الفصل الخامس عشر

129K 2.3K 144
                                    

أصوات الضحكات في الخارج كانت و كأنما هي سيوف تقطع من روحها رويدا ....
منذ ما يقرب من الساعة و هي جالسة في ... سريره ...
تنظر الى النافذة البعيدة و كأنها ترى منها فعلا .... بينما صوت ضحكاتهما يصلها بوضوح و على الأرجح أنه الصوت الذي أيقظها من النوم !!
لا تصدق أنها قد نامت بالفعل !! .... بعد فعلتها السوداء في الاستسلام له ما أن استيقظت ليلة أمس على قبلاته الدافئة ....
أغمضت عينيها الميتتين النظرات و هي تتذكر تلك اللحظات الناعسة و عقلها الغير مستوعب لوجوده أخيرا ....
كانت قد بدأت تستفيق و تعترض ...
الا أنه لم يتح لها الفرصة ..... بل انقض عليها بكل مشاعره القوية كبحرٍ هائج .....
بدت و كأنها تحارب وحدها وسط دوامة تبتلعها الى أعمق أعماقها دون أن تجد القدرة على الإعتراض .....
فتحت تيماء عينيها و هي تنظر الى النافذة البعيدة مجددا ....
تحاول تحليل مشاعرها الغبية ... على الرغم من أن عقلها بدا أجوفا فارغا تماما ....
لكنها لم تجد الفرصة ...
فقد سمعت صوت باب الغرفة يفتح بهدوء ....
بقت على حالها دون أن تدير وجهها للباب على الرغم من تلك المشاعر العاصفة التي انتابتها ...
مشاعر متضاربة و متناقضة ....
و مرت عدة لحظات من الصمت قبل أن تسمع صوت الباب يغلق بنفس الهدوء !!
للحظات ظنت بأنه قد فضل منحها بعض الخصوصية و تركها لنفسها قليلا ....
الا أنها اكتشفت وجوده في الغرفة و هي تسمع وقع قدميه الخافت على أرض الغرفة وهو يقترب منها بثقة
لم تتحرك .. بل بدت و كأنما قد تحولت الى تمثالٍ فاقد للروح ....
حتى و هي تشعر بثقل الفراش بجوارها وهو يجلس و عيناه تخترقان جانب وجهها و شعرها الهمجي من حولها ....
ظل الصمت طويلا .... طويلا ....... بدا مهلكا و عنيفا ....
حتى شعرت بأنفاسه اللافحة تقترب منها الى أن لامست شفتيه كتفها الغض وهو يهمس فوقه بنعومة
( اذن فقد استيقظتِ أخيرا ...... صباح الخير .... )
أجفلت تيماء و تصلب جسدها على الفور ... و هذا ما لاحظه قاصي فرفع وجهه ينظر اليها بصمت و قد انعقد حاجباه قليلا ... الا أنه لم يتكلم على الفور ...
بل ساد الصمت مجددا لعدة لحظات قبل أن يرفع يده ليبعد موجات الشعر الكثة بحثا عن عينيها ثم قال بصوتٍ أجش خافت
( ألا تريدين النظر الي حتى ؟!! ....... )
لا تعلم كيف أفلتت منها ضحكة صغيرة ساخرة .!.....
و سمعها هو و كأنها ضحكةٍ عالية هيستيرية على الرغم من خفوتها الشديد .... فازداد انعقاد حاجبيه ...
, ثم قال بصوتٍ أجش خافت
( لا تليق بكِ تلك السخرية المريرة يا زمردة .... لما لا تنظرين الى عيني و تواجهيني بشجاعة ؟؟ .... )
مرت عدة لحظات من الصمت قبل أن تنفض شعرها و تدير وجهها الشاحب لتنظر الى عينيه كما طلب ....
كان وجهه صلبا ... مرهقا و غير حليق الذقن .... وعيناه غابتين مظلمتين من الأسرار ...
الا إنهما ما أن واجهتا عينيها الفيروزيتين حتى رقتا فجأة ... و خفت صلابة ملامحه رغم عنه و كأن النظر بهما أضعفه ....
فقال بنفس الصوت الأجش .... بنبرةٍ أكثر خفوتا و كأنه شاردا يحادث نفسه
( عرفت لسنواتٍ طويلة أن عينيكِ جميلتين .... لكنني لم أعرف مبلغ تأثير النظر اليهما في الصباح الباكر , حين يصبح لونهما أكثر شحوبا ..... )
لم ترد تيماء و هي تنظر اليه بدون تعبير .... فتحركت عيناه مجددا على ملامحها ببطىء
وجهها صامت ... شديد البياض أما عيناها فتنظران اليه بلا معنى ....
رأت وجهه يقترب منها ببطىء ... فأخفضت عينيها تلقائيا الى شفتيه اللتين تعرفان وجهتهما تماما ... و ما أن اقتربتا من شفتيها حتى ادارت وجهها الى الجهة الأخرى فسقطت قبلته على وجنتها بنعومة ....
تصلبت ملامح وجهه الا أنه لم يبتعد عنها ,,, بل ضم كتفيها من الأمام بذراعه وكأنه على وشك خنقها لو أقدمت على أي اعتراض .....
تسمرت تيماء و أوشكت على الصراخ الا أنها اجبرت نفسها على الصمت و السكون مكانها وهو يشدد من ضمها الى صدره .....
ثم همس أخيرا فوق وجنتها ,,
( لا زلت لا أصدق حتى الآن أنكِ أصبحتِ زوجتي ..... بعد كل تلك السنوات !! ...... )
ابتلعت تيماء ريقها بصعوبة .... بينما أبقت عيناها مسمرتين على النافذة البعيدة وهي تستمع الى الهمس الاجش فوق بشرتها .....
الى أن تابع بصوتٍ أكثر خشونة و خفوتا ....
( أخشى أن يكون حلما ...... )
أغمض عينيه و تأوه هامسا
( و كأن السنوات لم تمر .... نفس عطرك و نفس رائحة شعرك و ملمسه ...... و ذكرى قبلةٍ قلبت كياني فأنستني نفسي منذ دهور ......)
ظلت تيماء صامتة و هي تشعر بالألم الحاد يمزق صدرها ... الا أنها لم تجرؤ على النطق و الإعتراض
فبأي وجهٍ تعترض و تصرخ به غضبا بعد استسلامها المخزي له ... !!
شعرت بأصابعه تداعب ظهرها وهو يلامس أطراف شعرها بجنون ثم همس في أذنها بخفوت
( هذا الشعر لا تقصيه أبدا ..... يبدو شديد الجنون مثلك تماما , كقطعةٍ منكِ يا زمردة النار ...... )
تحركت تيماء في النهاية و هي تبعد شعرها عن متناول يده ببطىء .... ثم حاولت التحرك الا أنه شدد قبضته عليها فسكنت و هي تقول بصوت فاتر خافت
( ابتعد عني رجاءا .......... )
بدا و كأنه لن يتركها فقد انقبضت أصابع ذراعه المحيطة بعنقها على كتفها بقوة .... و كانت تشعر بقوة ضربات قلبه المهددة بوضوح فوق ظهرها الا أنه في النهاية تركها فابتعدت عنه قليلا متنفسة الصعداء دون أن يظهر أي تعبير على ملامح وجهها الشاحب ....

طائف في رحلة ابديةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن