الفصل الرابع عشر

99.5K 2.2K 193
                                    


" هذا هو عمرو ...... ابن السيد قاصي ......"
كيف يمكن لعبارة بسيطة أن تكون صفعة على الروح أشد ألما من صفعة طائشة على الوجه !!!
كانت تشعر بنفسها و كأنها قد انفصلت عن العالم في لحظةٍ واحدة و عيناها الواسعتين تقابلين عيناه الجامحتين .... بنظرتهما المخيفة التي لا تهتز و لا تحيد عن عينيها !! ....
فغرت تيماء شفتيها المرتعشتين قليلا ... تتحركان لتشكلان حروف اسمه ...
حاولت النطق ... الا أنها لم تستطع , و كأن الكلمة قد احتجزت في حلقها المتورم فصعد الاسم الى شفتيها كفحيح غير ناطق ...
" قاصي !!! ..... "
تحركت عيناه الصلبتان على حركة شفتيها المرتعشة ... و هناك قرأ اسمه عليهما دون أن يسمعه ....
قبل أن تعود نظرته الى عينيها مجددا و قد بدا ..... غاضبا !! ...
على الرغم من جمود ملامح وجهه و التي لم تتحرك أبدا , الا أن نظرة عينيه كانت مشتعلة بتعبيرٍ قاتم !!
لا تعلم كم استمر الصمت من حولهما !! ....
الى أن تحرك تجاهها .....
كان يمشي ببطىء و كأنه نمرٍ بطيء متكاسل .... يستعد للهجوم على فريسته ,
و هي تراقبه بدئا من قدميه الحافيتين ... صعودا الى جذعه القوي و صدره الخالي من قلادته !!
تلقائيا رفعت يدها الى صدرها تتاكد من وجودها هناك ....
منذ ساعاتٍ قليلة جدا .... و حين كان يهمس باسمها في أذنها بهمسٍ أجش ,, شعرت به ينزع السلسال من عنقه و ألبسه لها وهو يأمرها ناظرا الى عينيها بجدية
" لا تخلعي هذا مجددا ...... أبدا .... "
حينها أجابته همسا و عيناها تبرقان بعشقه
" أبدا ....... أبدا ....... "
الآن كانت متمسكة بها بكل قوتها و كأنها طوق للنجاة ... من موجة عاتية مجهولة تستشعرها قادمة ...
توقعت أن يقف أمامها و يمسك بكتفيها ضاحكا .. مفسرا الأمر لتضحك معه ...
الا أنه تجاوزها بعد أن وقف بجوارها للحظة ... و كأنه يود قول شيئ ما ....
لكنه تراجع و اتجه للباب المفتوح و تركها واقفة مكانها لا تجد القدرة حتى على الإستدارة اليه ....
لكنها سمعته بوضوح وهو يقول بصوتٍ جامد أجش لا ينم عن شيء
( مرحبا إقبال ..... )
سمعت تيماء صوت المرأة من خلفها و هي تقول بارتباك
( صباح الخير سيد قاصي ..... أنا .... أنا ..... لم أكن أعلم أنك ..... اليوم .... )
بدا صوتها متلعثما مذهولا ... فقال قاصي بحزمٍ يقاطعها
( لا عليكِ يا إقبال .... زواجنا كان مقدرا منذ فترة طويلة حتى بات تحديد موعدا له أمرا غير منطقيا .... )
ظلت تيماء على وقفتها خلفه .... توليه ظهرها و هي تستند بكفها الى الحائط ... تستمع الى كلماته الصلبة الطبيعية و كأنه يتكلم عم أمرٍ عادي كالطقس ....
" زواجنا كان مقدرا منذ فترة طويلة حتى بات تحديد موعدا له أمرا غير منطقيا !!!! .... "
هل هو جاد أم أن ما يحدث حولها ما هو الا مجرد كابوس من احدى كوابيسها التي لم تصحو منها بعد ...
و لأول مرة تدعو الله بذهول أن يكون واقعها كابوسا !!....
سمعت قاصي من خلفها يقول بصوتٍ قوي أجش
( كيف حالك يا بطل ؟؟ ......... )
عند هذا السؤال الذي بدا عفويا ... أبويا جدا !!! ..... تملكتها قوة مفاجئة فاستدارت بقوة و هي تحدق به يعبث في شعر الطفل ببساطة !! .....
تكلمت إقبال و هي لا تزال ترمق تيماء بذهول
( إن رغبت سيد قاصي فيمكنني أن ..... أعيد عمرو للسيدة ...... و ..... لكن هل أخبرها بأن .... بأنك ...!!!! )
السيدة !!!! ....
الكلمة ضربت قلب تيماء كطعنة خنجر .... فازداد وجهها شحوبا و هي ترمق ثلاثتهما بعينين واسعتين غير مدركتين لما يحدث فعلا !! ....
رفع قاصي وجهه الى اقبال و قال بهدوء
( لا داعي يا إقبال ........ أفضل أن تسير الحياة بطبيعية و لا نغير نظام عمرو .... )
هزت اقبال رأسها بمزيدٍ من الإرتباك و التوتر و بدت مترددة و هي تنظر حولها و كأنها لا تدري كيف تتصرف , ثم قالت أخيرا بخفوت
( اذن ربما عليٌ الإنصراف الان ......... )
قال قاصي بصوتٍ عادي
( يمكنك الدخول و الراحة قليلا .... ربما تناول بعض القهوة .... )
قالت اقبال مسرعة بتلعثم
( لا .... لا ...... شكرا لك ..... لقد تناولت قهوتي منذ وقتٍ باكر .... )
اوشكت تيماء على الصراخ بجنون , ثم الضحك بهيستيريا و هي تستمع الى ذلك الحديث المهذب الذي يجري أمامها ببساطة
ترى أهم مجانين أم هي من أصابها الجنون ؟!!! ......
الشيء الوحيد الذي منعها من الصراخ هو نبضات قلبها التي كانت تتسارع و تتباطىء ما بين لحظةٍ و أخرى ....
وجهها البارد كالجليد بينما قطرات العرق تظلل جبهتها .....
حلقها بدا و كأنه قد تورم و احتقن ..... عيناها زائغتين و هي تنقلهما بعدم ثبات بين قاصي و .... الطفل !! ...
قالت إقبال أخيرا
( الى اللقاء يا سيد قاصي ......... )
نظرت الى تيماء مجددا و كأنها تتأمل كل تفاصيلها و ملامح وجهها باهتمام .... ثم أومأت قائلة بخفوت
( فرصة سعيدة سيدتي ....و ...... مبارك .... الزواج ..... )
لم ترد تيماء بل يبدو انها لم تسمعها أصلا .... كانت كالمغيبة عن الواقع و هي تقف مكانها مستندة الى الحائط ...
تحاول استجماع المتبقي من عقلها المتدهور ......
انصرفت اقبال و اغلق قاصي الباب خلفها بهدوء .... بينما دخل الطفل الصغير الذي يرتدي على ظهره حقيبة أشبه بالحقيبة المدرسية ....
كان مطرق الوجه .... لا يتكلم .... ذو وجنتين جميلتين مكتنزتين و طفوليتين على الرغم من ملامحه الجذابة التي تنبيء بوسامة مستقبلية لن يمكن اغفالها .....
شعره حريري أسود متناثر على جبهته باهمال .... بينما عيناه متجهمتين .....
لم تدري تيماء أنها استغرقت وقتا طويلا في تأمل ملامح الطفل الصغير بكل شبر منها ... و حين انتبهت لنفسها رفعت عينيها الى قاصي فصدمتها عيناه اللتين تحدقان بها بحدة الصقر منذ فترة طويلة على ما يبدو ...
ازداد تمسكها بالقلادة حول عنقها بينما تشعر بقلبها تزداد سرعة نبضاته و هي تحاول الثبات امامه بمعجزة ....
انتظرت أن يتكلم ....
حتى الآن تمنت لو يبادر و يتكلم هو و يهدىء من جنون روعها .... و يخبرها بتفسيرٍ منطقيٍ لما يحدث هنا ...
الا أنه ظل صامتا يرمقها بثبات و شموخِ جبلٍ راسخ ..... و كأنه ينتظر منها إما أن تتكلم و إما أن تنهار .....
كل لحظة تمر بينهما وهما يقفان في مواجهة بعضهما البعض كانت تزيد من رعبها ... و تجعل الحقيقة أقرب من عينيها المشوشتين ....
كانت هناك رغبة جبانة بداخلها تأمرها بالهرب قبل أن يتكلم .... رغبة تأمرها بأن تضع يديها على أذنيها كي لا تسمع ما تنتظر سماعه ....
بداخلها حدس يخبرها بأنه لو تكلم فستفقده للأبد .......
لكن على ما يبدو أن السنوات قد منحتها بعض القوة .... القليل منها .... القليل جدا وهو ما جعلها تبادر و تفتح شفتيها الجافتين لتقول بخفوت أجوف دون مقدمات
( هل هو ابنك فعلا ؟!! ........ )
تردد السؤال الواهي بينهما كموجاتٍ من الصدى في هوة عميقة ..... بينما كانت عيناها الصامتتين تصرخان به أن يرد على الرغم من سكون لونهما الخطير ...
وقف قاصي يراقبها و قد وضع على وجهه أشد أقنعته صلابة .... ذلك القناع الذي لا يظهر منه شعورا واحدت و كأنها تكلم تمثالا رخاميا ....
راقبت يده المرتاحة على كتفي الطفل المطرق برأسه ..... أما عيناه فلا تتركان عينيها أبدا ....
الى أن قال أخيرا بنفس الصوت الهادىء البارد .....
( هذا ليس سؤال يا تيماء ....... بل جواب )
أغمضت عينيها و هزت رأسها قليلا .... ها هو سيعود للإلتفاف حول الكلمات و يحاورها و هي غير قادرة على الصبر ...
فتحت عينيها و نظرت الى عينيه مباشرة ثم نطقت بالسؤال الأسوأ
( هل ....... تزوجت ؟!! .......)
التوت شفتيه في ابتسامة تجرأ بنذالة على أن يجعلها عابثة دون مرحٍ في عينيه القاسيتين وهو يقول بنعومة
( تزوجت بالأمس ..... و سؤالك يجرح رجولتي .... )
عضت تيماء على شفتيها لتمنع الشتيمة البذيئة التي أوشكت على رميه بها .... ثم التقطت أنفاسها قبل أن تقول بقساوة مفاجئة و صوت أعلى قليلا ... مخيفا ... مهددا ....
( هل تزوجت أثناء فراقنا يا قاصي ؟؟؟؟ ............ )
أخفض قاصي عينيه ينظر الى الطفل المطرق برأسه ... فعبث بشعره ببطىء وقد بدا و كأنه شاردا قليلا , ثم لم يلبث أن رفع وجهه اليها و قال ببساطة رغم قسوة ملامحه
( هو ابني .... فماذا تفضلين ؟!! .... ان يكون نتاج زواجٍ أم بدون ؟؟ ....... )
ترنحت تيماء مكانها و هي تسمع صوته الهادىء .... الذي بدا كقصف المدافع في أذنيها
ابنه !!! .... ابنه !!!! ...... الطفل ابنه ....
لكن الصدمة الثانية امتصت الصدمة الأولى و تغلبت عليها .....
سؤاله الهادىء ...
" ان يكون نتاج زواجٍ أم بدون ؟؟...... "
هل تفضل أن يكون لقاصي علاقةٍ غير شرعية ؟!! .... و طفل غير شرعي نتج من خطىء غير محسوب العواقب ......
أم تفضل أن يكون قد تزوج !!! .....
العبارة ادمت قلبها .... و جعلتها تنتفض مكانها و كأن حية قد بثت سمها في دمها .....
اتسعت عيناها بذهول و هي تقف أمام مرآة مفاجئة جعلتها للحظة تتمنى لو كان الطفل غير شرعي ....
خفقات مسرعة .... أكثر و أكثر ....
و طنين في أذنيها يهدر كموجٍ في عاصفة مخيفة .....
الا أن العقل المعذب تدخل في اللحظة الاخيرة .... و اخبرها أن العلاقة الغير شرعية ليست اخلاصا ...
لقد خانها في الحالتين .... سواء كان على علاقة محرمة بامرأة غيرها , أو كان قد تزوج منها ....
لقد خانها قاصي في الحالتين ....
خان حبهما ..... خان انتظاره لها ..... خان حججه الواهية التي تشدق بها عن مدى صبره و انتظاره الى أن تكون له و هي له ...
رفعت تيماء يديها الى فمها المرتعش واتسعت عيناها بذعر و هي تتذكر كل لحظة استسلمت بها له منذ ساعاتٍ قليلة .....
لقد سلمت و استسمت ......
و كانت له زوجة كما كان يجب أن تكون منذ خمس سنوات ......
ارتجفت شفتي تيماء و هي تهمس بصدمة
" ياللهي ......... "
ابتسم قاصي بسخرية بها لمحة من الازدراء وهو يقرأ أفكارها بسهولة قراءة قصة طفل صغير .....
ثم قال بصوتٍ بارد كالجليد
( هل أنتِ نادمة على السماح لي بأخذ حقوقي الشرعية يا زوجتي العزيزة ؟!! ..... هل تعضين أصابع الندم لأنكِ لم تنتظري بضعة ساعات , لكنتِ الآن على البر الآمن..... اليس كذلك ؟!! .... )
احمرت وجنتاها الشاحبتين رغما عنها ... و ارتبكت عيناها بخجل , الا انها هتفت بقوة جعلت الطفل يقفز من مكانه مفزوعا
( قاصي ............ )
رمشت تيماء بعينيها و هي ترى الطفل الذي فزع من صرختها ... الا انها نظرت الى قاصي بعينين قد تجمدتا بلا حياة و قالت بصوتٍ ميت
( ابنك ....... هنا , هل نسيت !! .... )
رفعت ذقنها و هي تنظر الي عينيه قائلة بنفس النبرة الميتة
( هلا تكلمنا بمفردنا في الداخل ....... )
ظل قاصي على ابتسامته الساخرة الا انه هز كتفه غير مباليا , موافقا ... ثم نظر الى الطفل و قال بهدوء
( ابقى هنا يا عمرو ......تعال لتشاهد التلفاز .... )
تقدم قاصي من التلفاز و فتحه على قناة كارتونية للأطفال في مثل عمره , بينما جلس عمرو تلقائيا على الأريكة المريحة وهو يخلع حقيبته عن ظهره و يضعها بجواره ...
كانت تيماء تراقبه بعينين تنزفان دما و صرخة مكتومة في صدرها ...
هذا الطفل بدا معتادا المكان و كأنه يعرفه جيدا ... يتصرف و كأنه في بيته تماما ...
رفعت يدها الى فمها تكتم صرختها بأعجوبة و هي ترى قاصي يعود للطفل قبل أن يجلس القرفصاء أمامه وهو يقول بخفوت
( رباط حذائك مفكوك كالعادة .... كم مرة علمتك طريقة ربطه !! .... ستتعثر و تقع يوما ما .... )
أغشت الدموع اللاسعة عينيها و هي تراه مخفض الوجه يعمل على ربط حذاء ابنه بينما شعره الطويل يغطي ملامح وجهه ليخفيها عنها .....
ابتعدت تيماء و هي غير قادرة على النظر اليهما أكثر من ذلك .... فجرت الى غرفتهما !!!
غرفة قاصي و التي لم تكن غرفتها يوما ....
دخلت غرفتها ... فصدمها منظر السرير الفوضوي بأغطيته المبعثرة !!!
حينها تركت العنان لشهقتها أخيرا و كأنها تلتقط نفسا ممزقا ....
كانت شهقة عالية و هي ترفع وجهها لأعلى هامسة بصدمة
" ياللهي !!!! ...... ياللهي !!!! ...... "
شعرت بنفسها تختنق فرفعت يداها و أبعدت وشاحهها عن رأسها و فكت شعرها بجنون حتى تناثر بهمجية متناثرا حول وجهها و على ظهرها ......
دارت حول نفسها ووجهها مرتفع و عينيها مغمضتين رافعة يديها الى جانبي جبهتها ....و كأنها مصابة بذبحة صدرية ...
بينما لا تزال على هذيانها ...
" ياللهي .............. "
لقد خانها !!! ...... اقترب من امرأة غيرها و حملت بابنه .....
كان مجرد رجلا يخضع لرغباته أثناء فراقهما الذي أوهمها بقدسيته !! ....
شعرت بحركة خلفها فاستدارت على عقبيها و فتحت عينيها لتراه واقفا في اطار باب الغرفة ينظر اليها عابس الوجه ... عاقدا حاجبيه و قدا بدا في عينيه تعبير غريب شديد العمق و كأنه قد فقد قناعه الحجري أخيرا ...
تحركت عيناه على الدموع التي حررتها فانسابت على وجنتيها .....
ثم أطالتا النظر على شفتيها المرتعشتين .... كان يراقبها تنزف حتى الموت بينما هي تشهق بضعف و دموعها ترافق شهقاتها .... دموع تنزف من عينين قاسيتين كالزجاج الجارح ....
حينها لم تتمالك تيماء نفسها فاندفعت اليه و بكل قوتها و سرعتها رفعت يدها لتصفعه بقوةو هي تصرخ عاليا ككائن متوحش همجي !!
لم يحرك قاصي اصبعا واحدا لمنعها بينما بينما ارتسمت اصابعها في علاماتٍ على وجنته القاسية وهو ينظر الى عينيها بنفس النظرة !! ...
رفعت يدها لتصفعه مجددا الا أنه كان أسرع منها فأمسك معصمها في قبضته بسهولةٍ و دون أن يتحرك من مكانه ....
وقفت تيماء مسمرة مكانها و هي ترى معصمها مثبتا و مرتفعا في قبضته الحديدية , الى أن قال أخيرا بصوتٍ خافت يجمد الدم في العروق
( المرة الأولى سمحت لكِ بها استيعابا لصدمتك .... أما الثانية فسأكسر يدك ..... )
اتسعت عينا تيماء الباكيتين أكثر و هي تسمع صوت قرقعة عظامها الهشة بين أصابعه .... بينما تذكرت في لحظة ما سمعته من قبل في دار الرافعية عن كون قاصي الحكيم قد قطع لسان أحدهم حين تجرأ و تجاوز معه !!
شعرت تيماء أنها أمام انسان غريب .... لم تعرفه يوما .....
انسان على استعداد لأن يدفنها حية إن هي تجاوزت الحدود التي وضعها لها !!.....
استمر الصمت بينهما طويلا الى أن همست أخيرا بصوتٍ ليس بصوتها
( اترك معصمي .......... )
لم يستجب قاصي الى أمرها الخافت .. بل ظل مثبتا معصمها وهو ينظر الي عينيها بقسوة قبل أن يقول بصوتٍ مهيب في سطوته
( هل تمالكتِ نفسك ؟؟ .......... )
نظرت اليه طويلا دون صوت بينما الدموع الباردة لا تتوقف عن الانسياب على وجنتيها ثم أومأت برأسها أخيرا دون أن تتكلم ...
ترك معصمها على مهل الى أن حررها تماما .... فابتعدت عنه و هي تضغط على العلامات التي تركتها أصابعه ... توليه ظهرها كي تسترد سيطرتها على نفسها ....
تشعر بنظراته كسهامٍ قاتلة تنفذ من ظهرها مخترقة قلبها .... اقتربت من النافذة لتنظر كالعمياء طويلا ....
ثم قالت أخيرا بصوتٍ ميت دون أن تستدير اليه
( هل هو ابن حلال أم ............. )
لم تستطع نطق الكلمة , الا أن قاصي قال متمما سؤالها ببساطة .... بساطة قاتلة تحمل بين طياتها نبرة مخيفة لمن يعرفه جيدا
( أم ابن حرام كوالده ...... انطقيها .... لماذا تخجلين منها ؟! ألازال لديكِ بعض المراعاة لي ؟!!! ..أم أن الكلمة تؤلمك لأنها تذكرك بمن تزوجتِ ؟!! ... )
الحقيقة أن ما آلمها أكثر هي كلمة " كوالده !! ... "
ابتلعت تيماء تلك الغصة الحادة قبل أن تقول بجمود مختنق
( هل هو كذلك ؟!! .......... )
ساد صمت قصير لم تجرؤ فيه على الإستدارة الى قاصي ..... لكنها كانت تسمع صوت أنفاسه واضحة ....
الى أن قال أخيرا بخفوت
( إنه ابن حلال ........ )
أغمضت تيماء عينيها على دمعتين ثقيلتين فانسابتا على وجنتيها بصمت و هي تخفض وجهها .... بينما قبضت أصابعها على الستارة كي لا تسقط ارضا .....
ثم قالت باختناق
( اذن فقد تزوجت !! ....... )
لم يرد على الفور .... لكنه قال بعد فترة بصوتٍ أجش
( نعم .......... )
لم تكن تريد أن تبكي , كبريائها كان يأمرها بألا تبكي .... لكنها لم تستطع الا أن تنشج باكية بخفوت و رأسها يسقط كزهرةٍ يابسة ....
مرت عدة لحظات و الغرفة لا صوت بها الا صوت نحيبها الخافت كالهمس الحزين ممتزجا بصوت دقات ساعة الحائط ......
رفعت تيماء وجهها المبلل تنظر بجمود من النافذة ما ان صمت نحيبها ... ثم استدارت اليه ببطىء
تراه و كأنها تفعل للمرة الأولى .....
مرت عيناها عليه .... و كأنهما تستعطفانه أن يقفز من كابوسها المرعب و يوقظها على قبلاته الحانية ليخبرها بأنها كانت تختنق و تموت ... لكنها الآن آمنة بين ذراعيه ....
لكن كان هذا حلما أروع من أن يكون حقيقة ....
تمنيها أن يكون ما تعيشع كابوسا .... هو حلم مستحيل الحدوث .......
عضت على شفتيها ثم رفعت ذقنها لتقول بنبرةٍ محترقة مقهورة
( لكم اتهمتني بالنفاق و الدناءة على تفكيري ... مجرد تفكيري في الزواج من غيرك !! ...... )
برق شيء ما في عيني قاصي أشبه بمشاعل الحرب .... الا أنه لم يتكلم , بل ظل مكانه ينظر اليها بصمت فقالت متابعة بنفس الصوت الغريب
( تخليت عن عائلتي مرتين لاجلك ..... و استبدلتهم بك ..... لأنك ..... )
اختنق صوتها و اختفى بألم بينما تنشج مرة أخرى قبل ان تتابع بعذاب
( لأنك تخصني أنا ........ )
رفعت قبضتها المضمومة و ضربت على قلبها مرتين تخبره باشارتهما القديمة و هي تضحك ساخرة بمرارة من بين نحيبها الذي لا يتوقف ....
ثم لم تلبث قبضتها أن سقطت منهزمة الى جانبها مجددا و هي تسأله همسا
( كيف ...... و لماذا تزوجت ؟!! ...... كيف استطعت ؟؟ ...... كلامك ... وعيدك ... تهديدك ..... أوحي لي بأنك كنت تنتظرني طويلا و أنك لن تسمح لي الا بالمثل !!! ...... )
أخذ قاصي نفسا عميقا قبل أن يقول أخيرا بصوتٍ غامض قاسي
( هل أنتِ على استعدادٍ لأن تسمعي الأسباب ؟؟ ...... و تستوعبينها ؟!! ..... )
اهتزت حدقتا عينيها و هي تفكر بسؤاله البارد ....
" هل هي على استعداد لأن تسمع أسبابه ؟!!! ..... ليس هذا فحسب بل تستوعبها أيضا و ربما تمنحه العذر !!! "
هل هي كذلك ؟!!
كانت رأسها تهتز نفيا دون أن تدري و هي شاردة معذبة العينين ....
ثم رفعت عينيها اليه أخيرا .... تنظر اليه طويلا و كأنها تتأكد من أنه هو قاصي فعلا للمرة الأخيرة قبل أن تقول بصوتٍ ثابت .... قاسي و جامد
( لا ........ لست على استعداد لسماع اسبابك ...... لم أعد قادرة على التعامل مع خداعك أكثر ... )
و دون أن تمنح قلبها فرصة أخرى اندفعت كالمجنونة الى الدولاب و هي تنوي أخذ شي .... أي شيء معها .... لكنها عادت و تذكرت أنها لم تأتي سوى بالملابس التي ترتديها ....
كانت ممسكة بالحقيبة القديمة و هي تتأملها من بن دموعها .... تنظر بقهرٍ حارق الى الأقمصة الناعمة الحريرية و التي ارتدت احداها بالأمس كأي جارية أو غانية .... ووقفت أمامه تستعرض جسدها لتحقق له حلمه و تدهس خجلها و خوفها ..... و تتناسى ما حدث لها منذ سنوات !! ....
لم تعد قادرة أكثر و هي تشعر بالوحشية تدب في أعماقها فصرخت عاليا و هي ترمي الحقيبة بكل قوتها تجاهه ... فتناثرت الأقمصة الحريرية أمام وجهه كسحبٍ ملونة جميلة ....
بينما لم يحرك هو عضلة من جسده وهو ينظر اليها بصمت ....
بينما أبعدت هي عينيها عنه و استدارت كي تلتقط وشاحها الملقى أرضا .... و ما أن استقامت حتى وجدته أمامها مباشرة , فاصطدمت بصدره .... حاولت التراجع الا أنه أمسك بذراعها بقوةٍ مؤلمه و عيناه تقدحان شررا وهو يقول بخفوت مخيف
( ماذا تظنين نفسك فاعلة ؟!! .......... )
رفعت تيماء عينيها الشرستين الى عينيه و قذفت الكلمات في وجهه
( سأغادر هذه البؤرة الموبوءة للأبد .... و أتركك مع ابنك .... لقد اكتفيت منك و من خداعك .... )
شدد قاصي على ذراعها أكثر قبل أن يهزها بقوة هادرا و عينيه تنطقان بشررٍ لا يرحم
( أتظنين نفسك في زيارة لم تكن على هواكِ لتغادري ما أن تستائين ؟!! ..... انضجي حبيبتي , أنت تكلمين زوجك الآن ..... لقد اصبحتِ امرأة متزوجة فتحملي المسؤولية .... )
صدمتها كلمة حبيبتي ....
انها المرة الأولى التي ينطق بها بهذا اللفظ .... و كان ساخرا مهينا !! .....
آلمها قلبها جدا .... آلمها جدا لدرجة أنها صرخت بجنون وهي تضرب صدره بقبضتها الحرة و بكل قوتها
( و تتجرأ على قولها !!! ..... أيها الحقير ..... أيها المخادع ...... )
أمسك قاصي بكلتا ذراعيها و هزها بعنف حتى ارتمى رأسها للخلف فنظر الي عينيها هادرا
( أتجرأ و أكثر ..... انتِ زوجتي ..... هل كلامي واضح ؟!! .... زوجتي ..... )
صرخت تيماء بقوة
( ليس بعد اليوم ........ لن أسمح لك باستغفالي مجددا بينما أنت تحيا أسير نزواتك القديمة , لكن كان علي توقع ذلك .... فأمثالك لا ينتظر منهم غير هذا ...... )
تسمر قاصي مكانه قليلا وهو ينظر اليها نظرة غريبة .... قبل أن يقول ببطىء
( أمثالي ؟!! ...... من هم أمثالي ؟!! .......... )
قبل أن تفكر للحظة صرخت بعنف في وجهه
( عديمي الأصل .......... )
ساد صمت مجنون بينهما وهي تعلم أن الكلمة قد انزلقت من بين شفتيها دون أن تدرى ...
أو ربما أرادت أن تؤلمه بكل ما تعرف أنه يؤلمه ... كما آلمها ... بل كما قتلها بدمٍ بارد .....
رأت شفتيه تلتويان قليلا ... و حلقه يتنج و كأنه يحاول السيطرة على انفعالات وجهه بصعوبة ....
اما عيناه ....
عيناه حريقان استعرا فجأة ليهلكا كل ما حولهما ....
انحنت عينا تيماء الما عليه ... و رق قلبها الغبي من أجله بمنتهى السذاجة و الغباء
وودت لو تتمكن من أخذه بين ذراعيها كي تخفف عنه و تخبره بأنها لم تقصد ايلامه الى تلك الدرجة ....
انما هي فقط تتألم و بشدة .... لدرجة الرغبة في الموت طلبا للراحة ....
حاولت الإبتعاد عنه كي لا تفضحها مشاعرها الخائنة تجاهه .... لكنه لم يكن ليسمح لها ....
بل بدا و كأنها تزيح جدارا حديديا وهو يشدد من تمسكه بها .....
فغر شفتيه ببطىء وهو ينظر اليها بنظراتٍ مخيفة ..... ثم قال أخيرا بصوتٍ غريب
( و ماذا بإمكان عديمي الأصل فعله أيضا يا تيماء ؟؟ ...... )
رفعت وجهها الشاحب المبلل لتنظر الى هيمنته على الفراغ المحيط بها ... بل عالمها كله بأسى ....
ثم وقفت ساكنة لتهمس باختناق
( كل ما تفعله أنت يا قاصي ...... كل تصرفاتك ...... حتى أنني توقفت عن العد .... لكن هذه المرة .....)
اختنقت الدموع بحلقها و هي تنظر الى عينيه ثم تابعت بصوتٍ أكثر قسوة
( هذه المرة أنت خنتني ........ خنتك كل نظرياتك التافهة عن علاقتنا التي لن تنفصم أبدا ..... )
ضاقت عينا قاصي على نظراتٍ أشد عنفا ... بينما هزت رأسها بيأس و هي تضحك ساخرة بمرارة , متابعة
( ياللهي ..... حين أتذكر كل كلمة قلتها منذ أن التقينا مجددا!! ... و أنا كالغبية صدقتها !!! ... و نظراتك اللائمة المعاتبة و كأنني ظلمتك !! ....... ياللهي كم أنا غبية و أستحق من هو مثلك بالفعل عقابا على غبائي ...... )
نظرت اليه بعينين تبرقان ببريق متوحش على الرغم من الدموع بهما ...
بدت كقطة شرسة .... بل شديدة الشراسة و هي تنظر اليه بكرهٍ لم يستطع اغفاله .....
كانت تكرهه في تلك اللحظة و ربما تتمنى موته كذلك .....
ازداد التواء شفتيه ... كما ازداد سعير الحريق بعينيه وهو ينظر اليها .... و بدا الجرح في وجهه أشد احمرارا و أكثر تشوها .....
لكن تيماء لم يكن لديها ما تخافه بعد الآن ....
فحتى لو مزقها اربا الآن فلن يكون هذا أكثر ألما من صدمتها به .....
فرفعت وجهها أكثر و همست همسا خفيضا شديد الشراسة
( ماذا شعرت و أنت تعقد قرانك عليها ؟!! ...... هل تذكرتني في هذا اليوم أم كنت مجرد ذكرى منسية بالنسبة لك ؟!! كيف استطعت الإقتراب منها ؟!! ..... كيف لامستها !! .... و كيف قبلتها ؟؟؟ ...... كم مرة نامت على صدرك الى أن قررت و طلقتها أخيرا !! ...... )
ازداد ضيق عينيه و بدا مثالا حيا للشر ..... مرعبا .... مرعبا ككائن اسطوري مفزع .....
التوت شفتاه في ابتسامة متوحشة وهو يهمس ببطىء أمام عينيها
( أؤكد لكِ أنها كانت راضية تمام الرضى ........ )
سقط فك تيماء فجأة ... و غامت عيناها .... و سكنت تماما حتى أنها توقفت عن التلوي بين ذراعيه ووقفت تنظر اليه تتأكد من أنها سمعت ما سمعته للتو !! ....
الهذه الدرجة هو من الوحشية و انعدام الإحساس و الضمير !! ......
ألم تعرف عنه شيئا أبدا ؟!!! .....
كانت تعرف عنفه من قبل و عدم قدرته على السيطرة على نفسه في كثيرٍ من الأحيان ....
الا أنه لم يؤذها أبدا !! ...... بل كانت مهمته في الحياة هي أن يسحق كل من يتجرأ و يمسها بسوء !! ....
لا تعلم كم بقت واقفة أمامه تستوعب كلماته المنتقمة ... و رغما عنها مال وجهها و هي تنظر الى السرير الفوضوي !! ...
نظرة لم تتحكم بها ...... فابتلعت ريقها بصعوبة و هي تتخيل صورا مثيرة للغثيان ...
هل كانت هذه هي الشقة التي عاش فيها مع .... زو .... أم أبنه ....
هل نام معها على هذا الفراش ؟!! .... الهذا غير أثاث الغرفة ؟!! ... هل كان جهاز العروس الجديدة ؟!! ....
ارتجفت حتى أنها ترنحت فتلقاها تلقائيا على صدره ... أغمضت تيماء عينيها و هي تريح وجنتها المثلجة على وسادة صدره الحجرية الرحبة ... و شعرت بيده تتخلل خصلات مؤخرة رأسها بقوة و حنان ...
و كم أراحها ذلك !!!
كانت تموت حرفيا ...... و تحتاج الى أي بادرة عطف منه لتخبرها أن ما يحدث هو وهم من وحي خيالها المريض .....
يده الأخرى كانت تضم ظهرها برفق ..... و شفتاه تلامسان جبهتها الحارة .....
و هي كالمهووسة لا تريد لتلك اللحظة أن تنتهي من شدة الألم الذي يمزق روحها بسكينٍ بارد ....
الا أنها رفعت وجهها المعذب لتنظر اليه برجاء و توسل .... ثم قالت باختناق
( أنت لن تنطق بما ظننته الآن ..... اليس كذلك ؟!! ..... أخبرني أن هذا لم يحدث , سأمووووت .. سأموووووووت .... ماذا فعلت لك كي تعذبني بهذا الشكل ؟!!! ....... )
بقى قاصي على صمته ينظر اليها بملامح سوداء و نظراتٍ عميقة أشد سوادا ....
هزت رأسها بعد استيعاب ثم همست باعياء و كأنها تهذي
( هل تنتقم مني لما حدث لأمك قديما ؟!!! ........ هل كانت خطة من البداية ؟!! .... منذ عشر سنوات أو خمس ؟!! ..... )
قال قاصي أخيرا بصوتٍ خافت
( أنتِ لم تكوني يوما المعنية بالإنتقام ... فكرت بكثرٍ لكن أنتِ لم تكوني واحدة منهم أبدا ..... )
هل تسعد ؟!! أم تصدم أكثر ؟!! ...... أم تنهار باكية عند قدميه ....
عبارة بسيطة منه تعيدها الى عمق أمواج عشقه العاتية ...
خاصة وهو ينطقها بهذه النبرة الصادقة و عيناه بعينيها دون أن يرف له جفن ........
ابتلعت تيماء ريقها و هي تخفض وجهها مرتجفة الى درجة الإنتفاض .....
ترى هل يفترض بها أن تحاول اقناع نفسها بأنه رجل و له رغباته و من الطبيعي الا يظل وحيدا كل تلك الفترة ؟!!
فهو في النهاية لم يخنها حرفيا لأنهما ليسا متزوجين ....
هل يفترض بها ان تقتنع بتلك النظرية الباهتة و تفكر بالمنطق فتسامحه ؟!! ....
لكنه سبق و قال لها أن علاقتهما لا تخضع لأي منطق
و أنا ما بينهما يا يقاس بالمقاييس الطبيعية الباردة !! .... فكيف تغفر له ؟!! .... كيف ؟!! ....
ابتلعت تيماء ريقها ثم همست بخفوت
( أفترض بأنك لست ..... لست أرملا , فمتى طلقتها ؟؟ ......... )
ساد صمت غريب .... حينها رفعت عينيها الى عينيه ..... و توقف الزمن !!! ........
فغرت شفتيها ببطىء و هي تقرأ احرفا سوداء على صفحة حدقتيه ..... فبدا قلبها و كأنه قد توقف عن الحياة لفترة !!
همست و كأنما تحادث نفسها
( لا ..... لا ..... أنت لست ........... )
لكنه لم يجبها .... و لم يتحرك من مكانه , فهمست بذهول
( قاصي ..... اجبني ...... أرجوك ...... )
لم تتهاون في أن تترجاه ... بل ستتوسله ان لزم الأمر كي تحصل على اجابة .....
تكلم قاصي أخيرا و قال بخفوت شديد
( لم أطلقها .......... بعد ........... )
اتسعت عينا تيماء بذهول و فجأة صرخت عاليا و هي تغمض عينيها لتضرب صدره بكلتا قبضتيها بكل عنف وهو يحاول أن يوقفها ممسكا بيديها و معصميها .... و حتى خصلات شعرها بينما بدت و كأنها قد تحولت الى لبؤة شرسة تنوي على قتله .....
كانت في حالة هيستيرية وهو يهتف بها بقوة
( تيماء اسمعيني ...... تيماء اهدئي و اسمعيني ..... )
الا أنها استمرت تصرخ و تصرخ وهو يحاول ضمها الى صدره هاتفا
( تيماء اهدئي فقط .... ستسقطين منهارة ..... امنحيني فرصة فقط كي أخبرك .... )
الا أنها رفعت وجهها المحمر بشراسة اليه و صرخت
( أيها القذر ... الحقير .... الحيوان ..... )
تسمر قاصي مكانه و أمسك بها بقوة ... ثم صرخ بها
( تيماااااااء ..... كفى .......... )
الا أنها فغرت شفتيها و بصقت في وجهه بكل قوة و هي تهتف هادرة بجنون
( ابن حرام .......... )
لأول مرة ترى الصدمة على ملامح وجهه .....
لأول مرة تنجح في انزال الصدمة به الا أنها كانت في حالةٍ من اللاوعي و هي تهتف بهذيان
( طلقني ....... طلقني حالا ........ و ابعد يديك القذرتين عني ..... )
الا أن قاصي كان قد ابتعد عن الحد الذي يستطيع فيه السيطرة على نفسه .....
ففقد كل كوابحه فجأة وهو يقربها منه بعنف ليهمس بشراسة أمام عينيها
( انسي ...... لقد أصبحتِ ملكي و انتهى الأمر ..... )
كل كلمة مجنونة ينطق بها كانت تطبع عليها مزيدا من الجنون و هي تقاومه بشراسة و تصرخ
( أيها السادي المجنون ابتعد عني ........ )
لكنها كانت تكلم كائنا أصم .... لا يسمع الا صوت غضبه الهادر ....
وجدت احدى يديه تقبض على مؤخرة شعرها فجأة لترجع رأسها للخلف .... بينما هبط بوجهه اليها و عض شفتيها بعنف و كأنها ..... قبلة !!! ....
تسمرت تيماء من فرط الذهول و هي تجابه تلك الموجة من العنف التي لم تكن متحضرة لها و بدت أضعف منه بمراحل بعيدة ...
فشعرت بالخوف يدب في اعماقها و هي تتلوى بضعف هاتفة من بين شفتيه
( ابتعد عني ...... قاصي أفق لنفسك انت ..... لست طبيعيا ..... )
و بالفعل لم يكن طبيعيا أبدا فلم يسمعها و شفتيه تتنقلان بقوةٍ مؤلمة على عنقها ووجنتيها و شفتيها ... بينما يداه تمزقان من لحم جسدها حية .....
الى أن سمعت صوت تمزق قميصها !! ....
أخفضت عينيها بذهول و رأت قبضته التي قبضت على مقدمة القميص قد هوت به فانشق قماشه و تطايرت كل أزراره ....
لم تعي أنها كانت تبكي بخوف بينما هو يتراجع بها الى أن وقعت على السرير من خلفها و هو لا يرى شيئا من حوله الا هي ....
استلقت تيماء على السرير تنظر الى السقف بذهول و قد توقفت عن الحركة تماما ...
فقاصي سيكمل ما بدأه وهو ليس في حالٍ طبيعي أبدا ... لذا أي مقاومة ستدر عليها مزيدا من الذل و الهوان ...
حاولت الكلام معه برعب فهتفت في أنه همسا أجشا
( قاصي ... ابتعد عني أرجوك ....... )
لكن شفتاه كانتا تتكلمان بلغة الجسد الذي لن يهدأ الا بنيل مبتغاه .... أمسكت بخصلات شعره بكلتا قبضتيها و هي تحاول أن تبعد وجهه عنها باكية ... الا أنه كان يقبلها و يهمس في أذنها
( تيماء ......... يا صغيرة ........ انصهري بي أو أذيبك أنا ..... تبا لقد انتظرت طويلا و لن أتركك الآن ..... )
كانت تحرك رأسها بيأس و بكاء و هي لا تعلم كيف تتصرف ...
هل تستسلم له فتفقد احترامها المتبقي لنفسها ... أم تقاومه و تصرخ به ....
المجنونة المعتوهة الغبية و المدموغة بكل صفات الدونية ... تشعر بأنها تريد تهدئة ألمه .....
حتى الآن لا تزال الحياة الزوجية الحميمية عالما مغلقا بالنسبة لها ... و الوقت الذي قضته معه منذ ساعات لم يكن ينم بالنسبة لها عن شيء ...
فهي لا تزال باردة و متباعدة جسديا على الرغم من اشواق قلبها الهادرة تجاهه ....
قلبها الخائن هو نفسه الآن الذي يشعر بالفطرة أن هذا ما قد يهدئه و يمنحه السكينة لروحه الصارخة في عالمها القاتم ....
لكن جسدها متداعي كوسادة من القش ..... دون مشاعر ....
أغمضت عينيها تبكي بصمت و هي تهمس في داخلها
" ياللهي ماذا أفعل !! ........... "
و حين قررت الاستسلام لغريزتها في تهدئته و تناسي ما حدث .....
أدارت وجهها في لمحة خاطفة تجاه الباب .... ثم لم تلبث أن شهقت عاليا و هتفت همسا برعب
( قاصي ...... ابنك ..... ابنك يقف عند الباب ........ )
استغرق منه الأمر عدة دقائق كي تدخل الكلمات المرتعبة الى أذنيه فتخترق عقله الأسود بكل عنف
رفع قاصي وجهه المشتعل عن نقها لينظر اليها بعينين تتوهجان طويلا و كأنه يرى أبعد من وجهها المحتقن المبلل بالدموع ... ثم لم يلبث أن انتفض وهو يدير وجهه الى الباب ...
حينها رأى عمرو يقف خلف اطار الباب المفتوح متشبثا به وهو ينظر اليهما بعينين متسعتين ....
زفر قاصي نفسا ساخنا وهو يدفن وجهه بعنق تيماء لعدة لحظات هامسا بصوتٍ أجش
( لا تتحركي ......... )
و مرت عدة لحظات وهو يحاول استعادة السيطرة على أنفاسه قبل أن ينهض عنها ليلقي بالغطاء عليها و يحجبها عن عيني عمرو على الفور ....
أمسكت تيماء بالغطاء تشده الي ذقنها و هي تنظر اليهما بذهول و صدمة ....
بينما اندفع قاصي الى الدولاب و سحب منه قميصا بقوةٍ كادت أن تمزقه قبل أن يخرج متجاوزا عمرو دون أن ينطق بكلمة واحدة !!! ...
بقت تيماء مكانها تنظر الى الباب بذهول و عيناها تواجهان عيني عمرو الواسعتين دون كلام ...
الى أن استدار عنها و جرى بعيدا .... لاحقا بوالده !!!! ....
مرت عدة دقائق و هي لا تزال مستلقية مكانها تعاني من اثر الصدمة قبل أن تسمع صوت باب الشقة يصفق بكل عنف !!
لقد خرجا !!! ......
خرجا و تركاها هنا بمفردها فريسة للصفعات المتوالية التي تلقتها و لم تمضي بعد سوى عدة ساعات على زواجها البائس
حين تمالكت نفسها أخيرا .... أوقت وجهها تدفنه في الوسادة لتبكي بمنتهى العنف
ظلت تبكي و تبكي ..... و هي تضرب الوسادة مرة بعد أخرى .....
لتجعلها ضحيتها المستقبلة لكل صدماتها و أوجاعها .....
و بعد وقت طويل ....استلقت على ظهرها تنظر الى السقف بصمت و قد خفتت شهقاتها و كأنها قد نفذت أخيرا .... فظلت ساكنة عدة دقائق قبل أن تنهض من مكانها ببطىء ....
أبعدت الغطاء عنها و قامت تتعثر .... قبل أن تواجه صورتها في المرآة !!!
فغرت شفتيها و هي ترى الهمجية مرتسمة عليها بمنتهى الخزي
كان قميصها ... أو كل المتبقي منه هو كمين معلقين على ذراعيها !! ....و الباقي منه ممزق و متهدل على جانبيها ... بينما جسدها مكشوفا بشناعة ....
أما شعرها فكان متناثرا يمينا و يسارا و كانه شعر عروس من الصوف المضفر ....
شفتاه تركتا بصماتهما على شفيتها المتورمتين و عنقها و فكيها ... فبدت كطفلة صغيرة تتلاعب بأدوات الزينة الخاصة بأمها ....
فقط عيناها الوحيدتين هما اللتين تتوهجان بألم ينبض في تلك الصورة الفوضوية الميتة ....
كزينة متخلفة صباحا .. مع رمادِ حفل فاسد ....
لم تستطع التفكير ... رفضت أن تتذكر كلمة واحدة مما نطق بها
كل ما كانت تحتاج اليه هو الخروج من هذا البيت الموبوء حالا .....
مدت يديها و أمسكت بجانبي القميص المهترىء و همست مختنقة
( كيف سأخرج من هنا الآن يا ربي !! ...... )
أجبرت قدميها الحافيتين على التحرك بتعب الى حيث الملابس القديمة المتناثرة من حقيبتها و هي مراهقة ....
فانحنت و هي تتأوه محاولة البحث بينهما عما يمكنها ارتداءه كي تخرج من هنا بأسرع ما تستطيع .....
جثت على ركبتيها و هي تغربل الملابس القديمة ....
لم يكن من بينها ما تستطيع ارتداءه .... كلها أقمصة قصيرة الأكمام !!!
تنهدت تيماء بيأس و هي تبكي صامتة ... رافعة يدها المرتجفة الى عينيها المتورمتين ...
و ما أن استعادت بعض من هدوءها مجددا حتى التقطت قميص قصير الكمين و بنطالا من الجينز الضيق لترتديهما مؤقتا .... فأي ثياب ستكون أفضل من تجولها في الشقة نصف عارية ...
لحسن الحظ أنها لا تزال بنفس المقاس منذ مراهقتها على الرغم من نضج جسدها ....
لذا ناسبها البنطال و القميص و إن كانا أضيق قليلا مما تتذكر ....
وقفت تيماء تنظر الى وجهها بعد أن ارتدت ملابسها ....
و كأنها قد عادت لمراهقتها مجددا و اختفت السنوات من أمام عينيها ....
شعرها هو الوحيد المختلف ... طويلا و متشابكا .....
لكن هناك شيء آخر مختلف
عيناها .... انطفا بهما شيء و لا تظن أنه سيعود مجددا ....
مدت تيماء يديها المتعبتين و التقطت الرباط المطاط الخاص بشعرها و جمعته في ذيل حصان طويل متناثر دون أن تزعج نفسها حتى بتمشيطه ...
ثم خرجت ببطىء من الغرفة التعيسة ... تنوي ارتشاف بعض الماء البارد قبل أن تخرج من هذه الشقة للأبد و لن تعود اليها للمرة الثالثة أبدا ....
ستخرج حتى لو اضطرت الى التستر بملاءة السرير ....
خرجت تيماء تنظر حولها بحذر على الرغم من تأكدها من خروجهما .....
لكنها تسمرت و شهقت بصمت و هي ترى عمرو لا يزال جالسا بنفس المكان على الأريكة !!!!
فغرت تيماء فمها بذهول و هي تستوعب ما تراه !!
لقد ترك ابنه و خرج !!! .... هل هو مجنون ؟!! ....
اندفعت تيماء تجري في جميع أنحاء الشقة و هي تبحث عنه بينما عينا عمرو تلاحقانها بصمت ... الى أن تأكدت بأنه قد رحل فعلا !!
نظرت تيماء الى الطفل الصغير الذي كان ينظر اليها بصمت .... فهتفت بقوة و هي تلهث
( هل خرج والدك ؟؟؟؟ ..... )
أومأ عمرو برأسه دون أن يتكلم .... فهزت تيماء رأسها بعدم تصديق
لقد ترك ابته لها و خرج !! ......
الوقح المغرور .... الدنيء .....
رفعت تيماء ذقنها و نظرت حولها بغضب مجنون ... ثم لم تلبث أن أعادت عينيها الى الطفل الذي كان لا يزال ناظرا اليها ... فقالت بهدوء
( أنا سأخرج .... هل بامكانك الجلوس في مكانك مهذبا الى أن يعود والدك .؟؟؟ .....)
لم يرد عليها الطفل .... بل ظل مكانه صامتا يحدق بها .... فقالت تيماء بصرامة
( ابقى مكانك و شاهد التلفاز دون حركة .... و لا تقترب من مصادر الكهرباء .... مفهوم ؟؟ .... )
لم يرد أيضا ..... بل ظل ينظر اليها فقالت بصلابة
( جيد ..... طفل مهذب ........ )
ثم اتجهت الى الغرفة و هي تنوي التلفح بأي شيء كي تخرج , الا أنها توقفت و استدارت الى الطفل قائلة بصرامة
( لا تقترب من المطبخ ..... أو الموقد ..... و لا تفتح الباب لأحد , والدك معه مفتاح و سيفتح الباب بنفسه ... )
ظل عمرو صامتا فقالت تيماء محذرة
( لو فعلت شيئا خطيرا فسوف يضربك والدك ......... ابقى مكانك مهذبا ... )
زمت شفتيها و قد يأست من الحصول على رد .... فاستدارت مترددة و هي تهمس لنفسها
" ان كان هو لم يهتم و ترك ابنه هنا معها بعد ما فعله بها .... فلماذا تهتم هي ؟!! .... "
حاولت التحرك من مكانها ... الا أن قدميها بدت و كأنها قد تسمرت مكانها ...
حاولت التحرك دون جدوى ... ثم لم تلبث أن زفرت بعنف قبل أن تهتف بقوة
( تبا .... تبا ..... تبا ........ )
أخذت تضرب الحائط بقبضتها بجنون الى أن تورمت مفاصل أصابعها !! ... و ما ان استعادت هدوءها حتى استدارت الى عمرو الذي كان ينظر اليها بعينين متسعتين و خائفتين ...
عقدت تيماء حاجبيها و هتفت بقوة
( الى ماذا تنظر ؟!! ....... انظر امامك .... )
أعاد عمرو وجهه الى التلفاز بسرعة و قلبه ينبض بوضوح من تحت قميصه القطني الناعم .....
تنهدت تيماء و اقتربت منه ببطى .... الى ان جلست على حافة الأريكة بجواره و هي تتأمله بحذر أليم و كأنه سينقض عليها ....
أعاد عمرو عينيه بتردد الى التلفاز فبقت تيماء على حالها تراقبه بالم ....
لا يمكنها انكار الشبه الشديد بينه و بين قاصي ..... انحنت عيناها ألما و هي تتحرك على شعره الناعم و عينيه المتوهجتين .... و اصابعه المستريحة على ركبتيه ...
كله جزء من قاصي ... بكل تفاصيله ....
كم هو جميل !!!!
أغمضت تيماء عينيها و هي تلامس صدرها النازف ... حتى الآن لا تصدق ما حدث !!
لقد اتخذها قاصي كزوجة ثانية !!!! ....
تماما كما ينوي المتخلف زاهر فعله بمسك و هي التي كانت تشتمه غير مصدقة لمدى تخلفه ....
لم تصدق أن تسبق مسك في الكارثة !!
انها جينات وراثية واحدة بتلك العائلة !! ....
فتحت تيماء عيناها الفارغتين و همست بذهول
( قاصي متزوج .... و له ابن !!! ....... و أنا هنا أجالس أبنه !! ..... )
أوشكت على الصراخ بهيستيريا مجددا ... الا أن عمرو نظر اليها و بدا مترددا قبل أن يقول بخفوت
( أريد الذهاب الى الحمام ........... )
نظرت تيماء اليه مجفلة ... ثم قالت بفتور
( الا تعرف مكانه ؟!! .......... )
قال عمرو بصوت خفيض
( لا أستطيع فك زر البنطال و الحزام ......... )
تنهدت تيماء بألم .... ما يحدث لها كان أكبر من احتمالها فهي بشر و ليس من العدل ان تعيش ما تعيشه حاليا ...
لكنها في النهاية قالت مستسلمة
( حسنا تعال الى هنا ......... )
نهض الطفل من مكانه بتردد و قد بدا متراجعا ... الا أن تيماء و قبل أن تمد يديها اليه فوجئت ببنطاله مبللا ...
نظرت اليه بصدمة و قالت
( لماذا لم تصبر ؟!! ...... )
كان عمرو مطرقا برأسه و قد احمرت وجنتيه ... بينما تيماء تنظر اليه طويلا ثم قالت بخفوت
( هل أنت خائف ؟؟ ........ )
لم يرفع عمرو رأسه و لم يجب .... لكنها رأته يعض على شفتيه بتوتر , فشعرت بشيء حاد يطعن قلبها بتعاطف مفاجىء عنيف ....
مدت يدها بحذر و أمسكت بكفه الصغيرة ثم قالت ببطىء كي يفهم
( لا داعي للخوف ..... أحيانا يتشاجر الكبار و يعلو صوتهم , سرعان ما سيعود والدك و يهتم بك .... )
ابتلعت الغصة المسننة في حلقها و حاولت التماسك و هي تقول بهدوء
( حسنا دعنا نهتم بهذا الأمر الآن و لن يعرف أحد به ..... هل جلبت معك ملابس ؟!! ..... )
أشار عمرو الى حقيبته دون ان يتكلم ... فأمسكت تيماء الحقيبة و فتحتها لترى بها ملابس معدة لقضاء يومٍ واحد ....
أخرجت الملابس بشرود
و هي تفكر أن الولد لا يسكن هنا أي أن والدته أيضا لها بيت مستقل ....
لكن لو كان قاصي لديه بيت اخر فلماذا ترسل زوجته ابنه اليه و كأنهما منفصلين !!
هل ينويان الطلاق!! ....
للحظة شعرت بفرحٍ يسري في عروقها قبل ان تفاجىء بنفسها و الى اي مدى حولها العشق الى مخلوقٍ مثير للشفقة !! ...
و كأن بطلاقهما ستختفي تلك الخيانة من تاريخ حياتهما للأبد ....
لقد خدعها و استغفلها و عليه أن يدفع الثمن ......
أخذت نفسا عميقا ثم نهضت من مكانها و هي تقول
( هي بنا لننظف تلك الفوضى .... )
لكن و قبل أن تتحرك شعرت بكف صغيرة تمسك بيدها !! .... نظرت تيماء بصدمة الى رأس عمرو الذي أمسك بيدها باستسلام ....
التقطت أنفاسها ثم قادته الى الحمام ......
بعد أن انتهت من تنظيفه و تبديل ملابسه و قد كان متعاونا .... عادت به الى غرفة الجلوس فجلس ببطىء وهو يشبك كفيه ...
انه مهذب تماما ....
راقبته تيماء يجلس بجوار حقيبته بصمت ... و حينها رقت عيناها و هي تتذكر جلوسها في نفس المكان منذ عشر سنوات و معها حقيبة تشبه حقيبته ...
فغرت تيماء شفتيها و كأنها ترى نفسها آتية الى نفس المكان طلبا لوالدها !! ....
يومها أبقاها قاصي لديه و أطعمها !! و من يومها أصبح هو كل عالمها من وجد قطة صغيرة و رعاها فأصبح حياتها كلها ....
ابتلعت تيماء دموعها ثم همست باختناق
( أنا ..... لم آكل شيئا منذ اربع وعشرين ساعة ..... هل تريد الأكل معي ؟؟ .... )
نظر اليها عمرو مترددا ... ثم أومأ برأسه بصمت ..... و من حيث لا تعلم ... ابتسمت بمرارة !! .....
فقد تذكرت والده وهو يرقص معها كي يضحكها !! ...... منذ عشر سنوات !! ... 

طائف في رحلة ابديةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن