لا تبكــــي

may_smile tarafından

227K 2.5K 692

بقلـم : عيووون القمر أولها شوية مملة لكن بعد ال 25 بتبدا القصة و الأحداث و الأكشن ! Daha Fazla

1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58

43

3.8K 39 3
may_smile tarafından



بالمستشفى ..
شادن جالسه جنب أمها ومشاعل بهدوء.. ولكن التوتر بسبب راهي زاد عليها مع الدقايق اللي يقضيها هنا...كانت تحسب الثواني عشان يطلع ويختفي عن عيونها... لكن مرت عشر دقايق..وربع ساعة... وأبو راهي يسولف مع أبو محمد .. وراهي يسولف مع محمد دقيقة..ويسكت لدقايق .. وخلال دقايق الصمت كان يرمي عليها نظرات مغلّفة محد يفهمها كثرها... تفهمها بسبب المواقف الصعبة اللي صارت معه..! وكلها جابت مشاكل مع عمر !!
ما تدري ليش... بس شعور الخطر داهمها .. هالانسان يمثّل شي من الخطر عليها...تعامله معها مو مريــح !
مشاعل همست وهي تتأمل في راهي ..اللي يصير أخو بسمة : هذا أخو بسمة؟؟
شادن بقلب مقبوض : ايه...
مشاعل : أزين شي إنهم ما جابوا بسمة معهم...جد مالي خلقها ..
شادن سكتت وهي مو مهتمه لهالطاري ألحين... واللي رجع لخاطرها بهاللحظة هو موقف راهي وبسمة فيها... موقف ما تقدر تنساه !!
مشاعل بهمس : وش فيه يناظرنا كل شوي؟؟؟
شادن تلفت أعصابها ومسكت يد مشاعل : خلينا نطلع... حاسه اني مخنوقه..
مشاعل التفتت لـ شادن بهدوء .. وفهمت إن شادن متوتره بسبب نظراته...مثل ماهي بعد متوتره ولا فاهمه السر وراها..
قامت شادن وهمست لأمها تختلق عذر : يمه بنطلع لدورة المياه ..إذا راحوا الضيوف دقي علينا ..
امها بصوت منخفض : لا تبعدون ..

مشت شادن وهي تحط شنطتها على كتفها... تحس بنظرات راهي الخفية وهي تتابعها لين تجاوزته...وصلت للباب وهي شادّه أعصابها بدون شعور.. وما استوعبت وضعها إلا يوم طلعت ..قلقت بدون سبب.. حاولت ترتخي شووي...شي في نظراته مربـك.. وتخاف منه من أول يوم طاحــت عينها عليه فيه...في البر!
مشاعل وراها يوم طلعوا : وش عنده الأخو ؟؟
التفتت شادن بهدوء : وشو؟
مشاعل : ..هالأخو اللي جوا.. يطالعنا..
شادن بهدوء : مدري عنه... اقول خلينا نروح نجلس تحت لين يطلعون..
مشاعل : يلله... ( وطرت فيها بالها فكرة ) .. دام الضيوف شكلهم مطوّلين..وأبوي ما جبنـا له بوكيه ورد ..شرايك ننزل للمحل اللي تحت نشتري وحدة ..
شادن استساغت الفكرة خصوصاً إنها بتمرر الوقت : زين..

نزلوا تحت ناحية محل الورد الموجود قريب من المدخل الرئيسي للمستشفى ...كان خالي وريحة الورد تبعث عالاسترخاء..ومافيه غير الموظف الفلبيني المسؤول عنه.. ابتسمت مشاعل يوم طاحت عينها على باقة جاهزة ..وشكلها راق لها : .. شوفي هذي مو حلوة؟؟
جت شادن وهي تحاول تركّز بأي شي.. أي شـــي !!..غير أفكارها الحالية.. تركيز تحاول تجمعه بجهد ...وابتسمت وهي تسلّط اهتمام بسيط عالورد : حليوة...بس مو ذوقنا..
مشاعل : وش ودك الألوان تكون؟؟
شادن وهي تقلب عيونها بالأحواض : مدري..(وبدون تفكير).. انتي وش في بالك؟؟
مشاعل وهي تحوس فمها من قلب : اممم ...انا أخبر أبوي يحب الجوري..بس مدري أحسه تقليدي..
شادن مافيها تركّز : اختاري بنفسك..
مشاعل : ذوقك أحلى مني !
شادن : لا مو أحلى..اختاري..أنا بتفرج !

وتحركت شادن ناحية الاحواض بالركن الثاني من المحل..تاركه مشاعل اللي التفتت للموظف : صديق..!..ايش ورد جديد عندك؟؟.. أبغى شي بيوتفل.. نااايس..
ابتسم الموظف وأشار لها بالاتجاه المعاكس لمكان شادن .. راحت معه تشوف بعض الأنواع... ومرّ عشر دقايق وهم بالمحل ..شادن تسمع مشاعل وهي تناقش وتحاول تنسق..!..
مشاعل بطفش التفتت لـ شادن : تعاااالي ماعرفت أنسق.. اخترت الورد بس ماعرف وش لـون الكورنيش والشريطة اللي بحطها ..تعالي شاوري..
جت شادن مستسلمه ..وشافت اختيار مشاعل... باقة ورد ممزوجة ما بين البنفسجي والسكري ..وشكلها معقول !
مشاعل مو مقتنعه : حلوة ؟؟
شادن : ناعمة ..
مشاعل : لا قولي الجد..أنا ذوقي بالورد وع..
ابتسمت شادن لا شعورياً : وع !.. ليش تحطمين نفسك كذا...قلت لك ناعمة ..
مشاعل بعدم اقتناع : أحسك تعطيني على قد عقلي.. ماتبين تحطميني..
شادن تنهدت : ..لو مو حلوة..كان قلت لك... غلفيها باللون اللي تحبين..
مشاعل : طيب وشرايك.. الكورنيش ذهبي والشريطة نفس الشي..
شادن شافت اللي تقصد.. ووافقت : ايه حلو..
مشاعل التفتت للموظف وقالت له يكمّلها بالشكل اللي تبي.... وهي تحاسب ..طلعّت بوكها واكتشفت إنه فاضي.. مافيه الا عشرين ريـال ..وهالعشرين ريـال ما تجيب شي..
عضت مشاعل شفتها بورطـة : شدون ؟
شادن تتأمل بعض البراويز والبطاقات بالرف : نعم ؟
مشاعل : معك 100 ؟..مامعي.. توني اكتشفت إن بوكي فاضي..
التفتت شادن لها بأسف : ما معي غير خمسين..
مشاعل بورطة : يوووه وش السواة ؟
لاحظت مشاعل إن الموظف يناظرها بتساؤل.. وهو ناوي بيربط الشريطة : مافي فلوس؟؟
مشاعل حسّت إنه بيوقّف شغل : لا لا فيه... ( التفتت لـ شادن ) .. بروح آخذ من أمي لا يعصّب..
شادن : روحي وأنا بنتظر هنا...لا يقول طلبوا وانحاشوا..
مشاعل : زين... ( التفتت للمـوظف ) ..خمس دقايق يا صديق.. كمّل بوكيه أنا بروح أجيب فلوس وبجي..

وقبل تطلع من المحل..دق تلفونها وكانت أمها تتصل.. ردّت عليها ...قالت لها شي وسكّرت..
شادن وكأنها فهمت : الضيوف راحوا؟
مشاعل : ايه توهم طالعين ألحين...يلله بروح أجيب الباقي وأجي..
شادن فضّلت تبقى بهالمحل.. جوّه مريح نفسياً بعض الشيء.. ويرخي الأعصاب لعله يعالج التوتر المخيف اللي فيها .. بس ما درت..إن الاسترخاء بعيد عن منالها هاللحظة... لأن عقب ما طلعت مشاعل ومرت دقيقتين... لمحت عبـر زجاج المحل الشفاف واللي يكشف لوبي المستشفى.. راهي وهو يمشي مع أبوه ناصين البواية عشان يطلعون...
طاحت عيون راهي عليها بحركة لا شعورية.. انتفضت واستدارت بقوة تعطيه ظهرها..وهي تدعي إنه ما يعرفها... وتحركت للجهة الثانية من المحل وكأنها ما شافته... هالحركة نبّهت راهي عليها.. وقبل يطلعون استأذن أبوه بشغلـه معينة لدقيقة...
مرت نص دقيقة وهي تقلّــب في البراويز ومعطيه باب المحل ظهرها.. للحظة.. أيقنت إنه طلع من المستشفى وراح..وتوّها بتتنفس الصعـداء..
لكنها انتفضت بكهرباء يوم سمعت صوته المألوف قريب.. وراها مباشرة ..
: .. شادن ؟
التفتت بسرعة ساحقة ناحيته بدون ادراك...كان واقف عالباب ومـا دخل غير خطوة وحدة .. ونظراته مسلّطه عليها..وكأنه يحاول يتأكد إنها هي ..!
خااافت منّه.. هالولد ما تدري وش بيطلع منه... مرة تحرش فيها.. والمرة الثانية خدعها مع إخته وأجبرها تركب سيارته من غير علمها.. للحين تحس إن ذيك الحركة خدعـة منه !!
سكتت وما ردّت بتحسسه إنه غلطان في البنت .. لكنّه حطّم محاولتها قبل تنجح ..
: الحمدلله على سلامة الوالد..
ما ردّت وهي تحس إنه يحاول يلقى مدخل للكلام معها..
ابتسم وهو يمشي ناحيتها بهدوء.. وعند هاللحظة بدا خوفها يزيد..لأنه ما يؤمن بالحدود ..
راهي وقف يوم بقت خطوة : فرصة سعيدة شفتك اليوم..
شادن حاولت تتحرك بس هو قدامها ويسد الباب ..
قالت بخوف : وخر... قبل أسويــلك فضيحة ..
ابتسم مرة ثانية..ابتسامة كبت الموية الباردة عليها... ما يخاف.!!.. هذا ما يخاف من أي شي.. ويثق إنه يملك حصانة من أي شي..
قال بهدوء : حبيت أسلم .. ريلاكس شادن.. بغيت أتكلم معك...لأنك بكل صراحة شغلتي بالي ..
رفعت نظرها ناحية عيونه بصـدمـة كاسحة من كلمته.. وهي مو مستوعبـة اللي يقوله..
شادن بهدوء متماسسسك بصعوبة : قلت وخر ..!!
راهي دخل يديه بجيب جينزه الماركه.. وابتسامة غريبة على فمه.. كأنه مستمتع : .. مارح أوخر..قبل آخذ منك كلمة !
ناظرتـه مشدووهه مو فاهمه وش يبي..وليش لحقها.. صدرها قام يطلع وينزل من توتّر.. وخوف وقلق.. ما تعرف وش بيسوي..
شادن بصوت ثابت وهي من داخل تنتفض : ..وخر خلني أمشي.. ما يصير اللي تسويه.. احنا بنصير أهل..
زادت ابتسامته ..وشادن عرقها يتصبب .. وقال بنبرته الناعمة المنتعشة بشي : ..وهذا الشي اللي مريّحني..إننا بنصير أهل..
ناظرته مو مستوعبة المقاصد اللي يرمي لها..
راهي لاحظ سكوتها..وأردف بنبرة هاديـة عشان ما تخاف : يعني بشوفك كثير.. وبنتقرب من بعض..وأنا حاب أعرفك..
هالمرة عقب الموية الباردة اللي انكبت عليها.. تلتها مثل الموية الحارة المغليّة نزلت عليها وألهبتها.. وحرقت أعصابها .. والموقف كله صار مخيف ومقلق وهالولد الطويل اللي تقدّر عمره ب28 أو29 .. يتطاول عليها مو محترم علاقة النسب اللي نشأت بينهم..
راهي اللي حاس بتوترها ..قال بابتسامة جانبية وهي يتلفّت بالمحل : ..تلفتين النظر يا شادن.. مو قادر أنسى أول يوم طاحت عيني عليك.. راكزه في بالي..
بلعت ريقها وهي تلتزم الصمت ..
راهي أردف : ليش أحس إنك خذيتي فكرة غلط عني..ترا ما كان قصدي سيء ذاك اليوم..
يقصد يوم البر ..تذكرت هذيك الذكرى العنيفة معه..بكل مافيها من جو مشحون..
وشدت قبضتها على شنطتها وهي تنتظر اللحظة المناسبة للهروب من المكان..بس ترددت تمر من جنبه..لأنها ما تستبعد تمتد يده لها وتمسكها وهــو ممكن يسويها..
وقالت بسرعة تبي تنهي هالموقف اللي يطول : ما أعرفك ولا أبي أعرفك... ألحين وخر..
راهي بابتسامة : على هونك.. ماني من النوع اللي في بالك.. هدّي لا تخافين مني..
وتحرّك للحوض اللي على يمينه خطوة وحدة..وشادن تراقب بحذر وجسمها كله منكمش بردة فعلة دفاعية مستعدة لو تهوّر وقرر يسوي شي ، مع إنها تقول لنفسها مجنون إذا فكر يسوي شي بمكان عام مثل هذا ..
التفت عليها ووردة صفراء تلمع بندى بين اصابعه..وبابتسامة لها : بتقبلينها مني...لو هديتك..!!!؟
عيونها تعلّقت بهالوردة ..وكلّها توتر.. وانقباضات قلبها ما رحمتها.. وراهي مو راضي يبتعد..
راهي بهدوء : شادن؟
شادن برجاء أعصابها ما تتحمل أكثر : ..بعّــد..
راهي بابتسامة : شادن أنا جاد.. ما أفكر ألعب أبداً..
شادن وصوتهــا يعلى لا شعورياً من الربكة : ترا بسويلك فضيحة ..
راهي ابتسم : ما أظن ناعمة مثلك تقدر تسوي فضيحة.. طيب ممكن تقبلينها مني.. وصدقيني بروح..
شادن طالعته وشافت الجدية بعيونه اللي ما نزلت عنها..تحدّق فيها بجرأة وكأنه بيخترقها..
الموقف صعب عليها... وهذا تعتبره خطر من يوم شافته أول مرة.. وهي أعصابها مو ناقصـة شد وجذب أكثر من كذا !!
راهي باصرار على موقفه..بهدوء : ممكن تقبلينها..؟

شادن لاحظت إن الموظف يطالعهم ويبتسم ..توتّرت أكثر لأنه أخذ فكرة غلط عن الموقف.. أكيد حط في باله إنهم حبيبين متخاصمين والحين اللي اسمه راهي يحاول يراضيها... جتها لوووعة من هالفكرة.. قلبت أمعائها..!!
ارتفعت نظراتها لوجه راهي من جديد.. واصراره على موقفه.. وأيقنت إنه مارح يبعد إلا لما تقبلها منه... ودام هذي الوسيلة الوحيدة فمضطره تسويها..
امتدت يدها ببطء لساق الوردة .. ومسكتها فوق يد راهي بالضبط واللي فاجئها بلمسته ليدها...سحبت يدها مع الوردة اللي طاحت بسرعة وعرقها يزداد ..
ضحك راهي على ردة فعلها : آسف..
نزل للوردة وشالها.. ومدها لها.. وشادن بتنهار في مكانها .. ما قد تعرضت لمواقف مثل هذي من قبل وصعب تتعامل معها..خصوصاً إن كان مع واحد مثل اللي واقف قدامها ألحين !!
راهي بنعومة : خذيها !
أخذتها بنفس البطء والحذر ..لعلّه يطلق سراحها ويختفي ..
راهي بكلمة أخيرة : فكري بكلامي يا شادن ..

قالها.. وراح للعامل ودفع له عالسريع ثمن الوردة..ومرّ من قدامها وطلع من الباب..واختفى !
وهي ضايعه ومشتته من حركته...وش يظن يوم يطلب منها تفكر بكلامه.. وش ناوي بعد؟؟
الموقف زاد من لوعتها... ما تدري وش يبي منها ..وهي ألحين تكرهه أكثر من أول..!! وش يبي منها مـو هو سبب انهيار زواجها !...مو هو السبب ؟.!! ..إلا هو.... هو القشة اللي حطّمت كل شي عند عمر ..!!
لاحظت نظرات الموظف لها وابتساماته الصامتة وهو يشتغل .. وهي هنا كرهت عمرها أكثر... كرهتها على المنظر اللي كانت فيه..
نزلت عيونها للوردة الأخاذة بيدها ... ووجعها قلبها بألم يهدّ جبال.. وردة !.. من واحد.. صار أكثر مخلوق تكرهه بهالعالم !
إنها ماسكه هالوردة بيدها .. كـ قبول لهديته...فكــرة زلزلتها بقووة وهي تحس بأشياء كثير تتحطم بداخلها...
وينه؟..
وينه ليته يجي....ينقذ باقي الحطـام داخلها !؟
وينه ينقذ الباقي قبل ينهار كل شي !!
وهي... مو عارفه لأي حد من الاحتمـال بتوصل قبل ينتهي كل شي !!

سمعت صوت مشاعل وهي تدخل بسرعة : تأخخرت ؟؟؟
بسرعة وهي معطيه الباب ظهرها..دخّلت الوردة بشنطتها قبل تلاحظ..وبدون تفكير حتى ..
مشاعل : يلله عشان أبوي يسأل وين رحنا ..
استدارت شادن عليها بهدوء : يلله حاسبي عشان نرجع..
حاسبت مشاعل وشالت البوكيه .. وشادن تحاول تتناسى الموقف اللي صار بس نظرات المـوظف ما خلتها تنسى.. وكأن اللي شافه زي الفلم وعاااجبـه ..!

رجعوا للغرفــة .. وأبو محمد أول ما شاف البوكيه اللي مع بناته ابتسم..
مشاعل : هذي لك ولا عاد تتعوّدها ..
ضحك أبو محمد على مزاحها..
بندر اللي جالس .. قال يحارش : مين اللي مختار الألوان التحفة ذي؟..
رمت عليه مشاعل نظرة تحذّره فيها لا يتتريق..
بندر : أنا اخبر الورد للمريض.. أحمر.. أبيض.. واذا شطحوا حطوه أصفر ..بس وش ذا؟؟
مشاعل بحدّة : مهب شغلك !
ضحك بندر يوم عرف انه اختيارها : يعني هذا ذوقك المنحط مثل ما توقعت !
عصبت عليه ..وانقهرت اكثر يوم شافته يضحك ورجع لنقرتها من جديد : .. بندووره اعقل ومالك شغل بذوقي.. هذا تعبـت عليه على ما طلع بهالشكل ..
بندر : هههههههه.. تعجبني هالثقة اللي فيك واللي خلّتك تختارين هالألوان..
مشاعل : وبعدين ما تشوف الورد الأبيض هذا .. جد ما عندك ذوق !

أبـو محمد يقاطعهم : ماعليك منه إلا ورد يطيّح الطير على قولهم.. ما عليك منه هالأقشر..
بندر ضحك : يعجبني هالتعزيز يابو محمد ..
شادن قرّبت من أبوها بهدوء تلغي أي شعور مريب حولها.. : شخبارك الحين؟
ابو محمد بحنيـة : بخير والحمدلله... توه الدكتور مرّ قبل تجون ان شاء الله الليلة طالع للبيت معكم..
شادن بابتسامة : الحمدلله..

::

في موسكــو..
نزلت سحر لـ صالة الفيلا وهي تنادي صوفيا.. كانت للتو انتهت من مكالمة مع أبوها واللي طمّنها إنه وصل الرياض بالسلامة.. راحت للمطبخ وما حصّلتها ..قالت لنفسها يمكن طلعت .. رجعت للصالة ومعها قطعة خبز بيدها ..تسد جوعها فيها.. رفعت عينها للساعة واللي كانت تشير لـ عشر ونص الصبح..!
وقفت على النافذة تتأمل المنظر برا.. وطاحت عينها على صوفيا موجودة برا وهي تنظف الطاولة الخارجية... ووليد جالس هناك على الكرسي.. والسوالف ماخذتهم..
بلعت خبزتها بسرعة وتحركت لهناك عشان تنضم لهم..
طلعت من الباب ..نزلت الدرجات واقتربت من مكانهم القابع بين الشجر من غير ما يحسون فيها بسبب سوالفهم المستمرة ..
صوفيا رفعت راسها وهي تلمح اقتراب أحد بينما هي ترتب مفرش الطاولة عشان قهوة الصباح .. وابتسمت : أوه .. لقد جاءت...
تركي اللي كانت سحر جايه من وراه... ما التفـت ..ليـن وصلت وجاوزته.. ووقفت جنب الطاولة وهي تسلّم : صباح الخير ..
تركي رفع راسه لها والنظارة الشمسية على عيونه : صباح النور..
صوفيا : لقد أيقظتكِ مرتين وأنت لا تجيبي علي... لن أوقظكِ مرة أخرى..
سحر ابتسمت : معذرة ولكني سهرتُ البارحة قليلاً..

قال تركي وهو يلتقط فنجال قهوته..بنبرة استياء خفيـة : لو تأخرتي عشر دقايق.. كان أخذت الشقرا بدالك ..
نزّلت عينها ناحيته وهي مستغربة ..وطقّها شي من الفهاوة اللي تلازم الصباح أحياناً بسبب الجوع والكسل..
تركي بابتسامة جانبية..شوي ساخرة : ..لا تقولين نسيتي؟
رجع بالها للاتفاق اللي تمّ بينهم أمس...طقّت راسها بقوة ..وهي تجلس مقابل صوفيا وتركي بالجانب بينهم : اييه..ههه آسفة .. بس لا ما نسيت..
تركي بسخرية خفيفة : .. هذا وأنا قايل بنتظرك من بدري... تدرين كم لي صاحي وأحتري حضرة الآنسة تصحى من نومها وتتذكر إن وراها مهمّة حياة أو موت اليوم..!؟
عضت شفتها السفلية وهو يتابع ملامحها.. بعفوية : آسفة وليد.. مـا نسيت بس سهرت شوي أمس..
قالت صوفيا : تناولي شيئا قبل أن تخرجا..
سحر : سآخذ كوباً من القهوة وذلك يكفي.. ( التفتت لتركي اللي انشغل بقراية كتاب..) .. أكلت فطورك؟
تركي وعيونه عالسطور.. ببرود : اممم !

حسّت إنه ماخذ موقف منها.. ورفعت عينها لـ صوفيا اللي تبسّمت وهي تبدّل الفناجين..
وناظرت تركي مرة ثانية... وباستغراب : قلتْ آسفة !
تركي وهو يقلب صفحـة جديدة وعيونه بالكتاب.. وبنفس البرود : اعتذارك مو مقبول ..!
رفعت حواجبها بدهشة .. وش فيه على هالصبح معنفق ؟!
سحر : وليش؟.. أصلا تونا بدري.. الساعة حتى ما جت 11...
تركي من دون ما يناظرها : واحنا وش متفقين أمس؟!
سحر : أوكي فاهمه عليك... وللحين قدامنا الوقت ..
تركي رفع راسه لها..والنظارة تخفي نظراته : تدرين وش أكثر شي أكرهه ؟
سحر حسّت إنه ناوي يلعب لعبة جديدة معها اليوم.. والدليل أسلوبه ذا ، والمختلف عن أسلوبه أمس .. لأن مو معقول يزعل عشانها تأخرت نص ساعة !!...وسكتت تتابع..
تركي : أكثر شي أكرهه لما آخذ شي بجدية مع أحد.. والأحد هذا ما ياخذ جديتي بجدية..
عفطت ملامحها تحاول تستوعب : هاه ؟؟
تركي بابتسامة جانبية لاذعة ..وصّلت لها المعنى : كلامي واضح !
فهمت إنه يقصد اتفاقهم أمس.. وهي كــررت : وأنا ماخذه طلبك بجدية.. لو بلعب عليك ما عطيتك كلمة أمس...
وسكتت وهي مستغربة إنه جد ماخذ موقف.. أو ...يبي يلعب بأعصابها كالعادة..؟!..وهذا الأرجــح!
سألت بعد لحظة وهو ما يطالعها : إنت تخطط على شي؟؟
ابتسم بجانبية .. ورفع راسه مرة ثانية : مثل ايش؟؟
سحر وعيونها تضيق بعفوية..وبطريقة تحقيق : مدري... لعبة جديدة .. أو أقول درس جديد من دروسك اللي ما خلصت للحين !
تركي حط الكتاب على حافة الطاولة بيد وحدة.. والثانية رفع بها نظارته لشعره وكشفت عن عيونه اللامعة : مالك شغل بدروسي... وإيه اعتبريه درس على عدم الالتزام مع الفقير وليد..
ضحكت لا شعوريا من كلمته : وشفيك ؟.. خلاص ياخي إذا زعلان وما تبي ، عندك صوفيا ( تأشر على صوفيا اللي انتبهت لحركتها ) .. ذوقها حلو وصّها وبتجيب لك كل اللي تبيه..
صوفيا اللي ما فهمت حركتها : ماذا؟.. لماذا تشيرين إليّ؟؟
سحر ناظرتها توضّــح : وليد طلب مني البارحة مساعدته في التسوق..يحتاج بعض الحاجيات ولكن يبدو الآن بأنه لا يريد..
ضحكت صوفيا : أجل لقد أخبرني بالأمر هذا الصباح.. كنت أتمنى مرافقتكم ولكن لدي بعض الأعمال لأنجزها اليوم في الخارج.. أثق بأنك تستطيعين تولّي المهمة.. فوليد يقول بأنه لا يفقه بأمور التسوّق شيء..
سحر رمت نظرة جانبية لتركي الساكت.. بتقول له يقومون بدون ما تعطي كلمات اعتذار أكثر ..قالتها مرتين قبل دقيقة مع إن الموقف ما يستاهــل وهو يدّعي الاستياء..إن قبـلها ولا ما قبلها هالشي راجع له..!! ومارح تعطيه فرصة يطبّق درس جديد من دروسه الغريبة اللي كل مرة يفاجئها فيها ولا تدري عن طبيعتها إلا عقب ما تاكل المقــلب والدرس مثل الغبيـة بدون شعور !!
سحر : تبي اليوم خلنا نمشي..وإذا ما ودك بــراحتك..
تركي رمقها بسخرية هي بدت تفهم أهدافها.. يبي يوتّر لها أعصابها عشان يوسع صدره ..
وقال : تلوين يدي يعني؟؟
سحر بغرور عفوي : .. أنا للحين عند كلمتي وما تراجعت عنها.. إنت تبي تحسسني إني ارتكبت جريمة..ومارح تنطلي علي!
تركي شال ظهره من المسند عقب ما كان مسترخي.. ومال ناحيتها بشكل مفاجيء وعيونه تضيق .. وكأنه يتوعّد بشي من الجديــة والمزح.. وسحر صمــدت قدام حركته بدون ما يرفّ لها رمش وهو يردف : .. مستعدّة تتحمليني اليوم؟؟
سحر بصمود : إيه..
تركي وعيونه تنتقل بين عيونها ، وشدّتها النظرة الحاذقة اللي فيها : ..جوابك سريع !
سحر بعفوية : ..بركاتك !
ارتسمت ابتسامة جانبية جديدة على فمه.. ونظرته الحاذقة لازالت نفسها ..
وسحر شافت هالابتسامة اللي تتوعدها بأشيــاء ..أردفت بسرعة تردّ له أسلوبه : وبعدين .. أنا اللي بكرر السؤال وبسألك..مستعد تتحمل وحدة مثلي اليوم.. سألتك أمس وما أظن بتقدر..
تركي انتقلت الابتسامة لعيونه وضحكة عابرة تطلع مع خشمه...وارتدّ بظهره للخلف يزيد المسافة بينهم وهو يقول : صعبة أتعب من وحدة مثلك !
طلع لها فجأة قرن شيطاني صغير براسها ..من نبرتـــه ..قبـل كلمته... لأنه كالعادة متى ما راق له المزاج يبدا يحاول يستفزها..
وتركي لاحظ الحنق بوجهها.. وشفاتها المزمومة بعفوية ..
وابتسم : فيه شي بتقولينه؟؟
سحر قالت اللي خطر على بالها هاللحظة : أشك إن عندك انفصام شخصية !..كل شوي بحال معي !!
كتم ضحكتـه ، وحافظ على هدوءه : أعتبرها ميزة عندي.. وبعدين .. معك ما ينفع غير هالأسلوب يا آنسة.. وأظنك تعترفين بهالنقطة..

وجــع !!.. ضاقت عيونها عليه لأنها فاهمه قصده ..
وقالت : ومضطره أتحمّل.. ولا تتوقع إني بنهار من هالأسلوب .. بتشوف!
تركي وهو يقلب فمه على تحت بلا مبــالاة : طيب برافو عليك..
سحر قامت واقفه تنهي الكهررباء اللي يخلقها متعمّد : أنا بروح أتجهز.. عشر دقايق وراجعه..
تركي : لك خمس دقايق !
سحر بعناااد : باخذ عشر دقايق إذا مو عاجبك.. خلّص الموضوع بنفسك.....عطيتك وجه!
وتركت المكان وهي تمشي بخطوات سريعة فيها شويّة حدّة.. بينما تركي رجع للكتاب وهيئته تنضح عدم اهتمام بالموقف.. ينتظرها لما ترجع !
صوفيا اللي لمحت حالة سحر وهي رايحه..بابتسامة من الموقف : لماذا تزعجها؟؟
تركي وعيونه على السطور : .. لأرى ماذا ستفعل لو أزعجتها !
صوفيا ما فهمت : ماذا؟
تركي بابتسامة جانبية : لقد أزعجتني ولذلك أزعجتها..
ضحكت صوفيا وهي تحس إنه سواها من باب المتعة لا غير..وخصوصاً إنه قبل تجي سحر كان طبيعي ..بس واضح إنه يحب يتعامل مع سحر بأسلوب معين وغريب ..وهالشي يلفتها لأنه ينفع مع سحر ويخلّيها تعبّر عن انفعالها بشكل مضحك وعفوي...ورغم إنها ما تفهم الحوار إلا ان ردود الأفعال تقريباً تخليها تفهم الجو !
صوفيا بضحكة : كفاك تلاعباً بها.. إنها تتأثر بسرعة ..
تركي باقتضاب : أعلم ذلك..
صوفيا : يالك من غريب !

::



شالت سحر شنطتها عقب ما بدلت ملابسها ولبست لبس شتوي.. وربطت حجابها مثل المعتاد.. شالت تلفونها ونزلت عشان تطلع لـ وليد اللي أكيد جالس ينتظرها..
صوفيا طلعت من غرفتها وهي لابسه وناويه تطلع : انتبهي لنفسك..
ابتسمت سحر وهي تفتح الباب : إلى اللقاء.. لا تشغلي بالكِ..
نزلت الدرجات وعيونها تطيح على وليـد وهو واقف عند البوابة معطيها قفاه..لابس بنطلون جينز أزرق غامق..وبلوزة هاينك سوداء والجكيت الرمادي .. مع الآيس كاب اللي يغطي راسه..نفس لبسه اللي شافته بآخر مرة... بحالــة انتظــار..
مشت لهنااك ويوم قرّبت تنحنحت .. انتبه على الصوت..التفت لورا ويديه بجيوب جكيته الرمادي ..وابتسم ابتسامة صغيرة..وهو يعلّق : صارت ربع ساعة مو عشر دقايق..!
سحر رفعت حاجب واحد وهي تحسه مستقعـــدْ .. بس بتوريه أعصابها الثلج : .. حسبتها كلها 12 دقيقة والدقيقتين الزايدة هذي خذتها في المشي لعندك..
تركي بابتسامة : بعدّيها هالمرة ..
سحر قامت تتأمل هيئته بصمت وتدقيــق..وتركي لاحظ نظراتها التقييمية اللي تمر عليه من فوق لتحت..
سكت لحظة ..وقـال بعدها : وش تناظرين؟؟
سحر ابتسمت بمتعة ..وعيونها تنقلب لوعيد ما فهمـه باللحظة الأولى : .. في بالي أسرمكك ..مــن إلــى !!
تنّح شوي وهو يحاول يستوعب الكلمة .. "أسرمكـك" ..يعني أعدلك من أول وجديد..
وسحر اللي توها تاخذ مآخذ على ستايله..قالت بصراحـة : تصدق بقولك شي..بس لا تزعــل.. إنت كنت بالرياض زيرو بالموضة وأحلى ما لبسته يوم أعطيك من ملابس خالد أخوي ( وهي تتذكر بسخرية بسيطة ) ..وتحسّنت هنا شوي...بس مو منــك..من الشتاء اللي يخلي الواحد يتعدّل ويتأنق.. وأنا مثل ما قلت لك..بشتري على كيفي ..
ضيّق عيونه يوم استوعب من كلامها إنها تنتقد وتطلع عذاريب فيه.. وتلسعه بنية مقصودة ..!..بس ما عصّب لأنه عطاهم ذاك الانطباع بقصد واستقصاد ..
وابتسم رغم هذا .. يجاريها : .. بنشوف وشلون بتسرمكين هالمسكين.. ؟
ضحكت غصب وهي تمشي : هالمسكين مب عارف نفسه بعد كم ساعة !

مشى وراها وهو يحبس ابتسامة من هالثقة المتناهية بصوتها.. بس مو مشكلة بيمشي معاها للآخر..ويشوف وش بيطلع منها بالأخير...
تركي صار بمستواها وبينهم فراغ بسيط : بس مارح أتنازل عن حقي في الراي!
ناظرته وهي تمشي : أي راي؟
ناظرها من جنب : رايي مارح أتنازل عنه..
سحر ابتسمت : إنت فكر تتحملني ألحين..بعدين نشوف !
تركي : انتي ركزي على مساعدة هالمسكين وانا راضي بالتعب..

استقلّوا الباص العام..وبعد عشرين دقيقة وصلوا لمنطقة تشتهر بالمحلات التجارية تطل على شارع يعتبر ممشى للناس وفيه بعض المقاهي والمتاجر بمختلف مستوياتها.. المكان مكتظ والحياة بهالشارع مستمرة..والجو فيه حلوو..
سحر التفتت لـ تركي يوم وصلوا ..بابتسامة تبي تشوف رايه : وش رايك؟.. مارح تلقى مكان وشارع كبير وحلو مثل هذا..
تركي قلّب فمه لتحت بهدوء : .. أعتبرها بداية حلوة.. تطمّني مبدئياً..
ناظرته باستنكااار من كلامه : وش متوقع؟.. بوديك مكان خايس مثلاً..
تركي اعترف : تبين الجد إيه متوقع تاخذيني مكان يناسب وليد...بس أقدّر أمانتك هذي..!
ابتسمت بعفويـة... وأردفت : أنا ما فكرت بمستوى وليد فكرت بمكان بنلقى فيه كل اللي تحتاج من غير تعب..
تركي وهو يناظر الناس عالأرصفة وما يناظرها : وأنا أقدّرلك هالشي يا آنسة ..
سحر تنهّدت : أوكي... ما قلت لي وش تحتاج...كتبت أغراضك بورقة ؟؟
تركي ابتسم على جنب بشقاوة .. وهو يلتفت لها : لا للآسف...
سحر باستغراب : وشلون بنتحرك أجل!.. كذا يضيع الوقت!
تركي وهو يدق راسه بإصبعه : كل شي محفوظ هنا... ما يحتاج ورقــة..
رفعت حواجبها من ثقتـه... وتماشت معه : طيب.. وش تحتاج؟!
تركي هزّ كتوفه : كل شي يخطر على بالك.. والأهم الملابس ألحين..أحتاج لشي يساعدني أتحرك بهالجو..
تنهّدت سحـر وهي تتلفّت يمين وشمال تتأمل المحلات اللي تمتد لأميال..تحاول تلقى نقطة الـبداية اللي ينطلقون منها... بس وليد يحتاج كثير وهي ما تقدر تبــدى بفوضى وحوســة..لازم ترتّب أفكارها ولّا ما تعــرف تركّز..!
وبفكرة سريعة خطرت عليها...تحرّكت بصمـت ناحية أحد المقاعد الموجودة عالرصيف... وتركي استغـــرب وهو يتابعها بعيونه مو فاهم وش ناويـه تسوي...
جلست وفتحت شنطتها بصمت.. طلّعت دفتر نوتــة صغير وقلم.. فتحت صفحة بيضاء ..ونزعت غطاء القلم بفمها... وبدت تكتب بتركييز شديد..
لا شعورياً ابتسم تركي وهو يراقب من مكانه انغماسها الشديد في الكتابة .. والواضح إنها خذت الموضوع جد × جد .. بينما هو ما عطــاه ذيك الجديـة الكبيرة ..!
اقترب منها وهو يشوفها عاضّة على غطاء القلم بشفاتها ..وعيونها مررركزه بشدّة..
بهاللحظة كانت تمثّل البراءة بكل مافيها... تعطي بإخلاص.. ونيّتها بس تساعـد..من غير أي أهداف ثانية!
تركي تملّكه الصمت ثواني وهو يراقب جديّتها الكبيرة المتجليّه قدام عيونه.. وذيك البراءة النقية ..عكســه تماماً.!!.. بدون ادراك تحـرّك من جديد ناحيتها... ونزل على ركبة قدامها ..وبدون مقدمات سحب غطاء القلم من فمها ..
رفعت راسها يوم طلعت من تركيزها بنظرات تساؤل.. وتفاجئت بابتسامة ناعمة غير عن العادة..على فمه : ..ليش تكتبين؟
سحر بهدوء تمالكت نفسها : ما أعرف اذا ما كتبت!.. أضيع!
ابتســم : تضيعين؟... وأنا.. وش وظيفتي جاي معك..؟
سحر نزلت راسها تكمّل كتابة : فيه أشياء لازم أكتبها أو تروح من بالي..
تركي تنهّد ..من قلبـه : لا تاخذين السالفة جد لهالدرجة !!
رفعت راسها مرة ثانية باستغراب مو فاهمه ..وبهدوء : مو إنت قلت تحتاج كثير أشياء ..؟
تركي بهدوء : إلا قلت... بس مو ضروري تكتبين..بإمكاني أنا أقولك اللي أبيه..
ابتسمت بعفويـة زادت من براءتها بعيونه : عادي وليد أنا أسويها لنفسي بعض الأحيان اذا خفت أنسى شي...
قام على حيله وهو يرمي غطاء القلم بحضنها.. وباقتضاب وهو يتحرك بعيد : على راحتك..

ما درت ليش حسّت بشي غريب في موقفــه..بس دنّقت من جديد تكمّل اللستة قبل لا تنسى شي من الأشياء اللي طروا على بالها..
دقيقتين وانتهت...قفلت القلم ودسّته جوا الشنطة..بينما خلّت النوت بيدها .. قامت واقفه وهي تتلفـّت حولها ..تحاول تلقى وليد اللي ابتعد من دقايـق..وما قدرت تلمحه..
وين راح؟؟؟
مشت شوي وهي تتلفت بهدوء يمين ويسار ..تتأمل بوجيه الناس المنتشره..تبحث عن طوله وهيئته بينهم بس ما شافته !!... وين اختفى بهالسرعة؟؟

مشت أمتار أكثر وأكثر لقدام وهي تلتفت بكل جهة بهدوء..وتساؤل بعيونها...
فكرت تتصل عليه ..بس قبل تسويها ..وقفت مكانها يوم لمحت أحد يشبهه..واقف على الرصيف مقابل الساحة المشهورة بهالمنطقة واللي تعتبر في وسطـها ..يتأمل الناس المكتضين فيها وتأكّدت إنه هو..بس الغريب إنه واقف بعييد والواضح مافيه شي يشغله..
اقتربت بهدوء ..وهو واقف ما التفت عليها...
سحر : وين رحت فجأة جلست أدوّرك ..!
التفت بجسمه ويديه بجيوبه..وهدوءه سكنه من جديد : قلت أتركك لين تخلصين عشان ما أدوشك..!
سحر وهي حاسه بشي غريب : ليش بعّدت كثير..
تركي تحرّك ناحيتها ..وهالابتعاد اللي تقول عليه كان يحتاجـه : ..ما بعّدت !
سحر : هالساحة مركز الشارع ما توقعتك وصلت له..
ابتسم بهدوء : خايفه أضيع يعني؟
سحر : مدري بس المكان كبير ومتفرّع قلت يمكن تهت هنا ولا هناك..
ابتسم بجانبية على كلامها..وش تحسبه طفل ؟ : مارح أتوه.. أنا بعّدت عشان تركزين بطلبات وليد لا أكثر ولا أقل..
رفعت عيونها له وهي تحس من كلامه إن طلبات وليد..تحوّلت من مساعدة إلى فرض واجب... بس ابتسمت رغم هذا : طيب...نبدأ ؟

تركي : أنا وراك..
مشت قدامه مثل الدليلة ..وهو وراها يتبع خطواتها بهدوء أعصاب واسترخاء على وجهه.. تارك لها مهمّة القيادة ..!
دنقّت سحر للورقة وهي تمشي تقرا أول شي مكتوب باللستة ..بينما تركي يمشي بصمت وهدوءه الطبيعي معتريه..
وسؤالها ليش بعّدت؟ مر بذهنه من جديد..
ابتعد بدون ما يحس.. ولا تسألون ليش..بس لقى نفسه يبتعد ..!
قالت بعد ما خذت قرار : فيه محل رجالي حلو..شريت مرة لخالد اخوي منه.. ودّك تشوفه؟؟
والتفتت للخلف تناظره تبي تشوف رايه...
تركي : اللي يريحك..
سحر : أجل إلحقنـــي ..
وبشكل مفاجيء زادت سرعتها بطريقة مرحة ..وهي تلبس شنطتها على كتفها بشكل مايل عشان تاخذ راحتها بالحركة والتنقّل... تركي رفع حواجبه يوم لاحظ الحيوية تتضاعف فيها فجأة وهي تنطلق للجانب الثاني من الشارع..
لقى نفسه يتحرك بخطواته الواسعة خلفها وابتسامة مستسلمة لهالموقف على فمه...

دفع باب المحل الكبير والبارد..ودخل وهو يرمي عيونه بكل جهة يتأمل اختيارها الأول.. كان واضح فخامته بكل شبر فيه لا من ناحية الديكور والتنسيق...
جاه موظف أشقر متأنق بابتسامة ترحيبية : دابرو بجالوفات سنيور..
ابتسم بوجهه بصمت.. والتفت مرة ثانية يبحث عنها...لقاها بدت المهمة أوريدي وتحاكي واحد في جهة من الجهات المكتظة بالملابس الانيقة ..
الموظف عرف إنه مو روسي من شكله ..وحوّل عالانجليزية المكسرة بلكنته : كيف أستطيع خدمتك ؟!
تركي : لا داعي شكراً..
وتحرك ناحية سحر اللي بدت تسأل أشياء معينة مع أحد الموظفين..
وصل تركي وهو عاقد حواجبه : يا آنسة ..
التفتت بابتسامة ..واستغرب يوم شافها مستمتعة من الصميم ..
سحر بسرعة : ما قلت لي... وش اللي في بالك؟؟
تركي ما فهم : ايش؟
سحر : أقصد الستايل..وش اللي في بالك... كلاسيك.. كول ..ولا كاجوال..
عفط ملامحه من التدقيق اللي انغمست فيه...هو ما يهتم ولا بـواحد منها..ولا فكّر فيها..
وهي ضحكت وفهمت ملامحه المحتاسة غلط : أوه صح.. مالك بهالمصطلحات ...تعـــــال أوريك..
ونطت قدامه وعيونه تلاحقها بصمت وترقّب... شالت جكيت أسود كاجوال على شوية رسمية تحب شكله.. واقتربت منه بسرعة وهي تحطه على صدره بسرعة..، فــزّ لحركتها وهو يفتح عيونه مو متوقّع ..
ابتسمت ورفعت عيونها له : وش رايك؟؟
أبعد نظراته عن عيونها ..ودنّق يطالع القطعة الملامسة لصدره...
سحر : هذي الخامة حلوة ودافيــة... إذا تعجبك أو نشوف غيرها؟؟
ابتسم أخيراً.. وتفاعل معها : .. ما عندي مشكلة ..
سحر : اوكي أجل تقدر تروح تقيسها بغرفة القياس.. وأنا بشوف تشكيلة حلوة هنا..
ضحك لا شعورياً.. مو عشان شي قد ماهو الموقف اللي هو فيه.. بس مع كذا بيعيش الدور للأخير..!
سحر باستغراب : ليش تضحك؟
تركي وهو يستدير والقطعة بيده : مو شي مهم..
اختفى وهي نست نفسها بالتفررج.... صارت تفتش بانغماس ونهم كون التسوق أحد هواياتها اللي تركتها فترة ..!!
لقطت مجموعة بدقايق وبنظرات سريعة ..تعرف الزين أحياناً بالنظـر ومارح تتأكد إلا إذا جربها هو ..
أعطت الموظف القريب اللي كان معها ..القطع وطلبت منه يوديها له بنفسه..وجلست هي على كرسي تنتظر ..!

تركي بالغرفة .. قام يلف يمين ويسار وهو يشد السترة الأنيقة على جسمه... يناظر عمره بالمراية وابتسامة محبوسة على فمه..!.. والله تعرف تختار ..! .. ممكن يستفيد من ذوقها اليوم ويطوّر من ستايل وليد اللي جد بدأ يزهق منه..!
جاه الموظف وبيده كووومة كبيرة ما عرف يعدّها من كثرها .. ناظره تركي بدهشة من الكومة اللي جمعتها بظرف دقايق قليلة ..
ابتسم الموظف له : لقد أرسلتها لك ..!
حك تركي راسه بيده من هالكوومة الضخمة..مثل المتوهق !!..استوعب ان قدامه مششوار في التبديل والتغيير..وما رح يطلع من هنا قبل ساعة دام السالفة كذا !!
الموظف علّقها له بترتيب ..وطلع : خُذ كامل وقتك !

مرت ثلث ساعة وسحر جالسه بالكرسي ويدها تحت خدها.. ونافخه وجهها بحالة انتظـار وقدمها تدق بالأرض مع ألحان الموسيقى المنخفضة المشتغلة بالمحل..
وبينما هي تنتظر وليد يطلع ..وصلها رنين الجوال بشنطتها ..أخرجته بدون لا تفكر بالمتصل...
ولقت لقــب بسمة يشع بإلحاح ..!
هدت نظراتها وهي تتأمل الحروف...هذي ما تتعب أبد!؟.. ما يكفيها اندقّت للحين !
كم مرّ من يوم وهي سافهتها عقب ما عطتها لذعات مرّة.. وتنعّمت بالهدوء ..وهي لازالت مصرّه تحارب !!
ترد عليها؟.. أو ما ترد!!
وليش ما ترد دامها عرفت الأسلوب اللي تقدر تتعامل معها فيه..أسلوب ناجح بكل المقاييس ويردّ كل ذرة كرامة خسرتها ..دامها ما تبي تقصر الشر فهي عادي عندها تكمّل اللي بدته..
جا في بالها تطفّر بها شوي.. ورمت ظهرها للمسند باسترخاء واستعداد..
سحر : نعم ..؟
جاها صوت بسمة ما تغير فيه شي نفس الكره واضح..ولو إنه هادي : كل هذا خوف ؟.. أكثر من اسبوع أحاول أكلمك وانتي ما تردين..صراحة أثبتي إنك جبانة ومو قد مواجهة..
سحر ببرود صوتها .. وابتسامة جانبية : خوف منك؟.. لا أبداً... ما تستاهلين اللي يخاف منك لأنك مو قد هاللعب يا بسمة ..
بسمة : بنشوف منهو اللي مو قد اللعب... قلتها لك من قبل وبقولها مرة ثانية..مارح أسمح لك تخربين زواجي مع محمد..
سحر مالت براسها على اصبعها بروقــان انعكس على صوتها : يا إنتي بعد مخدوعة من محمد هذا ... مسكينة أرحمك !
بسمة اشتد صوتها واحتـــدّ : اللي يستاهل الرحمة هو إنتي... أو أذكّرك هو شلون رمـاك...بقولها مرة ثانية رماك زي الكلب .. وخذاني أنا..يبيني أنا.. أما إنتي أظـن كنتي تسليـة بالنسبة له..هههههه ..

تعترف!!
إنه كلمة "رمـاك".. هي الوحيدة اللي تجرح بين كلماتها...و "تسليـة" كانت أقوى... والمشكلة إن بسمة تدري إنها مؤلمة وعشان كذا تصرّ عليها وعلى تكرارها..ولا تدري وشلون أصلاً اكتشفت اللي بينها وبين محمد..!!..إلا إنها اكتشفت !!
لمعت عيونها بشبح دمعـة... بس مسكتها والله ما تخليها تنزل وذيك تسمع..
بسمة بسخرية يوم حسّت إنها ضربت وتر حساس : ساكتة؟.. هههه واضح الجرح للحين ينزف..مهما مثّلتي علي حقارتك !
سحر غمضت عيونها تمنع هيجان داخلي بدى يستشيط بفضل بسمة وأسلوبها اللي محد ينافسها فيه... وتحاول تمنع نفسها من سكب أي دمعة لو صغيرة...بس كان غصب..غصـــب.. بسمة ترقص عالجرح متعمّدة وتعرف نقاط جرحها وضعفها...بس وشلون تنســـى وهي تردد لنفسها تحتـــاج الوقت....وشــهر واحد للحيــن مو كــافي يعالــج كل شي تحس فيه !!
قالت سحر بجمود ..ودمعة جامدة تلمع برمشها...بدون شعور : أذكّرك ليش إنتي تسوين كذا يا بسمة.. تسوينه لأنك مو واثقة بنفسك وتدرين إني كنت بحياة محمد.. وصعب أطلع منها دامني بنت عمه..فهمتي يالمريضة ليش انتي تسوين كذا!!
بسمة بغضب : أنا مو مثلك ألحق ورا رجاجييل مو لها..انتي رخيصة ولابق لك هالرخص.. وحقيرة وسافلة وحيوانة..
الشتايم كانت كوم..وكلمة رخيصة كوم ثاني...
هذي كلمة جديدة هي تحس فيها من دون محد يقول من يوم صار اللي صار..
وبسمة جاية تضربها فيها..والمؤلم إنها عرفت تجيبها ..
سحر وشعور رهيب من الكره يعتريها ..شعور رهيب من الاحتراق داخلها : ..بالضبــط أنا رخيصة.. وعشاني رخيصة مارح أخليك تتهنين.. سامعه قلتها قبل مارح أطلع من حياته وبشوف وشلون بتعيشين معه.. واللي بعقلك المريض ذا سوّيه ..
بسمة : طيب يا سحر طيب.. بنشوف مين اللي بينكسر خشمه بالأخير..
سحر : للمرة الألف اقولك إرضـي بواقع وجودي في ماضيه ..ومستقبلــه.. خصوصاً مستقبله حطيها حلقة بإذنك !
بسمة وغضبها يتنامى : تخسين يا سحر مارح أخليك .. والله لأفضحـــك عند الله وخلقه..
سكّرت الخط بوجهها كالعادة ..تدق تجرحها وناويه تكسب الجولة ..وبالأخير تعصب وتغضب..تهدد وتتوعد وتقفل!!
ومع إنها ترد الصاع لـ بسمة ..إلا إنها ماتنتهي من المكالمة إلا بندبـة جديدة بقلبها ..!
رمــاك..!
تسليــة !
رخيصــة !
كلها بأوزان ثقيلة..وكلها تمثل الحقيقـة! ..وهالشي يقتــل شعورها !
ليت بسمة خذت محمد بس بدون لا تعرف باللي كان بينها وبينه.. ما كان زاد الجرح.. لو ما تدري كان انتهى الموضوع من يوم عرفت بالخبر ... بس بمعرفتها صارت بسمة الجلاد اللي يمنع الجرح من التخثر... كل ما نســت أيام..رجعت تنثر الملح وتفتحه بدون تقدير لمشاعرها !!
ليتها خذت محمد وانتهى الموضوع..ليتها ما درت.. كان الجرح ألحين محصور عليه لحاله !!
ما كانت بتحس بالإذلال قدام بسمة وهي بكل زيــفْ ترسم لها شموخها وعدم مبالاتها باللي صار..!

رفعت راسها ..وشافت الموظف القريب يطالعها باهتمام.. اقترب يوم شاف بعيونها تعابير لامعة : هل أنتي بخير؟
ابتسمت بسرعة خارقة وعيونها يسكنها الألم..قامت واقفة : لا شيء..
قررت تطلع من المحل بالهوا الطلق.. تستعيد هدوءها بعيد.. والأهــم..ما تبي وليــد يشوف دموعها.. وانكسارها..
رح يعـرف السبب أكيـد... رح يقرأها مثل عادته... وهي ما تبي تعليق جديد منه ..واحتمـال كبير ياخذها سخريـة وهي اللي قوت الأيام اللي فاتت..ترجع تضعف ألحين !!.. مارح يقبل هالتصرف منها !!
وقفت برا وهي تزفر.. ويدها تمسح على وجهها من توتر وشتـات يتجدد..
اهدي.. اهدي... لا تفكرين بكلامها ..لا تفكـريـ.......!


طلع تركي وهو يعطي كومة الملابس للموظف اللي كان ينتظره باحترام برا... ابتسم وأشار له بأشياء عجبته بحق..
ناظر ساعة معصمه يشوف كم مضى ..تقريباً له نص ساعة يحووس ...بدايــة قويية يا سحر !!،
طلع برا غرف التغيير .. وما لقاهــا..التفت بالأرجاء وما لمحها..
جاه الموظف يسأل : أتريدها جميعاً..؟
تركي ناظره : فقط ثلاث..
الموظف أشار له يتبعه ..بس تركي ما تحرك التفت مرة ثانية يدوّرها...
جاه الموظف الأشقر اللي كان معها يساعدها..يوم فهم إنه يبحث عنها..
تركي : أين الفتاة التي كانت معي؟
الموظف باهتمام : لقد خرجت قبل قليل.. لا تبدو على خير ما يرام..
تركي عقد حواجبه من كلمة "لا تبدو على خير ما يرام" ... يفهم هالحالـة ..ما تجيها إلا لسبب ..خصوصاً إنها كانت منتعشة قبل شوي ..!
وسأل : مالأمر ؟
الموظف : لا أعلم كانت تتحدث على الهاتف ..ثم خرجت !

إيه بس..فهـــم الموضوع !
سحر حتى لو انزعجتي ما المفروض تطلعين... هالحركة رسمت فعلاً إنك متأثرة ..
الموظف : هل ستحاسب الآن ؟
تركي : لحظة سأعود بعد قليل..

توجّه للباب وطلع وهو يلبس الآيس كاب على راسه..وعيونه تطوف بالرصيف المقابل ..أكيد مارح تبعد!
ومثل ما توقع كانت واقفة نفس مكانها على بعد خطوات..

جاهــا صوتـه وهي تتمالك نفسها : يا آنسة ..
التفتت سحر بهدوء يوم تأكدت إنها سيطرت على حالها...وجهها طبيعي بس كانت ترمش لا شعوريا تمنع الرطوبة اللي بعيونها..
تركي سوّى حاله ما لاحظ شي : فيه مشكلة؟
سحر بسرعة وهدوء : لا مافي... خلصت؟
تركي بعيون خبيرة : ..فيك شي؟؟
سحر أنكررت : لا مافي...
تركي : طيب ..أنا بروح أحاسب وجاي.. لا تبعدين..

رفعت نظرها له ..وشافت بعيونه لمحة جدية..وشي من السخرية الخفيفة ....لا !... مو هذا التعبيـر اللي تبيه..هي مو ناقصه الحين !! مو مستعدّه لنقد لاذع جديد!!
قالت تضيّع الموضوع : معك اللي يكفي أو أساعدك؟
فهم إنها تقصد الفلوس ..وقال : ولو إنك جايبتني لمحل يقطع الظهر ..بس بدلّع نفسي هالمرة ...
سحر بشك : متأكد؟؟
بابتسامة جانبية : معي اللي يكفي..وأبوك ما قصر... عطاني وزيادة ..
سحر ارتاحت توها الحين تكتشف الغلطة إنها جابته لمكان فاخر مثل هذا...بس دام أبوها عطاه يعني تشيل يدها ..
تركي وهو ماشي : دقايق وراجع..
دخل المحل وهي وقفت برا تنتظره...لازم تتناسى..هي بدت اليوم صح ..ولازم تكمّله صح..!
ووليد لازم ما يحس بشي..!

::

بمـكان آخر بعيــد ..
وعقب اعلانه الحرب... وقف عمر سيارتـه في أحد الهجر الصغيرة اللي مرّ عليها ..موجودة وسط البر.. وبعيدة عن أي طريق معبّد ..
بالنسبة له يُعتبر مكان آآمـن كثير وغير معروف..وهذا المهـم بهالوقت..
عقب المواجهة النارية اللي كشف فيها عن نفسه...ألحين بس يحس إنه تحرر .. ولو إنه يدري إنها مارح توقف على كذا..لأنه ببساطة يعرف نوعية عياف وربعه..ويدري إن أيامه الجاية مارح تكون سهلة أبداً... حافلة بتكون...حااافلة!
مر يوم ونص من ترك الجنوب ..واخذ طريق الرياض..لكنه لازال بعيـد عنها.. يتحرك ببطء وناوي يقضي كم هنا يرتاح.. والأهم ينتظر هدوء العدو اللي وراه..عياف وربعه... متأكد إنهم يدورونه وحايسين الدنيا عليه...بس مارح ينالونه لو حفروا الأرض شبر شبر ..!
رحلتـــه للرياض !
مارح تكون هالرحلة سهلة أبداً.. قدامه عقبات.. والخطر يحدق فيه من كل جهة..خصوصاً خطر الشرطة اللي ما يشكّ واحد بالمية إنه صار هدف لهم ..مثله مثل عياف واللي معه..
وألحين ..صارت الرياض ..هدف صعب الوصول له...لكنه بيوصل له مهما كان الثمن..ولو امتدّ الوقت شهور !

نزل بهدوءه ..وتحرّك لبقالة صغيرة تخدم الهجرة اللي فيها بيوت قليلة ..ناوي يشتري كم غرض يحتاجه قبل يكمّل مشواره..
دخل البقالة اللي قايم عليها رجل كبير بالسن الشيب الأبيض منتشر بلحيته ..بسييط للغاية..ملابس رثة وبسيطة والواضح من شكله وهيئته إنه ما عرف حياة المدينة بيوم...
ما أخذ الكثير.. علبتين موية وبعض الأكل الخفيف اللي يسد جوعه ويسمح له يحافظ على تركيزه وذهنه..
راح بيحاسب بصمته المعهود من غير من يقول كلمة..
بس الرجال قال بلكنة بدوية بعض الشيء : أَنتْ من هنيا؟.. أول مرتن اشوفك فيذا ؟
عمر بعقدة حواجبه وهو يقلب في بوكه : ماني من هنا ..
الرجال : عابر سبيل ؟
عمر باقتضاب : ايه..
الرجال بطيبة : مهوب عادة نشوف مسافرين يمرون من هنيا...تدري هالهجرة بعيدتن عن الطريق..وشلون وصلت فيذا ؟
عمر عطاه حسابه ورفع راسه ..وبهدوء: الحاجة يا عم..
ويوم أخذ أغراضه... طرى على باله سؤال يوم شاف سماحة وجه الرجال .. وبُــعده عن الأحداث ويحلف إنه ما يدري عن أخبار الديرة شي..!
ابتسم عمر من هالفكرة : بسألك... أنا ناوي أقضي يومين هنا... فيه مكان أقدر آخذه..؟
ناظره الشايب باستغراب ..وعمر بادر : بمقابل يا عم ماهو بلاش ..
ابتسم الشايب بطيبة .. وبكرم أصيل ما غيّره الوقت باختلاف الأزمنة : وجهك يردّ الروح يا ولدي.. تبي ترتاح فيذا؟..إنت تعبان؟؟
عمر ابتسم على جملته الأولى.. لو يدري إنه مطلوب وما اختار هالمكان الغريب إلا لغاية ما قال وجهك يرد الروح.. بس الأفضل يعتبره مثل ما قال..
عمر : ايه يا عم محتاج أرتاح...
الرجال : انا ساكنن بلحالي في بيتي..وولدي ماهو فيه له شغلن برا الهجرة.. ودّك تجي نكرمك ..
ابتسم عمر ..يا الله على كرم البعض.. سلوك هالرجال من القرن الماضي ببساطته وعدم تعقيده للأمور..شاف عابر سبيل وما تردد يساعده..
ما رفض : ما أخالف يا عم... بس ما ودي أثقل عليك بدفع لك المقابل..
رفض الرجال : يا وليدي ماهوب بالعادة نشوف ناس تجي فيذا... تعال نكرمك واضح طريق السفر متعبك.. ازهلها ولا تقول لا..
ابتسم عمر ومارح يقول لا : خلاص اللي تشوفه.. ما تقصر يا عم ..
الرجال شاف الساعة قديمة اللي حاطها على طاولته المتهالكة : انتظرني دقايق أسكر البقالة وأجي أدلّك..

طلع عمر ..ومشى مع الشايب بعيد عن البقالة لين وصلوا لبيت طيني بآخر الشارع..
الشايب : بتملى علي الجو يا ولدي .. ادخل ولا تستحي..البيت على قده وماهوب من مقامك.. (سكت وهو يتأمل هيئة عمر الرزة والنظيفة..وطوله اللي معطيه طلّة شموخ) .. اييه اسمح لي ماهوب من مقامك أبد..
عمر ابتسم وهو يدخل مع الباب : المقام محفوظ يا عم.. ما يهمني اللي تقول لا تشيل هم..

دخل عمر حوش البيت اللي كان صغير.. وأسواره من الطين القديم.. التفت للبيوت القريبة أغلبها محدّثه بشي من الزمن الحاضر ..إلا هالبيت وكأن راعيه ما يبي ماضيه يتغير عاش كذا وبيكمل كذا..!
دخل لداخل بهدوء وعيونه تتأمل المكان... مافيه الشي الكثير..غرفتين ومساحة تشبه الصالة.. ومنقد نار موجود بالبقعة اللي مالها سقف ..سقفها السما..
جا الرجال بهدوء يوم فتح السراجات وبعض الأنوار الصغيرة : ما قلت لي عن اسمك يا عابر السبيل!
ابتسم عمر بهدوء : اسمي عمر يا عم..
الرجال وهو يجلس جنب منقده..ويستعد لتصليح قهوة الضيف : عاشت الأسامي.. وأنا مصلح ..
اقترب عمر بهدوء : تشرفت يا عم.. وولدك وش ينقال له؟
الشايب : ولدي ضاحي.. ماهوب يجي فيذا إلا للزيارات وشغله حول الرياض..
عمر جلس بالقرب وبدا يستكين لجلسته : وليش ما رحت معه يا عم..بدل الجلسة بروحك هنا؟
الشايب تنهّد : ايييه وانا عمك.. صعبن علي أترك هالديرة.. صحيح صغيرة بس هالشيبة ذا ما قواه قلبه يترك مكان أهله واخوانه.. رحت مرتن مع ولدي للرياض اشوفها..ما قدرت يا ولدي كني في كوكبن آخر..
عمر ابتسم وهو يدنق باستماع..
الشايب وهو يسكب القهوة المغلية بفنجال : .. ماهوب سهل على واحدن مثلي عقب 70 سنة قضاها في مكانن واحد..يغير مكانه وأنا عمك..
عمر وافقه بهمس : صحيح يا عم..
الشايب يعطيه فنجال : تفضل اقدع..
عمر : ما تقصر..

مرّ صمت عميق..عمر يطالع في فنجاله والسكوت معتريه..والشايب مصلح منشغل يحوس في دلّته..
قطع الصمت بسؤال عفوي : لوين سفرك يا عمر؟
ابتسم لأنه أول مرة ينطق باسمه..كان يكرر ولدي بكثرة قبل شوي......وبنبرة عميييقة : ..للرياض..!
ناظره مصلح من خلال تجاعيد عيونه اللي ما أخفت عمقها : .. شغل؟
سكت عمر لحظات ومصلــح يراقبه...
قال ونظرته بالفنجال...ونبرته يغلفها شي ما عرف يخفيه : أكثر من شغل يا عم !
ابتسم مصلح : أهل؟
عمر بذات النبرة : أكثر من أهل ..!
مصلح بابتسامة من هالتعبيرات اللي في صوت عمر : أجل وشهو !؟
عمر : شي مافيني أوصفه ..
مصلح ابتسم وهو يرجع للدلة.. وكأنه فهم شي بس التزم الصمت..
وقال : التعب على وجهك يا ولدي .. من وين جاي؟
عمر ما كذب : من الجنوب ..واخترت هالمكان ارتاح فيه..
مصلح : من الجنوب؟... الجنوب بعيد عن فيذا وشلك هناك..
عمر تغيّر صوته للجمود : شغل يا عم..وانتهى الله لا يرده..

دقايق وقام مصلح وهو يتعنز على ركبه.. وقال : غرفة ولدي ضاحي هناك.. بروح أشوفها لك عشان تريّح راسك عقب هالسفر الطويل ..
ابتسم عمر بامتنان ..والشياب يدخل غرفة ولده يشوف وضعها..
أما عمر.. رمى راسه على الجدار الطيني وراه وهو يغمض..سبحان الله قبل ساعة كان يفكر وشلون بيلقى مكان يريّح فيه..وهالشايب تسخّر له..! ..وأكيد مافيه يقوله عن ظروفه..ومين هو بالأساس !

::

في بيت ابو محمد...
دخلوا مع أبوهـم بعد ما طلع من المستشفى بالسلامة...وجلسوا بالصالة عقب ما اختار أبو محمد يجلس هناك..أمهم راحت تغيّر ..وبقى ابو محمد مع عياله..
شادن جلست عشر دقايق ..بس بعدها قامت واقفه تبي تروح غرفتها... على إن ابوها يمزح معهم بس ما تدري إن كل هالشي مؤقت..
شادن : بروح أنام..
أبوها انتبه لها : وين تو العشاء مأذن.. ؟؟
شادن ابتسمت تهدّي الجو : عارفه..بصلّي وأنام..صاحيه من بدري.. والحمدلله تطمنّا عليك..
أبو محمد ما منعها : تصبحين على خير أجل..
راحت لفوق .. ويوم اختفت ..
التفت أبو محمد لعياله : محمد...بندر...تعالوا أبيكم..
محمد ناظر أبوه ..وهو فاهم الموضوع اللي يبي يتكلم فيه : أبـوي مو ألحين.. توّك طالع من المستشفى..ريّح وبكرة يصير خير..
أبو محمد ونبرته الجدية تغلب على صوته عقب ما كان يمزح قبل دقايق : الحقوني للمجلس..
وقام واقف سابقهم لهناك... لفّ محمد ناحية بندر اللي توتّرت أعصابه... ما يدري وش اللي بيصير أبوهم وجهه ما يبشر بخير..!!
مشاعل اللي انتبهت لكلمة أبوها ... استغربت وهي تشوفهم ينسحبون للمجلس.. وبقت لحالها..!!
ما فهمت اللي صاير... ولقت نفسها تطلع لفوق.. وتتجه لغرفة شادن ..
دخلت بهدوء : شادن ؟
شادن اللي كانت جالسه على سجادتها توّها منتهيه صلاة.. والانكسار بحالها قناع التماسك اللي متشبّثه فيه اليوم بأعجوبة ..جا الوقت وتحطّم..!
مشاعل وهي تشوف هدوءها عكس الأيام الماضية : بتنامين؟
شادن : ايه ..
مشاعل بحيرة متسائلة : تصدقين أحس فيه شي ما نعرفه..يوم طلعتي..أبوي راح للمجلس مع محمد وبندر.. والواضح إنه يبيهم على انفراد..
رفعت شادن راسها بسرعة وعيونها قلقــة ..
مشاعل : غريبة أول مرة أبوي يسويها.. أكيد فيه شي..
قامت شادن وهي تشيل السجادة ..وفكرة النزول عشان تعرف سيطرت عليها كلياً...
مشاعل وهي تتثاوب : بروح اتحمم وأنام بدري مثلك..
وطلعت أما شادن حاولت تنسى الموضوع من أساسه..إن شاء الله ما يكون شي من اللي ببالها.. مع إنها جالسه تهيء نفسها من الحين لكل احتمال بيصير..تهيء نفسها للأسوأ...

تقلبت دقيقتين فقط بالسرير...وبالأخير ما قدرت تمنع نفسها من معرفة التطورات..
طلعت من الغرفة بسرعة..ونزلت تحت !



في المجلس.. الجو مختلف ببدايات غضب مقهور يتنامى عند أبو محمد !..
محمد كان يحاول يهدّيه لا ينفعل أو يرتفع صوته بمحاولة لإيجاد حل ..بينما بندر كان منصدم من جهة ثانية لأنه عرف معلومة جديدة ما قالها محمد له يوم كانوا بالمستشفى...وتوّه يعرفها..وهي المعلومة اللي قلت إنها سبب في طيحة أبو محمد من طوله......... المخـدرات !!
محمد : اهدى يبه مو زين الانفعال ..
ابو محمد وغضبه نابع من قهره لهالانخداع اللي عاش فيه : قلتها من قبل لأمك يا محمد.. كنت طول ذا الأيام أدعي الحي القيوم يكون صايبه بلاء عشان ألقى له عذر على هالغيبة...بس صارت السالفة أعظم.. هـــو المصيبة بعينها وعلمها !!!
محمد غمض عيونه بشدة..وفتحها وهو يتحكّم بصوته ..وبهدوء : مهما صار ..عمر ولدك وأخــونا .. لازم نسمع منه.. إنت تعرفه تربيتك !
أبو محمد ومستوى غضبه يرتفع لأن كلام محمد ما يهدّيه بل يزيده : وليتني ما ربيته !!!... لو داري هذي تالية تربيتي ما رضيت فيه ..هالولد من طلع للدنيا وأنا عيني عليه كبر الشمس وعلى كثر مشاكله إلا إني صبرت وقلت وصيـة أمه الميتة...لو داري هذي تاليتها..لو داري ..(قطع كلامه مجبر من حشرجة اخترقت صوته مثل السيف..)
محمد شدّ على كتف أبوه وهو يدري إن اللي يقوله آثار صدمة : ما يصير هالكلام...يبه إنت ربيت يتيم أحسن تربية.. أجرك مارح يضيع..وعمر محد يدري وش أعذاره..أكيد ما سواها إلا لـ سبب..
رفع أبو محمد راسه بتعب..وعيونه المقهورة بالدمــع اخترقت قلب محمد بقسوة... أول مرة يشوف أبوه بهالحال المكسور ويسمع هالغبنـة بصوته واللي ما تظهر إلا من معزة سنيــن لشخص اسمه عمر ! .. رباه قبل يربي عياله...قبل حتى يطلعون للدنيا كان عمر أول مسؤلية أبوية لشخص توّه حتى ما شاف عياله اللي من صلبه ..!
محمد بهمس رجاااء : تكفى ناخيك لا تنقهر..
نزّل ابو محمد راسه للأرض وهو يتذكر كل حرف انقال عن عمر .. : ماهو سهل علي يابوك ماهو سهل !
بندر حكى عقب لحظات صمت شهد فيها منظر أبوه الغاضب والمقهور.. باحتجاج وعدم تصديق : .. من جدكم إنتوا؟؟.. من جدكم ؟!.. وش مخدرات وكلام فاضي !!!!!!!
ناظره محمد بصمت وألم..ورجاه يسكت لا يزيد الموقف ... بس بندر مستعد يصدّق كل شي إلا هالنقطة ..
بندر كرر لأبوه : يبـه !.. أنا بروح للقسم اليوم وأفهم السالفة.. قبل نطير بالعجة !
أبوه بصوته المقهور المتعب : رحنا وسمعنا اللي ما ينسمع يابوك.. عمر لابسته هالطامّة واللي يغبن يا ولدي إن السالفة ماهيب حديثة عهد ..هالولد له فوق الثلاث سنين يشتغل بالحرام من ورانا..
بندر وجعه قلبه واقترب من ابوه يهديه..
وأبوه يكمل من حرّ ما فيه جوفه : توني هلحين أفهم ليش ما قد حكى لي عن شغله وما قد سولف لي عنه..أتاريه عايش بالحرام ..وين أودي وجهي من الله وأنا اللي قايم فيه !!
بندر وهو عايش اضطرابات من الموقف العصيب وبسبب منظر أبوه المكتوي بنار محد يحس فيها غيره ..
قال : يبه ..عمر أعرفه.. ممكن يسوي مشاكل ما أقول لا ..لكن سالفة مخدرات ما هقيتها منه ولانيب مصدقها.. صدّق فيه اللي تبيه ..صدق إنه يسرق وأنا بصدق معك... لكن سالفة المخدرات ما أتوقع وأكيد ملفّقه وتأكد إنه ما يسويها .. إنتوا تقولون انه ماسك عصابة سرقة ونهب..ويقولون له ارتباط بعصابة مخدرات عايثة بالأرض فساد... ماهوب أهو يا يبه.. أكيد غيره مو هو ..الله يخليك لا تقهر نفسك على شي للحين ما تأكدنا منه..
طالعه أبوه بعيوون ينبع قهر الرجال منها... مافيه شي يشفع له..مهما كان...حتى لو حط سالفة المخدرات على جنب... مجرد إنه يسرق وينهب بالحرام ماهيب سهلة وقوويـة على رجال مثل ابو محمد..قضى 23 سنة يربّي ويعيل بذمّـة.. قبل يطلقه للحياة بظن منه إنه لمصلحته !
غطى وجهه بيديه قدام عياله وصوته المغبون يردف : ..ماهوب صغير ماهوب مراهق.. 28 سنة يا بندر وين ألقى له عذر وهو بهالعمر..
بندر رجاه : يا يبه عمـر ما يندرى باللي واجهه من عقبنا.. يبه عمر حياته صعبة..يا يبه يتيم تفهم وشلون يتيم مهما احتويناه الا اني كنت اشوف الوحدة بعيونه ..يبه واحد ما شاف أمه إلا بالمهد..وابوه مات قبل يشوفه.. لا تقسى عليه أكيد المواصيل اللي وصلها لها أسبــاب... عمر مستحيل يخون ثقتـك أنا أعرفـــه ..يحترمـك أكثر من نفســه..لا تقسى على نفسك بسبب اللي سمعته عنه...
هزّ ابو محمد راسه أسف..وكلمات بندر ما تشفي الغليل أبد.. نار مشعللة بقلبه وما يدري ليش حاس بخيانة عظمـــى !!.. وين يودي وجهه قدام الله وخلقــه.. وين يوديه...
بندر هدّى من صوته : أنا بروح للقسم واسمع القصة من جديد.. لعل الموضوع فيه لبْس !
محمد وافقه ولو إنه سامع القصة كلها وانعرضت عليهم الأدلة...بس قال بفقدان حيلة وتشبّث بأمل ضئيل : ليت كلامك يصيب..
همس ابو محمد بصوته المتألم : وش أقول لهالبنت ؟؟ وش أقولها ؟؟.. وش أقول وهو تاركها قبل زواجها ورايح يسوي المصايب من ورانا.. وش أقول !!
محمد رجاه يهدى : اهدى يابوي ..أهم شي إنه بخير وما صار له شر .. هالشي يريّحنا الحين..
غضب عليه ابوه ..وناظره بعصبية : مايريّح يا محمد..عندك هالحكي يريّح؟؟... إلا يا ليته مات قبل نسمع هالهرج اللي يسوّد الوجه !!
بندر قبضه قلبه ..وش هالموقف الجديد من نوعه : استغفر الله يايبه ..عمر ولدك !
صرخ بعصبية : ما أتشرّف فيه... ومن اليوم متبرّي منه ..بيتي يتعذّره... ماله عندي شي !
محمد مسكه لا ينفعل..وهو يتمسك ببعض الحكمة : ما يصير يا يبه احنا اهله ..ما نعالج المشكلة بمشكلة لازم نوصل له...ونعرف أوضاعه.. ما فكرت إنه مغدور فيه؟.. مغرر به؟...ملفّق له؟...يمكن مجبر عاللي يسويه..كل الاحتمالات واردة...فكّر فيها قبل..
ناظره أبو محمد وهو يحاول يهدى ويقنع نفسه بس كاااان صعب... الصدمة فيه ماهيب سهلة ولا رح يختفي آثرها بهالبساطة !!
هاللحظة ..سمعوا صوت برا المجلس اللي كانوا مسكرينه عليهم ..يشبه الخبطة أو الاصطدام... ناظر بندر في محمد باستغراب بينما ابو محمد كان مغطي وجهه بيديه بحالة أسى ما يعلم فيها إلا الله ..!
تحرك بندر ناحية الباب عشان يشوف ...فتح الباب وهو عاقد حواجبه مـــا شاف أحد..لكنه يوم التفت يمين لمح
جسم يركض ويختفي بالممر..والطاولة القريبة طايحة بعض التحف منها..
همس بدون شعور : شادن؟؟
التفت عليه محمد بسرعة يوم سمع اسمها ..وأبوه رفع راسه وعيونه متوسعة ، وسأل بقلق جامح : درت؟؟؟
رجع بندر والارتباك عليه : مدري !.. شكلها سمعت !
غمض محمد عيونه من هالحالة ... وابو محمد استغفر ربه من أعماق قلبه..
وبعد لحظة قال : كنت محتار وشلون بتدري !... لكن دامها درت كود إنها خيرة !
ناظروه عياله بقلق.. من هالمقدمة ..
وبندر سأل : وش ناوي يبه!
قال أبو محمد : عمر ما ينعرف حاله ومستقبله صار أظلم...وأنا مابي بنتي تعيش على وهم باقي حياتها.. هالأيام وضعها النفسي مخوّفني أنا وأمها ومو قادر اشيل حالتها المتأزمة من راسي .. وان استمرت كذا بتضيّع عقلها وانا مابي أفقدها ..لازم تفهم وشهو الوضع اللي هي فيه..لازم تتقبل الحياة بدونه ..
محمد برفض من معنى كلامه : لا تقول ...
ناظره ابو محمد من جنب بنظرة متألمة : .. ما ودي يابوك أسوي كذا... لكن إختك لازم تستعد للوضع الجاي.. عمر مصيره أظلم والحياة الطبيعية فقدها.... وإن سكتْ أكثر إختك بتروح مني.. لازم تتعوّد من ألحين وتجي النهاية منها !
بندر رفض : لا يبه لا تستعجل... هالكلام بدري عليه..خلنا نفهم من عمر قبل..
ابو محمد حط يده على عيونه من شتات وألم : مالي معه كلام يابوك..مالي معه كلام كفاني اللي دريت عنه...
محمد ضغط على كتف أبوه يرجوه بلين : إنت تدري ان شادن مارح تنهي شي...إنت خابرها.. هدّ اعصابك هالموضوع يحتاج تفكير طويل عشان ما نتخذ قرار نندم عليه...
قام ابو محمد واقف وهو يستغفر ربه ... وقال : دامها درت !..بروح أشوفها !
بندر بقلق : لا تفجعها يمكن توّها ما درت ..يمكن ما فهمت اللي نحكي فيه..
تحرك ابوهم وطلع من المجلس ..ومحمد حط يديه الثنتين على جبهته ومررهم بشعره بصمت وضيق..
أما بندر تخوصر وهو يرفع راسه للسقف وينفخ خدوده عقب هالموقف المصيبة !!
قال بندر وهو يطالع محمد : محمد؟.. ما ودي اصدق بس كلام ابوي يوحي بانفصال وإلا أنا غلطان ؟!
ابتسم محمد بسخرية وهو يطالعه : أبوي ما قالها صراحة ..بس واضحة.. وتبي الجد عنده وجهة نظر منطقية بالموضوع..عمر مستقبله أظلم.. وش تتوقع مصيره... تتوقع يرجع للبيت وترجع الأمور طبيعية؟...يا بندر أقلها سجن سنين .. تظن أبوي بيرضى لشادن تعيش وهم وانتظار .. وهمْ يمكن ما يصير حقيقة!
بندر : انفصال انسوا ... أبوي لازم يلغي هالفكرة المجنونة ...هذا مو حل..
محمد ابتســم ونبرته تتغير : وتتوقع شادن بتسمح أصلاً !؟..
بندر ناظره وهو ساكت عارف إن شادن بتكسر الدنيا وتقلب الأرض... لو طروا حرف واحد من الموضوع !


محمد سند ظهره للصوفا : مارح تسمح أكيد.. بس أبوي ما ندري وشلون بيتعامل معها !
بندر بقلق : تتوقع يغصبها؟؟
محمد : مــو طبع أبــوي يا بندر.. مارح يغصبها على شي ما تبيه... لكن..
بندر : لكن ايش؟
محمد : ماني عارف وش بيسوي... إن شاء الله أعصابه تهدى الحين..
بندر : أنا بروح القسم تجي معي؟؟
قام محمد موافق : يلله يمكن نلقى أخبار تفيدنا عنه..


عند شادن... دخلت غرفتها وهي تنوح نياح غريب .. مو بكي طبيعي.. مو صياح طبيعي ..كانت شهقات مع آنااات متتالية ..وكأنها شايفه جني أو تعاني من نوبة نفسية غريبة ..!
قبل دقايق كانت واقفه عالباب تسمع الحوار اللي أدماها ...صوت ابوها..محاولة أخوانها للدفاع عنه... كان يدمي !
بس عند هالجملة ... " ما أتشرف فيه... ومن اليوم متبرّي منه ..بيتي يتعذّره... ماله عندي شي ! "..
هنا طلعت من وعيها .. وما قدرت تتحكم بأعصابها ..صارت فاقده الاتزان وهي تحاول تهرب لا تسمع أكثر من هالحكي اللي ينهي القلب والحياة اللي تعيش عشانها ..
وما قدرت تتراجع بهدوء وبسبب فقدان الاتزان والحالة اللي كانت عليها ضربت بالطاولة اللي وراها .. وشكلهم شافوها !!
قفلت باب غرفتها وانهار جسمها للأسفل وهي تكمل آنّاتها.. أنين يقتل خلايا القلب..مافيه دموع مجرد أنين !
على رغم إن عمر تركها ..وصدمهـــا بحقيقة إن فيه غيرها بحياته !!
إلا إنها للحين مو قادره تنسى ... مو قادره تكره ذرة وحدة منه... مو قادره..
للحين تعيش على وهم إنه يمكن يتذكرها .. يمكن يفكر فيها... يمكن يقلق عليها وهو بعيد.
للحين تعيش على وهم إنه ممكن يرجع عشانها !!!
هالوهـــم اللي يتأصل جواتها ومو قادره تتخلص منه !!

لازالت تأنّ بدوون دموع يوم وصلها الطرقْ على بابها ..وأبوها يناديها من ورا الباب ..
: شادن افتحي وانا ابوك !
ما قدرت توقّف أنين ..حالتها النفسية زادت تأزم صارت ما تقدر تسيطر على أفعالها..
وأبوها اللي وصله صوت الأنين المخيف دق الباب بقووة : افتحي وشبلاك ؟؟
ما ردّت وهي مو قادره تطلع من دائرة الأنين المرعب..
أبوها انفجع وخاااف... صار يهزّ الباب هزّ وصوته يعلى : افتحي وش بلاك ..افتحي بسم الله عليك !

بصعوبة وأنفاس مختنقة من الأنين الصعب..مدت يدها للمفتاح وهي قاعدة عالأرض..وفرّته باررتجاف !
فتح أبوها الباب بسرعة ..ولقاها بالارض ترجف والأنين مخلّي وجهها أحمر من اختناق !
هرع لها بسرعة وهو ينزل لها..وبدون ادراك حضنها وهي يسمي بالرحمن عليها ويقرا عليها الكرسي..وهي فاقده أبسط ادراك بحواسها..عيونها شاخصه والأنين صادر من قلب يتمزق داخلها..
ابوها بخووف بالغ : بسم الله عليك وش صار لك اهدي..
وشادن لسانها منشلّ..فقدت قدرة الكلام !..أحشائها الداخلية تصدر هالأنين اللي ذوّب أعصاب أبو محمد لآخر حد !
قام يناديها وهي ما ترد.. ومن الرعب عليها قام ينادي عياله بصراخ وهو يحس إنها فقدت عقلها كلياً...

محمد وبندر طلعوا الدرج ركض يوم سمعوا صوت أبوهم مرعوب...
شافوا شادن بحضنه بحالة يرثى له..وجهها يتحول لأزرق لأن الأنين حرمها أنفاسها وصارت ما تقدر ترد النفس حتى ،
صرخ محمد لأبوه اللي ما استوعب حالتها : مكتومة لا تضغط عليها !
ناظرها أبو محمد بخوف ولقاها مو واعية على شي... بندر ركض مثل الريح يجيب موية من الحمام ومحمد جلس جنبها بسررعة يحاول يهديها ..
محمد بألم وهو يسترجع إنها سمعتهم : اهدي شادن اهــدي عمر مافيه شي..!
ناظرت أخوها بضياع وشفاتها زرقاء ..ومحمد مسك وجهها بيديه الثنتين بقووة ..وقرّب عيونه من عيونها عشان تناظره ..وبنظراته الحااازمة : عمر مافيه شي..! ..اللي سمعتيه مو صدق !..طالعيني !
كان يظن ان حالتها بسبب الخبر...بس حالتها تجاوزت الخبر أساساً ونشأت من دمار تعيشــه بسببه !..وبسبب هجره ! وبسبب الألم اللي جاي بالطريق ومارح يرحمها !
محمد ضغط يديه على وجهها وهوو يكرر : اهدي..اهدي..اذكري الله وانا اخوك..اهدي..
جا بندر وبيده كاس موية..جلس هو الثاني جنبها بينما محمد ماسكها يحاكيها بهدوء وهي تناظر بعيونه بدون جواب...وبدا بندر ينثر الموية على وجهها وهو يسمي...بينما أبوهم يراقب ورعبه على شادن ما خف ، يطالع عياله ومنظر بنته المزري !
بندر يرشّ الموية وهو يناديها بالمقابل ويطمّنها : اهدي واسمعي...عمر مارح يصير له شي..عمر بيرجع وبنشوفه ..
شادن قامت تناظر محمد وأنينها يتراجع تدريجياً..يتخللها شهقات صغيرة يدل إنها تحاول تجمع الأكسجين لصدرها ..
محمد حضنها بهدوء يوم شاف وعيها يرجع لها : خلاص اهدي !

أخيراً اقترب ابو محمد منها من جديد وأعصابه ما عادت أعصابه : شادن يابوي !
مسح على شعرها وأردف : ما يصير اللي تسوينه وش اللي بلاك..؟؟

حاولت تحرك لسانها ما قدرت.. ثقله مُدمي !!... تدري إنه ما المفروض تسوي كذا بنفسها ...بس ليه ..ما يدرون إن اللي فيها مو بيدها ...هي مو حابّه حالتها وتبي تنتهي منها بأسرع وقت...بس اللي فيها أكبر من احتمالها..أكبر من سيطرة قلبها الضعيف!!.. اللي فيها أقوى من إنها تمنعه !!
اللي فيها... موت بطئ !
هي ما عادت هي....هي ببساطة حُطــام...حطام ينجمع كل يوم ..وكل يوم يتناثــر !!

ابو محمد وقلبه يتقطع على وضعها..لازم ينهي هالحالة..إذا اليوم وصلت لهالمرحلة...بكرة بتموت قدامه !!
رغم هذا سكت وما بغى يزيدها... محمد ناظر لأبوه بنظرات صامتة..ورجاه يأجّل الموضوع...وأبو محمد ما كان محتاج أحد ينبّهه ..من يوم دخل عليها بهالوضع ألغى فكرة الكلام معها !!..ماهو وقته !
مسكها محمد من يد ..وبندر من يدها الثانية يساعدونها عالوقوف لأنها كانت مرتخيه كلياً وحيلها مفقود !
مشوا معها للسرير ..وغطوها وهي سااكتة ودموعها بمحاجرها ..

أبو محمد طلع من الغرفة يوم شافها هدت... وبقوا محمد وبندر واقفين عندها..
دقايق وطلعوا ..
بندر بانزعاج : بروح أكلمه !
محمد بقلق : من تكلم؟.. عمر؟؟
بندر : ايه فيه غيره .. ما شفت وضعها...البنت مرعوبة ما توقّعت الخبر يسوي فيها كذا !
محمد : حاولنا نكلمه مافي فايدة..
بندر : بحاول يمكن يضبط معي !

راح بندر لغرفته يدوّر أرقام عمر القديمة ..لأنه حاول يتصل على رقمه الحالي ولقاه مغلق...
يبي يتصل مو عشان شادن بس...يبي يتصل عشان هو يتطمّن.. يتطمن على الأخو الصديق ، قلبه خايف عليه وماهو مستوعب اللي صاير لحد ألحين !
فتّش على أرقام عمر القديمة الموجودة عنده بمكتبه .. الأرقام اللي كان يغيّرها باستمرار واللي ألحين فهم أسباب ذاك التغيير المستمر.. عمر كان يغيّر أرقامه لأهداف أمانه الشخصي..
ما كان فاهم وقتها ليه ، بس ألحين استوعب وأدرك الموضوع !... وهالشي يلصق التهمة فيه اكثر واكثر !!
رجعت أفكاره لهالأرقام القديمة....قال لنفسه يمكن أحد هالأرقام للحين يشتغل معاه !
حاول بالأول.. ولقاه مغلق..
وحاول بالثاني ...نفس الشي..
الثالث .. برا الخدمة..
أما الرابع............... فتح معــاه !
تهلل وجهه وهو يركّز بالمكالمة والخط اللي يرن بالطرف الثاني ..!
ما وصلــه جواب...بس هو متأكد إن هذا واحد من أرقامه ..
تأمّل خير.. دام الخط مفتوح إن شاء الله هو بخير... وبيوصلون له !
وقبل يترك الجوال..كتب له رسالة يسأل عليـه وهو يأمّل نفسه إن صاحب الرقم عمر وبيرد عليه..!

::



 


في مــوسكو ..
مرّت أكثر من ساعتين وهم بنفس الشارع اللي ماله نهاية.. من محل لمحل ..
سحر وهي تدفع الباب الزجاجي طالعين من المحل السادس ..التفتت لـ وليد اللي استغل الساعة الثانية للتطفير فيها !!
قالت باستياء : ترا تعبت !.. وإنت مخك هنّق كل ما دخلنا شي قلت ما عجبني !
ابتسم على جنب ..وقال ببرود ويديه بجيوبه : أول محل عجبني.. لكن اللي عقبهم ماراقوا لي..
سحر : هذولا أحلى الأماكن اللي هنا..واضح إنك تبي تطفّر بي..
قال بدون اهتمام : خذينــي لمكان رايق ..الأخيرة مو ذوقي !
ضاقت عيونها وهي تناظر ابتسامته ..تحلف إنه يسوي كذا نذالة !
قالت بصيغة أمر مباشرة ..وهي تتكتّف : علمني ألحين وش اللي براسك سيد وليد !.. ساعتين واحنا نمشي وراضي باختياراتي بالبداية ..بس فجأة تغيّر مزاجك..وكل الأماكن مو عاجبتك !
قلب فمه يمين وشمال : غصب تعجبني؟
سحر : ايه غصب...لأني أنا القائد هنا !
ضحك وهو يلتفت عنها يناظر الناس بالساحة .. ورجع يطالعها عقب لحظة : ما قلت لك من قبل إن ذوقي صعب !
سحر : ما علي من ذوقك...
تركي بابتسامة : طيب بعطيك فرصة أخيرة ..
سحر ضحكت بسخرية : من تحسب نفسك ؟!.. تراك إنتْ صاحب الحاجة مو أنا..
ومشت عنه باتجاه مركز الساحة اللي يتوسطها تمثال تاريخي .. وقريب منه نوافير أرضية تطلع من فتحات صغيرة بالأرض..والأطفال حولها..وكثافة الناس زايدة هناك ، وفيها اماكن للجلوس والاستمتاع..!
جلست على مقعد طويل تريّح رجولها ..وتمتّع ناظرها بالمناظر وحركة الناس..طلّعت كاميرتها الصغيرة من الشنطة وجلست تحوس فيها.. خصوصاً إن الوقت يعتبر بعد الظهر والجو أفضل من أمس بسبب الشمس اللي ما تخفيها غيوم..!
جا تركي بخطواته البطيئة ذاتها..وجلس على نفس المقعد وبينهم فراغ ..
التفت عليها.. ولقاها مدنّقه لعدسة كاميرتها وعقدة بين حواجبها..تحاول تشغل نفسها فيها..
اعترف : اللي سويته عقاب !
رفعت راسها له وعيونها تسأل: عقاب؟... وليش ، وش سويت لك ؟!
ابتسم وهو يريّح ظهره وعيونه تروح للازعاج اللي حول النوافير الغريبة : .. انتي عارفه ليه !!..مو معناة إني ما سألت ..إني ما أدري يا آنسة !
خذت نفس عميق لصدرها ..وزفررته يوم عرفت إن يقصد تأثرها من مكالمة بسمة ..واللي حاولت تنساها طول الساعتين وحطّت كامل تركيزها بالمهمّة اللي وكّلها فيها...وبذلت جهدها عشان تساعده.. وفعلاً ..جت لحظات نست بسمة بسبب تطفيره..وتحوّل حنقها من بسمة ..لـ وليد !
لحظة !... عقدت حواجبها وهي تراجع حركاته وتعليقاته..!!
إلّا صحيح...كأنه كان يطفّرها عشان هالسبب..!

تركي ابتسم بدون لا يناظرها : فهمتي ليه العقاب !؟
ابتسمت لا شعورياً.. والتفتت تناظره وبعيونها لمعـة ..لمعة ذات معنى بامتنان من أعماق قلبها !!
ما لاحظ تركي بالبداية لأنه ما كان يناظرها.. بس يوم حس بسكوتها...التفت بهدوء ولقاها تناظره بعيون تلمع بلمعان ذات جرعة زايدة بشكل مخيف!..لمعان ذات معاني ، أكبرها امتنــان عميق من القلب !
سكت وعيونه بعيونها يقرأ هالامتنان الكبير اللي يزيد أضعاف..
زادت ابتسامتها الناعمة وهي تدنّق لكاميرتها تقطع تواصل العيون ..وهمست : صح أسلوبك حقير شوي...بس ..شُـكراً !

ما قال شي.. والتزم الصمت وهو يتأملها مدنقه ما تناظر فيه ، وتحاول تشغل نفسها بالكاميرا..
قال بعد لحظة بهدوء..عقب ما تجاوز ذيك اللمعة بعيونها : ..وش اللي قالته هالمرة ؟.. لك فترة ما اهتزّيتي ، اليوم أكيد قالت شي مختلف !
سحبت هواا عميق لصدرها وهي تقلب الكاميرا بين أصابعها ..وقالت بصوت يهدى : ..ماعرف ليه تأثّرت !
تركي ما اقتنــع : ما تعرفين؟؟
سحر بحزن يكتسيها : لسانها ما يخلي الواحد ينسى..يحسسك إنك فعلاً ولا شي.. ماعرف وش تبي مني وليش مصرّه تضايقني..مع إني أكذب عليها وأقول مارح أخليها بحالها بس أنا عارفه إني مارح أقرب من محمد من جديد !.. وهي الواضح إنها مارح تتركني قريب!
سكتت وصوتها يتحشرج !
وعلى اسم محمد ..صدّ تركي للأمام وهو متكتّف وحاط رجل على رجل !
قامت تناشق بحركة لا شعورية وهي تحاول تمنع الدمعة لا تظهر..تمنعها لا تتكوّن !
قال بعد لحظة بدون لا يطالعها : ..للحين تفكرين فيه؟؟
عضت شفتها السفلية بقوة تمنع الغصة... وفلتتها وهي تجاوب بدون لا تمسك نفسها : اللي أفكره أحياناً هو ليش سوّى كذا .. بس أبي أفهم ليش سوّى كذا.. هالسؤال اللي ماله جواب.. أكثر شي يعذب وليد إنك ما تدري عن الغلط اللي سويته.. كنت دايم أحس محمد يعاقبني.. وانا أحاول افهم أغلاطي...بس مافي فايدة..ولا أظن إني بفهم ،

كان يستمع بدون تعليق لتفريغ جديد لبقايا جرح ما اندمل للحين ..!
من ناحيته هو..يدري عن السبب اللي خلا محمد يتركها...كلام بندر مرّة وضّح له الأمور .. بس الكلام في الموضوع وتوضيح الأمور لها ..مارح يفيده بشي ..!
ابتسم والتفت لها .. : ناظريني يا آنسة !
رفعت راسها وعيونها المتألمة تلمع... مافيها دموع...فقط تعابير مغلّفة بحزن لابدّ منه !
تركي تابع وعيونه بوسط عيونها استعداد للكلمة اللي بيقولها : ...اعتبريني محمد !
ناظرته بصدمة كاسحة ..ما استوعبت شي بالبداية ..وعيونها طايره فيه !!
كتم ضحكته من هالتعابير المصدومة ..وزين ما جتها سكتة قلبية من جملته !
سحر بارتباك : وشو؟؟؟؟
تركي بابتسامة جانبية : اللي أقصده...اعتبريني محمد.. وفرّغي اللي بقلبك..اشتميه اضربيه..سوي اللي تبين..واضح اللي فيك حرّة وما طلعت...أنا أعطيك الفرصة.. !

انخرست وهي تتخيل نفسها تصرخ عليه وتطقـه..أصلاً فكرة إنها تتخيله محمد مو ضابطه !..
مافيه أي وجه تشابه!
وليد مجنون !!..وأفكاره مجنونة !!
وكل يوم يفاجئها بشي مو على البال !!
قالت بسرعة وهي ترمي عيونها بعيد : ما أبي !!
ضحك وهو يقرأ ردة فعلها : .. تراك صرختي بوجهي مرات ..وضربتيني مرة.. ماهو شي جديد !

ناظرته وتعابيرها متلخبطة وهي تحاول تسترجع المرات اللي صرخت بوجهها فيه ..
وسبقها وهو يردف ، قبل تجمع ذكرى وحدة بمخها : تبيني أذكّرك متى صرختي علي يا آنسة ؟!!
وغمز بعين وحدة وهو يرفع راسه للسما يجيبها وحدة وحدة : آخر المرات.. خشمي كان بينكسر منك..وقبلها بالمستشفى يوم مرضتي وطلبتي مني أجيب لك غرض...وما يهون عند المسبح في عز الليل بالبيت...وبعد..(سحر تتذكر كل ذكرى وهي ساكتة ) ... أتذكّر بالبر.. عند سيارتي يوم ألقى حضرتك ماخذتها غرفة نوم... وقبلها عند الجبل..(تغيّرت نبرته لأنه كان ناوي على نية شيطانية ذاك اليوم ) ..يوم كنا بنموت أنا وإنتي ذاك اليوم ..!
يا الله ..قامت تسترجعها وحدة وحدة ..!
ناظرته وهي ترمش بسرعة : تتذكر؟؟؟
ابتسم بجانبية وعيونه تضيق : وشلون ما أتذكر !
سحر قالت بسرعة تدافع عن نفسها : أغلب ذيك المواقف إنت كنت منرفزني ومسوي فيها !!

ناظرها وعيونه تلمع بسخرية : تنكرين إني كنت مثال للأدب والأخلاق معك.. ؟
سحر بسرعة : إنت كنت منرفزني وتستاهلْ !!
فتح عيونه على وسعها : أستاهل !!
سحر بسرعة : ايييه..!
وقامت واقفه بسرعة وهي تتحرك بعيد...الغريب إن الذكريات والمواقف اللي ذكرها ..جلب معها احساسها بذيك المواقف !!
كانت بذيك الفترة .. تتعامل معه من واقع إنها تحس بشي مجهول حوله.. شعور مو مفهوم من الشك يثيرها حول شخصيته !!...بس ألحين ..!
فقدت هالشعور ... وكأنه تلاشى مع اقترابها له.. ومعرفته أكثر من قبل !

تركي تابعها وهي تتحرك بعيد ..وقفت عند النوافير الأرضية تتأمل الأطفال الكثر اللي يلعبون سوى وأهاليهم حولهم..
وش فيها !؟!
يكون حسّت بشي من الشكوك من جديد !!
عقد حواجبه بجدية وهو يدري إنه مو وقتــه !!
لو درى إنه الكلام بيأثّر فيها كذا...ما جاب له طاري..!

قام واقف واقترب منها .. وبهدوء : بدل ما تقولين آسفة لهالفقير!...تقولين أستاهل !
التفتت عليه مارح تتنازل : إيه كنت تستاهل !!
ابتســم غصب ، وهي صدّت عنه : طيب تراني كنت أسولف...مو زعلان منك!.. دامك صرتي زينة معي ما شلت بخاطري ..
سحر تحركت بغرور عفوي : ما كان يهمني زعلك حتى لو زعلت ..!

راحت لجهة فيها أشجار مليانه ناس تتظلل تحتهــا..وذاك المكان معروف إنه تكثر فيه اللقاءات الحميمــة وسحر بلحظة نست هالنقطة وهي تمشي..
أول ما وصلت ناوية تجلس...شهقت يوم طاحت عينها على اثنين شقر كانوا متخفّين خلف شجرة ، وعايشين جوّهم بعمق... جا تركي جنبها وهو مستغرب من اختيارها لهالمكان .. استدرات بسرعة ووجهها أحمر وهي تمشي بسرعة غرريبة..شوي وتهرووول !
تركي ما فهم شفيها ، إلا يوم شاف الاثنين بحالة عميقــة مو حاسين بأحد حولهم ..!
رمش بعيونه مو مستوعب باللحظة الأولى..
ثم ، كتم ضحكته وهو يتراجع بهدوء عن المكان...وتحرك باقتفاء لآثرها..

سحر راحت وسط الزحمة عشان تختفي ..ووجهها أحمررر ..صحيح تشوف هالمناظر كثير بالشوارع بس هالاثنين وجع يوجعهم ..!!.. لو كانت لحالها عادي بس معها وليد ..وأكيد شافهم !!
اختارت أكثر بقعة مزحومة وغاصــت فيها.. ما تبي تشوف وليد.. ولا تبيه يلقاها !
هي بنت والخجل من طبايعها... ووليد رجّال حتى لو ما كان يعتبرها غير إخته الصغيرة!!..وحتى لو ما كانت تعتبره غير صديق !
الارتباك اللي فيها كان نابع من خجل... مارح تقدر تحط عينها بعيونه إذا كان شافهم !!

جلست على مقعد كانوا جالسين عليه حرمتين عجوزات ، التجاعيد بوجههم ويسولفون مع بعض..وقامت تفرك يدينها ببعض من المنظر اللي ما قدرت تشيله من بالها ..!
الله ياخذ إبليس!.. أنا وشلون نسيت ورحت هناك !
زحمة الناس حولها بكل مكان ، وهالشي ساعدها ما تشوف وليد.. ولا وليد يشوفها ..!

انتبهت لها وحدة من العجوزات وهي تلتفت يمين وشمال وكأنها خايفه تشوف أحد..
وسألتها بالروسي : مابكِ يا صغيرة؟
التفتت سحر لها..وابتسمت بهدوء : لا شيء يا جدة..
العجوز باهتمام : هل هناك أحد يلاحقكِ ؟
سحر بارتباك : ها...لا.. لا شيء..
العجوز الثانية وعيونها تتمقّل فيها : تبدين خائفة !
ابتسمت سحر ، هي مو خايفه ، إلا بتموت من الاحراج موقف سخيف ومو وقته : أنا بخير لا تشغلا بالكما..
العجوز الأولى : هل تنتظرين أحداً ؟ أم ضائعة؟؟
ابتسمت سحر وكذبت ببراءة : أنتظر أحداً لستُ ضائعة..
ابتسمت الجدة الأولى بحنية... والثانية اللي يقدّر عمرها بـ 70 سنة قامت على حيلها مع ظهرها المنحني شوي ..التفتت لصاحبتها تسألها عن نوع الفطيرة اللي تبيها واللي ناوية تشتريها من الكشك القريب منهم !
راحت ، وظلّت سحر جالسه لدقايق تحتمي بالزحمة ..تكسب الوقت لما يروح تأثير الموقف ..!
ما تبي هالنوع من الاحراجات مع وليد.. ولا تبي هالنوع من الحواجز... تبيه مجرد صديق..صديق يهتم يساعدها لا أكثر!!
ولا تبي أي نوع من المشاعر اللي عاشتها مع محمد... ما تبي تجربة ثانية ..ولا رح تفكر بمغامرة ثانية بيوم !!

تركي وقف قريب من الكشـك اللي واقف عليه صف قليل من الناس عشان يشترون من فطائره ، عقد حواجبه بجدية يوم ما شافها...خمس دقايق مضت والبنت اختفــت !
قام يتلفّت بالساحة الكبيرة للغاية والزحمة اللي تزداد بسبب الجو اللي فقد شي من برودته الصاقعة بفضل الشمس وغياب الغيم !
راحت عيونه للمقعد اللي كانوا جالسين عليه...لقا ناس ثانية جالسة هناك واحد وزوجته ومعهم ولدهم..
التفت ناحية النوافير والزحمة اللي عندها...وما لمحها..
كان فاهم سبب حركتها وهروبها...بس ما توقّع لهالدرجة !
المفروض تكون متعوّده ، يا كثرهم بالشوارع !

جت العجوز بخطواتها البطيئة وانحناء ظهرها عشان تاخذ الدور عند الكشك...بينما تركي طلّع جواله يحاول يتصل فيها...ومثل ما توقّع مـــا ردّت عليه !
ابتسم بدون شعور ابتسامة نذالة......طيّب يا سحر طيّب !
وين بتروحين من وليد !!
أرسل لها رسالة وهو عاض على طرف لسانه...بنذالة أصيلة ..

عند سحر اللي كانت متعمّده ما ترد عليه..
فتحت الجوال يوم وصلتها رسالة ...شهقت شهقة خلّت النار تصهرها !!
حقدت عليه وعلى حركته اللي واضح إنها نذالة وتطفير ..!

" اطلعي من مكانك وبلاش الأفكار اللي في راسك.. فاهم سبب نحشتك ترا "

نزّلت الجوال ووجهها ينقلب احمر...شرير والله شرير ليش يسوي كذا !!
الله ياخذ ابليس ..شكلي برجع البيت قبله !! ...مافيني !

عند تركي اللي انتظرها ترد عليه...بس ما ردّت !
جواته ضحكة ما طلعت الودّ ودّه يشوف وجهها باللحظة اللي تقراها...
نشوف يا سحر النهاية معك !
مالك خلاص !
قام يلتفت يمين وشمال يبحث عنها من جديد..بنفس طريقة سحر قبل شوي ..وهالشي نبّه العجوز اللي واقفه قريب له !
وبسبب هيئته الأجنبية عنها وملامحه السمرا ، شكّت إنه قد يكون له علاقة بالبنت المحجّبة اللي قبل شوي ..
قالت بصوت مضغوط بفعل الزمن والسنين ..بالروسي : عن ماذا تبحث يا بنيّ؟
انتبه تركي إنها تحاكيه... ناظرها وما فهم لغتها مع إنه أثرى حصيلته ببعض الكلمات بس ما يقدر يستخدم لغتهم للحين !
العجوز قامت تأشر له لأنها هي الثانية ما تحكي انجليزي ..
اقترب منها بابتسامة وهي تناظره من تحت بسبب قصرها .. قال بالانجليزي يمكن تفهم : أتريدين شيئاً؟؟
العجوز قامت تأشّر لمكان معيّن بعيد عنهم والحركة فيه عارمة ناس رايحة وجاية ..
تركي عقد حواجبه وما فهم .. التفت لذيك الجهة وما شاف شي يلفت النظر ..
رجع يناظرها : ماذا ؟
العجوز كانت تحاول توصّل له فكرة إن فيه بنت تنتظر أحد ..ويمكن يكون هو اللي تنتظره بس ضايع ومو عارف المكان !
تركي قام يركّز في حركات العجوز اللي تحاول توصف بكلمات روسية ، وهو يعفط وجهه مع حركاتها الغريبة لعلّه يفهم شي !
العجوز فقدت الأمل إنه يفهم .. أشارت له ينتظرها لين تشتري وبعدين بتدلّه..
مسكت يده من كُم جكيته الطويل عشان ما يبعد بحركة عفوية ..وسحبته معها وهي تعرج بفعل السنين..رفع حواجبه باستغراب وهو يمشي معها مو مستوعب !

سحر تناظر بجوالها وقلبها اللي هدى من ضخ الدم بالبداية... رسالة وليد أثارت الدم بعروقها من جديد !
سحر بحنق .. مارح أسمح له يثير أعصابي ببساطة !!
مارح أخلّيه يستغل هالموقف عشان يعيش دور نذالته !
رفعت راسها بالصدفة ، ولقت قدامها مباشرة على بعد امتار قليلة العجوز الثانية واقفه ، وتركي جنبها وهي ماسكه معصمه من فوق الكم، تأشر عليها بيدها وهي تتكلم وكأنها تقول هذي ضالتك ، بينما تركي ساكت وعيونه عليها..على سحر..وابتسامة جانبية خفيييفة بالكاد تنشاف ..
سحر قامت ترمش بسرعة وهي تنزّل عيونها لحضنها ، بحركة لا شعورية وكرهت نفسها عقب لحظة يوم أدركت انها هربت بعيونها !!
وش بيحسّب الحين !!
مستحية منه؟؟
مارح أخليه ياخذ فكرة غلط !!

راحت العجوزة تعطي صاحبتها كيس الفطائر اللي شرتها ..بينما تبتسم لسحر وتقول بالروسي : هذا صاحبكِ الذي تبحثين عنه؟؟
سحر استنكرت الكلمة....بس تركي مــا فهم..وكفاه وجه سحر اللي تغيّر عشان يفهم المضمون !
وبسرعة تعدّل الفكرة : ليس بصاحبي !.. إنه مجرد خادم يعمل لديّ..!
ابتسمت العجوز الأولى وهي تحط يدها على كتفها : أووه.. خرج معكِ كي يحرسكِ ..كم هذا لطيف !
ناظرتها سحر بعيون مكشرة ومستنــكرة من هالنبرة الحالمة ..ثم ناظرت بـ تركي من جديد وهي تلبس قناع الهدوء وتشوف التعابير على وجهه !... كان يطالعهم بهدووء بس عيونه رايقه !
أحسن شي إنه ما يفهم روسي ...ولا وش بيخلّصها من تعليقه وكلامه لو فهم هالعجوز!
سحر بهدوء تحاول تفهّمها ، وبالروسي : لا يحرسني ..إنه خادم ألا تفهمين يا جدة !
قالت العجوزة الثانية اللي جابته : لقد بدا قلقاً قبل قليل وهو يبحث عنكِ..
سحر ناظرت تركي باستنكار...قال قلق قال !!
وقامت واقفه تودّعهم وتنهي الكلام : عمتما مساءً.. مع السلامة ..
ودّعوها وعيونهم تتأمل تركي بابتسامات حنونة .. ،

مشت سحر بسكوت ..وتركي دخّل يديه بجيوب جكيته من جديد وهو يتحرك وراها..
قال بدون مقدمات : وش قلتي لهم عني !؟
سحر بصوت جامد : مو شي..مو شغلك !

وسّع خطوته أكثر وبخطوتين وصلها وتعدّاها...وقف قدامها وذات الابتسامة الجانبية اللي تحمل مغزى على فمه ..
وقّفت لا تدعم فيه وهي تناظره بعيون معصبة ..
تركي : ..المفروض أنا اللي أعصب مو إنتي.. كبّرتي الموقف وهو ما يستاهل.. على بالي متعوّده على هالمناظر ..وش أقول أنا يالفقير المسكين اللي ما تعدّى ديرته !!
قبّ وجهها من جديد وهي تحذره يقفّل الموضوع ..
سحر : اسكت !
تركي بنبرة ساخـــرة للغاية وعيونه بعيونها : قلت لك شيلي أفكارك الغريبة من راسك... إنتي مو ذوقي فارتاحي مارح أفكر فيك يوم بذاك الشكل... خلينا كذا حلوين !

وجججع يوجع عدوانه !!
أي أفكار غريبة يقول عنها !!... وش يظن نفسه !!
سحر وهي فاهمه إنه يستقصصصد يحرق أعصابها : أحسسسسسن ... يكون أريح لي.. لأني مارح أفكر بواحد نذل مثلك!!
وتحركت وهي جد معصصبة منه ..وأعصابها منصهره من تلميحاته !!
يستغل اللحظة عشان يطفّر بها كالعادة !!
مارح تسمح !!

لحقها تركي وهو مبتسم : انسي السالفة تراني نسيتها من وقتها.. والحين خلينا نروح نتغدى ونعيّن من الله خير.. هالفقير جوعان ..
ناظرته بعيون معصبــة ..واصطدمت بابتسامة ناعمة على فمه بمحاولة لامتصاص غضبها ..
حاكت نفسها دامه نساه الأفضل تنساه بعد...لأن اذا عطته أكبر من حجمه بيخلق حواجز من ذاك النوع وهي ما تبي..!
تبي الوضع الحالي يظل مثل ماهو... ووليد مارح يكون بيوم جزء من ذيك الأفكار !
اكتفت مغامرات عاطفية .. ومن يوم سافرت وجت هنا..وهي متّخذه قرار تقفل قلبها بمفتاح...وتكمّل حياتها بدون آلام مميتة جديدة !
تركي اقترب منها : ها ..وين نروح يا آنسة ..؟
سحر رفعت عينها : نرجع البيت نتغدا ؟؟
تركي رفض : لا ...لا تنسين إنك للحين ما خلصتي المهمة اللي وكّلتها لك... خلينا نتغدا ..وعقب نكمل ..
تنهّدت باستسلام... وتحّركت تدوّر أحد المطاعم المعروفة بالمنطقة .. واختارت مطعم ايطالي راقي يطلّ على الساحة مباشرة وكانت واثقه إنه بيروق له..!

مرت نص ساعة وهم جالسين بالدور الثاني اللي يمتاز بمساحاته وكثرة الناس والطاولات فيه.. جلسوا على طاولة جنب نوافذه الزجاجية ..وصل طلبهم وسحر ابتدت تاكل بدون ما تتبادل معه كلمة وحدة...وهو بالمقابل كأنه ماخذ فترة استراحة من الكلام لأنه كان ياكل وهو ساكت ما يطالعها ولا يتكلم معها... والحال صار هدوء بشكل مفاجيء..
استوعبت إنهم أول مرة ياكلون وجبة لحالهم...بالفيلا صوفيا عادة معهم...وبشكل أدقّ هنا ما يُعتبرون لحالهم لأن الناس حولهم...بس يكفي إنهم على طاولة وحدة.. من دون طرف ثالث !!
ما عجبها الوضع بالبداية ..وبدت تحس بغرابة بالموضوع !!
وبسبب هالغرابة ما رفعت عينها عن صحنها..وإذا رفعتها فهي ترفعها ناحية المنظر عبر الزجاج اللي جنبهم..
ما حاولت تناظر في وليد وهو ياكل أبداً... ودامه ساكت الواضح إنه هو بعد مستنكر ..وحاس بهذي الغرابة !

مرّت دقايق وانتهت من صحنها بأسرع وقت..وأخيراً رفعت عيونها لـ تركي اللي كان شارد الذهن وهو ماسك شوكته وصحنه لازال فيه سباغيتي.. ومتوقّف عن الأكل من مدة ..
سحر وهي حاسه بغرابة تزيد..قالت تقطع هالشعور : أنا بروح أغسل لما تخلص..
ما قال شي..
وهي حطّت المنديل القماشي اللي كان موجود على فخذها فوق الطاولة..وقامت وهي تدفع الكرسي على ورا عشان تقطع الجو ، واللي زاده وليــد غرابـة بصمته وهدوءه !

صار لحاله..رمى الشوكة بوسط الصحن.. واكتفى باللي كلاه للحين !
ما حكى معها وهم ياكلون لأنه احتاج للحظة هدوء .. هدوء من أفكاره ..! ..أفكاره اللي تتضارب وسط مخه..
الجو بالمطعم خلاه يهدى لا إرادياً ولقى نفسه يشاركها الوجبة على طاولة وحدة.. !
تطوّر جديد بالنسبة لـ وليد !

رجعت سحر عقب دقايق .. وقفت وهي تشوفه يطالع من الزجاج وعقدة حواجبه بارزة..والشرود نفسه !!
يكون تعب من المشي !!
سحر : وليد !
التفت عليها وعقدة حواجبه نفسها..
سحر لاحظت هالسكون اللي هو فيه : يلله نطلع..
تركي بأمر : اجلسي.. مافيني أمشي..
رفعت حواجبها استغراب وهي تشوفه يطالع عبر الزجاج مرة ثانية متجاهل وقوفها..
سحر بتساؤل : تعبت ؟؟..(ضحكت تقهره) .. يا حرام !.. طلعت ضعيف ومافيك صبر... وكسبت أنا التحدي !
رمى عليها نظرة من زاوية عينه تلمع وعيد ... وبصوت متوعّد : ضعيف؟!
قوّت قلبها خصوصاً إن نبرته تغيّرت : إيه ضعيف وأنا قلت لك مارح تتحمل مشوار واحد معي.. واضح الانهيار عليك للأسف !
ضاقت عيونه : قلت اجلسي!.. لا تكثرين حكي !
سحر : مارح أجلس...يا إما تقوم ألحين..يا إما أرجع للبيت وكمّل المهمة لحالك !
رفع حاجب يوم لاحظ عنادها ، وما جادل ..!
قال وعيونه تتوعّد : بروح أدفع الحساب..
ابتسمت يوم شافت ملامحه معصبة...وحست بشي من النشوة !

طلعت برا قبله ..ولحقها وهو يدخّل بوكه في جيبه ..
سحر وهي تتلفّت : الحين وين نروح؟؟

تركي بشكل مفاجئ : أبي شاهي أخضر !
ناظرته باستغراب : وشو؟؟؟
تركي باستقعــادْ : أبي شاهي أخضر أقولك.. هالمطعم أكله ثقيل ما قدرت أكمله..اختيار سيء للأسف!
سحر بحمـــق : هذا أحسن مطعم ايطالي هنا !
تركي بحاجب مرفوع ، ونظراته صقيع : اختيار سيء ولا تفكرين تجيبيني هنا مرة ثانية !
عصبت عليه : مين قال اني بجيبك لغيره أساساً.. الشرهه على اللي تدوّر الزين عشانك !
تركي : المهم ...دبري لي شاهي أخضر.. ماني متحرّك من هنا ومارح تكمّلين المهمة قبل تجيبين لي شاهي أخضر..

سحر بدهشــة : من وين أجيب لك شاهي أخضر !.. تستهبل علي !!
تركي : دبّري حالك ..
وراح وجلس على مقعد قريب وحط رجل على رجل..بمعنى إني بنتظر هنا لما تجيبينه !
سحر طلع براسها قرون ...ما صارت تساعده صارت خدّامتـــه !!
دامه ماخذها استقعادْ.. بتشوف مين اللي بيعطيه الفرصة !
راحت له وهي تضرب خطواتها بالأرض ..وقفت قدامه وقبضة يديها تنشدّ من هالجوْ اللي يدخلها فيه بالقوة.. صاير يتحكم بانفعالاتها بأبسط طريقة ..بس ماااااااااااارح تسمح له !!
سحر : وليد !
مارفع راسه وعيونه تناظر بجواله..مدنق لدرجة ان نص وجهه مخفي بوسط ياقة جكيته : اذا جبتي الشاهي كلميني !
سحر : مارح أجيب شي...الحين قوم نروح فيه محل قريب بنلقى فيه كل شي باقي..
تركي يضغط بجواله : مارح أعيد ..
سحر : مافيه شاهي اخضر هنا ..اذا رجعنا الفيلا بقول لـ صوفيا تصلح لك ..
رفع عيونه يطالعها بجدية..ورجع يطقطق بجواله مو معبّرها !
سحر كررت : مافيه هنا... من وين أجيب !
تركي : ماهيب مشكلتي !

يا الله !!..
ليتها ما تتريقت عليه فوق !!...بيطلّع حرة الكلمة من عيونها !!
تحرّكت بعيد عنه وهي تدوّر احد يبيع مشروبات.. طيب يا وليد طييييب ..والله بعلمك وشلون تستقعد!!
أبعدت عنه وهي تتذكر ان فيه كشك يبيع مشروبات غريبة.. وعليه اقبال من فئة معينة من الشباب..
شافته من بعييد ..وركضت هناك بسرعة وكان خالي ما عليه زحمة..
قالت بقهر لصاحب الكشك : أريد أكثر مشروبٍ مرّ لديك ! أريده كالعلقم لا أريد سكر..
طالعها الشاب باستغراب من الحمق بعيونها : لديّ هذه القائمة اختاري منها..
سحر ما تفهم اسماءها لأنها غريبة... ماهيب عصيرات طبيعية ولا اشياء ساخنة معروفة...
سحر : أريد أكثر مشروبٍ ليــس عليه طلب !
ابتسم على طلبها الغريب واللي يدل على غاية غريبة : .. تريدين أكثر مشروب غير مطلوب ؟!
سحر : أجل.. أعطني واحد..
الشاب : إنه مشروب بارد ..أتودينه؟
سحر : لا بأس..
الشاب : ولكن هذا النوع لا يُشرب في هذا الطقس البارد..
سحر : لا عليك..اعطني واحداً فقط..
دقيقة وسواه لها ..وعطاها اياه ..دفعت له ومشت ناحية وليد اللي لازال جالس بمكانه..مركّب سماعات بإذنه ومغمض عيونه وهو رامي راسه للخلف باسترخاء..
وصلت له : ولييييييد !
فتح عيونه وناظرها بهدوء...
مدّت له الكاس : شاهي أخضر !
ضيّق نظراته وهو حاس إنها تكذب : توّك تقولين محد يبيع...سبحان الله طلّعتيه من تحت الأرض!
عضت شفتها بقهر : تبيه ولا أروح أكبه !!؟
مد يده وعيونه تحكي شكوكه بالموضوع..اخذ الكاس ولمس برودته ..
رفع عيونه بسخرية : المرة الجاية لو بتلعبين علي..جيبي شي حار ممكن تنطلي اللعبة... مهوب حركة غبية مثل هذي..

كانت بتردّ على مسخرته...لكن جاهم صوت قاطعهم وهو ينادي من بعيد..صوت مألوف ينادي اسمها من بين ضجيج الناس ..
- سحـــــر !
التفتت بسرعة ناحية الصوت اللي تعرفــه !.. وتركي التفت معها وهو عاقد حواجبه ناحية اللي ينادي ..
تهلل وجهها بشوفة يزيد من بعيد... كان واقف مع ثلاثة من أصحابه ويأشر لها من بعيد !
ابتسمت بوسع وجهها ..ولقت نفسها تمشي بسرعة له..وهو يمشي ناحيتها ..
وتركي يراقب وهو جالس مكانة وعقدة حواجبه تزيد تعقيد !
هذا صديقها ؟

سحر بضحكة : شووفتك تردّ روحي تدررررري !
وصل عندها وهو يضحك ..وعطاها بكس خفيف فرّ وجهها بطريقة عفوية..وهو يضحك : أنا أشهد انها ترد روحي بعد !
سحر وبهجة تملا صدرها : شخبارك مع الامتحانات اللي قلت لي عنها ؟؟
تنهّد بتعب : توني طالع من الجامعة... وجيت مع الشباب ناوين نتغدى...
التفتت للثلاثة اللي كانوا واقفين وراه ..ويطالعونهم بابتسامة ويتبادلون أطراف الحديث وكأنهم يعلقون عليهم ..!
قال يزيد : وش رايك أعزمك؟
سحر ابتسمت : لا شكراً...تغديت وخلصت !
يزيد بتساؤل : لحالك؟..جيتي هنا بروحك؟
سحر : لا مو لحالي ..جيت هنا عندي شغلة أسويها..

حسّوا باقتراب شخص منهم ..التفت يزيد وطاحت عينه على واحد طويل..عريض المنكبين..ملامحه جادّة يقترب منهم ويعطيه من 27 الى 28 سنة ..
سحر ابتسمت : يزيد هذا وليد؟؟
رفع يزيد حواجبه بتساؤل عفوي..وناظر في اللي اسمه وليد بنظرات متفحّصة..
تركي بالمقابل ..وقف بمستوى سحر وعيونه تقيّم هالولد من فوق لتحت..
يقيّم شكله...ستايله...اٍسلوبه..حتى طريقة كلامه ..!
هذا اللي قالت عنه الشقرا... يطيح بمشاكل !!

يزيد ناظر بـ سحر والتساؤل بعيونه ..عن حقيقة هالرجال اللي أول مرة يشوفه .!
سحر ابتسمت تجاوبه : يشتغل عند أبوي .. ( التفتت لـ تركي تخاطبه ) .. وليد هذا يزيــد..أبوه كان زميل أبوي بالسفارة وبيننا معرفة قديمة ..!
تركي بنبرة هادية فيها لمحة برود خفييية : هلا.. تشرفت !
ابتسم يزيد ببشاشة وهو يمدّ يده عشان يصافح ...سحب تركي يده من جيب جكيته ..ومد يده يصافحه وعيونه ما نزلت عنه ولا وقّفت تقييم !
يزيد باستفسار : غريبة ما قلتي لي عنه؟؟
سحر رفعت كتوفها ..ماتدري شلون ما قالت له بس تذكر إنه ما جت فرصة ولا كان فيه مناسبة تستدعي !
وقالت : ما جا على بالي أقولك.. ما كان في مناسبة..
يزيد التفت لتركي اللي كان يحدّق فيه بعمق..ورجع لسحر يردف : قلتي لي يشتغل مع عمي مساعد؟؟
ابتسمت : ايه..
يزيد التفت على اصحابه اللي قاموا ينادونه عشان يروحون يتغدّون..ورجع لسحر : مضطر أمشي ألحين..أشوفك قريب..
سحر بابتسامة : ان شاء الله..
يزيد وهو يوجّه اصبعه عليها مثل المسدس : ما انتهينا !.. لازم أشوفك..
سحر بضحكة : طيب..
يزيد يضحك: يلله سلام..
راح مع أصحابه الثلاثة وصوت ضحكهم وسوالفهم توصل لعندها ..

تنهّدت وهي تراقبه : عسل هالولد !
التفت لها تركي بنظرات جامدة..لقاها شاردة بأثر يزيد وابتسامة ناعمة على فمها..!
سأل : كم عمره؟؟
سحر : بعمري تقريباً أو أكبر من بشوي ..21 سنة ..
تركي بسخرية : أعطيه 17 سنة مع شكله !
ناظرته على جنب يوم حست انه ينتقده : .. كأنه مو عاجبك!
تركي مشى تاركها : ماهوب شغلك !
تحركت سحر وراه : هالولد عسل لا يغرّك شكله وستايله...قلبه ذهب !
التفت عليها وبعيونه جليد : الولد قاصر للحين ومافيه ذرة مرجلــة !
وقفت وكلمته عصصبت فيها لآخر حد !!
سحر : يزيد صديق وعزيز ترا ما أرضى عليه.. توّك ما عرفته وتقول عنه كذا !
تركي : هذا رايي وأنا حر فيه..
سحر : مارح أناقشك لأنك من الصبح وانت تبي تطفّر بأعصابي...
غيّرت الموضوع عقب ما شافت الساعة : باقي ساعة عالمساء.. بروح للمحل اللي قلت لك عليه ..

::



 


كان الوقت قريب الفجر .. في الهجــرة النائية اللي لجأ لها..
فتح عيونه بشكل مفاجئ وهو يلتقط انفاسه بوسط الظلمة ، من كابوس جديد داهمه !
هالأيام.. لياليه كوابيس ما خفّت..
رفع جسمه من مفرش الأرض اللي نايم عليه..وسند ظهره للجدار وهو يفرك شعره المنعفس !
مع إن هالمكان وهالبيت الصغير مريح نفسياً ، ومن يوم حط راسه نام باستغراق من التعب.. إلا إنه الراحة مو كاملة !

قام واقف بيطلع من هالغرفة الصغيرة ..تجاوزها وهو يفرك شعره وخطواته تتسحب بالأرض..
طاحت عينه على الشايب مصلح...جالس عند منقد النار يصلّح في دلته..
استغرب من قعدته هالوقت ..
مصلح ابتسم بطيبة يوم شافه : صبحك الله بالخير.. عساك ارتحت يا عابر السبيل !
اقترب عمر ..وهو يفرك عيونه بنعاس : صبحك الله بالنور..الحمدلله ..
(وأردف) : وش مصحيك يا عم الحين؟
مصلح : صحيت للصلاة...صلّ ياولدي وتعال تقهوى..ترا قهوة الفجرية ما مثلها بهالدنيا..
ابتسم عمر بتعب ... يا حليله ..
ماله هم يعكّر عليه هالفجرية الحلوة.. همّه قهوته ..
وبصوت خاافت مبحوح : بصلي وبجيك ..

جلس مصلح يجهز الدلال وبعض أغراض الفطور اللي جابها من بقالته يوم طلع يصلّي..
رجع عمر بعد دقايق ..وجلس جنبه وهو يراقبه يشتغل يشيل دلّة ويحط ثانية بدالها ..
أسند ظهره للجدار ينتظر مصلح ينتهي... ورفع جواله اللي جابه من الغرفة يفتّش فيه..
لاحظ وجود رسالة جديدة... عقد حواجبه بتساؤل عن المرسل لأنه حالياً يستخدم واحد من أرقامه القديمة اللي استخدمها فترة ضئيلة..ووقفها..
مو أي أحد يدري إن هالرقم شغال!.. حالياً هو الوحيد وما رجّعه إلا البارح !
فتح الرسالة وهو متوجّس .. والمفاجأة إنها كانت من بندر ..
ابتسم لا شعورياً... ما طال استغرابه لأن بندر يملك أرقامه كلها من كثر ما كان يتصل عليه ويتواصل معه أيام استقراره بالشرقية ..!
قرأ الرسالة اللي يسأل فيها عن أحواله ويطلب منه يرجع بأسرع وقت ممكن ..والأهم مطالبته إنه يرد على رسالته ويكلّمه..
تنهّد عمر وهو يفكّر برجعته ..!
هو إذا رجع...بيرجع عشان شي واحد...ولهدف واحد ..عشان يفكّ هالتعقيد.. التعقيد اللي بحياته الشخصية ! ، اما التعقيد بحياته العملية هذي يتولّاها الوقت..وهو بيتولّاها ...لكن قبل.. الأولويــة إنه يشوف اللي ذبحته بكوابيسها ..!!
ذبحته بمشاعرها اللي مثل الطوفان ومو قادر يوقف قدامه !

وصله صوت مصلح : اقدع تقهو ..
فتح عيونه المغمضة ورفع راسه من الجدار...والتقط الفنجال بصمت .. بدا يشاركه القهوة ومصلح يحاول يسولف .. وعمر ماخذ دوره المعتاد..الصمت .. وأفكاره لا شعوريا تنحرف عن عالم مصلح وسواليفه.. لـ عالم أبعد!
وان تفاعل مع مصلح..تفاعل مع بابتسامة عابرة وصغيرة... وكلمة إن كثّر !

عقب فطورهم ..رفع مصلح راسه لـ عمر اللي كان واضح عليه إنه شايل بقلبه وعقله أشياء ..مخليته محاوط نفسه بقوقعة مجهولة ..
مصلح : ما نمت زين يا عمر؟ .. ما تعوّدت على نومة الأرض ولا وش بلاك؟؟
عمر : ما قصرت يا عم مصلح.. نمت لا تشغل بالك..
مصلح : أجل بلاه وجهك ؟
عمر : تعب سفر وبيروح هذا اللي فيني..
قطع مصلح أسئلته ..وانشغل في منقد النار حقه واللي يعتبر صديقه الحميم وشغله الشاغل لما يجلس لحاله في بيته..

عمر قال بعد لحظة عقب ما اتّخذ قرار : يا عم..
مصلح وهو مشغول : يا لبيه ..
عمر : أنا بمشي اليوم من عندك..تبي مني شي قبل أمشي..؟
ناظره مصلح باهتمام ، وبنظراته أسف : بتمشي؟؟.. تونا يابوك..خلك نكرمك ..واذا جا باكر رح منيب رادك..
عمر والامتنان بصوته : ما قصرت يا عم .. مارح أنسى هالفضل لك..كنت ناوي اجلس يوم ثاني هنا بس مضطر أمشي..الساعة محسوبة علي الله يحييك..

مصلح ونظرته تليــن : ..بتروح لمّ اللي أكثر من أهل وأكثر من شغل ؟؟
تغيّر وجه عمر من اللي قاله...نفس العبارة اللي قالها أمس حفظها ..ابتسم ابتسامة انعشت شي من التعب المستكين بجسمه..
مصلح بنبرة لها معنى وضّحت لعمر ان هالرجال أبد ما يستهان فيه : ..ايييه يا ولد الناس..فهمتك البارح بس ما بغيت أغثك بكثر الأسئلة وإنت تعبان...... إنت متزوج يا ولدي؟؟
عمر ونبرته تلين : متزوج وماني متزوج يا عم !
مصلح باهتمام : تعاني مشاكل يا ولدي ..وهي اللي مخليه وجهك كذا ؟
عمر وفخامة صوته مختلطة بلمحة وجع مخفية : .. انا مملك يا عم.. مقدر أقول إني متزوج زي الناس..
مصلح بابتسامة حنونة : وراه وانا عمك؟؟
عمر سكت لحظة.....وعقب قال ونبرته تلين بوجع : .. الظروف يا عم..الظروف ..وش عساني أقول غير كذا ..
مصلح ابتسم : واضح بقلبك الكثير وانا عمك.. وش اللي متعبك..تراها ليلة قضيتها عندي لكن وربي شاهدن علي إنك صرت مثل ضاحي ولدي..أخلاقك والنعم فيها وأنا ان بغيتني اساعدك بشي فتراني مستعد وداق الصدر ..
عمر احتار وش يردّ عليه من طيبة كلماته : ..والنعم فيك .. لكن يا عم ..صعب اقولك ..اتركها مستورة الله يحييك..
مصلح ما ضغط عليه .. : ان رحت اليوم..فترى لي عليك حق الزيارة... أبيك تزورني مرتن أقهويك وأعرفك أكثر..ولد أجاويد وحسوفة اني بخليك تروح...بس يابوك لا تنسى تعزمني على زواجك اذا ربي تمم لك على خير...
قام عمر واقف ، باس على راسه الأشيب يشكره على فتح باب بيته له .. وعلى معاملته الصادقة معه !
وقال : ان شاء الله أزورك يا عم.. ما قصرت ..جميلك على راسي وتستاهل كل خير..

راح عمر ياخذ أغراضه القليلة عشان يكمّل رحلته للرياض.. كان ناوي يجلس يوم ثاني هنا يرتاح... لكن الحقيقة إنه ما يقدر يضيّع ساعة وحدة..والأفضل له يكمّل قراره..
ودّع العم مصلح على أمل يشوفه مرة ثانية .. وركب سيارته وحرّك ناحية الرياض .،

::

في بيت ابو محمد ..
نزّلت ام محمد السماعة عقب ما استقبلت مكالمة من أم راهي ..وأبو محمد كان جالس يتقهوى معها قهوة الضحى ..
أم محمد : هذي أم راهي ..
ابو محمد : وش عندها ؟؟
ام محمد : أبد تقول عازمتنا الليلة على عشاء .. تقول من تمت ملكة محمد على بنتها بسمة وهي ودّها تعزمنا على اجتماع عشاء ..احنا وهــم بس..يعني مثل الاجتماع العائلي نشيل فيه الكلافة ..
ابتسم وما عارض : الله يسهل... أكثر من شهر من تمّت ملكتهم... مثل هالعشاء بيقرّبكم منهم ..
ام محمد : لازم اقول للبنات يستعدون أجل ..

عقب دقيقتين دخلت مشاعل تصبّح .. قالت لها أمها مباشرة تكون مستعدة الليلة لأنهم بيروحون لبيت أبو راهي ..
مشاعل باستنكار : .. هذا وقتتتته ؟؟؟.... يا ليت تعفوني !!!
ابو محمد عطاها نظرة حازمة : بتروحين هذولي نسبانا .. وأول عزيمة غير رسمية يعزمونكم عشان يتقربون منكم.. ما يصير ما تروحين..إنتي إخت محمد ولازم توجّبين ..
مشاعل ما فيها تقول شي..خلاص فرض واجب تروح : إن شاء الله بروح ..
ابو محمد : وعطي شادن خبر انها بتروح.. عالأقل تغيّر جو ..له ايام حتى الجامعة ما طبّتها ..روحي قولي لها..

راحت مشاعل حسب أوامر أبوها .. دخلت ولقت شادن نايمة..صحّتها من النوم وقالت لها عن مناسبة الليلة ..
شادن برفض : مارح أروح!
مشاعل : حاولت قبلك أقول لأبوي...بس ما امداني اقول كلمة إلا ضاق.. يقول حرّصي شادن لازم تروح وتغيّر جو وانتي حتى الجامعة لك ايام مارحتي لها..
تنهّدت شادن من أعماق قلبها.. هالمناسبة مو في وقتها أبداً.. ومالها طاقة مناسبات !
وهم يسولفون لنصف ساعة ..مشاعل تطلع من سالفة وتدخل بسالفة بتضييع للوقت الميّت بهالساعة..
دخل أبو محمد عليهم..وطاحت عينه على شادن ..جالسه ببجامتها وشعرها مشعث..ووجهها أصفر ومرهق !
لازال مصرّ إنها تطلع من هالحالة بأي شكل من الأشكال...
وعشان كذا قال : شادن !
رفعت عينها لأبوها بهدوء ..وهي ساكتة..
ابو محمد : بكرة لازم تروحين عالجامعة..ما عاد فيه غياب.. واليوم بتروحين مع امك واختك لعزيمة ام راهي...ما أبي تتحججين بتعب ..
شادن وقلبها ثقيل..هي فعلاً تعبانة وأبوها يدري بهالشي..
شادن بألم : يبه أنا...
ابو محمد بحــزم : اسمعي كلامي وانا ابوك..ولا تجادليني..انا اعرف مصلحتك وين..
غاب عنهم......والدموع اجتمعت بعيونها ..
وكأن ابوها بدا يغيّر تصرفاته معها... وكأنه يمهّد لشي كبير !!
مشاعل بضيق : شادن !

مسحت خدها بظهر كفها وهي تحاول تبتسم : خلاص بروح ... ( وهي تحاول تقنع نفسها ) ..يمكن صدق أغيّر جو على كلامه وارجع للبيت مروّقه ..
مشاعل ابتسمت تشجّعها... وشادن ابتسمت ابتسامة ضعيفة تشجّع نفسها ..!


يتبـــع...

Okumaya devam et

Bunları da Beğeneceksin

32.8M 1.9M 47
اثناء دوراني حول نفسي بالغرفة بحيرة انفتحت عليه الباب، اللتفتت اشوف منو واذا اللگه زلم ثنين طوال لابسين اسود من فوك ليجوه وينظرولي بأبتسامة ماكرة خبي...
1.9M 35.8K 43
تبدو لك الحياة أحيانا بائسة حزينة، تظن أنك تحب أحدهم ثم يأتي الزمان يخبرك بمنتهى الخفة أنك لم تكن تحب ذلك الشخص و ان العشق خلق ليكن من أجل شخص اخر
5.1M 151K 103
في قلب كلًا منا غرفه مغلقه نحاول عدم طرق بابها حتي لا نبكي ... نورهان العشري ✍️ في قبضة الأقدار ج١ بين غياهب الأقدار ج٢ أنشودة الأقدار ج٣
7.9M 503K 53
رجلٌ شرسٌ شُجاع مُتقلبُ المزاج غريبُ الطورِ عديَمُ المُشاعر حيَادي لا ينحاز سَديدُ الرأي رابطُِ الجأَشِ وثابِتُ القلب حتىٰ.. وقعت تلك الجميلةُ بين...