طائف في رحلة ابدية

By nanono3726

7.5M 142K 13.6K

من بين جموع البشر ... كان هو الاول والاخير... واخر من رغبت بمواجهته في هذه الارض القاصية الواسعة صرخ بها وال... More

المقدمة
الفصل الاول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس ....الجزء الاول
الفصل الخامس ... الجزء الثاني
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر ..الجزء الاول
الفصل التاسع عشر ..الجزء الثاني
الفصل العشرون
الفصل الواحد والعشرون
الفصل الثاني والعشرين
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرين
الفصل الخامس والعشرين ..الجزء الاول
الفصل الخامس والعشرون..الجزء الثاني
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل الاربعون
الفصل الواحد والاربعون
الفصل الثاني والاربعون
الفصل الثالث والاربعون
الفصل الرابع والاربعون
الفصل الخامس والاربعون..الجزء الاول
الفصل السادس والاربعون
الفصل السابع والاربعون
الفصل الثامن والاربعون
الفصل التاسع والاربعون
الفصل الخمسون
الفصل الحادي والخمسون
الفصل الثاني والخمسون
الفصل الاخير
الخاتمة

الفصل التاسع والثلاثون

114K 2.2K 184
By nanono3726


( لا بأس ...... أنا هنا و لن أتركك ....... لا تخافي ...... )
كانت ثريا ترتعش بقوة بين ذراعي تيماء التي ضمتها اليها اكثر ....
لقد اعتادت على فعل هذا كثيرا منذ طفولتها , كلما مرت أمها بنوبة ضيق و كم كانت كثيرة تلك النوبات ...
لكن الآن كانت تشعر بحال أمها مختلف .... فقد كانت ترتعش حقيقة , و جسدها ينتفض بالكامل , بينما لاحت في عينيها نظرة انكسار مؤلمة ... لم تراها تيماء بعيني ثريا من قبل , ...
نظرة اذلال موجعة ....
وضعت تيماء شفتيها على جبهة ثريا و همست لها بخفوت
( اهدئي يا أمي ....... خذي نفسا عميقا و هدئي من روعك ...... )
رفعت ثريا وجهها المتورم المكدوم , تنظر الى عيني تيماء بذهول و ارتياع ... ثم هتفت بصوت مختنق من بين شهقات بكائها المتتالية
( انظري ماذا فعل بي هذا الهمجي ..... انظري الى وجه أمك يا تيماء ..... )
رفعت تيماء كفيها , لتمسك بجانبي وجه ثريا برفق و هي تطالع الألوان المخزية التي تفسده ..... فأظلمت عيناها و توترت شفتاها اكثر , الا أنها قالت بصوتٍ قاسٍ مشتد
( كان عليكِ توقع هذا منه يا أمي ...... إنه مجرد كتلة عضلات تبيع نفسها بالمال لمن تحتاجه , فماذا كنتِ تنتظرين منه أكثر !! ..... )
رفعت ثريا كفها لتلامس بأصابعها المرتعشة موضع الكدمات و هي تهمس ذاهلة بشرود و كأنها تهذي ...
( و أنا لم أمنع عنه شيئا ..... لقد كنت أعطيه كل ما يطلب , حتى قبل أن ينطق به , ... لكنه لم يكتفي بي و بدأ في خيانتي .... ثم لم يعد يكتفي بما أعطيه من مال .... فبدأ يطلب أكثر .... )
انعقد حاجبي تيماء بشدة و هي تستمع الى أمها , ثم قالت بنفس النبرة القاسية
( و ما الذي حدث و فجر الأمور الى هذا الحد ؟!! ........ )
نظرت أمها اليها بعجز و هي تهز رأسها بإشارة غير واعية , ثم رفعت كفها تقول يائسة
( واجهته بخيانته لي ,..... فلم ينكر ..... حينها جن جنوني و أمرته أن يبتعد عن الحقيرة التي يعرفها , أو أكثر .... لا أعلم كم مرة قام بخيانتي فيها .... الا أنه رفض بكل وقاحة , حينها لم أستطع السيطرة على جنوني , ظللت أصرخ و أصرخ و أخبرته بألا ينتظر مني قرشا واحدا ..... و صفعته .... حينها بدا لي و كأنني حررت وحشا لا أعرفه من قيوده ..... رأيته أمامي يتحول الى كائن مرعب , صفعاته و لكماته تتوالى علي وجههي قبل حتى أن أستوعب ما يحدث ....)
صمتت فجأة و هي تنظر الى عيني تيماء مجددا , ثم التوت شفتاها على نحوٍ مثيرٍ للشفقة و هتفت بنشيجٍ ذليل ...
( لم أستطع فتح فمي بكلمة من شدة الرعب .... ظللت أتلقى ضرباته الى أن وقعت أرضا , فغادر بعدها و لم يعد حتى الآن .... )
أغمضت تيماء عينيها دون كلمة .... بينما بدا وجهها شاحب و ملامحها ميتة المشاعر .....
أما قاصي فكان يراقبهما عن بعد بعينين عميقتي النظرات .... داكنتين حد الظلام ....
لطالما كانت تيماء بالنسبة له هي الأم ... و ثريا هي الإبنة ....
منذ طفولتها و هي التي تعتني بثريا بكل طريقة ممكنة , بينما ثريا , تزيد من تدللها على تيماء حتى بلغت درجات من الأنانية في الكثير من الأحيان ...
لم يستطع الآن الشعور بأي تعاطف مع ثريا ... على الرغم من وجهها المكدوم المثير بالشفقة , و عمرها الذي بات لا يسمح بما حدث لها ...
الا أن تعاطفه بالكامل كان تجاه تيماء ....
فملامحها الباهتة الصامتة دون تعبير كانت اكثر اثارة لكل خلايا تعاطفه معها ... و حتى خوفه عليها ...
لو كان الأمر بيده لأمسك بيدها و سحبها بعيدا عن هنا و لتتحمل ثريا نتائج اختيارها ....
فتحت تيماء عينيها أخيرا و كانتا متوهجتين كحجرين من الفيروز القاسي ... ثم قالت بصلابة
( تعالي معي يا أمي ...... لنرحل من هنا ...... هيا ..... )
رفعت ثريا وجهها الممتقع الى تيماء , و هي تمسح دموعها بأصابعها المرتجفة ... ثم قالت بصوتٍ باهت مرتعش
( الى ...... الى أين ؟!! .......... )
عقدت تيماء حاجبيها بشدة و قالت بصوتٍ أكثر حزما و تعجبا
( ستعودين معنا بالطبع ....... أتيت كي آخذك معي ....... )
كان هذا دور قاصي كي يعقد حاجبيه بشدة , بينما برقت عيناه رفضا ... الا أنه لم يتكلم , بل تكلمت ثريا قائلة بصوتٍ أكثر ارتباكا
( لكن هذا بيتي ...... لماذا أتركه ؟! ........ )
ارتفع حاجبي تيماء لتقول بحدة
( ستتركيه لأنه سيعود في أية لحظة .... فهو كالكلب لن يترك عظمة حتى ينهيها تماما بأسنانه , ثم يليقي بها بعيدا ما أن تصبح غير ذات نفع ...... )
بدت ثريا أكثر ترددا و ارتباكا أمام عيني تيماء الذاهلتين .... الى أن قالت أخيرا بصوتٍ خفيض ذليل و هي تخفض وجهها أرضا ....
( لكن يا تيماء ..... إنه ...... ربما ....... أقصد ....... )
صمتت و هي لا تدري كيف تصوغ كلماتها , فعقدت تيماء حاجبيها بشدة و هي تقول بشكٍ ذو نبرةٍ شرسة شريرة ...
( أمي !!!! ...... هل تنوين البقاء معه بعد ما فعله ؟!! أم أنني أتوهم فقط بسبب نوازع حاقدة داخلي لا أكثر !! ..... )
ساد الصمت لبضعة لحظات , الى أن رفعت ثريا عينيها العاجزتين الى تيماء و همست
( افهميني يا تيماء ...... لو كان يريد تركي لكان طلقني قبل أن يخرج , لكنه لم يفعل ..... أعي أنه أخطأ خطأ لا يغتفر لكن ربما لو ...... )
انتزعت تيماء كفيها قبل ان تقفز على قدميها واقفة و هي تصرخ بذهولٍ و استنكار
( لا أصدق ما أسمع ...... لا أصدقك ..... هل وصلتِ الى هذا الدرك من اذلال الذات ؟!! .... و لماذا ؟!!.... ما هو هذا الشيء الساحر الذي يقدمه لكِ و لا تستطيعين الإستغناء عنه !!! ..... )
هتفت ثريا بألم و قسوة في نفس الوقت
( اخرسي يا فتاة و لا تنسي أنني أمك ............ )
ضحكت تيماء عاليا بعصبية و هي تصرخ بقسوةٍ أشد
( بل نسيت ..... نسيت هذه المعلومة منذ سنوات ..... فأنتِ دائما ما تضعين نفسك في موقف العاجز و أقوم أنا برعايتك و حمايتك و الدفاع عنك ...... )
صرخت ثريا هي الأخرى و هي تبكي بشكلٍ مثير للشفقة و النفور
( لم أتصور يوما أن تقفين أمامي هذه الوقفة و تذليني بما قدمته لي من مساعدة , بينما أنا منحتك الحياة نفسها و رفضت التخلص منكِ كما كان يريد والدك ....... )
كانت تيماء تنظر اليها بذهول و قد عجز الكلام عن الخروج الى شفتيها , مما ترى و تسمع ......
فهزت رأسها و هي تحاول جاهدة السيطرة على نفسها و أعصابها , ثم لم تلبث أن أغمضت عينيها و رفعت وجهها تأخذ نفسا عميقا مرتجفا , قبل أن تعاود النظر الى وضع أمها المخزي .... ثم قالت بقسوة و برود
( لماذا اتصلتِ بي اذن طالما أنكِ لا تريدين تركه ؟!! ....... ما هو المطلوب مني ؟؟؟ ..... )
لعقت ثريا شفتيها المرتجفتين , ثم همست بعد فترة طويلة
( ربما لو بقيتِ معي حتى يعود .... و قمتِ بتهديده و تحذيره من أن يكرر فعلته , فلن يعيدها و هو يرى بعينيه أنني لست وحيدة ..... )
فغرت تيماء شفتيها أكثر , و هي تظن أن الذهول قد نضب لديها , لكن على ما يبدو أن أمها لن تتوقف عن ابهارها ....
لذا قست ملامحها و قالت بنبرة صارمة لا تقبل الجدل
( انسي ........ لست هنا لأتفاوض مع هذا القذر ..... لا أصدق أنكِ أحضرتني الى هنا سفرا ليلا , كي أحذره من أن يضربك مجددا !!! ..... أي ذلٍ هذا ؟!! ...... )
لمعت عينا ثريا فجأة بالغضب على الرغم من احمرارهما و الكدمات المتورمة من حولهما ... فصرخت بقوة و عنف
( اذن اخرجي ..... اخرجي من هنا , لا اريد منكِ شيئا ........ )
بهتت ملامح تيماء للحظة و لم تستطع الرد , فتدخل قاصي في تلك اللحظة وهو يفك ذراعيه , ليمد كفه اليها قائلا بصوتٍ عميق قاتم
( هيا بنا لنغادر يا تيماء ..... لقد قمتِ بما عليكِ ........ )
انتبهت ثريا لوجوده للمرة الأولى , فالتفت رأسها اليه و هي تنظر اليه بذهولٍ غاضب , قبل أن تصرخ به
( أنت ...... أنت السبب ...... لقد كنت أنت السبب منذ سنوات في ابتعاد طفلتي عني .... أنت من غذيت الكره بداخلها تجاهي عاما بعد عام ...... )
انعقد حاجبي قاصي بشدة , بينما ازداد لونه عينيه قتامة , الا أنه قال متهكما بسخرية
( حين أذكر كم مرةٍ ساعتك فيها خلال هذه السنوات ..... و كم كنتِ تلجئين الي كي أساعدك على قضاء أمرٍ ما ..... أشك في ما تقولين الآن ...... )
صرخت ثريا من مكانها أرضا كحيوانٍ محتجز يصارع في لحظاته الأخيرة و ينهش كل من يقترب منه ..
( لأنك كنت تتقاضى ثمن ما تفعل ...... لا تجعل من نفسك فارسا شهما .... )
ضحك قاصي بقسوة وهو يقول بنفس الإستهزاء
( لقد رقصتِ معي في هذه الشقة الكثير من المرات .... و أكلت معكما مراتٍ أكثر ..... أما عن ما تقاضيته فقد كنت أساعدك سرا بالمال حين تنفقين كل ما لديكِ .... حتى بعد سفر تيماء ...... )
فغرت تيماء شفتيها بذهول و هي تنظر الى أمها مصدومة , الا أن ثريا اخفضت رأسها عن مرمى عيني ابنتها بخزي .... ثم لم تلبث أن صرخت مصممة
( أنا فتحت لك بيتي و أشفقت على حالك ..... الا أن وضيع الأصل يظل وضيعا طوال عمره , فقد انتهزت الفرصة و تسللت الى ابنتي و جذبتها اليك بخسة ..... بينما كنت أنا عمياء .... )
شعرت تيماء رغم عنها بالوجع عليه .... فنظرت اليه بلهفة خائنة , و بداخلها حافز غادر يدفعها الى أن تقترب منها و تضمه الى صدرها بقوة ....
أما هو فقد تحولت ملامحه الى القناع الصلب الذي تعرفه جيدا و الذي يخفي تحته ألما لا يسمح لأحدٍ بأن يراه ... ثم قال ساخرا بطريقة مهينة
( تلك هي نفس اسطوانة سالم الرافعي ..... حاولي ابتكار اتهام جديد , فقد مللتها .... )
صرخت ثريا بجنون و غضب غير مسيطر عليه
( لماذا أتيت ؟!! ..... كيف تمتلك الجرأة كي تأتي الى هنا برفقة ابنتي بعد كل ما تسببت فيه من ألمٍ لها .... منذ أن عرفتك و هي تقع في كل مصيبة و اخرى حتى لم تعد قادرة على رفع رأسها بين الناس .... )
ساد صمت موحش بين ثلاثتهما ..... و تحولت ملامح قاصي الى قناع آخر , أشد رمادية و تحجر ... أما عيناه فنظرتا الى عيني تيماء التي كانتا تنظران اليه بصمت .... نظراتٍ عميقة ..... شديدة العمق .....
و طال بهما النظر .....
الى أن قطع هذا التواصل المؤلم , ثم أعاد عينيه الى ثريا و قال باستهزاء
( بصراحة لا أرى هنا من لا تستطيع رفع سواكِ .... من شدة الصفعات و الكدمات التي تملأ وجهك , و هذا بالتأكيد لأنكِ توقفتِ عن الدفع ...... )
صرخت تيماء فجأة
( قاصي .................. )
نظر اليها بنظراتٍ متحجرة , خالية المشاعر ....الا أنها صرخت مجددا بنبرة تهديد غاضبة
( انتظرني خارجا ...... رجاءا ....... )
نقل قاصي عينيه بينهما , فهتفت تيماء بحدة
( أريد الكلام مع أمي على إنفراد ............. )
رمقها قاصي بنظرة أخيرة , لم تفهم معناها تماما , الا أنه خرج من الغرفة ناظرا الى ثريا بنظرة اشمئزاز ....
لم يبتعد ..... لم يجد القدرة أو الرغبة في الإبتعاد خوفا من أن تملأ ثريا رأس تيماء بأفكارٍ شريرة كي تهجره ...
فوقف بجوار الباب , مستندا بظهره الى الجدار وهو يرهف السمع دون خجلٍ أو أي ذرة من تأنيب الضمير ....
اما تيماء فقد أخذت نفسا مجددا أشد حدة , ثم التفتت الى أمها و قالت بصرامة
( هذه هي فرصتك الاخيرة يا أمي ..... دعيني أساعدك و أبدل لكِ ملابسك , ثم نخرج من هنا لنحرر ضده بلاغا في قسم الشرطة .... ثم تسافرين معي .... )
هتفت ثريا بألم و رفض
( أنتِ لا تفهمين ....... هذه هي فرصتي الأخيرة بالفعل , هذه الزيجة هي فرصتي الأخيرة بعد سنواتٍ من الحرمان ...... إنها التعويض عن ..... )
صرخت بها تيماء بقسوة
( أي تعويض ؟!! ....... أي تعويض بالله عليكِ .... انهضي و انظري الى نفسك في المرآة , ..... أي تعويضٍ تنتظريه من شخص كهذا ؟!! ......)
كانت ثريا في أسوأ حالاتها فباتت تجرح دون وعي ...و قالت بصوتٍ يحترق
( كيف لكِ أن تلوميننني على شيء أنتِ تفعلين أسوأ منه ..... أنا من تنظر الى نفسها ؟!! بل انظري أنت الى نفسك ..... انظري لكل شيء خسرتيه بحياتك لأجله .....
تذكري كل اهانة مررتِ بها بسببه ....
هل نسيتِ هروبه منكِ و ما فعله بكِ والدك بسببه ؟!! .....
هل نسيتِ طفلك الذي حملتهِ داخلك شهور طويلة , ثم فقدته وهو غير موجود بجوارك .....
و ماذا عن دراستك التي توقفت ؟!! ..... أخبريني عن انجاز واحد قمتِ به منذ عودتك من السفر ... و منذ عودتك اليه ؟!! ..... لا شيء .... صفر ..... بل كنتِ تخسرين فقط .....
و الأغرب من كل هذا هو أنكِ لازلتِ معه ...... فكيف لكِ أن تلومينني ..... )
أغمض قاصي عينيه في الخارج ...وهو يرجع رأسه للخلف ... يضربها في الجدار دون صوت , بينما انقبضت كفاه بشدة حتى ابيضت مفاصل أصابعه ...
أما تيماء فقالت بصوتٍ بارد ... لم يستطع محو نبرة الألم به
( اتركي قاصي خارج الموضوع يا أمي .... لأن الأمر يختلف .... )
صرخت بها ثريا
( لا شيء يختلف ...... أنتِ اخترتِ أن تقضي حياتك جريا خلف رجلٍ أقل منك في كل شيء ... الأصل و النسب و التعليم و المال ..... و لم أستطع إيقافك , فهل تلومينني الآن لمجرد أنني أريد البقاء مع رجل أقل مني عمرا !!!!! ..... )
كانت تيماء مطرقة الوجه طويلا و هي تسمع ثريا بصمت , بينما خلا وجهها من أي تعبير ....
و ما ان انتهت أمها من تفريغ كل ما بداخلها من شحناتٍ سوداوية ... حتى ساد صمت كئيب مضني لبضعة لحظات ...ثم رفعت تيماء وجهها ...
و نظرت الى عيني ثريا طويلا ... الى أن صرخت فجأة بنبرة مريعة جعلت أمها تنتفض مكانها
( قاصي .... قاصي ..... قاصي ...... الجميع يحاكمني على وجود قاصي في حياتي , بينما عليكم أن تحاكموا أنفسكم قبلا .... أنتم السبب , أنتم من أقحمتوه الى حياتي ..... حين اشتد عودي قليلا , لم جد غيره في حياتي ..... والدا و أخا و صديقا ....
أتدرين ماذا ؟!! ..... لقد اكتشفت مؤخرا أنني لم أحظى يوما بصديقة .... لأنني لا أستطيع ... لم أتعلم كيفية الحصول على أصدقاء ... افتقدت وجود الأخت الوحيدة و التي لم أعرفها ....
افتقدت وجود أبي الذي رفضني تماما و كأنني مجرد حيوان أجرب .... و أرسل قاصي نيابة عنه
و افتقدت وجودك ..... لطالما تتشدقين بالتمنن علي لأنكِ لم تتخلصين مني كما طلب منك أبي , الا انكِ نسيتِ شيئا هاما بعدها ..... نسيتِ أن تكوني أما ...
لم أشعر بكِ أم لي أبدا .... بل كنتِ مجرد حملا على عاتقي .... ادافع عنكِ و أرعاكِ .....
و أثناء ذلك كنت أشعر بالوحدة ..... وحدة لم يملأها سوى قاصي .....
أنتم السبب في لعنة اسمها قاصي الحكيم دخلت الى حياتي و تمكنت منها ....
لأنه حل محل كل واحد منكم و ملأ الفراغ الذي تركه .....
عليكم أن تحاكموا أنفسكم قبل أن تحاكموني على علاقتي به , فربما لو كنت نشأت في أسرة سوية ... من والدين و أخت .... لما كنت سمحت له بدخول حياتي , و لكنت رأيت الفروق التي تحدثتِ عنها بكل تقزز للتو .... )

أطبق قاصي عينيه بشدة و هو مستمرا في ضرب رأسه بالجدار دون صوت ...
لو أرادت تيماء قتله قتلا بطيئا , لما نجحت كما فعلت للتو .....
ليس هناك أكثر وضوحا من كلامها ..... أو أكثر قسوة ووجعا ......

أما تيماء فكانت تحاول التقاط أنفساها من صدر مجروحٍ نازف .... ثم رفعت وجهها الباهت تنظر الى أمها و تابعت بصوتٍ ميت
( لا عليكِ يا أمي .... انسي كل ما قلته للتو , فلا أظنك قد استوعبتِ منه شيئا كما هي العادة .... أنا هنا لأساعدك ... تعالي معي , قبل أن يدمر هذا الوغد حياتك أكثر .... )
كانت الدموع تغرق وجه ثريا و هي تنظر الى تيماء بنظراتٍ شبه كارهة .... مما جعل تيماء تبادلها النظر بدهشة .... لما تنظر أمها اليها بهذا الكره .....
ماذا أخطأت في حقها بعد كل هذه السنوات , كي تنظر اليها بهذه النظرة ....
فقالت بصوت قاتم
( أمي ..... هل تدركين أن أبي هو من ينفق عليكِ و على زوجك حتى الآن , بناء على صفقة عقدتها معه كي أترك قاصي للأبد ..... و حتى هذه اللحظة لم أره منذ عودتي لقاصي , لذا توقعي في أية لحظة أن يمنع عنك المال .... فلماذا سيبقى معكِ زوجك حينها ؟!! .... و حتى إن لم يفعل والدي .... الا تشعرين ببعض الخزي كونه ينفق عليكِ و على زوجك الشبيه باللوح الخشبي طولا و عرضا ؟!!! ....... بالله عليكِ تحلى ببعض الكرامة .... )

التوت شفتا قاصي في ابتسامة ميتة قاسية .... و تتوالى صفعات المهلكة له بكل انتقام ....
بينما هو يقف هنا و يسمع , لا يملك المزيد كي يفعله ....

أما ثريا فهتفت بألم و عذاب
( افهميني يا تيماء .... لقد ضاع شبابي كله بسببك , كان بإمكاني الزواج , الا أنني رضخت لأمر والدك في عدم الزواج كي تنشأين مرفهة .... فهل هذا جزائي ؟!! .... أنتِ لا تعرفين ما هو شعور امرأة مثلي ضاع شبابها و هي تتمنى وجود رجلٍ في حياتها .... أنت ..... كيف أشرح لكِ ...... أنا ... )
صمتت و هي تطرق بوجهها غير قادرة على المتابعة ....
اما تيماء فكانت تنظر اليها متقززة , ثم قالت بصوتٍ جامد
( أفهمك ...... و افهم ما تحتاجينه من هذا الحيوان زوجك , الا أنه ثمن بخس جدا لقاء الإمتهان الذي تعيشينه بالمقابل ..... إنها مجرد شهوة مخزية يا أمي .... لرجلٍ يبيع نفسه بالمال لإمرأة أكبر منه سنا , لو كنت مكانك لما .... )
قاطعتها ثريا و كل جسدها ينتفض من اهانة ابنتها لها دون حياء أو رحمة .... فقالت بصوتٍ أسود .... شديد السواد
( لو كنتِ مكاني ؟!! ...... يبدو أن عقاب والدك لكِ منذ سنوات جعلك غير قادرة على ادراك ما أمر به .... )
شحبت ملامح تيماء فجأة و تراجعت للخلف و كأنها تلقت صفعة مفاجئة أوشكت على رميها أرضا ....
لكن و قبل أن تستوعب ما قالته أمها تماما ..... و التي بدا عليها الندم مما نطقت به للتو ...
كان قاصي قد اقتحم الغرفة و أمام عينيها الذاهلتين , انحنى ليلتقط أول ما طالته يده , و كان خف ثريا البيتي , ثم رماها بها فضرب صدرها دون ضرر .....
شهقت ثريا و اختفت الألوان من وجهها بذهول و صدمة مما حدث للتو .... بينما رفعت تيماء كفيها الى فمها المفتوح بنظراتٍ مصعوقة ....
أما قاصي فقد صرخ في ثريا بجنون
( أي أمٍ أنتِ كي تعايري ابنتك بشيء كهذا مقارنة بكِ ؟!!!! .... حتى الحيوانات لا تفعل هذا ؟!! .... )
لم تستطع ثريا الرد و هي تنظر اليه بنفس الصدمة المريعة , و الخف ملقى بين أحضانها ...
أما تيماء فقد وجدت صوتها و صرخت به بغضب
( قااااااااااااصي !!!! ..... هل جننت ؟!!!!! ....... ما الذي دهاك ؟!! .... كيف تضرب أمي ؟!!!! .... )
الا أن قاصي لم يرد عليها , بل التفت اليها و مد يده ليمسك بكفها و جرها خلفه بقوة وهو يقول بنبرة خطيرة
( هيا ....... لنخرج من هنا , قبل أن أرتكب جريمة .... )
حاولت تيماء مقاومته دون جدوى وهو يسحبها بلا جهد حتى خرجا في اتجاه الباب الشقة ....
الا أنهما توقفا فجأة وهما يريان الباب يفتح فجأة .... ليدخل زوج والدتها وهو يصفر غير مباليا أو عابئا بشيء ...
توقف مكانه مصدوما وهو ينظر الى قاصي و تيماء ... فرفع حاجبيه للحظات , ثم لم يلبث أن قال ببرود
( أهلا أهلا ........ ما سر هذه الزيارة المتأخرة ؟!! ...... على الأقل كان عليكما اخبار رجل البيت قبلا ... )
نسيت تيماء قاصي تماما و حاولت تجاوزه مندفعة و هي تصرخ بجنون .... تنوي الهجوم على زوج أمها
( أي رجل هذا أيها الحقير الحيوان الدنيء ...... هذا البيت بيتي و انت غير مسموح لك بالبقاء هنا لحظة اضافية ..... لكن ليس قبل أن أمزق وجهك بأظافري .... )
كانت تهجم بكل قوتها محاولة الوصول اليه ... الا أن قاصي كان يمنعها وهو يكبل خصرها بكلتا ذراعيه , فصرخت بجنون و هي تلوح بذراعيها و ساقيها
( اتركني ...... اتركني يا قاصي ....... .... اتركني .... )
الا أنه حملها بين ذراعيه من خصرها حتى أرجعها الى باب غرفة أمها ثم أوقفها على قدميها و هدر بها
( ادخلى الى أمك و لا تفتحي الباب مطلقا .......... )
فتحت تيماء شفتيها تنوي مجادلته , الا أن نظرة واحدة من عينيه كانت كفيلة بأن تجعلها , تدرك أنه وصل الى الحد الأقصى من اثارة غضبه ...
لذا امتثلت و تراجعت الى الغرفة مغلقة الباب خلفها بإحكام .....
أما قاصي فقد استدار عائدا الى حيث يقف زوج ثريا ناظرا اليه بإستهانة وهو يلاعب مفاتيحه , ثم قال وهو ينظر اليه يقترب ببطىء بملامح قاتمة خطيرة
( هل من المفترض أن أخشاك الآن ؟!! ........... )
رد قاصي بصوتٍ هادىء الا أنه مخيف
( هذا يعتمد عليك ..... يمكنك أن تطلقها و تنسحب محتفظا بآخر بقايا كرامتك .... او تريقها هنا فنضطر الى تنظيف المكان خلفك و أنت تخرج جريا بدون ملابسك .... )
ضحك رامي بعصبية وهو يحرك مفاتيحه متوترا , وهو يرى قاصي يخلع ساعة معصمه في حركةٍ شهيرة قبل أي معركة أو اشتباك بالأيدي .... ليضعها جانبا بحرص ...
ثم نظر الى رامي و قال ببساطة معتذرا
( اعذرني , فهي غالية الثمن و لن يسعني تعويضها . فبخلافك أنا لا أعتمد على مال النساء ... كال *** ... )
هتف رامي بانفعال
( أنصحك الا تحاول استخدام القوة الجسدية معي .. فأنا لم اتردد على مراكز التقوية الرياضية من فراغ ... )
كان قاصي قد وصل اليه , فقال بنفس الهدوء بينما سبقت قبضته لسانه و هي تطير الى وجه رامي
( أما أنا فأروض خيول يا روح أمك ........... )
تراجع رامي مترنحا حتى ارتطم ظهره بالباب من خلفه بقوة .... بينما نزفت أنفه , لكن عيناه لمعتا شرا وهو يستعيد توازنه سريعا ليحاول الهجوم على قاصي شاتما بأقذع الألفاظ ....
لكن قاصي كان في انتظاره فانحنى أرضا بسرعة على عقبيه , فاختل توازن رامي فوقه , فاستقام قاصي ليحمله للحظة فوق ظهره ثم يلقي به على الأرض بكل قوة ...
تأوه رامي بألم , الا أن قاصي لم يرحمه , بل أفرغ به كل شحنات وجعه لما سمع من حوار بين تيماء و امها ..
فجثا على صدر رامي و أخذ يضربه عشوائيا ... بينما الأخير يحاول المقاومة دون جدوى , فهو لن يكون أقوى من فرسٍ هائج بأي حالٍ من الأحوال ....
صرخ قاصي به وهو يمسك بمقدمة قميصه يضرب رأسه في الارض
( طلقها ........ حالا ....... )
هتف رامي بصوتٍ يرتعش وهو يبصق دما من فمه
( لن أطلقها قبل أن أسمع هذا منها ............ )
رفع قاصي قبضته ينوي ضربه من جديد , الا أن صوت ثريا أتى من خلفه بائسا حزينا
( هل تبقيني لو علمت أن والد تيماء قد أوقف ما يمنحي من مال ؟!! ......... و أنني لم أعد أمتلك اي منه , و عليك الإنفاق على كلينا ؟؟ ...... لو فعلت فأنا أنوي مسامحتك ...... )
التفت كل من قاصي و زوجها اليها .... و ساد صمت مشحون و كل منهما يلهث ....
الى أن قال رامي أخيرا بصوتٍ متخاذل بعد وقتٍ طويل
( أنتِ ........ طالق ........ )
أغمضت ثريا عينيها بأسى و هي تغطي وجهها بين كفيها المتعرقتين , بينما جذبه قاصي من ملابسه التي تمزقت حتى أنهضه على قدميه , ثم دفعه في اتجاه باب الشقة صارخا
( ابتعد من هنا و لا تدعني أرى وجهك على بعدِ شارعين من هذه البناية ..... )
خرج رامي متعثرا , يلملم أذيال الخيبة , بينما صفق قاصي الباب خلفه بعنف , ثم استدار ينظر الى ثريا و تيماء التي خرجت من الغرفة خلفها ...
و لم تستطع مقاومة قلبها أكثر , فضمتها الى صدرها و هي تقول بخفوت
( لا تفعلي هذا بنفسك يا أمي ..... أقسم بالله رجل كهذا يطلق عليه اسم أخجل من أن أخبركِ به ..... مجرد اقترابك منه , قذارة عليكِ التطهر منها ..... )
تشبثت ثريا بملابس تيماء باظافرها و هي تبكي و تشهق بعنف .... ثم همست بإختناق
( لم أشعر يوما أنني كبرت كما أشعر الآن ...... أشعر أنني عجوزا جدا ....جدا ..... )
ربتت تيماء على كتف أمها و هي تضمها اليها أكثر ثم همست بخفوت
( لا يا أمي أنتِ لستِ عجوزا أبدا .... أنتِ امرأة جميلة , بل جميلة جدا .... لا تفكري فيما ضاع من عمرك , فكري فقط ان لكل مرحلة عمرية جمالها ..... لا تحتاجين لرجلٍ كي يثبت لكِ كم أنتِ جميلة .... يكفي أنني أغار منك حتى الآن ..... )
ثم ابتعدت عنها و سحبتها الى المرآة المعلقة في الرواق فوقفت خلفها و همست لها برفق و هي تربت على شعر ثريا الناعم
( انظري تحت تلك الكدمات القبيحة .... ستجدين امرأة جميلة , عيناها بلونٍ أخضر شارد ... و شعرها لا يزال ناعما كالحرير .... جسدها جميل جدا بالنسبة لعمرها , الذي هو بالمناسبة ليس كبيرا جدا .... هناك الكثير من النساء تتزوج في مثل عمرك , المهم أن تجد الرجل الذي يصونها في هذا العمر .... فمرحلة التحمل قد انقضت يا أمي .... انتِ تحتاجين رجلا يرعاكِ و يربت عليكِ , .... يحترم روحك قبل جسدك .... يقدرك و يكون بجوارك في المرض قبل الصحة ..... )
سقط وجه ثريا و هي تبكي بعنف , بينما تيمار تربت على شعرها بحنان و تهمس لها بكلماتٍ خافتة كي تهدئها من تلك الحالة الشرسة التي انتابتها ...
فعلى الرغم من كل شيء , ليس من السهل لإمراة في مثل عمرها أن تتعرض الى تلك المعاملة المذلة ....
حتى والدها لم يفعل بها هذا ....
رفعت تيماء وجهها الى قاصي الذي كان واقفا عن بعد يراقبهما متحفزا لكن بنظراتٍ عميقة ... تكاد أن تحاصرها من كل مكان .... و آذان تتربص بكل كلمة تخرج من بين شفتيها و كأنه يراقبها في كل صغيرة و كبيرة تصدر عنها ....
تكلمت تيماء أخيرا و قالت بصوتٍ خافت
( يمكنك العودة يا قاصي .... فأنت و أمي لن تتوافقا حاليا و أنا لن أتركها ...... )
لم يرد عليها على الفور , بل ظل ينظر اليها بنفس النظرة , ثم قال أخيرا بصوتٍ قاتم لا يقبل الجدال
( استعدا و حضري اغراضها ..... سأنتظركما في الخارج , سنحرر محضرا ضده أولا , ثم نعود سويا ... الى بيتي .... )
قال كلمته الأخيرة مشددا على أحرفها .... بصوتٍ يتحداها أن ترفض , و بصراحة .... لم تجد القوة على الرفض ...
فوجودها مع ثريا وحدهما في هذه الفترة مؤلم لكليهما ... فكلا منهما توجع الأخرى بعد حصيلةٍ لا بأس بها من الذكريات السيئة ... ووجود قاصي معها ..... يطمئنها .... يشعرها بأنها ليست وحيدة
حتى و إن كان وجوده مؤقتا , ثم يختفي بعدها كعادته دائما .....
لكن هذه المرة ستختفي هي قبله .... كي تقي نفسها من جزع اختفاءه ......
.................................................. .................................................. ......................
على الصباح كانت تيماء قد دثرت أمها جيدا بعد وصولهم الى شقة قاصي ...
و كانت أمها تعاني من حالة من الإعياء الشديد , و الهبوط .... فساعدتها على تبديل ملابسها برفق , اعطائها بعض العصير ... حتى تساقط رأسها في شبه إغماءة .....
وقفت تيماء تنظر اليها طويلا بملامح غائمة حزينة , ثم تنهدت و خرجت من الغرفة لتغلق الباب خلفها بحذر ....
الا أنها وقفت مكانها و هي ترى قاصي واقفا في نهاية الرواق ... متحفزا و يداه في منتصف خصره ...
ينظر اليها بتلك النظرة المحاصرة الى أن قال بصوتٍ خفيض
( الى أين ؟!! ................ )
ترددت قليلا و هي تنظر حولها ....
صحيح ... الى أين ؟!! .......
و بدا ترددها على ملامحها الشفافة فسألها رافعا حاجبه الشرير
( هل تنوين العودة الى شقة امتثال و ترك أمك لي ؟!!! ............... )
ارتبكت تيماء أكثر , الا أنها قالت بصلابة
( بالطبع لا ...... سأظل هنا , الى أن .......... )
صمتت و هي لا تدري بماذا تتابع كلامها الا أن قاصي سألها بإصرار و تحدي
( الى أن ......... ماذا ؟!! ............ )
تنهدت تيماء و هي تحك رأسها , ثم قالت بإرهاق
( هلا أجلنا تلك الحرب الباردة الآن من فضلك .... فأنا لم أذق النوم منذ يومين ...... )
لانت ملامحه قليلا , ثم قال بخفوت
( اذن تعالي لترتاحي .... ....... )
وقفت مترددة ترفض التحرك اليه و قالت بارتباك
( س ...... سأذهب لأنام بجوار أمي .......... )
رفع قاصي حاجبه وهو يسألها بنبرة مستفزة
( لماذا خرجتِ اذن ؟!! ............... )
برقت عيناها غضبا و هتفت بحدة
( هل هو تحقيق ؟!! ................... خرجت لأشرب ..... )
بدت ملامحه صلبه , جافة و كأنه لم يصدقها ... الا أنه قال أخيرا بخشونة
( نامي على الأريكة و سأحضر لكِ الماء ........... )
الا أن تيماء قالت من بين أسنانها ...
( أخبرتك بأنني س ............. )
الا أنها لم تجد الفرصة كي تتابع كلماتها المستفزة , فقد تحرك تجاهها بسرعة و حملها فوق كتفه ليلقي بها على الأريكة بفظاظة , ...
استقامت تيماء و هي تصرخ ....
( توقف عن التصرف بهذه الطريقة ............. )
الا أنها صمتت مجددا و اتسعت عيناها و هي تراه يخلع قميصه ببساطة ثم القاه بلامبالاة ....
فقالت بحذر
( ماذا تفعل بالضبط ؟!! ................... )
لمعت عيناه بخبث و ظهر العبث بهما , فارتفع حاجبيها توجسا و قالت بتوتر و حدة
( لا تتهور يا قاصي .... أمي في الداخل , و نحن هنا على الهواء مباشرة ...... )
التوت شفتاه في ابتسامة أكثر عبثا وهو يخلع حزام بنطاله الجلدي , ثم ألقاه هو الآخر ..... بينما اقترب منها ببطىء , فاستقامت تنوي الهرب , الا أنه ألقى بثقله عليها حتى احتجزها تماما في زاوية الأريكة ...
أخذت تقاومه و هي تضرب صدره هاتفة همسا من بين أسنانها ....
( ابتعد يا قاصي ..... أمي في الداخل ........ )
الا أنه قيد معصميها تماما , ثم مال اليها ينظر الى ملامح وجهها المشتعلة .... بعينين أكثر اشتعالا , ثم همس لها بصوتٍ خافت
( ما هي حكايتك ؟!! ..... مرة تتحججين بإمتثال و مرة بثريا ..... ما تلك التصرفات الخاصة بشوؤن الطلبة ؟!! ..... لا ينقصني سوى طابع دمغة و ختم منهما كي أقترب منكِ ..... )
برقت عيناها بغضبٍ أكثر و هي تحاول مقاومته اكثر ... لكن دون جدوى فضحك بشرٍ وهو مستمتع بمقاومتها .... فصرخت به
( الا تمتلك قطرة دم يا قاصي ؟!! ...... أمي ملقاة في الداخل مضروبة و مصابة و أنت لا تفكر سوى في ... في ..... )
ابتسم برقة و قال مداعبا حين اختنق صوتها
( أفكر بماذا ؟!! ........ أتعلمين , أحيانا تكونين أكثر النساء جرأة ووقاحة ... بينما احيان أخرى تخجلين حتى من الإشارة الى العلاقة الطبيعية بين الرجل و زوجته .... )
زمت شفتيها المتبرمتين و هي تبعد وجهها عنه و قد ارتبكت ملامحها أكثر ....
فتابع قاصي يقول ببساطة
( ثم أن والدتك نائمة في الداخل و ليست ملقاة ... فقد قمنا بإنقاذها و حصلت على طلاقها من شبيه الرجال هذا , لذا فقد حققنا نصرا علينا الإحتفال به ..... )
نظرت اليه تيماء بحدة و هتفت بغضب
( الإحتفال الوحيد الذي أريده حاليا هو النوم ........... )
ضحك قاصي وهو يراها تعود للتلوي من جديد , فقال بنبرته المتسلية
( لم يكن في تفكيري سوى النوم على صدرك , لكن مقاومتك العنيفة تلك تشير الي بأفكارٍ أخرى .... )
توقفت تيماء عن الحركة على الفور ... و سكنت تماما ,فضحك قاصيٍ بصوتٍ عالٍ مما جعلها ترمقه بحنق لتهمس من بين اسنانها
" بغل ....... "
توقفت ضحكات قاصي و انعقد حاجاه بشدة ليقول بجدية خطيرة
( ماذا قلتِ للتو ؟!! ........... )
قالت تيماء بصوتٍ متراجع
( لم أقل شيئا ..... هلا تركت معصماي , لقد تخدلا ...... )
ظل قاصي ينظر اليها نفس النظرة الغاضبة , ثم حررهما أخيرا , و قال بصوتٍ فظ
( أنصحك ان تنامي اذن قبل أن تتسببي لنفسك في قص لسانك الأطول منكِ هذا ...... )
قالت تيماء بإستياء
( هل سأنام و نحن في هذا الوضع ؟!! ..... أنت تنام فوقي ..... )
انزاح قاصي قليلا مما جعل وزنه يسحقها في الزاوية أكثر و ما أن انتهى حتى عقدت حاجبيها و قالت بحدة
( لم يحدث أي تغيير يذكر سوى أن ركبتك مغروسة في بطني .... )
أبعد قاصي ركبته عنها و قال بجفاء
( هذا أقصى ما يمكنني فعله لكِ ..... يمكنك النوم الآن لأنني متعب بعد السفر ذهابا و عودة .... )
و دون أن ينتظر منها ردا كان قد وضع ذراعه تحت رأسه و أغمض عينيه ببساطة .... فظلت تيماء تنظر اليه طويلا و هي تشعر بدفئه يحيط بها من كل مكان ...
أغمضت عينيها بضعة لحظات و هي تتمتع برائحته التي تتخلل كيانها كله ... ثم فتحتهما لتنظر اليه مجددا و همست
( قاصي ......... )
رد عليها دون أن يفتح عينيه
( هممممممم ............. )
سألته بخفوت
( هل نمت ؟!! ........... )
ساد الصمت لبضعة لحظات ., ثم قال بخفوتٍ أجش
( نعم .... نمت و حاليا أحلم بنا أنا و أنت و نحن نمثل فيلما خارجا ....انتظري لحظة ..... آه ها أنتِ ترتدين بعض الريش .... بينما أتت نسمة لطيفة طيرته كله ..... اممممم هل ازداد وزنك قليلا ؟!! ... هذا رائع .... )
تأففت تيماء و هي تقول بنفاذ صبر
( انت أحيانا تصبح شخصا لا يطاق .......... )
فقال ببساطة
( أتمنعين عني الحقيقة و الحلم أيضا ؟!! ....... أي قاسية الفؤاد أنتِ ؟! ...... )
أسندت ذقنها الى قبضتها المضمومة قليلا .... و اخذت تتأمله ....
ملامحه .... كم تعشق ملامحه الغريبة ....
ليس الجميع يحبها , فهي جذابة للبعض .... و منفرة للبعض الآخر بشعره الطويل المبعثر ..... لكنه في كل الأحوال لا تنقصه الرجولة أبدا .....
قالت تيماء بخفوت
( أرجو أن تتوقف كوابيسك ............ )
فتح قاصي عينيه ببطىء و نظر اليها قبل أن يمد أصابعه ليبعد خصلاتها المجعدة عن وجهها ... ثم قال بصوتٍ أجش
( توقفت منذ أن احتللتِ أحلامي .......... )
ارتبكت و اهتزت حدقاتها قليلا , فأخفضت وجهها تنظر الى خط عنقه ... و ظلت صامتة , بينما سألها بهمس حذر
( ماذا عن كوابيسك أنتِ ؟؟ ...... هل توقفت ؟! .... لا أذكر أنني سمعتك تنازعين في نومك منذ أن انتقلت الى هنا ..... )
همست تيماء بفتور دون أن ترفع عينيها اليه
( توقفت منذ الولادة .............. )
بهتت ملامح قاصي قليلا ..... الا أنه استمر في ابعاد خصلات شعرها التي تثير عواطفها أكثر بملمسها السلكي الخادش لبشرة أصابعه .... ثم قال بخفوت
( جيد ............ )
أومأت رأسها ثم قالت دون حياة
( يبدو أن عقلي الباطن يقوم بعمل تحديث لأكثر ما يؤلمني ... فيبدو ما سبقه أقل أهمية ...... )
تنهد قصي تنهيدة حارة مما جعلت انفاسه تلفح وجهها فشعرت بالدفىء أكثر و تنعمت به للحظات , ثم همست
( قاصي ......... )
هذه المرة رد عليها بصوتٍ أجش عميق
( أنا مستيقظ ....... فأنتِ في الحقيقة أجمل من الأحلام ..... شعرك السلكي ووجهك المتمرد ... و عضلاتك المتحفزة استعدادا لضربي إن قمت بأي حركة دنئية ..... نعم أنت في الواقع أجمل بكثير من الأحلام ... )
ابتسمت تيماء رغما عنها ..... ابتسامة من تاقت للسعادة ... للحياة دون فواجع ....
الا أنها قالت بخفوت دون أن تستطيع رفع عينيها اليه
( أشكرك على وقوفك معنا اليوم ...... أعتدت أنا و أمي على التصرف وحدنا , لكن أحيانا وجود رجل بجوارنا يشكل فارقا .... )
عقد قاصي حاجبيه وهو ينظر الى السقف بصمت ... ثم قال بصوتٍ خفيض
( أنتِ زوجتي ........ )
و كأن تلك الكلمة كانت كل ما يحتاجه من تفسير ..... الا أنه تابع و قد استمتع بمذاقها في فمه
( أنتِ زوجتي يا مهلكة .... و منذ اليوم ستجديني بجوارك دائما , سأكون عائلتك و كل أهلك ..... ما أن تحتاجيني حتى تجديني .... لن تسافري الي و لن أسافر اليكِ ..... لا مزيد من الصفقات أو إعادة التفكير .... أعدك الا أخذلك مجددا .... )
صمت قليلا وهو يتابع النظر الى السقف بعينين مظلمتين , بينما لم تتوقف أصابعه عن اللعب بخصلات شعرها , ثم قال أخيرا
( ظننت أنني كنت معكِ في سنوات طفولتك و مراهقتك ..... ظننتك أنني كنت هناك كلما احتجت الي .... لكن اليوم و أنا أسمع الى كلماتك مع ثريا .... أخذت أفكر ., ... كم مرة سافرت اليكِ فيها ؟... مرة كل شهر ؟!! .... ثم مرتين في الشهر .... و حين أدركت بأنني أود رؤياكِ تحججت فأصبحت مرة كل اسبوع .... و أقصاها حين ارتبطنا بعهدٍ بيننا .... كنت آتي اليكِ مرتين في الأسبوع ..... لكن ماذا عن كل الأوقات التي قضيتها بمفردك ؟! .... تعتنين بثريا و تراعينها كطفلة ... تتحملين نوبات بكائها و رغباتها و طلباتها التي لا تتوقف .... تحلين كل مشكلةٍ توقع نفسها بها .... و تدبرين أمر المال الذي يرسله اليكما والدك كي لا تنفقه بالكامل ... ثم تقومين بأعمال المنزل و تتابعين دراستك فتتفوقين بها ؟!! ..... )
صمت قاصي قليلا بينما رسم الحنين و الندم في عينيه ذكرياتٍ بعضها جميل عذب بشكلٍ لا يصدق ... و البعض الآخر يجعله يشعر كم تخلف عنها فلم يمنحها حياته بكاملها ... بكل أنفاسه , لأنها تستحق ....
ثم تابع بصوتٍ أكثر همسا ...
( أين كنت أنا ؟!! ...... كنت أحارب شعورا بالخزي من توقٍ بداخلي تجاهك ... لم يعرف ضميري معنى التأنيب بالنظر الى امرأة الا بعد أن عرفتك .... كنتِ تهليكني , فحاولت محاربة هذا الشعور ... غير مدركا أي حرب من الوحدة و المجهود تخوضين ..... ليتني احتللت كل لحظة من حياتك لأعلم معنى أن أكون بجوارك متى احتجتِ الي ....... )
صمت قليلا , ثم نظر اليها وهو يهمس بصوتٍ أجش
( تيماء أنا .............. )
الا أنه صمت حين رآها قد غابت عنه في سابتٍ عميق و قد انتظمت أنفاسها من التعب .... فظل يلامس شعرها الى أن تابع بصوتٍ جاف هامس
( أنا أعشقك يا مهلكة .......... ... )
ثم ضمها اليه بقوة جعلتها تئن قليلا , بينما أغمض عينيه وهو يشم عبير شعرها الأخاذ الشبيه برائحة الحياة ....
و مضت الدقائق طويلة وهو يتنعم بوجودها بين أحضانه .... يتذكر كم أبعدها عن الجميع كي يظل الوحيد لها ...
كي تظل في حاجةٍ له دائما .....
فتح عينيه و هو يحاول ابعاد الطعم المرير في حلقه و الشبيه بطعم الصدأ .....
كم كان أنانيا معها ؟! .... حتى الطفل الذي تمنته من الحياة كي يشاركها اياها فقدته سريعا دون مقدمات ...
نظر قاصي اليها طويلا , ثم تحرك لينتزع ذراعيه من حولها بحذر كي لا تستيقظ ...
و ما أن حررها حتى نهض من الأريكة , ثم بحث عن هاتفه الى أن وجده , و كان الوقت حينها في الصباح الباكر كما اعتاد أن يتصل بها دائما .... فطلب رقمها و انتظر الى أن وصله صوتها الهادىء الملول
( هل أنت موصوف لي في مثل هذه الساعة من صباح كل يوم ؟!! .... لقد بدأ زوجي يشك بنا .... )
ضحك قاصي ضحكة مختصرة , خشنة .... ثم قال بهدوء
( كلمة زوجي خارجة من فمك كالخبز البائت .... يؤسفني أنها لا تليق بكِ .... )
ردت عليه مسك بإمتعاض
( يبدو أن الزواج بأكمله لا يليق بي .......... )
عقد قاصي حاجبيه , ثم سألها بحذر
( لماذا أشعر بأن عبارتك الفظة تحمل أكثر مما تبدو !! ..... ما الأمر يا مسك ؟ ... )
أجابته بقوة و ثقة
( لا تشغل بالك بي ..... بعض العوائق التي توقعت حدوثها , المهم ... دعك مني و أخبرني عن سبب اتصالك ..... من المؤكد أنك لم تتصل بي كي تقول صباح الخير .... )
قال قاصي بصوتٍ متردد .... غير راضٍ تماما ...
( مسك .... ألم تخبريني منذ فترة عن رغبتك في زيارتنا أنا و تيماء ؟؟ .... اممم حسنننننا ... أنا موافق و أمري الى الله .... هاتي زوجك و تعالي .... )
ارتفع حاجبي مسك و هي تسأله بدهشة
( هل هذه دعوة لزيارتكما ؟!! ..... لأنني أكاد أسمع دعائك الداخلي كي أرفض ...... )
رد قاصي بصراحة
( هذه الدعوة أتت على مضض و أنتم بالفعل غير مرحب بكم في حياتنا في مثل هذه المرحلة .... الا أنني أحكم ضميري للمرة الأولى .... )
قالت مسك محاولة الإستيعاب
( أنا حقا لا أفهم ..... لماذا ترغم نفسك على استقبالنا , هل أجبرتك تيماء على ذلك ؟ ...... )
قال قاصي بصوتٍ مبهم
( بل هي لم تعرف بعد ..... أنا أريدكما أن تكونا جزءا من حياتها , و ليث و سوار كذلك ..... )
عقدت مسك حاجبيها بدهشة حقيقية , ثم قالت ببطىء
( ليث و سوار ؟!! ..... ما الذي تحاول فعله تحديدا ؟!! ......... )
نظر قاصي من النافذة بنظرةٍ طويلة ثم قال أخيرا بصوتٍ مستسلم
( أنوي تكوين عائلة لها ........ فإن حدث و تركتني ..... لا تكون وحيدة دون سند أبدا ..... )
.................................................. .................................................. .....................
أغلقت مسك الخط مع قاصي ....و ظلت شاردة و هي تتلاعب في طبق افطارها المكون من قطع مشكلة من الفواكه و شريحة من البيض المقلي ... الى أن انتبهت لدخول أمجد الى المطبخ , فنظر الي هاتفها الموضوع على الطاولة بجوار طبقها ..... نظرة ذات مغزى ..
فردت ببساطة قبل أن يسأل ...
( كان هذا قاصي ............ )
تخيلت أن عضلات جسده كلها تتشنج دفعة واحدة ... بينما تصلبت ملامحه
فعقدت مسك حاجبيها و هي تتسائل
هل يعقل أن يغار من قاصي بالفعل ؟!! ..... كيف يحدث أن يغار رجل من زوج أخت زوجته ؟!! .....
إنها لا تحب هذا .... لا تحب هذا مطلقا ....
إن كانت ترفض الغيرة الطبيعية , فكيف و تلك الغير منطقية بالمرة و الأقرب الى الخلل في كل منطق ....
الا أنها أحكمت اخفاء أفكارها عنه ثم قالت متابعة ببساطة
( اتصل ليدعونا لزيارته و تيماء في شقتهما .......... )
ضاقت عينا أمجد وهو ينظر اليها , ثم اتجه الى غلاية الماء و قام بإعداد قهوته الخاصة ....
فعقدت مسك حاجبيها و قالت بحدة أكثر قليلا من صوتها المعتاد
( أمجد ..... هل سمعتني ؟!! ......... )
توقفت يدا أمجد قليلا عما يفعل , الا أنه تابع بعد لحظة دون أن يستدير اليها ثم قال بهدوء
( سمعتك ...... أخبريني باليوم و الساعة , و سأضبط مواعيدي ........ )
ظلت تراقبه و هي مستندة بمرفقها الى ظهر كرسيها عاقدة حاجبيها .... الى ان انتهى و احضر كوبه ليسحب كرسيا و يجلس الى الطاولة في مواجهتها ...
بينما هي تراقبه دون أن تنزع عينيها عنه .... أما هو فظل يتابع الأخبار عبر شاشة هاتفه , دون أن يعيرها أي اهتمام ...
تأملته مسك للحظاتٍ طويلة .... تقر في نفسها بإعجابها بملابسه الأنيقة و البسيطة في ذات الوقت ....
يوما بعد يوم تزداد الجاذبية بينهما .... أو من جهتها على الأقل ....
فليلة أمس حين خلد الى الفراش , أدار لها ظهره للمرة الأولى دون أن يحاول أخذها بين أحضانه ككل ليلة ...
لقد عودها على أن تكون ذراعه هي وسادتها دائما ..... و كثيرا ما كان احتضانه لها يقودهما الى مشاعر محمومة بدأت تتخلل كيانها بسرعة قياسية ...
لكن ليلة أمس لم يقترب منها و لم يمنحها ذراعه حتى كي ترتاح اليها ....
في البداية لم تبالي , فهي لم تظن أن يستمر على هذا المنوال العاطفي طويلا .... لكن بعد ساعة طويلة من نومه الهادىء ... اكتشفت أنها راقدة على جانبها تنظر الى ظهره الساكن و هي تفتقد بشدة احتضانه لها ...
لكنها لم تكن أبدا لتلامس ظهره و توقظه من نومه كي تبادره بمشاعرها أبدا ....
ثم ظلت مستيقظة لساعة اضافية و هي تحاول تحليل هذه الرغبة الخطيرة تجاهه ....
ترى هل شعر بها هو الآخر و لهذا بدأ في الإبتعاد عنها ؟! ....
أيكون قد زهد بها ما أن لاحظ تزايد انجذابها له ؟!! ......
أو ربما يحاول التلاعب بهذا الإجذاب ؟!! ......
إنها تعلم جيدا أن هذا هو حال الرجال دائما ....
عقدت حاجبيها و هي تتلاعب في طبقها مجددا لتهمس لنفسها ضاحكة بعصبية
( بالطبع لا ...... ما هذه الحماقة ؟!! ..... )
رفع أمجد وجهه لينظر اليها , ثم سألها بحيرة
( هل قلتِ شيئا ؟!! ........ )
انتبهت مسك الى أنها تكلمت بصوتٍ عالٍ ..... فتداركت نفسها و ابتسمت له ابتسامة أنيقة , لتقول بهدوء
( كنت شاردة فحسب .... أفكر في شيء ما .... غير مهم , لا تشغل بالك ... )
رمق أمجد زاويتي شفتيها في نظرة لم يتحكم بها ... حينها فقط اتسعت ابتسامتها أكثر ...
هي تعلم سر هذه النظرة ....
إنه معجب بالخطين العميقين فوق زاويتي شفتيها و اللذان لا يظهران الا حين تضحك ....
لا تزال تتذكر ردة فعله حين أخبرته عن تفكيرها في وخزهما بموادٍ تجميلية مالئة .... كان على وشكِ خنقها ...
انتابتها روح عابثة شيطانية فمالت اليه و سألته بخبث
( ألن تقبلهما ؟!! .......... )
أجفلت ملامح أمجد وعقد حاجبيه وهو يقول بإرتباك
( ماذا ؟!!! ............... )
انحدرت عيناه أكثر الا ان ضحكة قوية منها جعلته ينظر اليها غاضبا وهو يقول بغيظ
( أنتِ مستفزة جدا في الصباح .... )
اتسعت ابتسامتها و هي تسأله ببراءة
( ماذا قلت أنا ؟!! ....... سألتك ألن تقبل خطي ابتسامتي ؟!! ...... )
رقت عيناه رغما عنه وهو يرمقهما بنظرة جعلتها تهز ساقها تحت الطاولة بعصبية لم تعتدها في نفسها ...
ثم مال اليها عبر الطاولة .... و شعرت بقبلته على احدى زاويتي شفتيها , فأغمضت عينيها الى أن شعرت بقبلة أخرى على الزاوية الثانية ....
أبعد وجهه عنها قليلا , ففتحت عيناها و نظرت الى عينيه القريبتين منها , ثم كتفت ذراعيها فوق الطاولة و ظلت بوجهها قريبة من وجهه .... و كل منهما ينظر الى الآخر ....
حتى قالت بخفوت مبتسمة
( تبدو وسيما هذا الصباح يا حسيني ........ )
لم يبتسم أمجد وهو ينظر اليها , ثم قال بهدوء صادق
( أما أنتِ فجميلة كل يومٍ يا ألماس ............ )
بدت ابتسامتها أكثر جمالا و قالت بمشاغبة
( حسنا .... ألماس أفضل من ألمظ على كل حال .... الا أنك بدأت تعتاده بعد فوات الأوان , فجميع أطفال شقيقتك يدعونني ألمظ حاليا .... )
قال أمجد بجدية ...
( ألماس هو حقيقة ما أراك به ....... أما ألمظ فهو اسم تحببي نبع من قلبي , يؤسفني أنه لم ينال اعجابك ... )
ارتجفت شفتاها قليلا و شعرت بشيء يصرخ في داخلها أنها تريد استعادة اسمها التحببي ....
الا أنها أمسكت لسانها بالقوة و أبقت على ابتسامتها الأنيقة ... الى أن انحنى أمجد مجددا و قبل جبهتها ... ثم نهض من مكانه ليقول بصوتٍ هادىء
( يجب أن أذهب للعمل الآن ..... سأتصل بكِ خلال اليوم , و لا تنسي أن تخبريني بموعد زيارتنا لأختك قبلها بفترة مناسبة ..... )
ظلت مسك مكانها مستندة بذراعيها المكتفين فوق الطاولة و هي تنظر اليه بملامح باهتة قليلا و قد اختفت ابتسامتها ....
الا أنها سألته قبل أن يخرج من المطبخ
( هل ستتأخر اليوم ؟!! ........... )
التفت اليها و قال مؤكدا
( بالطبع ............. )
ثم خرج ............
أما هي فقد تراجعت في كرسيها و هي تنظر الى الباب الخالي بصمتٍ غريب .....
بالطبع ... لقد خرجت منه الكلمة و كأنها لكمة في معدتها ....
على الرغم من أنها هي التي منحته الإذن و الحرية كاملة .....
أظلمت عيناها و هي تدلك ذراعيها ببطىء ....
و هي تشعر بشيء غير مريح .... غير مريح اطلاقا ....
و كأنها تنزلق ببطىء .... بينما هو ينسحب أسرع ..........
.................................................. .................................................. ....................
عاد ليث من عمله منهكا ... غير مفسر الملامح , اما هي فكانت تنتظره منذ ساعاتٍ مضت ...
أعصابها تحترق دون هوادة .... حتى أوشكت أكثر من مرةٍ على الذهاب الى عمله كي تعرف بما فعل ....
الا أنها أمسكت نفسها في اللحظة الأخيرة
أوقفت سوار هز ساقها ما أن سمعت صوت المفتاح في الباب و رأته يدخل بملامحه التي لم تستطع قرائتها ...
فنهضت بسرعة و قالت بصوتٍ صلب , رغم التوتر الحارق بداخلها
( السلام عليكم .......... )
توقف ليث ناظرا اليها بتلك النظرة المتباعدة ثم قال بهدوء يرد عليها
( و عليكم السلام و رحمة الله ........ )
انتظرت منه ان تسمع الأخبار و ما حدث سريعا , الا أنه و لدهشتها استدار عنها متجها الى غرفته ببساطة ...
اتسعت عينا سوار بصدمة , لكنها سيطرت على أعصابها و قالت بهدوء
( هل أسخن لك طعام الغذاء ؟؟ ......... )
قال ليث بجفاء دون أن يوقف خطواته الثابته أو حتى أن يستدير اليها ....
( لقد تناولت شيئا سريعا في المكتب و أحتاج للراحة فقط ....... )
ثم ابتعد أمام ناظريها الى الغرفة فدخلها و اغلق الباب خلفه
ظلت سوار مكانها تنظر الى الباب المغلق و هي تتنفس بسرعة و غضب ... الا أنها لم تستطع السيطرة على نفسها هذه المرة ... فرفعت طرفي عبائتها و أسرعت الخطى خلفه الى أن وصلت للباب ففتحته و اقتحمت الغرفة دون اذن .... ثم سألته بصوتٍ آمر عديم الأدب
( ماذا فعلت بالأمر ؟؟ .......... )
رفع ليث عينيه ينظر الى عينيها عبر مرآة طاولة الزينة وهو يخلع قميصه ....
( أي أمر ؟! ............ )
برقت عينا سوار بروحٍ جامحة متهورة , فقالت بصوتٍ قاصف
( لا تتلاعب معي بالألفاظ يا ليث ..... كيف تصرفت فيما يخص دليلة ؟؟؟ ...... )
ارتفع حاجبيه بتعجب , ثم قال ببساطة
( دليلة ؟!! .............. )
كاد بروده أن يصيبها بالجنون , فصرخت و هي تضرب الأرض بقدمها
( توقف عما تفعل يا ليث ..... نعم دليلة , هل تكلمت معها ؟؟ ....... )
استدار ليث اليها ثم انحنى ليستند الى طاولة الزينة بكفيه وهو يقول بهدوء قاتل
( نعم تكلمت معها ............. )
اشتعلت عيناها و هي تنتظر منه المزيد , لكنه ظل صامتا وهو ينظر اليها بعينيه الجافيتين ... فهتفت بقوة و هي تلوح بكفيها
( و ماذا ؟!! ...... كيف شرحت لها الأمر و ماذا كان ردها ؟!! ..... )
ارتفع حاجبي ليث , الا أنه أجابها بثبات و برود
( هذا شيء لا يخصك .......... )
فغرت سوار فمها قليلا و هي تتراجع للخلف خطوة , و لسانها يهمس دون أن تستطيع منه
( ماذا ؟!! .......... )
أجابها ليث بنفس الهدوء
( قلت أنه أمر لا يخصك منذ هذه اللحظة ..... لقد قمتِ مشكورة بخطبة الفتاة من نفسها .... لذا عرفت بأنكِ مستعدة و موافقة .... أما ما يلي ذلك فهو أمر خاص بيني و بينها ...... و سأخبرك بما سيتم حين أرى الوقت مناسبا .... )
ردتت بنفس الصوت المصدوم
( بينكما ؟!!! ...... ما هو هذا الذي يمكن أن يكون بينكما ؟!! ..... )
اشتد صوت ليث وهو يقول قاطعا ,
( أخبرتك بأنه أمر لا يخصك .......... )
بهتت ملامح سوار وهي تقول بصوتٍ مرتجف غير مصدقة
( كيف تكلمني بهذه الطريقة ؟!! ........أنا سوار غانم الرافعي ... )
استقام ليث من مكانه و قد لمعت عيناه غضبا فجأة و قال بصوتٍ هز جدران الغرفة
( أنت زوجتي قبل أن تكوني أي شيء آخر ...... و عليك أن تتأدبي كي تتعلمي هذا ..... لقد تحملت منكِ غباءا لو تم توزيعه على العالم بأسره لوفى و فاض ..... )
حاولت سوار الصراخ مجددا , و فتحت فمها تنوي صب جنونها عليه .. الا أنها أغلقته و هي ترمقه بنظرتها النارية الخطيرة ....
و تواجهت قوى كلا منهما .... في حربٍ للإرادة , ثم قالت أخيرا بصوتٍ يرتجف قسوة و إباءا
( ما عاش من يعاملني بتلك الطريقة ...... )
أظلمت عينا ليث بشدة , الا أن سوار رفعت ذقنها و قالت بصوتٍ أكثر ثباتا و عينين قاسيتين كالحجر المرمري
( تريد تأديبي يا ليث الهلالي ؟!! ...... حسنا فليكن لك هذا , و أعدك إن نجحت فسأنحني على يدك و اقبلها ...... لكن الى هذا الحين بيني و بينك جدار لن يهدم بسهولة ..... )
و دون أن تنتظر منه ردا .... استدارت على عقبيها تنفض شعرها و هي تخرج من الغرفة تاركا الباب مفتوحا بإهمال ..... الا أن صوت ليث ناداها بقسوة
( سوار ........... )
توقفت مكانها و هي تنتظر منه أن يراضيها .... و أن يعود الى رشده , الا أن صوته قصف من خلفها
( اتصل قاصي يدعونا لزيارته هو و ابنة عمك ....... ضعي في حسابك أننا سنذهب و ستلتزمين الأدب أمام الجميع ...... )
أفلت نفس ساخن من بين شفتي سوار و هي تلهث بغضب .... بينما انقبضت كفاها بشدة ....
كانت تبدو كفرسٍ جامحة يحاول أحدهم ترويضها .... و هي تحارب كي لا تضربه في صدره بقائمتيها و تقتله ...
لأنها تستطيع .... تستطيع أن تسقيه السم في كلماتٍ تعلم بأنها ستوجعه ....
الكنهالا عوضا عن ذلك , التفتت اليه برأسها و قالت ببرود
( بالطبع سنذهب ..... و سنمثل دور زوجين واقعان في الغرام ..... )
أظلمت عينا ليث بشدة , أما هي فابتسمت له بتشفي , ثم ابتعدت عنه مرفوعة الرأس ....
أما هو فشعر للمرة الأولى كم هي قاسية تلك المرأة التي أحبها منذ أن عرف للحياة معنى ...... 

خرج أمين من المصعد مساءا بعد عودته من عمله .... متجها بتثاقل الى باب شقته , الا أنه توقف و عقد حاجبيه وهو يخفض وجهه مستمعا الى صوت صخب عالي ... فأرهف السمع قليلا ...
حينها استطاع تمييز أصواتٍ أغانٍ عالية , ترافقها أصوات ضحكات فتياتٍ أكثر علوا ....
ازداد انعقاد حاجبيه وهو يقترب من حاجز السلم , فوضع يده عليه و أطل برأسه كي يسمع بوضوحٍ أكبر ...
حينها لم يعد لديه أي شك في أن الاصوات منبعثة من شقة ياسمين ...
رفع أمين رأسه و هو يشعر بغضبٍ مفاجىء يملأ صدره دون توقف ... و ما أن فاض الكيل حتى أسرع الى شقته يفتح الباب مناديا بعنف...
( أمي ...... ام أمين ...... أم أمين ...... )
خرجت أمه من المطبخ متعثرة و هي تهتف بقلق
( ماذا حدث ؟!! ......خير يا ابني ماذا حدث ..... )
قبض أمين كفه وهو يسألها من بين أسنانه غير قادرا على التحكم في نوبة الغضب التي تتملكه ..
( هل عادت نورا ؟!!!! ........... )
قالت أمه بصوت قلق متلعثم
( نورا ..... نورا لدى جارتنا ياسمين , لقد أخبرتني بأنك وافقت على زيارة جماعية لها مع صديقاتها عند ياسمين ..... )
صرخ أمين بغضب أعلى حدة ...
( اذن هي لا تزال عندها ؟!! ...... الا تسمعين ما يحدث يا أم أمين ؟!!! ..... و كأنه مرقص !!! .., حين وافقت على الزيارة لم يكن هذا هو مفهومي عنها ....... )
فتحت أمه كفيها و هي تقول بصوتٍ مرتجف محاولة تهدئته
( و ما الضير يا ولدي من سماعهن لبعض الاغاني ؟؟ ....... )
ردد أمين بصوتٍ اعلى
( بعض الاغاني ؟!!! ..... الا تسمعين هذه المساخر يا أمي .. .. أرهفي السمع الى أصواتهن الرقيعة , و اعلمي أن ابنتك احداهن ...... هل هذه هي الثقة التي منحتها لها ؟!!!!! ..... )
قالت أمه بقلق أكبر تتوسله
( اهتدي بالله يا ولدي ..... وادخل لتبدل ملابسك , لتجدها و قد عادت من فورها ..... )
ضغط أمين على أسنانه ثم قال بحدة محاولة السيطرة على نفسه كي لا ينسى أنه يخاطب أمه ,
( اتصلي بها يا أمي و آمريها أن تأتي حالا ........ )
أومأت أمه برأسها و هي تقول بطاعة
( حاضر ..... حاضر يا ولدي كما تشاء ..... سأتصل بها ... )
أمسكت والدته بالهاتف و هي تطلب رقم ابنتها , .... مرة بعد مرة .... بينما أمين يرمقها شزرا ....
الى أن يئست في النهاية و قالت بصوتٍ مرتجف
( لا ..... لا ترد ...... مؤكد لا تسمعه ...... )
ابتسم أمين بغضب و هو يقول ساخرا
( بالطبع .... و كيف ستسمعه و هي تجلس في هذا الماخور ...... )
هتفت أمه برجاء
( يا ولدي لا يصح ما تقول ...... اهتدي بالله ..... )
الا أن أمين رد عليها بصرامة
( سأنزل اليها لأحضرها بنفسي ......... )
جرت والدته خلفه وهو يتجه الى باب الشقة و هتفت
( انتظر يا ابني ..... لقد هدأت الأمور بينكما قليلا , فلا تشعلها من جديد لسبب تافه .... )
استدار اليها أمين و قال بعنف
( ما تربت عليه أختي ليس امرا تافها يا أمي .... و ان كانت تلك المرأة قد تربت بصورة مختلفة , فعليها أن تبتعد عن نورا تماما .... )
و دون أن ينتظر ردا من والدته , كان قد خرج من الشقة نازلا على السلم دون انتظارٍ للمصعد ....
طرق أمين الباب بقوةٍ مع ضغطه على الجرس باستمرار كي يسمعن ...
فما أن وقف أمام شقتها حتى صعق من صوت الأغاني العالي و أصوات ضحكاتهن ....
ظل يضرب على الباب الى أن فتحته ياسمين فجأة و هي تلهث ضاحكة ....
فتسمر أمين مكانه للحظة ....
كانت تقف أمامه مخلوقة مختلفة تماما .....
هي نفسها ياسمين التي نظر اليها مرتين أو ثلاث على الأكثر ... الا أنها بدت مختلفة ....
ترتدي فستانا أسود طويل متناسق مع قوامها الممتلىء فجعله مكتنزا مضموما بأناقة .... بينما التف شعرها في موجةٍ واحدة على احدى كتفيها ...
عيناها اللتان تألقتا ما أن نظرت اليه , كانتا مكحلتان بعناية بالكامل .... بينما هتفت شفتاها الحمراوان
( أمين .... أقصد أستاذ أمين .... مرحبا .... )
رمش أمين بعينيه , كي يستعيد توازنه ثم قال بصرامة ...
( أريد نورا ..... ..... )
بهتت ابتسامتها قليلا و هي ترى لهجته التي عادت الى نبرتها القديمة , فقالت متوترة
( هل هناك خطب ما ؟!!! ............ )
أوشك على أن يخبرها بالخطب ... الا أن نظرة منه طالت خلف كتفها لسبب ما , فلمح أخته و هي ترتدي فستانا يلامس ركبتيها بينما تعقد حول وركيها وشاحا !!! .....
من الواضح أنها كانت ترقص !!! ....
صرخ أمين فجأة و قد أعماه جنونه
( نوراااااااااااا ......... )
شهقت نورا بصدمة و هي ترفع يدها الى صدرها ناظرة الى أخوها من بعد .... فسارعت الى فك الوشاح من حول وركيها , ثم أغلق صوت الأغاني فجأة ..... و اختفت من أمامه ...
أما ياسمين فكانت واقفة شاحبة الوجه أمامه و هي ترى هذا الغضب الهادر أمامها و الذي جعلها ترتجف بشدة و هي المرة الأولى التي تشعر فيها بهذا القدر من رجل ....
تمالكت نفسها و قالت بصوت أكثر ارتجافا
( ما الذي حدث يا أمين ؟! ...... ألم تمنحني الإذن في إقامة هذا الحفل للبنات ؟!! ...... )
التفت اليها و عيناه تقدحان شررا .... ثم صرخ بقوة مما جعلها تتراجع للخلف بذعر
( أي اذن هذا في تلك الفضيحة التي تفعلينها ؟!!! ........ )
رفعت ياسمين يدها الى صدرها و هي تهتف بارتياع
( أي فضيحة ؟!! ...... لماذا تتكلم بهذا الشكل ؟!! ..... )
الا أن أمين صرخ بها مجددا ... ..
( كيف تسمحين لنفسك بأن تجمعي فتيات في شقتك ليرتدين مثل هذه الملابس و يرقصن بخلاعة ؟!! ... و من بينهن أختي !!! .... )
صرخت فيه ياسمين بغضبٍ اعلى من غضبه على الرغم من الدموع التي تجمعت أمام حدقتيها
( و ماذا لو رقصن ؟!! .... كلنا هنا نساء , اليس لديكم أفراح منفصلة ؟!! .... ما الخطأ في بعض المرح ؟!! ..... )
صرخ فيها مجددا
( و ما الذي يضمن لي الا تقوم احداهن بتصويرها و تسريب هذه الصور ؟!! .... )
رفعت ياسمين كفيها الى جبهتها و هي تصرخ فيه بجنون
( يالخيالك الزائد ...... من منا ستصور أي واحدة وهي ترقص ؟!! .... كلنا بنات عائلات محترمة , و ليست أختك فقط ..... )
صرخ بها بعنف و قد احمرت عيناه
( أنا لا أعرف أحد سوى أختي .... و هي فقط من تهمني ..... )
في تلك اللحظة خرجت نورا و هي ترتدي ملابسها المحتشمة و تلف شعرها بحجابها ... هاتفة بتوسل
( أرجوك كفى ....... فضحتني أمام صديقاتي ...... كفى .... )
أشار أمين الى السلم و قال مهددا بضراوة
( اصعدي الى البيت دون كلمة واحدة و حسابنا هناك .... .... )
لكن و قبل أن تتحرك ... أخذت صديقاتها يتجاوزنها واحدة تلو الاخرى بحرج و هن يرحلن بتوتر .....
بكت نورا بخزي بينما جرت الى السلم .... فنظر اليها أمين بغضب , ثم أعاد عينيه الى ياسمين ...
الا أنه تسمر مكانه وهو يرى الدموع تنساب على وجهها الشاحب دون أن يصدر عنها أي صوت ....من عينين تنظران الى الفتيات اللاتي غادرن من بيتها بهذه الصورة و كأنه بيت مشبوه
بينما كان الحرج يملأها و قلبها ينبض بعنف ظاهر على حركة تنفسها المتسارعة ...
شحب وجه أمين بشدة وهو يرى وجهها المتساقط بهذا الإنكسار ....
فتراجع للخلف خطوتين ..... قبل أن يغادر سريعا وهو يشعر بشيء ثقيل كالحجر يثقل صدره .....
.................................................. .................................................. ......................
استيقظت تيماء على صوت رنين جرس الباب .... فنهضت من على الأريكة تتعثر ....
حتى وصلت اليه و قالت بصوتٍ ناعس
( من ؟؟؟ ................ )
وصلها صوت امتثال من الخارج و هي تقول بصوتٍ عالٍ
( أنا إمتثال يا تيماء ..... افتحي الباب ......... )
فتحت تيماء الباب و هي تبعد خصلات شعرها الكثة عن وجهها و قالت بإرهاق
( صباح الخير سيدة امتثال .... اعذريني على ما يبدو أنني تركتك على الباب طويلا .... )
قالت امتثال بلهفة
( بل اعذريني أنا على ايقاظك .... الا أنني لم أستطع الإنتظار طويلا كي أطمئن على والدتك ..... )
تنهدت تيماء و هي تشير للداخل قائلة
( تفضلي ادخلي يا سيدة امتثال ..... أمي نائمة في الداخل ... )
دخلت امتثال الى داخل الشقة , فاغلقت تيماء الباب خلفها .... بينما استدارت امتثال لها و سألتها بشك
( أين المقروص ؟!!! ........... )
عقدت تيماء حاجبيها و هي تقول بعدم فهم
( أي مقروص ؟!! ........... )
ردت امتثال بحنق
( زوجك المقروص في قلبه .......... )
قالت تيماء مدركة
( آآآه ... لا أعلم اين ذهب , على الأرجح خرج و أنا نائمة ...... استيقظت فلم أجده ... )
قالت امتثال مرتاحة
( أحسن ...... أراح و استراح , عله لا يعود , فننعم جميعنا بالراحة ...... المهم أخبريني كيف حال والدتك .... )
قالت تيماء بخفوت و اهتمام
( آه لو ترين حالها يا سيدة امتثال .... الحقير زوجها ضربها كما كان يضرب للمرة الأخيرة في حياته ... وجهها معجون تماما .... )
رفعت امتثال يدها الى صدرها و هي تشهق قائلة بتعاطف
( لا حول و لا قوة الا بالله ...... المسكينة ..... قطعت يده المجرم ابن المجرمين .... )
ثم انحنت الى تيماء و ربتت على كفها هامسة
( و هذا سيكون حالك لو بقيت مع المقروص في قلبه قاصي .... اليوم كسر مرآة , غدا سيكسر رأسك ..... )
نظرت تيماء اليها بصمت و بدت متباعدة التفكير ... بينما قالت امتثال بخبث اكبر
( أنا نصحتك و أبرأت ذمتي ..... أمثال قاصي هذا , كل ما يشارك به في حياتنا هو بعض الموسيقى الصاخبة , لنبلغ عنه الشرطة بعدها ..... لكن لا نتزوجه أبدا .... عقلك في رأسك تعرفين خلاصك ... )
تنهدت تيماء بصمت .... بينما قالت امتثال متابعة ,
( لماذا لم تأتي الى بيتي ؟!! ..... عدت اليه بمنتهى البساطة يا بنيتي ؟!! .... )
ردت تيماء بخفوت
( كانت والدتي معي .... فلم أستطع أن آتي اليكِ و هي معي , و طبعا لا يمكنني تركها لقاصي ... )
مطت امتثال شفتيها برفض الا أنها قالت أخيرا راضخة
( حسنا , مضت الليلة و انتهينا .... الآن هاتي أمك و تعالي للبقاء معي , فأنا وحدي به كما رأيتِ حاليا .... سأعتني بكما , الى أن تتخلصين منه ..... )
صمتت امتثال فجأة و هي ترى سيدة تخرج من الرواق ... ترتدي فستانا قصيرا ملونا .... و شعرها منسدلا على كتفيها ...
تضع أحمر شفاة و بعض الزينة على وجهها ..... أو ما تبقى منه سليما ...
أما خفها فكان يطرق الأرض بكعبٍ عالٍ لم ترتدي امتثال مثله في الأفراح حتى ....
فغرت امتثال شفتيها , بينما قالت تيماء باهتمام و لهفة
( صباح الخير يا أمي ..... هل تشعرين بتحسن الآن حبيبتي ؟؟؟ ..... )
ردت ثريا بتأوه و هي تبعد شعرها بأناقة الى خلف كتفها ...
( متعبة قليلا يا تيموءة والله ..... هل لديكِ ضيوف ؟!! ....... )
ردت تيماء و هي تشير الى امتثال قائلة
( هذه جارتنا السيدة امتثال .... جاءت كي تطمئن عليكِ يا أمي ..... )
أومأت ثريا برأسها , بينما قالت امتثال التي كانت لا تزال فاغرة فمها
( سلامتك يا أم تيماء ......... )
أومأت ثريا مجددا و هي ترمقها بنظرةٍ مبهمة , ثم قالت بإختصار
( اها ..... شكرا ....... )
حينها مالت امتثال الى تيماء و همست بريبة
( هل هذه هي أمك المضروبة ؟!! ..... لماذا ترتدي هذه الملابس ؟!! .... هل تعاني من حالة نفسية ؟!! ... )
شعرت تيماء بالحرج , الا أنها قالت بصوت منخفض
( لا ..... هذه ملابسها الطبيعية , أمي أممم .... تحب الحياة أكثر من اللازم .... )
نظرت امتثال الى ثريا متفهمة و هي تجلس على الاريكة واضعة ساقا فوق أخرى مما جعل الفستان ينحصر أكثر ثم أرجعت رأسها للخلف مغمضة عينيها ... فقالت امتثال و هي تضرب كفا على كف
( لا حول و لا قوة الا بالله ..... )
قالت تيماء بسرعة , مدركة أن امتثال لا تزال واقفة عند الباب
( ادخلي سيدة امتثال .... تفضلي اجلسي ...... )
دخلت امتثال و جلست بالقرب من ثريا و هي تراقبها .... بينما استقرت عيناها على ساقي ثريا العاريتين ...
ثم هزت رأسها هامسة لنفسها مجددا
( لا حول و لا قوة الا بالله ................. )
اتجهت تيماء الى المطبخ بينما ظلت امتثال تنظر الى ثريا , الى أن قالت أخيرا بمودة
( حمدا لله على سلامتك يا أم تيماء ........... )
رفعت ثريا رأسها و نظرت الى امتثال .... ثم قالت بخفوت
( شكرا ...... اسمي ثريا ........ )
مطت امتثال شفتيها و هي تنظر الى الخف ذو الكعب العالي ..... بينما عادت تيماء حاملة كأسين من العصير ...
فقدمت منهما الى امتثال و ثريا ....
أمسكت ثريا بالكأس تنظر اليه , ثم نادت تيماء قبل أن تجلس
( تيموءة حبيبتي .... هل لديكِ ماصة عصير ؟؟؟ ....... )
ارتفع حاجبي امتثال بدهشة , بينما نادت تيماء و هي متجهة للمطبخة
( نعم يا أمي ...... سأجلب لكِ واحدة ...... )
نادت أمها مجددا
( هل لديك أي دهان لكعب القدم ضد التشقق حبيبتي ؟!! ..... نسيت الخاص بي , إن لم يكن لديكِ اتصلي بأقرب صيدلية حتى يرسلون الينا منه .... )
صاحت تيماء من المطبخ
( حاضر يا أمي ............... )
مصت امتثال شفتيها و هي تنظر الى ثريا بطرفِ عينيها .... حتى جاءتها تيماء بإحدى الماصات فوضعتها ثريا في الكأس و رشفت منه بصمت ...
حينها نظرت امتثال الى تيماء و سألتها بإهتمام
( هل أصلحتِ مرآة غرفة النوم ؟!! .......... )
لكن ثريا هي من ردت ممتعضة
( لم يصلحاها , حتى أنني اضطررت الى تزيين وجهي في مرآة الحمام ...... )
رفعت امتثال حاجبها بتوجس و هي تنظر الى الكدمات و البروزات التي تلون وجهها , غير قادرة على تمييز الزينة من الصفعات ...
ثم مالت الى تيماء هامسة في أذنها
( هل أنتِ متأكدة بأن زوج أمك لم يضربها على رأسها .... فتصرفاتها غريبة )
عضت تيماء على شفتها غامزة , ثم همست لامتثال
( لا ... هذه تصرفاتها الطبيعية ..... كما اخبرتك , فهي محبة للحياة قليلا .... )
هزت امتثال رأسها و هي تقول بتعجب
( لا حول و لا قوة الا بالله ......... )
في تلك اللحظة دخل قاصي الى البيت محملا بالعديد من الأكياس وهو ينادي
( لقد عدت يا أوزتي ...... زوجك عاد فأقيمي الأفراح و .... )
توقف الكلام في حلقه وهو يرى كلا من ثريا و امتثال ملتفتتين , تنظران اليه بإمتعاض .... فقال مصدوما
( بسم الله الحفيظ ...... )
نهضت تيماء من مكانها و ذهبت اليه و هي تنظر بدهشة الى الأكياس ... ثم سألته بحيرة
( ما كل هذا ؟!! ...... أين كنت ؟؟ ..... )
قال بصوتٍ شرير وهو يرمق كلا من امتثال و ثريا بنظراتٍ قاتلة
( أحضرت ما ينقص البيت ........... )
تهكمت ثريا و هي تقول
( كم جلب الغراب لأمه !! ............ )
نظرت اليها تيماء بصمت بينما قال قاصي محاولا السيطرة على أعصابه .....
( يا فتاح يا عليم .... احسني استقبال اليوم يا ثريا فعلى ما يبدو أن حياتنا ستطول سويا ... )
قلبت ثريا شفتيها و هي تقول بحدة
( أي حياة تلك التي ستطول ؟!! ..... هل هذه هي الشقة التي تسكن ابنتي بها ؟!! ..... هل هذه هي الحياة التي تعدها بها ؟!! ..... هل أنت راضٍ عما تقدمه لها ؟!! ..... )
أظلمت عينا قاصي بشدة , الا أنه قال بصوتٍ عالٍ
( هل تستطيعين رؤية الخلل هنا يا ثريا ؟!! .... الخلل هو أنكِ لا مكان لكِ فيما تحكمين عليه ... لذا لا تتدخلي بيننا منذ البداية و الا ..... )
صرخت به ثريا بعنف تقاطعه
( ماذا ستفعل ؟! ..... هل ستضربني بالخف مجددا ؟!! ..... )
شهقت امتثال بصوتٍ عالٍ و هي تضع يدها على صدرها هاتفة
( ضربت حماتك بالخف ؟!! ........ شفاك الله من العته !!!! ...... )
صرخت ثريا و قد بدأت في احدى نوبات بكائها رافعة يدها الى وجهها
( نعم فعل ..... بعد كل ما حدث رفع الخف و ضربني به ..... )
شهقت امتثال مجددا , و اقتربت من ثريا بسرعة ... تضمها الى صدرها , و هي تربت على ذراعها قائلة بتعاطف
( لا تفعلي هذا بنفسك يا أم تيماء ......... )
صمتت لحظة و هي تنظر بطرف عينيها بتوجس الى يدها التي كانت تفرقع على ذراع ثريا العاري ...
فهزت رأسها و هي تهز رأسها هامسة
" لا حول و لا قوة الا بالله .... و أنا التي كنت أتعجب من رؤية شعره الطويل , ... معه حق إن كانت حماته بهذا الشكل ... "
كان قاصي يراقبهما بنظراتٍ تغلي ..... و قد برزت عروق ساعديه , فشعرت تيماء بقرب الخطر لذا أمسكت بساعده و قالت تحاول تهدئته
( أدخل الأغراض الى المطبخ يا قاصي ..... أمي متضررة نفسيا , فلا تحاسبها على كلامها ... )
صرخت ثريا بعنف و هي تنتزع نفسها من بين ذراعي امتثال
( هل هذا كل ما لديكِ ؟!! ........ )
أغمضت تيماء عينيها بتعب , بينما نهضت امتثال من مكانها و هي تقول بحرج
( سأغادر الآن يا تيماء .... فعلى ما يبدو الوقت غير مناسبا ..... )
مرت بهما , الا أن قاصي قال متهكما باستياء عنيف
( لما العجلة يا سيدة أنتينال ؟! .... لقد جلبت معي بعض مخللات البصل , الا تودين تذوقها ؟! .... لما لا تبقين للمبيت معنا ؟!! ..... )
تمتمت امتثال من بين أسنانها ...
( جائتك ضربة في لسانك .......... همجي ..... )
خرجت من باب الشقة و أغلقته خلفها , أما قاصي فكان ينوي الخروج خلفها صارخا , لكن تيماء تمسكت به و هي تهتف
( أرجوك يا قاصي كفى ...... لا تثير استفزازها أكثر ..... )
نظر قاصي الى تيماء بحدة , فقالت بقوة أكبر
( اذهب الى المطبخ ....... لا تتكلم الآن .... تحكم في نفسك قبل أن تخرج أي كلمة من فمك ... )
بدا على وشك الصراخ بالمزيد , الا أنه انتزع ذراعه منها و اتجه الى المطبخ , أما تيماء فذهبت الى أمها و جلست بجوارها و نظرت اليها بقنوط بينما ثريا منفجرة في البكاء ...
قالت تيماء أخيرا بخفوت
( كفى يا أمي .... لا داعي لكل هذا الإنهيار ..... )
رفعت ثريا وجهها المختنق المتورم و صرخت بقوة منهارة
( كيف لكِ أن تتعاملين معه بهذه البساطة بعد أن ضربني ؟!! ....... )
قالت تيماء متنهدة
( لم تكن ضربة بالمعنى المفهوم يا أمي .... الأمر .... الأمر فقط خرج من بين يديه .... )
نظرت ثريا اليها بذهول بعينيها الحمراوين , ثم هزت رأسها غير مصدقة و هي تقول بألم
( كيف لكِ أن تدافعي عنه ؟!! ..... أنا أمك ....... )
نظرت اليها تيماء بصمت , ثم قالت أخيرا
( الأمر يا أمي .... أنكِ ضغطتِ على نقطة حساسة جدا بالنسبةِ اليه , لذا لم يستطع تمالك نفسه .... )
اتسعت عينا ثريا أكثر و أكثر .... تهز رأسها مصدومة , و همست
( أنا لا أصدق ما أسمع .......... )
أغمضت تيماء عينيها و هي تحك جبهتها بتعب ... ثم قالت بخفوت
( أنا لا أدافع عنه يا أمي .... أنا أحاول إفهامك فقط , أن معاقبته على تصرفه هذا كالضرب في الميت .... هذا الموضوع يمثل له عقدة من بين الكثير من العقد التي تتحكم به , و هو يتصرف بغير عقل حين يمس أحد هذه العقدة .... )
هزت ثريا رأسها منفعلة قبل أن تدفن وجهها بين كفيها و انخطرت في البكاء أكثر ... فاقتربت تيماء منها و ضمتها الى صدرها لتربت عليها و هي تهمس
( انسي قاصي يا أمي ..... لديكِ الكثير مما يجب عليكِ معالجته في نفسك أما هو فلديه ما يكفيه ... لا تحاولي التصادم معه .... من الظلم أن تفعلي هذا .... )
ظلت ثريا تبكي , بينما اراحت تيماء ذقنها على رأس ثريا ..... بينما طالت عيناها الى المطبخ حيث اختفى قاصي .... و تذكرت شكله وهو يدخل الى البيت محملا بالأغراض ...
هذه اللحظة كانت كفيلة كي تدغدغ قلبها الخائن بنعومة ....
.................................................. .................................................. ...................
مضت ساعات طويلة لم يستطع خلالها مخاطبة تيماء بكلمة واحدة حتى ....
فقد كانت ثريا تقف بينهما بإستمرار و عناد , حتى أوشك على أن يفقد اعصابه أكثر من مرة ....
وجود ثريا معهما في البيت لا يخدم مخططه مطلقا ....وهو يحتاج الى كل دقيقة ...
بل يحتاج الى كل ثانية في حالة حملها ....
سار قاصي على أطراف أصابعه في الرواق الضيق بعد دخول ثريا الى غرفة النوم منذ فترة ...
و حدثه قلبه بأنها قد نامت أخيرا .... أما تيماء فدخلت الى الحمام منذ فترة طويلة كذلك ....
حاول انتظراها لكن حين طال بها الوقت في الحمام , خاف أن تقفز بينهما ثريا مجددا و تضيع اللحظات الثمينة ....
وصل الى باب الحمام فطرقه برفق هامسا
( تيماء ...... هل أنتِ بخير ؟؟ ........... )
ردت عليه من الداخل قائلة
( انا بخير .... دقائق و أخرج ......... )
انتظر قاصي امام الباب للحظات ثم عاد يطرقه برفق و اصرار اكبر
( تيماء .......... )
سمع صوت تأففها , ثم هتفت بحنق
( قلت دقائق و أخرج ..... الا يمكنك الإنتظار لدقائق ؟!! ...... )
ابتسم قاصي و رد بإلحاح
( لا ... لا يمكنني ...... هلا فتحت الباب من فضلك ...... )
تذمرت تيماء و اخذت تشتم بصوتٍ خفيض الى ان فتحت الباب فجأة بانفعال و هي تهتف بحدة
( ماذا . ماذا . لقد سبق و دخلت الحمام قبلي , الا يمكنني الحصول على بعض الخصوصية اطلاقا ؟!! .... )
لم يرد قاصي على كلماتها المنفعلة نافذة الصبر ... لأنه كان منشغلا بالنظر اليها ....
فقد كان نصف شعرها مقسما الى خصلاتٍ رفيعة .... قامت ببرم كلا منها , ثم لفتها على احدى ممصات العصير !!....
لذا كانت نصف رأسها ممتلئة بممصات العصير المثنية .... أما النصف الآخر من شعرها فمنفجر حرفيا في هالةٍ مشعثة ....
ابتسم قاصي ببريق مذهل وهو يقول بتسلية و ذكرى قديمة
( ممصات العصير !!! .... الا زلتِ تقومين بلف خصلات شعرك عليها ؟!! ..... )
شعرت تيماء بالحرج و هي ترفع يدها لتلامس بها القسم الممتلىء بممصات العصير من رأسها ...
تبا لهذا ... منظرها كمن وقفت أمام مقلبا للنفايات في يومٍ عاصف ....
قال قاصي بنفس النبرة الغريبة
( أنتِ تزينين نفسك لي !!! .......... )
عقدت تيماء حاجبيها بشدة و هي تهتف بحرجٍ بالغ وة حنق
( ماذا ؟!! .... بالطبع لا , إنما هو خيالك الجامح ما يصور لك أنني قد أقف أمام المرآة لساعات كي أزين نفسي لجنابك ..... )
الا أن قاصي لم يقتنع , بل برقت عيناه اكثر وهو يجيبها بثقة
( بلى ...... أنتِ تفعلين هذا لأجلي ........ أنت لا تلفين خصلات شعرك على ممصاتٍ الا لي أنا فقط ... )
زمت تيماء شفتيها بغيظ و قالت بحدة
( ابتعد عن طريقي , أنا لن أقف هنا كي تستفزني أكثر ...... )
لكن و عوضا عن امتثاله لأوامرها ... تقدم اليها فتراجعت للداخل وهو يلحق بها الى أن دخل معها ثم أغلق الباب خلفه , فقالت تيماء بحدة
( افتح الباب يا قاصي .... قد تستيقظ أمي و تود الدخول الى الحمام , فكيف سيكون منظرنا أمامها ؟! ... )
رد قاصي بثقة رافعا حاجبه
( لست أهتم للحظة بما تظنه ثريا ........ )
لمعت عيناها أكثر و حاولت تجاوزه , الا أنه كان يعرقل طريقها ضاحكا , الى أن توقفت و زفرت بعنف هاتفة
( توقف يا قاصي و دعني أخرج من هنا ........... )
لكنه لم يرضخ مجددا , بل أمسك كتفيها بكفين قويتين ,ينظر الى عينيها اللتين رفعتهما لتبادله النظر ....
واسعتين كبيرتين .... شديدتي الجمال ....
لديه استعداد كامل للغرق بهما , الا أنه ادارها حتى نظرت الى المرآة ووقف خلفها ينظر الى عينيها مجددا عبر هذا الحاجز الزجاجي ....
ثم التقط خصلة رفيعة من شعرها .... اخذ يمشطها بعناية حتى أصبحت لامعة ... فقام ببرمها بمهارة أكبر ,
و انحنى فوق كتفها ليلتقط احدى الماصات الموضوعة على رف المغسلة ....
فلف الخصلة المبرومة حولها .... ثم ثناها و ربطها برباط مطاطي ....
و بعد أن أنجز أول واحدة بإتقان عاود النظر الى عينيها و قال بصوته الأجش الخافت ...
( أتتذكرين تلك المرة حين كنت تلفين شعرك بنفس الطريقة كي أراكِ جميلة ؟؟!! ...... )
عبست تيماء بشدة و ردت بفظاظة
( لا ...... لا أتذكر .......... )
لكنها كانت تتذكر جيدا ...
كانت في الخامسة عشر ... مولعة به وهو لا يراها سوى مسؤولية متعبة ملقاة على عاتقه و يحاول تجنب التواصل معها أكثر من اللازم ...
و كان من المقرر أن يأتي لزيارتهما كي ينجز لهما شيء ما ....
لا تزال تتذكر كم من الوقت أمضته في غرفتها و هي تحاول اتمام هذه العملية في شعرها الا أنها فشلت تماما ...
ووصل قاصي مبكرا عن موعده بساعتين ... ففتحت له ثريا الباب .... و طال الكلام بينهما , قبل أنة يسألها بصوتٍ مرتبك .. ملهوف قليلا
" أين تيماء ؟!! ...... اليست هنا ؟!! .... "
ضحكت ثريا و مالت اليه لتهمس سرا بطريقة مداعبة
" انها في الحمام ..... تحاول تجعيد شعرها بطريقة منتظمة , كي تراها جميلة ... لكن لا تخبرها أنني قلت هذا ... "
ابتسم قاصي دون أن يرد ..... بينما لمع شيء ما في عينيه , الا أنه خبا سريعا ...
ثم قال بصوتٍ خفيض
" أنا سأغادر ..... كنت أتمنى أن أرها , ...... "
نهضت ثريا من مكانها و هي تقول ضاحكة
" سأجعلك تراها ..... إنها تبدو في حالة يرثى لها , و لا أعلم لماذا ترفض الذهاب الى مصفف شعر أسهل من هذا ... "
أشارت الى قاصي و همست له
" تعال معي ....... "
بدا قاصي مترددا , الا أنه لم يقاوم الرغبة في داخله كي يتبعها , الى أن وصلا اليها و نظرت ثريا اليها أولا ... و تأكدت بأنها محتشمة و لم تقم بإحدى حركاتها الغبية
بل كانت كانت تضع في اذنيها سماعتين و تبدو بعيدة عنهما تماما , ... متبرمة و غاضبة و تحارب مع خصلات شعرها البرية ....
و هناك الكثير من ماصات العصير مغروسة بين تلك الخصلات بفشل ذريع ....
ضحكت ثريا عاليا ... أما قاصي , فلم يضحك ... بل كان ينظر اليها بنظرة لم تنساها أبدا حتى اليوم ...
فقد رأتها حين حانت منها التفاتة الى الباب المفتوح فرأتهما يراقبانها .... فصرخت عاليا و هي تحاول أن تغطي شعرها بكفيها ... بينما ضحكت ثريا أكثر و منعتها من غلق الباب ...
أما تيماء فنزعت السماعات من أذنيها و هي تصرخ باكية
" لماذا تفعلين هذا بي يا أمي ؟؟ ..... أبتعدا من هنا .... "
قالت ثريا باستسلام ماكر و هي ترفع كفيها
" أتى قاصي مبكرا بساعتين و أراد أن يراكِ ....... و أنتِ تفعلين كل هذا كي يراكِ جميلة "
احتقن وجه تيماء بشدة و لم تساعدها سنوات عمرها على التغلب على الحرج الفظيع الذي شعرت به ...
فصرخت بعنفٍ منكرة
" لا .... هذا ليس صحيحا ..... "
قالت ثريا مؤكدة
" بلى صحيح .......... "
لم تدري تيماء كيف تتصرف , فانفجرت في البكاء فجأة بعنف و هي تتمنى لو تنشق الأرض و تبتلعها ...
تأففت ثريا حينها و قالت بملل
" يالك من كئيبة !! ..... لا تقبلين بعض المزاح ..... أوووف .... أنا سأعد الشاي لقاصي بنفسي , فأنا لا أطيق نوبات سن المراهقة تلك .....اذهب لتجلس يا قاصي و دعك منها .. "
ثم ابتعدت ... الا أن قاصي لم يبتعد , بل ظل واقفا ينظر الى تيماء التي وقفت مكانها مغطية وجهها بكفيها باكية بقوة ....
ثم اقترب منها وهو يضع يديه في جيبي بنطاله الجينز و قال بلامبالاة ...
" أعرف تلك الطريقة في تجعيد الشعر .... إنها جميلة , الا أنك تقومين بها بشكلٍ خاطىء ... "
رفعت تيماء وجهها الأحمر المحتقن لتنظر اليه , ثم قالت بإختناق
" و من أين لك أن تعرفها ؟!! ...... "
هز قاصي كتفيه و قال ببساطة
" لدي العديد من الصديقات ......... "
نظرت اليه تيماء بنظرة طفولية .... تحمل غيرة امرأة حقيقية جعلت صدره يزهو بسعادة غريبة عليه جدا ..
فهو يعلم أنها بحكم عمرها قد بدأت تنجذب اليه كأول شاب يمر في حياتها ... لكنه كان يتعامل معها كطفلة ...
إنها المرة الأولى التي يشعر فيها بهذا الرضا ...
قالت تيماء أخيرا بنبرة قاتلة و كأنها تحادث قطا يأكل سمكا عفنا
" من المؤكد أن صديقاتك يصففن شعورهن لدى مصففي الشعر ..... "
عقد قاصي حاجبيه مفكرا بعفوية وهو يرد
" ليس بالضرورة ... ... أعرف من تجعد شعرها بتلك الطريقة ... "
عضت تيماء على شفتها الطفولية بنظرة يأسٍ حزينة بينما ارتفعت أصابعها كي تزيل ما أفسدته من شعرها ..
الا أنه توقف خلفها لترى صورته في المرآة فجأة ... ثم قال ببساطة
" ابقي ساكنة ..... سأساعدك ..... لكن أخبريني أولا عن طريقة فعلها ... "
نظرت تيماء الى عينيه عبر المرآة و قالت بدهشة
" ألم تقل أنك تعرفها ؟!! ........ "
أجابها مؤكدا
" نعم أعرفها لكن أحتاج الى تذكير فقط لا غير ...... "
حينها بدأت تيماء تشرح له الفيديو الذي شاهدته خطوة خطوة .... بينما قاصي يتفاعل مع خصلات شعرها بسرعة و مهارة ... ثم قال و هو منشغلا بما يفعل
" عليكِ تسريح خصلة شعرك تماما حتى تلمع , ثم قومي ببرمها جيدا كي لا تفلت من الماصة ..كما فعلتِ... "
لا تزال تتذكر حالتها الصامتة المشدوهة و هي تنظر اليه عبر المرآة بينما هو عاقدا حاجبيه بتركيز ... مهتما تماما بما يفعل ...
و ما أن انتهى حتى نظر الى عينيها و ابتسم قائلا
" ها قد انتهينا .......... "
لم تجيبه لبضعة لحظات , ثم قالت بقنوط طفولي
" أبدو حمقاء الشكل جدا .... كالمكنسة .... "
قال قاصي بجدية مؤكدا
" ليست هذه النتيجة التي ننتظرها ..... سترين بنفسك كيف سيكون شكلك ما أن تنزعي الماصات من شعرك بعد أربع ساعات .... "
نظر الى عينيها و ابتسم قائلا
" هيا ابتسمي الآن ........ "
حينها لم تجد بدا من الإبتسام و قد زال الحرج عنها تماما .....
و من ذكرياتها التي لن تنساها مطلقا ... حين وقعت عيناه عليها لأول مرة بعد أن أتقنت لف شعرها ...
حيث وقف أمامها مبهورا ... فاغرا فمه قليلا ... بينما عيناه تجولان على تلك الخصلات النحاسية اللولبية ...
أفاقت تيماء من شرودها على صوت قاصي وهو يقول بسعادة
( ها قد انتهيت .......... )
نظرت الى صورتهما في المرآة ...فوجدت أنه قد أنهى لف شعرها بكامله ..... و يقف خلفها مبتسما وهو ينظر الى عينيها بشوقٍ عابث ....
ثم سألها بصوته الأجش
( كم حركتِ رجولتي بطفولتك !! ...... أردت أن أعانقك و أقبلك ... و في بعض الاحيان تركت لخيالي العنان لبضع دقائق قبل أن أنتفض لاعنا نفسي بكل لعنة لكِ أن تتخيليها .... )
ابتلعت ريقها و هي غير قادرة على الرد تماما .... بينما تابع قاصي بصوتٍ ثقيل متباطىء وهو يحني رأسه اليها
( و ها أنت تفعلينها مجددا بعد كل هذه السنوات ......... )
همست تيماء بإختناق
( أفعل ماذا ؟!! .......... )
همس و شفتاه تلامسان عنقها الغض ...
( تبدين جميلة لأجلي ........... )
ردت تيماء بإعتراضٍ متحشرج
( أنا أبدو جميلة لأجل نفسي .......... )
الا أنه قاطعها آمرا بفظاظةٍ هامسا
( هشششش ..... اخرسي يا تيماء .... )
ثم أدارها اليه وهو يغيب معها في عالم أبعد من حدود الجدران الضيقة التي تحيط بهما .....
و على الرغم من منامنتها الذكورية المخططة الحمقاء التي ترتديها و شعرها المكبل بماصات العصير ...
الا أنها شعرت بنفسها أجمل امرأة و أكثرهن جاذبية و إغراء .....
و أخبره قلبها تحت كف يده بما تشعر بكل وضوح , فلم تجد مكانا للإنكار ......
.................................................. .................................................. ....................
( ماذا ؟!!!!! ........... متى ؟!!! ...... و لماذا لم تخبرني مسبقا ؟!! .... )
رد قاصي ببساطة وهو يخرج اللفافات التي أحضرها من المبرد
( ها أنا أخبرك ........ اختك و زوجها و ابنة عمك و زوجها ...... مدعووين على الغذاء لدينا اليوم ... )
فغرت تيماء فمها بذهول و هي تنظر اليه وهو يربط ميدعة المطبخ ذات الرسوم الكارتونية حول خصره .... ليبدأ العمل ....
فهزت رأسها قليلا قبل أن تهتف بغضب
( لكن لماذا ؟!! ...... ما سر هذه الزيارة ؟!! ....... )
قال قاصي بصبر دون أن ينظر اليها
( لم يأتي أحد ليهنئنا بالزواج في شقتنا من قبل , و فكرت أن هذه هي الفرصة المناسبة كي يتم ذلك .... )
كانت تيماء تنظر اليه بعينين واسعتين و قد أوشت القرون على أن تنبت لها في رأسها و هي تسمع بساطته في الكلام ...
هتفت ما أن وجدت صوتها
( أي تهنئة يا مجنون ؟!! ...... نحن متزوجان منذ عام ... و قد حملت وولدت و فقدت طفلي ..... )
رد قاصي عليها بنفس البساطة و العفوية ....
( اذن هي زيارة للمواساة ..... اختلفت المسميات , لكن الزيارة قائمة .... و الآن توقفي عن الكلام و تعالي لتساعديني فالوقت لن يسعفنا .... )
هتفت به تيماء بغضبٍ ناري
( الآن تفكر بأن الوقت لن يسعفنا ؟!! ...... أي أحمق أنت !!! .......... )
قال قاصي بنبرته المستفزة
( أضيعي المزيد من الوقت أضيعي .......... )
رفعت تيماء كفيها الى جانبي جبهتها و هي تنظر حولها غير قادرة على التفكير السوي ....
ثم أسرعت الخطى داخل المطبخ و هي تعلن حالة الطواريء بصرامة
( أخرج علبة البيض و اكسر اثنتي عشر بيضة في طبق ..... بسررررررررعة ... )
رفع قاصي كفه في تحية عسكرية وهو يقول بجدية
( تحت أمرك يا قصيرة ........... )
ضربته بقوة في منتصف ظهره وهو يبتعد عنها فتأوه وهو يحك مكان الضربة الا انه لم يتوقف ....
بل أخرج البيض كي يستطيعا انجاز العمل ....
و ما أن وقف بجوارها حتى تلامس ساعداهما ... فابتعدت عنه قليلا ... الا أنه اقترب منها أكثر , فرفعت وجهها تنظر اليه عاقدة حاجبيها , لكنها ارتجفت من ابتسامته العابثة ذات الجاذبية اللعينة ...
( ما الذي يحدث هنا ؟!! ........... )
قاطع تواصلهما هذا الصوت الأنثوي الفظ .... فسارعت تيماء للإبتعاد عن قاصي و هي تنظر الى ثريا التي
وقفت أمام باب المطبخ ناظرة اليهما بنظرة سوداوية ....
ردت تيماء بنبرة مرتبكة
( نحن نعد طعام الغذاء يا أمي ..... لأن .... لأن لدينا مدعويين اليوم ..... )
ارتفع حاجبي ثريا و سألت بدهشة
( مدعوون ؟!!! ....... من ؟!! ........... )
أطرقت تيماء بوجهها ... ثم قالت بصوتٍ خافت
( أختي و زوجها ............. و ابنة عمي و زوجها .... )
انعقد حاجبي ثريا بشدة و هي تهتف بغضب
( ابنة زوجة أبيك ؟!!! ...... تدعين ابنة زوجة أبيك و أنا هنا ؟!! ......المرأة التي أصرت على طلاقي من والدك و خربت بيتي ؟!!! ... )
ردت تيماء بفتور
( رحمها الله يا أمي ..... استردها من خلقها و لا تجوز عليها سوى الرحمة ...... لكن مسك تظل أختي ... )
هتفت ثريا بأسى و هي تشير الى وجهها قائلة ...
( انظري الى وجههي .... لم يشفى من كدماته بعد !!! ...... أتريدين لأختك أن تراني بهذا الشكل فتشمت بي ؟!! .... )
رفعت تيماء وجهها تنظر الى أمها ثم قالت بجدية
( آخر اهتمامات مسك في الحياة هو ما حدث لكِ يا أمي .... لذا دعيها و شأنها رجاءا .... ثم أنني لم أكن أنا من دعوتهم , قاصي فعل و إنتهى الأمر .... لذا علينا التصرف حتى يمر اليوم بسلام ... )
هتفت ثريا بغضب
( الآن فهمت .... طبعا قاصي ... و من غيره !! ..... إنه الوحيد الذي يريد للجميع بأن يرونني بهذا الشكل ... و أنت تساعدينه ..... )
التفت اليها قاصي فجأة بملامح مخيفة و اقترب منها ببطىء بينما هي تتراجع الى ان خرجت من المطبخ خوفا ... فقال بحدة
( اسمعيني جيدا ..... ليس لدينا الوقت كي نتحمل تذمرك الصباحي الكئيب .... أنا اريد لهذا اليوم أن يمر سعيدا .... و أنت العقبة الوحيدة في سبيل تحقيق هذا .... لذا من الأفضل لكِ أن تشغلي نفسك بطلاء أظافر قدميك , سيكون أكثر افادة لك .... )
لعقت ثريا شفتها المتحجرة و هي ترى قاصي في هذه الصورة الغير مرنة .... فقالت بصوتٍ ضعيف مستاء
( تيماء ..... أريد قهوتي الصباحية من فضلك ..... )
لكن و قبل أن ترد تيماء , تطوع قاصي قائلا بصوتٍ أكثر صرامة و حدة
( تيماء ليست خادمة لكِ ...... فلتعدي قهوتك بنفسك , و لن يتم هذا الآن في كل الأحوال لأن المطبخ مشغول .... )
اتسعت عينا ثريا بصدمة .... الا أنه قال قاطعا
( طاب صباحك ..... أو لم يطب .... لا دخل لنا ..... )
ثم أغلق الباب في وجهها بقوة ..... عائدا الى عمله بجوار تيماء بملامح متجهمة , فنظرت اليه تيماء بطرفِ عينيها ثم قالت بخفوت
( كنت قاسيا معها جدا ...... هذه أمي رغم كل شيء و يتوجب علي خدمتها .... )
رد قاصي بجفاء دون أن ينظر اليها
( لن يضيرها أن تعتمد على نفسها ولو لمرة ..... أنتِ في فترة نقاهة و عليك الراحة .... )
نظرت تيماء الى أطنان اللفائف المجمدة التي يتعين عليها اعدادها قبل الظهيرة ... ثم أعادت عينيها اليه متسائلة بسخرية
" أي نقاهة ؟!! ...... و أين الراحة ؟!! .... "
لكن على الرغم من ذلك شعرت بشيء بطيء يتسلل الى نفسها ... شيء دخيل على عشقها الأبدي له ....
شيء لم تستشعره من قبل .... فعادت الى عملها مبتسمة ...
.................................................. .................................................. ....................
جلس أمجد في مقعده يراقب مسك الواقفة بجوار قاصي تهمس له و قد بدا الإهتمام في عينيها بينما يعدان الأطباق على الطاولة ....
ملامح أمجد كانت جامدة لا تنم عن شيء .... بينما ملامح تيماء التي تقف على الجهة الأخرى أشبه بملامح عفريت تلبسه الجنون و هي ترى تلك العلاقة الوثيقة تعود للسطح من جديد ....
بداخلها غيرة عمياء ....غيرة من تلك العلاقة ... من هذه المشاعر حتى و إن كانت من باب الأخوة و الإخلاص .....
تحركت من مكانها أخيرا لتقترب من أمجد فجلست بجواره مبتسمة بضيق الى أن انتبه لوجودها فأولاها انتباهه وهو يقول بهدوء مبتسما بود
( مرحبا ............ )
قالت تيماء بترحيب حقيقي
( شرفتنا صدقا .......... )
اتسعت ابتسامة أمجد و قال بجدية
( أنت رائعة يا تيماء .... و أنا سعيد جدا بتعميق علاقة أسرتينا .... )
شعرت تيماء بأن الكلمات المحتجزة في حلقها فقالت بحذر
( هل هناك خطب ما بينك و بين مسك ؟!! .......... )
ارتفع حاجبي أمجد الا أنه قال بهدوء و بساطة
( بالطبع لا ..... ما الذي جعلك تتخيلين هذا ؟!! ......... )
قالت تيماء بإصرار
( أنتما بالكاد تتكلمان منذ وصولكما .... أنا لا أريد التطفل على حياتكما , لكن أرجوك لا تدعها تفسد الأمر ... أعرف مسك و أعرف كم هي رائعة , الا أنها أحيانا تتصرف بطريقة مغايرة لطبعها الخاص ... )
ابتسم أمجد ابتسامة محايدة وهو ينظر بصمت الى الكأس بين أصابعه ,,, فقالت تيماء بقلق
( هناك خطب ما بالفعل ؟!! ...... انت شفاف جدا يا أمجد و لا يمكنك اخفاء شعورك ...هل يمكنني المساعدة ؟؟؟ . )
نظر اليها أمجد بصمت .... ثم قال بنبرة هادئة
( أقسمت يوم زواجي من مسك أن أتحمل كل صلفها الزائف و غرورها .... و أتحمل اي شيء منها في سبيل اسعادها .... الا انني لم أدرك وقتها الى أي حدٍ يمكنها ايلامي في المقابل دون أن يرف لها جفن ... )
نظرت تيماء اليه بقلق .... ثم همست بصوتٍ خائف
( ما الأمر يا أمجد ؟!! ..... يمكنك اخباري و سرك محفوظ , فهي أختي ...... ماذا فعلت مسك ؟!! ... )
أظلمت عينا أمجد قليلا وهو ينظر الى مسك عن بعد و التي رفعت عيناها لتلتقي بعينيه , الا أن ابتسامتها الأنيقة اختفت و هي تراقب كلامه مع تيماء همسا ....
التفت أمجد الى تيماء ينظر الى وجهها , ثم قال بخفوت
( هناك أمر لا أستطيع اشراك أمي به .. أو أختي .... أو أي مخلوق .... حفاظا على كرامة مسك نفسها ... أمر يجعلني على وشك ضربها كل ليلة ...... )
فغرت تيماء فمها و هي تهمس بارتياع
( لهذه الدرجة ؟!! ...... اذن اخبرني أنا أختها .... و أنا أولى الناس بتهدئتك تجاهها , فربما كان هناك سوء تفاهم , أساعدك على فهمه ..... )
التوت ابتسامة أمجد بسخرية ... ثم قال ببساطة خالية من المشاعر
( لا سوء تفاهم ..... مجرد حقيقة مرة ....... )
كانت تيماء تتنفس بسرعة , الا أنها قالت بجدية و اصرار
( أخبرني ...... لن أهدأ قبل أن أعرف ......... )
نظر أمجد الى حافة كأسه و صمت لفترة قبل أن يقول أخيرا فاتر
( مسك تتابع تمرين الفروسية .......... )
ضربت تيماء كفا على كف و هي تقول بحدة
( نعم ..... أعرف , والله نصحتها أن تتوقف , لكنها لم تمتثل .... لا صحتها و لا عمرها يتحملان هذا التمرين .... أي فروسية تلك التي يواظبن عليها ؟!! ..... نصحتها إن أرادت بعض الرياضة فعليها و رقص الزومبا .... )
صمتت قليلا و هي ترمق مسك بطرف عينيها ثم همست لأمجد بإستياء
( و إن أردت الحق .... أنت محقا تماما في رفضك لهذا التمرين , فبنطال الفروسية شديد الضيق و لا يليق بها كامرأة متزوجة .... )
نظر أمجد اليها رافعا حاجبيه بينما قلبت تيماء شفتيها بإستياء و هي تومىء له مؤكدة ... ثم همست
( أنت محق و أنا أساندك ..... استخدم حقك و امنعها من ارتداءه ..... )
هز أمجد رأسه قليلا ثم قال بحيرة
( لحظة ..... لحظة ..... أنا حتى لم أتم الربع الأول من كلامي ..... )
قالت تيماء بتعجب
( الا ترى البنطال ضيقا جدا ؟!! ......... )
بدت ملامح أمجد تتعقد أكثر و أكثر ثم قال من بين أسنانه
( نعم ...... ضيق للغاية و لا يترك شيئا للمخيلة .... )
فتحت تيماء كفيها مؤكدة دون الحاجة لأي كلام .... الا انها أضافت بخفوت
( في الحقيقة مسك ملابسها محتشمة تماما .... الا هذا البنطال اللعين المرتبط بالفروسية .... لذا لا حل سوى أن تمنعها من التمرين .... توكل على الله و أنا في صفك ... )
ازداد غضبه شيئا فشيئا وهو يراقب مسك عن بعد ... و التي كانت تنظر اليه بدهشة رافعة حاجبيها و هي ترى العواصف على وجهه ...
أما أمجد فهز رأسه قائلا بقوة
( انتظري .... انتظري يا تيماء , ليس البنطال هو المشكلة الأساسية ... الا أنه بالتأكيد سيكون مرفوضا من اليوم .... )
صمت للحظة وهو ينظر الى وجه تيماء الشبيه بوجه جنية صغيرة ... ثم قال زافرا
( أنتِ شعلة متقدة , أتدركين هذا ؟!!....... كدت أن أقوم اليها لأصفعها أمام الجميع من شدة غضبي .... )
الا أن تيماء سألته بقلق
( هل هناك ما هو أفظع من ضيق هذا البنطال ؟!! ..... الآن فقط تأكدت أن الموضوع خطير بالفعل .... )
تنهد أمجد بضيق , ثم قال أخيرا بصوتٍ قاتم ....
( مسك تذهب للتمرين كل مرة و هي تعلم أن خطيبها السابق يراقبها عن قصد ....... )
بهتت ملامح تيماء تماما و هي تنظر اليه بصدمة .... ثم قالت مرتبكة بعد فترة طويلة
( لا ..... بالطبع لا ...... لا يمكن لمسك أن تفعل هذا ...... ربما رأيته صدفة فقط فظننت أنه ... )
قاطعها أمجد وهو ينظر اليها قائلا بجدية
( بل يحرص على مراقبتها كل مرة .............. )
أظلمت ملامح تيماء أكثر ..... الا أنها قالت بحرارة
( لكن ما الذي أدراك أن مسك تعلم بمراقبته لها ؟!! ....... من المؤكد أنه يراقبها سرا .... )
رد أمجد بصوتٍ ميت
( رأيتها و هي تسلم عليه مبتسمة ..... و من الواضح أنها لم تكن المرة الأولى ... )
بهتت ملامح تيماء أكثر .... و لعقت شفتها بقلق , ثم نظرت اليه و قالت بعدم تصديق
( لكن ...... هل تعني أنك لا تثق في مسك ؟!! ..... لا يمكنك هذا فهي ...... إنها مسك و هذا يكفي كي لا تكون موضع شبهة ..... أنا لن أشك بها ولو للحظة )
ابتسم أمجد بسخرية باردة و قال بهدوء
( أنا أثق في مسك أكثر مما تفعلين أنتِ ............ )
سألته تيماء همسا بضعف ... و عدم اقتناع
( اذن ما هي المشكلة ؟؟ ............. )
ازدادت ابتسامته أكثر وهو يقول بجمود
( تعرفين ما هي المشكلة و هي ظاهرة في عينيك ....... جرح مسك لم يطب بعد , لا يزال حيا يؤلمها .... و هي الآن تخفف من هذا الألم عبر تباهيها بصحتها و جمالها أمام حبيبها السابق .... كي يشعر بالندم على اللحظة التي فرط فيها بها ...... )
ساد صمت طويل بينهما و لم تجد تيماء ما تزيد به ..... فقال أمجد مبتسما دون مرح
( لا تحاولي ايجاد شيئا كي تجيبي به ..... لأن الواقع واضح وضوح الشمس .... )
أطرقت تيماء بوجهها ... و كذلك فعل أمجد متلاعبا بكأسه بين أصابعه ..... الى أن رفعت تيماء عينيها و همست فجأة بقوة
( امنعها ...... امنعها يا أمجد ولو بالقوة ....... )
رفع أمجد وجهه ينظر اليها بصمت , فأومأت برأسها مؤكدة و هي تقول
( قلت أنك تثق في مسك ثقة عمياء ..... لكن كيف لنا أن نثق في أشرف بكل ما عهدنا منه من غدر و انعدام أصل !!! ..... أنت تعرف سبب تباهي مسك بجمالها , فقد تمررت جدا خلال مرضها و خيانة خطيبها و صديقتها لها ..... حتى و إن كانت مخطئة .... لكن على الأقل وضعنا اصبعنا على نقطة الجرح ..... لكن ماذا عنه هو ؟!! ..... ما الذي يريده منها ؟!! .... و هل سيكتفي بمراقبتها ؟!!! ..... )
توترت شفتا أمجد بشدة بينما تابعت تيماء بقوة
( احمِها من نفسها إن اقتضى الأمر ...... فهذا هو القسم الحقيقي الذي أقسمت عليه ...... )
صمتت تيماء فجأة حين ناداها قاصي .... فرفعت وجهها تنظر اليه , ثم أومأت له و نظرت الى أمجد تقول بخفوت
( فكر جيدا فيما قلته لك ........ بعض الجروح تحتاج الى علاجٍ موجع , فالحرص أكثر من اللازم سيضر بها أكثر ..... )
نهضت تيماء من مكانها متجهة الى قاصي .... بينما اقتربت مسك لتحتل المكان الذي تركته خلفها بجوار أمجد ....
كانت تنظر اليه بعينين حادتين ضيقتين و كأنها تحاول قراءة ما بداخله , ثم قالت مبتسمة ببرود
( فيما كنت تكلم تيماء ؟!!! ......... )
نظر اليها أمجد بنظرةٍ غريبة جعلتها تتوتر ,. الا أنه قال أخيرا بهدوء
( أسألها عن حالها .......... و تسألني عن أحوالنا ...... )
لم يرقها الجواب أبدا , فسألته بنبرة خاصة
( و بماذا أجبتها ؟؟ ........... )
ابتسم أمجد ابتسامة باهتة .... ثم رفع أصابع ليداعب بها شعرها الجميل و قال بخفوت
( أجبها بما ترينه .......... )
عقدت مسك حاجبيها بشدة , فلم يكن من عادة الحسيني اللف في الحوار مطلقا , دائما هو صريحا واضحا ....
الا أنها ابتسمت له ببرود و هي تقول بإختصار
( جيد ............ )
نظر اليها أمجد طويلا , ثم سألها على نحوٍ مفاجىء
( مسك ..... إن أخبرتك يوما بأنني قد اكتفيت و أنوي انهاء زواجنا , فماذا ستكون ردة فعلك ؟؟ ..... )
تجمدت ملامح مسك تماما ... و بهت اللون عن شفتيها و هي تنظر اليه و كأن جميع الأصوات من حولهما قد اختفت ....
ثم قالت أخيرا بصوتٍ جامد كالخشب
( هل تريد انهاء زواجنا ؟! ................. )
رد أمجد قاطعا وهو ينظر الى عينيها دون تردد
( لا .... و لن يحدث هذا ......... لكني أتوق لمعرفة رد فعلك ...... )
نظرت مسك بعيدا للحظات ... شاردة و عيناها تراقبان قاصي الذي كان يداعب تيماء بلمساته كلما مرت به ... فترتبك و تتعثر و تكاد أن تسقط .... ثم تهمس له غاضبة بشيء يجعله يضحك ....
أعادت مسك عينيها اليه و ابتسمت قائلة
( لا تكن شديد الثقة في تنفيذ نواياك .... فقلب الإنسان يتبلد , لذا .... لو حدث و أردت انهاء زواجنا .... سأعطيك خاتمك مبتسمة و اشكرك على الأيام اللطيفة ..... لا تقلق يا أمجد , لست أنا من تتشبث برجلٍ باكية ..... )
أبعد أمجد وجهه عنها مبتسما ابتسامة موجعة .... بينما تراجعت مسك في مقعدها و هي ترفع يدها الى جانب صدرها .... تقسم على أنها شعرت بألمٍ مفاجىء في قلبها ...
تعالى رنين جرس الباب ... فقال قاصي برضا وهو يمسك بكف تيماء
( ها هو ليث قد وصل ............. سأذهب لأفتح الباب ,تعالي معي .... )
لحقت به تيماء الى أن فتح الباب محييا ليث .... ثم قال بصدق
( مرحبا سيدة سوار ......... )
ابتسمت سوار له و قالت مجددا مؤكدة
( سوار فقط يا قاصي ...... كم مرة أخبرك بهذا .... )
الا أنه قال بخفوت
( ستظلين دائما بالنسبة لي , السيدة سوار ........... )
أوشك قاصي على غلق الباب , الا أن سوار أمسكته و قالت مبتسمة
( هناك من تشبث بي و أراد المجيء معي ......... )
عقد قاصي حاجبيه بعدم فهم .... الا أن عيناه لمعتا غيظا حين رأى وجه فريد يطل خلف سوار وهو يقول مبتسما
( مرحبا يا ابن العم .......... سمعت أن لديكم عزيمة فخمة فقررت المشاركة بدوري كذواقة .... )
ثم نظر الى تيماء و قال بحرارة هاتفا
( فتاة الشطة !!!!! ....... كيف حالك , هل ازددت قصرا أم أنني أتخيل فقط ؟!! ..... )
قالت تيماء مبتسمة بمرح
( أستااااااذ فريد ....... )
الا أنه حين عقد حاجبيه , تراجعت و قالت ضاحكة
( آسفة والله ..... دكتور فريد , استفزازك يروق لي ...... )
زفر فريد و قال
( ماذا ستطعمينا اليوم ؟!! ....... أم أنني قطعت الطريق الطويل دون فائدة ؟! .... )
فتحت تيماء فمها تنوي الرد مازحة .... الا أن قبضة قاصي التي اشتدت على أصابعها , جعلتها تتأوه مصدومة ....
و حين رفعت تيماء عينيها اليه عرفت أنه ليس من الحكمة اثارة غضبه حاليا , لذا قالت بخفوت و قلق
( تفضلوا بالجلوس ...... سأعد ما تبقى ....... )
ثم حاولت فك كف قاصي من حول أصابعها الا أنه كان ينظر الى فريد بنظرةٍ قاتمة مخيفة .... فنظر فريد حوله ثم أعاد نظره الى قاصي و قال ببساطة
( ماذا ؟!! ......... هل أدخل أم أخرج ؟!! ....... أنت تثير قلقي .... )
ظل قاصي صامتا , فهمست تيماء بحرج من بين أسنانها
( قاصي ...... رد عليه أرجوك ........ )
فتح قاصي فمه و قال بصوتٍ أجش كإنسان آلي
( تفضل ............. )
ارتفع حاجبي فريد الا أنه قال بنبرة مطاطة حذرة
( حسسسسنا ........ )
ثم اتجه للداخل بينما وقف قاصي مكانه ناظرا للباب المغلق بصمت , و ملامح قاتمة .... فهمست تيماء له باستياء
( قاصي ..... لماذا تتعامل معه بهذا الشكل ؟!!! ...... أنت تحرجنا بتصرفاتك .... تذكر بأنك أنت من دعوتهم ... )
نظر اليها قاصي بعينيه القاتمتين ثم قال بخفوتٍ و دون تعبير
( لم أدعوه هو ........... )
همست تيماء بحدة
( و ما المشكلة ؟!! ....... ألن نجد ما نطعمه اياه ؟!!! ....... )
لم يرد قاصي بل نظر اليها بنظرة لم تفهمها ..... ثم ترك يدها ليقول بخفوت
( اذهبي و جهزي المتبقي ....... )
تنهدت تيماء و هي تشعر بأنها لا تفهمه , لكنها اتجهت للمطبخ بصمت ......
تبعتها سوار و مسك خلال لحظات ..... بينما بقى ليث بجوار أمجد .... كلاهما صامتا متباعد الملامح ....
الى أن قال ليث محاولا بدء الحوار بترحيب
( اذن ...... أنت زوج ابنة عم سوار ........ )
نظر اليه أمجد بفتور ثم مد كفه اليه مصافحا و قال
( أمجد الحسيني ........... )
صافحه ليث بحرارة .... ثم عاد كلا منهما الى صمته ..... كل منهما يراقب زوجته التي تحضر الأطباق من المطبخ الى الطاولة ... ثم قال ليث بصوتٍ فاتر مجاملا
( محظوظ من يتزوج ابنة من بنات الرافعية ........... )
تنهد أمجد بقوة .... ثم قال بخفوت
( الحمد لله ................... )
كان فريد ينظر لكلا منهما ثم قال رافعا حاجبه بارتياب
( وحدوه ......... )
قال كلا من ليث و أمجد
( لا اله الا الله ............. )
اقترب قاصي ليجلس بجوار فريد يرمقه بنظرةٍ غير مريحة .... فبادله فريد النظر وهو يقول
( ماذا عنك ؟!! ............ هل أنت محظوظ بزواجك من احدى بنات الرافعية ؟!! ..... )
مط قاصي شفتيه و قال ببرود
( غدا تكبر و تتزوج احداهن لتحكم بنفسك ........ )
ارتفع حاجب فريد أكثر و قال برهبة
( أنت مريب ....... أنت شخصية مريبة غامضة ......... )

كانت سوار واقفة في شرود تام بجوار مائدة الطعام الصغيرة و هي ترتشف من كأس العصير الذي أعطته لها تيماء الى أن يتم تجهيز الطعام كاملا ... بينما اقترب منها قاصي فانتبهت له و ابتسمت ... الا أنه لم يبتسم , بل همس لها و عيناه على ليث الجالس بعيدا ينظر اليهما بدقة
( عرفت مكان فواز الهلالي ........ )
اتسعت عينا سوار و هي تستوعب ما قاله قاصي للتو فهتفت
( حقا يا قاصي !!!!!!! ......... )
نظر اليها الجميع بدهشة ... الا أنه همس بحدة
( هششششش ....... ليث لا يعرف ..... )
توترت مشاعر سوار بحدة و هي تنظر الى ليث الذي كان يراقبهما دون هوادة .... فالتفتت الى ليث و هي تنتفض داخليا بطريقة موجعة و قد تعرقت كفاها .... ثم همست بصوتٍ مرتعش
( أين .......أين هو يا قاصي ؟؟؟ ...... أخبرني أرجوك .... )
نظر اليها قاصي باهتمام , ثم قال بجدية حاسمة
( لازلت عند شروطي ..... لا سلاح بل و سأجعل تيماء تفتشك ذاتيا زيادة في التأكيد .... و سأرافقك ....... )
هزت سوار رأسها بقوة ... ثم قالت بنبرة رجولية
( لا أريد سوى الكلام معه ..... أعدك ........ )
أومأ قاصي برأسه وهو ينظر الى ليث عن بعد , ثم قال أخيرا
( سأتفق معكِ على الموعد ........ )
ثم ابتعد عنها بينما أمسكت بظهر الكرسي و هي تشعر بالعالم يدور بها .....

غريبة تلك الجلسة , فكل واحد منها كان ينظر الى الآخر وهو يشعر بغيرة خفية ..... غيرة مصدرها عدم الصدق في حياته ....
فأمجد كان يغار من قاصي وهو يرى نظرات العشق الأبدية التي ترمقه بها تيماء خلسة كلما مر أمامها ...
و هو كذلك يغار من تلك الثقة التي تمنحه اياها مسك دون حساب , بينما تضن بها عليه ....
ليث كانت النيران تحرق روحه وهو يرى السر الذي منحه لقاصي بنفسه , فشاركته سوار به .... دون غيره ....
مسك تغار من تلك العلاقة التي لا تنفصم مطلقا بين قاصي و تيماء على الرغم من كونها منافية لكل منطق ممكن ....
أما قاصي ...... فقد جلس مكانه وهو ينظر الى فريد الذي كان واقفا خلف مائدة الطعام يقطع خضروات السلطة بمهارة و سرعة .... ملقيا دعاباته مما جعل تيماء الواقفة بجواره تضحك دون توقف .....
نظرات قاصي كانت مؤلمة لمن يراها و يفهم معناها .... فحين نظر اليهما معا ....
طبيب , ابن أصل .... ثري ...... و أستاذة جامعية ... ابنة نفس الأصل و الدم ....
حينها فقط أدرك كم ينقصه ليكون مناسبا لها .....
ضحك بألم وهو يفكر في جدائل ماصات العصير ... و بعض الأطعمة اليدوية .....
هل هذا هو كل ما يبده , كي يكون مناسبا لها ؟!! .....
نهض قاصي من مكانه ببطىء ...... و عيناه عليهما ... الى أن وصل اليهما ثم قال أخيرا بصوتٍ خطير
( من أنت ؟!! ............ )
رفع فريد وجهه ينظر الى قاصي رافعا حاجبه المتوجس .... ثم نظر الى تيماء و قال بدهشة
( هل أصيب زوجك بفقدان ذاكرة مبكر ؟!!! ....... )
لم ترد تيماء ... فقد كانت تنظر الى ملامح قاصي بقلق و خوف ... الا أنه اعاد مكررا
( من أنت ؟!! ............ )
حك فريد شعره ثم قال بجدية
( بسم الله الرحمن الرحيم .... الإجابة فريد غانم الرافعي ..... )
سأله قاصي بصوتٍ أكثر خفوتا و أكثر اثارة للقلق
( ما هي كنيتك هنا ؟!! .......... )
شحبت ملامح تيماء و أغمضت عيناها برعب , الا أن فريد رد دون أن يتقهقر
( ابن عم زوجتك !!! ............. )
قال قاصي بنبرة قاطعة أجفلتهما معا
( بل ضيفا ............ أنت هنا ضيفا , لذا لا يليق بك الوقوف و تحضير السلطة .... )
أفلت النفس المرتجف من بين شفتي تيماء راحة بينما ضحك فريد بقلق وهو يقول
( زوجك هذا والله عليه تصرفات !!! ........ مريب ... )
الا أنه ترك ما يبده و عاد الى مقاعد الضيوف .... فنظرت تيماء الى قاصي بحيرة ....
لكنه لم يتكلم ...... بل اقترب منها و أمسك بها يضمها فجأة الى صدره بكل قوته .....
صمت الكلام بين الجميع وهم ينظرون الى هذا العناق الأفصح من أي كلامٍ آخر ....
كلا منهما متمسك بالآخر ... و كلاهما مغمضا عينيه و كأنهما لا يريدان النظر لشخصٍ آخر .....
فلمعت الحسرة في الأعين .... رجلا و نساءا .... بإستثناء فريد الذي كان ينظر اليهما وهو يأكل جزرة سرقها من على الطاولة ....
نهض ليث من مكانه و اتجه الى سوار التي كانت واقفة بجاور النافذة المفتوحة تحاول التقاط أنفاسها المرتعشة من فرط التوتر ....
فقال لها بخفوت
( هل أنتِ بخير ؟؟ .......... )
أجفلت سوار بشدة و كادت أن توقع الكأس الفارغ من يدها ... فابتلعت ريقها و أومأت برأسها الشاحب لتقول بعدها بصوتٍ غير ثابت
( نعم ...... أنا بخير ......... )
ظل ليث ينظر اليها بنظرةٍ غامضة .... ثم سألها بصوت جاد
( ما الذي أخبركِ به قاصي فجعلك تشحبين الى تلك الدرجة ؟؟ ......... )
اطرقت سوار برأسها و هي تقول كاذبة
( لا شيء هام .......... )
الا أن ليث رد عليها قاطعا
( أنتِ تكذبين ............. )
رفعت عينيها الواسعتين بدهشة , الا أن الغضب و التحدي اندفعا بداخلها فجأة فسألته ببرود
( شيء لا يخصك .....و لم يخصك يوما ..... )
من نظرة ليث المفاجئة علمت سوار بأنها قد تجاوزت حدودها , لكن كرامتها أبت عليها التراجع ....
فقالت متابعة
( طالما أن الحوار بينك و بين دليلة لا يخصني ..... أجد سؤالك عن حواري مع قاصي تطفلا غير مقبول ..... )
ساد صمت مقيت بينهما و هي تلعن كل كلمة خرجت من بين شفتيها بغباء ....
الى أن قال ليث أخيرا بنبرته الغير مفهومة
( هل تودين معرفة ما دار بيني و بينها ؟!! .......... )
نظرت اليه بدهشة و حثتها كرامتها على الإنكار , الا أنها لم تستطع فقالت مسرعة بجدية
( نعم ............. )
ابتسم ليث بأناقة و قال بصوتٍ مهذب
( قبلت عرضكما شاكرا .... فعرضت عليها الزواج , و ستحدد لي موعدا مع أسرتها .... )
فغرت سوار شفتيها الذاهلتين ... بينما سقط الكأس من بين أصابعها متهشما الى ألفِ قطعة .......

أبعد قاصي تيماء عنه لينظر الى وجهها المتورد مبتسما .... ثم قال بخفوت حنون
( كانت أجمل فكرة اقترحتِها .... هي ارسال ثريا لتبقى مع امتثال لحين انتهاء العزيمة ... )
ابتسمت تيماء و قالت مستسلمة
( لم أكن لأسمح لأمي بأن تتعرض لهذا الإذلال علنا ..... و أنا أشعر بأنهما ستنسجمان ... )
.................................................. .................................................. ..........

كانت امتثال تجلس على مقعدها الوثير و ساقيها تحتها ... ترتدي قميصا فضفاضا مريحا و تضحك على فيلم قديم في التلفاز ....
بينما رفعت ثريا وجهها المغطى بقناعٍ ذهبي عن كأس المشروب الغازي و سألتها بإستياء
( هذا المشروب ليس خاليا من السعرات ..... اليس كذلك ؟!!! ..... )
توقفت ضحكات امتثال و هي تنظر الى ثريا بدهشة ..... ثم قالت بخفوت
( والله تستحقين أكثر من ضرب الخف ......... )
عقدت ثريا حاجبيها و قالت بحيرة
( ماذا قلتِ ؟!! ....... لا أسمعك ...... )
ردت امتثال بنبرة مضيافة
( لا تؤاخذيني حبيبتي ..... فأنا في اليوم الحر من النظام الغذائي الي أتبعه .... ) 

Continue Reading

You'll Also Like

8M 168K 110
نتحدث هنا يا سادة عن ملحمة أمبراطورية المغازي تلك العائلة العريقة" التي يدير اعمالها الحفيد الأكبر «جبران المغازي» المعروف بقساوة القلب وصلابة العقل...
3M 88.1K 59
قصة رومانسية بقلمي ملك إبراهيم
2.4K 135 44
حبيبتي عطرها كالفاوانيا حبيبتي عينها حلمي ومأوايَ هل عطرها لي ، هل عينها لي ام العطر سيتبخر والعشق يتدمر والعين تتحرر وتلتف بين أيدي رجل اخر ! ...
25.4K 992 16
انا عشقت الليل من اسمك وحبيت البدر حَانّون الجزء الثاني .