت كايت باهتمام. "حبيبتي ينبوع الحب لا ينضب أبداً. ففي كل لحظة يزيد تعلقنا ببعضنا البعض خصوصاً في مثل هذا السن" صمتت ديرا قليلا قبل أن تقول: "يوماً ما ستجربين الحب وحينها فقط ستفهمين قصدي.

"هذا ما تقوله والدتي أيضاً.. لكن تساءلت دوما إن كان ما تكنه لدايف حباً فما كان شعورها حيال والدي خلال ارتباطهما؟". "اعلم انه أمر محير فكثير منا من يخلط بين الحب والإعجاب والسيدة راشيل كانت فقط معجبة بسيدي بينما عشقها هو لحد الجنون.
وأظن أن عدم تكافئ حبهما كان سبباً في فساد علاقتهما... فالسيد كان غيوراً بشكل لا يصدق ووالدتك كانت من النوع المتحرر ويوماً عن كانت الفجوة بينهما تزداد يوم اتساعاً إلى أن استيقظنا يوماً ووجدنا أن السيدة رحلت وخلفت وراءها حطاماً لرجل" كانت ديرا تتحدث بأسى.
"إن أحبها كما تقولين لما لم يسعى لإعادتها...
أخبرتني أمي انه لم يتصل بها حتى.. لم يأتي للمطالبة بعودتها... تناساها تماماً. "الكبرياء يا ابنتي هي من منعته من اللحاق بها واستعادة سعادته وحين غلبه الشوق أخيراً كانت والدتك قد تزوجت. .. آه لا استطيع أن أنسى أبداً يوم عودته من تلك الرحلة كان وجهه مظلماً وكئيباً، سجن نفسه في غرفته لأيام حتى ظننا انه سيموت. .. لكنه بطريقة ما استطاع التعايش مع ألمه" .
زفرت ديرا بعمق لتبعد الحزن عن صدرها وقالت
وهي تعيد رسم ابتسامة بشوشة على شفتيها
"دعينا من أحزان الماضي... ما رأيك بمساعدتي
وأن تجلبي لي علبة رذاذ كريما بالفانيلا إنها على احد الرفوف هناك" وأشارت لها بإصبعها على الجهة المقصودة. "حسناً لكن بشرط أن أكل منها أولا فانا أحب ضخ الكريما في فمي مباشرة" قالت كايت
مازحة. "موافقة لكن في المنزل إن قمت بذلك هنا
ستتسببين بأزمة قلبية لكل الرجال" وضحك
ديرا في حين وضعت كايت يدها على قلبها وهي
تقول مازحة "اقسم ألا اسبب أزمة للبلاد".
وتحركت بسرعة باتجاه الرفوف التي أشارت إليها
ديرا. أصاب نيكولاس التعب وهو يبحث عنها في
المبنى لقد اختفت كما لو إنها قطعة ثلج وذابت في هذه الحرارة المفرطة كان يتحرك بسرعة كالمجنون ورجاله خلفه مذهولين فهم لم يروه يوماً بهذه الحالة.
لكنه توقف فجأة مما جعل رجاله يصطدمون ببعضهم وارتسم على شفتيه ابتسامة انتصار لقد وجدها أخيراً كانت بالقرب من احد الرفوف تختار علبة رذاذ اقترب منها بخطوات رشيقة لا يسمع لها حس كما خطوات الفهد الذي يطارد فريسة وامسكها من يدها بقوة قائلا: "لن تستطيعي الهرب مني الآن".
صدمت كايت بداية بتجرؤ احدهم على مسك ذراعها بهذه الطريقة لكن مع سماعها لنبرات صوته المهددة التي حفرت في ذاكرتها جيداً شعرت بأن الخوف بدأ يدب في أوصالها والرعشة تسري في جسمها التفتت تقابل وجهه والتقت عينيها بعينيه السوداوين اللتان تحملان لها التهديد والوعيد فقالت بصوت مرتجف حاولت قدر إمكانها جعله طبيعياً: دع يدي... اتركني وشأني" . "ليس قبل أن تدفعي الثمن" قال وابتسامة ساخرة تعلو شفتيه.
لاحظت اقتراب رجاله منه. .. كانوا ضخام
الجثة يعادلون قوته، كانت النظرة في عينيه وجملته كفيلتان بإطلاق أشباح الماضي والرعب المدفون في أعماق قلبها وبجعل أدرينالين يضخ في جسمها بكميات كبيرة، لم تدري ما تفعل كل ما كانت تريده هو الهرب فهي لا تريد مواجهة نفس المصير السابق، نظرت إلى علبة الرذاذ التي كانت لا تزال بيدها فقامت بأول فكرة خطرت على بالها وهي رشه بالكريما كان الفرق لحظة فقط بين رشها للرذاذ وتركه
ليدها فاستغلت الفرصة وأطلقت رجليها للرياح،
ركضت كما المجنون بدون تحديد لوجهتها كل ما كان يهمها هو الابتعاد عن الخطر وإنقاذ نفسها من الأهوال التي خيلها لها دماغها المتوتر بكميات الأدرينالين، سقطت منها حقيبتها لكنها لم تتوقف لاستعادتها بل زادت من سرعتها لاحظت مطاردة رجاله لها، خرجت من المركز وركضت إلى أول سيارة رأتها ارتمت في
مقدمتها واختبأت تحت الكرسي وهي تقول
للسائق: "ساعدني ارجوك ... ساعدني....".
لم يفهم الرجل سبب خوفها لكن مع ملاحظته
لرجال ضخماء الجثة يخرجون بسرعة من باب
المركز وعيونهم تتحرك في كل الاتجاهات بحثاً عن شخصاً ما فهم وقال لها يهدئها: "لا تقلقي... سأساعدك يا ابنتي... لا داعي للخوف" كان صوته حنوناً جعل بعض الراحه تدخل لقلبها المهزوز نظرت إليه كايت بامتنان. تحرك يشق بسيارته الزحام ويندمج وسط
السيارات مبتعداً عن المركز التجاري وبعد مدة
معينة طلب من كايت أن تجلس على كرسي بدل أن تختبئ تحته فلا أحد يطاردها ، كان شخصاً لطيفاً كبيراً في السن نوعاً ما، قدرت كايت انه في حوالي الخمسين من عمره ودود جداً ويبدو سهل المعشر ذكرتها خفة ظله بدايف، أوصلها إلى بوابة منزلها بعد أن أطلعته على عنوانها وأشارلها بيده مودعاً بعد أن اطمأن أن لا احد سيهاجمها مرة أخرى.
"اللعنة عليكم جميعاً.. اللعنة.. كيف استطاعت امرأة ضئيلة بذلك الحجم الفرار من مجموعة ثيران. .. حمقى".
زمجر نيكولاس وقد ارتسم غضب اسود في عينيه بينما أحنى رجاله رؤوسهم يتقبلون منه الشتيمة دون أن ينطق احدهم بكلمة فهم أدرى بأنه لن يتوانى عن طردهم. استدار نيك ليجلس على كرسي مكتبه وأشار
لهم بإصبعه مهدداً: "أريد أن اعرف مكانها. ..
ابحثوا عنها ولو في قاع الأرض... احضروها" لم
يعد نيك يستطيع التحمل أكثر من ذلك ففي كل لقاء له مع تلك المرأة تهينه وهو من تعود على أن يأمر فيطاع جاءت تلك الحشرة الانجليزية ونغصت عليه روتينه الهادئ. كان قد شعر أخيراً بأنه امسكها وأنها لن تهرب منه ثانية لكن ما لم يتوقعه أن تفرغ رذاذ
الكريمة في وجهه وتجعله كبهلوان عرضة السخرية وضحك كل من بالمركز، هو نيكولاس كاتسورانيس قرش اليونان جعلته تلك المرأة أضحوكة لمن هم دون مستواه لكنه لن يرحمها سيجدها كما وجدها اليوم
سيجدها وحينها لن تستطيع الهرب منه أبداً....
أبداً "سيدي. ......" قاطعه احد رجاله.. نظر إليه
نيك فبدا الرجل متوتراً وخائفاً مما سيقوله.
"نعم......." قال نيك بصوت غاضب
تحدث....". اظهر الرجل حقيبة يد نسائية بيضاء كان
يخيفها خلفه وقال بتوترة "لقد وقعت من تلك
المرأة هذه الحقيبة حين كنا نطاردها. أشارله نيك بالاقتراب وامسك الحقيبة في حين تراجع الرجل للخلف، اخذ نيك يبحث بداخلها وأشار لرجاله بأن يغادروا الغرفة، كانت تحتوي على نظارات شمسية وهاتف نقال يبدو باهظاً كما تحتوي زجاجة عطر جعلت ذكريات عناقها تتقافز إلى عقل نيك رغم محاولته منعها.. وأخيراً وجد مجموعة من الأوراق في جيب الحقيبة من بينها بطاقة تعريفها.
أمعن النظر في صورتها لدقيقة وهو يتساءل مع
نفسه لما يطاردها حقاً؟؟ هل كل هذا له علاقة
بكرامته وهيبته التي أهينت أم أن له رغبة في
رؤيتها مرة أخرى؟؟ لأول مرفي حياته لا يدري ما
يريد فقد اختلطت عليه مشاعره، هل يكرهها أم
يرغبها؟ أيريد ضربها أم عناقها؟؟ ضرب رأسه
بيده بقوة وهو يقول: "اللعنة عليك نيكولاس.. توقف عن التفكير فيها فأنت رجل خاطب وستتزوج قريباً. .. حباً بالله توقف" .
ابعد عينيه بالقوة عن صورتها وقرأ اسمها لكن
اسمها العائلي كان صدمة بالنسبة إليه
"كايتلين ديلاس" لم يصدق.. هل يمكن أن تكون لها قرابة بزوجته المستقبلية؟ لكن ذلك مستحيل فهو يعلم علم اليقين إن سيزار ديلاس كان وحيد أبويه وأن والده كان الذكر.الوحيد وسط أربع أخوات لذا فلا احد يحمل اسم ديلاس من تلك العائلة غير سيزار وهذا الأخير له ابنة واحدة وهي ميلينا، هل من المعقول أنه مجرد تشابه في الأسماء رغم ندرة اسم ديلاس، قطع عليه تفكيره رنين هاتفها فنظر إلى
شاشته، كان المتصل مسجلا بحبيبي دايف.. شعر
بشيء بداخله ينقبض كما لو وخزته إبرة، ضغط
على زر الإجابة وانتظر سماع صوت المخاطبة
"الو... مرحبا صغيرتي... اشتقت إليك" كان
صوت الرجل عميقاً ومرحاً كان نيك يؤيد إطالة صمته حتى يسمع المزيد مما سيقوله ذلك الرجل معتقداً انه يكلم كايت. "كايت حبيبتي... هل تسمعينني؟؟" بدأ الصوت العميق يتوتر ويدل على انه يكن معزة خاصة
لصاحبة الهاتف. "المعذرة سيدي... لكن السيدة التي تبحث عنها أوقعت هاتفها وأنا وجدته وأحاول أن أعيده لها" صمت نيك قليلا ينتظر رداً من الرجل الذي بدا إنه يخاطب أحداً بقربه.
"أتساءل فقط إن كان باستطاعتك اخذه إليها
سأكون شاكراً حقاً لمعروفك".
"بالطبع سيدي أعطني عنوانها فقط وأنا سأوصله
لها بنفسي" قال نيك وابتسامة ماكرة ترتسم
على شفتيه. "بالطبع... وشكراً مرة أخرى" أملى ديف العنوان بعد أن أخذه من زوجته وشكر نيك مرة أخرى
قبل أن يقفل الخط. نظر نيك للورقة التي كتب عليها العنوان وهو يقول بتفكير عميق: " قريباً يكون لقاءنا أيتها العزيزة كايتلين... وتوقعي مني الأسوأ".
ومن دون أن يجعلنا كانت الشمس قد غابت وكايت لا تزال تحجز.نفسها في غرفتها وهي لا ترغب في رؤية احدظحتى ديرا التي جاءت لتطمئن عليها ولتعرف سبب تركها لها في المركز والعودة دون إخبارها،
شعرت ديرا حينها بالفزع وأخذت تبحث عن كايت في جميع أروقة وطوابق المركز وحين لم تجد لها أثراً قررت العودة للمنزل ربما تجدهاظهناك ومع أول خطوة تخطوها داخل المنزل الضخم لاحظت خطوات زوجها المتوترة وملامح وجهه تعبر عن القلق سألته ديرا: "هل عادت كايت؟؟" كان صوتها يحمل بين
طياته خوفاً حاولت جاهدة إخفاءه.

"اجل عادت.. وكانت تبدوغير طبيعية حتى أنها
لم ترد علي التحية كما عادتها... ما الأمر ديرا؟؟ ما الذي كدرها هكذا ؟؟" استفسر بقلق. "حقاً لا ادري كنا معاً نتسوق ونضحك كانت مستمتعة جداً ، طلبت منها أن تحضر لي رذاذ الكريما من احد الرفوف ومنذ تلك اللحظة غابت عن عيني، بحثت عنها طويلا دون فائدة وأخيراً استسلمت وقررت العودة وأنا كلي أمل أن تكون قد عادت" صمتت ديرا قليلا ًثم قالت
لزوجها بلهجت شبه آمرة "خذ أنت هده الأغراض
إلى المطبخ وأنا سأصعد لرؤيتها" . طرقت ديرا باب غرفة كايت عدة مرات لكن دون فائدة فاعتقدت إنها نائمة وعادت لتنزل الدرج متوجهة للمطبخ حيث ينتظرها كم هائل من الأعمال.
لم ترغب كايت بالاستجابة لطرقات ديرا القلقة
التي تعرفها جيداً كانت لا تزال تحت تأثير نوع
من الخدر ولا تستطيع التحدث إلى احد وشعرت
بالضيق حين هربت بذلك الشكل، ما كان ذلك الرجل ليستطيع أذيتها أبداً أمام الناس وكل ما كان سيحدث هو أن يوبخها لأنها أهانته بتلك الطريقة ذلك اليوم في المطار أو أن يطالب باعتذار، لكن هي ما أن سمعت كلمة دفع الثمن حتى عادت كل هواجس الماضي تهاجمها ، لم تعد تفكر بطريقة سوية حتى أنها شعرت كمن أغمضت عيناه وأطلق خلفه أسد
جائع فكانت تجري في الممرات كما المجنونة، تنفست الصعداء وهي تتذكر حديثها مع دايف حيث حثها مراراً على العلاج النفسي لكنها رفضت قائلة:
"أن الماضي قد دفن وهي لن تنبش قبره وتخرج
أفظع الذكريات بعد أن نسيتها " لكن للأسف عقلها اللاواعي لازال يخزن تلك المخاوف والدليل ما حدث لها اليوم. كانت ساعة العشاء قد قاربت جرت كايت
نفسها بالقوة حتى تستحم وتستعد للعشاء العائلي
الكئيب وتتمنى مئة مرة لو أنها أصغت لنصيحة
والدتها وبقيت في انجلترا، بعد ربع ساعة تحت
مياه الحمام الدافئة استعادت بعض حيويتها وخرجت لترتدي ملابسها ، اختارت فستاناً بسيطاً أبيض اللون يصل إلي أسفل ركبتها بقليل ضيق من جهة الصدر ويحيط بخصرها مبيناً قدها الممشوق رفعت شعرها بملقط وتركت بعض الخصلات منسدلة على جبهتها ، لبست صندلها الأبيض الصيفي ونزلت للدور السفلي.
كان والدها يترأس الطاولة كما العادة وعلى يمينه تاليا التي لم تعر دخول كايت أدنى اهتمام بينما جلست ميلينا على يسار والدهازورسمت ابتسامة باهتة على شفتيها الرائعتين، كانت تبدو شاحبة كما الأموات والحزن مرسوم في عينيها السوداوتين ترتدي فستاناً اسود يشبه ملابس الحداد زاد من شحوبها ، شعرت كايت بالألم وهي تنظر إلى أختها الحبيبة التي كانت البسمة لا تفارق شفتيها لحظت كما كانت كل ثيابها ذات ألوان مشرقة تدل على الروح المرحة لصاحبتها لكن ما تراه الآن هو مجرد ظل خافت لما كانته ميلينا يوماً.
جلست كايت على الكرسي المجاور لميلينا وبدأ
الخدم بتقديم الطعام.. كان العشاء مشابهاً لكل الوجبات الماضية ميلينا تعيسة تحرك طعامها دون أن تأكله، كايت تأكل لكن بدون أن تتذوق أوتميز طعم الأكل، والدها شارد الذهن، وتاليا لا تتوقف عن التبجح بزوج ابنتها القادم وعائلته وقيمتهم الاجتماعية، وفي كل مرة تذكر أصل عائلة زوج ابنتها المستقبلي العريقة تنظر إلى كايت بشماتة.
بعد العشاء قامت ميلينا متحججة بالتعب وتوجهت لغرفتها وكادت كايت أن تحذو حذوها إلا أن صوت والدها أوقفها قائلا: "كايت... تعالي إلى مكتبي... أريد محادثتك قليلا".
لم تصدق ما تسمعه أذنيها فبعد ثلاثة أيام من تجاهله لها قرر أخيراً محادثها حاولت تاليا مرافقتهم لكنه منعها قائلا: "أريد الانفراد بابنتي قليلا".
كادت كايت يغمي عليها من السعادة. .. أحقاً
قال ابنتي؟؟ لم تسمعه يوماً يناديها ابنتي أو يطلب محادثتها على انفراد رافقته بسرعة ودخلت خلفه إلى المكتب. كان المكتب يدل على رقي ذوق صاحبه فهو
مجهز بطريق تقليدية وعصرية في نفس الوقت يغلب عليه اللون البني الغامق، مكون من مكتب من الخشب الماهوجني وكراسي جلدية سوداء وأريكة تكلف ثروة، مكتبة زجاجية تحتوي الآلاف من الكتب كما أفرشت أرضيته بسجادةزلم يجلس على كرسيه خلف المكتب كمازتوقعت بل جاس على أريكة وأشارلها أن تجلس بقربه ففعلت ولم يطل الصمت: "كايت... اعلم أنني لم استقبلك بطريقة جيدة... كما إنني كنت مشغولا عنك طوال حياتك. .. وأحياناً كثيرة أظن إنك
تكرهينني لما فعلته بك أخر مرة كنت هنا".
"لقد كان لديك أسبابك. .. وأنا لا أكرهك أبداً بل العكس" قالت وهي تحني رأسها وتفرك يديها ببعضهما البعض. "اسمعيني يا ابنتي... أنا حقاً لم ارغب أن تكون علاقتنا هكذا... ومجيئك إلى هنا كان الأمل الذي انتظرته لسنوات".
امسك يدها بين يديه يضغط عليها بحنان بينما
انسلت دمعة من عينيها وهي لا تصدق أن ما تسمعه حقيقة وليس حلما.
"اعلم إنني لم أكن يوماً الأب المثالي لك... وإنني تركت مجموعة من الأكاذيب تبعدك عني... كايت كل ما اطلبه منك هو أن تبقي قليلاً بعد زفاف ميلينا، سأرتب لأخذ عطلةزونقضيها معاً فقط أنا وأنت.. نجول جزر اليونان ونتعرف إلى بعضنا البعض أكثر، ما رأيك؟؟".زأومأت كايت برأسها موافقة وسيول من الدموع تغطي وجنتيها ، جذبها سيزار إلى ذراعيه وحضنها بقوة وهو يقول:
شكراً لك يا ابنتي" "احبك أبي. ." هذا كل ما استطاعت قوله. "وأنا أيضا يا ابنتي... وقريباً سأثبت لك ذلك".زصمت قليلاً قبل أن يقول "والآن اذهبي لترتاحي قليلاً فغداً يوم العشاء التمهيدي والإعلان الرسميزعن خطوبة أختك ميلينا وأنا أريدك أن
تكوني أجمل فتيات الحفلة، ريما تعجبين شاباً
يونانياً وتبقين معنا هنا إلى الأبد". ابتسمت كايت لتعليقه فهي لم تتوقع أن يكون والدها بهذا المرح فهي طالما عهدته جاداً ومتجهم الوجه: "حسناً.. أعدك إنني سأحاول أن أكونزالأفضل" .
استأذنت من والدها وطبعت قبلة على خده وتوجهت لغرفتها وهي تكاد تطير من السعادة غير مصدقة لما حدث كما لو أنها تعويذة ألقيت على والدها وجعلته أرق وأحن أب في العالم،والتقت بممرضة جدتها في الرواق المؤدي لغرفتهازكانت تبدو متوترة فسألتها كايت "ما الأمر؟؟. .. هل جدتي بخير؟؟".
"اجل إن السيدة بخير... لكنني لا أجدزمجموعة من أدويتها... كنت قد وضعتها على المزينة وحين عدت لم أجدها... حقاً لا ادري ما افعل؟؟".

لا عليك... غداً سأمنحك المال لشراء غيرها' .
"شكراً لك يا آنسة. .. أنت طيبة حقا".زابتسمت كايت للممرضة وأكملت سيرها نحو غرفتها وكما كل مرة قبل أن تدخل لغرفتها تقف أمام باب غرفة ميلينا وتضع رأسها عليه لتسمع إن كانت تبكي أم إنها أخيراً توقفت ورضيت بالواقع كما تدعي، كان قلب كايت
يتمزق وهي تسمع صوت نحيب أختها حاولت
أكثر من مرة مقاطعتها ونهرها عما تفعله بنفسها
وفي كل مرة كانت تجبن قبل أن تقتحم غرفة أختها لكن هذه المرة لن تفعل فتحت الباب ودخلت.
نظرت إليها ميلينا بصدمة بينما تقدمت كايت
بخطوات واثقة من السرير الذي تقيع عليه أختها
وهي تنظر إليها وإلى الحالة التي أصبحت عليها،
مسحت ميلينا دموعها بظاهر يدها واخفت شيئاً
خلف وسادتها وقالت بعصبية: "ما الأمر كايت؟؟ لما تقتحمين غرفتي بهذا الشكل؟؟".
"أنا من يجب أن تسألك ما الأمر ميلينا... لما
تبكين كل ليلة؟؟ وأنت من قلت انك سعيدة
وراضية بقدرك" . "من قال لك أنني ابكي كل ليلة: ؟".
تساءلت ميلينا باستغراب وهي تعقد حاجبيها
السوداوتين المرسومين بشكل فني. "أنا على بعد جدار منك وهو ليس عازلا للصوت بالمرة... اسمع بكاءك طوال الليل ويتمزق قلبي آلاف القطع... اسمعيني ميلينا اخبري أبي انك لا تريدين هذا الزواج وصدقيني سيتفهم. لقد اثبت لي اليوم انه شخص حنون" قالت كايت برقت وهي تجلس بالقرب من أختها وتضع يدها على ذراع ميلينا.
"لا كايت. .. لقد انتهى الأمر... لم يعد هنالك وقت لإلغاء أي شيء. .. غداً الإعلان الرسمي لخطوبتي وبعده بيومين حفل زفافي... كل شيء جاهز لا يمكنني أن أتراجع الآن سيصيب ذلك أبي بصدمة" قالت ميلينا وهي تنحني على صدر أختها وأجهشت بالبكاء من جديد ، أخذت كايت تربت على ظهرها برقة وهي تقول: "كفى... كفى بكاء عزيزتي... يمكنني
إقناع والدي و. ..." قاطعتها ميلينا قائلة: "لا كايت. .. لا تفعلي... اقسم لك إنني غداً سأرتاح" قال ميلينا بصوت آثار الرعب في قلبزكايت فذكرها لكلمة الراحة أشبه بذكرهازالهدوء الموت، تحركت عيني كايت بدون معرفتها لسبب باتجاه الدرج بقرب سريرها
وجحظت عينيها رعباً وهي ترى علبة دواء جدتها
المفقودة. "ميلينا... ماذا تفعل علبة دواء جدتي في
غرفتك؟؟" قالت كايت بصوت شبه مصدوم فشعرت بتجمد جسد أختها التي ما أن سمعت الجملة حتى ابتعدت عن حضن شقيقتها وهي تقول: "عن أي دواء تتحدثين كايت؟؟ إنها مجرد حبوب لصداع الرأس" قالت ميلينا وهي تحاول أن تجعل صوتها طبيعياً وأن لا تثير شكوك أختها أكثر.ز"ميل... أنا لست بالغبية كما انك تعلمين إننيزطبيبة واستطيع بسهولة تفريق بين حبوب الميمانتين وحبوب الباندول فأخبريني ماذا تفعلزتلك الأدوية على درجك" قالت كايت بإصرار. "لا ادري... أكيد إنني خالطت بينها وبين حبوبزصداع... لا اعتقد أن هذا بالأمر الكبير سأغيرها فيما بعد" لم تصدق كايت كلمة ممازقالت أختها وتذكرت أنها اخفت شيئاً تحت الوسادة حين فاجأتها قبل قليل، "حسناً ربما أصدقك. .. إن أريتني ما تخفين تحت وسادتك" فتحت ميلينا فمها للاعتراض لكنزكايت قاطعتها قائلة بحزم وبدم انجليزي بارد:
"لا تنكري لقد رأتك ميلينا فإما أن تعطينني ما أخفيتي بهدوء أو إن صراخنا سيجلب المزيد من
الفضوليين مثلي". لا افهم لما كل هذا التحقيق كايت. .. أنت كالألم بالظهر... من فضلك اخرجي من
غرفتي" قالت ميل تتصنع الغضب بينما الخوف هو
كل ما يعتمر بداخلها. "ليس قبل أن اعلم ما تخفين ميل... أنت ترعبينني بتصرفاتك مؤخرا " قالت كايت وهي تمد يدها لأختها قائلة بإصرار.
"أعطيني ما تخفين ميلينا".
حين لم تتحرك ميل قامت كايت من مكانها وأبعدت الوسادة لتجد تحتها ورقة مطوية، استغربت في البداية لكل هذا العناد فقط من اجل إخفاء ورقت، لكن حين فتحتها جحظتزعينيها من الصدمة بينما تدلى فكها السفلي بذهول وهي تقرأ محتوى الورقة التي كانتزرسالة من ميلينا إليهم.
"أبي الحبيب أختي كايت اعلماً جيداً إنني أحببتكما كثيراً وما أردت أبداً الرحيل لكنني كنت مضطرة، فالرحيل عنكما أهون مليون مرة من رؤية عيونكما تبصرني بخيبة الأمل والأسى،زأنا أخطأت وكل مخطئ لابد أن يدفع الثمن وأنا دفعت الثمن عمري فارجوا أن يكون كافياً لتسامحاني.... المخطئة ميلينا". كانت الأحرف تتراقص أمام عيني كايت
الزرقاوين اللتين أغشيتا بالدموع رفعت عينيها
بصعوبة لتنظرولأختها بعدم تصديق: " كنت تنوين الانتحار ميلينا؟؟... لما؟؟...
لما ؟؟. ..". "لأنه الحل لجميع مشاكلي... لأنه الحل الوحيد المتبقي لي... أن أموت بكرامة" قالت ميل وهيزتضع يديها على وجهها وتجهش بالبكاء.
"أي حل هذا ميل... إنه كارثة، تقتلين نفسك لأسباب تافهة. .. إن الم تريدي الزواج فتكفيزكلمة لا منك لنلغي كل شيء، كنت اعتقدزإنك أذكى من أن تتصرفي بهذه الطريقة" .
"الأمر لا يتعلق بالزواج فقط كايت. .. الامر آسوء
من ذلك. .. لذا إن كنت فعلا تحبينني كما قلت
دائماً... لا تخبري أحداً ودعيني امضي في قراري
فأنا راضية بقدري مهما كان".
"اللعنة عليك وعلى قدرك... أتعتقدين إنني سأدعك تقتلين نفسك وأنا أقف ساكنه..
سألغي كل شيء الآن بدءاً بهذا الزفاف الملعون".
قالت كايت بعصبية وهي تتوجه ناحية الباب
لأنها قررت أن تخبر والدها بما يحدث لكن ميل
كانت أسرع منها فقد قامت من مكانها بسرعة
وركضت تقفل الباب قبل أن تتخطاه كايت قائلة
بصوت متوسل وسيول من الدموع تنزل من عينيها:
"أرجوك كايت. .. أتوسل إليك أختي... لا تفعلي ستدمرينني أكثر مما تعتقدين... كايت أنا غارقة في مصيبة اكبر.... زواجي هو فقط جزء منها".
تراجعت كايت للخلف وتوجهت ناحية أريكة
تقبع في وسط الغرفة دون أن تجلس عليها وقالت
وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها: "حسناً لن اخبر
أحداً عما سمعت أوقرأت. .. بشرط أن تنسي أنت
أيضا أمر الانتحار وتحدي أبي بأمر إلغاء زواجك".
"لا استطيع... لسنا في انجلترا كايت سمعة
والدي ستدمر... المجتمع اليوناني لا يرحم ووالدي تقليدي ولن استغرب إن أصيب بأزمة
قلبية... لا استطيع أن افعل به ذلك". "لا يهمني كل ما قلته بقدر ما تهمنيزحياتك. .. واعتقد أن والدي سيصمد أكثر ......لفسخ خطوبتك مما سيصبر لوفاتك فتوقفي عن المماطلة واذهبي لإخباره الآن" قالت كايت وعيونها تلمع بإصرار زاد من زرقتهما.
"كايت لقد اتخذت قراري... وأنا حرة إن اخترت
الموت" قالت ميل في محاولة أخيرة لإقناع أختها
رغم إنها تعلم أن محاولتها ستبوء بالفشل.
بعد سماع كايت لجملة أختها تحركت بسرعة
نحو الباب فتحته وهي تقول: "إذاً أنا حرة أيضاً في
إخبار والدي وفي منع أختي الوحيدة من قتل
نفسها لأتفه الأسباب" قالت كايت وصوتها
مبحوح ومتأثر بالدموع التي نزلت على وجنتيها
وألهبت عينيها. قبل أن تخطو خطوة واحدة لخارج الغرفة لتقوم بما اعتقدت انه الصواب صرخت ميل قائلة: "كايت... أنا حامل!"

استدارت كايت لمواجهة أختها وعينيها اتسعتا
بتلقيها صدمة اكبر مما كانت تتوقع شل عقلها وجسدها لثواني من كم المصائب التي نزلت
عليها مرة واحدة. أعادت ميل جملتها مرة ثانية وهي تنهار على السرير باكية: "أنا حامل كايت. .. أنا خاطئة. . لذا استحق الموت".
أقفلت كايت الباب واستندت عليه فقد فشلت
رجلاها في حملها أكثر من ذلك ووضعت يديها
على رأسها وهي تحاول أن تستوعب هذه الحقيقة
المرة التي ألقتها أختها كالقنبلة في وجهها وسؤال واحد يدور ويدور في رأسها " كيف
سنتخلص من هذه المصيبة؟؟".

💄💄 كذبة العمر 💄💄

ظلت كايت مستندة على الباب ويديها على
وجهها لأكثر من نصف ساعة لم تعد تدري ما تفعل أوتقول لإسكات بكاء أختها أوكيف تتصرف لحل المصيبة التي وقعت على رأسها، حاولت حث قدميها على حملها لكنها فشلت، نزلت دمعات كريستالية على وجنتيها اللتان شحبتا من هول ما قالته ميلينا ، أختها الصغيرة حامل بدون زواج يا إلهية ! ماذا تفعل الآن؟
كيف ستخبر والدها ؟ كيف ستوقف هدا الزواج ؟ لو كانت ميل امرأة انجليزية لكان.الأمر عادياً ولتقبلها المجتمع لكتها يونانية والمجتمع هنا لا يرحم، كما أن والدهما تقليدي وقد يقدم على قتلها لو علم "يا
للمصيبة... لما فعلت ذلك ميل.. لما"
حدثت كايت نفسها. "كايت. .. أرجوك تحدثي لا تبقي صامتة. . أرجوك" قالت ميل بصوتها الباكي.
"ماذا تريدين أن أقول ميل... لما؟ كيف؟ من؟
متى؟ كلها أسئلة لا تهم فهي لن تغير واقعك"
قالت كايت بمرارة وقد أبعدت يديها عن وجهها
أخيرا لتنظر لأختها بنظرة منكسرة مشبعة
الألم. "اعلم... لقد كنت غبية. .. ويجب أن أدفع ثمن
"ربما نعم لكن ليس بالطريقة التي تفكرين بها... فأنت لست وحدك الآن... يجب أن تتحملي مسؤولية طفلك القادم". "لا استطيع... وحتى لو أردت سيقتلني والدي ما أن يعلم الحقيقة... أفضل أن أغسل عاري بنفسي
لا أريد أن أرى نفس النظرة التي في عينيك في
عيني والدي، لن أتحمل.. أفضل الموت فهو ارحم"
قالت ميلينا وهي لا تتوقف عن البكاء للحظة
حتى أن عينيها ذبلتا من كثرة الدموع.

وقفت كايت من مكانها بصعوبة تجر أقدامها اللتان أصبحتا ثقيلتان عليها كما لو أنها تزن أطنان، جلست بالقرب من أختها وضمتها إليها لتواسيها فهي بأمس الحاجة إليها الآن، "أنا آسفة كايت. .. آسفة لكن رغبت برؤيتك مرة على الأقل قبل موتي... كما علمت انك
ستواسين والدي في صدمته بي" كانت ميل تتحدث وجسدها يهتز بين ذراعي أختها ، أخذت كايت تمسح بيدها على شعرها لتواسيها وهي تقول بصوت حاولت قدر إمكانها جعله هادئاً. "لا تقولي ذلك ميل أنت أختي الوحيدة وأنا لن اسمح بأن يصيبك أي مكروه.. لا يمكنني تركك تقتلين نفسك. .. سنجد حلا أخرا
غير الموت ".
"وهل تعتقدين أنني لم أفكر... لكنني لم أجد
أي حل. "لما لا تحدثين عريسك بالموضوع ربما يكون
متفهماً أكثر من والدي فعلى حسب ما سمعت من
والدتك هو شاب محترم وقد لا يكون تفكيره معقداً كوالدي" قالت كايت وهي تتمنى أن يكون ما تقوله صحيح حتى يقنع ميل. ابتعدت ميلينا عن ذراعي أختها ببطء وابتسمت بسخرية قائلة: "إذا علم نيكولاس أن عروسه غير عذراء وحامل
أيضاً سيفضحني... ولن يتوانى عن طردي ليلة
زفافي وجعلي عبرة. .. أنت لا تعلمين أنه متبجح
مغرور ترك كل نساءه وأعلن أنه لن يتزوج غير إمرأة تقليدية يكون أول من يعلمها الحب. ووالدي كان أكثر من سعيد ليخبره أنني هي المرأة التي يبحث عنها ".
"كيف رضيت بالزواج برجل كهذا ميللي...
وكيف يقوم والدي بعرضك له بهده الطريقة المهينة " قالت كايت غير مصدقة تصرف والدها.

"بالنسبة لوالدي نيك رجل لا يفوت. .. وأنا لم أستطع الاعتراض فلم أكن أعلم بحملي حينها" قالت ميل ودموع جديدة تتجمع في مقلتيها مهددة
بالنزول. "لا تقلقي سأساعدك. . لا أعلم كيف لكنني
سأجد حلا". بقيت كايت مع أختها لبعض الوقت قبل أن تقوم من جلستها وتتحرك ناحية الباب وقبل أن
تفتحه قالت بصوت متوسل: "توقفي عن البكاء ميل.. لا أريد سماع نحيبك الليلة... وأعدك أنه غدا لن تعلن خطوبتك على المدعو نيكولاس".
"ماذا تنوين أن تفعلي؟؟" قالت ميل بصوت يشوبيه
الخوف.."لا أعلم بعد لكن لا تقلقي مهما كان الأمر لن
أورطك" ..صمتت قليلا وفتحت الباب والتفتت لأختها وهي ترسم ابتسامة تشجيعية على شفتيها: "تصبحين على خير... كل شيء سيكون على ما يرام
غداً".

كان العشاء العائلي في بيت نيكولاس مرحا كالعادة فما بين شقاوة أولاد أخته سيلي ومرح زوجها اللامحدود هو وديه كان العشاء مثالياً خصوصا بغياب ماريا أخته العابسة ومثير المشاكل أخوه لوكاس، بعد شرب القهوة غادرت أخته سيلي هي وزوجها وولديها ، تبعهم ديم ليبقى نيك يتحدث إلى والديه كانت غالبية الحديث عن حفل الغد ، نظر نيكولاس إلى ساعته وقال بصدمة: "لقد تجاوزت الساعة الحادية عشر... لم أشعر بالوقت يمر.. يجب أن أذهب الآن لشقتي". "إبقى قليلاً بعد بني" قالت والدته التي تجلس بجانبه على الأريكة وهي تضع يدها على يده
كانت تدعى ليلى وقد سميت على اسم . جدتها
العربية الأصل، كانت ليلى سيدة بشوشة لها عينين سوداوان تشبهان عيني نيك وبشرتها سمراء نقية شعرها الأسود المصبوغ معقوف على شكل كعكة أنيقة خلف رأسها ، نحيلة وطويلة ترتدي ثوبا أسود يصل إلي أسفل ركبتيها يجلس بمقابلتها زوجها الذي يشبهه نيك من ناحية الشكل والاسم فقد كانت
العادة في عائلة كاتسورانيس أن يسمى الولد
البكر نيكولاس حفاظاً على هذا الإسم الذي
توارثته الأجيال، كان نيكولاس الأب ضخم الجثة طويل وقوي رغم كبر سنه عينيه سوداوان تلمعان بذكاء حاد وحاجبيه معقودين وقال بصوت عميق.
"أنت دائماً مشغول بالعمل... ارتح قليلاً خصوصاً
وأن غداً حفلتك. .. أنت لا ترتاح أبداً بني" .
"أنت تعلم متطلبات العمل جيدا أبي... لكن نزولا عند رغبتكما سأبقى قليلا بعد" صمت قليلاً قبل أن يقول باهتمام وكان سؤالأ مفاجئاً لوالديه فقد ألقاه نيك بدون مقدمات،
"هل ميلينا هي البنت الوحيدة لسيزار ديلاس؟".
ظهر الاستغراب على كل من والديه لهذا السؤال
سألته والدته بريبة قائلة : "لما هذا السؤال بني؟" كانت الأم خائفة أن يكون قد قرر استبدال ميلينا فالكل يعلم أنها ليست ذوقه المفضل في النساء، ورغم أنها تعلم أن ولدها لا يتراجع عن كلمته أبداً إلا أن طريقة سؤاله أثارت ريبتها.
"مجرد سؤال... لما كل هدا التوجس؟. .. فقط
سمعت احد أصدقائي يذكرأن فتاة انجليزية لها
نفس الاسم العائلي لاسم ميلينا فاستغربت الأمر"
قال كاذبا ليهدئ الخوف الذي ظهر جليا في عيني والديه. "آه... إنها كايت ابنة سيزار من زوجته
الانجليزية راشيل... إنها قصة طويلة" قالت
والدته وهي تهز كتفيها بدون اهتمام.
"وأنا لا زال لدي بعض الوقت لسماعها قبل مغادرتي" قال بإصرار حيل الاحظ عدم رغبة أي من والديه لذكر القصة، رمقته والدته بنظرة شك قبل أن تقول.
"كما ترغب بني... منذ سنوات عدة تزوج سيزار
من امرأة انجليزية.. راشيل. . كلنا استغربنا الأمر
خاصة وأننا نعرف أنه عصبي ومتزمت ولم نستغرب كثيراً حين علمنا فيما بعد ذلك أن زوجته هجرته وعادت لبلادها فهي لم تتحمل غيرته وحصره لتصرفاتها لكن بعد ذلك بسنوات علمنا أن السيدة الانجليزية رزقت بابنه وتزوجت من شخص آخر وعاشت ابنتها برفقتها ،
وقد حطم ذلك سيزار خصوصاً وأنه كان يحبها
كثيراً فقد كانت. ...".
"جميلة جداً كانت بشرتها بيضاء كالثلج وملامحها بريئة كما الملائكة" قاطعها نيكولاس الأب قائلا.
"أرى انك لازلت تتذكرها جيداً يا زوجي العزيز" قالت ليلى وهي تميل شفتيها بابتسامة ساخرة لكنها لم تستطع ردع زوجها الذي أراد اللعب بأعصابها أكثر قائلا، "ومن يستطيع نسيان تلك الملاك بقدها
الممشوق الذي كلما اهتز بحركة يجعل القلب
يكاد يخرج ركضاً من قفصه الصدري وابتسامتها التي تذيب القلوب وعينيها.. آه من عينيها".
"زرقاء لامعة كما مياه بحر ايجة تحت أشعة
شمس صيف باراديس" قال نيك وهو شبه شارد
فكما لو أن وصف والده استحضر أمامه صورة كايت وعينيها الغاضلتين اللتان تلمعان بنار زرقاء فقال ما قاله بدون شعور منه!.
"كيف علمت لون عينيها بني... حتى توصفهما
بهذا الشكل الحالم" قال والده بينما بريق ذكي يلمع في عينيه، الصدمة شلت عقل نيك لم يعد يدري ما يقول فقد فضحته كلماته لكن والدته أنقذت الموقف بقولها: "من وصفك الرائع يا زوجي العزيز" قالت ليلى
بصوت هادئ لكن غاضب.
"أنا إي" قال بصدمة مصطنعه "أنا كنت أصفك
أنت يا عزيزتي فقلبي وعيني لا يريان أجمل منك... ولو عدت للاختيار ألف مرة فلن أختار غيرك يا لؤلؤتي" قال الوالد وابتسامة ماكرة مرتسمة على شفتيه. "وهل يجدر بي تصديق ما قلته للتو يا عزيزي؟!" قالت ليلى وهي لا تزال متصنعة الغضب.
"يمكنني الإثبات يا عزيزتي" وغمز لها بطرف
عينه مما جعلها تحمر خجلا أمام ولدها الذي قال
مازحاً وحامداً ربه أن والديه انشغلا بنفسيهما ولم
يعلقا على قوله الأول.
"اعتقد أنني أقف كعذول هنا... لذا تصبحان
على خير". قام بسرعة متجهاً ناحية الباب قبل أن يستطيع أي من والديه الاعتراض فأخر ما يريده هو تفسير ما قاله منذ قليل.
"نيكولاس" سمع نيك نداء والده فالتفت إليه
قبل أن يخطو خطوة خارج الباب.
"لا تنسى أن من تبع الحوريات يغرق في بحر من
الظلومات" أومأ نيك برأسه وغادر وقد فهم جيداً
مقصد والده!!. لكن كيف يستطيع إبعاد خيال تلك الحورية من عقله، فكما لو أن عينيها ألقت بتعويذة على عقله وجعلته لا يفكر بغيرها ، ربما هو بريق
التحدي واللمعة الشيطانية في عينيها هي التي
سحرته، ريما لو استطاع إذلالها.. لو استطاع الانتقام لما فعلته به من مقالب.. لو استطاع إخماد تلك النار الزرقاء وجعلها مجرد بقايا رماد.. سيتمكن حينها أن يرتاح لكن كيف يفعل ذلك وهي بعد غد ستكون أخته
بالقانون، ابتسم بسخرية للفكرة.. أخته بالقانون اللعنة.. إنه يحلم بها منذ أيام بطريقة من المستحيل أن يفكر بها أخ بأخته ولو بعد مليون سنة.

ركب سيارته وانطلق بسرعة وطوال الطريق وهو
يلعن كايت لأنها سكنت عقله ويلعن نفسه لأنه اكتشف كم هو ضعيف أمام رغباته ولا يستطيع أن يسيطر عليها، كما لعن سيزار الذي قدم له ميلينا بدل ابنته الأخرى التي كان ليرضى بها حتى لو علم أنها كانت لرجل من قبله، عند هذه الفكرة أوقف سيارته بجدة
ونظر لنفسه في مرآة السيارة وهو يقول بعدم
تصديق: "اللعنة عليك يا نيكولاس كيف تتمنى شيئا
كهذا؟!. .. كيف... يا إلهي ارحمني وابعد ذلك
الشبح عني"

بعد عدة محاولات فاشلة للنوم رمت كايت الغطاء جانباً ونهضت من السرير وتوجهت ناحية الشرفة، كانت الليلة باردة وشعرت بنسمات الليل الباردة تجتاح جسدها الذي لا يستره غير رداء نوم خفيف أبيض اللون لتزيده برودة تناقض داخلها الذي يشتعل بنار حارقة مما أصاب أختها، منذ ساعتين تركت أختها بعد أن أعطتها شراباً مهدئاً ليساعدها على النوم وعادت هي لغرفتها حاولت النوم لكن التفكير في حل جعل النوم يهرب من أجفانها ، بحثت في السماء المرصعة بالنجوم عن نجمها المفضل سيروس انعكس
المعان النجم في عينيها المغرورقتين بالدموع
وقالت بصوت مبحوح.
"ساعدني يا سيروس... ألهمني الحل... ألهمني
الحل يا سيروس"زونزلت دمعات كريستالية على وجنتيها اللتان شحبتا بسبب البرد وضمت ذراعيها لصدرها تحاولزكبح الارتجاف الذي بدأ يغمرها:
"أين انت يا ديف: ... يا ليتك كنت معي لتساعدني وتوجهني". كان ديف هو سندها الوحيد في كل المشاكل التي واجهتها في حياتها كما كان هو بئر
أسرارها واليوم شعرت كايت أنها بأمس الحاجة
إليه فهو أقرب إليها من والديها معاً، وهو الوحيد
الذي يأخذ الأمور بعقلانية، فوالدتها درامية وتفكر دوما بالأمور السلبية قبل الإيجابية، أما والدها فهو من النوع الغير الواضح، فرغم أنه اثبت الليلة أنه يحبها ويرغب يها بقربه وبحبها لكن جانبه لا يسلم فقد ينقلب في لحظة ليصبح هو عدوها بدل سندها وقد اختبرت ذلك من قبل في أخر زيارة لها لأثينا.
بعد مدة ليست بقليلة عادت لداخل الغرفة فقد
أحست بأطرافها تكاد تتجمد من البرد ، لفت نفسها بغطاء وعقلها يدور ويدور تقلب قضية أختها من كل الجهات دون فائدة ولم تدري في أيزلحظة بالضبط من تفكيرها غلبها النوم واستسلمت لكوابيس كانت قد ظنت أنها تجاوزتها منذ زمن طويل.
استيقظت كايت على عدة أصوات قادمة من الأسفل ، كان البيت يعج بحركة غريبة، قامت من على سريرها واتجهت ناحية الشرفة ألقتزنظرة إلى الخارج وعلمت السبب، فسيارة تجهيزاتزالحفلات كانت مصفوفة في الجانب الخاصزبالسيارات في الحديقة والعمال ابتدئوا العملزبالتحضير لحفلة المساء مما أعاد لها التفكيرزفي خطوبة أختها وأنها للآن لم تجد حلا.
توجت للحمام بسرعة استحمت وارتدت ثوبا صيفياً باللون المشمشي يصل إلى ركبتها بسيطزالتصميم يضفي على بشرتها العاجية لمعاناً خلاباً، جمعت شعرها الأعلى وتركت بعضاً منزخصلاته الشديدة الشقرة منسابة حول وجهها ، نزلت للدور السفلي وعقلها لا يزال مشغولا بإيجاد حل منطقي وسريع لإيقاف هذا الزواج وبأقل خسائر ممكنة.

"آنستي. .." التفتت كايت إثر سماعها نداء إحدى
خادمات البيت والتي لم تكن تعرف اسمها كانت شابة سمراء في أوائل العشرينيات ترتدي الزي الرسمي للخدم تحمل بيدها حقيبة كايت التي كانت قد أوقعتها في المركز التجاري ، نقلت كايت عينيها ما بين الحقيبة والخادمة فقالت هذه الأخيرة.
"لقد أحضرها شخص قال أنها وقعت منك".
"آوه. .." قالت كايت وهي تمد يدها للامساك بالحقيبة وهي تستطرد "ألا زال ذلك الشخص هنا؟ أريد أن اشكره بنفسي".
"لا آنستي... لقد أعطاني الحقيبة وغادر....
والآن اعذريني يا آنستي" وغادرت باتجاه المطبخ.
قلبت كايت الحقيبة بين يديها ثم فتحتها لتجد أوراقها وهاتفها وكل ما تركته بداخلها قبل إيقاعها لكن رائحة رجوليت غريبة فاحت منهازدغدغت ذاكرتها ، استغربت أكثر حين وجدت حقيبتها النقدية ما تزال كما هي، أي شهم هذا الذي أوقع حظها الطيب حقيبتها في يده؟!.. اتجهت كايت ناحية المطبخ أخذت كاس قهوة سوداء بدون سكر حتى تستطيع التركيز جيداً في قضية أختها ثم توجهت للحديقة وهي تمر بكل رجال التجهيزات اللذين ينصبون خيمه الحفلات، أخذت هاتفها المحمول الذي هو هدية
من دايف تبحث في دليل الاتصالات إن اتصل بها
أحد البارحه بعد أن أوقعت هاتفها وجدت اتصالا
من دايف واتصالا آخر من رقم غريب تجاهلته
وأعادت الاتصال بدايف. .. مرت ثوان قبل أن
تسمع صوته الحنون المتلهف: ""كايت حبيبتي أهذه أنت؟.... "صباح الخير دايف. .. أرى انك قد اشتقت إلي" قالت بصوت حاولت قدر استطاعتها جعله مرحاً.
"أنا دائماً مشتاق لك يا ابنتي... اتصلت بك البارحة لكن اخبرني رجل انك قد أوقعت هاتفك فطلب مني العنوان ليعيده إليك" . "لقد أعاد حقيبتي كاملة صباح اليوم واختفىزحتى قبل أن اشكره بنفسي" صمتت قليلا قبل أنزتقول: "أنا محظوظة فعلا لأن حقيبتي وقعت بينزيدي رجل شهم مثله".
"أنت محقة. .. دعينا الآن من هذا الموضوع. .
أخبريني كيف تجري أمورك وسط عائلتك الثانية؟".
"آه دايف..، كلما اعتقدت أن الأمور أصبحت أفضل... تأتي مصيبة لتطيح بكل ما حاولت الوصول إليه. .. لا ادري حقاً ما افعل أو كيف أتصرف... أكاد اجن... احتاجك فعلا بجانبي احتاج لنصائحك ومساندتك".
"كايت حبيبتي. .. أنا دائماً إلى جانبك. . رغم
المسافت إن احتجتني آتي وأخذك من هناك...." قال دايف بصوت أبوي دافئ.
"لا... ليس الآن على الأقل... فقط أنا. .." صمتت
قليلا تفكرإ ذا كان من الجيد أن تخبره الحقيقة لكنها تراجعت في أخر لحظة، لا يمكنها أن تفضح أختها خصوصاً وأنها وعدتها بذلك.
"أنت ماذا كايت؟.... اخبريني هل أساء إليك
والدك؟" سألها بتوجس. "لا أبداً بل هو يحاول قدر إمكانه تحسين علاقتنا فقط هو اشتياقي لكم هو ما جعلني أتفوه بالتفاهات. .. لا تشغل بالك بي" حاولت
جعل صوتها مرحاً قدر الإمكان.
رغم أن دايف لم يصدقها إلا انه لم يضغط عليها
يوماً لمعرفة ما يدور في خلدها بل كان يثق بها
وبقدرتها على التعامل مع الأمور وإذا لم تجد حلا
فهي بالنهاية ستلجأ إليه. إنها تربية يديه وهو متأكد من رجاحة عقلها. "حسناً إذا كان هناك أي أمر يزعجك وتريدين التحدث عنه اتصلي بي... والآن والدتك تريد التحدث إليك إنها بجانبي الآن" قال ذلك حتى
يؤكد لكايت أن والدتها لم تسمع جملتها الأولى
وليحذرها حتى لا تتفوه بكلمة أخرى عن انزعاجها في بيت والدها ، فراشيل تعشق ابنتها بهستيرية وإن علمت أنها غير مرتاحة ستستقل أول طائرة لتهين كل من بالمنزل ولتأخذ ابنتها وتغادرة.
"حبيبتي هل أنت بخير؟؟" جاء صوت أمها الحنون
متلهفاً دافئاً يحمل بين طياته حباً يكفي العالم أجمع جعل عيني كايت تلمعان بيريق الدموع، آه كم تشتاق إليها وإلى حضنها الحنون.
"أنا بخير ماما اشتقت إليك كثيراً" قالت كايت
بصوت طبيعي لا يعكس قدر اشتياقها الحقيقي حتى لا تحزن والدتها التي بدت منزعجة أصلا بغياب ابنتها. "حقاً.. إذاً لما لا تتصلين بي أبداً قالت راشيل
بعتاب "أنت لا تدرين مدى قلقي عليك خصوصاً
بعد أن ضاع هاتفك". "آسفة حقاً ماما. .. كنت مشغولة بمساعدة ميلينا لتحضير حفلها... أنت تعلمين متطلبات الزفاف من فستان وملابس الإشبينات والزهور... كلها أمور متعبة وميل لا تستطيع التكفل بذلك بمفردها" ابتسمت كايت سخرية من نفسها لم
تكن تعرف الكذب قبلا أما الآن فهو ينساب من
بين شفتيها بسهولة كما لو إنها اعتادت فعل
ذلك دائماً.ز"حسناً عزيزتي... المهم أن تكوني مستمتعة "أنا كذلك حقاً ماما" قالت كايت كاذبة مرة
أخرى وضميرها يؤنبها فهي تعلم أن والدتها ستستمر بسؤالها وهي بالطبع ستكذب في كل إجابة لذا سبقت سؤال والدتها التالي قائلة: "دعينا مني الآن. ... اخبريني كيف العرس كارل؟" كانت تعلم كايت أن ما من شيء يلهي والدتها عن دور شارلوك هولمز غير الحديث عن عرس كارل ابن خالها.
"آه. .. لا تقولي إني لم أخبرك بعدا" قالت
والدتها بغير تصديق. "أنت لم تخبريني شيئاً بعد أمي... ومن نبرة صوتك يبدو الأمر مثيرا.. أخبريني" قالت كايت وهي تبتسم وهي تتخيل ملامح والدتها
الآن التي لا شك ستكون شفتيها متسعتان بابتسامة رائعة وعينيها تلمعان بخبث فلا شيء يعجبها أكثر من الثرثرة حول الأعراس وانتقادهم.

"لم يكن هنالك عرس يا عزيزتي" وضحكت
راشيل قليلاً قبل أن تقول: "أخيراً استطاع احد
لكم كارل فى معدته هههه". "غير معقول اخبريني من البداية ما الذي حدث؟" قالت كايت بفضول.
"حسناً يا عزيزتي كنا في الكنيسة وكانت كل الأمور على ما يرام وفي اللحظة التي كاد يعلنهما القس زوجاً وزوجة دخلت فتاة الكنيسة صارخة وهي تقول إنها حامل من كارل وانه تخلى عنها ويرفض الاعتراف بجنينها فوقف والد العروس للاستفسار عن الأمر فلم يستطع كارل الانكار خصوصاً وان الفتاة معها صور لهما معاً وبتواريخ قريبة أي بعد خطوبته لجينا التي بدأت تبكي... حقيقة أشفقت . عليها إنها بريئة جداً وكارل نذل كبير، كانت جينا تهم بالخروج من الكنيسة فحاول كارل إيقافها لكن أخوها جاك فاجأه بلكمة في معدته حتى جحظت عيناه" وأخذت راشيل تضحك حتى أدمعت عيناها وهي تتذكر الموقف: "كان مضحكاً ومسلياً للغاية أخيراً وجد من
يحطم غروره ويعرفه قدره الحقيقي".
"فعلا موقف رائع أتمنى أن تكوني قد سجلته على شريط فيديو" قالت كايت ضاحكة."بالطبع فعلت ولولا خوفي من غضب أخي لكنت بعته لبرنامج الفيديوهات الظريفة".
ضحكت كايت على تعليق والدتها وضحكت
أكثر لشماتة أمها بابن أخيها هي تعرف أن كارل
نذل وهو تقريبا يعاشر أي شيء يتحرك ويستحق
فعلاً ما وقع له فكم من فتاة مسكينة كانت ضحية لخداعه وأكاذيبه وفي الأخر أراد الزواج بجينا الغنية التي أكملت الثامنة عشر الشهر الماضي فقط وكل هذا لكي لا تكون قد عرفت غيره ولكي يستولي على نصيبها في شركة والدها التي ورثتها عن أمها ، يا له من مجنون أناني!.
فعلا يستحق أن يهجر بتلك الطريقة...
وبطريقة ما وجدت أن زوج أختها المستقبلي نسخة يونانية عن كارل ويستحق فعلا عقاباً مثله ومرت ببالها فكرة مجنونة لكن صوت والدتها قاطعها قائلا:
"عزيزتي ألا زلت معي على الخط؟" .
"اجل ماما... أنا معك لكن ليس لمدة طويلة لدي الكثير من الأعمال لأقوم بها فاليوم حفل الخطوبة الرسمي والعشاء التمهيدي". "حسناً عزيزتي.. استمتعي بوقتك ولا تقعي فيظحب أي منهم فأنت تعلمين..." قالت والدتها بخفةزمازحة لكن صوتها به نبرة تقول لقد حذرتك.ز"سأحاول ماما فأنت تعلمين لليونانيين سحر خاص" قالت كايت ضاحكة.
"ولكن للانجليز حب أبدي يا عزيزتي وفتنة تسلب الألباب" قالت راشيل وهي تغمز بطرف عينها دايف الذي عاد للوقوف بجانبها بعد أنظأحضر له كأس عصير من المطبخ. "أعتقد أن دايف يستمع إلى كلامك الآن... دوماً تضربين عصفورين بحجر واحد... كم أنت
ماكرة أمي" رنت ضحكة والدتها الفاتنة في أذنها وأطربتها وقد أزاحت قدراً من الحزن عن قلبها لكن ليس لمدة طويلة. ودعت والدتها واتجهت ناحية غرفتها وهي لا تزالزتفكر في الخطة الجنونية التي طرأت على بالها ، دخلت غرفتها وأقفلت الباب ثم ارتمت علىزالسرير وعلقت عينيها بالسقف وهي تقلب الخطةزمن كل الجوانب، حسناً ستكون هناك أضرار
كثيرة خصوصاً لها وربما ستفقد علاقتها بوالدها نهائياً لكن لا يوجد حل أخر، وهي وعدت ميل بالمساعدة.
ظلت لنصف ساعة على تلك الحال وهي في صراع مع نفسها بين القيام بتلك الخطوة أوظالانتظار لكنها في الأخر قررت أن ما تفكر به ضرب من الجنون والأسلم أن تجذب خطيب أختها بعيداً عن الأنظار وأن تحدثه بلباقة قائلة أن ميل لا تحبه أو أنها تفكر بشخص آخر كزوج لها ، أي شيء إلا ذكر قضية حمل أختها وتتفقزمعه على إنهاء هذا الزواج بطريقة سلمية دونظإثارة فضيحة فرغم ما قالته عنه ميلينا من انه مغرور ومتبجح إلا أنها متيقنة بأنه لن يرغب في الزواج بفتاة لا تهواه ولن يرغب في إثارة فضيحةظحول ذلك، قامت من مكانها وهي تهنئ نفسهازعلى حكمتها وقررت الخروج لملاقاة ميل
والحديث معها قليلا ولطمأنتها كذلك. كانت الساعة تشير للتاسعة ليلا وقد بدأ أولظفوج من الضيوف بالدخول وكانت الموسيقىظالرومانسية تصدح في أرجاء الحديقة، وقفت كايت في شرفة غرفتها عينيها معلقتان بسيروسظكما لو أنها تطلب منه الدعم المعنوي لما ستقومظبه ففكرة إقناع خطيب أختها بفسخ الخطوبةظباتت غير مقنعة لها هي شخصياً لكن لا يوجد حل أخر.

كانت متألقة الليلة على غير عادتها بثوب أزرق غامق من الموسلين بحمالتين رقيقتين ضيق من جهة الصدر والخصر وواسع لجهة الأسفل يبلغ طوله حد الركبة ليبرز روعة ساقيها المرمريتين الممتلئتين قليلا وقدميها اللتان زينتا بصندل أسود لامع، أظهر اللون الأزرق للثوب روعة بشرتها البيضاء الثلجية كما زاد لون عينيها تألق خصوصاً وأن شعرها مرفوع لأعلى على شكل شينيون وخصلات قليلة منه فقط تساقط لتزين وجهها كانت لا تزال شاردة في لمعان سيروس حين قاطعها رنين هاتفها كان الرقم الغريب مرة أخرى هو المتصل، أجابت بنفاذ صبر: "الو... الو... اسمع يا هذا إن كنت لا تريد التحدث فلا تتصل بي مرة أخرى" وقطعت الخط وهي تزفر بقوة، إن هذا الرقم سيجننها منذ الصباح وهو يتصل وحين ترد لا تجد غير الصمت جواباً لها، تنفست بعمق فهي تحتاج ذرة تركيز لإقناع نيكولاس كاتسورانيس ولا يمكنها أن تسمح لرقم معاكس بتشتيت انتباهها وتعصيبها قبل القيام بمهمتها ، تحركتزبسرعة ناحية غرفة ميلينا لتلقي عليها نظرةظقبل أن تنزل للقاعة وتختلط بالناس بحثاً عن فرصة للحديث مع خطيب أختها.
كان نيك لا يزال يحجز نفسه في غرفة تبديل
الملابس بشقته الفاخرة مرتديا بذلته التوكسيدو السوداء المفصلة خصيصا له تظهرظعرض كتفيه وطول قامته ورشاقتها أرجع خصلات شعره السوداء الكثيفة للخلف ثم عدل ربطة عنقه على شكل الفراشة، وقف أمام المرآة وهو ينظر إلى نفسه بتمعن.
كان كاملا من جميع النواحي ووسيماً بشكل يغر النفس ثرياً إلى حد التخمة وهو على وشك أن يخطب الزوجة المناسبة التي ستكون الشريك المثالية لحياته، إذاً لما يشعر بهذا الفراغ؟ لما؟. .. نظر إلى عينيه في المرآة كان بريقاً غريباً عنه يمر بهما وإحساساً أغرب ينبضزبداخله ، إحساساً بالفراغ والوحدة، زفر بقوة لعله يخرج كل الضيق الذي يكتم أنفاسه ولكنزبدون فائدة.نظر إلى ساعته.. إنها التاسعة يجب أن يكون الآن بالحفلة، أخذ هاتفه المحمول من على الطاولة نظر إلى أخر رقم طلبه رقم الساحرة زرقاء العينين التي قلبت مزاجه كما تجاوز رغبته بتلك المرأة لكن بدون جدوى، هو يعلم علم اليقين أنه لو تمكن منها... لو أخذ ما تشتهيه نفسه لما فكر فيها أكثر من يومين.. لكن كونها أخت زوجته
المستقبلية فهي كالفاكهة المحرمة يزداد رغبة بها إلى أن يقع في الخطيئة.كان على وشك الخروج من الشقة حين رن هاتفه كان المتصل المسؤول الأمني عن إحدى شركاته .
"ما الأمر... لما تتصل بي في هذا الوقت؟" قال
نيكولاس باقتضاب. "سيدي لقد حاول شخص حرق مكتبك". "ماذا قلت؟ أين ذلك الشخص الآن لا تقل أنه
هرب منكم". "لا... لقد أمسكنا به وفضلنا إبلاغك أولا قبل الشرطة". "لا تتصلوا بالشرطة سأكون عندكم بعد عشر دقائق" قال أمراً ثم اقفل الخط.
إنها المرة الثانية التي يحاول فيها هذا الغريب حرق أحد أملاكه وهو لن ينتظر إلى أن ينجح في المرة القادمة، اتصل بوالده: مرحباً أبي.
"مرحبا بني... أين أنت؟ الكل يتساءل عن مكانك" قال والده باستياء واضح. "اعذرني لكنني سأتأخر قليلا... فإذا كان بالإمكان أن تعلن عن خطوبتي بنفسك" قال
نيك بسرعة وهو ينزل على الدرج فقد كان المصعد مشغول.
"أجننت نيك...." صرخ والده ثم خفض صوته حتى لا يجذب الأنظار"لا يمكنني فعل ذلك يجب أن تكون هنا خلال نصف ساعة على الأكثر" قال والده بلهجة آمرة تدل على استيائه "حقاً لا أستطيع أبي... هناك أمر مهم . علي القيام به. ... عليك أنت أن تعلن خطوبتي
لميلينا وأظن أن هذا أمر عادي خصوصاً وأن زواجنا
بعد غد والكل يعلم بنيتنا لهذه الليلة كما إنني خطبتها من والدها قبلا وما الليلة إلا حفلة شكلية وعشاء تمهيدي". "لا يوجد أمر أهم من زواجك وانس العمل ولو قليلا يا رجل.... اسمع نيك. ...." قال الوالد
بغضب . "آسف أبي عليك الاهتمام بالأمر" قال نيك
قاطعاً كلام والده وأقفل الخط وارتمى داخل مقعد سيارته وقاد بسرعة مخلفاً إعصاراً وراءه. كانت كايت تسير في أرجاء الحديقة تبحث عن أي شخص بمواصفات العريس التي وصفتها لها أختها لكن دون جدوى، ألم يكن أسهل لو كانت أختها تحتفظ بصورة لخطيبها المزعوم كما بقية العالم ، قضت ساعة كاملة في البحث عن رجل أسمر يبلغ طوله المائة وتسعين
سنتمتراً فاتنا بشكل لا يصدق لكنها لم تجد هذه المواصفات في أي من الرجال الموجودين.اللذين كان أغلبيتهم ينظرون إليها بإعجاب. نظرت باتجاه والدها والرجل الذي بجانبه كان الرجل الوحيد الذي تنطبق عليه مواصفات ميلينا لكن المشكلة هي أنه كبير في السن، لمحت كايت نظرة أسى على وجه والدها أظهرته أكبر من سنه بعشر سنين فتوجهت ناحيته لتطمئن.عليه وقبل أن تصل إليه سمعته يقول للرجل:
"لا عليك إن لم يظهر نيكولاس بعد نصف.ساعة ستعلن أنا وأنت الخطوبة، أما بالنسبة للخواتم فيستطيع نيك إلباسها لميلينا فهو قادم لا محالة ما رأيك؟" قال سيزار بهدوء ونظرة حزينة مرت بعينيه لم تلمحها إلا كايت التي أخذت تسب في نفسها ذاك المدعو نيكولاس فهو بعدم ظهوره يستخف بميلينا وعائلتها ويحقر من شأنهم أمام المجتمع المخملي في اليونان. "اعذرنا حقاً سيزار. ... أنت تعلم أهمية العمل
بالنسبة لنيك... وأنا متأكد أنه سينهي عمله بسرعة ويعلن خطوبته بنفسه" قال والد نيك بأسف بسبب الموقف السيئ الذي أوقعه فيه ابنه.
"أبي هل كل شيء على ما يرام؟" اقتربت كايت
من والدها وهي تدعي عدم سماع حوارهما منذ
قليل وتتوعد نيكولاس في داخلها بسبب المذلة
التي أوقع والدها بها. "بالطبع عزيزتي... لما لا تطلبين من أختك تجهيز نفسها للنزول" قال سيزار محاولا قدر إمكانه إخفاء حزنه لكن عينيه فضحتا كل ما
يعتمل بداخله. أومأت كايت برأسها موافقة فهي لا تريد أن تزيد من كريه وابتعدت فهي كذلك بحاجة
التفكيرزبخطة بديلة لإيقاف إعلان الزواج فعلى
ما يبدو أن عريس الغفلة لن يحضر وبالتالي لن
تستطيع هي إقناعه بإيقاف هذه المهزلة ووالدها
يبدو مقتنعاً بهذا العريس لدرجة انه سيعلن عن
الخطوبة حتى لو لم يظهر. كانت لا تزال تفكر يحل وهي متجهة لغرفة أختها... دقت الباب ففتحت لها ميل بسرعة وفيظعينيها نظرة تساؤل مختلطة بالأمل سرعان ماظاختفى بعد أن أجابتها كايت بخيبة،
"لم يظهر بعد... وسمعت والدي يقول انه ووالده
سيعلنان عن خطوبتكما إن لم يظهر بعد نصف
ساعة" "آه... يا إلهي" قالت ميلينا وهي تنهار على سريرها وقد زاد ثوبها الوردي من إبداء شحوبها بينما
أخذت تولول كما العجائز.ز"ما العمل الآن؟؟ كيف ستوقف هذا الزواج؟؟...زيا ليتك تركتني أنتحر، يا
ليتك..." قالت ميل وهي تعود لنوبة بكاء فسالت الزينة والماسكارا مخلقتين خطوطاً على خديها.
اقتربت منها كايت تمسح لها دموعها قائلةظ"لا تبكي لقد وعدتك وأنا لن أتخلى عنك"ظصمتت قليلاً وهي تعاودها فكرتها المجنونة ثم استطردت: "اسمعيني ميل.. أعيدي ترتيب نفسك وانزلي بعد ربع ساعة ومهما قلت تصرفي علىظأساس أنك لا تعلمين شيئاً".
"ماذا تنوين أن تفعلي؟؟" قالت ميل بصوت باك.
"لا تقلقي علي.. المهم أن تسايريني... بل أعتقد
انك ستفعلين حتى لو لم تريدي ذلك" وقبلت كايت وجنة أختها وتحركت خارجاً بينما ظلت ميلينا فاغرة فمها وهي لا تعلم حقاً ما الذي تنويزفعله كايت لكن بريق الإصرار الذي رأته في عينيها أرعبها وأنبأها بقدوم عاصفة هوجاء. تحركت كايت بسرعة ناحية الدرج وكلهازنية بالإقدام على خطتها الجنونية، حسناً
بالنسبة لها على الأقل لن يكون الضرر بالغاً فهي
ستفقد حب والدها الذي لم يكن لها يوماً والذي لم تعرف معناه إلا منذ أربع وعشرين ساعةظوستنسى أن لها بلداً اسمه اليونان، لقد اعتادتزفعل ذلك من سنين ربما كانت أمانيها بالنسبة لهذه الرحلة شيئاً آخر غير الذي ستقدم عليه الآن لكن من اجل ميلينا فهي مستعدة للتضحية بالغالي والرخيص وهي أكثر استعداداً لقول أكبر كذبة في حياتها وهي , كذبة العمر.

💄💄 زواج بالإكراه 💄💄

كان نيك يقود سيارته كما لو أن شياطين الجحيم تطارده ونظرة شيطانية غاضبة مرسومة على وجهه تدل على مدى غضبه الحقيقي فبوصوله إلى مقر شركته وجد رئيس القسم الأمني يرتجف أمام الباب خوفاً من مقابلته وبإلقائه نظرة واحدة على وجهه
علم ما يريد قوله حتى قبل أن يتفوه به، لقد هرب المعتدي وهذه ليست المرة الأولى التي يهرب فيها قبل أن يلقى القبض عليه. "كيف استطاع الهرب منكم؟.... ألستم من أكفأ رجال الأمن في البلاد أم إنني مخطئ؟" كان صوت نيك هادئاً لكنه يشبه هدوء ما قبل العاصفة وهو يتجه نحو مكتبه حيث
تجمهر حوله رجال الأمن.."لقد حاصرناه بغرفة في الأسفل واتصلت أنا بك لإعلامك وأقسم سيدي أننا لم نغفل عنه للحظة وحين فتحنا الغرفة للامساك به كان
كما لو انه قنبلة انفجرت فينا فقد أردانا أرضاً وخرج هارباً دون أن نستطيع اللحاق به" كان الرجل يتحدث بصعوبة وهو يضع يده على فكه المتورم.
"أغبياء؟" قال نيك وهو يضرب بيديه على الطاولة واقفاً "لا أريد أن أرى أي منكم بعد الآنزفي شركتي، كلكم مطرودين... رجل واحد يحطمكم جميعاً ويشر هارباً بعد أن كاد يحرق المبنى بأجمعه. .. أي نوع من الحراس أنتم؟!... أي مجموعة من الحمقى وظفت لحماية أموالي وشركاتي قال نيك مزمجراً بينما أحنى الرجال رؤوسهم وهم يتقبلون من الإهانات دون أن يقول أي منهم كلمة.
"أغربوا عن وجهي قبل أن أقدم على جريمة" قال
وهو يعطيهم ظهره فشكلهم الغبي كان يزيد من
غضبه ويفقده السيطرة على نفسه، أخرج هاتفه
من جيبه اتصل برئيس الشرطة في أثينا وهوظصديق مقرب له أخبره عن المشكلة وأنه يحتاج
إلى من يحرس مبناه حتى يتدبر أمر توظيف أشخاص مناسبين أكثر لحماية أملاكه.
رن هاتفه المحمول كان والده هو المتصل زفر نيك بقوة فهو يعلم أنه سيستمع إلى انتقادات هو في غنى عنها خصوصاً في هذه اللحظة حيث يشعر بأن شرايينه تكاد تنفجر بسبب قوة ضغط دمه، أجاب بصوت حنق، "نعم أبي.
"أين أنت؟؟. ... الناس يتساءلون عن مكانك
والبعض منهم بدأ بالفعل بإطلاق الشائعات حول
تخلي عن العروس." قال نيك الأب بصوت غاضب فقد سمع إحدى المدعوات تقول أنه ربما نيك جبن في آخر لحظة ومن يلومه فالغبي وحده يتخلى عن عشيقة كفيرونكا ليتزوج بساذجة كميلينا.
"أنا في الطريق أبي... سأصل خلال لحظات وأعلن
الخبر بنفسي فلا تقلق" قال نيك بحنق وهو يقفل الخط ويراجع نفسه إن كان ما يفعله هو الصواب فهو يشعر بالاختناق قبل الزواج، فكيف سيكون الحال بعده وللمرة الأولى منذ خطب ميلينا يتساءل إن كان زواجه منها سينجح أو أنهظفقط يلقي بنفسه للجحيم. سعد الأب نيكولاس بعد سماعه لجملة ابنه
الأخيرة وكان أول ما فعله هو أن أسرع الخطى
باتجاه سيزار الذي بدا وكأن كل هموم الدنيا
نزلت على راسه مرة واحدة. "إنه قادم.. لحظات ويكون هنا" قال نيك الأب بصوت تعمه الفرحة في حين رفع سيزار رأسه وقد أنارت وجهه ابتسامه أصغرته عشر سنين وقد زال كريه مرة واحدة فرغم انه لم يبدي أي اعتراض بسبب تأخر نيكولاس إلا أنه أحس بطعنة داخلية لكرامته وهيبته أمام مجتمعه.
"جيد جداً... سأطلب من تاليا أن تطلب من ميلينا
النزول الآن" وتحرك بسرعة ناحية زوجته وابتسامته تكاد تقسم وجهه نصفين. في مكان آخر من البيت كانت ميلينا تحت بغرفتها وهي تسير ذهاباً وإياباً رغم أن ثوبها الطويل يعرقل حركتها وعقلها لا يتوقف
عن التفكير بما قالته أختها منذ قليل، أي خطة جنونية ستقوم بها كايت لحمايتها ؟ لما لم تخبرها عنها من قبل؟ أعدت نفسها جيداً لأي موقف كما قالت كايت وأعادت ترتيب نفسها حتى تظهر كعروس سعيدة رغم أن عينيها تفضحان حزنها.
أخذت تبتهل إلى الله أن يساعدها هي وأختها
لاجتياز هذه المحنة وأخذت تعد في سرها بأنها
ستقوم بأي شيء فقط ليسامحها الرب على خطيئتها ويساعد كايت حتى لا تقع في مصيبة نزلت كايت بسرعة على الدرج وتحركت ناحية المطبخ فالباب الخلفي أقرب إلى مكان الاحتفال في الحديقة كانت على وشك تجاوز الباب حين اصطدمت بجدار جعلها تشك أنها ربما لم تفتح الباب الزجاجي الخارجي تراجعت خطوات للخلف وكادت تسقط لولا ذراعين أحاطتا بخصرها أوقفتا سقوطها ، حينها فقط علمت أنها اصطدمت بشخص ما وليس بالباب، رفعت عينيها لتتشكر له وكان أول ما لمحته هو قوة صدره وعرض
منكبيه المميزين، أكملت عينيها طريقهما نحو وجهه وكانت الصدمة التي لم تكن لتتوقعها أبداً

"أنت!! ... ماذا تفعل هنا؟؟" قالت بصوت مصدوم
وقد كبحت خوفها هذه المرة قبل ينقلب جسدها لقنبلة من الأدرينالين وتركض لمئات الأمتار .
صدم هو الأخر للقائها بهذه الطريقة كان يعلم أنه سيقابلها بالحفلة لكنه لم يتوقع أن يصطدم بها وأنه سيقربها منه لهذه الدرجة، كان شعوراً غريباً عنه يجتاحه وهي بين ذراعيه، إحساساً جديداً خليطاً من السعادة والبؤس الرغبة والرفض، إحساساً حلواً لكن مراً في نفس الوقت مجموعة من التناقضات وقد اختلطت بكأس واحد تجرعه ما أن اصطدم جسدها الرقيق بقوة صدره، رفع عينيه إلى وجهها وإلتقت عينيه السوداوتان بعينيها الزرقاء كما السماء الصافية.
شعرت كايت بالرجفة ما أن التقت عيناهما فهو له عينين سوداوان كالفحم لكن بهما بريق غريب سلب روحها وجعلها تذهل وقد علقت الجملة التي كانت تريد قولها بحلقها ، ظلت لدقيقة جامدة وهي مسحورة مسلوبة العقل والإرادة إلى أن حررها أخيرا من سحر عينيه، وأخذ يتأمل بقية وجهها واحمر وجهها خجلا حين وقفت عينيه لمدة على شفتيها الورديتين، أثاره خجلها فنادراً ما رأى امرأة بمثل صفاتها وجمالها تخجل بهذه الطريقة أم هي يا ترى إحدى ألاعيبها حتى توقع فريستها؟؟.
لم يفكر طويلا واستولت عليه الرغبة في تقريبها وتقبيلها كان على مسافة سنتيمتر من شفتيها حين عادت وعيها فجأة ودفعته بعيداً مكسرة بذلك سحر اللحظة ففي اللحظة التي أوشك فيها على تقبيلها سمعت صوت والدها يصدح في كل أرجاء الحديقة مرحبا بالناس، فتذكرت أختها ووعدها لها ، كيف نسيت كل هذا ما أن علقت عينيها بعين هذا الغريب؟؟ أي شعور هذا الذي؟ يجتاحها فمرة يثير خوفها لحد الجنون والآن أثار في نفسها رغبة ظنت أنها ميتة بداخلها.
"لما تلاحقني؟... إن كنت تبحث عن اعتذار فأنا
آسفة لما فعلته بك في المطار، رغم أن ذلك كان بسببك نوعاً ما لكن ليس لدي وقت لمناقشتك. ... آسفة جداً تقبل اعتذاري وعش حياتك" .
كانت تتحدث بسرعة حتى إنها شكت أنه فهم
شيئاً. نظرت إليه يرتدي ملابس سهرة شبه مجعدة
وربطة عنقه قد سلت من مكانها ، سترته واقعة
على الأرض بسبب ارتطامها به، ورغم ذلك بدا
جذاباً بشكل مذهل.. تجاوزته بسرعة وتحركت
ناحية الحديقة بينما ظل هو مصدوماً لبعض
الوقت من نفسه. هل كان حقا على وشك تقبيلها هنا في منزل خطيبته والأسوأ في وقت إعلان زواجه؟؟ ألم يعد لديه إي إرادة أوقوة لكبح نفسه ورغباته؟ ألم
يكن هو من اعتز دائماً بتحكمه في نفسه خصوصاً فيما يتعلق بصنف النساء؟ فقد كن يستعطفنه ليقيم معهن علاقة ثم يتركهن وهو لا يشعر بأي تأنيب أو وخز في مشاعره، والآن حين قرر أن يتزوج تظهر هذه المرأة من العدم لتسكن خياله وتحطم كل دفاعاته كما لو انه عقاب من السماء له بسبب ما فعله بالعديد من النساء في الماضي، انتبه انه وقف طويلاً في المطبخ في حين يجب أن يصلح من هندامه كما طلب منه والده منذ قليل ليعلن زواجه هو وخطيبته
سارت كايت في الحديقة وعينيها تدور في أرجاء
المكان لتعرف مكان والدها وتتمنى أن تصل في
الوقت المناسب حتى تنفرد به وتقول له عما
بنفسها ، وجدته أخيراً واقفاً مع مجموعة من الرجال والنساء كان يضحك ويبدو مسروراً، أسفت كايت لأنها ستكون السبب في زوال بسمته من على شفتيه اقتربت منه وضعت يدها على كتفه وقلبها يكاد يخرج ركضاً من صدرها وهي تقول: "أبي. .. أريد محادثتك بأمر..... التفت إليها سيزار وقال بابتسامة رائعة: "نتحدث فيما بعد عزيزتي... الآن دعيني أعرف على أصدقاء العائلة" . لم تستطع الرفض وأخذا ينتقلان من مجموعةزالأخرى ووالدها يقول لكل مجموعة على حدا وبفخر أنها ابنته، كان قوله ذلك بمثابة سكين تمزق قلبها وتزيد من عذاب ضميرها
وقبل أن ينتقلا لمجموعة أخرى قالت بإصرار وهي
تتراجع خطوة للخلف حتى تثير انتباهه.
"أبي أريد أن أكلمك بموضوع مهم. ... أرجوك
أبي انه أمر لا يحتمل التأخير".
"حسناً عزيزتي قولي ما الأمر؟؟" قال والدها وهو
يبتسم بحنان غريب شعرت به أول مرة. "أريد أن أحدثك على انفراد". كان يهم بأخذها إلى احد أركان الحديقة حيث يتكلمان بهدوء لكن لمحه لميلينا قادمة
برفقة والدتها جعله يغير رأيه ويقول: "عزيزتي نستطيع أن نتحدث بعد إعلان خطوبة أختك،
أنت تعلمين فهذا يومها ولا بأس أن تنتظرزقضيتك قليلاً من الوقت بعد" ريبت على وجنتها بلطف أبوي.

لكن أبي. .." حاولت الاعتراض لكنه أشارلها انه سيحدثها فيما بعد واتجه ناحية ميلينا ليمسك بيدها ويحركها ناحية مجموعة من النساء والرجال شكت أنهم عائلة نيكولاس، كان الوقت يمر بسرعة وهي لم تحرز أي تقدم في الانفراد بوالدها، نظرت إلى ساعة يدها الذهبية تكاد الساعة تبلغ الحادية عشر لا
شك أن والدها سيعلن في أية لحظة وميلينا في
كل مرة ترسل إليها إشارات من عينيها تطالبها
فيها بالتصرف، حاولت لمرة أخيرة مكالمة والدها، اقتربت منه وقالت بصوت منخفض: "اسمعني أبي... هناك أمر مهم أريد إخبارك إياه. ... أرجوك اسمعني".
لكن سيزار كما العادة كان مشغولاً جدا ليستمع إلى ما لديها وأشارلها بيده انه سيستمع إليها فيما بعد وهو يخطو باتجاه مجموعة من رجال الأعمال، كانت كايت تعلم جيداً أنه لم يعد هناك وقت فخلال دقائق سيعلنون عن خطوبة أختها للمدعو كاتسورانيس وهي لن تستطيع التصرف بعد ذلك، وفي غير وعي منها
صرخت بقوة وهي تودع والدها في نفسها وتشعر
بالأسى لدمار علاقتهما قبل حتى أن تبدأ،
"أبي أنا حامل....كما لو أن العالم كله قرر السكون في تلك اللحظة فقد توقفت الموسيقى عن العزف وتوقف الهرج ونظر إليها الكل باستغراب، ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تكمل: "أنا احمل طفل نيكولاس
كاتسورانيس". صدم الخبر الجميع بما فيهم ميلينا التي تعلمزأنها تكذب فقد ترقرقت عيناها بالدموع وهي تعلم فداحة ما قالته أختها الآن، كايت تضحي
بنفسها من اجلها هي وتتلقى اللوم بدلا منها لإيقاف هذا الزواج لكن كثيراً من الناس فسروا دموع ميلينا بالطريقة الخاطئة بمن فيهم والدتها التي قالت:
"هذا غير صحيح. .. أنت كاذبة".
"تمنيت لو كانت كذبة تاليا لكن ما أقوله هو الصحيح. ... أنا احمل طفل نيكولاس كاتسورانيس" قالت كايت وهي تحني رأسها كما لو إنها تشعر بالخجل من تصرفها. ظل جمهور من العيون ينظرون إليها كما لو أنها حيوان غريب بينما والدها نظر إليها بأبشعظطريقة يمكن أن تتصورها في حياتها ألا وهي
خيبة أمله بها، بينما بانت الصدمة جلية على
ملامح وجهه الذي كسته الهموم.سرت الهمهمة بين الجمهور المترقب كما تنتشر النار في الهشيم والتي أخذت تسبب صداعاً لكايت لكن صوتاً أوقف الهمهمة، صوت أثار رعبها حين قال مصدوماً.
"ما الذي تقولينه؟؟ أنت مجنونة؟؟!!" كان صوت
غاضباً ومألوفاً قادماً من خلفها. التفتت لتجد الرجل الغريب هو من تكلم وهو يخطو باتجاهها وما أن اقترب حتى امسك بذراعها وعينيه تقطران سماً أسود وقد استحال لون الفحم في عينيه إلى نار مشتعلة. "أخبريهم الحقيقة. ... هيا قولي.." كان بصوته إصرار ونبرة تهديد مدفونة.
استغربت موقفه وما يقوله وكانت على وشك أن
تهينه وتقول له: "ما شأنك يا هذا ، من أنت ولما
تتدخل بحياتي... كما لو انك تملكها اللعنة عليك.. دعني وشأني" لكن من حسن حظها تكلم هو أولا.
"أنا لم ألمسك يوماً فكيف تكونين حاملا
مني؟!". كانت جملته كما دلو ماء بارد صب . على رأسها فجأة، أهذا هو نيكولاس كاتسورانيس الغريب
الذي أثار فزعها ثم عاطفتها ؟؟ هو العريس المفروض على أختها ميلينا؟ كانت مفاجأة أكثر من أن تتحملها وما أنقذها من الجواب إلا سقوط ميلينا مغمياً عليها.
كانت ساعة الردهة تدق برتابة وتشير إلى منتصف الليل بينما صمت ثقيل خيم على كل من بالمنزل، تاليا وليلى جالستان على الأريكة البنية وتقومان بوضع قليل من العطر قرب انف ملينا التي باتت تستعيد وعيها بالتدريج، سيزار جالس على كرسي وقد فشلت قدماه في حمله من هول الصدمة بينما وقف بجواره نيكولاس الأب يرمق ابنه بنظرات ساخطة، نيكولاس
كان مستنداً على الحائط يراقب بعيني كالصقر كايت التي غطت الدموع عينيها ومنعتها من الرؤية بوضوح، كانت خائفة جداً على أختها ولم تستطع الاقتراب منها لأن تاليا تكلف ديم ابن عم نيكولاس بمساعدة المدعوين على مغادرة المنزل كما طلب من بقيةظالعائلة المغادرة وغادر هو برفقتهم ولم يبقى غير نيكولاس ووالديه مع سيزار وابنتيه وزوجته،
كان أول من كسر جو الصمت نيكولاس الأب حيث قال بصوت واثق "والآن بعد أن استفاقت ميلينا دعونا نجد حلاظلهذه المصيبة.
"أنا لا أريد أي حل يا سيدي... أنا سأغادر لـ..."
وقبل أن تتم جملتها تلقت صفعة قوية من سيزار
أردتها أرضاًلم تلمح أو تفهم في أي لحظة تحرك بالضبط كما الفهد المجروح ليصفعها بهذه القوة، وضعت يدها على خدها وقد أغمت سحابة جديدة من الدموع سماء عينيها والتفتت في تلك اللحظة باتجاه أختها ميلينا فوجدتها واضعة هي الأخرى يدها على خدها كما لو إنها هي من تلقت تلك الصفعة.
كما لاحظت ارتجاف شفتيها وخوفها الجلي الواضح في عينيها الدامعتين، تنفست كايت بعمق وتسلحت بالقوة التي نبعت من رؤيتها للحزن في عيني أختها ونظرت لوالدها وقالت بصوت ساخر
"أهذا كل ما لديك؟... هل شعرت أنك أفضل
بعد صفعي؟" .ظ"لا لكنني سأفعل بعد أن أقتلك وأقتل عارك أيتها الفاجرة!!" قال وهو يتجه ناحية مكتبهزويخرج سلاحه من درج المكتب وعاد في لمح
البصر يشهر مسدسه في وجهها لكنها لمزتتحرك أو تتأثر وهو أمر أثار استغرابها هي قبل الموجودين حولها اللذين دب الرعب في قلوبهم خصوصاً تاليا التي صرخت بقوة: توقف عن هذا الجنون سيزار. ... سنجد حلازللمشكلة فلا تتهور" كان والد نيكولاس قد
تحرك بسرعة وامسك بيد سيزار يحاول منعه عن ارتكاب حماقة قد يندم عليها بقية عمره.
بينما ظل نيكولاس مشدوهاً أمام المشهد الذي يراه أمامه وهو لم يصدق للآن إنها قد ادعت الحمل منها كان يقف مبتسماً بتكاف ويحاول إبداء السعادة وبيده كأس مشروب وضعه على شفتيه وأخذ جرعة في اللحظة التي صرخت فيها بأنها حامل منه، فوقفت الجرعة في حلقهزوكادت تخنقه وهو لا يصدق بأن ما سمعه بأذنيهزصحيح أم انه بات يهذي وها هو الآن يقف مسمراً غير قادر بعد على استيعاب الواقع وألف سؤال يمر بعقله، أهمهم لما تتهمني أنا بالذات؟. .

"ابتعد عن طريقي نيكولاس. .. سأقتلها!" أعاد صوت سيزار الغاضب نيكولاس للواقع فانتبه للغضب المدفون في العيون الزرقاء المشتعلةةوالتي صرخت صاحبتها قائلة: "دعه يا سيدي" واقتربت بشجاعة من فوهة المسدس المصوب نحوها قائلة: "لما لا تضغط.
هيا... لكن يجب أن تعلم إنني مواطنة انجليزية
وقتلي يعتبر عملية إرهابية، فأنا هنا بصفتي سائحة" كانت تتحدث بثقة جعلت الدماء ترتفع لرأس نيكولاس مرة واحدة فرغم فضيحتها لا تزال واثقة من نفسها وغير مهتمة لمن حولها، أي إنسانة هذه التي تقف أمام والدها بهذه القوةزوالعنفوان دونما اقل اهتمام بمشاعره المجروحة.زتحركت كايت قليلا وهي تهز كتفيها بسخريةزوتقول بمرارة: "ثم لما أنت منزعج حقاً؟... لما تلعب دور الأب المخدوع؟ ها... أنت لم تسأل عني يوماً عن ما افعل أو مع من أمضي وقتي... حتى أنك لم تهتم إن كنت ناجحة أم فاشلة
بحياتي... فحقاً لما أنت مصدوم الآن؟؟!!... لما
تتهمني بارتكاب خطيئة وأنت لم توجهني يوماً... أين كنت حين صرخت باسمك وأنا احتاجك؟؟... أين كنت حين....". وقفت الكلمات بحلقها دون أن تستطيع نطقها فقد علمت أخيراً أنها لم تسامحه أبداً لعدم
وقوفه معها في محنتها حتى انه لم يعلم بها ،
تلك المحنة التي غيرت حياتها لأبد وجعلت بقلبها وجسدها وشماً لا يزال .... لم تكن تبكي فقد اكتفت من البكاء لأجل رجل لم يشعر بها يوماً ولم يقدرها قط واليوم أخيراً قالت فعلاً ما أرادت قوله له منذ سنين، لاحظت دموع في عيني والدها وعلمت حينها فقط أنه شعر بكلماتها بقوة فقد انهار على ركبتيه ووضع يديه فوق رأسه وأخذ يجهش كطفل صغير بينما نيكولاس الأب يعانقه ويواسيه.
أعادت كايت نفسها للواقع الحالي ودفنت الماضي
مجدداً في أعماقها وهي تعود لتتكلم بصوت ميلينا صوت المرأة المخدوعة: "لما تلوموني وحدي... ليس هذا خطني وحدي... أنا لم أصنع هذا الطفل بمفردي... أو لأنني إمراة يجب ان أهان في حين من خدعني وغرر بي يبقى بدون عقاب لأنه رجل!!... قبل أن تحاسبني حاسب نفسكزوحاسب هذا المجتمع المنافق الذي تعيش فيه... حيث يخدع رجالكم النساء ويسلبونهن عفتهن ويرفضون الزواج إلا بالعذارى!".
لم تستطع كايت الوقوف هناك أكثر بعد هذا
الخطاب الطويل فلحظت الشجاعة هذه استنزفت
كل قوتها فقالت بصوت مكسورة "أنا... س..ا..غادر... ولن تراني بعد الآن" وركضت باتجاه الدرج متجهة نحو غرفتها ودموعها سيول تجري على بشرة خدودها المحمرة.
اللحظة التي ركضت فيها من أمامه والكلمات
الكاذبة التي قالتها كانت كما المنبه الذي أيقظه من الصدمة فدرس الموضوع في ثواني وهوزيعقد حاجبيه كما يفعل في كل مرة يفكر فيها بعمق وخرج بنتيجة واحدة يجب معاقبةزتلك الساقطة التي دمرت زواجه بسبب . حقدهازعلى والدها وأختها ، يجب معاقبة من كانت السبب في تدمير سمعته أمام مجتمعه وجعله سخرية للكل ودفعه لتحمل خطيئة ليس له ذنب فيها ، يجب أن يجعلها تدفع ثمن كل ما
فعلته به فهو الآن بات متأكداً أن تصرفاتها السابقة كلها كانت مقصودة للإيقاع به.
"سيد سيزار.." نطق نيكولاس أخيراً وقد أثار صوته انتباه الكل وأوقف بكاء سيزار الذي قال بصوت مكسور مليء بالكراهية والحقد.
"لا أريد رؤيتك يا هذا... أنا أكرهك لما فعلته ببناتي... حقاً أكرهك" . "هذا لا يهم الآن. .. لم أكن اعرف إنها ابنتك كما إنني لم أكن اقصد أي سوء... لكنني
مستعد الآن لتحمل خطئي" قال بصوت واثق هادئ
بينما في داخله نار حارقة وهو يتوعد في نفسه
تلك العاهرة الشقراء. نظر إليه سيزار برهة بعدم تصديق قبل أن يقول:ز"ماذا تقصد ؟؟".
"سأتزوجها... بما أن العرس والاحتفال والمدعوين
وكل شيء جاهز... إذاً لن يتغير شيء غير العروس وهي ابنه لك كذلك". "جيد جداً هذا هو الحل الأمثل" قال نيكولاسزالأب بصوت حاول قدر استطاعته جعله مرحاً: "لن تخلص من مصاهرتنا بسهوله يا سيزار".
"اجل هذا حل يرضينا إن كنت أنت موافق يا سيزار" كانت المتحدثت هذه المرة ليلى التي تألقت الليلة بثوب ليلكي بأكمام قصيرة يبلغ طوله تحت الركبة بينما جمعت شعرها على شكل كعكة أنيقة.
ظل سيزار صامتاً لبرهة وهو ينظر باتجاه ميلينا
التي لم تتوقف عن البكاء للحظة منذ أفاقت،
حارما يقول أو يفعل فهذا الزواج كان لميلينا
ونيكولاس كان عريسها فكيف سيجعلها تتقبل أن تتغير الأمور بلحظة ويصبح كل شيء لأختها كيف سيسمح له ضميره بإيذائها بهذه الأنانية.

"أنت يجب أن ترفض سيزار... دع الفاسقة تغادر
إلى بلدها... وقل للجميع انك تبرأت منها" كان
هذا صوت تاليا الحقود وعينيها ترمقان سيزار
بتوسل لكنه لم يكن ينظر إليها فعينيه معلقتين بابنته الصغيرة. "ميلينا.. ما رأيك يا ابنتي؟" قال والدها بحنان لم تستطع أن تتحمله، كان ضميرها يؤنبها
ويصرخ طالباً أن تقول الحقيقة. أن تبرأ أختها من
هذه الفضيحة وأن تتحمل مسؤولية خطئها.
لكنها كانت جبانة ووقفت تتفرج في حين أختها تتلقى الإهانات والصفع وترمى بوجهها أبشع الكلمات.
"أبي... أنا... أنا..." وقفت ميلينا من مكانها بسرعة وهي كلها رغبة في قول الحقيقة لكنها لم تستطع، لم تقدر أن تتخيل تعرضها لكل ما رأته قبل قليل، كايت سامحيني يا أختي هذا ما استطاعت قوله في نفسها.
"قولي يا عزيزتي.... هل أنت تحبين نيكولاس .. أجيبيني بصدق" قال والدها "لا أبي..." قالت بصعوبة: لكنني...." كانت على وشك إكمال جملتها لكن والدها قاطعها قائلا بسرور "إذاً حلت المشكلة. .. وأنا موافق على عرضك نيكولاس. .. رغم انه كان ليسعدني أكثر لو تقدمت إلى كايت قبل أن تجعلها حاملاً" .
"الماضي لا يهم يا سيزار" قال نيك وابتسامة
مصطنعة تعلو شفتيه وهو يقول في نفسه "قل
قبل أن يجعلها رجل غيري حاملا. ... أنا نيكولاس كاتسورانيس أتزوج من امرأة ليست بعذراء بل وأيضاً حامل. .. اقسم أنني سأجعلك تتجرعين الندم جرعة جرعة يا كايت لاختيارك لي".

غسلت كايت وجهها بالماء البارد.. حسناً لقد أنهت الفصل المتعلق بابيها من حياتها نهائياً ولا مجال للصلح بعد الآن.. المهم أنها أنهت زواج أختها الغير مرغوب وهي ستساعدها كذلك إلى أن تلد بالسلامة وحينها فقط سيفكرن في الخطوة القادمة، تنفست الصعداء فما مرت به من قليل ليس بالأمر الهين.
وضعت حقيبة ملابسها أرضاً وأخذت ترتب ملابسها
بداخلها وقبل أن تنتهي فتح باب غرفتها التفتت
وهي تتوقع وجه ميلينا الحزين أو وجه والدها
الغاضب لكن صدمها رؤية وجه نيكولاس الذي
لا يحمل أي انطباع يظهر ما يجول بداخله.
"ماذا تريد؟" قالت وهي تتنفس بصعوبة خوفاً
منه ومما قد يقدم عليه. "كنت لأقول قتلك ومحيك من على وجه الأرض لكن ذلك لن ينفع الآن. .. للأسف أنا هنا لإخبارك أن مخططك المنحط قد نجح وأنني
سأتزوجك بدل أختك" كان يتحدث بغضب بارد حاول إخفاءه لكن العرق النابض في عنقه فضحه.
تدلى فك كايت بذهول ولم تصدق أذنيها ما سمعته للتو.. ظلت تحدق به لبرهة قبل أن تتدارك نفسها وتقول: "اعد ما قلته " كان صوتها خفيضاً ومصدوما
حتى إنها شكت انه قد سمعها فعلا. "اعتقد انك سمعتي جيداً ما قلته فلا فائدة من إعادته... سيكون الزواج كما كان مخططاً من قبل وفي نفس الوقت... لكن كوني متأكدة انك لن تتلقي مني أبداً نفس المعاملة التي كانت ستتلقاها أختك ولتتحملي نتيجة
طمعك بي وباسمي للقيط الذي تحملينه" كان
ينطق كل كلمه وهو يصر على أسنانه من شدة
غيظه وقد أغرته فكرة رميها من شرفة الغرفة
المفتوحة ويتخلص منها نهائياً.
ظلت صامتة بدت مصدومة لثواني ثم وفجأة بدون إنذار انفجرت ضاحكة وعلى صوت ضحكتها أكثر وأكثر بعد أن استوعبت أخيراً أن السيد المغرور يعتقد أن كل ما دار منذ قليل ما هو إلا خطة للإيقاع به، كيف لا وهو يظن نفسه مركز الكون وما الناس إلا كواكب تدور.من حوله ومشاكلهم مجرد وسيلة لإثارة اهتمامه. "صدقاً أتعتقد أنني قمت بكل هذا فقط للإيقاع بك هههه " وعادت مجدداً تنفجر بالضحك
حتى أدمعت عينيها ، صدقاً من قال أن كثرة الهموم تضحك فها هو يقف أمامها الآن بكل شموخه وعجرفته معتقداً أنها ما فعلت ذلك إلا رغبة فيه وغيرة من أختها وطمعاً في اسمه العريق وماله.
"لا أجد أي طرافة في ما قلته لتضحكي بهذا الشكل " قال وقد على صوته قليلا عن المعتاد لكن لم يصل لحد الصراخ فهو للآن يحاول السيطرة على غضبه حتى لا يقدم على تصرف ارعن ويلقيها فعلا من الشرفة فهذه الفكرة تسيطر عليه أكثر فأكثر وفي كل دقيقة تتألق في عقله وتزداد إغراءاً."
"اسمعني يا هذا ...." قالت بسخرية وهي تضع
مجموعة من الثياب داخل . حقيبتها دون أن تنظر
إليه كما لو انه شيء لا يستحق النظر، مما أثار غيظه أكثر فامسك ذراعها وضغط عليه بقوة وهو يوقفها ويجذبها لتقف أمامه مباشرة وقد تألقت عينيه بغضب اسود وقال وهو يصر على أسنانه: "أنا لا يقال لي يا هذا ... أنا سيدك منذ الآن، أسمعتني؟... وفي المرة المقبلة تكلمينني وأنت تنظرين إلي فأنا لست مزهرية بغرفتك مللت النظر نحوها... أسمعتني؟؟" لم تجبه بل ظلت صامتة وقد بدأ الرعب يدب في أوصالها. "أسمعتتتني ؟؟..." قال مرة ثانية بعد أن لاحظ إنها لن تتكلم.
"اجل سمعتك" قالت وهي تنفض يده عن ذراعها
ثم استطردت: لكن لا داعي لما قلته فلن تكون هناك مرة مقبلة فأنا مغادرة لبلدي... وإن صادف ولاقيتك صدفة في احد شوارع لندن فسأدعي أنني لم أعرفك يوماً حتى إنني لن أمر بجوارك لكانت السخرية قد عادت تغلف طيات صوتها دون شعور منها فكما لو أن حضور هذا الرجل يسبب لها رعباً . غير معروف سببه،
فيجعلها تتوتر وتتفوه بما قد يزيد من صعوبة

"أنت لن تغادري إلى أين مكان.ا" قال نيكولاس
وهو يرمي بغضب حقيبتها جانبها موقعاً بذلك
كل ثيابها. "أيها المجنون!" قالت كايت وهي تحاول جمع ملابسها من جديد ووضعها بالحقيبة: "لا احد
يستطيع منعي من المغادرة الآن إن أردت. .. أنا حرة
ولا احد يتحكم بي... ولن أتزوجك ولو كنت أخر رجل بهذا العالم، فأنا أفضل لقب عانس على أن أكون زوجة لك... فأنت لست نوعي المفضل كما أن غرورك يطغى على وسامتك الضعيفة ويجعلها معدومة. .. ولتتعلم يا عزيزي تقبل الخسارة".
قالت وابتسامة ساخرة تعلو شفتيها كما لو إنها
بهذه الكلمات قد نالت منه أوهزمته أغلقت حقيبتها ورفعتها وخطت خطوتين نحو الباب ورأسها مرفوعة بشموخ لكن صوته أوقفها قبل أن تزيد خطوة أخرى:
"أنت مخطئة... أنا استطيع منعك ورغم كرهي
للأمر ستكونين زوجتي... أنت من بدأ وحان الوقت لنلعب بقوانين غير قوانينك يا عزيزتي"
قال بهدوء بعد أن كان يكاد ينفجر غضباً من قبل والسبب شعور داخلي مجهول طغى عليه فجأة
وجعله سعيداً لمجرد انه يفرض رأيه عليها.
ولمجرد تفكيره بما سيفعله بها وانتقامه المثالي
كانت ابتسامته تزداد اتساعاً مع كل فكرة تخطر بباله، حسن يقال أن ابتسامة الخاسر تفقد الرابح لذة نصره وهذا ما حدث فعلا فقد شعرت كايت بالاختناق وبرغبة في الهرب سريعاً من أمامه وابتسامته كانت كما الحبل حول عنقها تمنت حينها لو أنها عضت لسانها قبل أن تتفوه بما قالته قبل قليل فلن يجلب لها تحدي هذا الرجل غير المشاكل، أين هي رجاحة عقلها حيث تعلمها متى يكون الصمت أحياناً أحسن من الكلام؟؟ أين هو دمها الانجليزي المتجمد الذي
طالما تفاخرت به أمام المشاكل التي كانت تواجهها؟؟ أين هو تحكمها بنفسها وسيطرتها على غضبها ؟؟ إنها الآن كما فوهة بركان تلقي الحمم في كل دقيقة في وجه هذا الغريب: "نيكولاس... لا داعي لتعطي الأمر اكبر من حجمه ، صدقاً كان يجب أن تشكرني لأنني
أوقف هذا الزواج فما كنتما لتسعدان معاً" قالت
تحاول تبرير نفسها لكنه قاطعها عاقداً ذراعيه:
"اعتقد أن الأمر يخصني وأختك لنقرر هذا الأمر... كثير من الزيجات المدبرة تنجح" قال بهدوء زاد من توتر أعصابها "إذاً لا فرق بين أختي وغيرها من بنات
مجتمعك" صمتت قليلا قبل أن تستطرد: "تزوج
أي واحدة أخرى". "لم يعد هنالك مجال للبحث بعد الآن فمع تصريح الكاذب سيعتقد الكل إنني نذل
لتخلي عن طفلي وأمه. .. أنت لا تعلمين مدى تمسك اليونانيين بأولادهم. .. لا حل أمامي غير الزواج بك لإعادة هيبتي أمام مجتمعي وبعد أن تنجبي ساخضع طفلك لتحليل وأثبت للجميع أنني كنت شهماً كفاية للاحتفاظ بك أثناء حملك رغم معرفتي بكذبتك... حينها فقط يا عزيزتي... حينها فقط ستغادرين سجني" كان يتحدث وشرارات الغضب تتطاير
من عينه وصوته البارد أسرى الرعدة في أوصالها.
"أنت مجنون إن ظننت أنني سأتزوجك. .. لا
توجد قوة في العالم تستطيع إجباري على القبول
بك" قالت بصوت مهزوز فقد بدأ الأدرينالين .
يضخ في جسمها بكثرة ويزيد من تسارع دقات
قلبها حتى إنها خافت للحظة أن تصاب بسكتة
و تقدم خطوات باتجاهها فكان رد فعلها غريزياً
حين تراجعت بنفس مقدار الخطوات للوراء، مد
يده وامسكها من ذراعها بسرعة قبل أن تتراجع
أكثرو قربها بعنف حتى اصطدمت بصدره الفولاذي، تحركت مشاعرها بعنف وأخذت ضربات قلبها تتزايد حتى أن صداها بات يؤثر على سمعها خاصة حين اقترب من أذنها ولفحت أنفاسه الساخنة رقبتها وهو يقول بهمس: "أنا استطيع إجبارك. .. فلا تتحدينني" .
ودفعها بعيداً فجأة كما لو أنها حشرة فجلست
بسرعة على حافة السرير لان ساقيها فشلتا في
حملها أكثر وقالت بصوت واهن بدا كالهمس:
"لما لا تدعني وشأني.. لما لا تتركني ارحل بكل بساطة؟... أنت تعلم أن هذا الطفل ليس لك تستطيع إقناع الناس بذلك بعد رحيلي".
"أنت ساذجة أم تدعين ذلك أيضاً؟؟. .. لا يوجد
حل أخر غير الزواج وصدقيني لو كان أي حل أخر لما ترددت عن تنفيذه صمت قليلاً ثم قال فجأة: "إلا إن أخضعنا الجنين لتحاليل الحمض النووي الآن".
"أنت مجنون!! لا نستطيع إجراء هذا النوع من
التحاليل على جنين يكاد يكمل شهره الثاني...
أنت بالتأكيد تريدني أن افقد الطفل" قالت وهي
تحاول استرجاع قوتها مرة أخرى وقفت وتحركت
للجانب الأخر من الغرفة فقد كرهت وقوفه باستعلاء أمامها كما أن لرائحته تأثير غير سليم على أعصابها.
"ومن قال أن هذا النوع من التحاليل مستحيل أم
انك طبيبة وأنا لا ادريم" قال بسخرية وشفتيه
تميل بابتسامة جعلت الدماء تصعد مرة واحدة
العقل كايت كانت على وشك أن تقول اجل لكنها في اللحظة الأخيرة أطبقت الصمت فهي للآن تعطيه مظهر الفتاة المستهترة التي حملت بدون زواج وتبحث عن ضحية لتحمله وزرها وإن علم أنها طبيبة في طور التخصص في عمليات القلب سيظهر تناقض غريب على شخصيتها قد يكشف حقيقتها.
"أنا فقط اعلم" كانت الجملة الوحيدة اليتيمة التي استطاعت أن تبرهن بها على صحة كلامها.
"وأنا لا أصدقك. .. واعتقد أن الطبيب هو الوحيد الذي سيؤكد إن كان هذا النوع من التحاليل جائز في مثل هذه المرحلة أم لا" قال بإصرار.
وقفت كايت مكانها كما الأصنام وعقلها
متحجر لا تستطيع الإتيان بفكرة لتوقف هذا الغريب عن أخذها للطبيب، فأول ما سيؤكده هذا الأخير إنها عذراء لم تعرف معنى ممارسة الحب يوماً.. فكيف تكون حامل!! وبهذا ستدخل في تساؤلات لا تنتهي وقد تفضح أمر أختها وتتسبب بدمار كل ما قامت به.
"يا إلهي ساعدني... ألهمني الحل... أتوسل إليك"
أخذت تتضرع إلى الله في سرها وهي تفرك يديها ببعضهما البعض وتوترها يزداد خصوصاً بعد أن تعلقت عينيه بعينيها كما لو انه يحفر في أعماقها ليعرف الحقيقة.

أبعدت عينيها جانباً تنظر باتجاه الشرفة وفجأة
خطرت ببالها فكرة لما لا تتزوجه فماذا إن كان ليس نوعها المفضل فهي لا تمتلك نوعاً أساساً كما انه لن يقربها لاعتقاده أنها حامل بل من الظاهر أنه يشمئز منها وبالتالي فلن يضغط عليها بما يخص حقوقه الزوجية. كما إنها بهذا ستبقى قرب ميلينا هنا باليونان
وستستطيع مساعدتها إما بإيجاد السافل الذي جعل إختها حامل وإرغامه على الزواج منها وإن لم تستطع حينها تستطيع أن تسجل ابن أختها باسمها هي وهذا المخبول، كل الأمور تصب لصالحها !!. أكاد اقسم أن أحداً سكن عقلي ويفكر بدلا عني" هكذا قالت في نفسها فهي لم تعهد نفسها مخطط بهذا الشكل.
"أنا لن اعرض جنيني للخطر ولن تجبرني على أي
نوع من التحاليل الآن. .. سلامة طفلي أهم من
كل شيء. .. سأتزوجك وبعد إنجاب الطفل
نفترق... أنا أغادر وابني إلى وطني وأنت تفعل ما
تشاء.....انتظرت أي كلمة منه لكنه لم يتحدث بل ظل
يحدق بها لبرهة بطريقة أثارت ريبتها فقد شغل
تفكيره نظرة الخوف التي لازمتها طوال تفكيرها قبل أن تتفوه بهذه الكلمة، ترى هل كان خوفها فعلا من اجل طفلها كما تدعي الآن أم لأجل شيء أخر؟؟ هذه المرأة تشكل بالنسبة له لغزاً كبيراً يثيره لحله.
فمرة جعلت مارك يبعثها لتغويه في الطائرة وقد
استخدمت حينها كل الوسائل للاحتكاك به وحين فشلت حاولت الزج به في مشاكل مع الشرطة بتهمة التحرش بامرأة سائحة، والآن ادعاء الحمل منه هو بالذات دون عن العالم اجمع، شعرةنيك كما لو أنها تحاول إيقاف زواجه وبكل الطرق حتى انه شك بأن
اصطدامها به في المطبخ قد يكون مقصوداً.
ترى لما تحاول منع زواجه من أختها؟؟ أكل هذا
غيرة من ميلينا ووالدتها؟؟ أم إنها فقط تريد والداً
للقيط الذي ستنجبه؟؟.
"اعتقد انك فكرت كفاية لتقرر" قالت مقاطعة أفكاره والصمت الذي يكاد يكتمزأنفاسها.
"اعتقد أنني أنا من اقترح هذا الحل أولا...
سأذهب لإعلام والدينا أننا اتفقنا على كل شيء"
قال بهدوء غريب لم تتوقعه منه كايت.كانت تظن انه سيرفض ويصر على أخذها للطبيب لكنه لم يفعل بل اكتفى بجملة وخرج، ظلت لمدة تحدق في إثره غير مصدقة أن كان هذا من حظها الطيب أم العكسل
تحركت ناحية الباب تقفله واستندت عليه وهي تزفر بقوة وتسألها نفسها إن كان ما قامت به هو الصواب؟ كيف يكون الصواب وهي منذ وطأتزقديميها ارض اليونان تعيش في كذبة باتت تكبر وتكبر حتى شكلت حولها سوراً يسجنها ويخنق أنفاسها؟ وما زاد الطين بلة هو هذا الزواج الذي حشرت نفسها بداخله ولا تجد منه المفر. ابتسمت بسخرية من نفسها لقد انتظرت الحب أعواماً وهي تتخيل كيف سيكون شريك حياتها وأخرما كانت تتوقعه أن تتزوج رغماً
عنها وبشخص ترغب في العيش بعيداً عنه آلاف
الأميال.

💄💄 أسرار من الماضي 💄💄

سار نيكولاس بخطوات سريعة واثقة حتى وصل إلى الدرج ووقف كما لو كان تمثالا لأبوللو وقد ازداد انعقاد حاجبيه السوداوين بينما حملت نظراته غضباً ينبئ بقدوم العواصف، أخذ يحاول أن يهدئ نفسه فغضبه يكاد يشل عقله، خرج من غرفتها دون أن
يعترض أو يقول أي كلمة فرغبته في ضربها كانت تسيطر عليه وتفقده صوابه تمنى لو إنها تتحول لشاب فقط لنصف ساعة حتى يشفي غليله بتهشيم وجهها الرقيق الجميل لكن للأسف هي امرأة وحامل أيضاً! لعن في نفسه قدره لأنه سيضطر للزواج بتلك
الفاسقة التي لا تعرف والد ابنها الحقيقي من كثرة الرجال الذين عاشرتهم ، زفر بقوة وتحرك من جموده ليضرب يده بقوة مع حائط الدرج حتى انه كاد يوقع إحدى اللوحات الأثرية كتم غضبه بداخله بقوة واخذ يجر رجليه جرا لينزل ويبلغ الكل بإتفاقهما وبأن
موعد الزواج ثابت ومع كل خطوة يخطوها يزيد
توعده لها في نفسه. كان الكل قد انتقلوا إلى غرفة المعيشة، كانت غرفة كلاسيكية بأرائك جلدية
بيضاء اللون وطاولة زجاجية بالوسط تقبع تحتها
سجادة تركية أصيلة باللون البيج والبني الغامق
كما لون الجدران الذي يدل على مدى كآبة أصحاب البيت، وضع في جانب الغرفة قرب المدفأة كرسي هزاز كان يشكل التناقض الوحيد في رتابة الغرفة وهو ملك للجدة فقد كانت تحب أن تجمع حولها حفيدتيها لتقرأ لهم القصص في العطل، لكن منذ أن اشتد عليها المرض لازمت غرفتها واختفت تلك النكهة الوحيدة الجميلة بهذا البيت.
حاولت تاليا أكثر من مرة إزالة هذا الكرسي لكن سيزار كان دائم الرفض، جوانب الغرفة الأربعة كانت مزينة بأعمدة أغريقة تصل للسقف، اتكأ نيكولاس الأب على احدها يلف ذراعه حول كتفي زوجته ويهمس لها في أذنها مطمئنا إياها بان كل الأمور ستكون بخير وبان نيكولاس قادر على إقناع كايت بالزواج منه، كانت تومئ برأسها موافقة لكن في داخلها كانت خائفة من هذا الزواج أكثر من عدمه
فالنظرة التي رأتها بعيني ابنها تنبئها بأن الأسوأ
قادم. على الأرائك جلس سيزار يعانق ابنته ميلينا
التي لم تتوقف عن البكاء منذ سمعت الخبر،
شعر بالأسى حيالها وكان يحاول أن يواسيها لكن
مع كل كلمة طيبة منه كانت تجهش بالبكاء أكثر فاستسلم أخيراً وأخذها بحضنه وهي تهتز بشدة فما كان يؤلمها أكثر هو إنها من يجب أن تكون منبوذة الآن وكايت هي الأحق بهذا الحضن الدافئ، كان ضميرها يؤنبها بشدة لجبنها وجعلها أختها تتحمل كل تلك اللحظات البشعة لأجلها هي ولأجل حمايتها والآن كل كلمة حنونة من والدها كانت كما الوقود فوق النار تزيد عذابها أكثر. لا أعلم لما وافقت على هذا الزواج سيزار... إنك بهذا تحطم صغيرتي.
قالت تاليا بحقد بعد أن توقفت اخيرا عن السير
في الغرفة ذهاباً وإياباً وقد جعلها ثوبها الأسود أكثر نحافة وأكثر شبهاً بالعلاقة خصوصاً مع تسريحة شعرها. إنه الحل الوحيد لإيقاف هذه الفضيحة تاليا...
قال سيزار بغضب دون أن يمنحها أي نظرة بعدها
صمت قليلا ثم استطرد: أما ميلينا فهي قادرة أن تنسى نيكولاس بل ستتزوج أحسن منه قريبا.
قال الوالد الجملة الأخيرة وهو يحرك يده
بحنان على ظهر ابنته، تصلبت ميلينا وهي تسمع
هذه الجملة فتململت بين ذراعي والدها وحررت
نفسها من ، بين ذراعيه وهي تقول ببؤس:
- لا أبي.... أنا لا أريد الزواج أبداً.
- أرأيت سيزار.. . لقد حطمت تلك العاهرة أحلام
ابنتي كما فعلت أمها سابقا بي. قالت تاليا بحقد ومرارة بينما بدا صوتها كحفيف أفعى.
كفى... لا أسمح لك بإهانت ابنتي يا تاليا فرغم إنها أخطأت فهي تظل ابنتي واحترامها من احترامي... لقد اتفقت مع نيكولاس على إتمام هذا الزواج والآن لن أتراجع فكفي عن العويل. قال سيزار بصرامه وعينيه تنظران لتاليا بغضب جعل جسدها يهتز هلعاً فهي تعرف هذه النظرة جيدا وتعلم أن أضافت كلمة أخرى فسيكون مصيرها أفظع من مصير ضفدع مرت فوقه.

سبق عطر نيكولاس الفواح دخوله للغرفة كما لو انه خادم مطيع يعلن عن حضور سيده حل الصمت ليسمع صدى خطواته الواثقة المعهودة على البلاط توقف بشموخ في منتصف الغرفة. كل الأمور سويت الآن. ... لا داعي لقلقكم. كان يحاول أن يجعل صوته هادئاً رزيناً كما لو انه فعلا متقبل لواقعه لكنه كان يصر على أسنانه غيظاً ولم يستطع أن يذكر كلمة
سنتزوج لأنه لا يعتبر ما يقدم عليه زواجاً بل عقاباً ستأخذ منه كايت النصيب الأكبر، قال جملته بروح فارغة من السعادة وخرج دون أن ينتظر تعليق احد على جملته كما لو أن إعلانه هذا ملكي ولا يحتاج إلا أي نقاش. وقفت كايت في شرفتها والرياح تتلاعب
بخصلات شعرها الذهبية بعد أن حررتها منوالدبابيس التي كانت تسجنها وعينيها تحملان اكبر معاني الحزن وهي تحدق في سيروس تحكي له بصمت مصيبتها ونجمه يلمع في سماء عينيها تنهدت بعمق وهي تدرس من جديد الورطة التي أوقعت نفسها بها ، كانت لحظة غبية حين فكرت أنها لن تخسر شيئاً بزواجها من نيكولاس فكيف لم تفكر بأمها ودايف؟
كيف ستشرح لهم زواجها بهذه السرعة برجل من المفروض أنه عريس أختها ميلينا؟! كيفزتفسر لوالدتها حملها المزعوم وهي أدرى الناس بانعدام تجربتها ؟ كيف تقنعها بالموافقة ؟؟ أسئلة كثيرة كتمت على صدرها وجعلت تنفسها يضيق حتى إنها كادت تختنق. كل ما فكرت به تلك اللحظة حين وافقت هو
بقاءها بجانب أختها ميلينا لكنها لم تحسب حساب عوامل أخرى كعائلتها بانجلترا وعملها الذي ابتدأ للتو ولا يعقل أن تأخذ أجازة لسنة وهي في أول مشوارها الطبي.. وضعت يديها على صدغيها تضغط عليه بشدة لتخفف من الصداع الذي بدأ يسيطر عليها وقالت وهي تحاول أن تتماسك وتظل واقفة:
ساعدني يا إلهي... ساعدني "قالت بتضرع
وصداعها يشتد". في تلك اللحظة فتح باب غرفتها ودخلت ميلينا بوجهها الأسمر الجميل الذي يحمل معاني البؤس المتركز خصوصاً في سواد عينيها ، أجالتهما في الغرفة بحثاً عن أختها ولمحت ظلها بالشرفة فتحركت بنفس مثقلت بالذنب ناحيتها ، من
نظرة واحدة تجاه كايت علمت ميلينا أنها تتخبط
في دوامة من المشاعر المتناقضة وهي تعذرها فما تمر به الآن ليس بالهين خصوصا وأنها لم يكن لها ذنب من البداية.
- كايت عزيزتي. ...
وضعت ميلينا يدها على كتف أختها ولم تستطع
قول أي شيء أكثر لتكسر جو الكآبة الذي يحوم من حولهما كما تحوم الغربان فوق الجثث، التفتت لها كايت وهي تبعد يديها عن صدغها وابتسمت ابتسامة جانبية شاحبة تحاول أن تظهر متماسكة وقالت بصوت متعب: لا تقلقي أنا بخير... كل الأمور ستكون
بخير... أحتاج فقط إلى حمام وحبة مسكنة الألم الرأس ونوم هادئ.... بدت علامات التعب جلية على وجهها الأبيض الشاحب رغم إنكارها لذلك كما أن عينيها أصبحتا بلون الجمر تتوسطهما عدستين زرقاوين بات لونهما باهتاً، كانت على وشك الإغماء
فأسندتها ميلينا بسرعة وهي تقول بخوف.
- عزيزتي.. أتريدين أن استدعي طبيب؟.
أنت لا تبدين بخير أبداً....بدا صوت ميل باكياً لكنها لم تستطع أن تتبين ذلك فالرؤية أصبحت شبه منعدمة لدى كايت، إنها تعاني هذه الحالة منذ زمن حين تمر بحالة عصبية قوية ينخفض ضغطها وتنعدم لديها
الرؤية حتى تصبح على وشك الإغماء. لا تقلقي إنني مجهدة فقط... ساعديني لآخذ حمام وأعطني الحبة التي قلت لك عنها إنها في جيب حقيبتي.
قالت كايت بصعوبة وهي تحاول أن تبقى واعية
لا تريد أن يأخذها الظلام والكوابيس. .. أسرعت
ميلينا تدخل أختها للغرفة، أجلستها على السرير
وتحركت تبحث بداخل الحقيبة عن علبة الدواء المسكن أخذت منها حبتين وأعطتهما لكايت مع قنينة ماء كانت بجوار السرير. اعتقد أن تنامي أحسن كايت، . وغدا أساعدك لأخذ الحمام.
قالت ميلينا بقلق وعينيها تدمعان من جديد للحالة التي أصبحت عليها أختها ، أومأت كايت برأسها بصعوبة موافقة لأنها فقدت القدرة على الكلام وأخذت دوامة سوداء تجذبها رغم محاولاتها العدة للهروب منها. بعد ساعة تقريبا كانت كايت تغط في نوم يبدو هادئاً للناظر لكنه كان أشبه بجحيم
تعيشه من جديد حيث الظلام يحوم حولها من
كل جانب وضربات الساعة الرتيبة تصيبها بالجنون، حبات من العرق تنزل بهدوء مثير الأعصاب صوت مألوف مرعب قرب أذنها يهمسزكحفيف أفعى:
- ستدفعين الثمن... ستدفعين الثمن.
صدى الصوت ثم الضحكة المرعبة في أذنها ثم
فجأة أخذت تركض وتركض إلى لا مكان لتسقط من أعلى مرتفع وهي تتجه نحو الهاوية
فصرخت بقوة وهي تنتفض.
لااااااااااااااااا...كان صوتها قوياً بينما جسدها المتعرق يهتز برعب وهي تنظر للظلام المحيط بها كما لو أن
الحلم يتجسد حقيقة مرة أمام عينيها.
لاااا... هذا مستحيل... لا يمكن...أخذت تنوح بهستيرية وهي تضع يديها على رأسها تحركه في كل الاتجاهات بحثاً عن منقذ.. فتح الباب في تلك اللحظة ودخلت ميلينا وهي تنير الغرفة وقد بدت ملامح الرعب على محياها وهي تركض باتجاه أختها تضمها لصدرها تحاول بث الطمأنينة بداخلها وقد ازداد انكسار قلبها وشعور تأنيب الضمير داخلها.
- انه مجرد كابوس حبيبتي.... لا تقلقي أنا هنا
قالت ميلينا بصوت مفعم بالحنان ويدها تربت على ظهر أختها برقة... أعطت كلماتها مفعولها بسرعة فقد بدأت اهتزازات كايت تتوقف كما توقف بكاؤها وهي تدرك أن ما رأته لم يتعدى كونه مجرد كابوس أخر من ضمن قائمة الكوابيس التي باتت تسيطر عليها في الآونة الأخيرة لكن الفرق الوحيد أن هذا الكابوس
كان اقرب للواقع بفعل الظلام وهي منذ كانت بالسادسة عشرة والنور في غرفتها لا ينطفئ.
ما الأمر؟. .. كايت هل أنت بخير؟؟.
قال سيزار بصوت يملأه الخوف كان يجلس ساهماً
في مكتبه يفكر بأخر كلمات قالتها له كايت بألم وقد شعر فعلا بمدى التقصير الذي تسبب به في حقها ، كان يعتقد أن وجود دايف بحياتها كاف كما هو كاف لأمها واعتقد أنها تكره وجوده هو خصوصاً بعد أخر مرة تقابلا فيها. كان بمهمة له بلندن وكما العادة طلب رؤيتها كانت رافضة في البداية لكنه أصر ببروده
المعتاد فانصاعت لأمره وجاءت تقابله في فندقه.
لا تزال تلك النظرة التي رمقته بها محفورة في
ذاكرته للآن، كانت ناقمة لأمر رفضت الإفصاح عنه شيء يحز في داخلها تكتمه لكنه يفيض في نظرتها ، كانت عيناها الزرقاوين تقدحان غضب مكبوتاً تقدم منها ما أن رآها على باب جناحه حاول السلام عليها كما العادة بعناق بارد لكنها أزاحته جانباً وهي تتقدم داخل الغرفة،

خلعت معطفها الأسود وظلت بسروال قطني ابيض
وقميص بني غامق مرسوم عليه قلب اسود وكلمة أكرهك كما لو أنها اختارته خصيصا لمقابلتة. رمت معطفها على الأريكة وقالت له دون أن تجلس:
- ماذا تريد مني. ... لا تقل أنك اشتقت إليّ. .
كانت هذه المرة الأولى التي تحدثه بتلك الطريقة العصبية وذلك الحقد يلمع في عينيها. أنت ابنتي ومن الطبيعي أن أطلب رؤيتك كلما حضرت إلى هنا.
لا لست أبي.. لا يشرفني أن تكون. .. الأب الوحيد الذي أعترف به هو دايف. تقبل سيزار هجومها وهو يكظم في نفسه غيظاً قاتلا من ذلك الدايف الذي سلبه حبيبته أولا ثم طفلته ثانياً لكنه في الحقيقة هو المذنب لتركه راشيل ترحل ثم لمعاملته ابنته بجفاء
منذ وعت عينيها على هذا العالم. لا تقولي هذا كايت. .. أنت من آل ديلاس ولن تكوني يوماً ابنة لذلك الرجل. أتعتقد أن الأبوة بالاسم فقط؟؟ "قالت بغير تصديق . وهي تنظر إليه بألم زعزع كل كيانه".
لا... فانا أبعث لك بمصاريفك كل شهر. ..كما أنني أطلبك في الهاتف وأنت من لا.... قال بتبرير اعتبرته هي جرحها أكثر مما أقنعها فسقطت دمعة بائسة على وجنتيها وهي تحمل معطفها من حيث رمته لترمق والدها بنظرة لن يمحيها الزمن مهما عاش: أنت حقاً لا تفهم. ... أنا... أنا... صمتت تحاول كبت ارتجافها ودموعها ثم استطردت بقوة نبعت من أعماق قلبها:
أنا أكرهك "وخرجت راكضة من الغرفة".
صدت تلك الكلمة مع صراخها لتوقظه من بحر
ذكرياته فهرع للدرج يركض باتجاه غرفة كايت وجد الغرفة مفتوحة وهي بحضن أختها ميلينا تحاول تهدئتها.. نظرت له الفتاتان بعدم تصديق خصوصاً حين اقترب وجلس على حافة السرير بالقرب من
كايت وقال بحزن عميق وبأسف نابع من القلب.
هل أنت بخير يا صغيرتي: كان صوته الحنون هو الضربة الأخيرة لينكسر صمودها فارتمت بين ذراعيه تجهش ببكاء دام سنين مكبوت بداخلها ، اخذ يربت على ظهرها يحاول تهدئتها وهو يقول بصوته العميق الذي غادرته البرودة ليصير دافئاً . حنوناً يمسح مع كل كلمة أسوأ ذكرياتها عنه حين كان قاسياً
وبارداً: - آسف يا ابنتي كل ما قلته عني صواب... لم
أوجهك يوما فكيف ألومك على الخطأ.
سامحيني يا كايت... سامحيني في كل لحظة احتجتني فيها ولم أكن بجانبك. .. سامحيني على تقصيري في حقك وتصديق الأكاذيب بدأ صوته يهتز وهو يتذكر معاملته لها فيما مضى والغرور قرت عينيه بالدموع لكنه رفض أن يسمح لها بالنزول فهو يجب أن يبقى صامداً لأجل ابنتيه لتعلما أن والدهما قوي وسيظل دائماً بجانبهما... ابتعدت كايت عنه قليلاً لتنظر إلى وجهه بكل حب وأسف وهي تقول:
أسامحك أبي... كيف لا وأنت والدي... أنا آسفة لما قلت. ... لم أكن. . وضع سيزار إصبعه على شفتيها يمنعها من إتمام جملتها وهو يقول: بل العكس كان يجب أن تقولي هذا منذ زمن حتى انتبه... لكن لا يهم الماضي المهم ما نحن فيه الآن... سنبدأ صفحة جديدة وأنا سعيد جداً بحبك لنيكولاس فهو رغم خطئه هذا إلا أنه رجل شهم سيحافظ عليك جيداً
كانت كلماته كالبلسم المداوي لجراحها، جراح كان قد حفرها الزمن بعمق وخرجت الليلة جلية مع كل كلمة كانت قد نطقتها بالأسفل، آه كم أسفت في تلك اللحظة على ما قالته، كانت تعتقد أنها تعايشت مع ذلك الماضي ونسيته وصفحت عن والدها بل إنها منذ
تلك الليلة المشئومة حين أخبرته بكرهها له توجهت مباشرة للمستشفى حيث يعمل دايف وأخبرته وهي شبه منهارة بما فعلت. كان حنوناً جداً معها وواساها لكنه أيضاً أنبها. فلا دخل لوالدها بما حدث وعدم إخباره كانت رغبتها ، فلما تلومه على شيء لا دراية له به، فهو الأخر مجروح من اعتقاده أن لا مكان له بحياتها هي ابنته وأن تصرفاته الباردة ما هي إلا واجهة حتى تحافظ على كبريائه اليوناني العنيد،
لكنها لم تقتنع بوجهة نظر دايف فخلع معطفه
الطبي وارتدى أخر يقيه من البرد والمطر المتساقط، لا تزال تتذكر تلك الليلة جيداً كما لو أنها البارحة. ...
كانت إحدى ليالي شباط الباردة حيث المطر ينزل كخيط سميك يربط بين السماء والأرض.كما لو أنه يبكي لأجلها ، ركبت السيارة مع دايف دون أن تعلم وجهتها فقط رافقته بصمت كما طلب منها ، ظلت طوال الطريق تنظر للخارج حيث الجو مكفهر والأرض تعاني مثلها توقفت السيارة فحركت عينيها المثقلتين بالدموع باتجاه دايف وهي تتساءل في نفسها لما توقفا أمام المقبرة؟ انتابها الرعب للحظات رغم وجود دايف قربها فهي تخشى الظلام وحده فما بالك بظلام يجاوره الموتى.
أمسك دايف بيدها يحثها على النزول وقد ترك
مصابيح السيارة الأمامية مضيئة لتساعدها على
ترك خوفها الذي ظهر جليا على وجهها رغم الإضاءة الخافتة داخل السيارة، أخذت رجليها تتبعان دايف وعقلها متنبه لكل حركة بجانبها فهي تخاف منذ الصغر قصص الموتى الأحياء،

توقف دايف أمام قبر وأشار بيده تجاه اللوح الموضوع على القبر وقال بصوت مكسور يحمل
من الألم ما قد يهد الجبال..اقرئي المكتوب يا كايت.
كان الضوء المنبعث من السيارة يظهر الكتابة.باهتة لكنها أمعنت النظر جيداً وقالت تتهجى ات بصوت مبحوح من شدة ما بكت. حتى... لو... لفني... التراب. .. من... كل. .. جانب... ستظل... روحي... طائرة... في.. الهواء... بحثا... عن. . أمانك،.. يا بني..
جورج روبنسون لم تفهم كايت المعنى من الكلمات كما لم تفهم سبب إحضار دايف لها لهذا المكان التفتت
له والإستغراب ظاهر على ملامح وجهها الباكي،
فقال وهو يعطيها ظهره لكي لا ترى إلى أي مدى
غزاه الألم ، زفر بقوة قبل أن يستدير لمواجهتها:
انه والدي يا كايت. .. لقد طلب حفر هذه الكلمات على قبره حتى تكون رسالة لي. والدك؟!
قالت كايت باستغراب فدايف لم يتحدث لها يوماً
عن أبيه كانت كل ذكرياته عن الماضي منحصرة في قصص تربطه بأمه فقط لذا كانت دوماً تعتقد أن والده مات وهو في سن مبكرة. اجل يا كايت. .. سأحكي لك قصة لكن عديني بأنك لن تقوليها لأحد أبداً فهذا السر مخزن بداخلي منذ أكثر من عشرين سنة. أومأت برأسها الرطبة موافقة وقد بدأت ترتعش
من الخواء المتمركز داخلها والبرد والمطر الذي
غزا قبعة معطفها الحامية، نظر لها دايف برقة
وقال بصوت حاول قدر مكانه إرجاعه لثباته
المعهود: فلنذهب للسيارة وهناك أخبرك..
تحركا معا بصمت لا يقطعه إلا صوت زخات المطر، ركبا السيارة وأشعل دايف التدفئة وهو يطلب من كايت خلع معطفها حتى لا تصاب بنوبة برد.
كنت في العشرين من عمري يا كايت "قال
بصوت مبحوح فتنحنح حتى يجلي صوته وعاد
يستطرد قائلاً" كنت في العشرين حين غادرت منزل والدي. ... كان ذلك بعد سنتين من وفاة والدتي... كنت منتكساً وضائعاً عن الدرب الصحيح
بدأ دايف الكلام دون مقدمات فهو يريد أن يفرغ
ما بصدره لأي كان منذ زمن وقد صادف أن تكون قصته عبرة لهذه الشابة اليافعة التي يعتبرها مثل ابنته. كنت طائشاً أتسبب بالكثير من المشاكل..
وقد كادت إحداها تتسبب بطردي من كلية الطب... تشاجرنا تلك الليلة أنا ووالدي وقد أهنته أشد إهانة وأخبرته أنه السبب في موت والدتي وأنني كنت أتمنى لو مات هو بدلا منها ، لم يتحمل قولي فصفعني كانت المرة الأولى التي يضربني فيها وقد استحققتها عن جدارة لكنني لم أصمت وأخذت اخبره أنني أكرهه بعد تلك الليلة ولن يراني أبداً ، خرجت غاضباً من البيت وأنا أشتم بقوة. .. تركته وحيداً لم
أكن أعلم أنه ضعيف القلب ولم أكن أعلم أنه انهار بمجرد خروجي من البيت... كانت جارتنا من اكتشفته صباح اليوم التالي وطلبت الإسعاف لنقله للمستشفى كل هذا وأنا غير موجود كنت برحلة تسلية مع رفقاء السوء اللذين عاشرتهم منذ وفاة والدتي... كنت بمكان أخر ألهو في حين والدي كان يموت. .. الأسوأ يا كايت أنا كنت سبب موته، كان باستطاعتي مساعدته فقد كان ينادي بإسمي في لحظاته الأخيرة... لم أكن بجانبه.
صمت دايف وهويحاول أن يقاوم الدموع لكن
بدون فائدة فقد انسابت كما قطرات المطر على
خده وتحشرج صوته وهو يقول: وطلب أن تحفر تلك الكلمات على قبره لتصلني مهما طال غيابي عنه. .. لقد اعتقد حقا أنني سأطيل الغياب... علمت بما أصابه وعدت لكنه كان قد دفن...
كانت الدموع تنزل من عينيه مسببة سيولا على
خده، كانت هذه المرة الأولى التي تشاهد فيها كايت دموعه وشاركته إياها بصمت حتى يقول.كل ما يختلج بداخله دون مقاطعة. كان قد مات ودفن قبل أن اطلب منه المسامحة... قبل أن أخبره أن ما قلته ما هو إلا محض كذب وأنه أهم إنسان بحياتي... أنه
عائلتي الوحيدة. . . لكن الأوان كان قد فات. ...
جملته تلك المحفورة على قبره محفورة في قلبي
تؤلمني كلما عادت بي الذاكرة لتلك الليلة.
مسح دموعه بظاهر يده هو يحاول استرجاع رباطة جأشه وضعت كايت يدها على ذراعه وهي تحاول أن تواسيه: آسفة حقا دايف.
- لا ذنب لك في هذا بنيتي... لكنني لا أريدك أن تندمي مثلي... لا أريدك أن تتساءلين في يوم إن كنت قد منحت والدك فرصة ماذا كان سيحدث. . كثير
من الناس كايت يتمنون فرصة مثلك لطلب الغفران من ذويهم والاعتذار عن الكثير مثلي تماماً. .. أنا دوماً أتساءل مع نفسي ماذا لو كنت عدت... ماذا لو أنني لم اقل تلك الكلمات... لكن ماذا لم ولن تعيد إلي ذالك الزمن لكي أغيره... استغلي الفرصة يا كايت مادام والدك حياً وتيقني أنه يحبك بطريقته ولا يعرف كيف يظهر لك ذلك. قال هذه الجملة وهو يضمها لصدره وقد رنت كلماته في عقلها وسكنت قلبها ، منذ تلك
اللحظة قررت ألا تترك الماضي يبعدها عن.والدها وان تستغل كل فرصة للتواصل معه، قررت أن تمنح نفسها ووالدها الفرصة ليكونا معا ، حاولت الاتصال به في الفندق لكنه كان قد رحل إلى اليونان، فحاولت عدة مرات أخرى الاتصال به في بلده لكن تاليا كانت لها دائماً بالمرصاد وفي الأخير استسلمت وقررت أن تجعله يفتخر بها بطرق أخرى. ....
اجتهدت بالدراسة ودخلت كلية الطب كما أنها
لم تسمح لأي شاب بجرها إلى طريق العشق والغرام وأقفضلت على قلبها بثلاجة وجمدته من مشاعر الحب ولولا إصرار جوناثان وتقدمه الرسمي لها لما وافقت على الزواج به قبل أن تنجح في مسارها العملي ورغم خطوبتهما ظلت خطوطها الحمراء مرسومة وواضحة له حتى لا يتخطاها أبداً.
حبيبتي هل أنت بخير؟ "أعادها صوت والدها
الحنون إلى أرض الواقع وقطع حبل ذكرياتها".
اجل أبي... بخير.. مادمت بقربك فأنا بخير قالت وهي تزداد تعلقا به فضمها له هو الأخر بقوة قبل أن يبعدها عن دفء صدره ليقول:.سأدعك الآن لترتاحي. .. فغداً يوم طويل. . يجب أن نجد لك فستان . عرس يناسبك... كما يجب تغير بطاقات الدعوة... والكثيرا من الأمور.. لكن كوني متيقنة أنني سأدعمك دوماً عزيزتي وسعيد لأنك ستبقين هنا في بلدك الحقيقي.
كان يتكلم وهو يمسك وجهها بين يديه بحنان يحاول أن يعوض ما قام به في حقها في تلك الليلة فهو لا يلومها على خطئها بل يلوم راشيل التي لم تحسن تربيتها ولن ينسى نفسه منواللوم لأنه هو الأخر أزاحها عن حياته ولم يهتم بطريقتها في الحياة.

ابتسمت له كايت وهي تومئ برأسها موافقة وقد
عادت من ذكريات الماضي لتصطدم بأرض واقع
زواجها من نيكولاس، اللعنة لا توجد طريقة للخلاص من هذه المصيبة لقد أنقذت ميلينا من الفخ لتقع فيه هي، قبل والدها جبينها وغادر الغرفة متمنياً لها ليلة سعيدة بينما ظلت هي وميل في الغرفة.
- ماذا سنفعل كايت؟... كيف نستطيع إيقاف هذا الزواج؟ "قالت ميل بانهزام وهي تعود لتجلس
قرب أختها". بكل بساطة لن نستطيع ويجب أن نتوافق مع هذه الفكرة "قالت كايت وابتسامة المنهزم
ترتسم على شفتيها" مررت يديها في شعرها ترجعه للوراء وزفرت بقوة وهي تقول لأختها لا تهتمي... تعلمين أعتقد أن النوم قد طار من فلما لا تتحفينني وتخبريني قصتك ومن هو والد طفلك؛ فربما نجد حلا لك. آسفة فعلا كايت. .. كنت أريد حقاً إخبار
والدي أن لا ذنب الك وأنني المخطئة الوحيدة
بهذا البيت... أعتقد أنه يجب أن أخبره لا يمكنني تحمل وأنت تعانين.... قالت ميل هي تنزل رأسها للأسفل وعينيها تغرورقان بالدموع.
لا ميل... أحسن شيء قمت به أنك لم تكذبيني ولن تخبريه شيئاً.. قالت كايت بإصرار ثم أضافت:
ثم ماذا سنجني من الحقيقة الآن غير أن نفس
الفيلم الدرامي الذي مررت منه اليوم ستكونين
أنت بطلته غداً بل وأسوأ أنا اتهمته هو بعدم اهتمامه بي وتوجيهي فماذا سيكون عذرك أنت؟... دعي الأمر على ما هو عليه وأخبريني قصة ذلك النذل الذي خدعك. انه لم يخدعني حقاً فهو الأخر يحبني لكننا
تشاجرنا وبعدها توالت الأحداث بسرعة ولم أعلم متى خطبت لنيكولاس فالحقيقة كنت وافقت على عرض والدي لأغيظ لوكاس لا أكثر ولم أعتقد أن نيكولاس هو الأخر سيوافق وحين علمت بحملي أصبحت كمن دخل في دوامة لا يدري كيف يخرج منها ، لم أستطع إخبار لوكاس فهو غاضب مني كما لم أستطع إخبار نيكولاس فقد كان يمكن أن يفضحني.
كانت تتحدث وابتسامة سخرية من النفس مرتسمة على شفتيها وعينيها تلمعان بحزن من هو لوكاس هذا... إن كان يحبك كما تقولين فسيكون سعيداً بالتقدم لك الآن وإنقاذنا من فضيحة أخرى.
- لن تصدقي إن أخبرتك أن لوكاس هو شقيق
نيكولاس الأصغر.
- ماذا؟!!!!. قالت كايت بغير تصديق وهي تستوي في جلستها وتنظر لأختها باستغراب: أمجنونة أنت؟ كيف توافقين على أخ وأنت تحبين الأخر بل وحامل منه؟. .. ميلينا كيف... كيف استطعت؟.
أعلم أنني حمقاء لكن هذا ما حدث ولوكاس الآن في جزيرة براديس إحدى جزر نيكولاس،.غادر مباشرة بعد علمه بخطوبتي لنيكولاس وهو يرفض محادثتي منذ ذلك الحين ضمت كايت ذراعيها إلى صدرها وهي تدير القضية في عقلها من جديد خصوصاً مع المعطيات الجديدة، التفتت إلى أختها وقد لمعت
عينيها الزرقاوين ببريق غريب بعد أن كانتا باهتتين مما أثار الريبة بداخل ميلينا فهذا هو نفس البريق الذي شاهدته في عيونها قبل أن تخبر الجميع بأنها حامل!. فيما تفكرين كايت؟... صمتك هذا
يرعبني. أفكر بأنه بما أنني تحملت خطأ أختي فلا ضرر في أن يتحمل نيكولاس هو الأخر خطاً أخيه.
كانت تتحدث وقد أنير وجهها فجأة بابتسامة
رائعة وهي تقول: وسأجعله يأخذني إلى جزيرته تلك وسأجعل الغبي لوكاس يدرك حقاً مقدار خطئه بتركه
كايت أنت تخيفينني... كيف ستقومين بكل هذا؟. .. لا تقولي لي أنك حقاً مقدمة . على هذا الزواج!!.
قالت ميلينا بارتياب فهي اعتقدت موافقة أختها
ما هي إلا كسب للوقت إلى أن تجدا حلاً أخر، ولم
تعتقدها تنوي فعلا الزواج بنيكولاس فهذا الأخير ليس بالخصم الهين وأكيد انه سيجرعها كأس الندامة قطرة قطرة لما فعلته به هذه الليلة.
بالطبع عزيزتي... صمتت قليلا وقد بدأت الأفكار الشيطانية تسيطر على عقلها فابتسمت بشقاوة وهي تقول: سيكون زواجي منه هو بطاقتي الرابحة.
فقط دعيني أفكر كيف اقنع والدتي ودايف وبعدها كل الأمور ستكون على أحسن ما يرام.ظكانت تتحدث وهي ترجع ظهرها للخلف واستلقت على وسادتها والابتسامة لا تفارق وجهها تجعل الناظر إليها غير مصدق أنها هي نفس الفتاة التي كانت مكروبة منذ قليل، تغير مزاجها المفاجئ أخاف ميلينا أكثر مما طمأنها لكنها لم تستطع قول أي شيء فلا احد يستطيع ثني أختها عما تريد القيام به.
لا تطفئي نور غرفتي فانا أكره الظلام...
تصبحين على خير. قالت كايت لأختها حين لاحظت توجهها ناحية الباب بعد أن استلقت هي في فراشها طلباً للنوم. حسناً عزيزتي. ... تصبحين على خير.
غادرت ميلينا الغرفة باتجاه غرفتها بينما ظلت
الأفكار تتابع داخل عقل كايت حتى باتت تشعر أنها داخل فيلم سينمائي وخططت لكل خطاها القادمة وابتسمت لنفسها بنصر وهي تجر الغطاء إلى عنقها وتقول في نفسها، "عذراً أيها الغريب... لكنك ستضطر لاحتمالي طوال الأشهر القادمة" .

💄💄 المزيد من الكذب 💄💄

لم تدري كم مر من الوقت وهي مستيقظة، كل ما تعلمه أنها شاهدت أول أشعة الشمس تغزو غرفتها واستمتعت بصوت العصافير التي تشدو أروع الألحان في الحديقة كما راقتها مشاهدة الستائر وهي تتحرك طواعية بسبب هواء الصباح العذب الذي ملئ الغرفة بروائح الزهور العطرة، أوقفت عقلها عن التفكير لتتمتع بهذه اللحظة من السكينة قبل أن
يأتي احد ما ليقطع عليها خلوتها المؤقتة، كانت تعلم انه يجب أن تنهض فالكثير من الأمور بانتظارها لكنها رفضت القيام بأي حركة، كل شيء بإمكانه الانتظار ساعة أخرى. سمعت طرقات مترددة على الباب كانت
كالمنبه الذي أيقظها من حلمها الهادئ عرفت بالغريزة إنها ميلينا تمطت تبعد الكسل عنها وقالت بصوت متكاسل: ادخلي ميل.
طالعها وجه أختها المتردد بعد أن فتح الباب
كان يبدو عليها الإرهاق وتحيط بعينها.الجميلتين هالات سوداء جعلتها تبدو أكبر من عمرها بخمس سنوات كانت ترتدي ثوباً أسود قصير يصل إلى حدود الركبة بدون أكمام بسيط في تصميمه أشبه بثياب الحداد بينما.رفعت شعرها على شكل ذيل حصان ووجهها. الجميل خالي من أي اثر للماكياج.
صباح الخير كايت. ..كيف حالك الآن؟.
كان بصوتها تردد وهي تقترب من السرير المقابل لسرير كايت وتجلس على حافته وهي تفرك يديها ببعضهما البعض بعد أن وضعتهما بحجرها ، كانت كل تصرفاتها توحي بأنها تريد قول شيء ما لكنها مترددة. بخير... وأنت؟.
قالت كايت تحاول تشجيعها على قول ما في قلبها
أنا.. أنا.. قالت متلعثمة وازدردت ريقها بصعوبة قبل أن تقول: أنا لا أريدك أن تتزوجي نيكولاس. .. لا أريد
كل هذه التضحيات منك كايت. لن نستطيع فعل شيء الآن أختي العزيزة... الزفاف غداً ولا وقت لنتراجع مرة أخرى "قالت كايت بصوت هادئ متقبل للوضع الذي هي فيه". بل نستطيع فعل الكثير... نستطيع الهرب من هنا... نغادر إلى انجلترا ونعيش هناك. قالت ميل بحماسة تحاول قدر إمكانها إقناع
أختها بالعدول عن قرراها فان تزوجت المدعو
نيكولاس سيظل تأنيب ضميرها يعذبها إلى أخر
يوم بعمرها. ونتسبب لأبي بجلطة؟... يكفيه ما عاناه
البارحة لا نستطيع تحميله أكثر من طاقته ميل... نحمد الله انه تقبل وضعي باعتباري تربيت بعيداً عنه فلو علم الحقيقة لكنا اليومظنحضر لجنازته بدل زفافي.
- كايت أرجوك "قالت ميل بتوسل" لا تتزوجيه سنجد حلاً أخر لكن لا تسجني نفسك بسبب هذه الكذبة في زواج لن تجني منه غير العذاب. لا مجال لأي حل آخر... كما انه سيكون الوسيلة الوحيدة للاتصال بلوكاس أم نسيت. لا يهم لوكاس أو أنا فعلينا اللعنة نحن سبب المصائب... المهم أنت كايت.
قالت ميل وهي تتحرك من مكانها لتجلس بالقرب من أختها وأمسكت يدها بحنان وهيزتقول وابتسامة حزينة مرسومة على شفتيها: - أنا لا أريد أن أراك تتعذبين بسببي. .. يكفيني ما رأيته البارحة لأتألم العمر كله. أرجوك عزيزتي لا تفعلي.
شعرت كايت بالأسف حيال أختها لكنها لا تستطيع الرفض أو الهرب الآن فأوان التراجع قد فات وهي عليها تحمل مسئولية خطأ أختها كما على نيكولاس أن يتحمل مسؤولية خطأ أخيه حتى وإن لم يعلم، وبالنهاية يجب أن يسجل ابن أو ابنة أختها باسم عائلته الحقيقية فهي ترفض أن يكون مجهول الهوية.

افهميني ميلينا حقا لا نستطيع التراجع الآن "قالت كايت وهي تضع يدها على وجنة برقة وتمسح دمعة انسابت من عيني ميل" لا أريد أن أرى دموعك بعد اليوم. .. أريدك أن تعودي ميلينا السابقة الفتاة التي تضحك طوال الوقت... كما ارغب حقا بان تزيلي ملابس الحداد هذه فحياتك في بدايتها والطفل القادم سيكون بشرى خيرعلينا معاً... رغم أنني أشفق
عليه المسكين سيحير من هي أمه ومن هي
خالته. قالت كايت مازحة حتى تمسح الابتسامة
الحزينة عن وجه أختها التي ضحكت رغماً عنها
وارتمت بين ذراعي أختها وهي تشعر لأول مرة
بالأمان.... مرت مدة وهما على هذه الحالة إلى أن قطع عليهما رنين الهاتف هدوءهما ، ابتعدت ميلينا
قليلا حتى تستطيع كايت حمل هاتفها المحمول
الموضوع على الدرج بقرب السرير ظهرت علامات
الصدمة عليها وهي تشاهد رقم والدتها، أكيد أمراً ما طرأ تتصل بها في هذه الساعة، كما أنها نسيت أمر إخبارها تماماً.. اللعنة ماذا عليها أن تفعل؟.
فتحت الخط ومع أول حرف تنطقه صمتها صرخة
والدتها حتى إنها أبعدت الهاتف عن أذنها كي لا تصاب بالصمم، كان صوت والدتها غاضباً بل مزمجراً وهي تصرخ من الجهة الأخرى للهاتف كايتلين راشيل ديلاس اخبريني أي كارثة أوقعت نفسك فيها؟.
مع نطق والدتها لاسمها الثلاثي علمت كايت أنها
في ورطة وان أخبار البارحة قد وصلت لوالدتها
ولا شك مع الكثير من التحريف، لم تعلم لما
لكن إحساساً قوياً يخبرها أن لتاليا يداً قوية فيما يحدث الآن....... ماما اسمعيني.
قالت كايت تحاول تهدئة والدتها التي كانت تؤنبها بدون انقطاع لكنها لم تمهلها الفرصة وقالت بنفس الصوت الغاضب المعاتب.
- لن اسمع شيئا الآن... أنا في المطار أريد أن اسمع
القصة وأنت بوجهي... فللآن لا اصدق أي كلمة
مما قالتها تلك العقرب تاليا. وأقفلت الخط دون أن تنتظر أي جواب من كايت. وضعت كايت يدها على رأسها علامة حيرة وقامت من السرير وهي تذرع الغرفة جيئة وذهابا ببيجامتها الزهرية المكونة من شورت وقميص بدون أكمام، هي تعلم مدى غضب والدتها الآن وبما أنها قررت الحضور إلى هنا فلا شيء سيمنعها، ماذا يمكن أن تخبر والدتها حتى تصمت وتقبل بزواجها من نيكولاس. لا شيء بالعالم يستطيع إقناع راشيل ، بتضحية ابنتها لأجل ميلينا ، تذكرت دايف أكيد سيكون سنداً لها حاولت الاتصال به لكن بدون فائدة كان هاتفه خارج الخدمة زفرت بقوة وهي تقول بصوت فقد هدوة
اللعنة... اللعنة... أين أنت يا دايف حاولت للمرة الثالثة لكن الرقم ظل غير مشغل ... فرمت بهاتفها بعصبية على السرير وهي تلتفت لميلينا التي لا تزال الصدمة مرتسمة على وجهها من التطورات السريعة للأحداث.
أمي قادمة. .. أكيد إن الحرب العالمية ستقوم
الليلة. قالت كايت ساخرة فهي تعلم مقدار العداء بين
أمها وتاليا وكذلك مقدار الغضب المخزن منذ سنين بين أمها ووالدها ، أكيد أنها سيكون حرباً طاحنة للإرادات القوية ولن تتوانى والدتها عن قول رأيها الصريح في الكل. ما العمل إذاً؟ "قالت ميل بخوف" هل ستفضحني إن علمت الحقيقة؟ "أضافت بتوجس". - لن نخبرها الحقيقة لأنها بالتأكيد
ستفضحنا،.. لكن يجب أن أقابلها أولا قبل أن تصل للبيت فصدقيني أنا أدرى بوالدتي.. أول ما ستقوم به هنا هو شد والدتك من شعرها وتعريفها كيفية احترامنا. ضحكت ميلينا رغم صعوبة موقفها وهي تتخيل منظر والدتها وراشيل.. أكيد سيكون مشهداً لا
ينسى، وقفت تقترب من أختها وهي تقول:
- حسنا ما الخطت الآن؟. .. ماذا علي أن افعل لأساعدك في هذه الورطة التي أوقعتك بها؟.
يجب أن اذهب للمطار بمفردي... كل ما تستطيعين فعله الآن هو تأمين غطاء لي حتى لا يعلم احد بخروجي... أتعلمين ادعي انك أنا ونامي مكاني.
كانت كايت تتحدث هي تسرع لترتدي ملابسها
أخذت سروال جينز ازرق غامق وبلوزة بيضاء
ارتدتهما على عجل جمعت شعرها الذهبي على شكل كعكة وغطته بقبعة من الجينز تركت وجهها الرائع التقاسيم بدون ماكياج، كانت ميلينا تنظر إليها وهي لم تعد تستوعب حقا أي شيء فالأحداث تمر بسرعة وكايت قراراتها أسرع، لم تفق من غفلتها إلا حين قبلت كايت وجنتها مودعة.
لكن ماذا إن اكتشف والدي خروجك؟؟
"قالت بقلق وهي تشاهد أختها تغادر الغرفة".
لا تدعيه يفعل؟ رمت بقبلة هوائية باتجاه أختها وأسرعت تركض باتجاه الأسفل وهي تحاول أن لا يراها احد ومن حسن حظها كان الكل مختفي هذا الصباح فتاليا بغرفتها تعاني من الصداع بعد ليلة من
الأرق ووالدها ذهب لشركته للقاء نيكولاس لتوقيع عقود إحدى الصفقات أما الخدم فهم منقسمون أغلبيتهم بالمطبخ. حيت رجال الأمن بالبوابة وخرجت تركض باتجاه اخرا الشارع لربما يسعفها الحظ ولو لمرة بحياتها وتجد سيارة أجرة، وقفت لمدة ساعة
تقريباً دون فائدة فالشارع الذي يقطن به والدها
من أرقى شوارع أثينا اغلب سكانه يستعملون
سيارتهم الخاصة كادت تمرحين لاحظت سيارة
أجرة تتقدم في ذلك الطريق الطويل أشارت لها
بسرعة فتوقف لتركب وقد طلبت منه أن يقلها
بسرعة للمطار . أعاد نيكولاس قراءة نفس الجملة في ورقة العقد للمرة الخامسة إلى أن أصابه الملل لم
يحدث أن شعر يوماً بهذا القدر من التشتت،
استسلم أخيراً ورمى الورقة من يده لتسقط على
سطح طاولة الاجتماعات ووضع يده على صدغه
يدلكه على صداعه يخف قليلا، ظهر التعب جلياً
في عينيه رغم صرامتهما فهما لم يغمض لهما جفن طيلة الليل كان تفكيره كله منحصراً في كيفية التفنن في تعذيبها وجعلها عبرة لكل من تخول له نفسه جعله أضحوكة...... نيكولاس... هل أنت بخير؟.
قال ديم بعد أن لاحظ عدم مشاركة نيك في
نقاشهم حول العقد الجديد. اجل... مجرد صداع بسيط لا تهتم. قال بصوت واثق وهو يبعد يديه عن صدغه ليحمل ورقة العقد مرة ثانية من على الطاولة،
ضغط على عقله ليركز أكثر وفي ثواني قليلة رضخ له فأخذ يناقش العقد بطريقة يحسده عليها أقوى رجال الأعمال واستلم زمام الأمور مرة أخرى فلا شيء بهذا العالم قادر على إيقاف دماغ قرش اليونان عن العمل.
شعرت كايت بالتعب وهي تنتظر بالمطار فالطائرة القادمة من لندن تأخرت وقد تجاوزت الساعة الواحدة ظهرا وللآن لا جواب، بدأ الفزع يدب في أوصالها وهي تتذكر كمية الأخبار التي تسمعها يومياً عن سقوط الطائرات وأخذ عقلها في تصوير العديد من التهيؤات لكن صوت المذيعة وهي تعلن أن الطائرة القادمة من لندن قد حطت على ارض المطار جعلها تتنفس الصعداء وتحمد الله.

مر بعض الوقت قبل أن يبدأ المسافرين بالخروج كانت عينيها كما الصقر الذي يبحث عن جحر
أرنب تتنقلان من مسافر إلى آخر حتى وقعتا أخيراً
على امرأة شقراء تبدو صغيرة في السن رغم تجاوزها الأربعين تسير بكل ثقة وأناقة ببذلتها
السوداء المكونة من سترة أنيقة ضيقة باتجاه
الخصر وتنورة قصيرة لفوق الركبة، أظهر اللون الأسود بشرتها البيضاء النقية وزادها جمالا حتى
إنها اجتذبت عيون العديد من الرجال وهي تمر
بالقرب منهم...... ماما ... ماما ..
صاحت كايت وهي تشير بيدها إلى أن شاهدتها
راشيل التي رفعت احد حاجبيها استغراب وسارت
باتجاه ابنتها وقد تحول الاستغراب لغضب، توقفت أمام كايت لم تبادر بالتحية حتى مما يدل على تكهرب الأجواء. كيف كانت رحلتك ماما؟
قالت كايت وهي تقبل وجنة والدتها بمحبة لكن الأخرى ظلت غاضبة وقد أشارت لابنتها بان تتبعها دون أي كلمة، حاولت كايت الحديث أثناء الطريق ما بين ردهت المطار وسيارة الأجرة وقد قوبلت كل كلمة تتفوه بها بالصمت المطبق ركبتا السيارة وتوجهتا نحو احد الفنادق. ...
مرت أكثر من أربع ساعات على اختفاء كايت وقد أصاب ميلينا الخوف مما يمكن أن يحدث، وأسئلة كثيرة توجع قلبها وعقلها في آن واحد هل ستستطيع كايت إقناع والدتها؟ هل ستخبرها الحقيقة؟ هل يمكن أن يفتضح أمر حملها؟ ماذا سيكون عقابها؟ لا شك بأنه أسوء آلاف المرات من عقاب كايت..
سمعت خطوات تتجه نحو الغرفة وطرقات على
الباب ثم صوت ديرا تقول: صغيرتي... صغيرتي... ألا زلت نائمة للآن؟.. كايت حبيبتي لقد أحضرت لك الغداء. كان الصوت حنوناً لمدبرة منزلهم فلطالما
عاملت كايت كابنة لها بل أكثر من ابنة.. لم تجب ميل وقفت صامته مكانها وحين رأت مقبض الباب يدور قفزت مسرعة باتجاه الحمام وأقفلت عليها هناك ثم أسرعت تطلق شلال المياه حتى يبدو الأمر كما لو أن كايت تستحم. سمعت ديرا صوت المياه آت من الحمام فابتسمت بوهن وغادرت الغرفة وقد قررت العودة في وقت لاحق بعد أن وضعت صينية الغداء على رف بقرب السرير.
بقيت ميل لمدة بداخل الحمام إلى أن اطمأنت
الخلو الغرفة بعدها خرجت وأقفلت باب الغرفة بالمفتاح وهي تحتجز نفسها بداخلها وتدعو الله
أن تحضر كايت في اقرب وقت لأنها إن استطاعت
خداع ديرا فهي بالتأكيد لن تستطيع خداع أمها
أو والدها إن قررا الحضور. وصلت السيارة إلى فندق الشيراتون حيث حجز دايف بالهاتف غرفة لزوجته، كان قد أصر على مرافقتها لكن جدول أعمال عملياته كان ممتلئا للأخر هذا اليوم فما كان من راشيل إلا أن تصر على الذهاب وحيدة لحل مشكلة ابنتها التي
للآن لم تتحدث معها بخصوصها ، دخلتا ردهة الفندق الأنيق الذي يدل على مدى ثراء رواده من الأرضية الرخامية البيضاء إلى الأرائك الجلدية السوداء الموزعة بانتظام لراحة المقيمين وصولا إلى الثريا الكريستالية الضخمة المتدلية من السقف.
كانت الابتسامة هي العامل المشترك بين كل موظفي الفندق فكلما مرتا بموظف إلا وأحنى رأسه لتحية ورسم على شفتيه ابتسامة، أكدت راشيل الحجز وأخذت مفتاح غرفتها وابنتها تتابعها في صمت إلى أن وصلتا الغرفة، هل ستظلين صامتة هكذا ماما؟. ... قولي شيئاً قالت كايت بتوسل فقد ضاقت ذرعاً بالصمت الذي يحيط بها منذ وصول والدتها ....هل تعتقدين بمجيئك للمطار ستمنعينني من الذهاب إلى منزل والدك والأخذ بحقك ورد الصاع صاعين لمن أهان شرفك وكرامتك؟. .. إن سكت في الماضي فلأنك طلبت وقلتي انكزلن تأتي إلى هنا مرة أخرى... لكن الآن لا يا كايت مهما قلتي لن تغيري رأي في الذهاب إلى ذلك القصر المقرف.
قالت راشيل بإصرار وهي لا تزال واقفة بينما
عينيها تقدحان شرراً وهي تنظر للخارج من نافذة
الغرفة مراقبة حركة السير المزدحمة بالخارج.
أنت لا تفهمين ملابسات الأمر ماما... وهذا ما
أتيت أوضحه لك.وقالت كايت وهي تقف بالقرب من أمها التي مازال الغضب بادياً على وجهها.
لا يهمني كايت. .. كل ما اعرفه أن ابنتي لم يلمسها رجل من قبل فكيف يتهمونها بأنها حامل!!... كل ما اعرفه هو أنها جاءت بغرض كسب حب والد لا يستحقها وذلك ببراءتها وعفتها التي كان يجب أن يحترمها لا أن يتهمها.... قالت راشيل بغضب وهي تدير وجهها باتجاه ابنتها ثم أكملت.
مجيئك لن يمنعني يا عزيزتي فوفريوتبريراتك. ماما اسمعيني فقط.. أنا من أخبرتهم أنني
حامل.... قالت كايت بصوت خافت لكن أذني راشيل
التقطت الكلمة كما لو كانت رعداً زلزل ما تبقى من تماسك عقلها واعتلت وجهها الصدمة
وهي تقول: - أعيدي ما قلتي... "قالت آمرة".
أنا من أخبرتهم بتلك الكذبة. .. أنا أخبرتهم
أنني حامل.وقالت كايت بأعلى صوتها فقد سئمت الكذب لكن ما باليد حيلة، ما بدأته يجب أن تتمه إلى
النهاية....لا اصدق أذني. ... لا... لا... لا شك انك
تقولين هذا فقط حتى تمنعيني من الذهاب. قالت راشيل وهي تدير وجهها كعلامة لعدم التصديق وقد لمعت عينيها الزرقاوتين بألم مزق أحشاء ابنتها.
بل صدقي ماما،.. أنا فعلت ذلك حتى أوقف زواج ميلينا من نيكولاس كاتسورانيس. كانت كايت تتحدث وفي نفس الوقت تبحث في عقلها عن كذبة معقولة حتى تصدقها والدتها... وفي تلك اللحظة تذكرت حديثاً لها مع ابنةوخالتها ناديا حين قالت لها حتى لا تكشف الكذبة يجب أن تكون اقرب مما يكون للواقع، إذاً لتكون كذبتها محبكة يجب أن تزيفها
بأحداث واقعية.
لما؟. .. ما السبب الذي يجعلك توقفين زواجاً
كنت تموتين شوقا لحضوره؟. قالت راشيل مقاطعة بذلك استرسال ابنتها لأنني أحب نيكولاس. .. ولا أريده أن يتزوج غيري.
قالت كايت بصوت خفيض كما لو أنها تخجل
حقاً مما تقول لكن بداخلها كان صوت ضميرها
يعلو مؤنباً وعقلها يقول: "كذبة وراء أخرى يا كايت صار الكذب ينزلق على لسانك بسهولة كما لو انه مرطب بالصابون". جحظت عينا راشيل لوهلة قبل أن تنفجر ضاحكة من سخرية الموقف وهي تقول:
وهل من المفروض أن اصدق هذا .... كيف
تحبينه وأنت لم تقابليه يوماً... ولم نسمعك تذكرين اسمه مرة من قبل... قولي كلاماً غير هذا فأنت لست بالكاذبة الجيدة كايت.... صدقي ما أقوله أمي... لقد قابلته منذ شهر تقريباً ولم أكن اعرف غير اسمه الفردي نيكولاس ولم اعرف من هو حقا حتى أتيت إلى هنا... كانت تحاول بث الثقة في طريقة نطقها
للكلمات حتى لا تشك والدتها التي هي في الأساس غير مقتنعة.
- وأين قابلته عزيزتي؟. .. في غرفة العمليات أم
ربما في رواق المستشفى.. أوه لا.. لا أكيد قابلته في غرف الإنعاش التي لا تغادرينها إلا قليلا... متى قابلته وأحببته في شهر؟ لم تستطيعي حتى ملاقاة خطيبك بشكل طبيعي بسبب كثرة انشغالك.

شعرت كايت أنها محاصرة حقاً لم تجد كلاماً تكذب به ما قالته والدتها للتو، فعلا كيف ستحب شخصاً وهي لا تقابل غير المرضى وليس أي نوع من المرضى بل اللذين يكونون في حالة خطرة وأخر همهم الحب.
كان له صديق مريض بالمشفى الذي اعمل به وتقابلنا مرة بالكافيتريا ومنذ ذلك الحين ونحن نتقابل... لم استطع إخبار احد بحكم أنني كنت قد وعدت جوناثان بالزواج وهو قرر الابتعاد عني بعد أن علم أنني سأتزوج قريبا. .. لكن بعد أن فسخت خطوبتي قررت حضور زواج ميل وبحثت عن نيكولاس وأخبرته بمدى حبي له واكتشفت كم كنت متأخرة فهو العريس. لكن بعد علمه بمشاعري قرر إلغاء الزفاف، رفض والديه الأمر وأصرا على تزويجه فكان أن اتفقنا على أن أعلن عن حملي منه ليله العشاء التمهيدي حتى يلغى كل شيء ويضطر والديه للقبول بي، فأنت تعلمين مدى تمسك اليونانيين بأطفالهم.
كانت كايت تسرد قصتها الملفقة والتي بدت لراشيل كما حكايات ما قبل النوم فهي ربت هذه الفتاة لستة وعشرين سنة وهي تعلم متى صغيرتها تقول الصدق فمثلا منذ ابتدأت الحديث وهي تفرك يديها ببعضهما البعض كما أنها لم ترفع عينيها عن الأرض ولو لمرة منذ بدأت هذه القصة، ما يحير راشيل حقا هو لماذا تكذب كايت ما هدفها من وراء هذا؟ فهي ليست بالغبية لتصدق إنها واقعة بحب نيكولاس ذاك وأنها
تفعل هذا للزواج به فقط بل هناك سر غامض
وراء هذه الكذبة... أرجو أن تكوني قد فهمتي حقاً سبب ما قمت به... وأنا سعيدة بحضورك وما استقبلتك لأعلمك انك ستكونين أول المدعوين لزفافي غداً... أرجوك أمي لا تعترضي طريق سعادتي. قالت كايت بتوسل وهي تبتسم ابتسامة من الخارج فقط بينما قلبها يبكي دماً على الحالة التي باتت عليها وتحركت بسرعة تعانق أمها حتى لا تعطيها مجال للاعتراض كما لتشعر بأنه يوجد احد على هذا الكوكب يحبها ويساندها. أهذا ما تريدينه حقا كايت؟. قالت راشيل بهدوء غريب بعد صمت طويل وهي لا تزال تضم ابنتها بحنان إليها ، توقعت كايت
انفجارا أخر من طرف أمها وهي تتهمها بالكذب
والتلفيق فالكذبة حتى على أذنيها هي كانت سخيفة وملفقة من كل الاتجاهات.
- اجل ماما... هذا ما أريده.
لكن كايت مستقبلك. .. حياتك بانجلترا. . أنت ستتخلين عن كل شيء السبب أعلم يقينا انه
ليس حبك لذلك الرجل. - أحبه ماما .... ولن يردعني شيء أبدا... لذا أرجوك وافقي... أتوسل إليك دعيني أقوم بهذا الأمر وأنت راضية عني ولست معترضة لأنني سأقوم به في كل الحالات "قالت كايت بألم
وتوسل تناجي موافقة والدتها".
حسنا... لكن فلتتحملي مسؤولية ما تفعلين... لأنني متأكدة انك ستأتين بعد هذه التجربة إلي نادمة ومحطمة. قالت راشيل وهي تبعد ابنتها عن حضنها ببطء واستطردت بعد أن التقت عينيها بعيني ابنتها
وأمسكت بوجه صغيرتها بين يديها: ولتعلمي أنني لم اصدق أي كلمة مما قلت قبلا عن حبك لذلك الرجل..لكني لن أعارضك وسأحضر هذا الزفاف المزعوم وبعدها أغادر لبلدي وسأنتظر اليوم الذي تأتين إلي فيه بنفسك لتقولي لي السبب الحقيقي لإقدامك على هذا. .. اتفقنا.
الصوت الهادئ بالحنان المألوف من والدتها جعل
كايت تتوقف عن محاولتها الكذب مرة أخرى فهذا اقل ما تفعله إن كانت لا تزال تملك ذرة احترام لنفسها ولوالدتها.

كانت كراسي الكنيسة ممتلئة على الأخر بالمدعوين لعقد القران بينما احتلت عائلة نيكولاس الكراسي الأمامية وبالكاد بدا الفرح على وجوههم خصوصاً السيدة ليلى التي رغم تأنقها بفستانها الليلكي الذي أبدى جمالها الأسمر وتسريحة شعرها التي أصغرتها عشر سنوات، كان الحزن باد على ابتسامتها المتكلفة والخوف متمركز بعينيها السوداويتين، خوف نابع مما يمكن أن يفعله ابنها الذي يقف أمام مذبح الكنيسة بشموخه المعتاد المتوارث عن أسلافه رافعاً رأسه للأعلى رغم همسات المدعوين التي وصلت لأذنيه أكثر من مرة والتي زادت من قوة النار المستعرة داخله. كان يبدو هادئاً للعين المجردة لكن عرقاً ظل
ينبض بقوة في صدغه الأيمن هو ما كشفه لوالدته، تأنق ببذلة توكسيدو سوداء من أشهر الماركات العالمية أظهرت عرض صدره المميز مع ربطة عنق مناسبة، كان وسيماً بشكل مبهر بعينيه السوداوين المكحلتين برموش كثيفة تلمعان بغضب زاد من تألقهما وانفه الشامخ الذي ورثه عن أسلافه الإسبارطيين العظماء وشفتيه المنفرجتين بابتسامة خادعة تذكر الناظر بالمثل القائل إن رأيت أسنان الليث بارزة فلا تظن أن الليث يبتسم، وجهه بيضاوي بعظام وجنتين بارزة وذقن عريض تحمل غمازة طابع الوسامة الرجولي الأصيل، وقف إلى جانبه إشبينه ديم ابن عمة والذي كان لا يقل عنه وسامه أوكرباً
لما سيحدث بعد هذا الحفل. دخلت آني الصغيرة ابنة أخته سيلي البالغة من العمر ستة سنوات بلباسها الأبيض الشبيه بثوب العروس تقفز بمرح على طول الممر بين باب الكنيسة والمذبح وهي تصرخ بسعادة طفولية حسدها عليها نيكولاس في تلك اللحظة.
العروس وصلت... العروس وصلت. .
كانت كايت تضغط على أعصابها منذ استيقظت
صباحاً، لقد انتابها الخوف مما هي مقدمه عليه،
شعرت بأنها ليست على قدر هذه المخاطرة فكرت أكثر من مرة بالتراجع وطلب العون من أمها التي تركتها البارحة بالفندق، كانت الساعة الثامنة ليلا حين ودعت والدتها وعادت للمنزل وتسللت في الدخول كما فعلت في الخروج، وجدت ميل ما تزال في غرفتها لامتها على تأخرها فحكت لها على كل ما حدثزوكيف أن والدتها لم تصدقها ظلتا معاً لبعض
الوقت قبل أن تفترقا وتنام كل بغرفتها بعد أن
رفضتا النزول للعشاء فلا احد فعلاً شعر برغبة في
الأكل تلك الليلة. صباح اليوم كانت تشغلها كثير من الأمور أوقفت للحظات تفكيرها في العرس المقرر بعد
ساعات قليلة، أول الأمر نشب صراع كلامي بين
راشيل وتاليا وكاد يصل الأمر للضرب لولا تدخل
كل من ميلينا وسيزار وكذلك كايت. بدأ الأمر مع أول خطوة خطتها راشيل داخل القصر وقد كانت ملامحها المقبوضة تبين شعورها الفعلي لعودتها لهذا المكان الفاخر الذي يخزن لها أسوء الذكريات، أخر مرة خرجت من هنا كانت دموعها سيولا وكان قلبها محطماً ولازال اثر تلك الذكرى مؤثراً عليها للآن رغم
طول السنين. أنظروا من أتى... راشيل المبجلة... لقد ربيت ابنتك جيداً لتكون مثلك تماماً خاطفة
للرجال. كان هذا صوت تاليا المليء بالحقد والغيرة التي تنهش قلبها منذ سنين.
أشعلت الجملة نواقيس الثورة في جسد راشيل التي ردت بغضب مماثل لكنه غضب نابع من حبها لابنتها وحرصها على حمايتها. اسمعي أيتها الأفعى توقفي عن إلقاء سمومك حول ابنتي وإلا اقسم أن اقتلع عينيك بيدي هاتين.
قالت راشيل وهي تصر على أسنانها. أخفتني حقا يا صفراء. .. بدل أن تحني رأسك خزياً لما فعلته ابنتك الساقطة ترفعينه بشموخ فارغ... لكني لا استغرب حقاً فهذه هي نفس الطريقة التي اصطدت بها سيزار سابقاً ولا شك انك دربت ابنتك عليها جيداً.
بل أنت من لم تكوني بمستوى جمالي لتجذبيه لك... ولازلت يا تاليا فبشاعه قلبك باتت تظهر جلياً على وجهك القبيح... وأي كلمة أخرى بحق ابنتي سأضربك إلى أن تركعين تحت قدميها فهي اشرف منكم جميعاً. قالت راشيل بغضب مهددة وهي ترفع سبابتها في وجه تاليا التي لم تخف حقاً من التهديد وهي
تعيد بحقدها المعهود : لا اعتقد أن أي كلمة تستطيع وصف صفاقه ابنتك فتوقفي عن ادعاء الشرف.
مع هذه الكلمة ارتمت راشيل بسرعة فاجأت
الكل تشد تاليا من شعرها وتوقعها أرضاً لتنهال عليها كما اللبؤة التي تحمي , صغارها وما كان من الحضور المتفرج المصدوم إلا أن أسرعوا الخطى ليحولوا فيما بينهما وأبعدوهما عن بعضهما ، وأمر سيزار كل واحدة منهما بالتزام حدها والتوقف عن تبادل الإهانات كما أصدر أمراً لتاليا للذهاب مبكراً للكنيسة لكنها رفضت قائلة أنها لن تحضر هذا الزفاف ولو على جثتها وقالت كلمات نابية كثيرة في حق راشيل وابنتها رغم نظرات سيزار المهددة وحملت حقيبتها وغادرت المنزل إلى مكان مجهول تمنى الجميع أن يكون
الجحيم ، في حين رافقت راشيل ابنتها إلى غرفتها
وهي ترمق سيزار بنظرات غاضبة لو كانت تقتل
الأردته أرضا ، وهو كذلك احترم عدم توجهها بالحديث إليه واحترم غضبها فما تمربه الآن ليس سهلا وهو أدرى الناس بمدى تمسكها بابنتها.
مر بقية الصباح بهدنة حاولت راشيل كثيراً حث
ابنتها عن التراجع لكن بالنسبة لكايت أوان التراجع قد فات وهي لن تضع والدها بموقفزمحرج مرة أخرى ولن تنقص من هيبته أمام مجتمعه أكثر من ذلك.
حضرت المزينة ساعدت كايت بارتداء فستان الزفاف الذي ناسبها رغم انه في البداية فصل لينا، كان ابيض بدون أكمام أشبه فساتي الأميرات مطرز بالذهبي من جهة الصدر وملفوفزبشريط ذهبي من ناحية الخصر، بينما كان فضفاضاً باتجاه الأسفل، رفعت المزينة خصلاتها الشقراء على شكل شنيون، تركت بضع خصلات على جانب وجهها الذي زينته بماكياج هادئ
عبارة عن كريم أساس شفاف حتى لا يخفي جمال بشرتها الثلجية ووضعت ظلال الأعين خليطاً ما بين البني البارد والذهبي كما وضعت ملمعاً للشفاه بلون الفراولة. كان شكلها غاية في الروعة بدت عروساً
مثالية باستثناء أن هذا العرس هو مجرد كذبة
كبيرة تحاول إقناع الجميع بها، أدمعت عيني راشيل وهي تنظر لابنتها وقالت: كم تمنيت هذا اليوم. ... لكنني لم أتوقع انهزحين تتزوجين سيكون بهذه الطريقة. قالت وهي تمسح دمعتها التي انسابت على خدها تهدد بقدوم المزيد.
- انه ما أريده ماما... وأنا سعيدة بهذا... سأتزوج
الشخص الذي أحبه... والذي اخترته. قالت كاذبة وهي تحاول رسم ابتسامة على شفتيها في حين اقتربت منها أمها تضمها إليهازوهي تقول: أتمنى أن تكوني صادقة... لكن قلب الأم يعلم يا كايت. .. لكني سأساندك رغم ، كل شيء يا صغيرتي.
في تلك اللحظة دخلت ميل التي كانت ترتدي فستاناً صيفي مشمشي اللون قصيراً بحمالات أضفى عليها جمالا أخاذاً رغم الحزن البادي علىزوجهها والذي لم تفلح الزينة في إخفاءه تبدين رائعة..
علقت ميل بحزن وهي تنظر لجمال أختها وعينيها
قد اغرورقتا بالدموع. وأنت كذلك عزيزتي... فلنسرع والا سأم العريس الانتظار وهجرني وحينها أنا من ستبكي.زقالت كايت مازحة حتى تخفف من جو
الذي بات يكتم أنفاسها.

استقلت الليموزين البيضاء المزينة بالورود التي
طلبها والدها مخصصاً لنقل العروس، جلست ميل
بمقابلتها بينما جلس والدها بجانبها وفي الجهة
الأخرى والدتها ، لولا خوف كايت من نعتها بالجنون لضحكت من سخرية موقفها فكم تمنت منذ كانت طفلة لحظت كهذه حيث تجلس وسط والديها معاً لكنها لم تعلم انه يوم تتحقق أمنيتها ستكون في مراسم زفافها الشبيه بتشييع جنازة حيث الكل حزين بدءاً من العروس وأهلها إلى العريس وأهله.
توقفت السيارة أمام الكنيسة التي ستشهد أتعس
لحظات حياتها ، أصابتها القدم الباردة كما يقولون حيث جبنت في آخر لحظة وشعرت بالعرق يملئ يديها اللتان أخذت تفركهما ببعضهما البعض بتوتر، اخذ قلبها يدق بسرعة وقوة اصمت أذنيها عن سماع الحوار الدائربين والدها وميلينا، ظل تركيزها منحصراً بأنها ستخرج من هذا المكان إلى اكبر سجن في حياتها حيث ستقضي عقوبة غير محددة الأجل ومن اجل تهمة هي بريئة منها.
كايت حبيبتي... يجب أن ننزل لقد تأخرنا. كان هذا صوت والدها الحنون الذي لم تلاحظ انه نزل من السيارة ويمد لها يده ليساعدها على الخروج كما لم يلاحظ هو توترها وانكماشها على نفسها.
- إن غيرت رأيك فأنا هنا لمساعدتك.
قالت والدتها بهمس بعد أن لاحظت التردد البادي
على وجه ابنتها. لا... أنا واثقة مما افعل ماما. .. لا تقلقي. قالت كايت وهي تمسك بيد والدها الممدودة
وتنزل لتسير بقربه وخلقها كل من أمها وأختها
ورغم انه ليس بالزفاف الحقيقي لكنها شعرت
بالأسف لعدم تواجد دايف معها في هذه اللحظة.
بدأت الفرقة الموسيقية بالعزف مع أول خطوة تخطوها العروس إلى الكنيسة تتأبط ذراع والدها وتتقدمها ابنة أخته "آني" تلقي بالورد من سلتها الوردية، لا يعرف من أين أتته رغبه قوية بل هي أشبه بحلم بان يرى عروسه تتعثر وتقع على وجهها كما تمنى سابقا أن تصطدم سيارة موكبها في الطريق ولا تتمكن من الوصول، كثير من التمنيات لم تتحقق أي منها وها هي تتقدم باتجاهه مدنسه الفستان الأبيض بارتدائها له فهذا اللون رمز للعفة وهي ميزة لا
تمتلكها إطلاقاً أوصلها سيزار إلى جانبه في حين لم يتقدم هو ولا خطوة ولم تظهر عليه حماسة العريس
وفرحته بقدوم عروسه وهذا أمر لم يخفى على
الجمهور الحاضر، امسك بيدها وضغط عليها بغضب حتى كادت كايت تصرخ من الألم بينما كانت عينيه أشبه بجمرتين متقدتين غضباً، ازدردت كايت ريقها بصعوبة وهي تدعو ربها أن يلطف بها في الأيام القادمة فلا شك انه يخبأ لها اشد أنواع العقاب كما توعدها قبلا. وقف الاثنان أمام القس الذي ألقى التحية على الكل وبدأ بمراسم عقد القران لم يكن عقل كايت حاضرا بل كان مشتتاً بسبب لمسة يده
التي رغم الألم بعثت في جسدها تياراً كهربائياً
غريباً أصابها بالتشنج ولسبب اغرب عادت بها الذاكرة للحظة التي قبلها فيها في مطار لندن رغم أنها لحظة وجيزة وكان المقصود بها عقابها لكنها كانت مميزة ولذيذة وكانت تجربة جديدة على مشاعرها وجسدها واخذ عقلها يأخذها إلى أفكار أخرى ككيف سيكون
شعورها إن عانقها وكيف سيكون إحساسها وهي
بين ذراعيه تتلقى حبه وليس عقابه.
بنيتي... لم تجيبي إن كنت موافقة أم لا..
قال القس بهمس وهو يقرب وجهه منها فنظرت له
ببلاهة دون أن تفهم مقصده وحينها فقط انتبهت
إلى الهمهمة التي سارت بين الناس كما تسير
النار في الهشيم فالتفتت بدون وعي منها لنيكولاس الذي كان متشنجاً من الغضب وحاجبيه معقودين فقالت وهي تعيد نظرها عفواً ماذا قلت؟ "قالت بهمس" . هل أنت موافقة على الزواج من نيكولاس
كاتسورانيس يا ابنتي؟.
حينها فقط انتبهت أن نيكولاس قد انتهى من تلاوة عهوده وقد حان دورها لكنها بسبب غباءها غابت في فكر عقيم لا تفهم سببه ولم تتنبه وجعلت الموقف كما لو أنها مترددة في الزواج منه، وهذه غلطة أخرى لن يغفرها لها نيكولاس بسهولة.
اجل أبتي... أنا موافقة. قالت بصوت حاولت بث قدر من الثقة فيه لكنها فشلت فالشخص الواقف بجانبها يثير خوفهازبالإضافة إلى مشاعر أخرى لا تريد الخوض في تفسيرها.. أخذ القس في تلاوة العهود وهي تشعرزبالخزي من نفسها لتعهدها بما لن تفي به.
إن كان هناك من يعترض على هذا الزواج
فليتكلم الآن أو ليصمت للأبد.
قال القس بصوته الوقور وهو ينظر للمدعوين
لاحظ انه لا يوجد معترض هم بإعلان إتمام زواج كايت ونيكولاس لكن في تلك اللحظة وقبل أن تتفوه شفتيه بجملة أعلنكما زوجاً وزوجة سمع صوت ميلينا يتردد صداه في أرجاء الكنيسة وهي تقول بصوت

كانت ميل جالسة على أعصابها وهي تسمع وترى مراحل العهود وتتخيل حجم التضحية التي تقدم عليها أختها الآن، ستدمر مستقبلها العملي بتوقف
سيدوم لسنة على الأقل بدون مبرركما ستعرقل
حياتها الشخصية بزواج ليس حقيقي بالمرة، أي حياة ستبقى لكايت بعد هذا الزواج فهي تعلم يقيناً انه بعد أن ينتهي منها نيكولاس ستكون حطاماً لامرأة، كايت لا تعرف نيكولاس بقدرها هي ولا تعلم انه وفي هذه اللحظة قد تدبر جيدا كيف يجعلها أتعس مخلوقة على وجه الأرض، لا... لا يجب أن تجعل أختها تمر من كل هذا فقط بسبب خوفها هي من نيل العقاب الذي
تستحقه. ولما سمعت القس يقول جملة من لديه الاعتراض كانت كما جرس الإنذار الذي يعلن عن أخر
فرصة لها لتصالح ضميرها ولتنقذ أختها مما هي
مقدمت عليه فقالت وبسرعة وحتى بدون محاولة
لإعادة التفكير
أنا....... اعترض.. التفتت لها كايت وعلامات الصدمة مرسوم على وجهها ونظرت لأختها بعتاب فهي بهذا تفسد خطتهما لكن ميل حركت رأسها بألم من لم يعد
يستطيع الاحتمال أكثر، بينما وقف والدها مشدوهاً لا يدري ما يفعل وبالمثل نيكولاس الذي اختلط شعوره ما بين الفرح لأنه لم يتوقع أبداً أن السماء ستستجيب له وان هذا الزفاف سيتوقف وليس بأمر منه حتى يعرض سمعته كرجل مسئول للقيل والقال، والحزن لأنه فعلازلن يستطيع جعلها تدفع الثمن إن لم تكن
زوجته.

يتبع ....... 🎀

Continue Reading

You'll Also Like

3.9M 95.8K 57
ماذا ان كان الجميع مظلوم ماذا يحدث مع هولاء المسكين هل يبتسم القدر لهم ام لا
1M 31.3K 25
محتوى للبالغين +18 رغم انبهارها بوسامة خطيبها الا ان خوفها من كلمة زوج لم يزول ، كيف ستتعامل مع هذا الرجل ، لقد رفض الرأي الشرعيه فقط لانه واثق باختي...
2.5K 220 20
جاري الكتابه .... ♋⌛⏳⌛⏳⌛⏳ المقدمه:فتاة مراهقه عاشت حياتها والابتسامه لم تختفي من شفتيها كانت كالطاقه الايجابيه لأسرتها وحتى في اصعب الضروف كانت الوسي...
3.3K 268 9
هل سمعتم من قبل عن هؤلائك الاشخاص الذين يقومون بالاغتيال مقابل المال او خدمة معينة؟ .. نعم انهم القتلة المأجورون .. لكن هل سبق وان سمعتم عن عداوة بين...