طائف في رحلة ابدية

By nanono3726

7.5M 142K 13.6K

من بين جموع البشر ... كان هو الاول والاخير... واخر من رغبت بمواجهته في هذه الارض القاصية الواسعة صرخ بها وال... More

المقدمة
الفصل الاول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس ....الجزء الاول
الفصل الخامس ... الجزء الثاني
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر ..الجزء الاول
الفصل التاسع عشر ..الجزء الثاني
الفصل العشرون
الفصل الواحد والعشرون
الفصل الثاني والعشرين
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرين
الفصل الخامس والعشرين ..الجزء الاول
الفصل الخامس والعشرون..الجزء الثاني
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الاربعون
الفصل الواحد والاربعون
الفصل الثاني والاربعون
الفصل الثالث والاربعون
الفصل الخامس والاربعون..الجزء الاول
الفصل السادس والاربعون
الفصل السابع والاربعون
الفصل الثامن والاربعون
الفصل التاسع والاربعون
الفصل الخمسون
الفصل الحادي والخمسون
الفصل الثاني والخمسون
الفصل الاخير
الخاتمة

الفصل الرابع والاربعون

116K 2.3K 153
By nanono3726


" سألاحق أمجد حتى آخر يوم في عمري .... حصلت على قلبه مرة و لن يكون هذا مستحيلا أن أحصل عليه مجددا .... سبق و تركك رجل و اختراني و لن يكون مستحيلا أن يتكرر الأمر ... استوعبي كلامي جيدا لأنني لن ألقيه جزافا ...."

كانت تلك الكلمات تبدو كلحنٍ رتيب , يأبى أن يغادر أذنيها ... و كأنه تعويذة سوداء ألقيت عليها , ....
رفعت مسك وجهها عن كوب الشاي الذي كانت تعده بشرود و تقلبه طويلا على الرغم من أنها لم تضع أي سكر من الأساس ...
محدقة في جدران المطبخ بصمت , بملامح باهتة .... و عينين شديدتي العمق ....
ثم لم تلبث أن همست بصوتٍ غريب
( ليذهب ..... إن أراد فليذهب , سيكون هذا هو عقابه الأفضل على الإطلاق ..... بل و سأرسل له أجمل بطاقة تهنئة بنفسي .... بخطي ... لست أنا من تحارب لإستعادة ...... رجل .... )
( هل تحدثين نفسك ؟! .... همممم ..... )
انتفضت مسك حين سمعت هذا الصوت الرجولي من خلفها و كما فعل ليلة أمس كان قد تسلل من خلفها , ليحيط خصرها بذراعيه وهو يداعب عنقها بشفتيه .....
لم تكن قد شعرت بإستيقاظه , أو دخوله حافي القدمين الى المطبخ .... فأطاحت يدها بكوب الشاي خلال إجفالها ليسقط على الأرض بجوار قدميها الحافيتين كذلك , متهشما الى شظايا ...
هتف بها أمجد محذرا بقلق
( احذري .................. )
الا أنها كانت تتحرك بعشوائية و هي تقول ببرود
( لقد أجفلتني ...... ابتعد لأنظف ال ....... )
الا أن كفي أمجد أمسكتا بكتفيها ليبعدها بالقوة وهو يقول حازما .....
( ابتعدي عن الزجاج و الشاي الساخن ..... ستؤذين قدميكِ ...... )
نظرت اليه نظرة طويلة , خالية الشعور وهو يجلسها على أحد الكراسي الطويلة ...... غافلا عن شرودها الباهت به .... بينما اهتم هو بمسح الأرض و تجميع قطع الزجاج المكسور ,......
أخذت مسك في تلك الأثناء تتأمله بنفس العينين العميقتين .... تنظر الى هاتين الذراعين اللتين ضمتاها طوال الليل الى صدره ....
كانت كلما تتذمر و تحاول الإستدارة بعيدا عنه كي تنساق الى نومٍ عميق ... كان يشدد من ضمها اليه رافضا وهو يهمس في أذنها بصوتٍ خشن شديد الخفوت
( لا ...... ستبقين هنا ........ )
حتى يئست من إصراره و تغلب النعاس عليها , لكن و قبل أن يغلبها تماما .... شعرت بأصابعه و هي تداعب شعرها حول وجهها ..... و بشفتيه تنخفضان حتى لامستا جبهتها وهو يهمس و كأنه يهمس لنفسه
" هذا الشعر يفتنني ........ كيف لحفنة من الشعر الناعم أن تأسرني بهذا الشكل ؟! .... ربما لأنه ليس مجرد شعر عادي , بل هو ........"
بعدها لا تتذكر بقية كلماته .... لأنها كانت قد ذهبت الى عالم ٍ بعيد مريح .... بعد ساعاتٍ من التوتر العصبي و النفسي .... ثم العاطفي معه ......
أما الآن و هي تنظر اليه , فكانت تشتم نفسها على النوم قبل أن تسمع ما كان يقول .......
ضيقت عينيها و هي تتأمل فكه الذي فتنت به مؤخرا ... ثم هزت رأسها و هي تسأل نفسها بغباء
" أي فك الذي تفكرين به الآن ؟! .... الرجل على وشك تركك لأجل امرأة أخرى و ها أنت تتغزلين في فكه ذي اللحية الشقراء و غمازة سخيفة !! .... "
كان أمجد قد انتهى مما يفعل , ثم استدار اليها , الا أنه توقف مكانه وهو ينظر الى ملامحها بدهشة ....
كانت حيث تركها , الا أن شكلها كان غريبا ... بأصابع قدميها الملتفة حول القضيب المستدير للكرسي الذي تجلس عليه , و ملامح وجهها العابسة المتجهمة و التي تنظر اليه كمن تريد أن تضربه بأقذر شيء تصل اليه أصابعها ....
رفع أمجد حاجبه وهو يسألها قائلا
( ترى أي طريقة تشغل بالك حاليا , كي تنتقمين بها مني ؟! ...... )
أجفلت مسك مجددا على صوته الهادىء ... الا أنها سيطرت على ملامحها و سألته بعد لحظاتٍ ببرود
( هل فعلت شيئا يستحق أن أنتقم منك لأجله ؟! .......... )
تحرك أمجد ليستند الى طاولة المطبخ أمامها وهو يكتف ذراعيه ... ينظر اليها بدقة , ثم قال أخيرا بجدية
( ربما بدئا من افسادي لتلك الأمسية العاطفية التي سبق و أعددتِها لي .... الا أنني قابلتها بقسوة .... )
شعرت مسك بشيء ما أوجع قلبها .... تلك الذكرى تؤلمها ...
من بين كل التفاهات في العالم , تظل معاملته لها تلك الليلة و الكلام الذي رماها به , كسلاحٍ حفر بها شيء لن تنساه مطلقا ....
الا انها تمكنت من الإبتسام بسخريةٍ و هي تسأله بلامبالاة قائلة
( ألا زال هذا الأمر يشغللك ؟! ........... )
لم يتراجع بسبب طريقتها الساخرة الباردة .... الا أنه أجابها مباشرة وهو ينظر الى عينيها
( لقد بكيتِ .......... )
أظلمت عينا مسك و قست ملامحها ..... الا أنها رفعت ذقنها و نظرت اليه قائلة بهدوء
( هذا يظهر لنا , الى أي حد يمكنك أن تكون فظا , عديم الأخلاق و التهذيب .... أرجو أن تكون قد سعدت بهذه الدموع التي لطالما تمنيتها ..... )
لم يرد أمجد على الفور ... الا أن بعض الشحوب طفا على ملامحه , ثم اختفى سريعا .... فقال بخفوتٍ أجش
( ليست تلك الدموع التي أتمنى رؤيتها ... سبق و أخبرتك بذلك ... )
استطاعت مسك اجبار نفسها على ارجاع رأسها للخلف لتضحك عاليا .... ضحكة تبدو ساخرة في ظاهرة , الا أنها جوفاء .... تخفي بعض الألم ....
ثم سألته بقسوة
( و تمتلك الجرأة على تصنيف دموعي ؟!! .......... الا تظن نفسك تتمادى قليلا يا حسيني ؟! ... )
أجاب سؤالها بسؤالٍ مباشر وهو يتجه اليها حتى وقف أمامها مباشرة , ليمسك بذقنها يرفع وجهها اليه
( لماذا لم تهجريني ؟!! ............ )
تصلبت ملامح مسك , و شحبت .... ثم شعرت ببرودة تسري في عمودها الفقري , قبل أن تتحول الى سخونة و تعرق .... كل هذا خلال لحظات ... كانت تجلس فيها امامه , وذقنها في كفه الدافىء ...
بينما عينيها و كأنه ربطهما به للأبد .....
عقدت مسك حاجبيها و ضحكت بعصبية .... و هزت رأسها قائلة بتوتر
( ماذا ؟! .............. )
قال أمجد دون أن يبتسم أو يتراجع
( لماذا لم تهجريني بعد ما فعلته ؟! ..... كان هذا أقل ما أتوقعه من مسك الرافعي عقابا لي على معاملتي لكِ بتلك الطريقة ...... )
بدت مسك تتنفس بسرعةٍ أكبر .... الا أنها تماسكت و سألته ببرودٍ قاسٍ
( هل هذا ما تتمناه ؟!! ........... )
رفع أمجد حاجبيه و قال بفظاظةٍ وقحة
( ربما تجيبك ليلة أمس مثلا عن سؤالك الغبي هذا ..... الآن دورك في الإجابة , لماذا لم تهجريني ؟! .... )
ظلت النظرات بينهما تتواجه في حربٍ صامتة متحدية , الى أن قالت بإختصار
( لم أعتد إعلان الفشل سريعا , لمجرد أن أحدهم تصرف بطريقة رجعيةٍ متخلفة ....... )
ارتفع حاجبي أمجد ببطىء , و لمعت عيناه , مما جعل أعماقها ترتبك و تتشابك و تتعقد .... الا أنه قال بعد فترة طويلة بصوتٍ بطىء يحمل بعض الرضا ....
( حقا !! ....... علي القول أن هذا كان منتهى الكرم منكِ حبيبتي ...... لقد ظننت بعد خروجي من البيت تلك الليلة , أنكِ ستلحقين بي و لن تعودي مطلقا ....... )
لا تعلم ما الذي هزها أكثر .....
كلمة حبيبتي التي خرجت من فمه بعفوية و كأنهما حبيبين منذ زمنٍ طويل .... أم تلك النبرة في صوته و كأنه يحدد شيء ما , هي ترفض الإعتراف به ...
أرادت الصراخ به كي لا يتأمل كثيرا ..... الا أن الكلمات وقفت في حلقها و رفضت الخروج بينما هي تنظر اليه ... وهو ينظر اليها , قبل أن يهز رأسه قائلا بصوتٍ متأوه
( ياللهي .... كم سأشتاق اليك !! ....... )
ضربتها العبارة المبحوحة في مقتل ... للحظات شعرت بأنها تهتز و تكاد أن تسقط من فوق الكرسي المرتفع ...
لكنها أمسكت بحافتي المقعد تحت ساقيها و هي تنظر اليه بنظراتٍ لا معنى لها , ثم سألته بنبرة مبهمة
( س .... تشتاق الي ؟!! .......... )
أومأ أمجد برأسه قبل أن يترك وجهها قبل أن يمسك بخصرها يسحبها اليه حتى أوقفها على قدميها ثم ضمها بشدةٍ متأوها بصوتٍ متشدق مداعب حتى رفعها عن الأرض وهو يقول بصوتٍ مدفون في عنقها
( كيف لي أن أتركك بهذه السرعة ؟! ......... )
اتسعت عينا مسك و هي تتشبث بذراعيه المحيطتين بها و هي تشعر بالعالم يدور من حولها
بماذا يهذي ؟! ..... كيف ... و لماذا ..... هل ...
هناك شيء خاطىء .... لذا أبعدت وجهها عنه و نظرت اليه طويلا قبل أن تسأله بصوتٍ مهتز النبرات
( لست ...... لست أفهم ......... )
تنهد أمجد بصوتٍ قاتم وهو ينظر الى عينيها دون أن ينزلها أرضا ... بل ظلت معلقة بين ذراعيه ....
ثم قال بصوتٍ ثقيل آسف
( أنا مضطر للسفر لمدة أسبوع ...... مهمة تخص العمل , ..... )
رمشت مسك بعينيها و هي تفلت نفسا مضطربا من بين شفتيها الباهتتين ... بينما بقت ملامحها على نفس الثبات و الهدوء .... و ما أن وجدت صوتها حتى قالت بخفوت و هي ترفع شعرها عن عينيها بحركةٍ واهية
( لم تخبرني عن تلك السفرة من قبل ! ....... )
أنزلها أمجد أرضا ... الا أنه أبقاها بين ذراعيه , ثم قال بصوتٍ أجش
( الأيام الأخيرة كانت مرتبكة بيننا ... الكثير من الأحداث و المشاكل , لم أرد أن تظني بأنني سأبتعد بسبب غضبي منكِ ..... لذا انتظرت الى أن تحل المشكلة بيننا ... )
كانت مسك تنظر الى ملامحه القريبة منها و هي تحاول استيعاب كلامه ... مع تلك النبضات المضطربة التي اختلت فجأة منذ لحظات .... الا أنها تمكنت من القول بنبرة غريبة
( و هل حُلت المشكلة بيننا ؟! .......... )
بادلها النظر بدقة , ثم سألها بجدية قائلا
( أنتِ أخبريني ............. )
ساد الصمت بينهما و كل منهما ينظر الى الآخر .... و خلال تلك اللحظات الغريبة , ضربتها الحقيقة الصادمة ...
لقد نست أشرف تماما خلال الساعات الماضية .... نست تشفيها منه , و نظراته المراقبة المتحسرة لها عن بعد .... بدا و كأنه قد تبخر تماما من ذاكرتها , .... بعد اتصال غدير ....
تبخر خلافها مع أمجد , و تبخر أشرف بوجوده الباهت و بقت عبارتها .......

" سألاحق زوجك .....نعم , سألاحق أمجد حتى آخر يوم في عمري .... حصلت على قلبه مرة و لن يكون هذا مستحيلا أن أحصل عليه مجددا .... سبق و تركك رجل و اختراني و لن يكون مستحيلا أن يتكرر الأمر ... استوعبي كلامي جيدا لأنني لن ألقيه جزافا .... "

كانت مسك تهز رأسها و هي تنظر الى أمجد فاغرة شفتيها قليلا و كأنها تنفي شيئا ما .....
عبارة واحدة بصوت غدير أنستها كل شيء ... أنستها الإنتصار الذي تمنته طويلا ....
و أحلت الخوف محل الإنتصار .....
نعم .... هذا هو الإعتراف الذي كانت تأبى أن تنطق به لنفسها منذ ساعات ....
مسك الرافعي خائفة , لمجرد أنها سمعت تهديدا أحمقا من صديقة جشعة !! ........
هل هي خائفة لإدراكها أن غدير محقة و أنها تستطيع سرقة أي رجل منها ؟!! .....
ام خائفة من ....... تلك الصدمة التي ستضربها بوحشية إن سمح أمجد لنفسه بأن تسرقه امرأة !!! .......
ستدعه يرحل ..... و ستكتب له بطاقة تهنئة بخطها .....
نعم ستفعل .... و بصدر رحب ... ليس هناك من يستحق ......
أطرقت برأسها و هي تدعم نفسها فجأة ممسكة بذراعي أمجد الذي تشبث بها و هو يعقد حاجبيه قائلا بقلق
( مسك ..... ماذا بكِ ؟؟!! ...... هل انتِ بخير ؟؟ ....... )
رفعت وجهها تنظر اليه بنفس العينين الواسعتين و الشفتين المفتوحتين ..... و كأنها .... ذاهلة
تسرقه منها ؟!! ...... تأخذه منها ؟! ....... أيقبل ؟! ..... هل ينصاع ؟! .....
لقد سبق و فعلها أشرف بعد قصة حب دامت لسنوات ....
بينما حب أمجد لها لم يكمل العام حتى .... لا يزال يحبو بخجل ........
ابتلعت شيء مؤلم في حلقها و هي تنظر الى عينيه القلقتين .... و كأنها تعاتبه سلفا .....
و كأنها تخبره بصوتٍ مرتجف سري
" ألم أخبرك ؟! ..... ألم أخبرك أنه لا شيء اسمه حب دائم ؟ ...... ليس من حقك ..... ليس من حقك بعد أن غمرتني في موجات تضحياتك و شغفك ...لن أسمح لك ... "
لم تدري بأنها الكلمة أفلتت من بين شفتيها دون أن تستطيع منعها
( ليس من حقك ........ لن أسمح لك ..... )
ازداد انعقاد حاجبيه بشدة و فتح فمه قليلا , قبل أن يقول مصدوما
( لن تسمحي لي ..... بالسفر ؟! ..... هل أزعجك سفري الى هذه الدرجة ؟! ...... )
انتفضت مسك و هي تنظر اليه بهلع ... ثم لم تلبث ان هزت رأسها بقوة و هي تعقد حاجبيها ضاحكة بعصبية قائلة
( لا .... بالطبع لا ...... لقد كنت شاردة في شيء آخر , بالطبع ستسافر لإنجاز عملك .... لا مشكلة ... )
الا أن أمجد كان ينظر اليها بشك غير مقتنع ... و كأنه يحاول التسلل عبر عينيها ليخترق روحها و كيانها و يعرف ما تفكر به .....
ثم سألها بصوتٍ خشن
( هل أنتِ واثقة ؟! ......... يمكنني الإعتذار عن تلك السفرة ..... )
هزت رأسها مجددا و هي تقول بحدة بدت أشد من طبيعتها
( بالطبع لن تعتذر ........ ما هذه السخافة ؟! أنا لست طفلة غير قادرة على البقاء بمفردها في البيت ... )
رد عليها أمجد بجدية قائلا
( لم أنظر لكِ يوما كطفلة ..... لكن إن كنتِ غير راضية عن سفري فبإمكاني أن .... )
قاطعته مسك بصرامة قائلة
( بإمكانك السفر يا حسيني ..... كفاك تدليلا في , أنا لا أفضل هذا التدليل المائع ...... )
رفع امجد حاجبيه و سألها ببرود
( تدليل مائع !! ....... أنتِ حقا امراة لا تستحق ....... )
زمت شفتيها و هي تسأل نفسها عن سر تلك الدبشات التي تلقيها بوجهه كلما حاول معاملتها برفق .....
قالت مسك أخيرا بنبرة أقل صلفا
( كل ما قصدته هو أنه بإمكانك السفر مطمئنا ....... سأكون بخير ..... )
ظل أمجد ينظر اليها طويلا , ثم قال بهدوء
( كنت أتمنى لو اصطحبتك معي ...... لكن عملك الجديد ..... )
قاطعته مسك مبتسمة بصورة متكلفة
( لن يمكنني أخذ إجازة , قبل أن أبدا حتى ....... تفكيرك سليم .......متى ستسافر ؟؟.. )
رد أمجد بصوت أكثر خفوتا وهو ينظر الى عينيها
( غدا ان شاء الله ........ )
رفعت مسك حاجبيها و هي تهمس لنفسها
( بهذه السرعة ؟! ............. )
أومأ أمجد برأسه ببطىء متطلعا اليها ثم لم يلبث أن رفع أصابعه يداعب بها خصلات شعرها ....
فتذكرت عبارته التي همس لها بها قبل أن تغفو ليلة أمس ....

" هذا الشعر يفتنني ........ كيف لحفنة من الشعر الناعم أن تأسرني بهذا الشكل ؟! .... ربما لأنه ليس مجرد شعر عادي , بل هو ........"

لولا أنها سبق أن أرته صورتها بشعرها الطويل الكثيف من قبل و لم يبد اهتمامه أو انجذابه بها .... لظنت أنه يفتن بشعور النساء الجميلة الناعمة ....
ثم قال أخيرا بصوتٍ هادىء
( هل ستكونين بخير ؟؟ .............. )
أومأت مسك برأسها و هي غير قادرة على الكلام أكثر دون أن يتحشرج صوتها و يختنق .....
فاكتفت بأن ابتسمت له ابتسامة أنيقة باردة ..... فربت على وجنتها , قبل أن يخفض رأسه ليقبل شفتيها برفق متمهل
تنهدت مسك عبر قبلته الطيبة الحنونة .... ذات العذوبة الدافئة ....
وودت لو تعلقت بعنقه , تترجاه كي لا يغادر ....
لكنه أبعد وجهه عنها أخيرا وهو يبلل شفتيه ... ثم أراح جبهته فوق جبهتها هامسا
( علي الذهاب الى العمل الآن .............. )
أومأت برأسها دون أن تجيب مجددا .... ثم ابتعد عنها ليقول بجدية و اتزان محاولا قدر الإمكان
( مهجة ستمكث مع أمي خلال سفري ...... لكن هلا قمتِ بزيارتها كل يوم ولو لدقائق ؟؟ ..... )
أخفضت رأسها غير قادرة على مواجهة عينيه , فسألها بصوتٍ أجش خافت
( هل الأمر صعب الى هذه الدرجة و يحتاج الى كل هذا القدر من التفكير ؟....... )
كيف تخبره ؟! ....
كيف تخبره أن مواجهتها لوالدته و أخته توجعها ... تشعرها بأنها ليست سوى زوجة من الدرجة الثانية و أنها مجرد تضحية قام بها ابنهما .....
كيف تخبره أن وجود أطفال مهجة يشعرها بالشوق لل ...... للأمومة رغما عنها .... وهو شعور كانت تحاول التأقلم على دفنه منذ زمن .....
الا أنه لا وقت كي تفضي اليه بكل ما يؤلمها .... حتى لو كانت تمتلك الوقت , ما كانت لتفضح آلامها أمام أي مخلوق ... مطلقا ...
لذا رفعت وجهها و ابتسمت له قائلة بصوتٍ باهت
( ليس صعبا ...... سأمر بها كل يوم لأطمئن عليها ....... )
ابتسم أمجد ابتسامة أظهرت غمازته , الا أنه لم يجبها ... بل انحنى اليها يضمها الى صدره بقوة ....
قبل أن يتركها وهو يتجه الى باب المطبخ قائلا بصوتٍ مداعب
( لو بقيت أكثر فلن أتمكن من تركك و الذهاب الى العمل ... لكن الليلة سأشبع بكِ شوقا مستقبليا طويلا فكوني مستعدة لي يا ألمظ .... )
أوشك على الخروج الا أنها نادته فجأة قائلة
( حسيني ............. )
التفت ينظر اليها متسائلا .... فسألته بنبرة عارضة و هي تتلاعب بحافة الطاولة ماطة شفتيها
( هل ستسافر بمفردك ؟؟ .......... )
رد أمجد قائلا ببساطة
( لا ...... بل مجموعة ............... )
أبعدت مسك خصلات شعرها خلف أذنيها و هي تتعمد القول ببساطة
( من هم ؟!! ......... من سيسافر معك ؟؟ ...... لقد اشتقت .... للجميع ....نوعا ما .. )
أملى أمجد عليها بضعة أسماء تعرفهم جيدا و تتذكر اسمائهم ... و لم يكن اسم غدير بينهم ....
فابتسمت و أومأت الى أمجد دون رد .... لكن الإبتسامة لم تصل الى عينيها , لكن أمجد لوح لها بكفه ... ثم استدار ليجهز نفسه كي يذهب الى العمل ...
حينها اختفت الإبتسامة عن وجهها تماما , و ظلت تنظر أمامها بنظراتٍ قاسية و نفسٍ حاد ......
و أجبرت نفسها على تحمل قبلته الشهية قبل خروجه من البيت ... دقائق طويلة استغرقها خروجه حتى فعل ...
و حينها و دون انتظار أسرعت جريا الى هاتفها , فطلبت رقم والدها و انتظرت و هي تعض على شفتها بتوتر .... يشاركها اهتزاز ساقها بعصبية ...
الى أن أجابها سالم قائلا
( صباح الخير يا مسك ...... خيرا ؟ مبكرة أنتِ في الإتصال اليوم ...... )
قالت مسك بتردد و هي تحاول جاهدة المحافظة على نبرتها الثقيلة التي يعرفها عنها الجميع
( صباح الخير يا أبي ..... كيف حالك و أخبارك و ..... )
قاطعها سالم قائلا بصوتٍ صلب
( ادخلي في الموضوع يا ابنة سالم ...... أنتِ تريدين شيئا .... )
ردت مسك بعصبية قائلة
( الا يمكنني الإستيقاظ في يومٍ و أنا أشعر بالرغبة في مكالمة أبي ........ )
قال سالم بنبرة قاطعة
( جيد اذن ..... انا بخير و الحمد لله , أكلمك لاحقا لأنني مشغول الآن و متأخر في الخروج .... )
لكن مسك قاطعته بحدة و ترجي
( أبي ................... )
توقف سالم أمام تلك النبرة المترجية و التي ذكرته بمسك القديمة ....
تلك الأميرة التي كانت تتدلل عليه بمشاغبة كي تطلب المزيد و المزيد .... وهو لم يكن ليؤخر عنها رجاءا أو طلبا .....
كم شعر في تلك اللحظة الى تلك الفتاة ذات العينين البراقتين و التي تبتزه بدلالها عليه .... عوضا عن مسك المستقلة تماما في كل ما يخصها ....
لذا ابتسم بحنين وهو يقول بصوتٍ أجش
( نعم يا مدللة أبيك ...... طلباتك أوامر ..... )
ابتسمت مسك رغم عنها و سألته
( الا تزال تتذكر هذا اللقب ؟!! .......... )
رد عليها سالم بصوتٍ جاف متألم
( و هل أنساه يا مدللة أبيك ؟! ............. )
ارتسم الحزن على ملامح مسك و هي تتذكر تلك الايام التي جمعت بين ثلاثتهما .... والدها و أمها و هي .....
كانت تظن أنها الأوفر حظا بين الجميع ......
حين كانت ترى نظرات العشق في عيني والدها وهو ينظر الى امها , كانت تظن أنهم الأسرة التي لامسها سهم من الجمال و الحب ....
كم كانت أفكار طفولية تافهة !! ....
الى أين انتهى حب والدها و أمها ؟! ...... بزواجه من أخرى في مجرد نزوة ....
ليته أحبها لكانت أعطته بعض العذر .... لكنها لم تكن سوى نزوة .... أسفرت عن وجود انسانة مستقلة بعيدة ...
شديدة البعد ..... و هي تيماء .....
و على الرغم من محاولاته لتصحيح الخطأ طوال المتبقي من سنوات في حياة أمها .... الا أن الصدع كان قد حدث و انتهى الامر .... و راحت أمها و لم يتبقى منها سوى ذكرى محزنة لها في أيامها الأخيرة و المرض ينهشها نهشا ....
ابتلعت مسك تلك المشاعر القاتمة التي لا جدوى منها و قالت بصوتٍ خافت
( أنا اتصلت كي أسألك عن شيء ............ أمجد مسافر في مهمة خاصة بالعمل لمدة أسبوع , هل لديك فكرة على الأمر ؟ ..... )
رد سالم قائلا
( نعم ..... هو نوع من تدريب , سيسافر به عدد من الموظفين و اثنين من الرؤساء , أحدهما أمجد ... )
أومأت مسك برأسها متفهمة ... ثم سألته بنبرة حاولت أن تكون حيادية
( من سيسافر معه ؟؟ ............. )
ساد صمت على الجانب الآخر ... ثم سألها والدها بصوتٍ متوتر متحفز
( لم تكوني لتسألي سؤال كهذا من وراء ظهره الا اذا كان هناك خطب بينكما ..... أخبريني يا مسك , هل فعل لكِ شيئا ؟!! .....لأنني أنتظر اليوم الذي تشكين منه كي ... )
ردت مسك بنبرة قوية مقاطعة و نافذة الصبر
( ليس هناك من خطب يا أبي ....... حتى و إن كان , فأي بيت يحتوي على خلافات عادية ..... لماذا تشعر بالتحفز الدائم ضده , بينما يفترض بك أن تكون ممتنا له ؟!! ..... )
هتف سالم مستاءا
( ممتنا له ؟!!! .... هل أنتِ مسك ابنتي التي تتكلم ؟! ...... )
ردت مسك بنبرة تشبه نبرته في التسلط و السطوة ورثتها منه
( نعم أنا هي يا أبي ....... و أنا أقول ما عليك الإعتراف به ...... أمجد الحسيني رجل ممتاز ضحى بأبوته كي يتزوج مني مع تعهد على الا يتزوج غيري يوما ....... من من أبناء أعمامي أقدم على خطوة مماثلة , بها احترام و تضحية من أجل ابنتك يا أبي ؟! ..... حتى أنت لم تقدم لأمي المثل على الرغم من حبك لها !! .... )
صرخ فيها سالم مهددا
( مسك ...... لا تنسي أنني والدك ....... )
زفرت مسك بعنف و هي تحك جبهتها ثم لم تلبث أن قالت بخفوت
( أبي ...... لا داعي لكل هذا ..... فقط أخبرني بما أريد معرفته , من سيسافر مع أمجد ؟؟ ..... )
ظل سالم صامتا لبضعة لحظات ثم قال أخيرا بصوتٍ مستاء ....
( لم أهتم بمعرفة الأسماء جميعها ...... لكن تلك الوضيعة زوجة ابن عمك ستسافر معه , هل هي من كنتِ تريدين السؤال عنها ؟ ..... ماذا فعلت مجددا ؟!! ...... )
شعرت مسك و كأن شيء ما قد صفعها بقوة .... فظلت واقفة مكانها تنظر للبعيد بملامح غير مقروءة
بينما والدها يناديها قائلا
( مسك ..... أجيبيني ...... لقد أقلقتني ..... )
رمشت مسك بعينيها و هي تقول بنبرة باهتة
( أنا هنا ....... لا عليك , .......... لا أحتاج لمعرفة المزيد ..... )
الا أن سالم قال بحدة
( صوتك لا يطمئنن ....... أخبريني يا ابنتي ان ضايقتك تلك الصعلوكة , فأنا أستطيع سحقها , و لن أهتم لأشرف أو والده هذه المرة ..... لا أفهم لماذا لا تعطيني الإشارة فقط بصرفها عن العمل بعد كل ما فعلته ...... أستطيع تدبير الأمر , و من المؤكد سأجد ما لا يدينني أمام شقيقي و ابنه الوغد .... )
قالت مسك بنبرة باردة شاردة
( لا يا أبي ..... أنا أكبر من هذا , دعها تتخيل أنها تبني لنفسها كيان خاص , بينما هي في الحقيقة ... لا تفعل شيئا سوى ان تكون عالة على زوجها ..... و هذا العمل الذي سعيت لها كي تحصل عليه بنفسي ... سأتركه لها عن طيب خاطر ..... على أن تلتزم حدودها ..... )
عقد سالم حاجبيه وهو يسألها قائلا بغضب
( كيف تجاوزت حدودها ؟! ...... أخبريني فقط ...... )
ردت مسك بنبرة أكثر حزما ...
( لا عليك ....... أنا قادرة على ردعها ...... فرغم العشرة و الصداقة , هي على ما يبدو لا تعرف مسك الرافعي جيدا ..... )
صمتت قليلا , ثم قالت بخفوت
( فحصي الدوري كان بالأمس يا أبي ..... أردت اخبارك أنني ..... )
قاطعها والدها قائلا بنبرة خفيضة مثقلة
( أعرف يا حبيبتي ........ اتصلت بطبيبك و عرفت ..... على الرغم من اتصال أمجد بي و طلبه مني أن أرافقكما , الا أن قدماي لم تحملاني ..... لم أستطع .... )
ارتجفت شفتي مسك قليلا و هي تهمس بصوت متهدج
( هل اتصل بك أمجد ؟!! ........... )
أومأ سالم وهو يقول
( فعل ........ الا أنني كنت أنتظر النتيجة أن تصلني من طبيبك قبل أن تذهبي حتي .... )
ابتسمت مسك و قالت بصوت غريب
( ألن تهنئني ؟؟ ............... )
تحشرج صوت والدها وهو يقول بصعوبة
( أنا ........ غير قادر ........ غير قادر على تهنئتك , و اعترافي بأنكِ ....... )
صمت و قد اختفى صوته , فقالت مسك بهدوء
( بأنني بخير يا أبي ..... أنا بخير ....... ربما تستطيع المرة المقبلة , و أنا سأكون في انتظارك ...... )
.................................................. .................................................. ....................
طرقت الباب بأصابع مرتجفة ... و انتظرت حتى سمعت صوته الهادىء يدعوها , فدخلت و أغلقت الباب ...
الا أنه قال دون أن يرفع عينيه عن أوراقه
( لا تغلقي الباب من فضلك ............ )
تشنجت أصابعها قليلا , الا أنها عادت و فتحت الباب .... ثم اقتربت من مكتبه بخطى مهتزة , بينما هو لم يتنازل حتى الآن للنظر اليها ....
تاهت ابتسامة حزينة على شفتيها و هي تنظر الى رأسه المنخفض .....
تلك الخفقات المتسارعة , لم ينجح غيره في اسراعها بهذا الشكل قبله .... أو بعده ......
فتحت فمها و قالت بنبرة خافتة رقيقة .... كان يتغزل بها قديما
( صباح الخير يا أمجد ............. )
كان يسجل شيئا ما و بدا مشغولا و كأنه لم يسمعها .... الا أنه رد عليها بتهذيب
( صباح الخير يا غدير ........... )
كانت تعلم أنه يتجنب النظر اليها عن عمد ..... تعلم أنها لا تزال تحمل بعض التأثير عليه , بل هي متأكدة من هذا .... و كان هذا الشعور , هو الوحيد الذي يجعلها تتنفس كل يوم .... ترتدي و تتأنق .... و تزيد من قوة ما كان يحبه بها من قبل ....
لا تنتظر منه شيئا ..... لكن نظرة منه بشوقٍ اليها تكفيها ...
هل هي مجرمة إن تمتعت بهذا الإحساس ؟! .........
المشاعر لا يملكها البشر ..... و من المؤكد هناك حكمة من القدر في بث حبه بقلبها رغم عنها ....
مهما زاد ألمها و تلك العضة بقلبها كلما رأته .... لكن احساس أنه قد ينظر اليها بإعجاب مجددا , يشعرها أنها لا تزال على قيد الحياة ...
قالت غدير بصوتها الهامس
( طلبت رؤيتي ؟؟ ................. )
رد أمجد وهو منهمك فيما يسجله بسرعة
( نعم ............ )
ابتسمت و هي تقول برقة
( هل أجلس اذن ؟؟ ............. )
رد أمجد وهو يجري بالقلم بسرعة ....
( لا حاجة لهذا ..... ها ..... أنا ...... انتهيت .......... )
أنهى ما بيده ثم رفع وجهه اليها فإبتسمت و هي تتأمله قائلة
( لم تكن قلة التهذيب من طبعك اطلاقا ..... حتى العاملات تسمح لهن بالجلوس معك ..... )
لم يبتسم أمجد استجابة لنبرتها المداعبة .... بل قال بجدية
( لن آخذ من وقتك طويلا ....... لاحظت أنكِ لم تقدمي اعتذارا عن سفرك حتى هذه اللحظة على الرغم من طلبي ..... )
اختفت الإبتسامة عن ملامح غدير و ظلت واقفة أمامه تنظر اليه بملامح قاسية , تتناقض مع رقة زوايا وجهها ...
ثم سألته بنبرة جادة هادئة
( ربما لأنني لم أفهم حتى الآن .... هل طلبك يعد أمرا أم ..... تهديدا ؟؟ ....... )
تراجع أمجد في مقعده وهو ينظر اليها قائلا بهدوء و اتزان
( لا هذا أو ذاك ...... ببساطة أردت معرفة ردك لأنكِ لو أصريتِ على الذهاب فسأعتذر أنا .... على الرغم من ضرورة ذهابي و أنتِ تعلمين ذلك .... )
قالت غدير بنبرة أظهرت بعضا من حدة روحها الخفية ... ذات العقد الغير قابلة للشفاء
( و أنت أيضا تعلم امتيازات هذا التدريب بالنسبة لي ..... و ليس من العدل أن تمنعني عنه لمجرد ..... )
صمتت عن قصد و هي تنظر اليه نظرة ذات مغزى .... بدت أكثر وقاحة ....
الا أنه رفع حاجبيه منتظرا .... ثم سألها ببساطة
( لمجرد ماذا ؟!! ....... تابعي .......... )
كتفت غدير ذراعيها و قالت بنبرة ممطوطة
( أخبرني أنت أولا ........ لماذا تريد مني الإعتذار عن التدريب ؟ ..... )
رد أمجد بنفس البساطة و دون تردد
( لأنني لا أريد لأمرٍ كهذا أن يجرح مسك بأي طريقة ......... )
أظلمت عينا غدير بشدة و للحظات تعالى صوت تنفسها و كأنها نمرة منهكة .... الا أنها تمالكت نفسها سريعا و قالت بنبرة ساخرة
( سفرنا معا في تدريبٍ واحد قد يجرح مسك ؟!! ....... لقد ضعفت كثيرا عما مضى ...... )
قاطعها أمجد بنبرة أكثر جدية تحمل بعض الصرامة
( دون تجاوز يا غدير ...... لا أريد منكِ سوى رد واحد ..... هل ستعتذرين أم لا ؟ ..... )
لم ترد غدير على الفور .... بل ظلت تنظر اليه , ثم بدأت في التحرك الى أن وصلت الى مكتبه ...
فانحنت لتستند بكفيها على سطحه و بات وجهها أكثر قربا منه و هي تنظر الى عينيه مباشرة دون خجل .... أو حياء .... ثم قالت بخفوت
( مما أنت خائف مني ..... أم من نفسك ؟!! ........ )
لم تهتز عضلة في وجه أمجد وهو ينظر اليها , ثم قال ببساطة
( قفي معتدلة و تراجعي عن المكتب من فضلك ......... )
رفعت غدير احدى حاجبيها ثم قالت ببرود و تحدي
( لماذا ؟! ......... هل يوترك قربي الى هذه الدرجة ؟! ...... )
أخذ أمجد نفسا قويا ثم قال مجددا بهدوء
( ابتعدي عن المكتب يا غدير .... فأنتِ تسيئين لنفسك بما تفعلين ..... )
رمشت بعينيها فجأة و أدركت ما تفعله , فاستقامت بسرعة و هي تضغط وجنتها بأصابع مرتجفة ....
و بالفعل تراجعت خطوة و هي تنظر اليه بخوف ...
ما الذي دهاها ؟!! .......
إنها تخاطر بفقدان كل ما تملك , لأجل ...... لأجل حبٍ لم تنجح في التخلص منه حتى الآن .....
لعقت غدير شفتها و قالت بخفوت
( أنت لا زلت تشعر بشيء ما تجاهي يا أمجد ....... و قد بدأ يؤثر على عملك ... )
لا تعلم ما الذي كانت تأمله من قولها هذا .... أن يؤكد لها ظنها ؟!! .... أن يخبرها بأنه لا يزال يحمل لها بعض المشاعر ؟! .... و ماذا بعد ؟! .... ما الذي ستسفيده بإستثناء المزيد من الوجع ؟! ....
لكن سيكون هناك رضا .... الكثير من الرضا و النشوة ....
لقد جائت اليوم مصممة على تقديم اعتذار عن السفر , ليس بناء على طلبه .... و إنما خوفا من ترك الساحة خالية لمسك ... تتلاعب بمشاعر أشرف أكثر ..... عليها أن تكون متيقظة في تلك الأيام أكثر من أي وقتٍ مضى .....
لكن ما أن طلبها في مكتبه .... و طلب منها أن تعتذر عن السفر مجددا , حتى راودها الشعور بالرضا ...
رفعت جفنيها تنظر اليه بأمل .... الا أن ملامحه كانت جامدة تماما , و عيناه تنظران اليها دون تعبير ...
ثم قال أخيرا بخفوت
( لو كنت أملك حق فصلك من العمل , لفعلت ..... أنت و زوجك أكثر علاقة مريضة رأيتها بحياتي , .... )
ارتجفت غدير للحظة الا أنها تماسكت و نظرت اليه بعينين جليديتين ثم قالت بنبرة مشتدة
( هل تظن أنه بإهانتي تستطيع خداع نفسك ؟! ....... )
هز رأسه قليلا , ثم قال بصوتٍ مزدري
( أنتِ من تخدعين نفسك ....... )
فتحت فمها تنوي الكلام ... الا أن صوت أنثوي هادىء و انيق على نحوٍ مألوف جاء من عند الباب المفتوح ليمنعها من الكلام
( ياللها من صدفة ! ........... غدير مجددا !! ..... )
تسمرت غدير مكانها ما أن وصل هذا الصوت الى أذنيها ... بينما نظرة منها الى ملامح أمجد المندهشة جعلتها تتأكد بأنها لا تتوهم ....خاصة بعد أن نهض من مكانه وهو يقول بقلق
( مسك ...... ما الذي أتى بكِ الى هنا ؟!! ...... هل حدث شيء ؟! ... )
استدارت غدير ببطىء تنظر الى مسك ....
حيث كانت واقفة في اطار الباب تنظر اليهما بإبتسامة باردة .... و كأنها قد تأنقت خصيصا من أجل تلك الزيارة ....
ابتلعت غدير ريقها أمام بهاء صورة مسك .... و التي اختارتها بكل دقة , بدئا من فستانها البسيط ذي القطعتين بلونٍ أبيض و أسود .... و شعرها الذي استطال مؤخرا تجاوز حدود كتفيها بتموجاتٍ أنثوية بسيطة ..... لا أكثر ... الا أنها كانت غاية في البهاء و كأنها قد استعادة كل ذرة رونق سبق و فقدتها ....
لم تستطع غدير النطق .... و هي تنظر الى مسك بوجهٍ شاحب .... بينما اتسعت ابتسامتها الساخرة , ثم أغلقت باب المكتب خلفها عن عمد ... قبل أن تستدير اليهما مجددا منتصبة الظهر ...
ثم قالت موجهة كلامها الى أمجد بهدوء
( شعرت بالشوق لك ففكرت في زيارتك .... و زيارة العمل القديم .... و من حسن حظي أن أول من قابلت , هي صديقتي ..... القديمة .... )
كان أمجد قد وصل اليها , و بعد أن سمع كلامها هدأ قلقه قليلا , لكنه لم يخفي تماما ....
انحنى اليها ليقبل وجنتها , فنظرت مسك الى غدير بعينين ثاقبتين مشعتين .... و هي تستقبل قبلته بترحيب ...
أما غدير فقد ازداد شحوب وجهها أمام منظرهما معا و كأنها محتجزة بين اثنين من العمالقة ....
تود لو هربت من هذا المكان بأسرع ما تستطيعه ....
لكنها أجبرت نفسها على التماسك الى أن تحين فرصة الهرب ....
لكن مسك لم تبدو على عجلة من أمرها في التخلص من غدير ... فما أن ابتعد أمجد عنها حتى واجهت غدير و قالت ببساطة
( لكنه كان شيئا متوقعا ...... ففي الآونة الاخيرة , لا آتي الى هنا , الا و أجدك لدى أمجد في مكتبه ... )
امتقع وجه غدير بشدة , بينما نظرت مسك الى أمجد و ضحكت متابعة
( ربما عليك أن تجهز لغدير مكتبا صغير في احدى الزوايا هنا كي توفر عليها عناء الذهاب و العودة أكثر من مرة خلال اليوم .... و في نهاية النهار , تقوم بتوصيلها الى بيتها .... كي لا يخطفها أحد , فغدير .... يمكنها أن تكون ..... مرغوبة للغاية .... )
قالت غدير بحدة قبل أن تستطيع منع نفسها
( لا داعي لمثل هذا الكلام يا مسك ..... لا يصح و لا يليق بكِ ...... )
استدارت مسك الى غدير بكامل جسدها فجأة و هي تنظر اليها بقوة قائلة بدهشة و بنبرة عالية
( ماذا ؟!!! ........... )
شحبت غدير من نبرة مسك القوية و نظرتها الأقوى ... و التي انطلقت بطريقة تخيف من قد يفكر في مواجهتها ....
سألتها مسك مجددا بنفس النبرة و هي تقترب منها ببطىء
( ماذا قلتِ للتو ؟!! ............ )
تراجعت غدير خطوة أخرى و هي تتنفس بسرعة , بينما سألتها مسك تكرر
( هل أخبرتيني للتو عما لا يصح و ما لا يليق بي ؟! ............ )
ابتلعت غدير ريقها بصعوبة أكبر فتعقد حلقها و هي تنظر الى عيني مسك المتسلطتين ... و حينها تذكرت كل كلمة حمقاء رمتها بها في الهاتف ... فسقط قلبها بين قدميها يكاد أن يتوقف من شدة الرعب .....
لم تتخيل أن تظهر مسك أمامها اليوم بكامل أناقتها , بعد تهديدها لها ...... لكنها فعلت , و ها هي تقف أمامها بثبات .. بل بجبروت ....
لكنها لن تقول شيئا .... ستخشى أن تتكلم فيما يخص أشرف أمام زوجها .... بالطبع لن تفعل ....
هذا حديث نسائي من زوجة لأخرى .... تحدي .... لن تجرؤ على النطق به أمام زوجها ....
لم تكد تطمئن نفسها حتى قالت مسك بنبرة واثقة قوية عالية ....
( كم أنتِ متبجحة في ارشادي الى ما يصح .... بعد اتصالك بي ليلة أمس و قولك لي بالحرف
أنني إن لم أبتعد عن زوجك .... فستلاحقين زوجي .... سبق و حصلتي قلبه مرة و لن يكون مستحيلا عليكِ الحصول عليه مجددا ..... سرقتي مني رجلا مرة و لن يكون مستحيلا أن تكررين فعلتك !!!!!!!!!!! .... )
اتسعت عينا غدير بشكلٍ بشع ... في أقصى درجات الهلع .... و تراجعت أكثر , حتى ارتطمت بحافة المكتب من خلفها فتشبثت بها بينما مسك تقترب منها أكثر ....
عقد أمجد حاجبيه بشدة وهو يهتف بذهول و صدمة
( ماذا ؟!!! ............. )
أفاقت غدير على صيحته , فتداركت نفسها و صرخت بقوة
( كذب ...... كذب ..... لم يحدث هذا ..... لم أقل شيء من هذا ...... انتِ تكذبين ..... )
الا ان صرخة مسك الجهورية أوقفتها
( اخرسي .............. )
خرست غدير و هي تنظر اليها , بينما تابعت مسك بنبرة أكثر هدوءا و تسلطا
( حين أتكلم أنا ..... تخرسين أنتِ ....... )
و دون كلمة اضافية , رفعت كفها و صفعتها بمنتهى القوة .,....... صفعة أكبر من تلك التي صفعها بها أشرف بالأمس ...
صفعة حقيقية تركت أثرها على وجنتها .... صفعة زوجة ........
هتف أمجد بصدمة أكبر أمام هول ما يحدث
( مسك !! ........... )
و اندفع اليها يمنعها , الا أنه ما أن لامسها حتى استدارت اليه بملامح شرسة و حاجبين منعقدين و هي تقول من بين اسنانها
( ابتعد .......... )
ارتفع حاجبي أمجد أمام شراستها التي لم يرها من قبل ...... لكنها لم تمهله , بل عادت و التفتت الى غدير المذعورة التي كانت قد رفعت يدها تلامس بها وجنتها ....
ثم قالت بنبرة هادئة صقيعية
( اخترتي الشخص الخطأ لتعبثي معه مرتين ...... و مكالمة ليلة أمس لا تخرج من شفتي امرأة محترمة , فقط من الحثالة ..... و لم أكن أعلم أن مستواكي قد تدنى الى هذه المرحلة .....
الآن اسمعيني جيدا ..... منذ اليوم , سترين زوجي في بداية الرواق .... تستديرين لتعودي من حيث أتيتِ أو قسما بالله ... أنا من ستكلم زوجك المحترم الذي تسعين الى محاصرته , بينما عينيكِ على غيره .... و سأخبره بمكالمتك حرفا حرف ....... هل فهمتِ ؟؟ ...... )
لا تعلم غدير كيف تمكنت من النطق بصوتٍ مذعور
( لن يصدقك ....... لن يصدق حرفا مما تقولين ........... )
ساد صمت طويل بينهما , قبل أن تتحول الشراسة على ملامح مسك بالتدريج الى بساطة ثم هدوء .... الى سخريةٍ .... حتى صارت السخرية ضحكة عالية متهكمة .... أمام عيني غدير المبللتين الواسعتين ....
الى أن هدأت ضحكاتها تدريجيا و هي تهز رأسها بعدم تصديق قبل أن تقول أخيرا بصوتٍ متشدق
( غدير .... غدير ..... ترى من سيصدق زوجك ؟!! ..... مسك الرافعي ؟!! .... أم ..... انتِ ؟!! .... )
نطقت الكلمة الأخيرة و هي تقلب شفتيها بقرف .... و كأنما قد وضعت الحقيقة كاملة أمام عيني غدير و بمنتهى الوضوح
من سيصدق أشرف ؟!! ..... هي زوجته أم مسك الرافعي ؟! ...
و لم تكن في حاجة لأن تخدع نفسها , فعلى الرغم من كل شيء .... و حتى لو أوقعت به عشرات المرات ...
تظل مسك الرافعي هي صاحبة الكلمة الصادقة .... ذات الوعد الذي تفي به .... ذات العهد الذي لا يخيب ...
لطالما أعطاها احساس خفي أنها خانت صديقتها ذات مرة .... و من السهل أن تخون أي كان ......
نعم .... لم تكن في حاجةٍ لأن تخدع نفسها أكثر من هذا .....
و أمام عيني مسك المزدريتين استطاعت أن تهرب منها و من أمجد و لو استطاعت من العالم بأكمله .... فخرجت من المكتب و هي تشهق باكية بعنف .... ينظر اليها كل من تمر به بذهول , لكنها لم تأبه و هي تجري كالمجنونة .....
و بينما هي تجري دون هدى حتى أنها أخطأت مكان دورة مياه السيدات .... اصطدمت بشخصٍ كان آتيا من الجهة الأخرى .... فتوقفت و هي ترفع وجهها اليه , ففوجئت به سالم الرافعي يقف أمامها و ينظر اليها عاقدا حاجبيه بشدة ....
رفعت غدير كفها تمسح بها دموعها بحركاتٍ خرقاء و هي تقول بصوتٍ متعثر
( عمي ............ )
الا أنه قبض على ذراعها بقسوة مفاجئة وهو يقول من بين أسنانه
( عمى الدبب ..... سيد سالم .... و بالنسبة لكِ سأظل سيدك سالم .... اسمعي أيتها النكرة , لا أعلم ماذا فعلتِ بإبنتي مجددا بعد أن كنا قد تنازلنا و قبلنا بكِ في العائلة مرغمين ..... لكن أقسم بالله إن تسببتِ في أي أذى لها فأنا من سيقف لكِ ...... و لن يهمني زوجك أو من هو أكبر منه ...... )
كانت غدير تبكي بشكلٍ مبالغ فيه ..... مثير للشفقة , الا أنه لم يشفق عليها وهو يلقي بذراعها بعيدا ... ثم استدار عنها ليبتعد ...
أمها فلم تعد قادرة على الجري أكثر ... فسقطت أرضا و هي تبكي مستندة بظهرها الى الجدار من خلفها ....
تتمنى الموت بكل صدق .... فأيا كانت مكاسبها في هذه الحياة , لم تكن لتساوي ذرة من الإهانة التي تعرضت اليها على يد ..... مسك الرافعي ....
.................................................. .................................................. ......................
أما في مكتبه .... فكانت مسك تعدل من فستانها و شعرها بأصابع هادئة ثابتة ...
ثم أحكمت امساك حقيبتها و هي تستعد للخروج من المكتب , الا أن أمجد اعترض طريقها ...
فرفعت وجهها اليه , بنظرةٍ جمدته مكانه ..... نظرة متفحصة دقيقة ... لم ترف للحظة ....
ثم لم تلبث أن بدأت تعدل من ياقة قميصه و رابطة عنقه و هي تقول بصلف
( كم مرة طلبت منك أن تهتم بمظهرك ...... رابطة عنق متزحزحة لليمين درجة واحدة يمكنها أن تجعل من رجلٍ محترمٍ ..... صعلوك ..... )
لم يرد أمجد عليها ..... بل كان ينظر اليها بطريقة غريبة غامضة .... بينما نظرت الى عينيه مجددا ثم قالت بنبرة جليدية
( يؤسفني أن أفسد لك مشروع الليلة التعويضية المسبقة ..... فأنا الليلة سأبيتها عند والدي و غدا بعد سفرك سأعود للبيت ..... )
و دون انتظار كلمة منه .... رفعت رأسها و هي تتجاوزه متجهة للباب ... الا أنها و قبل أن تخرج ....
سمعت صوته يقول من خلفها بصدمة
( لم تهجريني !! ......... لم تتركي خاتمك على سطح مكتبي !! بل قمتي بسحق منافستك !! .... )
استدارت مسك اليه بسرعةٍ و هي تقول بنبرة هادئة ذات تهديد متسائل
( منافستي !! ........... )
ظل أمجد واقفا مكانه وهو ينظر اليها و الصدمة تعقد لسانه , الا أن سؤالها الأخير جعل شفتيه ترتفعان في شبه ابتسامة مذهولة ... ثم قال بخفوتٍ متنهدا بأجمل ابتسامة رأتها في حياتها
( لا عاش و لا كان .......... )
استدارت مسك عنه ....و على الرغم من غضبها المجنون منه , الا أنها لم تصدق تلك الإبتسامة الخائنة التي ارتسمت على شفتيها ....
ناداها أمجد قبل أن تخرج ...
( ألمظ ......... )
فتوقفت دون أن تلتفت اليه , الا أنه قال ببساطة
( يمكنك الهرب الليلة مدعية الغضب ..... و سأسمح لك بالتظاهر بأن هذا هو سبب رغبتك في المبيت لدى والدك ..... لكن حين عودتي ان شاء الله , سيكون لنا كلام آخر ..... )
حاولت الخروج لا مبالية من باب مكتبه , الا أنه تابع بنبرةٍ أكثر خبثا
( و هذه الليلة التي أضعتِها مني .... ستدفعين ثمنها غاليا , يا ابنة سالم الرافعي ... كلي جيدا حتى حينها ... )
عضت على شفتها كي تمنع نفسها من الضحك ....
كيف له أن يغضبها الى هذه الدرجة , و في نفس الوقت يثير فيها رغبة مجنونة للضحك !! ......
هذه المرة لم يكن هو من منع خروجها .... بل والدها الذي دخل فجأة وهو ينقل عينيه بينهما , ثم قال بصرامة موجها كلامه الى أمجد
( ما الذي يحدث هنا بالضبط ؟! ...... أريد جوابا واضحا .....)
وضعت مسك كفها على صدر والدها و هي تقول ببرود ناظرة الى أمجد بطرف عينيها
( لا شيء هام يا أبي .... مجرد تسوية ملكيات , .... و انتهى الأمر )
ارتفع حاجبي أمجد وهو يدس كفيه في جيبي بنطاله ناظرا اليها بتلك الإبتسامة الأقرب الى الحماقة ... بينما بدا سالم الرافعي متشككا .... لكن مسك قالت بجدية
( خذني من هنا رجاءا يا أبي .... فأنا سأبيت ليلتي معك ....)
و كان أمجد هو من تكلم قائلا بهدوء
( غذيها جيدا في غيابي يا عمي ............)
نظر اليه سالم بإمتعاض وهو يقول هامسا لنفسه
" عمى الدبب .......... ما تلك البلايا التي تلقى علينا !! ......" 

( أمين حبيبي ..... هل يمكنني الإثقال عليك و طلب خدمة منك ......)
انتهى أمين من تمشيط شعره ... ثم نظر الى أمه الواقفة في باب غرفته صباحا ... فابتسم لها وهو يقول بمداعبة
( خدمة واحدة فقط يا أم أمين ؟!! ..... أقل من ثلاث خدمات لن أقبل .....)
ابتسمت والدته ابتسامة عريضة و هي تقول ببشاشة
( سلم لي الغالي طيب القلب ...... حسنا و بما أنك تعرض خدماتك السخية , هل يمكنك أخذ بعد الأطعمة التي أعددتها الى عمتك أم زاهر قبل ذهابك للعمل ؟؟ .......)
لم يرد أمين على الفور ... بل أخذ وقته في وضع عطره المفضل ناظرا الى صورته بإبتسامة خبيثة ... ثم سألها ساخرا
( عمتي أم زاهر !! .... أمممممم .... لماذا أشعر بأنني سأجد بدور هناك بالصدفة قبل ذهابها الى كليتها ؟!! .....)
عقدت أمه حاجبيها و اضطربت ملامحها الشفافة ... لكنها قالت بتذمر
( ماذا تقصد ؟!! ..... أنني أرسلك خصيصا الى بدور ؟!! ..... و هل هي غريبة تحتاج الى ان تتعرف عليها يا ولدي ؟!! .... إنها ابنة عمك منذ ..... منذ زمنٍ بعيد .... و أنت تعرفها كما تعرف أختك نورا .....)
صمتت فجأة و هي تزم شفتيها هامسة لنفسها
" ما هذا الذي تقوليه يا امرأة ؟!! ..... تشبهينها بأخته ؟! ... و كأنكِ تقنعينه بالعكس !! ...."
ابتسم أمين ابتسامة عريضة أكثر اتساعا وهو ينظر الى صورة أمه في المرآة ... ثم قال مدعيا الجدية
( هل تقولين شيئا يا أمي ؟!! ..........)
رفعت أمه وجهها تنظر اليه ثم قالت بنبرة محببة
( أقول ...... أقول أن عمتك أم زاهر قد التوى كاحلها , فأعددت و لبدور طعام الغذاء ليومين
... تعلم أنهما هنا بمفردهما لحين انتهاء عام بدور الدراسي و من واجبنا مساعدتهما بما أنهما وحيدتين .... )
سألها أمين ببساطة
( الا تستطيع بدور الطبخ و مساعدة أمها ؟!!! ...........)
هتفت أمه قائلة تنفي بسرعة و حدة
( و هل هناك من تملك مهارة في الطبخ كمهارة بدور و جمال بدور ..... )
ارتفع حاجبي أمين وهو يستدير الى أمه قائلا بابتسامة خبيثة
( اذن !!! ................)
عقدت أمه حاجبيها و هي تقول بإرتباك ...
( حسنا ....... الفتاة مشغولة هذه الأيام , لديها اختبارات دورية ...... و من واجبنا أن .....)
تأففت فجأة و هي تقول بحدة ملوحة بكفها
( ما هذا تحقيق يا ولد ؟!! ......إن كنت لا تريد الذهاب فقل ..... لقد تعبت قدماي من الوقوف أمامك انتظارا لإنتهاء استجوابك ......)
ضحك أمين وهو يقترب منها ثم التقط يدها ليقبل ظهرها قائلا بمودة
( سلامة قدميكِ يا غالية ....... أعدي ما تريدين ايصاله و سأفعل عن طيب خاطر ......)
ابتسمت أمه برضا و أمل ... الا أنه غمزها ليقول متابعا
( مهما كانت نواياكِ ... و نوايا عمتي أم زاهر ..........)
قالت أمه و هي تضرب كتفه بقبضتها
( تأدب يا ولد ...... هل كبرت على أمك و ظننت نفسك معجب الفتيات بما أننا بدأنا نبحث لك عن عروس
!! .....)
ضحك أمين وهو يضمها اليه وهو يقول
( لا أريد سوى أن أكون معجب امرأة واحدة فقط ..... هي تلك التي بين ذراعي حاليا .....)
ضمته اليها و هي تقول بإبتسامة جميلة حنونة
( حبيبي و نور عيني ..... متى يحين اليوم الذي أراك فيه بجوار عروسك .... سعيدا و راضيا ... )
بدا أمين شاردا الا انه كان مبتسما .... ينظر اليها بتفكير ..... ثم قال أخيرا بعفوية
( هيا الآن يا أم أمين .... لقد تأخرت على عملي ..... هاتي مأدبتك الغالية , و الا ذهبت بدونها ... )
سارعت أمه تخرج من غرفته مهرولة و هي تهتف
( لحظات ..... و سيكون كل شيء جاهز ........ )
خرج أمين خلفها من غرفته فوجد نورا و هي تخرج من غرفتها كذلك ..... ترتب حقيبتها العريضة ...
فقال لها بطريقة مسلم بها
( انتظري لحظة و سأقلك في طريقي الى كليتك ...... )
رفعت نورا وجهها اليه و قالت بقلة تهذيب
( لا تتعب نفسك .... سأذهب بمفردي ........ )
رد عليها أمين وهو يأخذ نفسا عميقا متذرعا بالصبر قدر استطاعته
( بل ستذهبين معي طالما أنا و أنت خارجان في نفس الموعد .... لا داعي للمواصلات )
رفعت نورا وجهها اليه و هتفت بحدة
( ربما آن الأوان كي تخفف من أحكامك العرفية بشأن القيادة اذن و تشتري لي سيارة صغيرة ..... )
أغمض أمين عينيه بنفاذ صبر ثم قال بحدة
( أخبرتك ألف مرة ..... سأسمح لكِ بالقيادة حين أرى أنكِ أهل للموضوع , لكنك حتى هذه اللحظة , غير قادرة على قيادة دراجة أطفال دون إحداث مشاكل .... )
هتفت نورا به بغضب
( ليس من حقك التعامل معي بتلك الطريقة ..... أنا أريد سيارة من مال أبي رحمه الله , و أنت لا يحق لك أن تمنع عني ما تحصل عليه لنفسك ...... )
صرخت أمها فجأة بغضب و هي تحمل حقيبة مطبخ جلدية كبيرة بين ذراعيها
( نورا !!!!!!!!!! ............. )
أجفلت نورا و صمتت و هي تستدير لتواجه ملامح أمها الغاضبة المصدومة .... بينما هتفت أمها متابعة
( ياللكِ من عديمة الأدب ..... كيف تتجرأين على مكالمة أخيكِ بهذه الطريقة ؟!! ...... )
قالت نورا بتردد و استياء
( لكن يا أمي أنا ............ )
قاطعتها أمها صارخة
( و لا كلمة أخرى زائدة ...... اسمعيني الآن لأنني لن أعيد كلامي , أمين ليس فقط أخاك الكبير ... بل هو رجل البيت وهو المسؤول عن كل كبيرة و صغيرة .... و عن كل قرش تركه الحاج رحمه الله ..... و ليس مسموحا لكِ التطرق الى أي مواضيع مادية اطلاقا ..... حين أموت يمكنكما أن تتحاسبا حينها .... )
تدخل أمين قائلا
( أطال الله عمرك يا أمي .... لا تقولي هذا ..... )
الا أن أمه هتفت به بصرامة
( بلى سأقول يا أمين ..... طالما أنها لا تستطيع حتى الآن التفرقة بين خوفنا عليها و بين مواضيعٍ مادية زائلة ... اذن لا داعي للشرح , فقط تستمع الى الأوامر و تنفذها ... )
صمتت و هي تستدير الى نورا هاتفة بصرامة أكبر
( هل كلامي واضح ؟؟؟ .................. )
نقلت نورا عينيها بينهما بغضبٍ و قهر .... الا أنها قالت في النهاية صاغرة
( واضح ......... سأخرج .....)
لكن صوت أمين قصف من خلفها بقوة
( قلت سأقلك معي ... و هذه هي نهاية الحوار ....... )
ظلت نورا واقفة مكانها تعض على أسنانها بقسوة و غضب بينما كان أمين يأخذ الحقيبة الجلدية من بين يدي أمه .... ثم تجاوز نورا متجها الى باب الشقة ليقول آمرا
( تعالي افتحي الباب و اسبقيني الى المصعد ........... )
و بينما هما في المصعد .... كانت نورا تتعمد تجنب النظر اليه عن قصد , أما هو فكان ينظر اليها مفكرا ....
ثم قال فجأة بصوتٍ هادىء صادم
( من أين برزت فجأة قصة مال والدك رحمه الله ..... و أنني أستأثر به ؟!! ...... )
ارتبكت نورا قليلا و اضطربت ملامح وجهها , الا أنها أبقت عينيها على أرقام المصعد بإصرار ثم قالت بخفوت
( لم أقل أنك تستأثر به ............ )
الا أن أمين رد عليها بجدية
( بلى ...... هذا ما قصدتيه ........ )
قالت نورا بخفوتٍ و اضطرابٍ أكبر
( لا ....... لم أقصد ما فهمته ............. )
رد عليها أمين قائلا
( تعلمين أنه بإستثناء موضوع السيارة .... فأنتِ تنفقين أضعاف ما أنفقه أنا , و أن مالك محفوظ لكِ دون أن ينقص قرشا واحدا ...... اليس كذلك أم أنكِ تشكين بي ؟؟ ...... )
تهاوى التحدي عن ملامحها و أخفضت وجهها و هي تنظر الى أصابعها المتشابكة , ثم قالت بصوتٍ مختنق
( لم أقصد ما فهمته يا أمين ........ حقا ..... )
ابتسم أمين قليلا وهو ينظر الى وجهها ....
كم تبدو لطيفة حين تعود الى شخصيتها القديمة .... قبل أن تصبح شابة صعبة المراس , شديدة التمرد ....
لقد اشتاق الى تدليلها كما كان يفعل قديما ....
الا أن نورا كبرت .... و أصبح التدليل بالنسبة لها منحصرا في تحقيق رغباتها فقط لا غير ....
بعضها يمكن تحقيقه و البعض الآخر يشعره أنه يحارب مجتمعا غير الذي نشأ به .... و عاداتٍ غير التي تربى عليها ...
أحيانا يتخيل أن أحدهم يقوم بسحرها بكلامه المعسول و يجرها الى ما لا يعلمه الا الله .... فيجن جنونه ....
بل و يشعر بالرعب كذلك .... ويود لو بإمكانه مراقبتها لحظة بلحظة ....
الا أنه يعود و يهدىء نفسه و يطمئنها بأنه يعرف نورا جيدا ... وهو من أكمل تربيتها بعد وفاة والدهما ....
عليه أن يثق بها ....
المشكلة أنه لا يثق فيمن حولها .......
قال أمين أخيرا بصوتٍ جاد على الرغم من نبرة اللطف الخادعة فيه
( و مع ذلك لم تجيبيني حتى الآن ...... كيف برز هذا الحوار في رأسك فجأة ؟! ...... )
عقدت حاجبيها بشدة و قالت بإرتباك
( لا أعلم ماذا تقصد .............. )
ظل أمين ينظر اليها بتفحص , ثم قال أخيرا
( أنتِ تتصلين بياسمين كل يوم .... ربما أثرت عليكِ بعض من حوارات حياتها , فقمت بإقتباس أحدها علكِ ترهبيني مثلا ... فأخاف و أحقق لكِ ما تريدين .... )
اتسعت عينا نورا بذهول و هي تهتف متراجعة للخلف ....
( ماذا ؟!! ...... إنه أكثر استنتاج سخيف سمعته في حياتي ...... )
رد أمين ببساطة أكبر وهو يدقق النظر بها ...
( حقا ؟!! ........ الا يعقل أن تكون قد صرخت مثلا فيما يخص مال والدها ذات يوم ؟!! ..... )
شعرت نورا بالذهول أمام عينيه المتحفحصتين لها بمنتهى الهدوء ... كيف أمكنه كشفها بتلك الطريقة ؟!! ...
لقد أعجبها طريقة تصرف ياسمين مع زوج أختها بالفعل .... و أعجبتها جرأتها في أخذ حقوقها ....
صحيح أنها لم تتخيل أبدا أن يكون أمين قد ظلمها في أي شيء ... الا أنها فكرت لو أخافته ببعض الكلمات الصادمة فسيصحو ضميره و يشتري لها السيارة التي تتمناها منذ التحاقها بالجامعة ....
ابتسم أمين بضيق وهو يرى الحقيقة كاملة مرتسمة على ملامحها الجزعة .....
ثم نظر بدوره الى أرقام المصعد وهو يقول بهدوء
( عامة ...... سأنصحك نصيحة , لا تقلدين كل ما ترين حرفيا دون تفكير .... فبعض الأمور تخفي أكثر مما تظهر .... و حياة كل انسان لها أسرارها و خفاياها ..... حياتك على النقيض من حياة ياسمين , و لا يمكنك التشبه بها لمجرد أن الرغبة في الحصول على ما تتمنين ...... كوني قوية في طلبك على الأقل دون التذرع بحجج ليست من الصحة في شيء ..... )
ظلت نورا تنظر اليه بوجهٍ شاحب .... ثم قالت أخيرا بخفوت
( أمين ..... أنا لم أقصد ما فهمته , هل يمكنك نسيان الأمر ؟ ... أرجوك ؟؟ ..... )
ظل أمين صامتا لبضعة لحظات , ثم نظر اليها مبتسما وهو يقول بصرامة
( هل يمكنك نسيان أمر السيارة ؟؟ .......... )
ضحكت نورا في لمحة نادرة و هي تقول بإصرار
( مستحيل .............. )
فتح المصعد أبوابه في تلك اللحظة فخرج أمين وهو يحمل الحقيبة بحرص بينما لحقته نورا و هي تقول بحيرة
( لكن ..... من أين لك استنتاج ظروف ياسمين بمثل هذه الدقة ؟!! ....... )
توقف امين مكانه للحظة دون أن يستدير اليها .... بينما توترت ملامحه بشدة , ثم قال بإقتضاب
( لقد تأخرنا جدا ....... أسرعي قليلا و كفى كلاما ...... )
و ما أن جلسا في السيارة حتى وصلته رسالة على هاتفه .... ففتحها عاقدا حاجبيه ...
ثم اتسعت عيناه بصدمة وهو يقرأ رسالة من ياسمين مكتوب بها
" صباح الخير ... ابتسامة "
ارتفع حاجبي أمين متعجبا وهو يفكر
انها تقول صباح الخير !!! ..... ماذا ؟! ..... هل أجيبها ام أشتمها ؟! ........
أما نورا فكانت تنظر اليه بدقة , ثم قالت بإهتمام
( ممن الرسالة ؟! ............... )
نظر أمين اليها مجفلا , ثم قال أخيرا بإختصار وهو يحرك السيارة
( من شركة الإتصالات ............ )
.................................................. .................................................. .....................
فتحت بدور الباب متثاقلة الحركة .... فاقدة الروح و الحماس لأي شيء .....
الا أنها ما أن رأت أمين يقف أمامها مبتسما حتى ارتجفت و انقلب كيانها و تلون وجهها و هي تنظر اليه
بينما بادرها هو قائلا بمودة
( صباح الخير بدورة .............. )
رمشت بدور بعينيها و بدت غير قادرة على النطق لعدة لحظات ... ثم قالت أخيرا بصوتٍ مختنق و هي تحاول الإبتسام
( صباح .... صباح الخير يا أمين ..... )
قال أمين بلطف
( أرى أنه لم تكن لديكِ فكرة عن قدومي اليكما في هذا الوقت ........ آسف على الإزعاج .)
ردت بدور و هي تقول بسرعة نافية
( ليس هناك أي ازعاج اطلاقا ..... نحن نتشرف بزيارتك في أي وقت يا أمين , ..... هذا ... بيت عمك ... )
ابتسم لها أمين دون أن يجيبها على الفور , فاحمر وجهها بشدة و اخفضته غير قادرة على مواجهة نظرته لها ...
حينها تملكته بعض الحرية في تأملها .....
كانت في حالةٍ يرثى لها .... عيناها حمراوان بشدة و من الواضح أن السبب هو بكاءٍ لليلةٍ كاملة
وجهها شاحب للغاية و شفتاها زرقاوان و كأنها لم تأكل منذ أسابيع ....
نظراتها زائغة حذرة ..... و أصابعها الممسكة بالباب ترتجف , .... حتى أنها تنشب أظافرها في خشبه ...
لكن و ليكن أمين مع نفسه .... لم يكن هذا هو كل ما لاحظه ....
فقد لاحظ للمرة الأولى أن بشرتها الخمرية شديدة الجاذبية ..... و عيناها كحيلتين بكحلٍ طبيعي دون أي تدخل إضافي ....
و شعرها ناعم .... أسود جميل .... بدا ذو فرق جانبي ... وهو نائم أعلى وجهها و ظاهر من تحت حجابها ....
ترى أي شيء جعلها تبكي ليلة كاملة و تبدو بمثل هذا الخوف .... هل اتصل بها أخوها و هددها و أرعبها لأي سببٍ كان .....
تخيل كيف يمكن أن تكون حياة فتاة في مثل عمرها .... منغلقة على نفسها تماما , لا تذهب الى أي مكان و ليس لها أصدقاء .... لا تعرف معنى المتعة ......
قال أمين أخيرا وهو يخفض نظره سريعا عن شعرها ما أن أبصره
( كيف حالك يا بدورة ؟؟ .......... )
أمسكت بالباب بقوة أكبر و هي غير قادرة على النظر اليه ووجهها يزداد احمرارا .... ثم قالت ترد عليه بخفوت
( بخير ............ أنا بخير .... )
تعجب من شدة خجلها الى تلك الدرجة , ..... لطالما كانت بدور خجولة , لكنها لم تبد يوما شديدة الإحمرار و الإرتباك أمامه بهذا الشكل ....
ترى هل هذا بسبب الكلام عن احتمالية خطبتهما ؟! ..... هل هذا هو ما يربكها الى هذا الحد ؟! ....
رغم عنه شعر بنوعٍ من الرضا ازاء خجلها و ارتباك نظراتها .... لطالما عشق الخجل و الحياء و يراه أكثر ما يميز الإناث جمالا ....
تنحنح قائلا بنبرة ودودة أكثر
( حسنا ....... لن آخذ من وقتك الكثير , هل يمكنك أخذ هذه الحقيبة مني .... لقد أرسلت أمي بعض المأكولات اليكما .... )
أسرعت بدور لتتناول منه الحقيبة و هي تقول بدهشة
( و لماذا أتعبت خالتي نفسها ..... سلمت يداها , رائحة الطعام تثير الجنون ..... )
ابتسم أمين وهو يقول مداعبا
( صحيح ..... الا أنها تدعي أن طبخك أكثر مهارة و رائحته أطيب ...... )
ضحكت بدور على الرغم منها و قالت مسرعة
( هذا مستحيل ....... من أكون أنا لتقارنني بخالتي ....... )
خفتت ضحكتها فجأة و هي تراه يتأمل ضحكتها بجدية ..... فأخفضت عينيها بسرعة و قالت
( س ...... سأذهب لأضح هذه الحقيبة في المطبخ ...... تفضل بالدخول ..... )
رد أمين قائلا بهدوء مبتسم
( شكرا يا بدورة ....... يوم آخر سآتي للزيارة حين يكون عمي هنا ...... )
الا أن بدور بدت معترضة و هي تقول بحرج
( لا يمكنك أن تأتي الى هنا و لا تدخل ........ لا يصح ..... )
ابتسم لها أكثر و قال واعدا
( حين يأتي عمي ........ أعدك بهذا ......... )
رفعت عينيها تنظر اليه مجفلة .... و تسائلت إن كانت تلك الزيارة التي يتكلم عنها مقصودة !!! .....
فغرت بدور فمها و هي تنظر اليه برعب ..... فعقد أمين حاجبيه قليلا وهو يسألها قائلا
( ماذا بكِ يا بدور ؟!! ...... هل أنتِ بخير ؟!! ..... تبدين شاحبة تماما !! ...... )
لم تكن قادرة على النطق ..... فبدت على وشك السقوط أرضا , و ساد بينهما الصمت لبضعة لحظات قبل أت تقول بصوتٍ مختنق
( أمين ....... أريد أن أخبرك شيئا ...... )
قال أمين بنبرة صادقة شديدة الجدية
( قولي ...... يمكنك مكالمتي في أي شيء تريدين ..... ألم نتفق من قبل على هذا ...... )
أومأت بدور برأسها و هي تنظر اليه بعينين متضرعتين .... الا أنها و ما أن فتحت فمها مجددا حتى قاطعها صوت أمها و هي تأتي من خلفها هاتفة
( أمين هنا ...... يا مرحبا بحبيبي ...... و أنا التي استيقظت اليوم و شعرت بأن رياحٍ طيبة ألقت بنسائمها العطرة علينا ...... )
ابتسم أمين وهو يقول
( هذا من طيب أصلك يا خالتي ..... كيف أصبح كاحلك اليوم ؟؟ ...... )
عقدت أم زاهر حاجبيها بسرعة و هي تتأوه قائلة
( آه يا ولدي ..... الألم لا يجعلني قادرة على الحركة بطريقة سهلة مطلقا ..... )
ثم نظرت الى بدور التي كانت لا تزال واقفة مكانها تحمل الحقيبة .... فقالت بسرعة مستنكرة
( كيف تتركين ابن عمك يقف بالباب هكذا يا بدور ؟!! ..... أين أدبك ؟!! ..... )
تدخل أمين قائلا بلطف
( لقد دعتني بدور للدخول و قامت بالواجب ...... لكنني متأخر في الذهاب الى عملي , لكنني سآتي بالتأكيد لزيارة عمي ما أن يصل الى المدينة ..... )
انتفخت أوداج أم زاهر و هي تنظر الى ابنتها بسعادة و أمل .... فقالت بدور و هي تغص بصوتها
( سأذهب لاضع هذه في المطبخ ............ )
ثم سارت بصعوبة و هي تعرج ..... لتختفي عن ناظريهما , حينها سأل أمين بإهتمام و قلق
( ماذا بها بدور يا خالتي ؟!! ....... لا تبدو بخير !! ....... )
تنهدت والدتها و هي تقول بحزن و أسى
( آه يا ابني ماذا أقول لك ..... لولا ستر الله , لكانت ابنتي ضاعت مني ...... )
انعقد حاجبي أمين بشدة وهو يقول
( كيف هذا ؟!! .............. )
قالت أم زاهر بحزن
( اعترض طريقها اثنان من الهمج القذرين ...... في طريق مهجور , و لا يمكنني تخيل ما الذي كان من الممكن أن يحدث لها لولا ستر الله ...... )
هتف أمين بحدة
( ماذا ؟!! ............ )
ثم لمح بدور تخرج من المطبخ و تنوي الهرب الى غرفتها , الا أنه ناداها بصرامة
( بدور ...... تعالي الى هنا ....... )
تسمرت بدور مكانها , ثم استدارت و عادت اليهما تتعثر بوجهٍ شاحب و هي تقول
( نعم يا أمين ......... )
رد عليها بصرامة
( أخبريني عما حدث لكِ ؟؟ ...... هل أقدم هذان الكلبان على شيء ؟؟ ....... أخبريني بكل شيء ... )
ابتلعت بدور غصة الرعب في حلقها و أجبرت نفسها على النظر اليه و هي تهز رأسها بسرعةٍ قائلة
( لم يستطيعا فعل شيء ..... لم يحدث شيء صدقني ..... أنا فقط ارتعبت لأنها المرة الأولى التي أتعرض فيها لشيء مماثل ....... )
الا أنه قال بحدة
( و لماذا تسيرين في طريقٍ مهجور ؟؟ ...... الا تعلمين أن تلك الأمور لا مجالٍ للمجازفة فيها ؟!! .... )
ظلت بدور صامتة أمامه بملامحها المسكينة , فشعر رغم عنه بالأسف على رعبها ... لذا خفف من حدة صوته ثم قال بهدوء
( لا عليكِ .... لا ترتعبي الى هذه الدرجة , لقد انتهى الأمر على خير ..... لكن عديني أن تكوني أكثر حرصا ... )
همست بدور تقول بصوتٍ خافت حزين ...
( أعدك ................ )
قال امين بعد لحظة تفكير
( هل أنتِ ذاهبة لكليتك الآن ؟؟ ........ )
أومأت بدور برأسها دون أن ترد , فعرض عليها قائلا
( اذن تعالي معنا سأقلك في طريقي ........... )
رفعت بدور وجهها و هي تنظر اليه مصدومة قبل أن تقول بسرعة
( لا ..... لا .............. أنا سأذهب , لا تعطل نفسك .... )
قال أمين بنبرة حاسمة
( بل سأقلك .... نورا تنتظرني في السيارة و أنا سأقلها الى كليتها ...... )
شعر بالحرج من ذكر وجود نورا في السيارة , فقد طلب منها أن تصعد بالحقيبة اليهما الا أنها رفضت .... حتى انها رفضت الصعود معه كذلك .... و أصرت على البقاء في السيارة بوقاحة ....
لكن لحسن الحظ لم تلحظ والدة بدور الأمر فقد كانت أكثر انشغالا بالموافقة بحرارة و هي تقول مربتتة على ذراع ابنتها قائلة
( اذهبي مع ابني عمك يا بدور .... كي يطمئن قلبي عليكِ ...... )
بدت بدور مرتبكة بشدة , فقال امين مبتسما برقة
( عليكِ التخلص من هذا الخجل سريعا .... لأنني عازم على توصيلك خلال الأيام التي يتوافق بها جدول محاضراتك مع خروجي صباحا ...... )
بهتت ملامح بدور و هي تنظر اليه بعينين واسعتين .... الا أنها لم تستطع منع رجفة لذيذة من التسلل الى قلبها .... رجفة غريبة .... جعلتها تنظر اليه ببلاهة ...

بعد نزولهما سويا .... نظرت نورا الى كلا منهما بصدمة , ثم توترت ملامحها و زفرت بضيق ....
الى أن فتح أمين الباب الخلفي لبدور وهو يقول
( تفضلي يا بدورة ............ )
ابتسمت له بدور بخجل و هي تتجنب النظر الى عينيه , ثم جلست فأغلق الباب خلفها .... ليستدير حول السيارة , ثم جلس و بدأ في تحريك السيارة ...
حين ساد الصمت المحرج , بادرت بدور لتقول بارتباك
( كيف حالك يا نورا ؟؟ ......... )
ردت نورا عليها بصلف
( بخير ............ )
الا أن بدور تابعت بمودة خجولة
( و دراستك ؟؟ ............. )
ردت نورا مجددا بنبرة أكثر جمودا
( بخير .......... )
حينها تقوقعت بدور على نفسها و فضلت الصمت و هي تنظر من النافذة , بينما حدج أمين أخته نورا بنظرةٍ صارمة غاضبة .... ثم لم يلبث أن قال بنبرة بسيطة عفوية
( و ماذا عن دراستك أنتِ يا بدور ؟؟ ........ )
أجفلت بدور و هي تنظر اليه تلقائيا في مرآة السيارة ثم أجابته بصدق
( أنا أحاول قدر استطاعتي يا أمين .... لا يهمني شيء حاليا سوى النجاح ..... لا أريد سوى شهادتي ... )
ابتسم لها ابتسامة زهت قلبها وهو يقول برقة
( أحسنتِ يا صغيرة ............. )
ابتسمت له في المقابل و احمرت وجنتاها , فابعدت عينيها عن المرآة لتعاود النظر من النافذة ... بينما قالت لها نورا فجأة متهكمة
( بالله عليكِ يا بدور ما هذا الذي ترتدينه ؟!! ...... الا ترين الفتيات من حولك في الجامعة ؟!! ...... )
نظرت بدور الى المقعد الذي تحتله نورا أمامها , بينما قال أمين بنبرة صلبة غاضبة
( ما باله زيها ؟!! ........ إنه رائع ....... )
ضحكت نورا و هي تقول ساخرة
( و أنت مجامل جدا على غير عهدي بك ....... أنا أنصحها فقط بما أني ابنة عمها , إنها لا ترتدي سوى العباءات السوداء .... مما يجعلها تبدو و كأنها في حدادٍ دائم ...... )
زفر أمين بحدة قبل أن يقول بنفاذ صبر
( هلا توقفتِ عن فظاظتك ليومٍ واحد فقط ....... )
ثم نظر الى بدور في المرآة و قال بنبرةٍ تلونت الى الرقة تلقائيا ...
( تبدين رائعة يا بدورة ....... كفتاة شرقية مختلفة عمن سواها ....... )
نظرت اليه بدور مذهولة و هي تشعر بأنوثتها للمرة الأولى .... على الرغم من تلك الفترة القاتمة التي قضتها كزوجة لراجح .... لم يسبق لها أن شعرت بالأنوثة كما شعرت الآن بسبب كلمتين بسيطتين من أمين !!! ....
الا أنه تابع بجدية
( لكن ادخلي شعرك داخل الحجاب .... فأنا أستطيع رؤيته ...... )
سارعت بدور بدس شعرها أسفل حجابها بأصابعها المرتجفة , بينما كانت نورا تنظر الى أخيها بنظرةٍ ممتعضة .... غيورة ...
لكن بدور لم تلحظها .... بل لم ترها , و ساد الصمت بين ثلاثتهم لفترة قبل أن تتكلم بدور بصوت خافت متردد
( أمين ....... هل لديك رقم هاتف .... تيماء .... ابنة عمنا سالم ؟؟ .....)
نظر اليها أمين في المرآة بدهشة .... ثم قال وهو يقلب شفتيه مفكرا
( لا ...... لم أرها سوى مرة واحدة لبضعة أيام , لكن أظن أن فريد لديه رقمها .... فقد كان مدعوا عندها هي زوجها منذ فترة قصيرة ....... لكن لما لا تتصلين بمسك أو سوار .... من المؤكد يعرفان الرقم )
أخفضت بدور رأسها و قالت بصوتٍ باهت كاذبة ...
( لا أعرف رقميهما .........)
لم تكن تعرف رقم هاتف مسك .... الا أنها كانت تحفظ رقم هاتف سوار عن ظهر قلب ...
فظلت صامتة الى أن قال أمين ببساطة
( سأعرف الرقم من فريد ثم أرسله اليكِ .......)
رفعت بدور عينيها الى عينيه في المرآة , ثم ابتسمت و هي تهمس بصوتٍ لا يكاد أن يسمع
( شكرا ..........)
لكنه سمعها , و بادلها الإبتسام ... فرد عليها مداعبا
( أنتِ على الرحب دائما يا بدورة الصغيرة ..............)
نظرت الى النافذة و هي تبتسم ابتسامة عميقة اشتاقت لها منذ فترة طويلة جدا .... بينما كانت نورا تنظر الى تلك الإبتسامة في مرآتها الجانبية بملامح نافذة الصبر .... حادة التعابير ...
من كان يظن أن تستطيع الأبتسام ... لقد أشرق الصباح و هي تظن بأنها ميتة لا محالة ....
فبعد أربعة أقراص من المسكن ثقيل التركيز .... و محاولات أمها الحثيثة كي تهدئها , استطاعت اقناعها بأنها بخير و أنها ستذهب الى الكلية لتثبت لها بأنها لم تتعرض لأذى فعلي ....
و أجبرت نفسها على ارتداء ملابسها و التحامل على نفسها في النزول ... حيث أن والدتها كادت أن تقسم بأن ابنتها قد تعرضت الى شيء أفظع و تخشى الإعتراف ......

.................................................. .................................................. ......................
( كم الساعة الآن ؟؟ ..........)
استقامت جالسة في سريرها و هي تنظر اليه مبتسمة بسعادة ... بينما كان هو يوليها ظهره و ينظر من النافذة ...
الوقت لا يزال مبكرا جدا , استطاعت استنتاج ذلك من الأشعة الحمراء المنعكسة على صدره ... و أطراف شعره المتوهجة عبرها .....
لم يجبها على الفور .... ثم سألها بجفاء دون أن يستدير اليها
( هل أنتِ أفضل الآن ؟ .............)
رمقته تيماء بإبتسامة مشاغبة و هي تتلاعب بطرف الغطاء .... ثم سألته بنبرة حنونة
( الا زلت غاضبا مني ؟!! ............. )
رد عليها قاصي بنبرة زادت جفاءا و قتامة
( هل أنتِ جائعة ؟؟ ...........)
انحنت ابتسامتها بحنانٍ أكبر , فتراجعت الى الخلف تستند للوسائد و هي تتأمله بعينيها الشغوفتين ....
و لدهشتها وجدت الكلمات التي يغنيها دائما تتردد في أذنيها برفق و بصوته الأجش

" يا غريب الدار ........ يا غريب الدار بأفكاري
قد تخطر ليلا ونهارا
ادعوك لتأتي بأسحاري
بجمال فاق الأقمار"

أغمضت عينيها متنهدة و هي تستسلم لذلك الصوت الذي يرن في أذنيها .... و كأنه يغني بالفعل .....
لكنه الآن لا يغني , بل هو غاضب و بشدة .... غاضب و لم يستطع افراغ شحنة غضبه الا عبرها هي ...
عبر مشاعره القوية العاصفة ......
استدارت على جانبها قليلا و سألته بخفوت و بصوتٍ يحمل رنة جميلة , تشبه بريق عينيها المنعكس شعاع الشروق عليها ....
( لم تجب عن سؤالي حتى الآن .........)
ساد الصمت بينهما مجددا , ثم قال قاصي بخشونة و بنبرة أكثر حدة مما جعلها تدرك أنها لمست وترا بداخله
( هل أعد لكِ الفطور ؟! ...... لم تأكلي شيئا منذ الأمس .....)
ضحكت تيماء بصوتٍ بدا كخريرٍ جذاب ثم سألته مباشرة طالما أنه يتعمد التهرب منها
( هل ستسافر معي , أم أبقى أنا معك ؟؟ ............)
استطاعت سماع صوت تحشرج أنفاسه بوضوح ثم سألها بنبرةٍ بدت أكثر قسوة
( هل يعجبك ؟؟ ...........)
تسمرت تيماء مكانها و اتسعت عيناها , قبل أن تهمس بذهول و بصوتٍ لا يكاد أن يكون مسموعا
( مجددا يا قاصي ؟!! .... ألم تيأس بعد من هذا السؤال ؟! ........)
أظلمت عيناه بشدة الا أنه لم يستدر اليها , و ساد صمت طويل قبل أن يسألها بصوتٍ خشن قاتم .. بل شديد الظلام ........
( كيف كان شعورك حين كنتما تتكلمان ؟؟ .........)
ضغطت تيماء على أسنانها بقسوة , ثم قالت من بينهما بعنف
( ما هو شعورك و أنت غبي ؟!! .......... شعور رائع , اليس كذلك ؟؟ .....)
رأت كفه تنقبض بشدة , الا انه كان حتى هذه اللحظة يحاول الا يكثر في الكلام ... ثم استدار بقوة وهو يتنجنب النظر اليها قائلا بقسوة
( سأذهب لأعد لكِ شيء لتأكلينه .......... )
زفرت تيماء نفسا يائسا , ثم سألته و هي تحاول النظر اليه عبر طبقات شعرها الشبيه بعش العصافير حول عينيها ....
( أين أمي ؟؟ .............. )
توقف قاصي للحظة ثم قال بجفاء
( جائت الى هنا و طرقت الباب بعد منتصف الليل , الا أنني لم أفتح لها الباب .... فإضطرت للمبيت عند امتثال .... )
زمت تيماء شفتيها ثم قالت بغضب
( هذا هو السؤال الوحيد الذي تمكنت من الرد عليه !! ...... كيف لك أن تعاملها بتلك الطريقة ؟!! ..... )
استدار ينظر اليها و للمرة الأولى ترى ملامحه واضحة منذ الصباح و كانت ملامح غاضبة مظلمة كما توقعت تماما .... فتراجعت و هي تقول بصوتٍ أكثر تخاذلا
( عامة هذا بيتك .... و نحن ضيوف عندك .... يمكنك طردنا وقت تشاء ... و تستقبلنا في الوقت الذي تريد .... )
رد عليها قاصي بصوتٍ قاطع متسلط
( جيد أنكِ أدركتِ هذا أخيرا .... )
ثم اتجه الى الباب , فابتسمت و تلبسها عفريت مجنون و قالت بمكر
( ثم أنني حين أقرر الإعجاب برجل ... ألن أجد سوى أكثر رجال عائلة الرافعي دناءة و إجراما و خللا في العقل ؟!! ...... يمكنني الإعجاب بفريد مثلا , حينها سيكون الأمر أكثر منطقية .... فهو طبيب و محترم و خفيف الظل .... )
لم تستطع نطق الحرف الأخير فقد انحنى قاصي و التقط خفها من على الارض وقذفها به فضرب منتصف وجهها مما جعلها تبتلع المتبقي من كلامها ....
وقف مكانه يرمقها بنظرةٍ سوداء ... ثم خرج من الغرفة ...
بينما ظلت هي مكانها تحك أنفها و هي تنظر الى الباب بذهول هامسة
" أيها المعتوه !!! ....... "
بعد فترة قصيرة ... كانت قد لحقت به ووقفت في باب المطبخ و هي تدس كفيها في جيبي بنطالها القصير ...
تنظر اليه وهو يضرب الأدوات و يلقي بعض شرائح الخبز .... و يقرقع الملاعق بعشوائية ....
فقالت تيماء بهدوء
( لا يزال سؤالي دون رد ..... هل ستسافر معي أم أبقى أنا معك ؟؟ ....... )
توقف قاصي عن الحركة تماما و أمسك بحوض المطبخ بكلتا قبضتيه محنيا رأسه .....
و هي واقفة عن بعد تنظر اليه بعينيها المنتظرتين .... إنتظارا طال لسنوات و سنوات .... انتظار الراحة ...
الرجاء في بعض الراحة .... فقد تعبت .... و تقسم على أن التعب قد نال منها ....
ساد صمت قصير بينهما .... ثم قال أخيرا بجفاء دون أن يستدير اليها ...
( ستسافرين ....... و أنا سأبقى هنا ....... )
شحبت ملامح تيماء , الا أنها تمالكت نفسها و أخذت نفسا قويا قبل أن تقول بفتور
( ماذا لو لم أقبل بهذا الحل ؟؟ .......... )
رفع رأسه وهو يأخذ نفسا عميقا كنفسها ,الا أنه أقوى و أشد .... و كأنه ينشد به النجاة ....
ثم قال أخيرا بصوتٍ جاف
( ليس لديك مجال اختيار ......... )
ارتفع حاجبيها و برقت عيناها برفض تلقائي و هي تقول بصدمة
( ليس لدي مجال اختيار ؟! ........ ظننتك تغيرت .... للحظة غبية حمقاء , ظننتك تغيرت بالفعل .... )
ساد صمت متوتر بينهما , قبل أن يستدير اليها .... ووقف مكتفا ذراعيه ..مستندا الى الحوض الذي كان يدعمه منذ لحظات ...
ينظر اليها بنظرته التي تهلك كيانها ... لا تعلم هل هي عاصفة قاتمة , أم جمر من مشاعره تجاهها ...
بينما ملامحه بنفس الجمود .... ثم قال أخيرا بصوتٍ عميق وهو ينظر الى عينيها
( لقد تغيرت بالفعل يا مهلكة .... لكنك لم تري هذا بعد .... في المرتين السابقتين , ابتعدتِ بإرادتك و بقرارٍ منكِ ..... أما هذه المرة فالقرار لي .... ستسافرين يا تيماء , و لن أسمح لكِ بخسارة المزيد .... )
ارتجفت شفتا تيماء قليلا , الا أنها قالت بصوتٍ هادىء , ثابت ظاهريا ...
( هل هذا بسبب أنني صرفت نظر عن موضوع الطفل ؟ ...... أنت تعلم أنني كنت أعاني من حالةٍ مضطربة بعد فقدان طفلي الاول .... )
رأت حاجباه ينعقدان بألم ... فصرخ قلبها وجعا مع ألمه .... الذكرى لا تزال تترك به ندبة لن تزول بسهولة ...
لكنه قال بخفوت وهو ينظر اليها ....
( أعلم ........ أعلم , ...... لقد ارتحت لأنكِ عدتِ الى ..... صلابتك و ..... تعافيتِ .... )
سألته تيماء بقسوة
( و لأنني تعافيت تريد أن تطعنني من جديد ؟!! ..... لا تفعل يا قاصي , لا تخذلني الآن أرجوك .... فعمر التحمل لدي قد تجاوز التسعين .... )
ابتسم قاصي ابتسامة حزينة قليلا ... الا أنه أخفاها بسرعة و قال بوجه الذي لا يدل على شيء
( أنا لا أخذلك يا مهلكة ..... لو نظرتي الى المرتين اللتين ابتعدتي فيهما عني , لأدركتي أنكِ كنتِ أفضل بكل تأكيد .... أقوى ... أذكى .... ربما كان الشوق يؤلمك , لكن الدمار الذي رأيتيه بسببي لا يقارن ببعض الشوق في الإبتعاد ..... )
فغرت تيماء شفتيها و هي تنظر اليه بحاجبين منعقدين ... ثم هزت رأسها بعدم تصديق و هي تقول
( ما الذي تريد قوله ؟! .......... هل تريد الطلاق ؟! .... هل هذا ما تريده حقا ؟! ..... )
أطرق قاصي بوجه ... ثم قال بصوتٍ خافت ...
( الطلاق .... كلمة شديدة المرارة , بعد هذا التاريخ الحافل بيننا .... لا طلاق يا مهلكة , إنها كلمة لا يعترف بها في قاموسي المكتوب باسمك )
ضحكت بسخرية و هي تقول بحدة
( لا طلاق ..... اذن تريد مني السفر و الإبتعاد عنك أربع سنواتٍ أو يزيد .... من تخدع يا قاصي ؟! .... أنت لا يمكنك الإبتعاد عني ..... )
رفع عينيه ينظر الي عينيها ثم ابتسم ..... و هي ابتسمت كذلك ...
ابتسامتيهما كانتا ابتسامة واحدة ... ليست مرحا أو دعابة ... بل هي تأكيد و خوف ......
أومأ قاصي برأسه و قال مبتسما
( نعم ....... أنا لا يمكنني الإبتعاد عنكِ , لكن أنتِ يمكنك .... و ستفعلين ....)
رفعت تيماء كفيها الى السماء و قالت بغضب مجنون
( يالله ...... لماذا تفعل بي هذا ؟!! .... كلما اتخذت قراري و اقتربت منك , ابتعدت عني كالزئبق ..... لا حاجة بي للخسارة ... يمكنك السفر معي .....)
نظر قاصي اليها و قال بصوتٍ واهٍ
( كعبء ..... ما الذي يمكنني فعله هناك ؟! ... قضية التزوير لم تنتهي حتى .... و الأوراق الأصلية لم يتم انجازها حتى الآن .....)
ارتجف صوت تيماء قليلا و سألته هامسة
( لماذا اذن لحقت بي ؟! ..... كنت قد اتخذت قرارا بالبقاء معي في الخارج ...)
رد عليها قاصي قائلا بجفاء
( كنت هاربا يا تيماء ..... كنت قد قررت البقاء معك كرجلٍ هارب .... حتى المال لم يكن ليحقق لي الإحترام الذي تتمنينه في زوجك ....لا عمل ... لا مستقبل ...)
ابتلعت تيماء غصة في حلقها , ثم همست بإختناق
( و الآن ؟!! ...........)
ابتسم قاصي وهو يرد عليها بتعب
( الآن أنا رجل يحبو ........... بينما أنتِ ستحلقين ....هناك فرق في السرعات سيدي القاضي .. )
ضحكت تيماء بينما تشوشت الرؤية أمام عينيها بدموعها المحتجزة ... و من خلال دموعها استطاعت رؤية ضحكته الشبيهة بضحكتها .... لكن دموعها شوشت صورته فجعلته كرجلٍ يبكي !! ....
.................................................. .................................................. ...................
" أعتذر إن كانت رسالتي لك قد ضايقتك ....... "
نظر أمين الى الرسالة الواصلة الى هاتفه .... فضاقت عيناه , ثم أرجع رأسه للخلف متنهدا وهو يحك رأسه .....
و مضت بضعة لحظات قبل أن يرفعها مجددا , ثم كتب بتردد
" لم تضايقني ...... بل أسعدتني "
و أرسل الرسالة .....
بينما كان فريد ينظر اليه بتفحص وهو يجلس معه في شرفة منزله ..... يرتشف من كوب الشاي خاصته ثم يغمس به واحدة من البقسماطات ... ليلتهمها وهو يراقب كل تغير يمر على ملامح أمين ...
وقد لاحظ دون شك احمرار أذنيه ... و تلك علامة خطيرة يعرفها عنه منذ طفولتهما ....
وصلت أمين رسالة على الفور لم تستغرق سوى لحظات ... ففتحها أمين ليقرأ بعينين براقتين
" لماذا لم ترد اذن ؟! ....... "
رفع أمين وجهه ينظر أمامه الى البنايات المتجاورة وقت المغيب .... كان يبتسم , ثم يعقد حاجبيه في ذات اللحظة كرجلٍ يعاني بعض الطفرات الغريبة ...وهو خير من درسها في علم الوراثة ....
ثم كتب ببطىء
" خفت أن يضايقك ردي ..... فأنا تجاوزاتي قد زادت مؤخرا "
وصله الرد أسرع مما يتخيل ... فقد أرسلت اليه رسالة كتبت بها
" إن كان سيضايقني ردك .... لما كنت قد أرسلتها لك من البداية "
أخذ أمين نفسا عميقا ... ثم كتب لها
" اذا .... مساء الخير يا ياسمين ( باقة ورد ) "
انتظر ردها لبضعة لحظات , ثم وصله ردها
" ( ضحكتين خجولتين ) ترى هل رسائلي لك تدعم انطباعك السيء عني ؟! .... "
ضاقت عينا أمين وهو يقرأ سؤالها .... ثم رفع وجهه وهو يفكر في الجواب مليا ... و حين وجد الرد ...
كتب لها
" انسي الإنطباع السيء ...... أنتِ متهورة نعم , لكنك لستِ سيئة "
ردت ياسمين مباشرة في رسالة جديدة
" أنا صريحة يا أمين ...... لذا أردت اخبارك بأن اعتذارك لي شكل فارقا ضخما , شكرا لك ... "
ابتسم أمين وهو ينظر الى الرسالة .... ثم كتب لها
" أنتِ على الرحب يا ياسمين .... ( باقة ورد ) "
فوصله الرد سريعا
" ( ضحكتين خجولتين ) ..... "
تنهد أمين تنهيدة عميقة قبل أن يترك هاتفه على الطاولة الصغيرة ... ثم شبك كفيه خلف رأسه وهو يمد ساقيه للأمام مستريحا .... مبتسما ... الا أن ابتسامته كانت شاردة تماما ...
قال فريد يقطع عليه سيل أفكاره
( جاء اليوم الذي أراك فيه تتبادل الرسائل مع أحدهم ... و ضع خطين تحت كلمة أحدهم ... ممن تلك الرسائل ؟!! ... )
نظر اليه أمين عاقدا حاجبيه , ثم قال بجدية
( و ما دخلك ؟! ........... )
هز فريد رأسه وهو يقول بإستسلام
( سبحان الله .... نفس الدرجة من السماجة منذ أن كنت طفلا .... كنت أظن أنك قد تنضج قليلا , الا أنني كنت مخطئا على ما يبدو ..... اذن أخبرني لماذا دعوتني الى هنا , و جئت بي من سابع نومة .... هل لمجرد أن تتأمل جمالي و أنا أتناول بقسماط الحاجة والدتك ؟! ..... )
رد أمين بفظاظة وهو ينظر اليه بطرف عينيه ...
( أنا لم أدعوك ..... أنت من تدعو نفسك الى بيتنا كل يومين طلبا للطعام ..... )
رفع فريد حاجبيه وهو يقول بدهشة
( اذن أنت لم توقظني منذ بضعة ساعات .... بعد سهر يومين و تخبرني بصوتٍ متملق منافق ' بأن الحاجة قد أعدت لي الكبسة التي أحب ..... فجئت بي على ملىء وجهي .... حتى أنني لم أجد الوقت لأرتدي جواربي )
رد أمين قائلا بتأكيد
( أي أنك أتيت طلبا للطعام ..... لم أخطىء اذن ....... )
نهض فريد من مكانه وهو يترك كوب الشاي و البقسماط ليقول بنفاذ صبر
( و بما أنني أنهيت ما أتيت لأجله .... فسأغادر ..... أراك في وجبة أخرى ان شاء الله )
أمسك أمين بمعصمه وهو يجلسه بالقوة قائلا
( اجلس و كفى استفزازا .... لست رائق البال لتصرفاتك ..... )
جلس فريد و نظر اليه مبتسما ليقول
( هذا شيء واضح وضوح الشمس .... هناك ما يشعل بالك منذ أيام .... ما الأمر ؟! .... )
نظر اليه أمين بتردد , ثم لم يلبث أن مال الى الأمام مستندا بمرفقيه الى ركبتيه , ثم قال بجدية
( اسمع ..... أريد منك استشارة ..... لكن بجدية ....... )
تراجع فريد في مقعده واضعا ساقا فوق الأخرى وهو يقول بإتزان
( لامست نقطة ضعفي و ذكرت كلمة السر .... استشارة .... هات ما عندك , كلي آذان مصغية ... )
حك أمين عنقه وهو ينظر الى فريد .... ثم سأله أخيرا
( هل يعقل أن يعجب الإنسان بشيئين مختلفين تماما ..... يمكنك القول أنهما على النقيض ؟!! ..... )
عقد فريد حاجبيه وهو يحاول فك الشفرة , ثم قال مستفهما
( ما هي طبيعة الشيئين تحديدا ؟! ........... )
رد امين بإرتباك
( لا تهم طبيعتهما ...... أي شيئين و السلام ...... )
هتف فريد بجدية
( كيف لا تهم ؟! ... ستختلف اجابتي بناءا على طبيعة الشيئين .... بطتين ... قطتين .... شطيرتين .... )
تأفف أمين ثم قال مستسلما بنفاذ صبر
( فريد تساهل معي و أجبني ..... كيف يمكن للإنسان أن يرى نفسه في شيء .... بينما يعجب بشيء آخر لا يشبهه في شيء ؟؟ ....... )
نظر اليه فريد بإهتمام
( ربما كان هذا هو سر الإعجاب ..... أنه لا يشبهك في شيء , الإنسان يجذب في كثير من الأحيان الى ما يرفض أن يكون عليه ...... )
عقد أمين حاجبيه وهو يفكر ... ثم قال بتوتر
( لكن حين يكون الإنسان على محك الإختيار .... لا تتم الأمور بمثل هذه السهول .... من يختار ؟! ... )
رفع فريد حاجبيه و سأله بخبث
( من يختار .... ام ماذا يختار ؟!! .... ألم أخبرك أن طبيعة الاشياء تشكل فارقا في الإستشارة ... )
نظر اليه أمين بضيق , ثم قال مستاءا
( توقف عن التحاذق .... تريد مني الإعتراف , حسن فليكن .... أنا ..... )
صمت قليلا وهو يبدو مرتبكا و محرجا ... ثم مال الى فريد و همس بتوتر
( أنا أشعر بانني معجب بفتاتين .... فهل يعقل هذا ؟!! ..... )
اتسعت عينا فريد و شهق هاتفا
( فتاتان ؟!!! ..... معجب بفتاتين ؟!!! ....... )
هتف به أمين بصرامة و ذعر وهو ينظر الى باب الشرفة
( هششششش ..... اخرس .... إنه خطئي أنا أن اخترتك من بين الناس لآخذ برأيك .... )
أخفض فريد صوته وهو ينظر الى باب الشرفة كذلك , قائلا بإعتذار
( حسنا حسنا .... لكن أنا مذهول , أمين ولد راشد ..... معجب و بفتاتين مرة واحدة ؟!! ... كنت في جرةٍ ثم فلت عيارك ؟!! ..... )
عقد أمين حاجبيه وهو يقول
( لقد دمجت مثلين !! ......... )
هز فريد رأسه وهو يقول بحدة هامسا
( دعك من الأمثلة و أتركها للمساكين أمثالنا .... و أخبرني , كيف حدث أن تكون معجبا بفتاتيتن ؟!! ... أين وجدتهما ؟!! ..... )
هتف به أمين همسا
( هذه ليست مدعاة للفخر ...... لقد حدث الأمر ووجدت نفسي منشغل البال فجأة بفتاتين ..... )
قال فريد بإهتمام
( و ماذا عنهما ؟!! ....... هل هما تبادلانك الإعجاب ؟!! ......... )
أمال أمين رأسه وهو يقول بتردد
( حسنا .... واحدة منهما , معجبة بي .... تصرفاتها واضحة .... أما الأخرى فهي ..... حسنا هي منشغلة بدراستها و لا تشعر بشيء مما يدور حولها .... )
هتف فريد
( دراستها !!! ...... صغيرة الى هذا الحد ؟!! ..... بينما الأخرى معجبة بك فعلا ؟!! .... يا ابن المحظوظة يا أمين يا ولد راشد ؟!! ..... أنت من اليوم ستكون قدوة لي في الحياة ..... )
قال أمين بإستياء
( اسمعني جيدا ..... أنا لست فخورا بما يحدث ..... لكن , لست أدري كيف أتصرف ....هذا ليس طبعي , ليست أخلاقي ...... )
ضيق فريد عينيه وهو ينظر الى أمين مفكرا ... ثم قال بجدية
( من المؤكد أن هناك من تشغل تفكيرك و مشاعرك أكثر ...... )
نظر اليه أمين مفكرا , ثم قال بخفوت
( تلك الفتاة ..... التي أخبرتك أنها معجبة بي , تصرفاتها شديدة الوضوح ...... و هي قويةٍ بشكل يثير الإعجاب .... بها روح من التمرد تعجبني ... الا أنها جريئة قليلا , متهورة بطريقة أنا أرفضها في زوجتي ...... )
قال فريد بهدوء
( لكن من الواضح أنها محترمة ..... و الا لم تكن لتعجب بها ...... )
رد عليه أمين مؤكدا
( إنها محترمة .... لكن طباعها تختلف عن طباعنا ..... تربكني و تصدمني مرة بعد أخرى ... )
ساد صمت ثقيل بينهما , ثم قال فريد بهدوء خافت
( اسمعني جيدا ..... إن وجدت المرأة التي تعجبك بحق , بل ولامست قلبك .... فإخطفها و لا تتردد ... أو ستندم بقية عمرك ...... الفيصل لأخلاقها يا أمين ,. أما ما هو خلاف ذلك .... فبإمكانك أن تتناقش معها ... تصل معها الى حياة وسط ترضي طباع كلا منكما .... )
ضيق أمين عينيه و قال متوترا
( و أنا معها .... أشعر بأن أعصابي متوترة .... متحفزة .... و عيني في منتصف رأسي ..... )
نظر اليه فريد , ثم سأله مبتسما
( و ماذا عن الأخرى ؟!! ....... تلك الصغيرة ..... )
ابتسم أمين هو الآخر ... بينما أخفض رأسه ضاغطا أعلى أنفه بين عينيه .... ثم قال بهدوء دون أن ينظر الى فريد
( الأخرى ..... هي ترشيح أمي لي , و الغريب أنني من يومها ... لا أنفك أفكر في لطفها و طفوليتها ..... تجذبني بطريقة مختلفة تماما ..... طريقة تثير في نوازع الحماية الرجولية بداخلي و تشعرني بالرضا ....
لكن الاولى ... تشكل تحديا لكل خطٍ رسمته مسبقا ...... )
ارتفع حاجب فريد بخبث وهو يقول
( ترشيح من الوالدة !! ......... ترى من تكون ؟! ....... )
رد عليه أمين بصرامة
( لن أخبرك بالطبع ..... لا تحاول ......... )
قال فريد ببراءة
( حسنا احتفظ بالإسم لنفسك يا فهيم ......... )
تنهد أمين وهو يتراجع في مقعده , ينظر الى السماء التي بدأت تظلم .... ثم قال بخفوت
( يجب أن أنهي هذه القصة ..... لن يستقيم الوضع هكذا ....... )
رد عليه فريد قائلا بهدوء
( ستجد الحل أسرع مما تظن ..... توقف عن التفكير لفترة ... و اترك المهمة لإحساسك وهو سيدلك ... )
نظر أمين اليه بعد لحظات , ثم سأله بخفوت
( هل فكرت فيما عرضته عليك سابقا ...... نورا ..... )
عقد فريد حاجبيه , و نظر الى البعيد هو الآخر .... بينما بدت ملامحه ساكنة تماما و شديدة الهدوء .... ثم قال أخيرا ببطىء
( أمين ...... أنا ....... أنا كذلك معجب بفتاة منذ فترة , و تحرجت من ...... )
قاطعه أمين قائلا دون تردد
( لا تكمل يا فريد ....... انسى الموضوع تماما و تأكد بأنني نسيته قبلك .... )
ابتسم فريد بحرج , بينما قال أمين بعد فترة بإبتسامة ممثالة
( اذن ....... أنت أيضا معجب بإحداهن , ماذا تنتظر اذن ؟؟ ....... )
ظل فريد صامتا للحظات ثم قال بصوتٍ متنهد
( أنتظر التأكد من أنها تبادلني نفس الإعجاب ..... ألم أقل لك أنك ابن محظوظة !! ..... )
ضحك أمين بصوتٍ أجش ثم قال وهو ينظر الى السماء القاتمة أمامهما
( ها قد تبقينا أنا و أنت ...... هل تتذكر منافسة شباب الرافعية في الحصول على ابنة عمك سالم .. ارضاءا لجدك ؟!! .... )
ضحك فريد بقوة وهو يقول
( أنا كنت خارج المنافسة منذ البداية ....... لكن معك حق , زاهر تزوج و ينتظر طفلا ... حتى عرابي خطب و سيتزوج قريبا ..... بينما ذهبت تيماء الى قاصي الحكيم ..... و لم يتبقى سوانا .... الخوف أن تمر السنوات و نظل فعلى جلستنا تلك .... نأكل بقسماطا و نشرب شاي .... )
ضحك أمين مجددا , بينما تابع فريد ضاحكا
( بالمناسبة .... زوج تيماء هذا شخص غامض و مريب .... و غير طبيعي اطلاقا ... )
قال أمين بخفوت
( لطالما كان قاصي الحكيم غير طبيعي , نظرا لظروفه ..... لكنه كان قليل التعامل معنا , فلم نحتك به كثيرا .... )
قال فريد مندهشا
( أنت لن تصدق انطباعه أثناء زيارتي لهما .... كان يبدو و كأنه على وشكِ دس رأسي في المرحاض .... لقد انتابني الشك في رائحتي من شدة الإزدراء الظاهر على ملامحه كلما اقترب مني .... )
رد عليه أمين قائلا
( من المؤكد أنك كنت ذاهبا للأكل فقط لا غير ..... )
رد فريد ببديهية
( شيء منطقي ......... )
قال أمين فجأة متذكرا
( بالمناسبة ........ أريد منك رقم تيماء ابنة عمك , لقد أوصتني بدور بالبحث لها عنه ...... )
ارتفع حاجبي فريد وهو يقول بنبرة ذات مغزى
( بدور !!!!! ........ يالك من مفضوح !! ..... )

تلك الليلة و قبل أن يخلد للنوم , كان هو من بادرها برسالة بعد تفكير طويل ..
فكتب لها
" أردت الإطمئنان أن يومك كان أفضل من الأمس ....... "
ثم انتظر وهو مستلقيا في فراشه ينظر الى السقف .... و سرعان ما وصله الرد , فقرأه بسرعة
" أسوأ .......... "
عقد أمين حاجبيه وهو ينظر الى الكلمة المختصرة طويلا .... ثم أرسال لها رسالة مكتوب بها
" هل يمكنني الإتصال بكِ ....... "
ظل ينتظر طويلا ..... الى أن وصلته رسالة مكتوب بها
" نعم أرجوك ........ "
.................................................. .................................................. .................
أمسكت تيماء بهاتفها ترد عليه بصوتٍ متحشرج , فوصلها صوت انثوي متردد ... خائف
( تيماء ؟؟ ........... )
عقدت تيماء حاجبيها قليلا , لكنها ردت بصوتٍ متعب
( نعم أنا تيماء ...... من معي ؟؟ ....... )
أجابتها الفتاة تقول بصوتٍ أكثر خفوتا
( أنا ..... بدور ......... )
ردت عليها تيماء بلهفة
( بدور ...... هل مرت أمورك بخير ؟؟ ........ كنت أريد الإطمئنان عليكِ الا أنني لم أمتلك رقم هاتفك , و بصراحة قررت ترك سوار و زوجها اليوم دون التدخل بينهما .... )
ساد صمت طويل , ثم قالت بدور بصوتٍ مختنق
( أنتِ من أردتِ الإطمئنان علي ؟!! ........ بعد ما فعلته بكما ؟!! ..... )
تنهدت تيماء , ثم قالت بتفهم
( أنا مقدرة للرعب الذي تعيشين به يا بدور .... و متخيلة الى أي حدٍ يمكن للتقاليد أن تكون قاسية ... )
تحشرج صوت بدور و هي تسألها بصوتٍ متعثر
( الرعب الأكبر , هو ما عشته خلال الساعات الماضية .... و أنا أتخيل أسوا ما قد يحدث لكِ أنتِ و سوار ... أو زوجيكما .... بينما أنا من تسببت لكم في ذلك .... كنت أموت في الساعة ألف مرة ... )
قالت تيماء تهدئها
( اطمئني ..... نحن بخير , ...... لقد أصابوه و بشدة ..... لكن في المجمل لا خسائر في الأرواح و هذا شيء علينا أن نكون ممتنين بسببه .... )
ساد صمت طويل .... سمعت به تيماء صوت نشيج خافت ... فسألت بخفوت
( بدور ..... هل تبكين ؟؟ ......... )
ردت عليها بدور صوتٍ هامس
( أنا آسفة ....... أرجوكِ اقبلي اعتذاري , رغم شعوري بتفاهة كلماتي أمام ما فعلته ...... و رجاء آخر .... بلغي سوار اعتذاري , و أخبريها أنني لم أمتلك الجرأة على الإتصال بها مجددا ..... و عهد علي الا تراني أو تسمع صوتي أبدا ...... أنا كنت في حالةٍ من الرعب أعمت عقلي و قتلت تفكيري وقتها ..... )
تنهدت تيماء و هي تقول بحزن
( هوني عليكِ يا بدور ....... لا شيء لا حل له , ......... )
ردت بدور بصوتٍ واهن مرهق
( أنا قررت الإستسلام لقدري يا تيماء .... لن أحاول و لن أقاوم التيار ..... سأدفع ثمن ما فعلته بنفسي و عائلتي و أخضع للمكتوب .... مهما كان ...... أرجوكِ بلغي سوار اعتذاري .... )
أغلقت تيماء الخط و هي ترجع رأسها للخلف .... جالسة على أرض الحمام .... مستندة الى الباب لتترك لدموعها العنان ..... فقد كانت توقفت للحظات قليلة , هي فترة المكالمة فقط .....
.................................................. .................................................. ...................
( كنتما ماذا ؟!!!!! ...... هل تحاولين إخباري بأنكما كنتما رهينتين محتجزتين لراجح ابن عمران ؟!!!! )
صرخت مسك بهذه العبارة .... و هي تنظر الى سوار المستلقية في فراشها ....
نصف جالسة ... و قد بدت شاحبة مرهقة ....
فردت عليها سوار متنهدة
( هذا ما حدث ............. )
رمشت مسك بعينها و هي تدور في الغرفة ملوحة بكفيها هاتفة بحدة
( كيف يحدث هذا ؟! ...... هل يظن أنه يعيش في غابة أم أنه فقد عقله تماما ؟! ..... نعم كنت أعلم أنه يعاني من جنون العظمة , لكنني لم أتخيل أن تتطور حالته الى تلك الدرجة !! ..... )
زمت سوار شفتيها ثم قالت بصوتٍ مكتوم
( أرجوكِ يا مسك .... لا أريد تدنيس بيتي بالكلام عنه ...... )
اقتربت منها مسك الى أن جلست على حافة السرير .... ثم سألتها بقلق
( لماذا تبدين متعبة الى هذه الدرجة ؟!! .......... هل هذا بسبب رد فعل زوجك ؟!! ...... هل كان عنيفا معكِ ؟! ...... )
أطرقت سوار برأسها و هي تنظر الى أصابعها تتلاعب بها فوق حجرها ..دون أن ترد , فسالتها مسك بحدة
( هل ضربك ؟!! .............. )
ظلت سوار صامتة للحظات , ثم هزت رأسها نفيا .... قبل أن تقول بخفوت
( ليث ينوي الزواج من زميلته في العمل ...... بعد فعلتي الأخيرة , هجرني تماما و من المؤكد أنه يقوم بالتحضير لهذا الزواج ....... )
وقفت مسك ببطىء و هي تنظر اليها بذهول و كأنما هي تنظر الى سيرك بمهرجيه .... ثم قالت محاولة الإستيعاب
( يتزوج عليكِ !!! ....... يتزوج على سوار الرافعي , بينما هي جالسة في السرير تدعي المرض عوضا عن القيام و جمع حاجياتها لمغادرة هذا البيت للأبد !! ...... )
رفعت سوار وجهها تنظر الى ملامح مسك المترفعة المستنكرة .... ثم قالت بصوتٍ كئيب
( أنا كنت السبب في كل ما حدث يا مسك ........ )
رفعت مسك حاجبيها و هي تضحك بسخرية قائلة بنفس الذهول
( أنتِ السبب !! ...... أيا كانت التفاصيل , لا احتاج سوى لمعرفة .... أنكِ لا ينقصكِ شيء كي يتزوج عليكِ !! ..... إن كنت أنا بنفسي رفضت أن تكون لي شريكة , على الرغم من أن هذا حق أمجد ..... )
قالت سوار تقاطعها بخفوت باهت
( رفضت أن أمنحه طفلا ....... كنت مضطربة وقتها , و أعاني من الكثير فرفضت طفله ثم خطبت له امرأة أخرى بنفسي ....... ماذا تفعلين لو كنتِ مكاني ؟! ..... )
ساد صمت طويل بينهما و كلا منهما تنظر الى الأخرى .....
ثم قالت مسك بصوتٍ اكثر خفوتا ... ساخرا متألما ....
( لو كنت مكانك ..... لحصلت على الطفل , ثم رحلت به ....... أما أنتِ فقد خسرت الطفل , و جلبتِ شريكة لكِ بإرادتكِ !! ....... أي ذكاء هذا يا ابنة غانم !! .... )
أغمضت سوار عينيها و هي تهمس
( و ها أنا قد آلمتك دون قصد ......... لا حدود لما أتسبب فيه من كوارث )
كان من الواضح أنها تحتضر روحيا ..... لذا راقبتها مسك لفترة , قبل أن تضع كفها فوق يد سوار و سألتها بهدوء
( و ما الذي تنوين عليه الآن ؟! ......... لا تخبريني أنكِ ستقبلين بالأمر الواقع !! .... )
فتحت سوار عينيها و نظرت الى مسك بنظرةٍ لم تعتدها بل لم تتعرف عليها .... ثم همست بألم
( أنا أحبه يا مسك ...... لا يمكنني تركه ..... بل أنا أعشقه .... )
فغرت مسك شفتيها قليلا و هي تستمع الى هذا الإعتراف من سوار .... بينما تابعت سوار قائلة بصدق
( تسأليني عن رد فعله ؟! ..... لقد قام بلي ذراعي خلف ظهري .... و جذب شعري بشدة ..... اهانني .... أهانني بشكلٍ مبالغ فيه ..... أهان سوار ابنة وهدة الهلالي و غانم الرافعي ..... )
برقت عينا مسك برفضٍ تلقائي فطري ... و أظلم وجهها , الا أن سوار تابعت تقول أكثر ألما
( أوجعتني الإهانة جدا يا مسك ..... لكن الغريب , أن هذا الوجع , نبهني كم يمكن للإهانة أن تكون مؤلمة .... و أنا تسببت في إهانته كثيرا ...... مراتٍ دون ذنب مني .... و مراتٍ بسبب عنادي و تحكمي .....
لقد تحمل الإهانة من الجميع بسببي ... ووقف ثابتا , مدافعا قويا ...... )
اختنق صوتها في النهاية فصمتت .... و غامت عيناها بشدة و هي تنظر الى البعيد , بينما مسك تراقبها بدقة ...
و حين طال الصمت بينهما , قالت مسك أخيرا بهدوء
( لا بأس اذن ....... هو من حقك ..... أهنتيه فأهانك .... لكنه من حقك أنتِ ..... لذا حاربي لأجل حقك و لا تكوني متساهلة فيه بتلك الدرجة ..... )
نظرت اليها سوار بدهشة ..... فوضعت مسك ساقا فوق أخرى و هي تقول ببرود
( هل تعرفين أن غدير .... آه نعم ..... هي نفسها صديقتي القديمة التي سبق و سرقت أشرف ..... هددتني هاتفيا وبشكل صريح , أنه إن تركها أشرف فسوف تلاحق أمجد .... و لن تجد صعوبة في سرقته هو الآخر !! .... )
هتفت سوار بذهول و صدمة
( ماذا ؟!!!!! ....... هل وصلت بها القذارة و الدناءة الى تلك الدرجة ؟!! ....... )
أومأت مسك برأسها ببساطة , فسألتها سوار و الصدمة لا تزال مرتسمة على ملامحها ...
( و أنتِ ...... ماذا كان ردك ؟!! ......... )
رفعت مسك ذقنها و قالت ببساطة
( لم أرد عليها في الهاتف ..... بل ذهبت اليها بمكان عملهما .... و صفعتها أمام أمجد .... )
فغرت سوار شفتيها و هي تقول بذهول
( لا ...... لم تفعلي ........ )
أومأت مسك برأسها و قالت بهدوء
( بلى فعلت ........., تريد أخذ ما هو حقي ..... ماذا تنتظرين مني ؟!! .... )
كانت سوار تنظر اليها مشدوهة .... ثم قالت بتعجب
( لكن هذا لم يكن تصرفك حين سبق و فعلتها مع أشرف ..... لقد تركتيه لها بكل ترفع , على الرغم من حبك له ....... فما الذي غيركِ الى هذه الدرجة ؟!! ..... )
ساد الصمت بينهما مجددا و شردت مسك و هي تنظر بعيدا .... لكنها قالت بثبات
( أشرف كان مجرد خطيبي ...... أما أمجد فهو زوجي .... لقد وقعنا سويا على عقدٍ واحد بملكيةٍ مشتركة ..... الفارق ضخم ..... )
ابتسمت سوار ببطىء .... فبادلتها مسك الإبتسام , ثم قالت بنبرة أقوى و أشد تسلطا
( اذهبي الى عمله و اصفعيها بكل قوتك ..... صدقيني ستكونين أفضل حالا ... و سيحل هذا الوهن عنكِ ......)
ضحكت سوار رغم عنها و هي تهز رأسها بذهول .... ثم لم تلبث أن أمسكت بكف مسك بكلتا يديها و هي تقول بصوتها الرخيم القوي
( كنا أعز صديقتين فيما مضى .... أتذكرين ؟؟ ..... لكن تعمقك مع تلك الوضيعة أبعد بيننا ..... )
هزت مسك رأسها موافقة بأسف , و همست بصوتٍ لا يكاد يسمع
( وثقت فيمن لا يستحق ......... و تعلمت من خطئي .... )
أخذت نفسا عميقا , ثم قالت بصوتٍ هادىء
( اذن ..... لهذا السبب كان صوت تيماء مختنقا حين هاتفتها , .... لقد طلبت مني زيارتك و الإطمئنان عليكِ وجها لوجه ..... لأنها غير قادرة على الخروج من البيت بنفسها .... كانت مخطوفة ... هذا يفسر الأمر ... )
ضحكت سوار و هي تهز رأسها قائلة بيأس
( أنتِ مستحيلة ..... برودك يجب أن يدرس في الكتب ..... )
.................................................. .................................................. ....................
في مكتب ناريمان و دليلة ....
كانت دليلة تضحك بعفوية و هي تقول مخاطبة ناريمان توليها ظهرها
( لو ترين وجهه وهو يكلم والدي ..... مهذلة ....ظل يتصبب عرقا , حتى ناوله أبي علبة المحارم الورقية و طلب منه أن يهدأ .... )
ضحكت ناريمان هي الأخرى و هي تقول
( ياللهي ..... من يسمع هذا عنه يظن أنها المرة الأولى التي يتقدم فيها لخطبة فتاة ..... )
قالت دليلة و هي تبحث عن المخططات المطلوبة
( و على الرغم من ذلك يبدو والدي على وشك تقييده كي لا يهرب .... و كأنه الأول و الأخير ... )
ضحكت ساخرة .... بينما ساد صمت غريب خلفها , ثم قالت ناريمان بحذر
( أممم دليلة ..... أعتقد أن لديكِ زائرة ..... )
استدارت دليلة , تنظر الى الباب .... فوجدت سوار تقف بكامل هيبتها كالمرة السابقة .... الا أنها بدت أكثر شحوبا ... و قد فقدت الكثير من الوزن على ما يبدو ....
رفعت دليلة حاجبيها و قالت ببرود
( ليس مجددا ........ )
اسبلت سوار جفنيها قليلا , ثم قالت بخفوت
( هل يمكننا الكلام على انفراد من فضلك ...... )
أوشكت ناريمان على الخروج , الا أن صوت دليلة قصف بعنف
( ابقي مكانك يا ناريمان ...... )
ثم نظرت الى سوار و كتفت ذراعيها قائلة بقسوة
( إن كان لديكِ ما تقوليه .... فتفضلي على الملأ .... لأننا على عكس , مشغولتين و لدينا عمل نقوم به ... و المكان ليس لتبادل الأحاديث الشخصية ...)
نظرت سوار الى ناريمان التى أخفضت عينيها بحرج و بدت أكثر ارتباكا ......
ثم أعادت وجهها الى دليلة و هي تأخذ نفسا عميقا , بينما انقبضت كفها بشدة .... خاصة و دليلة تتحداها بنظرة كلها سخرية و استهزاء و تحدي ....
ففتحت سوار فمها ..... ثم قالت فجأة
( أنا أعتذر ......... )
عقدت دليلة حاجبيها بعدم فهم للحظة .... فسألت بإقتضاب
( ماذا ؟!! .........)
أخذت سوار نفسا عميقا ...... ثم أعادت بنبرة أقوى
( أتيت كي أعتذر لكِ ..... تصرفاتي معكِ لا تغتفر ..... فاقبلي اعتذاري أرجوكِ ..... )
فكت دليلة ذراعيها و بدت متوترة و هي تنظر الى ناريمان المذهولة .... بينما تابعت سوار بألم و ترجي
( ارفضي الزواج من ليث أرجوكِ ...... حتى و إن كان الثمن هو أن أعتذر لكِ أمام الجميع ..... )
رمشت دليلة بعينيها و فتحت فمها تنوي الكلام , الا أن سوار سبقتها و قالت بقوة
( أعرف ما ستقولينه ..... أن الأمر بيني و بين ليث ... الا أنني وصلت معه الى نهاية المطاف .... و بات الطلب من الغريب أسهل من اقناعه ..... )
ارتجف صوتها فعضت على شفتها تمنع نفسها من البكاء .... ثم قالت بهدوء مرتجف قليلا
( أنتِ لا تعلمين ما مررت به يا دليلة ..... و الأهم انكِ لا تدركين مقدار الحب بيني و بين ليث .....أنا أحبه م كل قلبي , إن تزوج غيري ....... لن أقول أنني سأموت , لكن سيموت بي شيء ... و هذا أفظع ألما .... )
أطرقت دليلة برأسها و هي ترى الذل الذي تتكبده سوار أمامها ..... لكن سوار تابعت تقول بصوتٍ أكثر آختناقا
( لا أريد منكِ ردا ..... لقد جئت لأفعل ما يتعين علي لإنقاذ زواجي و حبي .... لكنني غير قادرة على انتظار الحكم بنجاتهما أو اعدامهما ...... لذا سأغادر حاليا , قبل أن يراني ليث و يعرف بقدومي .... )
عضت دليلة على شفتها ... ثم قالت بحذر
( آآآ ..... أظن أنه قد فات الأوان على هذا ....... )
رفعت سوار وجهها الشاحب تنظر اليها لتعرف ما تقصده , فوجدت أنها تنظر الى نقطةٍ ما خلفها ....
استدارت حينها ببطىء .... لتجد ليث واقفا في باب المكتب ينظر اليها بذهول .....
أغمضت سوار عينيها بشدة , ثم لم تلبث أن انطلقت تجري شاهقة , تتجاوزه قبل أن يستفيق من ذهوله ....
كانت تتعثر على السلالم نزولا و الدموع تغشي عينيها .... لكنها لم تهتم بطرف عبائتها الذي دهسته مرارا ....
كل ما كان يهمها في تلك اللحظة هو الهرب سريعا منه .... و من ذلها أمامه .....
لكن أمنيتها لم تتحقق , فخلال لحظات أمسكت بها كفين قويتين ... لتديرانها بقوة ٍ الى صدره الرحب ...
لكنها صرخت فيه باكية بعنف و هي تقاومه بجنون صارخة
( ابتعد عني يا ليث .... ها قد حققت ما تريد و قمت بإذلالي ..... اتركني ..... )
ترك ليث كتفيها ليمسك بوجهها بكلتا كفيه ... يرفعه اليه بالقوة ... حتى نظرت له من بين دموعها ....
فقال بصوته الأجش المختنق
( لم أكن لأتزوج امراة سواكِ يا غبية ...... لم يكن ليحدث أبدا ...... ) 

Continue Reading

You'll Also Like

2.2M 36.3K 36
[ S E X U A L C O N T E NT ] لم أتوقع بأنّني سأنْجذب لـِزوْج عمّتـي الأربعيـني بمُجرد تصادم سُبُلِ طُرقاتـنا في تلك الليلة و هِي ليلة مُقدّسة بالخطـ...
8M 168K 110
نتحدث هنا يا سادة عن ملحمة أمبراطورية المغازي تلك العائلة العريقة" التي يدير اعمالها الحفيد الأكبر «جبران المغازي» المعروف بقساوة القلب وصلابة العقل...
168K 5.9K 66
لقد كان يبدو الأمر في البداية و كأن غايتها الوحيدة من الزواج به هي الهروب من حياة التشرد..كانت تظن بأن حُب الطفولة النبيل بينهما قد تحٓول إلى سراب..و...
7.2K 582 8
تذهبَ عازفةَ البيانو السابقةِ والتّائقة لِلانتحار كريثيس روزينفيلد إلى جنازة أحدِ أصدقائها لتقابل هناكَ منْ كانتْ تخشاهم وهم أصدقائها القدامى الذينَ...