طائف في رحلة ابدية

By nanono3726

7.2M 137K 13.3K

من بين جموع البشر ... كان هو الاول والاخير... واخر من رغبت بمواجهته في هذه الارض القاصية الواسعة صرخ بها وال... More

المقدمة
الفصل الاول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس ....الجزء الاول
الفصل الخامس ... الجزء الثاني
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر ..الجزء الاول
الفصل التاسع عشر ..الجزء الثاني
الفصل العشرون
الفصل الواحد والعشرون
الفصل الثاني والعشرين
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرين
الفصل الخامس والعشرين ..الجزء الاول
الفصل الخامس والعشرون..الجزء الثاني
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الاربعون
الفصل الواحد والاربعون
الفصل الثاني والاربعون
الفصل الثالث والاربعون
الفصل الرابع والاربعون
الفصل الخامس والاربعون..الجزء الاول
الفصل السادس والاربعون
الفصل السابع والاربعون
الفصل الثامن والاربعون
الفصل التاسع والاربعون
الفصل الخمسون
الفصل الحادي والخمسون
الفصل الثاني والخمسون
الفصل الاخير
الخاتمة

الفصل السادس عشر

130K 2.5K 632
By nanono3726


( أنت تنظر اليه منذ ساعة ...... ظننت أنني أنا التي كانت تعاني من حالةٍ هيستيرية , بينما أنت واثق كل الثقة في حبيبتك الصغيرة ....لكن على ما يبدو أنني كنت مخطئة , .... )
لم يحركه صوت ريماس من مكانه .... و كأنه لم يسمعها من الاساس ... بل بقى جالسا على الكرسي بجوار سرير عمرو ... ينظر اليه في الظلام بملامح تماثل الظلام قتامة ....
فقط ينظر الى ملامح الصغير النائم بصمت و تفكير و كأنه يعيش في عالم آخر غير هذا الذي يحيط به ....
حين استمر الصمت لفترة أطول ... تنهدت ريماس و قالت بخفوت
( تعال يا قاصي لترتاح قليلا ....... أنت متعب , لقد قدت ست ساعات متواصلة و أنت تعيش حالة من الرعب ..... لكن انتهى كل شيء الآن .....)
لكن قاصي لم يرد ... و لم تلن ملامحه , .... فاقتربت منه ببطىء لتضع يدها على كتفه برفق , و ما أن لامسته حتى انتفض بقوة وهو ينظر اليها بملامح قاسية متفاجئة .... فسارعت بنزع يدها و هي تشعر بالخوف من نظراته المخيفة ...
ففركت أصابعها بتوتر و هي تهمس بتشنج
( الهذه الدرجة تزعجك لمستي ؟!! ....... )
سمعت صوت نفسه الذي خرج كزفير نافذ الصبر ... وهو يهز رأسه قليلا و كأنما يحاول الإفاقة من شروده العميق , ثم نهض من مكانه ببطىء ... ووقف ليلقي على عمرو نظرة أخيرة أخرى قبل أن يستدير الى ريماس قائلا بخفوت
( دعينا نخرج من هنا كي لا نوقظه من نومه العميق .... فقد تعب اليوم جدا .... )
تحرك قاصي باتجاه الباب ... الا أن صوت ريماس تصاعد خلفه بغضب
( و الفضل في هذا يعود الى حبيبتك المعتوهة ...... )
توقف قاصي مكانه عدة لحظات .... و بدا و كأن ملامحه قد تصلبت تماما , قبل أن يستدير الى ريماس الواقفة خلفه , فمد يده و قبض على ذراعها فجاة .... قبل أن يجرها خلفه ليخرجا من غرفة عمرو ... مغلقا الباب الخلفهما .....
و لم يتركها و هي تئن بغضب
( اتركني يا قاصي .... أنت تؤلم ذراعي ..... )
لكنه لم يتوقف الا حينا وصلا الى غرفة الجلوس , حينها فقط أدارها اليه و شدد على ذراعها قائلا بصوتٍ غاضب مكتوم
( لا تتكلمي بتلك الطريقة عن تيماء أمامي يا ريماس .... لأنني لن أتهاون المرة القادمة ... )
تصلبت مكانها و توقفت عن المقاومة و هي تنظر اليه بعينين مصدومتين ... ثم قالت أخيرا بصوتٍ واهٍ
( يؤلمك سماع كلمة عنها ؟!! ....... )
قال قاصي دون تردد و دون أن يترك ذراعها و عيناه تتوهجان بانفعالاتٍ عميقة
( يغضبني ..... و أنا لا أريد أن أريكِ شيئا من غضبي ..... )
زمت ريماس شفتيها و و رفعت ذقنها , تنظر اليه بعينين فيهما لهيبٍ جليدي ... تواجهه بصمتٍ مشحون , ثم قالت أخيرا بصوتٍ غريب
( زوجتك تختطف أبني و تتركه لدي أناس لا أعرفهم في منتصف الليل .... و عوضا عن أن تعاقبها , ها أنت تقف أمامي و تهددني بغضبك !!! ...... )
ضاقت عينا قاصي وهو يقف أمامها محنى الكتفين بثقلٍ مهلك ... لكنه لم يتراجع وهو يقول بصوتٍ أقل سطوة
( الخطأ ليس خطأ تيماء ..... انا المخطىء, فأنا من تركت عمرو لها دون مراعاة لما مرت به في ساعات قليلة ..... إن أردتِ معاقبة أحد فعاقبيني أنا .... لكن هي ... لا ..... )
لم تتحرك ريماس من مكانها و هي تنظر اليه بصمت ... ملامحها مظلمة قليلا , و عيناها تبدوان من الزجاج القاسي ... بينما لم ترف عينا قاصي وهو ينظر اليها , فقالت أخيرا بصوتٍ جامد
( أخبرني عنها ..... أخبرني عن ليلتكما معا ؟؟ ..... هل كانت العروس التي حلمت بها لسنواتٍ طويلة ؟!! ... هل أشبعت بداخلك رغباتٍ تحكمت بها لئلا تكون لغيرها أبدا ؟!! ..... هل حققت توقعات انتظارك و أشفت ظمأ انتظارك ؟؟ ....... )
برقت عينا قاصي قليلا ببريق خاطف .... وحشي قليلا بلونٍ داكن سرعان ما اختفى وهو يقول ساخرا
( أتريدين سماع بعض التفاصيل المثيرة الرخيصة عن ليلة زفافنا يا ريماس ؟!! ..... )
لم ترمش بعينيها و هي تنظر اليه قائلة بوقاحة
( ربما .......... )
نظر قاصي اليها طويلا قبل أن يترك ذراعها أخيرا ببطىء ... مستديرا عنها وهو يحرك كتفيه و كأنه يسوي حملا عليهما يفوق قدرته على الاحتمال ... ثم قال أخيرا بصوتٍ قاتم دون أن ينظر اليها
( اذن سيخيب أملك .... لا تفاصيل رخيصة أو قذرة .... لأنها لم تكن ليلة عادية بين اثنين .... بل كانت عودة .... عودة من سباق طويل .... شيء لن يعجبك و لن يثير اهتمامك , فكلا منا عاش الكثير مما يجعل الإثارة هي آخر ما قد يبحث عنه .... و خاصة هي ..... فقد كانت بين ذراعي ك ..... )
صمت فجأة وهو يحني رأسه و كأن الكلمات قد ضاعت منه .... محاولا البحث عن مرادفاتٍ مناسبة دون أن يجدها ....
فقالت ريماس من خلفه بصوتٍ مهتز قليلا ... خفيض
( تابع ..... كانت بين ذراعيك ؟!! .... ماذا ...... )
سمعت تنهيدة حارقة صدرت من اعماقه .... تنهيدة شعرت بلهيبها دون حتى ان يستدير اليها ....
لكنه قال في النهاية بصوتٍ قاسي خافت
( لقد أصابوها منذ سنواتٍ طويلة ...... أصابوها بشدة و قتلو روحها المتمردة الصاخبة .... قتلو حبها للحياة بعدم رحمة , و كنت أنا السبب في ذلك ..... كانت بين ذراعي كطير مذبوح , يرتجف بشدة .... كانت تحتاجني و تحتاج مساعدتي لاجتياز تلك المحنة التي تتخيل انها تجاوزتها .... و لا تزال تحتاجني .... لن تكون لغيري حتى و ان ارادت .... انا الوحيد القادر على مساعدتها على تخطي ألمها .... )
ابتلعت ريماس غصة في حلقها و هي تنظر الى ظهره ذو الكتفين المثقلتين , ثم قالت أخيرا بصوتٍ أجش خافت
( هذا عنها ..... لكن ماذا عنك ؟؟ !! ..... لم تجب سؤالي بعد , هل فتاة مثلها قادرة على تلبية كل رغباتك ......هل وجدتها كما كنت تتخيلها ؟!! ..... )
لم يكن سؤالها سؤال ,.... بل اجابة لم تعجبه , فاستدار ببطىء ينظر اليها طويلا قبل ان يقول بصوت هادىء غريب
( بل أفضل ............ )
اهتزت حدقتيها قليلا و كأن جوابه قد صدمها ,,,, فقالت بلهجة مندفعة
( هي لا تناسبك ..... ستملها بعد أشهرٍ قليلة , أنت جمرةٍ من نار يا قاصي ..... )
التوت شفتاه في ابتسامة ساخرة وهو يقول
( أنت لا تعرفين تيماء كما أعرفها أنا ..... إنها وهج يحتل النفس و لا يبارحها الا و قد احتلها ......)
تحركت عضلات حلقها بصعوبة , الا انها قالت بقوة و اندفاع
( و أنت بالتأكيد لا تناسبها ......... )
عند هذه النقطة صمت قاصي و لمع نفس البريق الخطير في عينيه .... و في عمق تلك العينين ادراك بما تقوله ريماس .. أما هي فقد تابعت بلا رحمة و هي ترى أنها قد نجحت في ارباكه قائلة
( سرعان ما ستدرك أنها قد ارتكبت خطأ متهورا .... كما سمعت عنها أنها مهتمة بعملها و دراستها و لديها طموح .... لديها مستقبل عريض تريض خوضه و تحقيق ذاتها به , و أنت ستكون لها عقبة في هذا الطريق ... ستضيع بهجة النزوة و تظل بعدها تكرهك المتبقي من عمرها ..... )
لم يتحرك قاصي و لم يرد ... بل اكتست ملامحه بقناع حجري غير مقروء .... أما ريماس فتابعت بانتصار
( هذا لو غفرت لك كذبك و خداعك من الأساس ..... أي امرأة تسامح الرجل الذي أحبت على زواجه من أخرى دون علمها ؟!! ..... زواجكما قضية خاسرة يا قاصي ..... )
ظل على صمته .....
و الملامح الحجرية تزداد قسوة و شيء اعمق في عينيه ... يشبه الألم ...
لذا اختارت ريماس تلك اللحظة بالذات و اقتربت منه ببطىء الى أن رفعت يدها تتلمس مكان قلبه برفق هامسة بخفوت مغوي
( أنا و أنت نشبه بعضنا يا قاصي ..... ماضِ غير مشرف و مستقبل لا يبشر بشيء .... لكن الرائع في الأمر أننا لا نهتم لذلك .... لا خطط أو احلام مضنية , بامكاننا ان نحيا معا ساعات مذهلة من التوق و الرغبة .... دون مبررات او تفكير .... كما لدينا ابننا يكبر بيننا ...... هذا افضل ما نستطيع الحصول عليه , لكن ان تتوقع أكثر من هذا , حينها ستكون خادعا لنفسك .... و أنا لا أظنك أحمقا أبدا .... )
ظل قاصي على صمته بينما استطالت ريماس على أطراف اصابعها و داعبت عنقه بكفيها هامسة في اذنه
( ابقى معي الليلة و دعني أريك كيف بامكاني أن أسكن من ألمك و توقك المراهق لها ..... انها مجرد حلم في حياتك يا قاصي ..... أما أنا فواقع مر ..... اقبل به .... )
تحركت شفتاها باقناعٍ مغري تنوي ملامسة شفتيه , هامسة فوق فكه القوي , بينما صدره يتصارع مع أنفاسه المؤلمة تحت كفها ...
( أتظن أنني لا أشعر بألمك و ألمها ؟!! .... أنت واهم أذن ..... أنا أكثر من ستشعر بكما , فقد كنت مثلها يوما ما .... فتاة عاشقة للحياة بكل مباهجها ... لدي عائلة و أحلام ..... عبث بها رجل اقتحم تلك الحياة تملكني و أنا مسلوبة الارادة أمام سحره ..... مرة بعد مرة حتى حولني الى مسخ مثير للشفقة .... و الآن لا أحيا الا بكرهه و تمني الموت له كل لحظة ...... هل هذا ما تريده لكما ؟!! ..... أجبني .... )
وصلت شفتاها الى شفتيه بنعومة و هي تهمس مكررة
( أجبني ............. )
الا أنها و قبل أن تلامس شفتيه مقبلة .... ارتفعت يده لتقبض على ذقنها بقوة , ليبعد وجهها عن مرماها , الا انه رفع لينظر الى عينيها قائلا بصوتٍ غريب
( أخطأتِ في تشبيهي براجح الرافعي يا ريماس ....... )
اظلمت عيناها فجأة و هبطت قدميها و كأنه صفعها بقسوة .... فقالت بعنف
( إن كان ابن الأصول و الحلال قد فعل ذلك ..... فماذا ستفعل أنت معها ؟!! ..... أفق يا قاصي .... أفق قبل أن تؤذيها أكثر و تقبل ما هو معروض أمامك لانه كل ما ستحصل عليه .... لا تكن غبيا .... )
ترك وجهها بقوة و ابتعد عنها ناظرا اليها بعينين تشعان بالخطر .... فقد داست أرضا خطرة و هي المرة الأولى التي تطئها .... كانت تعلم خطورة المساس بتلك المنطقة المحظورة في حياته , الا أن رفضه المتكرر لها أرهق المتبقي من أنوثتها المهدورة المنهكة .....
و جعلها ككائن متوحش لا يريد سوى ايلام من يقف بطريقه ....
طال الصمت بينهما وكلا منهما ينظر للآخر لاهثا بمشاعر متناقضة ... الى أن قال قاصي أخيرا بصوت شديد الخفوت
( بامكاني ايلامك حتى تصرخين طالبة الرحمة ..... فعلتها مع غيرك من رجالٍ في ضعف حجمك و ربما هذا ما تريدينه ..... أهذا هو ما تطلبين لمزيدٍ من المتعة ؟!! .... )
ارتفع حاجبها قليلا و لمعت عيناها , قبل أن تقول بصوتٍ مرتجف يكاد أن يكون متوسلا
( ربما ......... )
حينها ضحك قاصي ضحكة خافتة قاسية دون مرح وهو يقول بصوتٍ بعيد
( لست راجح ...... وتيماء لن تكون أنتِ أبدا ......... )
تراجعت خطوة و هي مصدومة من الطريقة التي بصق بها كلامه تجاهها .... الا أنه تقدم اليها و أمسك بذراعها فجأة ليديرها الى مرآة كبيرة في الغرفة فصرخت ريماس تقاومه , الا أنه لوى ذراعها خلف ظهرها وهو يقول بصوته الخافت الشرير
( أنظري الى نفسك قليلا و تذكري كيف كنتِ .... كيف وصلتِ الى الحضيض يوما ما ... حتى طفلك الثاني كنتِ علي وشكِ فقدانه بسبب ضعفك و غبائك ..... أما تيماء فلم و لن تكون ضعيفة أبدا ..... لم يكن لديكِ أي سبب مقنع كي تنحدري الى ذاك المستوى ... لكنك فعلتِ و أضعتِ أثمن سنوات حياتك .... )
هتفت ريماس بغضب و هي تحاول مقاومته دون طائل
( ابتعد عني ..... اتركني ........ )
لكن قاصي لم يتركها , بل شدد على ذراعها قائلا بنفس النبرة
( تقارينني أنا براجح ؟!! .... ابن الاصول ؟!! ..... أنسيت ما فعله بك و كيف القى بك مرة بعد أخرى كمنشفة قذرة ..... أنسيت أنه لم يلقي نظرة على طفليه ....حتى موت طفله الأول لم يرقق قلبه ولو للحظة ..... أنسيتِ الحالة التي كنتِ عليها قبل أن نتزوج و توسالتك لي أن أتكفل بكِ .؟!! ...لم تطمحي يومها لأكثر من سقفٍ يأويكِ و رجل ينفق عليكِ و على طفلك ... ولولا زواجنا لكنتِ حملتِ الطفل و رحلتِ الى مكانِ لا يعلمه الا الله .... و ربما لكنتِ ميتة الآن من جرعة مخدرات زائدة .... )
تركها فجأة بقوة جعلتها ترتطم بالمرآة ... بينما هو يقول متابعا بغضبٍ لاهث
( تيماء لن تكون أنتِ .... و عديم الأصل لن يفعل بها ما فعله ابن الأصول بكِ ....... )
أمسكت ريماس باطار المرآة بكلتا كفيها ... منحنية الرأس ..... تتنفس بصعوبة وقد استمر الصمت بينهما طويلا بعد أن أنهى قاصي كلامه المرير ...
ثم رفعت وجهها ببطىء لتنظر الى نفسها في المرآة .... فهالها المنظر المشوه الذي تراه في ملامحها الملطخة بالدموع ..... بدا وجهها و كأنه وجه عجوز دميمة . و عينيها الحمراوين بلون الدم كبركتين من المرار ...
بعيدة كل البعد عن الاغراء ....
و في تلك اللحظة شعرت بالكره له و هي تبعد حدقتيها عن صورتها لتنظر الى صورته الماثلة خلفها ....
فقالت اخيرا بصوتٍ اجش يرتجف
( كان هذا ما انتظرت سماعه منك منذ سنوات ..... لقد تأخرت كثيرا في تذكيري .... )
قال قاصي دون ندم
( لم يكن عليكِ التطرق الى هذا الجزء من حياتي .... لقد حذرتك سابقا ..... يوم اخبرتك بأن دم عمرو من دمي مضطرا ........ )
ظلت ريماس على صمتها طويلا و هي تنظر اليه بينما الدموع تنهمر ببطىء على وجهها ثم قالت اخيرا بصوت قاتم
( لكنك نسيت تذكير نفسك بأنك لم تفعل ذلك لمجرد الشفقة و الاحسان ..... كنت تريد ابني .... كنت تريده بأي وسيلة ..... )
تواجهت اعينهما قبل ان يقول بهدوء
( نعم كنت اريده اكثر من اي شيء اخر .... كنت اريده أن يربى في بيتي و يأكل من حر مالي و لا يعرف والدا غيري .... )
صمت قليلا ثم رفع ذقنه ليقول مؤكدا وهو يضرب صدره بقبضته
( حفيد عمران الرافعي الذي يحمل اسمه .... ابني انا الذي يأكل من مالي و من عرق جبيني ..... )
استدرات ريماس تنظر اليه بنظرات عميقة ... شديدة العمق ... ثم قالت بخفوت أجش
( الاسم الذي لن يحصل عليه أي من أبنائك ..... إن وجد لك طفل في يوم من الأيام ...... )
ظل قاصي على صمته قليلا , قبل ان يقول بصوت هادىء
( اذهبي لتنامي يا ريماس ..... و تغاضي عن رغباتك في سبيل الحياة التي تحيينها الان ... انتِ في حاجة لي و أنا في حاجة لعمرو , فلا تدعي مجرد رغبة لحظية تتسبب في ضياع الأهم ....... )
ابتعد قاصي عنها متجها الى الباب ينوي الخروج , فصرخت ريماس من خلفه
( لكنك تظلمني .......... )
توقف قاصي مكانه يوليها ظهره .... و ساد الصمت لعدة لحظات , قبل ان يرفع رأسه ليقول بصوت جامد
( أتريدين الطلاق ؟؟ ......... )
تسمرت ريماس مكانها و اتسعت عيناها قليلا و قد باغتها بهذا السؤال للمرة الاولى منذ زواجهما ....
و كان وقعه عنيفا عليها فتلجمت تماما و لم تستطع النطق ...
فقال قاصي مجددا بصوت أكثر صلابة
( أتريدين الطلاق لعلك تجدي فرصة أخرى في زواج يلائم توقعاتك ؟؟ ...... )
كانت تعرف جيدا الجواب على هذا السؤال .... أي زوجٍ ستجده ؟!! ... بكل ماضيها المخزي و طفل يمسك بكفها .....
حين طال صمتها قال قاصي بهدوء
( لو اردت الطلاق فسيكون لكِ و سأستمر في التكفل بعمرو لآخر يوم في عمري ..... )
عاد الصمت من جديد وهو يضع الخيار في يدها , فقالت بصوت مرتجف
( تعلم جيدا انني بت اعتمد عليك في كل شيء .... اين سأذهب ..... و كيف سأعيش ؟؟ ..... )
التفت اليها قاصي ناظرا اليها نظرة قاطعة , ثم قال
( ستظلين في بيتك ..... لن اخرجك منه ......... )
أطرقت ريماس بوجهها و هي تستند بتعب الى المرآة من خلفها ... ثم قالت أخيرا بصوت مستسلم
( لا اريد الطلاق ...... لا استطيع تدمير حياتي الان و بعد كل هذه السنوات ..... )
صمتت و هي تبتلع غصة في حلقها , ثم رفعت وجهها لتنظر الى عينيه هامسة
( لكنني أريدك ........ ... )
فتح قاصي ذراعيه وهو يقول مستسلما
( و أنا لا أستطيع أن اكون لغيرها .... حتى و لو حاولت فلن أستطيع ... جسدي سيرفض ... كل عصب سينتفض ممانعا ..... )
سقط وجهها بيأس و أخذت تبكي بخفوت مطبقة جفنيها بينما ظل قاصي ينظر اليها بلا تعبير , ثم قال اخيرا بهدوء
( اذهبي لترتاحي و في الصباح ستكونين بحالٍ أفضل ....... )
استدار ليغادر الا أنها صرخت مجددا
( و ماذا لو تصافيتما و طلبت منك أن تطلقني ؟؟؟ ....... )
فتح قاصي الباب ووقف مكانه قليلا ... ثم قال أخيرا بصوتٍ مجهد
( لن تفعل ...... لن يرضيها طلاقك , لن يرضيها الا ألمي ....... )
.................................................. .................................................. ......................
فتحت باب شقتها أخيرا و هي تجر قدميها المنهكتين جرا .....
الساعة تتجاوز الرابعة صباحا و قد نال منها التعب الى ان وصلت لبيتها اخيرا .....
رمت تيماء مفاتيحها جانبا و اغلقت الباب .... بينما اضائت الانوار الخافتة و هي تجيل عينيها في انحاء شقتها الصغيرة المستأجرة حديثا .....
مرتبة و لطيفة كما تركتها .....
لكنها عادت و قد تركت نفسها بعيدا ......
لم تتخيل حين غادرتها منذ يومين أن تعود اليها و هي زوجة لقاصي حبيب عمرها روحا و جسدا ....
و لم تتخيل أن تكون نهاية الحلم , عودتها الى هذه الشقة ميتة !! .....
ظلت واقفة مكانها لا تعلم الى أين تتجه .... و كأن الضياع قد لازمها و سيظل يلازمها للأبد ....
ثم تحركت ببطىء متعثر الى ان وصلت لغرفتها , فرفعت يديها المرتعشتين لتخلع حجابها و القت به بعيدا , قبل ان ترتمي على سريرها بكل قوة تعبها و عذابها ...
و دون أن تملك القدرة على منع نفسها وجدت نفسها تصرخ بأعلى صوتها ....
كانت صرخة متوحشة لحيوانٍ شرس يحتضر ....
ترافق الدموع صرختها و هي تغطي عينيها بكفيها متلوية فوق فراشها الصغير ....
و قد فقدت السيطرة على نفسها تماما بعد ساعات يوم طويل من السيطرة و التحكم في الذات ...
لا تعلم كم ظلت تصرخ .....
لا تعلم متى توقفت و متى اختنقت الصرخات متحولة الى دموعٍ صامتة .....
كل ما تعلمه أنها ظلت مرتمية على ظهرها تنظر الى سقف الغرفة طويلا بصمت .... عيناها ترسمان صورا من الماضي مختلطة بصورٍ من أقسى ايام حياتها ...
لا تتذكر أنها قد عاشت ألما يفوق هذا الألم من قبل ......
و بينما هي على حالها .... تعالى رنين الهاتف الأرضي الموضوع بجوار السرير ....
رمشت تيماء بعينيها المتورمتين ببطىء مرتين .... و أوشكت على تجاهل الرنين الغريب في مثل هذا الوقت
الا انه و قبل ان يتوقف ... امرها عقلها ان تحرك ذراعا ميتة لتلتقط سماعة الهاتف ,ثم وضعتها على أذنها بملامح ساكنة دون حياة ... و عينين فاقدتي الروح .....
ساد صمت طويل في الجهة المقابلة .... صمت يتخلله صوت نفس أجش ....
يتردد .... يتردد بخشونة رتيبة ....
كان صوت نفس أحد يطمئن الى وصولها لشقتها ....
ظلت السماعة على اذنها طويلا ... تستمتع بخشونة تلك الانفاس و هي على حالها مستلقية على ظهرها , تنظر الى السقف بفراق موجع ...
ثم فتحت شفتيها أخيرا و همست
( أرجو أن تتعذب أكثر ...... لأنها ستكون مهمتي من اليوم .... )
تحشرجت الانفاس فجأة بفعل كلماتها اللئيمة ... لكنها لم تسمع اكثر , فقد اغلق الخط في اذنها بمنتهى العنف ....
سقطت ذراع تيماء ... و سقطت منها السماعة على الارض دون ان تبالي حتى برفعها ....
بينما ظلت مقيدة الحركة من فرط تعبها و ألمها .....
تلعن كل ذرة غباء اكتنفتها بعد هذا العمر الطويل و جعلتها تثق في مشوه الروح ....
انسابت آخر دمعتين تملكهما من عينيها المتورمتين و هي تهمس بألمٍ شرس ..
" أقسم على ذلك ........... "
.................................................. .................................................. .....................
كانت تشعر بشيء غريب في نومها المتقلقل ....
شيء خانق جاثم على صدرها يكاد ان يخنقها .... و كأنها رائحة مألوفة تعرفها جيدا .....
فانعقد حاجبيها و هي تحرك رأسها من اليمين الى اليسار بعنف محاولة التخلص من تأثير تلك الرائحة المزكمة ...
شهقت فجأة بقوة و هي تفتح عينيها مرة واحدة و قد انتابها رعب غير مفسر !! ....
أخذت سوار عدة لحظات كي تستوعب تماما اين هي !!
كانت الغرفة ليست غرفتها ... السقف مختلف !! .... الجدران بلونٍ آخر متقشر الدهان و باهت !! ...
أثاث متناثر و متهالك !!! .... أين أثاث غرفتها الفخم ؟!! ...
و في حركة واحدة انتفضت جالسة بكل عنف لتجد نفسها مستلقية على فراش قديم مغبر و بأغطية مهترئة ....
اتسعت عيناها الناعستين تدريجيا و فغرت فمها و هي تتلفت في انحاء الغرفة الغريبة ... و هي تشعر بأنها لم تستيقظ بعد !!
هل تحلم ؟!! .... هل هي في كابوس من تلك الكوابيس التي تراودها منذ مقتل سليم و التي تعرف خلالها أنها لا تزال في سبات عميق ؟!! .....
أخفضت عينيها تنظر بعنف الى جسدها , فوجدت أنها تضع عباءة سوداء لم ترتديها قبل النوم !!! ...
لقد كانت ترتدي أحدى أقمصة النوم الخاصة بها حين خلدت للنوم ... أما شعرها فقد كان منسدلا طويلا غجريا حول جسدها يماثل عبائتها سوادا ...
كانت شفتيها فاغرتين و هي تتلمس نفسها تتأكد من أنها لا تحلم ....
محاولة التذكر ....
لقد خلدت للنوم .... و حلمت بسليم ..... ثم ...ثم ... ثم .....
قفزت سوار فجأة كفرسٍ جامحة متوحشة لتقف على قدميها و قد استفاقت تماما ناظراة حولها بوحشية ... الى أن سمعت صوتا خافتا يقول من احدى الزوايا المظلمة للغرفة ...
( تبدين رائعة ...... ازددتِ جمالا بشكلٍ يأسر القلب يا سوار .... )
استدارت سوار بعنف على عقبيها ما ان سمعت الصوت الهادىء .... و رأته هناك , يجلس على كرسي ضخم في زاوية مظلمة ... لا يضيىء ملامح جسده سوى الضوء الشاحب المنبعث من النافذة المجاورة له ...
تسمرت مكانها و هي تنظر اليه نظرة صاعقة ....مذهولة ...
و عادت لتنظر الى نفسها مجددا تتأكد من تسترها تماما , فضحك راجح وهو يقول بنفس الصوت الخافت
( لا تخافي يا فرسي الأصيل .... لقد استجمعت كل ذرة سيطرة أمتلكها لأغطيكِ بعبائتك و أحجبك عن عيني ..... مؤقتا .... )
شدد على كلمته الأخيرة بتحذيرٍ لا يقبل الشك ....
بينما سوار تنظر اليه بنفس الذهول الذي يطفو على حافة بركانٍ يوشك على قذف حممه القاتلة ....
لكنها تمالكت قوتها بمعجزة و سيطرت على ارتجافة التوحش بداخلها و هي تهمس بصوت غريب
( أين أنا ؟!! ......... )
كان جالسا في مكانه بأريحية في مقعده ... يضع ساقا فوق أخرى وهو ينظز اليها بنظراتٍ نهمة ... مشتعلة و عميقة ....
عاد ليضحك بخفوت ثم قال بخفوت
( أنت معي ....أخيرا .... الا يكفيكِ هذا ؟!! ..... )
حينها صرخت سوار بوحشية و جنون
( هل جننت ؟!!! ..... أيها المختل المعتوه هل جننت ؟!!! .... ماذا فعلت بي ؟!! .... )
أنزل راجح ساقه و نهض من مكانه دون ان يبعد عينيه عنها وهو يقول بخفوت دون ان يفقد ابتسامته الغامضة
( اطمئني حبيبتي .... أنت سليمة تماما , و لم أفعل بكِ أي شيء .... )
كانت سوار لا تزال تتفحص نفسها بجنون , قبل أن ترفع وجهها المشتعل اليه و صرخت بهياج
( ما الذي حدث ؟!!! ..... هل كنت في غرفتي ؟!! .... كيف أحضرتني الى هنا و أين أنا ؟!!!!!!!!! ..... )
كان راجح أثناء صراخها المجنون يقترب منها بخطوات حيوان مفترس ... يستعد للانقضاض على فريسته ....
بينما همست شفتاه المغويتين
( الكثير من الاسئلة يا سوار .... الكثير ... الكثير من الأسئلة تفقدني متعة هذه اللحظة التي انتظرتها طويلا .... )
كان قد وصل اليها بينما هي تتراجع الى ان ارتطم ظهرها بالجدار من خلفها فشهقت بصمت و هي لا تزال على ذهولها و جنونها ... بينما هو يتأملها و كأنه يراها للمرة الأولى ...
ثم وقف على بعد خطوة واحدة منها ينظر اليها مجددا و كأنه يرتوي و يرتوي بعينيه الجائعتين قبل ان يقول بخفوت
( حين أصل الى نهاية الطريق .... لا يوقفني شيء يا سوار ..... لا شيء .... )
ارتفع حاجبيها و ازداد انفراج شفتيها اللاهثتين و هي تنظر اليه غير مصدقة ...يرفع قبضته المضمومة امام وجهها ليتابع بلهجة اكثر صلابة و سيطرة
( لا شيء ....... حصون جدك كلها لم تفلح في حمايتك حين قررت استعادتك .... استعادة ما هو ملكي ....)
همست سوار و هي لا تزال على ذهولها
( لقد جننت تماما ...... ياللهي لقد اصابك الجنون .....)
ضحك راجح بخفوت ثم قال
( الجنون علة العاجز .... حين يفشل في الحصول على ما يريد ..... أما أنا فواعٍ تماما لما أفعله .... )
رمشت سوار بعينيها و هي تنظر حولها بهلع , ثم نظرت اليه مجددا قبل أن تقول بصوت متشنج تحاول السيطرة عليه
( دعني أفهم هذا .... هل اقتحمت غرفتي و خدرتني و أخرجتني منها ....... بعد أن .... وضعت علي عبائتي !!!!!! .... ثم خطفتني ؟!!!!!! )
خرجت كلمتها الأخيرة صراخا بجنون .... فزاد جنونها من علو صوت ضحكات راجح حتى باتت مقيتة
أمام عينيها المصعوقتين ... ثم قال أخيرا
( اهدئي أيتها الفرس الجامحة ........)
لكن و قبل أن يتم كلمته الأخيرة ... كان كفها قد ارتفع تصفعه على وجهه بكل قوتها .....
التوى وجه راجح جانبا .... و ساد صمت مخيف قبل أن يحرك فكه ليتحسس وجنته الحمراء اثر صفعتها القوية ... قبل أن يعاود النظر اليها بعينين مخيفتين ليقول بهدوء
( هذه ثاني صفعة يا سوار ..... انصحك بتفادي غضبي , فوضعك الآن بالغ الخطورة .... )
كانت تهز رأسها بعدم تصديق و هي تنظر اليه و كأنما تنظر الى الشيطان نفسه , و صرخت بجنون
( هل تظنني قد أخاف منك أيها القذر ؟!! ....... أنا قادرة على حماية نفسي من معتوه مثلك , كيف تملكتك الجرأة في التعدي على عرض ابنة عمك يا قذر ؟!!!! ..... )
زالت السخرية عن شفتيه وهو ينظر الى وجهها الثائر بجنون .... قبل ان يقول بخفوت
( لن أعتدي على عرضك يا سوار ..... لن أفعل هذا معكِ أنتِ بالذات , الا تدركين هذا بعد ؟!! ..... أنت لستِ نزوة في حياتي .... أنت المرأة الوحيدة التي تمنيتها .... أحببتها ...... لم أحب غيرك ..... )
التوت شفتي سوار بامتعاض و تقزز و هي تهتف بعنف
( و هل من هو مثلك يعرف معنى الحب ؟!!! ........ لقد اخطأت فهمي , انا قادرة على حماية نفسي منك و لو فكرت في مد اصبعٍ واحد تجاهي فسأقتلع قلبك من بين اضلعك ..... لكن دخولك غرفتي و تعديك على شرف ارملة ابن عمك , فعقابها عسير يا راجح ..... لقد حفرت قبرك بيدك ....... )
كانت قد رفعت ذراعيها محاولة جمع شعرها الكث بأصابع خرقاء مجنونة دون جدوى .... فقال راجح مسحورا
( لا تحاولي .... لن تنجحي في جمع هذا الليل الطويل ...... اتركيه يا سوار , فقد رايته و انتهى الامر ..هل يبطل جمعه مفعول سحره ؟!! ... . )
حين فشلت , سقطت ذراعيها الى جانبيها بعنف و هي تنظر اليه بعينين مبللتين بدموعٍ الكرامة المنتهكة ...
دموع أنثى قوية تعرضت للقذارة رغم عنها ....
الا أنها رفضت لدمعة واحدة بالتساقط .... بكل القوة التي تمتلكها وقفت أمامه مرفوعة الذقن تواجهه لتقول بصوت يرتجف غضبا
( سيكون حسابك على يدي عسيرا يا راجح ...... لن تمر فعلتك دون أن افقدك المتبقي من رجولتك المتخاذلة و نخوتك الميتة ...... )
ابتسم ابتسامة ميتة , لم تصل الي عينيه المأسورتين بها .... ثم قال ببرود
( اتركي الوعيد جانبا يا سوار ..... تعلمين جيدا في خفايا نفسك أنك ما أن تكوني بين ذراعي و تصبحي زوجتي ... حلالي و ملكي فعلا و ليس قولا ستنسين تهديدك و تدركين أن قلبك قد شاب بدوني .... الحب الذي جمعنا كبر عمرا جدا يا سوار و آن له أن يرتاح .... )
رفعت ذقنها أكثر و نظرت الى عينيه و هي تقول بلهجة باترة كالشفرة ... كارهة و نافرة
( أي حب تظن أنني أملكه لعديم شرفٍ مثلك ؟!!! ..... انت لا تعرفني اذن يا راجح .... أنا سوار غانم الرافعي .... الرجولة لدي تطمس اي هوى ملوث قذر ...... و انت فقدت رجولتك في نظري منذ سنواتٍ طويلة ...... )
ظل مكانه ... يدس قبضتيه في جيبي بنطاله وهو يراقبها بنفس النظرات الجائعة , الا أنها نجحت بالفعل في ضربه بقوة .... فقال بصوت غريب
( اهانتي لن تفيدك يا سوار ..... لن تفعل اكثر من استفزازي و اشعال الجنون بداخلي و انا احاول جاهدا السيطرة على نفسي .... لذا اقترح عليكِ ان تتمالكي اعصابك و تجلسي , فلدينا وقت طويل لنقضيه معا .... )
ارتجفت شفتي سوار قليلا ... الا انها جمدت ملامحها , فلن تخافه مهما حاول .... فقالت بصوت صلب
( ما الذي تتخيل انكِ ستفعله ؟!! ...... )
ابتسم راجح وهو يبتعد عنها ببساطة يوليها ظهره .... ثم قال ببساطة
( انوي استعادتك ..... و ازالة أي أمل فيكِ لرجل غيري , هذا ما كان علي فعله منذ سنوات طويلة , لكنكم تحديتموني كثيرا .... فلم تتركو لي الخيار .... )
استدار لها عن بعد و نظر الى عينيها قائلا بلهجة غريبة
( القدر منحني فيكِ فرصة جديدة ..... فهل تخيلتِ أن أضيعها مجددا ؟!! ...... قديما كنت فتى اهوج , غر لا يملك مواجهة تلك العائلة الكبيرة وحده .... أما الآن فلم يعد في العمر المزيد من السنوات كي نهدرها .... خاصة و قد أصبحت حرة ..... انها اشارة من القدر يا سوار , فلما لا تفهمين و تستسلمين ؟!! ..... )
ظلت مكانها و هي تنظر حولها و عيناها تلتقطان الباب القريب منها ... وهو المنفذ الوحيد باستثناء النافذة خلف راجح .... و الذي قرأ أفكارها بسهولة , فضحك قائلا
( لا تهيني ذكائي يا سوار .... الباب مغلق حبيبتي , .... أنت و أنا محتجزين هنا لفترة طويلة .... )
نظرت سوار اليه نظرة كرهٍ خالصة ... ثم أعادت عينيها بقهر الى العباءة التي تسترها و أخذت تتحسسها بأصابع محترقة ... و قد ظهر انفعالها في عينيها , و رآه راجح فقال بخفوت
( لا تخافي ..... كنت مسيطرا على نفسي بأعجوبة و أنا أضع عبائتك عليكِ , .... بخلاف ما تعتقدين يا سوار , فأنا لا أريدك الا في الحلال .... بقيدٍ لا ينفصم ..... )
رفعت عينيها الحارقتين المبللين لتنظر اليه في عمق عينيه و هي تهمس بصوتٍ شرس مقهور
( ستدفع ثمن وضع اصابعك على جسدي يا راجح .... ستدفع ثمن هذا باهظا .... )
لكنه كان في عالم آخر .... ينظر الى شعرها مبهورا مسحورا بذات الجمال الملوكي الرائع ....
لم يكن يظن انها قد بلغت تلك المرحلة من الجمال الناضج الا بعد ان استقامت جالسة في الفراش القديم و شعرها المبهر من حولها ....
ذلك الشعر الحرير الذي افترشه سليم من قبله ....
وجد قبضته تنقبض اكثر دون ارادة منه .... و النار تحرق صدره بعنف وهو يهمس و كأنما يحادث نفسه غير آبه لتهديدها
( نعم .... القدر منحني فرصة فيكِ ..... لم اكن لاضيعها و لو كلفني ذلك حياتي .... )
شحبت ملامح سوار بشدة و هي تسمع عبارته الشاردة , فقالت بصوت ميت
( هل كان لك دخل في موت سليم ؟؟ ......... )
رفع راجح راسه متفاجئا بسؤالها الخافت الواضح ... فنظر اليها طويلا قبل ان يضحك باستياء قائلا
( اخبرتك من قبل انني لن اصل الى حد القتل .... كيف اقتل و تضيع حياتي بين القضبان أو على حبل المشنقة بينما أنا أريد الحياة .... كان يكفيني رؤيتك فقد و تجرع مرارة رفضك لي , و اختيارك لسليم .... أما الآن .... و بعد أن نلت فرصتي , فأنا أشعر بأنني على وشك قتل أي رجل يحاول سلبك مني مجددا .... لم تلده امه بعد من ستكونين حلاله سواي .... )
أغمضت سوار عينيها و هي تحني رأسها .... الألم في داخلها عنيف و الكره يضاهيه عنفا ...
لا تصدق ما يحدث !!! .....
لقد جن تماما ؟!! ..... توقعت منه الكثير , الا أنها لم تتخيل أن يصل الى هذه المرحلة من الفجر ...
رفعت سوار ذقنها و نظرت اليه لتقول بعنف
( ماذا الذي تنوي عليه ؟..... أجبني مباشرة دون المزيد من الألاعيب )
عاد راجح ليجلس على المقعد الذي احتله منذ قليل ... ليضع ساقا فوق أخرى وهو يقول بهدوء بينما عرق في عنقه ينتفض بقوة
( الأمر بسيط .... ستبقين معي هنا , الى أن يوافق جدك على زواجنا ...... )
ارتفع حاجبي سوار و اتسعت عيناها بذهول قبل ان تهمس بعدم استيعاب
( اتنوي احتجازي لحين قبوله ؟!! ..... أنت مجنون .... )
ضحك راجح وهو يقول ببساطة
( الأمر لن يستغرق الكثير كما تظنين , .... أنت تعرفين جدك , لديه ثوابت لا تقبل الجدل .... فبعد عاصفة الغضب الأولى , سيكون عليه إما أن يقتلني .... و إما أن يوافق ببساطة على زواجنا , و بعد أن يهدأ و يفكر جيدا .... سيرى أن الزواج خير من الفضيحة ..... )
فغرت سوار شفتيها و هي تهمس
( أتنوي أن تفضحني في البلد ؟!! ..... هل وصل جنونك لهذه الدرجة ؟!! .... )
ابتسم راجح باستياء و قال غاضبا
( للمرة الثانية تسيئي تقدير موقفي ...... كيف أفضح المرأة التي أريد الزواج منها ؟!! .... الأمر سيظل بين ثلاثتنا .... و جدك لن يقبل بخروجك من هنا الا و انت زوجة لي .... )
كانت تنظر اليه بصمت غريب ... حذر ... ثم قالت بصوت اجش
( و ماذا ان رفض ؟!!............ هل ستنفذ تهديدك ؟؟ ..... )
ابتسم راجح و هو يقول
( لن يرفض ..... فكري في الامر , حفيدته الأرملة قضت ليلتها مع ابن عمها , ..... الحل الوحيد هو زواجهما .... دون كلمة جدال واحدة ...... اما لو قتلني او فعل اي شيء حيال الامر فسيكون عليه التفسير أمام الجميع .... )
التوت شفتي سوار و هي تهمس
( و ماذا عن رأيي في الأمر ؟!! ..... هل تظن أنني سأوافق ؟!! ...... هل تتخيل أنني سأتزوجك غصبا ؟!! .... يبدو أنك نسيت من تكون سوار !! ..... )
هز رأسه نفيا وهو يقول
( لم أنسى من هي سوار ..... و أتوقع أن تنتفض روحك الجامحة الحمقاء لترفضني لثالث مرة , الا أنني لن أمنحك القرار هذه المرة يا سوار ..... أما الغصب فهي ليست الكلمة المناسبة بيننا و انت تدركين ذلك لكنك تنكرين .....لذا ستوافقين صاغرة و تتركين امر ارضائي لك فيما بعد .... . )
كانت سوار أثناء كلامه المقيت تنظر اليه بملامح ساكنة ....
ساكنة تماما .....
تستجمع كل قوة امتلكتها يوما كي تسيطر على نفسها في مثل تلك اللحظات العصيبة ....
ثم قالت أخيرا بصوت غريب
( لقد خططت نهايتك بفعلتك تلك يا راجح ....... )
ابتسم بقسوة وهو يقول ببرود
( أتركي لي تقرير هذا ........ كل ما عليك الآن هو الجلوس هادئة كي لا تزيدي من سحرك البهي في عيناي .... فأنار أعاني بما يكفي .... )
كانت تعلم أنه محق في هذه النقطة .... المزيد من استفزازه قد يخرج المزيد من قذارته و قيح نفسه ....
وجدت سوار نفسها تستند الى الجدار من خلفها و تنزلق عليه ببطىء الى أن جلست أرضا و هي تضم ساقيها تحتها , بينما عينيها القويتين تنظران الى عيني راجح المستعرتين بها دون أن تسمح لنفسها بالخوف
كان في داخلها عاصفة عاتية من موجات الرغبة في قتله بعد هذا الإنتهاك الذي اقترفته يداه ...
صدرها يلهث بعنف .... غضبا و ليس خوفا .... فلو اقترب منها لنهشت لحمه قبل أن يمسها ...
لكن القذر أمسك بها و تجرأ على جسدها و حملها حملا من غرفتها بعد أن خدرها .... مفقدا اياها قوتها على الدفاع عن نفسها ..... لم يمتلك حتى ذرة من الشجاعة ليهاجمها و هي واعية !! .....
شعرها المكشوف و الذي تجري عليه عيناه كان يزيد من جنون غضبها و سرعة انفاسها ....
وصلت عيناه أخيرا الى عينيها الواسعتين و رأى فيهما مشاعرها بوضوح تام ... فالتوى فكه قليلا ....
الا أنه تكلم قائلا بهدوء
( أعلم أنكِ تودين قتلي الآن يا سوار ......... عيناكِ تنطقان بهذا دون الحاجة للكلام ... )
ردت سوار دون أن تحيد بعينيها عن عينيه
( القتل سيكون رحمة لك ... مقارنة بما سأفعله بك يا راجح صدقني ...... كنت أعلم عنك الحقارة و الدناءة , الا أنني لم اتخيل أن تصل الى هذا الدرك !! ..... كيف تحولت لتبدو مثل هذه الصورة التي أراها الآن ؟!! .... صورة مسخ ... دميم ..... )
التوى فكه أكثر وهو ينظر اليها ... سامعا نبرة الكره في صوتها , و نظرة الاحتقار بعينيها ...
فقال بصوتٍ يرتجف من شدة الغضب
( أتعجب من جرأتك على السؤال !! ...... كنتِ حقي منذ طفولتنا , لكن و بمجرد كلمة حمقاء منكِ , ضيعتِ كل تلك السنوات التي جمعتنا ... و أخرى كانت لنحياها سويا ..... )
صمت قليلا وهو ينتفض من شدة الجنون الذي بدأ في اجتياحه .... قبل ان يضرب بقبضته على ذراع المقعد ليصرخ بهياج
( خمس سنوات و أنا أحترق في جحيم رؤيتك مع سليم .... كلما مررتِ أمامي , أجد كياني يصرخ بأن تلك المرأة ملكي أنا ... و ليس هو ..... خمس سنوات طويلة من طاقات الغضب التي أخذت تتعاظم .... و الآن ..... الآن ..... بعد أن لاح لي الأمل في الحصول عليكِ , تقررين الزواج من ابن الهلالية !!! ..... )
صمت لحظة قبل أن يصرخ بكل هياج و جنون
( هل أنت مجنونة ؟!!!! ........ من تظنين نفسك لتتلاعبي بي طوال هذه السنوات ؟!!!! ..... )
كانت سوار تراقب ملامح الجنون التي بدات تحول ملامحه الى ملامح شيطان ناري
أما هي فقد حولت وجهها الى وجهٍ رخامي ... تراقبه بصمت , مستجمعة كل قواها .....
تركته ينتهي من كل ما يقذف به من سمومٍ قاتلة ....
و ما ان سكت ليتنفس بصعوبة .... حتى قالت ببرود
( هل انتهيت ؟؟ ........ اذن فالجرم هو جرمي لأنني اخترت سليم .... بينما أنت لم تخطىء حين اغتصبت فتاة ثم القيت بها تحمل طفلك ... الى ان اجبرك جدي على الزواج منها !!! ...... و من بعدها لم ترى ابنك ولو لمرة واحدة .... لا هذه ليست جرائم اطلاقا .... انا السبب فعلا ..... )
صرخ راجح بجنون وهو ينتفض من مكانه قافزا على قدميه
( لم أغتصبها ..... أقسم بالله لم يحدث هذا ..... كانت راضية , حتى انني كنت متزوج منها عرفيا .... كانت وضيعة خادعة .... )
وجدت سوار نفسها تبتسم فجأة ..... ابتسامة غريبة .... قاسية , فاقدة لاي شعور ...
ثم قالت بهدوء
( اذن فقد كانت راضية ...... كنتما زوجين و قد ..... عاشرتها مرارا , في نفس الوقت الذي كنت تبثني غرامك .... و تعدني أنك لم تعد ترى سواي .... !! ..... كيف بامكانك ان تكون دنيئا الى تلك الدرجة و تطلب مني القبول بهذا !! .... بخلاف ما تعتقد يا راجح , فليس الجميع يتقبل رائحة القمامة..... )
شحب وجهه وهو ينظر اليها من علو ....
على الرغم من جلوسها ارضا امامه ... تحت سطوته و سيطرته في مصير لا يعلمه الا الله ...
الا انها كانت تجلس بإباء ملكة !! ...
رافعة وجهها المزدري .... تنظر اليه باحتقار رافضة أن يظهر عليها الخوف الذي يعرف جيدا أنه يعتريها ....
لم يتمالك راجح من الصراخ بغضب
( اذن و ماذا بعد ؟!! ..... كانت نزوة !! ....مجرد نزوة رخيصة , اخترتِ معاقبتي عليها المتبقي من العمر بكل غباء ..... )
حسنا انه يفقد اعصابه الآن .... بينما سوار كانت تتقوى اكثر و هي تقول ببرود و ازدراء
( مجرد نزوة !!! .... و ماذا عن طفلك الثاني من نفس الفتاة ؟!! ....... )
تسمر راجح مكانه وهو ينظر اليها مصدوما ... بينما هي تبادله النظر مبتسمة باحتقار ...
لقد فاجأته بمعرفتها عن طفله الثاني ...
و الحق يقال أنها نفسها صدمت ما أن سمعت سؤال تيماء في الهاتف ....
و حين قصت عليها تفاصيل ما حدث ... اخذت سوار فترة لتركب قطع الاحجية ...
فهي تعرف راجح جيدا و بدت لها الصورة منطقية في النهاية ...
من الواضح انه لم يترك تلك الفتاة الا بعد ان انتقم منها لما فعلته و غرر بها مجددا تحت وعود الاسف و الزواج ....
و مجرد النظر اليه الان يؤكد لها ظنها ....
تكلم راجح أخيرا ليقول بصوت قاتم
( كيف عرفت عنه ؟!! .......... )
ضحكت سوار و هي تهز رأسها بغضب ... ثم نظرت اليه بشراسة لتقول من بين أسنانها
( عيبك يا راجح أنك تظن الغباء في الجميع .... بينما تعتقد أنك شديد المكر و الدهاء .... )
رأت عينيه تلمعان بنظراتٍ مخيفة وهو يقول بخفوت
( انه ابن الحرام .... هو الذي اخبرك , اليس كذلك ؟!! ..... )
ابتسمت سوار بازدراء و تقزز و هي تقول
( ابن الحرام !! .... أهو الذي تركت له ابنك كي ينظف القذارة التي تخلفها ...أي رجل أنت ؟!! .. . )
ضاقت عينا راجح وهو يومىء برأسه بشرود قائلا بلهجة خطرة
( لا بأس ..... لا بأس ...... يومه في مواجهتي قادم ..... )
كانت سوار جالسة مكانها تراقبه بصمت و هي تشعر بالغثيان , الى ان بادلها النظر و قال بصوت مخيف رغم خفوته
( هذه المرأة ليست الا نزوة في حياتي ... و ان اردت الحق , فأنا نعم كنت اعاقبها , ... فلو كان الأمر بيدي لأزهقت روحها لأنها كانت السبب في ضايعك مني ..... أما لجوئها للحمل كل مرة فهي خدعة رخيصة لم يدفع ثمنها الا هي ...... هذه نهاية الأمر و لن ننقاشه مجددا ..... )
كانت تريد الصراخ بعنف و أقتلاع قلبه من صدره ... علها تجد في هذا القلب الميت بعض الروح ...
الا أنها اكتفت بان قالت بمنتهى الهدوء
( ليست نزوة .... بل قذارة ..... و أنا سوار غانم الرافعي يا راجح , التي لا تقبل الا بالأفضل ..... و سليم رحمه الله كان الأفضل ...... )
ازداد غضبه هياجا وهو يجثو بجوارها فجأة على عقبيه ... حتى أصبح وجهه لا يبعد عن وجهها سوى بشعراتٍ ضئيلة .... فأبعدت وجهها جانبا بعنف و هي تشعر بالنفور من أنفاسه الساخنة على بشرتها ...
بينما قال من بين اسنانه الحادة
( يؤسفني اذن اخبارك أن سليمك المفضل مات .... مات ....... و لن يعود مجددا و عليك القبول بالاحياء فقط .... )
كل القوى التي كانت تستجمعها انهارت فجأة وهي تسمع عبارته الفاقدة للرحمة ....
و هي تشعر بألم خنجرٍ حاد ينحر صدرها ..... بوجع غير مسبوق و دون ارادة , افلتت منها شهقة بكاء مكتومة و هي تطبق جفنيها بشدة كي لا يرى دموعها
الا انه أطبق بيده على ذقنها يرفع وجهها اليه بعنف رغم مقاومتها التي بدأت مستميتة و شرسة ....
حتى واجه عينيها الحمراوين ليهمس بوحشية
( نعم سليم مات يا سوار .... و ها قد عدتِ الي و ...... )
لكن و قبل أن يكمل عبارته المقيتة ... كانت روح انثى الاسد قد هاجت بداخلها .... و كأنه كان للسيطرة حدود و آن أوان الهجوم بروحها الحرة الشرسة ....
مالت سوار برأسها قليلا حتى طالت باسنانها جانب كفه فقبضت عليها بكل قوتها و هي تصرخ من بين أسنانها بكل قوتها ... و لم يجعلها مذاق الدم تتراجع بكل تحرك كل جسدها لتضربه بكل قوته وهو يصرخ خاليا محاولا انتزاع قبضته منها ....
كانت عيناه متسعتين بذهول و الم وهو يحاول نزع قبضته من فمها ... بينما عينيها براقتين بغضب مخيف و هي تنظر الى عمق عينيه دون أن تجفل للدماء التي انسابت على زاوية شفتها ....
حين فقد الأمل في انتزاع قبضته دون استخدام قبضته الأخرى .... رفعها أخيرا ليقبض على شعر سوار يلفه حول قبضته و ارجع رأسها للخلف بعنف ... ومهما حاولت المقاومة , يظل جسده أقوى ...
ظلت متشبثة بكفه الى آخر ذرة من قوتها ... الى أن جذب رأسها فجأة بعنف أكبر فانتزع قبضته من أسنانها الحادة ....
ونظر بذهول الى الدائرة الدامية المخيفة بجانب كفه للحظة ... و دون تفكير رفع يده و صفع سوار على وجهها !! ...
أجفلت سوار من الصفعة للحظات !! ... كانت المرة الأولى في حياتها كلها و التي تمتد عليها يد لتضربها ...
الا أنها زمت شفتيها رافضة أن تبكي .... فقط عيناها المهتزتان , امتلآتا بالتقزز منه ...
بدا و كأنه هو الآخر قد صدم مما فعله للتو ... فظل ينظر اليها عدة لحظات بارتباك قبل أن يزفر قائلا بتعب
( لماذا تجبريني على فعل ذلك ؟!! ...... أنا لست ملاكا كي أتحمل منكِ ما تفعلين .... )
صمت قليلا و كأنه قد فقد صوته ... ثم نظر الى وجنتها الحمراء و رفع يده ينوي ملامستها قائلا بخفوت
( هل آذيتك ؟؟ ........ )
الا أن سوار انتفضت بعنف و ابعدت وجهها عنه و هي تضربه في صدره بكل قوتها صارخة بصوت أجش مرعب
( لا تلمسني أيها الحقير ........ )
صرخ بها بعنف
( توقفي عن نعتي بهذه الصفات يا سوار .... تعلمين أنني لست ذلك الحقير الذي يجبرك كما تحاولين اقناع نفسك ..... أفيقي .... أفيقي يا سوار أنه أنا .... راجح حبك الوحيد .... )
كانت سوار تلهث من فرط الغضب و دموع الإهانة تزيد من بريق عينيها ... الا أنها تمكنت من الهمس من بين أسنانها
( في أحلامك فقط ....... )
تنهد راجح بتعب .... ثم لم يلبث أن استقام واقفا على قدميه ليتجه الى النافذة البعيدة مجددا , ينظر منها واضعا كفيه في خصره و كأنه يراقب البعيد بجدية و اهتمام .... ثم قال أخيرا بهدوء
( لا بأس .... لن اضيع المزيد من طاقتي في محاولة اقناعك الآن بلا جدوى .... انت غاضبة و كرامتك اللعينة تطمس اي شعورٍ لديكِ .... لكن لاحقا ... حين تصبحين زوجتي , ستدركين انني الرجل الوحيد الذي امتلك قلبك .... و ربما حينها تحاولين التعويض عما ضيعته من بين ايدينا من سعادة حلمنا بها سويا منذ طفولتنا .... )
ظلت سوار مكانها و هي تنظر اليه بنظراتٍ ميتة .... و قلب ساكن سكون ما قبل العاصفة .... 

جالسا في كرسيه العتيق الضخم ... ينظر الى المائدة الخاوية الضخمة امامه ....

و بداخله شعور كئيب ... يثقل صدره و يضعف انفاسه البطيئة ...

فمنذ ان طرد تيماء من بيت الرافعية و هو يشعر بأنه قد فقد احد ثاني احفاده بعد سليم .....

تنهد سليمان الرافعي تنهيدة مجهدة ... خشنة وهو يشعر بالحاجة لتلك الفتاة التي دخلت البيت حديثا و اضفت اليه روحا براقة ....

على الرغم من كرهها الواضح للمكان و رفضها للعائلة ... و المها الواضح في عينيها ...

الا انها تضيف روحا خاصة بها في كل مكان تدخله ...

تيماء سالم الرافعي .... تحمل موروثات الرافعية من القوة و نبذ الانهزامية مهما حاول البعض كسرها ...

لقد احبها منذ المرة الأولى التي رآها بها ...

على الرغم من أنها تعد غريبة التربية و النشأة ..... الا أنها دخلت قلبه الغاضب عليها ....

و من يومها وهو ينتظر كل عام كي يراها تأتيه بنفسها ....

الى أن اتت هذا العام ... و ازدهر قلبه برؤيتها في دخولها الأنيق ....

اهتمت بنفسها و نبذت الماضي خلف ظهرها و تحولت الى تلك القوية التي انتظرها ....

لكنها ..... خذلته ....

خذلته خذلان لا يمحوه زمن ... ان كان متبقي في عمره المزيد من الزمن .....

عاد سليمان الرافعي ليزفر بقوة .... وهو يشعر بانقباض في صدره لا يبارحه ....

فنادى فجأة عاليا بنفاذ صبر

( أم سعيد ........ يا أم سعيد ....... )

خرجت المرأة مهرولة من المطبخ و هي تجفف كفيها ... قائلة بتلعثم

( نعم ..... نعم يا حاج ....... )

هتف سليمان بغضب وهو يشير الى المائدة الخالية

( أين الفطور ؟!! ........ هل علي انتظارك الى ان تتعطفين و تضعينه !! ... )

هتفت المرأة بارتياع

( العفو يا حاج ..... الفطور سيكون جاهزا خلال دقائق ..... لقد أبكرت في النزول للفطور اليوم .... )

ارتفع حاجبيه و ازداد غضبه و شعور القتامة بداخله وهو يهتف

( لك العذر مني .... على ما يبدو أنني سأضطر الى أخذ الإذن منكِ قبل الشعور بالجوع ..... )

هتفت المرأة المسكينة

( العفو ..... العفو يا حاج ..... حالا سيكون جاهزا ..... )

أخذت تومىء برأسها و استدارت تنوي الاسراع الى المطبخ , الا أن سليمان هتف بغضب

( انتظري هنا يا امرأة ......... أين سوار ؟!! .... لماذا ليست جالسة على كرسيها بجواري ؟!!! .... )

هتفت أم سعيد و هي تتعثر في طرف ثوبها

( السيدة سوار لم تخرج من غرفتها حتى الآن ........لقد اطالت في النوم اليوم و قد تفائلت لهذا بعد أيام من قلة النوم حتى أصبحت عينيها غائرتين .... )

هتف سليمان بنفاذ صبر

( كفى .... كفى ثرثرة .... امرأة خرفة ثرثارة كزوجك .... هيا اذهبي و ايقظيها ....... و لا تعودي الا بها , أريدها بجواري ....أريد حفيدتي بجواري .. )

صعدت المرأة مهرولة و هي تتعثر في ثوبها .... فهي تعلم تلك الحالات التي يكون بها الحاج سليمان على هذا القدر من الغضب ...

أما سليمان فقد نهض من مكانه متبرما وهو ينفض عبائته منتظرا نزول سوار ...

ترى ما الذي سيهون عليه بعادها هي أيضا ؟!! .....

وقف مكانه مطرق الرأس شارد الفكر ... وهو يضرب الأرض برفق بعصاه , ... ثم همس بصوت أجش خافت حزين

( الدار يخلو عليك يا سليمان .... و لم يعد عليك , الا انتظار يومٍ في العام ليجتمع به أولادك و أحفادك ... )

دق هاتفه الخاص فجأة , فعبس بحيرة متسائلا عن هوية ذلك الذي يتصل به في مثل هذا الوقت من النهار !! ....

و ما أن رفع الهاتف الى أذنه , حتى جاءه صوت حفيده هادئا

( إنه أنا يا جدي ...... راجح ...... هناك ما أريد اخبارك به !!!...... )

.................................................. .................................................. ......................

خلال دقائق ....

كانت أم سعيد تنزل السلالم جريا متعثرة .... و على وجهها علامات القلق و الفزع ......

بينما كان سليمان واقفا مكانه و على وجهه علامات الذهول و الصدمة الصاعقة !!! ....

هاتفه متراخي من يده ..... و عيناه ترسمان نارا توشك على الإندلاع ....

كان كتمثالٍ من الذهول و الخطر .... مرعب الملامح ,

الا أن أم سعيد لم تلحظ تلك الملامح على الفور ..... بل هتفت بقلق

( يا حاج .... يا حاج ..... السيدة سوار ليست في غرفتها ........ )

رفع سليمان وجهه الباهت اليها و كأنه يحاول ترجمة ما تقوله ... و في نفس الوقت انخفضت عينيه الى هاتفه الصامت بعد أن أغلق راجح الخط معه للتو ...

هل كان ما سمعه حقيقة أم هو مجرد وهم يتلاعب بسنوات عمره المتقدمة و المتبقي من كيان تلك العائلة ....

اخذ حاجبيه ينعقدان تدريجيا قبل يشدد قبضته على عصاه , كي تسنده و تمنعه من السقوط ...

ثم لم يلبث أن صرخ عاليا بصوتٍ مرعب جعل ام سعيد تشهق عاليا و تضرب صدرها بفزع

( عمرااااااااااااااااان ...... عمرااااااااااااااااااااااان ........أين ابنك يا عمرااااااااان ... )

كانت جدران الدار تهتز مع ذبذبات صوته المجلجلة ... و هو يدور حول نفسه ... ضاربا الارض و مع كل ضربة , يتعالى صراخه المفزع

( أين الرجال في الخارج ؟؟؟ ...... آتني بهم حالااااااااااااا ....... )

هرولت ام سعيد و هي تضرب وجنتها غير مستوعبة لما يحدث ...... ثم فتحت الباب الضخم و هي تصرخ منادية للرجال على باب الدار ....

و اللذين دخلو من فورهم جريا .....

اصوات اقدامهم تهتز لها الأرض , كثيرانٍ هائجة .....

توقفت جميعها في مواجهة سليمان الرافعي و الذي بدا و كأنه على وشك ازهاق ارواحهم جميعا ....

تقدم سليمان اليهم و عيناه تستعران بنارٍ لا ترحم .... قبل ان يقبض على تلابيب ملابس احدهم , يهزه بجنونٍ و عنف صارخا

( من منكم ؟؟ ......... من منكم تجرأ و خان شرف هذا الدار ؟؟ ....... )

نظر الجميع الى بعضهم بذهولٍ , غير مدركين لحقيقة ما يحدث ...

فما ينطق به خطير .... بل شديد الخطورة ...... تطير له الرقاب ...

بينما كان يصرخ بجنون

( الخيانة آتية من أحدكم ..... و ان لم يظهر الخائن فأدفنكم أحياء جميعا ......... )

بدأت الهمهمات .... و تداخلت وجوههم في عيني سليمان المتوحشة و هو يقتفي اثر الخائن منهم ... فسوار لم تكن لتخرج من هنا دون مساعدة أحدهم .....

صرخ مجددا

( انطقوااااااااااا ...... )

تعالى صوت عمران من خلفه وهو يهتف بقلق , نازلا جريا على السلالم ....

( ماذا حدث يا حاج سليمان ؟؟ ........ )

تسمر سليمان مكانه .... و ازداد انعقاد حاجبيه , قبل أن يترك الرجل من يده ليستدير ببطىء ... ناظرا الى عمران الذي كان قد وصل اليه مهرولا .... آتيا على صوته المجلجل المرعب ....

ساد صمت مشحون بينهم جميعا و سليمان ينظر الى ابنه بنظرةٍ غريبة ... بها من الغضب , ما يجمد الدم بالعروق ....

ظل الصمت لعدة لحظات أخرى ..... قبل أن يصرخ سليمان عاليا دون أن يستدير الى رجاله

( اخرجوا ....... جميعكم , ..... حالااااااا ..... )

خرج الرجال مهرولين و الصدمة لا تزال تعلو وجوههم ... لا يعلم من ينظر اليهم ان كانت زيفا على وجه أحدهم , أم حقيقة على وجه الجميع ....

بينما وقف سليمان أمام أبنه عمران .... ينظر اليه وهو يهز رأسه قليلا بيأس و غضب مجنون , قبل أن يقبض على مقدمة ملابسه يجذبه اليه وهو يهمس من بين أسنانه بصوتٍ مخيف

( أنت يا بذرة الفساد .... أنت و نسلك الملوث , خلال أيامٍ قليلة , يخطف ولداك اثنتين من أحفادي ...... )

ارتفع حاجبي عمران وهو يقول بذهول

( ماذا تقصد ؟؟ ........ لست أفهم ما تقصده يا حاج ؟؟؟ ..... )

هزه عمران بقوة وهو يصرخ

( ابنك ....... ابنك القذر عديم الشرف ....... )

صمت سليمان وهو ينظر جانبا خوفا من أن يسمع أحد الخدم المزيد .... بينما كان صدره يتسارع في النفس بدرجة لا تتناسب مع سنوات عمره ...

ثم لم يلبث أن همس بشراسة

( ابنك سيموت ..... ليس له سوى الموت ........ )

اتسعت عينا عمران وهو يقول بذهول

( أيهما ؟!! .............. أنا لست مسؤولا عن تصرفات ابن الحرام الذي ادخلته الى بيتنا و قد سبق حذرتك منه ....... )

رفع سليمان كفه القوية و لطم بها وجه عمران ذو اللحية النابتة قليلا بشعراتٍ بيضاء ...

امتقع وجهه المغضن و ارتبكت كرامته ... بينما اتسعت عيناه أكثر من الصدمة , و همس سليمان بنفس الصوت المرعب

( ابن الحرام تزوج من حفيدتي على الأقل ... أما القذر ابنك الآخر فخطف ابنة عمه دون زواج , يبتزني كي ازوجه بها .... ابنة عمه !! شرفه و عرضه !!! ...... )

تسمر عمران مكانه ... و اتسعت عيناه اكثر , و همس لسانه بغباء

( راجح !!! .......... )

و كأن الاسم كان كفيلا بأن يثير جنون سليمان فهزه بعنف وهو يهتف

( سيموت ..... ساقتله بيدي ..... )

و دون المزيد من الكلمات , دفعه بعيدا و اتجه الى خزنة الأسلحة الخاصة به , الا أن عمران أسرع خلفه و امسك بذراعه هاتفا

( انتظر .... انتظر يا حاج و تريث قليلا قبل أن تحدث الكارثة و تنتشر الفضيحة , ,,,,, )

نفض سليمان يده بالقوة عن ذراعه و هتف بصوتٍ يرتجف من شدة الجنون

( و هل ترك لي ابنك القدرة على التريث ؟!! .... لقد اعتدى على شرفي , و مصيره عني القتل لا غير ... )

الا ان عمران عاد و تشبث بذراعه قائلا

( انتظر يا حاج و حكم عقلك .... ابني أنا اعرفه جيدا , لا يريد سوى الزواج بسوار منذ سنواتٍ طويلة .... وافق على زواجهما دون فضائح .... أما قتله فسيوقع هامة تلك العائلة .... )

ضيق سليمان عينيه وهو ينظر الى ابنه بوجهه الممتقع ... فاقترب منه و قال بصوت اجش

( زواجه بسوار سيكون على جثتي يا عمران ...... ابنك ما هو الا ورقة ميتة و تساقطت من شجرة هذه العائلة ...... )

استدار بعيدا عنه , فهتف عمران بغضبٍ فجأة

( وافقت على زواج ابن الحرام بحفيدتك الأخرى .... بينما تريد قتل راجح لرغبته في الزواج من سوار و التي كانت من نصيبه هو منذ سنوات ؟!!!!! ...... والله لن يحدث يا حاج .... )

استدار اليه سليمان ... و بدون كلمة واحدة كرد ...رفع عصاه هذه المرة و ضرب بها وجه عمران , ضربة شقت شفتيه ... فهتف متأوها , وهو يغطي فمه الدامي بيده ... و الرؤية تهتز امام عينيه من شدة الألم ... بينما قال سليمان بصوت غريب

( اخرج من هذا البيت ...... اعثر على ولدك و حفيدي و احضرهما الى هنا , لربما قررت وقتها أن أرحمه .... )

ظل عمران واقفا مكانه ينظر الى سليمان وهو يلهث بخوف ... قبل أن يستدير و قد ادرك أن أوان الكلام قد انتهى ... بينما تهاوت قدمي سليمان و ثقل حملهما ... فجلس على أقرب كرسي وهو يستند براسه الى كفه المجعدة ....

سوار ..... سوار .....

ابنته و حفيدته و زوجة سليم رحمه الله .....

لقد دنسها الحقير للأبد حتى و إن لم يمسها ....

ثم همس بذهول وهو يضرب كفا بأخرى محدثا نفسه

( ما العمل الآن ؟؟ !!! ...... ما العمل ؟؟ ........ لو كنت أعلم أي بذرة فساد نبتت مع ابني عمران لقتلته بيدي يوم مولده ....... ما العمل الآن ؟؟ ....... )

.................................................. .................................................. .................

( لن أقبل بهذا يا أبي .... تصرف .... تصرفي يا أمي , سأقتلها قبل ان تطأ قدماها ارض هذا الدار .... )

كانت ميسرة تصرخ و عيناها تطلقان شرر الكره و الغل يملآنهما ....

بينما والداها يجلسان امامها متجهمي الملامح , مدركين تماما , لضعف موقف ابنتهما ...

و حين طال صمتهما , نظرت اليهما بذهول لاهث قبل ان تتابع صارخة

( لماذا لا تجيبان ؟؟؟ ............ )

قالت أمها بتردد و هي تلتفت الى زوجها

( لما لا تكلمه ؟!! ..... ما يفعله ضد الأصول , ابنتنا لا تأتيها ضرة .... هل نسي ممن تزوج و ابنة من هي ؟!! ..... )

التفت اليها زوجها و قال بتبرم

( ما هو هذا الذي ضد الأصول ؟!! ..... من يلومه لو تزوج كي يكون له ابن !! .... أي حجة سألجأ اليها !! ...زوج ابنتك هو المرشح لأن يكون كبير عائلة الهلالي لذا يجب أن يكون له ولد .... لو حاولت الإعتراض فسيسفهني كبار العائلة جميعهم .. )

صرخت ميسرة و هي تضرب الأرض بقدمها

( هذا هراء ..... إنه لا يريد الزواج كي يكون له ولد .... لم يسبق له الإهتمام بالأمر حتى , إنه يريد الزواج منها ... الساحرة التي تسحر للرجال كي يقعون في عشقها .... )

هدر صوت ليث فجأة بقوة

( أقسم بالله .... كلمة أخرى و سوف ألقي عليك بيمين الطلاق ...... )

انتفضت ميسرة و هي تستدير الى ليث الذي دخل من باب المضيفة دون أن تشعر به , بينما ارتبك والدي ميسرة ...

فنهضت والدتها و هي تقول بسرعة و فزع

( اهتدي بالله ..... اهتدي بالله .... إنها لا تقصد يا زوج ابنتي ..... زوجتك قلبها يحترق بسبب قرب زواجك , الا ترأف بحالها !! .... )

زفر سيف بقوة و قال بغضب

( رأفت بحالها لسنوات طويلة .... لكن دون جدوى , من خوضها في الأعراض و حتى السحر الأسود الذي حذرتها منه مرارا .... و لسانها السليط و صوتها العالي .... لا تقدر مقاما لأحد و لا تراعي ربها في كل من تعرفه ..... والله لولا مراعاتي لصلة الدم بيننا و هي الصلة الوحيدة المتبقية بيننا لكنت طلقتها منذ زمن طويل .... )

صرخت ميسرة بعنف

( تطلقني أنا لأجل تلك ال ....... )

رفعت أمها يدها و كممت بها فمها و هي تصرخ بخوف

( اخرسي .... اخرسي و لا تخربي بيتك بيدك .... )

كانت عينا ميسرة شديدتي الغل و الحقد ... لكن العجيب أنها لم تذرف دمعة واحدة .... شعور مقيت مشتعل بهما يفتقد العاطفة الحقيقية ... عاطفة انسانية من اي نوع ....

بينما التفتت امها الى ليث و قالت بصوت خافت مداهن ... الا انه كان شديد الوقاحة و هي تقول

( لن ننكر بعد الآن حاجتك الى ولد يحمل اسمك يا ليث .... لكن .... لكن لأجل العشرة بينكما , حقق لها طلبها .... )

استدار ليث عن والدة ميسرة و قال بصوتٍ قاطع

( زواجي بسوار سيتم في موعده .... و هذا غير قابل للنقاش .... )

تقدمت أمها منه خطوة و قالت مبتسمة ابتسامة متكسرة

( تزوج ..... لكن شرط ابنتي أن تختار هي زوجتك بنفسها و بذلك ترضيها و لا تكسر قلبها .... )

استدار ليث متفاجأ وهو ينظر الى والدة ميسرة بعدم استيعاب قبل ان يقول بحذر

( هي .... تختار لي ؟!! ....... و كلام الرجال بيني و بين عائلة الرافعي !!! .... هل حقا اقترحت هذا الإقتراح و كأنني مجرد مراهق فاقد للأهلية !! ..... )

صرخت ميسرة بعنف

( اعترف أمام والدي .... انت تريدها ..... انت تعشقها ..... تعشق زوجة رجل آخر .... )

صرخ والدها فجأة

( ضعي لسانك في فمك و الا قصصته لكِ ... الا احترام لوجودي !! ...ما هذا الكلام المتبجح عن العشق و الغرام امام والدك !!!.... )

الا ان ميسرة اقتربت من ليث و قالت من بين اسنانها

( اخبر والدي ..... اخبره من أي مصدر جاء كلامي عن العشق و الغرام .... أنت لم تنساها مطلقا .... )

كان ليث ينظر الي عينيها البراقتين ببريق كريه ... ثم قال اخيرا بهدوء

( لكِ كل الفضل في عدم نسيانها .... لم يمر يوم واحد في زواجنا دون ان تذكري فيه اسمها .... حتى حين كان يمضي اليوم للمساء و لا تذكرينها , أراهن نفسي أنكِ ستفعلين ذلك آخر الليل .... و اربح الرهان كل مرة ..... على الرغم من نيتي الصادقة في رمي الماضي وراء ظهري منذ اليوم الاول من زواجنا .... الا انكِ أنت التي ترفضين ..... لقد شغلتِ نفسك بالجميع , بينما لم تشغلي نفسك ولو للحظات بزواجنا ..... )

استدار ليث عنها ينوي مغادرا الغرفة ... الا أنه توقف , ثم استدار الي ميسرة و قال أخيرا

( أنت محقة في عدم نسياني لها ..... لكنك أخطأت في شيء واحد , وهو أنها الآن ليست زوجة رجل آخر .... إنها خطيبتي .... و احترامها مفروض عليكِ كما سيكون عليها .... و كما أخبرتك من قبل , لو أردت الإنفصال فسأجيب طلبك و كل حقوقك و اكثر ستصلك .... القرار يعود اليكِ ... )

غادر ليث دون كلمة واحدة ...

بينما استدارت ميسرة الى والديها الواجمين ... تنتظر منهما كلاما , لكنهما لم يستطيعا , فصرخت ملوحة بذراعيها

( هل ستستسلمان ؟!! ......... الست ابنتكما ؟؟ .... لا اصدق مدى تخاذلكما ..... )

اقترب منها والدها ينظر اليها بغضب , قبل أن يقول بتشديد على كل حرف من كلماته

( زوجك سيتزوج ..... شئت أم أبيتِ , و بينما أنا أزن فرصاتك المتبقية .... تقومين أنتِ و امك بالتفكير في أمور تافهة العشق و تلك القذارة .... يا غبية , من الأفضل لكِ طالما سيتزوج أن يتزوج في الصلح ارملة من عائلة الرافعي..... سيكون وضعها هنا في عائلتنا أضعف , أما لو تزوج بكر صغيرة في السن من بنات عائلة الهلالي فستكون لها نفس حقوقك و أكثر .... و قد تحتل مكانك حين تأتِ له بالولد .... )

كانت فعليا تحترق و هي توازن بين عقلها و بين الغل الذي يحرق قلبها ...

حتى انها كانت تفرك اصابعها بتوتر و عيناها تبرقان بلونٍ من الجنون ...

اما امها فقالت بخفوت

( والدك محق .... حتى لو كان يرغبها حاليا , فسرعان ما سيروي رغبته منها ثم تصبح لديه مثل كل النساء ..و يتبدد خوفك المرضي من هذا الغرام .. )

كانت لا تزال تفرك باصابعها و هي تنظر الى أمها و كأنها لا تبصرها من الأساس .. مهتزة الحدقتين و متسارعة الأنفاس ... لكنها قالت في النهاية بصوت متشنج

( و ماذا لو أنجبت له الولد !! ...... ماذا سيكون وضعي و كيف ستكون مكانتي ؟؟ ...... )

ربتت امها على كتفها و قالت بخفوت

( سيكون دورك من اليوم أن تجتذبي زوجك و تعيديه اليكِ .... فلربما لا تتحمل الحياة هنا و تغادر من تلقاء نفسها .... أنت صغيرة لا تعرفين سوار حق المعرفة , أنا أعرفها كما كنت أعرف أمها .... قوية و عنيدة , و غير قابلة للسيطرة ...و هذا النوع من النساء هو النوع الذي لا يطيقه زوجك .... كوني ذكية لمرة واحدة في حياتك و استغلي ما ينقصها لتكملي به نفسك .. )

لم ترد ميسرة ...

لأنها ببساطة كانت توازن فرصها كما قال والدها .... و لو كانت فرصتها كزوجة كبير عائلة الهلالي تعتمد على التذلل و المداهنة مؤقتا .... فستفعل ....

همست ميسرة من بين شفتيها بصوتٍ كالفحيح

" حسنا ..... حسنا .......... فليفعل , فليتزوجها ...... "

.................................................. .................................................. ....................

كان لا يزال يدور حول نفسه ... و العنف بداخله يتعاظم ...

حالة من الذعر تسري في دار الرافعي دون ان يعلم احد السبب ..... و لا يتجرأ احدهم على سؤال سليمان الرافعي عن سبب الحالة التي يمر بها

هناك امر جلل قد حدث و هو لا يبوح به .... فقط يصرخ عاليا ... و كلمة الخيانة تفلت من بين شفتيه بين الحين و الآخر ....

أما هو ....

فقد كان عاجزا لا يعرف كيف التصرف ......

غير قادر على الكلام بتلك الكارثة .... و لا يستطيع حتى ارسال رجاله للبحث عنهما كي لا تنتشر الفضيحة ...

مستندا بكفيه الى المائدة الضخمة .... محني الرأس , غير قادر على التفكير السليم , و لا يرى أمام عينيه الا الدم .....

دخل أحد رجاله يتعثر ... يقدم ساقا و يؤخر الثانية ...

و وقف مكانه وهو يرى حالة كبير الرافعية أمامه ..... يوليه ظهره و يكاد أن يحرق المكان بصدى أنفاسه الهادرة ...

تنحنح الرجل وهو يقول بخفوت

( يا حاج ..... لديك زائر ...... يا حاج .....)

لو بيد سليمان الرافعي لكان قتل رجاله جميعا بعد خروج سوار من البيت أمام أعينهم دون أن يلحظ أحد ما يحدث ....

تكلم اخيرا بصوت أجش ... قاتم و مخيف

( من ؟؟ ............ )

رد الرجل متلعثما بتوتر

( السيد ليث الهلالي ...... )

ساد صمت طويل ... بينما ازدادت عيني سليمان قتامة و عمقا , قبل ان يقول اخيرا بنفس النبره

( دعه يدخل .......... )

دخل ليث بعد دقائق بينما كان سليمان على نفس الوقفة دون ان يتحرك من مكانه ....

عقد ليث حاجبيه قليلا حين تنحنح لينبه سليمان الى قدومه , الا أنه لم يتحرك أو يستدير اليه ...

حينها شعر ليث بأن هناك شيء ما ليس على ما يرام ... و لا يعلم لماذا انقبض صدره وهو يستشعر بأن هذا الشيء يخص سوار ...

أخذ ليث نفسا عميقا ملأ به صدره ... قبل أن يقول بحزم و قوة ..

( السلام عليكم يا حاج سليمان ....... )

ساد صمت متوتر بينهما مما جعل صدره ينقبض اكثر .... فقال بهدوء واثق على الرغم من عدم ارتياحه

( اعتذر ان كنت قد جئت بدون موعد ..... لكن دارك مفتوح دائما يا حاج سليمان و دون مواعيد ... هل جئت في وقت غير مناسب ؟؟ ...... )

رفع سليمان رأسه دون ان يستدير الى ليث ... ثم قال بصوت غريب أجش

( لماذا أتيت يا ليث ؟؟ .......... )

ارتبك ليث قليلا عاقدا حاجبيه ... الا ان ارتباكه لم يكن حرجا , بل كان زيادة في القلق و عدم الإرتياح ...

فقال بهدوء حذر

( جئت اتحدث معك في التفاصيل .... مهر سوار و بيتها .... و كل حقوقها ..... لقد صممت على المجىء بمفردي كي اسمع كل طلباتها و طلباتكم ..... )

ساد الصمت المريب مجددا .... قبل ان يقول سليمان ببطىء و بنبرة اجشة غريبة

( سوار ليست من نصيبك يا ليث ........)

الصمت هذه المرة لم يكن مشحونا .... بل صادما !!!

و كأن كانت كفيلة بأن تجعل من صبر ليث ينفذ لينطلق الأسد المحتجز بداخله ....

فقال بصوت مهدد رغم خفوته

( مجددا !!!! ...... كيف ذلك ؟!! ..... و ماذا عن اتفاق الرجال ؟؟ ...... )

قال سليمان بصوت متشنج

( النصيب غالب ...... و ليس لدي المزيد لأقوله ...... )

الا أن ليث هدر فجأة

( بل سيتعين عليك الكلام هذه المرة يا حاج سليمان لأنني لن أقبل بهذا الرفض المفاجىء ردا ...... )

انتفض سليمان و استدار الى ليث و هدر هو الآخر

( أخفض صوتك يا فتى ....... هل تتجرأ على محاكمتي و في داري ؟!! .... )

الا أن ليث جابهه وهو يهتف بقوة

( لم أعد فتى يا حاج سليمان .... انظر الي جيدا لقد شاب شعري ..... و لن أخفض صوتي هذه المرة.... فصوتي العالي ليس تقليل من احترامك و انما دفاعا عن حق ..... لقد خطبت سوار رسميا أمام الجميع و التراجع ليس خيارا بالنسبة لي ..... )

صرخ سليمان بانفعال و توتر

( هل ستتزوجها غصبا ؟!! ......... )

فتح ليث شفتيه ينوي الرد بنفس النبرة ... الا أنه تراجع قبل أن يتابع و ضاقت عيناه قليلا قبل أن يقول بخفوت متردد

( هل هو رفض من سوار ؟؟ .......... )

ارتبكت ملامح سليمان قليلا أمام عيني ليث النافذتين .... ثم قال أخيرا مشيحا بوجهه

( الرفض مني و من سوار ...... هناك كثير من الحواجز بينكما ... )

ظل ليث صامتا مفكرا لعدة لحظات قبل ان يقول فجأة بقوة عاتية

( اريد مقابلة سوار.......... )

تراجع رأس سليمان قليلا و شحبت ملامحه .... الا أنه تمالك نفسه و عقد حاجبيه ليقول متهربا بعينيه

( كلامك مع الرجال فقط .......)

هدر ليث بصوت عال

( سبق و كان كلامي مع الرجال وها هو يتم التراجع عنه دون ابداء اسباب ....)

صرخ سليمان بقوة

( احترم نفسك يا ولد .........)

الا ان ليث احتد هو الآخر هاتفا

( انا لن ابارح المكان الا بعد مقابلة سوار بنفسي .... وجها لوجه , لاسمع رفضها باذني ..... )

قال سليمان بصوت متشنج

( اخرج الان يا ليث ..... و سأسمح لك بمقابلتها لاحقا لتسمع منها بنفسك ... )

الا أن ليث هتف بقوة

( والله لن ابارح هذا المكان قبل أن أراها و أسمع الرفض منها بنفسي ...... الخطبة كانت أمام الجميع يا حاج سليمان و أنا لن اقبل بالتراجع الا من سوار شخصيا .... )

ساد الصمت بينهما مجددا ....

و بان التوتر على وجه سليمان بصورة أثارت ريبة ليث أكثرو أكثر .... فقال بنبرة خافتة متصلبة

( هل سوار بخير ؟؟ ...... هل أصابها مكروه ؟؟ .....أريد رؤيتها حالاااااااا ...)

ظل سليمان مطرق الرأس و قد عجز عن الرد....

حينها تأكد أن سوار قد أصابها خطب ما فهتف بعنف

( إن لم تستدعها فسأنادي عليها بأعلى صوتي لأتأكد بأنها بخير ......)

رفع سليمان وجهه و هتف بسرعة

( لا تفعل يا ليث ....... لا تفعل ....... )

شعر ليث أن قدميه لم تعودا قادرتين على حمل وزنه الضخم , فجلس على أقرب كرسي وهو يقول بجمود خافت

( ماذا حدث لسوار ؟؟ .......أريد الحقيقة كلها .....)

.................................................. .................................................. ..................

أن تموت الملامح و يتصلب الجسد لعدة لحظات .... بينما تستعر نيران الأعين بعجز و غضب قادر على حرق الجميع .... فهذا هو حال ليث حين أخبره سليمان بما حدث .... بعد أن أغلق خلفهما باب المضيفة في سرية تامة ....

بادله سليمان النظر بصمت وهو يرى الوحش الكامن في اعماقه يتوهج استعدادا للقتل ....

فقال بصوت اجش

( تعلم أن زواجك بها بات مستحيلا الآن يا ولدي ..... لقد حط راجح من قامتنا جميعا ... )

اطرق ليث برأسه وهو يمسك بذراع المقعد بشدة حتى ابيضت مفاصل اصابعه .... ثم تكلم بصوت مشتد كالوتر و كأنه يحادث نفسه

( اختطف زوجتي ..... امسكها بيديه القذرتين !! ...... )

قال سليمان بهدوء رغم الخزي الذي يلحق به حاليا

( سوار ليست زوجتك يا ليث ..... أخبرتك أن النصيب غالب ..... )

رفع ليث عينيه الحمراوين بلون الدم ينظر الى عيني سليمان المتخاذلتين , طويلا قبل أن ينهض من مكانه بقوة .....

صارخا بعنفٍ وحشي ....... وهو يضرب أقرب لوح زجاجي قابله على الطاولة المجاورة فهشمه محدثا به شرخا سرطانيا مشوها ....

أخذ سليمان ينظر اليه دون أن يتحرك من مكانه وهو يفهم جيدا ما يعانيه ليث في تلك اللحظة ....

فتركه يفرغ شحنة جنونه .... الى أن أمسك بالطاولة بكلتا يديه وهو يتنفس بصعوبة ... ثم هدر مجددا بعنف

( القذر ..... الحقييييييير ..... )

صمت وهو يحاول التنفس بكل جهده .... يحاول السيطرة على أعصابه , بينما عضلات جسده كلها متحفزة و قبضتيه مشتدتين ....

و بعد وقت طويل من الصمت المريع .... رفع ليث وجهه وهو يتنفس كالمصارعين , ثم قال بصوت متصلب مسيطر

( ما هي طلباته ؟؟ ......... )

أخفض سليمان عينيه وهو يقول بخفوت

( يريد أن يتم عقد قرانهما الليلة ......... )

ضيق ليث عينيه و استغرق وقته في التفكير .... ثم قال بهدوء متشنج

( اتصل به و ابلغه موافقتك على ما يريد ...... )

اتسعت عينا سليمان قليلا .... الا أنه و بنظرة واحدة الى عيني ليث أدرك أنه لا يعبث ابدا .....

فأخرج سليمان الهاتف و طلب الرقم , الا أن ليث قال بخفوت

( أريد سماع المكالمة ......... )

أومأ سليمان برأسه ثم اتصل براجح و قام بتشغيل مكبر الصوت ....

رد راجح من فوره وهو يقول بهدوء مقيت

( هل فكرت يا جدي فيما طلبته منك .؟؟ .......... )

عض ليث على اسنانه و منع نفسه من اصدار أي صوت بينما أصابعه تنقبض أكثر .... أما سليمان فجاوب بخفوت و عيناه على عيني ليث

( نعم ..... فكرت ووافقت ....... )

كان صوت نفس راجح المبتهج المنتصر واضحا في الهاتف ... مما جعل ليث يغمض عينيه للحظة , ثم فتحهما على طاقتين من براكين و حمم صامتة ....

اما سليمان فقال

( احضر سوار و تعال لنتكلم في الأمر ......... )

ضحك راجح و قال بخفوت مرح

( أنا أذكى من هذا يا جدي , فأنا حفيدك ...... و لن أسمح للخطأ بأن يكرر نفسه , علي ضمان موافقتك اولا ....و أن زواجي بسوار سيكون الليلة .. )

قال سليمان بصوت متصلب

( ما هو الضمان الذي تريده ؟؟ ........ )

قال راجح ببساطة

( أعيرة نارية ........... )

ارتفع حاجبي سليمان وهو ينتفض قليلا ثم سأل ناظرا الى ليث الذي كان يغطي فكه المتوتر بكفه .... يستمع بكل اهتمام

( ماذا تقصد ؟؟ .......... )

رد راجح بهدوء

( انا لست بعيدا عنك .... اريد سماع صوت اطلاق الاعيرة النارية و المزامير بأذني .... حينها ستضطر الى تبريرها الى من يسأل ....... )

هتف سليمان بغضب

( كيف نطلق الاعيرة النارية و ابن عمك لم يمض على وفاته عام !!! ...... ثم أنك بهذه الطريقة ستشعل نارا جديدة بين العائلتين بعد تراجعنا في كلمتنا مع عائلة الهلالي ....بل و الاحتفال بزواجكما ايضا !! ... )

هتف راجح فجأة بغضب

( فليحترقوا جميعا ...... لا يملكون حق الإعتراض , فالقاتل من عندهم و كفاهم رضانا بالصلح من الأساس .... لذا فلتبحثو عن قربان آخر غير سوار .... سوار لي و لن تكون لغيري ابدا .... )

تحركت عضلات عنق ليث بتشنج و برقت عيناه بجحيم مستعر .... الا أنه ظل صامتا لعدة لحظات في تفكير عميق ... قبل ان يومىء الى سليمان ان يوافق

ظل سليمان صامتا , غير موافق .... الخزي يلاحقه من كل جهة , الى ان قال راجح بنفاذ صبر

( لم أسمع ردك يا جدي ..... لقد انتهى الامر بالفعل و لو علم ابن الهلالي بما حدث لنبذها من فوره أي أن الأمر قضي ... فلا تعاند ..... )

توتر فك ليث أكثر و ازداد انقباض اصابعه ... الا أنه ظل صامتا قبل أن يشير الى سليمان مجددا بنظرة كلها تصميم و ارادة .... فقال سليمان أخيرا بخفوت متداعٍ

( موافق ........... )

أغلق سليمان الخط .... فسارع ليث للقول بلهجة مخيفة لا تقبل الجدد

( اتصل بفريد و أطلب منه العودة الى هنا مجددا ...... و ابدأ في اطلاق الاعيرة النارية استعدادا لعقد قران سوار ...... )

عقد سليمان حاجبيه وهو ينظر الى عيني ليث شديدتي البأس و الشبيهتين بعيني أسدٍ جبلي على استعداد للدفاع عن أنثاه الأبية .....

.................................................. .................................................. ......................

ظل راجح واقفا مكانه ينظر الى الأراضي الواسعة و التي بدأت تمتد أمامه من النافذة ... مشتعلة بنور الصباح ....

و فجأة .... بدأ اطلاق الأعيرة النارية القادمة من بيت عائلة الرافعي ...

انتفضت سوار في جلستها على الأرض و هي تسمع هذا القصف العنيف .... بينما استدار اليها راجح بعينين منتصرتين براقتين وهو يقول بلهجة ترتجف سرورا

( مبارك يا عروس .... أعيرة عقد قرانك ......)

ابتلعت سوار غصة في حلقها و هي تسمع تلك القذائف و دم زوجها الغالي لم يبرد بعد ....

ابتسم راجح لعينيها الدامعتين , ثم قال بخفوت منتشي

( استعدي حبيبتي ..... فلقد اقترب موعد زواجنا ..... )

ابتلعت سوار و همست بخفوت

( أريد أن أصلي .... اريد ما أغطي به شعري ...... )

طافت عيناه على شعرها مجددا مبهورا بنشوى ظاهرة في عينيه , فأغمضت عينيها و هي تتحمل تلك النظرات التي تحرقها ببطىء , الى أن همس أخيرا بخفوت

( ليس في الغرفة ما يصلح ..... يمكنني أعارتك قميصي لو أردتِ ... )

فتحت سوار عينيها و قالت بخفوتٍ جامد ... متقزز

( و ادنس صلاتي ؟!! .... لا شكرا ........ )

التوت شفتيه قليلا وهو يراقبها , ثم قال اخيرا بخفوت

( لن اغضب منكِ ........ سأمنحك العذر , كما ستمنحينه لي يوما ما ....... )

صمت قليلا وهو يعاود النظر الى النافذة و كأنه يرى الأعيرة النارية بعينيه قبل اذنيه , فتملأه سعادة و فوزا ...

ثم قال اخيرا دون ان ينظر اليها ....

( أمامنا ما لا يقل عن ثلاث ساعات من اطلاق الأعيرة النارية في البلد ..... حتى يعرف الجميع من اكابرها و حتى اصغر طفل بها , ان عقد قران راجح عمران الرافعي و سوارغانم الرافعي سيكون الليلة ....و حينها سنخرج معا و نعود الى دار الرافعية .. )

.................................................. .................................................. ...................

مع اقتراب مغيب الشمس ....

وصلت سيارة راجح الى دار الرافعية ... بقودها بخيلاء و ترفع و نظارته السوداء تغطي عينيه المتفاخرتين ...

و منذ دخوله من البوابات الحديدية الضخمة وهو يسمع صوت الأعيرة النارية تتعاظم و الرجال يركضون حول السيارة , يسمع منهم التهنئات بالزواج القريب .... بينما الارتباك واضح على الملامح مقترنا بعدم أما أما راجح فقد كان منتصرا ... فساعات قليلة تفصله عن حلم حياته .....

مظاهر الاحتفال و الولائم التي تعد ... و التهنئات بالزواج أخبرته بجذل ان جده قد رضخ و سوار ستكون له ...

نظر راجح الى مرآة السيارة الأمامية .... حيث وجه سوار المستلقية على المقعد الخلفي , و مغطاة باحكام .... ثم همس مبتسما

( نجحت الخطة يا عشقي الأبدي ..... نجحت و اصبحتِ لي و ليس هناك مخلوقا على وجه الارض قادرا على مناقشة حقي بكِ ..... )

لم ترد سوار .... فقد كانت غارقة في سبات عميق , لا يظهر منها سوى عينيها المغمضتين فقط ..... بعد ان خدرها للمرة الثانية منعا لاي مجازفة اثناء خروجهما و عودتهما الى دار الرافعية ....

أوقف راجح يارته أمام باب الدار ... فخلع نظارته وهو يرى فريد واقفا عند الباب و يداه في خصره بينما ملامحه لا تنم عن شيء ....

نزل فريد الدرجات القليلة أمام الدار الى أن وصل الى راجح الذي خرج من السيارة , فبادره فريد قائلا بصوت خافت

( أين سوار ؟؟ ......... )

قال راجح بخفوت وهو ينظر مجددا الى مظاهر العجلة في الذبح للولائم ... و الأعيرة التي لا تتوقف ...

( فريد .... انا لم اقصد أن يتم الأمر بهذه الصورة لكن ..... )

قاطعه فريد وهو يقول بنفس الهدوء ...

( اين سوار يا راجح ؟؟ ...... نفذنا لك طلبك و آن لك أن تنفذ وعدك و تعيدها سالمة .... لذا للمرة الأخيرة ... أين هي شقيقتي ؟؟ ...... )

قال راجح بحرج ...

( مستلقية على المقعد الخلفي للسيارة ...... )

انتفض فريد مذهولا قبل أن يندفع للسيارة , فاتحا الباب الخلفي , ثم كشف الغطاء بعنف عن وجه سوار الهادىء ... و مد اصبعيه ليتحسس النبض في عنقها , و ما أن شعر به مستقرا حتى ارتاح باله قليلا ...

رفع فريد وجهه الى راجح و قال بهدوء

( خدرت شقيقتي ؟؟ ...... )

اطرق راجح برأسه قليلا , ثم قال باستسلام

( لم املك غير هذا يا فريد ..... انا اسف .... )

ابتسم فريد ابتسامة لم تصل الى عينيه , ثم استقام و اقترب من راجح ليقول بهدوء

( لا وقت لدينا لنضيعه ..... هيا بنا لتبدل ملابسك و تستعد يا عريس ..... )

عقد راجح حاجبيه و نظر تجاه سوار بقلق ثم قال

( لن اترك سوار ...... )

التوت ابتسامة فريد وهو يقول ساخرا

( اتنوي اخراجها و حملها أمام الجميع ؟!! ..... حسنا صحيح أنك قد نجحت في لي أذرعتنا جميعا و اجبارنا على الرضوخ لطلباتك ..... لكن لا تتمادى , فالضغط يولد الإنفجار ... )

اقترب فريد من راجح و أحاط كتفيه بذراعه وهو يربت على صدره قائلا ....

( هيا بنا يا رجل ,...... الا ترى الإستعدادات !! ..... كيف سنتهرب منها لو كانت مجرد خداعا لك .... تعال معي و اترك لي معضلة نقل سوار للداخل ... و لا تنسى أنها يجب أن تستفيق حتى تجيب المأذون عن موافقتها على الزواج .... )

بدا راجح مترددا .... الا أنه تحرك مع فريد وهو يعلم أنه الرابح في النهاية ....

و ما أن دخلا الى غرفة راجح ....

حتى أغلق فريد الباب خلفه بالمفتاح ..... استدار اليه راجح بريبة وهو ينظر الى الباب المغلق بالمفتاح ...

فضيق عينيه بعدم ارتياح .... وهو يرى فريد يخلع حزام بنطاله الجلدي ببطىء قبل أن يقول بهدوء مخيف

( لن أخدرك و أقيدك ثم أجلدك ..... واجهني رجلا لرجل .... )

اتسعت عينا راجح بوحشية قبل أن يقول محذرا

( تعقل يا مجنون ...... شقيقتك ملقاة على مقعد سيارتي و الجميع يستعدون لعقد قراننا ......أي أن سمعتها على المحك ......... )

الا ان فريد كان قد رمى عنه قشرة الحضارة الوحيدة التي تكبد عناء تمثيلها خلال الساعات الماضية

و ظهرت روح أحد ذئاب الرافعية ... شرسة .... هادرة و مخيفة على نحو استثنائي رغم بساطته ...

.................................................. .................................................. ...................

كان العالم لا يزال يدور من حولها و هي تترنح يمينا و يسارا .....

الصداع يكاد أن يفتك برأسها .....

و كف تربت على وجنتها برفق و صوت امرأة تهتف بقلق

( سيدة سوار ..... سيدة سوار ..... أفيقي حبيبتي ......)

كان الصوت مضخما و مثقلا و هي تحاول فتح عينيها الحديديتين .... و كأن هناك أثقال تشد عقلها للسقوط مجددا ....

الا أن أصوات الأعيرة النارية كانت تجذبها للواقع ... فهمست بتعب

( الأعيرة النارية ...... لا .... أجعلوها تتوقف .... زوجي دمه لم يبرد بعد .....)

تنهدت المرأة و هتفت بحزن

( أفيقي يا سيدة سوار ...... )

فتحت سوار عينيها بصعوبة .... و حاولت استيعاب المكان , الى أن أدركت جدران غرفتها أخيرا ... فهمست بصعوبة و هي ترمش بعينيها

( أنا في غرفتي .... في بيتي ....)

قالت ام سعيد بلهفة

( نعم يا سيدة سوار ....... افيقي أرجوكِ ....)

نهضت سوار بسرعة و هي تترنح قائلة بتعب

( الأعيرة النارية ..... الزواج ..... لن يتم .... لن يتم مطلقا ....)

هتفت أم سعيد بارتياع

( اهتدي بالله يا سيدة سوار ..... لا تتسببي في فضيحة لعائلتك , لقد تمت الاستعدادات و علم كل من في البلد من أقصاها لأدناها ..... )

رفعت سوار يدها الى جبهتها و قالت بتعثر من بين أسنانها

( على جثتي ..... لن تتم ....)

الا أن طرقة على الباب , جعلت أم سعيد تهرول الى الباب و تسأل عن هوية الطارق

فكان صوت أحد أعمامها يقول بخفوت

( هل أنت جاهزة يا سوار ؟؟ ...... المأذون يريد سؤالك يا ابنتي ...)

اقتربت سوار بسرعة تتعثر في طرف عبائتها حتى استندت الى الباب بكفيها و قالت بصوت مقهور مشتد النبارت .. لم يفقد قوته بعد

( لن أتزوج راجح ....... )

ساد صمت متوتر قبل أن يقول عمها

( و ما دخل راجح يا ابنتي ؟؟ ........ المأذون يريد سؤالك عن الزواج بليث الهلالي ....)

تسمرت سوار مكانها و تصلبت أصابعها على خشب الباب الناعم ... و اتسعت عيناها قليلا قبل أن تستدير الى أم سعيد هامسة بعدم فهم

( ليث ؟!! ........ كيف ؟؟ ......)

أومأت أم سعيد و قالت بحيرة

( نعم يا سيدة سوار و من غيره ؟!! ..... لقد تم تقديم موعد عقد قرانكما , هذا كل ما في الأمر ... الحاج سليمان يقول أن هذا سيتم لظروف طارئة .....)

انعقد حاجبي سوار قليلا و هي تحاول استيعاب ما يحدث ... الى أن أتاها صوت المأذون يقول كما استنتجت هويته

( يا ابنتي ...... هل أنت موافقة على الزواج من السيد ليث الهلالي ؟ .... و من هو وكيلك ...)

ظلت سوار على صمتها طويلا قبل أن تقول بخفوت بطىء

( نعم ..... موافقة , ووكيلي هو عمي .........)

.................................................. .................................................. .....................

جلست على حافة سريرها لا تعرف ما المنتظر منها الآن ؟!!

لا تعرف كيف حرروها من أسرها الإجباري على يد راجح ......

و لا تعرف كيف أصبحت زوجة ليث بمثل هذه السرعة ؟!!

لم تتعافى بعد مما تعرضت له من قهر و تعدي و انتهاك .... و ليس من العدل أن يزوجوها بمثل هذه السرعة !!

كان من المفترض أن ينتظروا مرور عام كامل بعد وفاة سليم ....

أرادت الرفض للحظة , الا أنها عادت و فكرت .... هل تترك دم زوجها ليبرد لمدة عام كامل قبل أن تبحث عن قاتله و تأخذ بثأره ؟!! ...

لذا وجدت لسانها ينطق بالموافقة بهدوء .....

و الآن وجدت نفسها و قد خلعت سواد الحداد بعد ان ساعدتها ام سعيد على ارتداء عباءة مطرزة بلون البحر ....

و زينتها قليلا و هي لا تزال تشعر بالدوار قليلا بين يديها ...

لكنها الآن ... استفاقت تماما و عشرات الأسئلة تتزاحم في رأسها

.................................................. .................................................. .....................

واقفا على باب غرفتها ....

و يده تحاول طرقه .... الا انها ترددت و ارتاحت عليه ترفض الطرق مباشرة

اطرق ليث برأسه وهو يهمس لنفسه بألم

" بعد كل هذه السنوات يا حبيبة القلب !! .......بعد كل هذا العمر الضائع ....... آآآآآه يا سوار العسل كم انتظرت و حلمت باليوم الذي اقف به على بابك ......

و حين جاء اليوم ..... جاء بأشقى الطرق , كيف سأسألك ؟؟ .... و كيف سيتحمل قلبي الاجابة ؟!! ..... " 

ارتفع وجه سوار بقوة حين سمعت صوت طرقة على الباب ... فقالت عفويا

( ادخل .............. )

لكن ما لم تتوقع ... هو ان ترى هذا الرأس الذكوري يطل من الباب !! ...

ليث !! .....

فغرت سوار شفتيها و هي تراه واقفا امامها بعد ان دخل الى الغرفة لخطوتين فقط ... مرتديا ملابس العرس ...

منمق الشعر مشذب اللحية .... كان يبدو كعريس فعلا رغم الشعيرات الفضية المنتشرة في لحيته و رأسه ....

أما هو !!!

فقد كان في عالم آخر ......

عالم لم يستوعب بعد مدى سحره وهو يرى تلك الملكة المتوجة تجلس ببهاء على حافة السرير في زيها الذي يزيدها ملوكية .... عيناها العسليتان مكحلتين ببهاء , و اصابعها متشابكة بوتر في حجرها ....

كان قد اعد طويلا ما سينطق به .... الا انه قد فقده دفعة واحدة في نظرة اليها , امتدت لتسرح على شعرها الطويل !! ...

ذلك الليل الخلاب المنسدل على كتفيها و خصرها و اسفل خصرها !! ....

هل هي حقيقة أم وهم رسمه قلبه العليل بحبها !!

همس ليث بصوت غريب دون حتى ان يبتسم

( سوار !! ......... )

ازدادت حركة اصابعها بتوتر و هي تنظر اليه بحذر .... بعينين واسعتين غريبتين .....

بينما اقترب منها ببطىء و كأنه يخشى إن أسرع ... أن يثير خوفها فتفر منه كالغزال البري .....

كان قد عاهد نفسه الا يقترب منها اكثر من خطوتين في هذه الغرفة ....

لكن قدميه تحركتا متحديتين اوامر عقله ..... الى ان توقف على بعد خطوة منها .....

و عيناه لا تبارحان سحرها الأخاذ !! ......

لقد زادها العمر جمالا .... رغم كل الألم المحيط بملامحها القوية .... فالعمر زادها جمالا حتى باتت كقصة تحكى في الليالي الطويلة .....

انعقد حاجبيه و كأن النظر الى جمالها أصبح مؤلما جسديا .....

همس مجددا بصوت أجش

( هلا وقفتِ رجاءا ........... )

ترددت سوار و ارتبكت , الا أنها نهضت ببطىء حتى وقفت أمامه مباشرة ... و على الرغم من طولها , الا ان رأسها لم تتعدي مستوى عنقه ... فرفعت ذقنها تنظر اليه بنفس الحذر محركة رأسها ليتساقط شعرها خلف ظهرها بنعومة ....

ضاقت عينا ليث على تلك الحركة البسيطة التي سلبت فؤاده ....

و دون ان يدري وجد يده ترتفع لتتخلل اصابعه المفتوحة شعرها .... و تسري به كأسنان المشط وهو يبدو كالمغيب في عالم غير عالم الواقع .....

استمر نزول أصابعه عبر شعرها للحظات طويلة حتى وصلت الى خصرها ... فخانته ارادته للمرة الأولى بحياته و انسابت تلك الأصابع من خصلاتها لتستقل فوق خصرها الدافىء ....

كان الإبتعاد عنها في تلك اللحظة هو العذاب بعينه ....

فسمح لنفسه ببعض الرحم وهو يغمض عينيه ... مقربا اياها منه بحركة غير ملحوظة , ...

يده تتحرك على بشرتها الدافئة , عبر عبائتها الحريرية و التي تزيد من استعال الحمم بعروقه ....

أسلبت سوار جفنيها على الرغم من أن ذقنها لا يزال مرتفعا بكبرياء ...

صدرها متسارع النفس , غير قادرة على مواكبة ما يجري ...

ليث هنا في غرفتها .... يراها بدون حجابها .... يلامسها بأصابعه

الا أنها وما أن شعرت بتلك الأصابع تتحرك ببطىء حتى تسمرت مكانها , ثم رفعت يدها لتزيح يده بهدوء بطيء ...

ابعد ليث يده على الفور ما ان شعر بأصابعها تبعده ... ثم وقف امامها و هو يأخذ نفسا عميقا متحشرجا قبل أن يقول بصوتٍ عميق .... عميق للغاية ...

( وعدت نفسي الا ألمسك الا حين تكونين في بيتي .......)

أبعدت سوار وجهها جانبا دون أن تنظر اليه , فقال ليث بنبرة أشد صلابة قليلا

( أنتِ زوجتي يا سوار ........ أخيرا ..... )

ارتفع جفنيها و هي تنظر اليه فجأة بعينين براقتين قبل أن تفتح شفتيها لتتكلم أخيرا بصوتٍ رخيم .. به لمحة من نفور

( أخيرا !! ....... بدأت أكره تلك الكلمة التي لا تجعل مني أكثر من مجرد فريسة أنثوية ... لمجموعة من الصيادين على خيولهم ....... )

عقد ليث حاجبيه و اشتعلت عيناه للحظة قبل أن يقول بصوت أجش مخيف

( هل تقارنيني ب ........)

لم يستطع نطق الاسم , بينما ازدادت قتامة اللون على وجهه , و نظرت سوار الى عينيه بوضوح , ثم قالت بصوت غريب

( لم يكن ما مررت به اليوم هينا أبدا ...... لذا اعذرني ان كنت غير قادرة على تودد أي رجل آخر لي .... )

عند هذه النقطة لم يستطع ليث التحكم في نفسه أكثر فأمسك بذراعيها بقوة و قال بصوت معذب رغم العنف الكامن في أعماقه

( ماذا فعل بكِ ؟؟ ...... ماذا حدث خلال تلك الليلة ؟؟؟؟ أجيبيني يا سوار أنا أتعذب منذ ساعات و باتت السيطرة الآن ألما محرقا يفوق قدرتي على الإحتمال ..... )

ضيقت سوار عينيها و هي ترى عذابه حيا بصورة لا تقبل الشك .... فقالت بخفوت

( و ما الذي اجبرك على الزواج مني طالما أنك لن تستطيع التحمل ؟؟ ..... )

هزها ليث قليلا هامسا بعنف من بين اسنانه وهو يكاد أن يتوسل لها

( زواجي منكِ أمر منتهي ...... سواء كان اليوم أو بعد عام أو عشرة أعوام ..... أنا أراك زوجتي منذ اليوم الذي خطبتك به و سمعت موافقتك باذني ..... انتهى يا سوار .... الآن أخبريني هل ..... )

بدا غير قادرا على المتبعة فتحشرج صوته و أخفض وجهه , بينما رأت سوار صدره وهو يعلو و ينخفض بسرعة غريبة و كأنه غير قادرا على التنفس بطريقة سوية

تكلمت سوار أخيرا بهدوء ثابت

( أين هو ؟!! ......... ماذا فعلتم به ؟؟ ..... )

انتفض ليث ينظر اليها بعنف و قال بصوت حرص الا يعلو رغم ارتجافة نبرته من شدة الغضب

( لا تقلقي يا سوار .... لن تريه مجددا طالما بصدري نفس يتردد ..... )

رفعت سوار ذقنها و هي تقول بهدوء

( على العكس .... أريد رؤيته , بيننا حساب طويل ...... )

هدر ليث بصوت عالٍ جعلها تغمض عينيها من شدة ذبذباته العنيفة

( على جثتي ..... على جثتي يا سوار ..... لن تقتربي منه الى أن يموت و لعل ذلك يكون قريبا , لأنني لن أقتله بل سأدعه يتمنى الموت قبلا .... )

اسبلت سوار جفنيها و قالت بنفس الصوت الرخيم

( يبدو أنك نسيت طبع سوار يا ابن خالي ..... لم أكن في حاجة لمن يأخذ لي حقي يوما , لطالما كنت شرسة في الدفاع عن نفسي .... )

اظلمت عينا ليث من شدة الغضب وهو يهدر قائلا

( واضح جدا ..... و الدليل , انه لولا زواجي بكِ لكنت متزوجة منه الآن أو لا قدر الله ربما تواجهين مصيرا أسوأ في حال رفضك ..... أحيانا أشعر أنني بدأت أكره هذا الطبع يا ابنة عمتي ..... )

لم ترد سوار . الا أنه لاحظ أنه قد آلمها بشدة ..... فزفر بتنهيدة مكبوتة معذبة وهو يراقبها , قبل أن يتابع بخفوت

( يا زوجتي .......... )

رفعت سوار عينيها اليه بصمت , فقال بنفس النبرة المتوسلة

( أريحي قلب زوجك يا سوار بالله عليك..... ماذا فعل بكِ .. تكلمي يا سوار لا تكوني بمثل هذه القسوة .... )

ارتجفت شفتي سوار رغم عنها .... شعرت في تلك اللحظة أنها تحتاج للانهيار ولو بضعة لحظات ....

تريد الضعف كخيار لدقيقة واحدة ...

و صوت ليث المتوسل كان هو القشة التي قصمت ظهرها ... فهمست بخفوت و هي تنظر الى عينيه

( لم يحدث شيئا ينال من رجولتك كزوج .... لم يلامسني بالطريقة التي تتخيلها , الا أنه ....الا أنه ..... )

صمتت فجأة و هي تطرق بوجهها شارعة بقرب انهيارها .... و لم تمانع هذه المرة و هي تتابع بصوت مختنق

( الا أنني أشعر بالإهانة .... لقد رآى شعري و صفعني على وجهي ...... خدرني و حملني و لا اعلم بأي طريقة ....... أشعر بالإمتهان يا ليث ...... لم أهان يوما بتلك الطريقة أنا سوار غانم الراف..... )

لم تستطع المتابعة و هي تغمض عينيها لتشهق باكية بقوة ....

فهدر ليث بعذاب وعنف

( ياللهي .............. )

و لم يسمح لشيء بان يبعدها عنه في تلك اللحظة ..... انها زوجته ..... زوجته رغم كل الحواجز

فأحاط خصرها بذراعيه بكل قوتها وهو يرفعها الى صدره , يضمها بعنف كاد ان يحطم اضلعها وهو يهمس بين شعرها الذي غطى فمه بحرقة

( سأجعله يدفع الثمن يا سوار ...... سيدفع الثمن بقدر ما تشعرين و أشعر به أضعافا .... )

صوت بكائها الخافت كان يقتله و منظر عينيها المغمضتين يزيدان جنونه ....

انزلها ارضا ببطىء و هي لا تزال تمسح وجهها بظاهر يدها , الا أنه أمسك بذقنها يرفعه اليه .....

حينها اضطرت لأن تفتح عينيها الحمراوين لتنظر الي عينيه .... لكنه لم يمهلها وهو يخفض وجهه اليها مطبقا عليها بقبلة لم ينالها حتى في احلامه .....

شعرت سوار بالدوار يعود اليها مجددا من ذلك الطوفان الذي يلفها و المسمى بقبلة ليث ...

حاولت الابتعاد عنه , الا أنه كان يشدد من ضمها اليه كلما قاومته , الى أن شعرت بعدم قدرتها على دفعه أكثر ... و حاجتها الى تلك اللحظة من الضعف ....

فأغمضت عينيها مرتبكة مما يحدث .... بينما ليث كان يحيا بها عمرا طويلا ضاع منه , و سرعان ما عاد اليه ....

مرت لحظات طويلة و ربما دقائق و هو يرتوي اثر هذا الظمأ المحرق , الى أن رفع وجهه عنها أخيرا ...

حيث كان اللون الأحمر منتشرا على وجنتيه المتصلبتين و عينيه غير ثابتتين ...

ثم همس أخيرا بصوت أجش لاهث

( ضعي عبائتك و غطي وجهك و استعدي ...... ستأتين معي الى بيتي ..... )

.................................................. .................................................. ...................

خلال خمسة أيام , كانت تحاول استعادة نفسها ...

بالقوة أو بالغصب ....

بأي طريقة كانت و مهما بلغ ألمها ..... لم تكن تيماء لتسمح لنفسها بالإنهيار ...

ففي اليوم التالي لعودتها البائسة ... استيقظت باكرا و نظرت الى نفسها في المرآة فهالها تورم عينيها المريع ...

لكن الابشع من التورم و الاحمرار كانت تلك النظرة المنكسرة في عينيها ....

يومها وقفت طويلا امام المرآة لتدرس تلك النظره و هذه الملامح ...

بشعرها الكث المشعث و الذي يكاد ان يبتلعها ... و ووجهها الشاحب كوجوه الموتى ...

بينما تلك العينين الفيروزيتين واسعتين جدا ... تنظران اليها عبر المرآة بنظرة انكسار لم تعرفها منذ سنوات و كانت تظن بانها عقدت العزم على الا تراها مجددا ....

هذا اليوم صباحا و هي تقف امام المرآة و تنظر الي عينيها , همست اخيرا بصوت لا حياة فيه

" لن يهزمني رجل مطلقا .... مهما بلغ عشقي له , حتى والدي لم يهزمني رغم كل ما فعله "

بعد هذه العبارة ارتدت ملابسها ببطىء و اتجهت الى الكلية حيث عملها الذي لم تعد تمتلك غيره ....

و الآن و بعد خمسة أيام من المواظبة في الذهاب الى الكلية و حضور المحاضرات ...

بدأت تندمج شيئا فشيئا مع طلابها ....

هؤلاء الطلاب كانو الحافز الوحيد لها على تحمل الألم العنيف بداخلها .... و ابتلاعه عميقا ...

استدارت تيماء عن اللوح الالكتروني الضخم لتواجه مدرجا اضخم يحوي حوالي ثلاث آلاف من الطلاب ....

تابعت محاضرتها مبتسمة بمرح

( باختصار ... في دراستنا للانثروبولوجيا ... يمكنكم القول اننا ندرس الانسان , طبيعيا و اجتماعيا و حضاريا ... اي ان الانثروبولوجيا لا تدرس الانسان ككائن وحيد بذاته او منعزل عن بني جنسه ... انما تدرسه بوصفه كائنا اجتماعيا بطبعه ... يحيا في مجتمع معين , له ميزاته الخاصة في مكان و زمان معينين ...

كما انها دراسة للانسان في ابعاده المختلفة ... الاجتماعية و الثقافية ...كما انه علم جمع بين تلك المايدين المختلفة و منها ايضا تاريخ تطور الجنس البشري و الجماعات العرقية و النظم الاجتماعية المختلفة باختلاف المكان الذي تنتسب اليه كل منها .... )

تشعر تيماء و هي تتكلم بثقة في مكبر الصوت الصغير امام هذا الحشد الضخم من الطلاب .... بالقوة و السيطرة ....

السيطرة التي تتمكن بها من النفاذ الى عقلية كل طالب على الرغم من اختلافاتهم ...

فمنهم من هو شديد الاهتمام بما تقول , منهم من يهتم بالطريقة التي تنقل بها المعلومة لهم عن طريق المزاح و المرح ...

احيانا يضج المدرج بالضحك لمجرد عبارة عفوية ذكرتها .... و هي لا تمانع ابدا , طالما في النهاية سيخدم هذا هدفها في توصيل الكلمات بسلاسة الى عقولهم ....

تحركت تيماء بأناقة لتستند الى طولتها مواجهة للمدرج الضخم لتتابع محاضرتها ...

الا انها تلجمت فجأة و هي تشعر بأنها قد لمحت بين الأعين الكثيرة ... زوج من عينين بلون الجمر الملتهب ...

انتفض قلبها بين اضلعها انتفاضة مالوفة لديها و هي تميل بوجهها يمينا و يسارا بحثا عن هاتين العينين دون جدوى ...

عشرات الوجوه تنظر اليها دون ان تجد ضالتها ....

توقفت تيماء عن البحث و أطرقت بوجهها الشاحب لعدة لحظات تستعيد توازن أنفاسها المتقطعة و هي تهمس لنفسها

" اجمدي يا تيماء ...... سيكون الأمر صعبا , لكنكِ لن تنهاري .... لن يهزمك رجل "

رسمت على وجهها ابتسامة براقة و هي لا تزال مطرقة الوجه و كأنها ترتديها على ملامحها عنوة ...

ثم رفعت وجها مشعا مبتسما و هي تتابع ببساطة و ثقة عبر مكبر الصوت ...

( أهداف دراسة علم الانثروبولوجيا ..... والله من عدد المرات التي كررتها من المفترض أن تكون قد رسخت في عقولكم و تثبتت ,,,, لكن لا مانع من الاعادة , ففيها استفادة .... )

توقفت عن الكلام و هي تلمح أحد الطلاب يلعب بهاتفه و شارك من حوله في اللعبة ضاحكا

تستطيع عيناها اقتناصه من على بعد ...

فقربت مكبر الصوت من فمها و نادت بحزم

( مجدي عبد العظيم علي المناويشي .......... تعال الى هنا ..... )

انتفض صاحب الاسم رافعا رأسه بعينين متسعتين , و نادى من مكانه

( نعم يا أستاذة ........ )

قالت تيماء عبر المكبر

( تعال الى هنا يا بني ...... )

نادى الطالب ببراءة و هو يتظاهر بالدهشة

( لماذا يا استاذة ؟!! ..... ماذا فعلت ؟!! ..... )

قالت تيماء عبر المكبر

( لم تفعل شيئا , أنا شخصية ظالمة ..... تعال الى هنا ..... )

نهض الطالب من مكانه متبرما و نزل درجات المدرج ثم صعد الى المنصة التي تقف عليها فوقف بجوارها ...

استسعت عينا تيماء قليلا و هي ترفع وجهها عاليا حتى تستطيع الوصول الى وجهه

كان شديد الضخامة طولا و عرضا .... فقالت تيماء بدهشة

( هل ترى نفسك منطقيا بطولك هذا ؟!! ......... )

نظر مجدي لأسفل و قال بنفس البراءة

( أنتِ القصيرة جدا يا أستاذة ......... )

لوت تيماء شفتيها ثم قالت بجدية ....

( حسنا دعنا لا نخض في هذا الأمر أكثر .... خذ مقعدي و اجلس هنا بجواري ..... )

مد مجدي ذراعيه و قال ببراءة مدعي الإحساس بالظلم

( لماذا يا أستاذة ؟؟ ..... أنا لم افعل شيء ...... )

ابتسمت تيماء بحزم و هي تقول

( اعلم انك لم تفعل شيئا , لكنني أتفائل بوجودك بجواري يا مجدي ..... و الآن اجلس ... )

سحب مجدي المقعد و جلس بجوارها باستسلام و ما ان جلس حتى قاربها طولا تقريبا ... فقالت تيماء متابعة محاضرتها ...

( لنتابع ما توقفنا عنده ......... اهداف دراسة علم الأنثروبولوجيا ,,,,, )

استدرات تيماء تواجه مجدي و قالت

( هل يمكنك اخباري نبذة عن الاهداف ... مع الشرح التفصيلي لكل نقطة يا مجدي من فضلك .... )

ارتفع حاجبي مجدي قليلا مجفلا وهو ينظر حوله , ثم اشار الى صدره قائلا

( أنا ؟!! ........... )

أومأت تيماء بوجهها و قالت مكتفة ذراعيها مستندة الى طاولتها أمامه

( نعم أنت ....... لا مجدي هنا سواك ..... )

حك مجدي شعره قليلا ... ثم بدأ يتكلم

( آآآآآآه .....بسم الله ... الأهداف ..... أول هدف هو أن هذا العلم سيفيدنا في ال ....... ال تربية الحديثة ..... عامة .... في المجمل , ثانيا هذا العلم هو الذي يحدد انواع البشر و ... ااااااه ... )

كانت تيماء تقف مكانها مستندة الى طاولة ... تستمع اليه مكتفة ذراعيها و هي ترفع احد اصابعها و تعض عليه بين اسنانها و ما ان يئست تماما حتى قالت بهدوء

( هو علم جميل اليس كذلك ؟؟ ....... )

اوما مجدي برأسه قائلا

( و هام جدا ............ )

عضت تيماء على زاوية شفتيها و قالت بجدية

( مجدي عبد العظيم علي المناويشي ..... الأهداف هي مقدمة المقرر .... هل تعرف معنى هذا ؟!! ... معناه أنك لم تقرأ كلمة واحدة تؤهلك لدخول الاختبار .... هلا اخبرتني بأي وجه ستنظر الى ورقة الأسئلة ؟!! ...... أنا لو كنت ورقة من أوراق اجاباتك في الاختبارات الدورية ... لخرجت عن صمتي و شتمتك على تلك الاجوبة البائسة التي أضعت بها ورقة ثمينة .... تلك الورقة لو قمنا بلف بعض الشطائر بها لكانت مفيدة اكثر ..... )

كان مجدي يستمع اليها وهو فاغر الفم قليلا شارد التفكير تماما .... فتوقفت تيماء عن الكلام و هتفت مفرقعة باصبعيها

( مجدي عبد العظيم علي المناويشي .... أفق .... هل نمت ؟؟ ..... )

هز مجدي رأسه قليلا و قال ببساطة

( لا لم أكن نائما .... شردت قليلا يا استاذة ..... )

زمت تيماء شفتيها ثم قالت مبتسمة بدبلوماسية

( لا بأس .... هلا أخبرتنا عما شردت به من فضلك ؟؟ ..... )

اتسعت عينا مجدي قليلا و قال

( لماذا ؟؟ ............ )

قالت تيماء بعفوية و بساطة .....

( لا مانع لدينا من الخروج قليلا من جو المحاضرة ...... لذا يمكنك اخبارنا .... )

حك مجدي شعره مجددا وهو يرفع حاجبا واحدا .... ثم قال ببساطة

( هل أنت متاكدة أنكِ تودين المعرفة ؟!! ..... الن تثوري ؟!! ..... )

رفعت تيماء حاجبا مماثلا و قالت بحذر

( انها ليست أفكارا خادشة للحياء كما أتمنى ؟!! ........ )

قال مجدي بسرعة

( لا اطلاقا ..... الحقيقة لو أردت المعرفة , فأنا كنت أتسائل ان كانت عينيكِ حقيقية اللون , أم أنكِ تضعين عدسات لاصقة ...... )

تعالت الضحكات من المدرج .... ممتزجة بالصفير الممازح

فاحمرت وجنتي تيماء قليلا , الا انها لوحت بذراعيها قائلة بابتسامة مرحة

( كفى .....كفى ..... حسنا يا استاذ مجدي عبد العظيم علي المناويشي ..... اجابة على سؤالك فلون عيناي حقيقي تماما ...... و هذه ليست المرة الاولى التي أسمع بها هذا السؤال .... فهلا عدنا الى المحاضرة رجاءا ..... )

تنحنح مجدي قائلا

( لا توجد فتاة واحدة في الدفعة لها نفس لون الأعين ......... )

تعالت الضحكات مجددا فقالت تيماء متنهدة

( والله يا مجدي لو شغلت نفسك بالمقرر بدلا من شغلها بالتدقيق في لون اعين الطالبات لبارك الله لك و قد تستوعب شيئا ...... )

قال مجدي ببراءة

( انها مجرد ملاحظات ..... يمكنك اعتبارها مرتبطة بعلم الانثروبولوجيا ..... الا يحتوي على الجانب الوراثي كذلك و من ضمنه لون الأعين ؟!! ...... )

برقت عينا تيماء و قالت مبتسمة

( بسم الله ما شاء الله يا مجدي ....... هل حقا ذكرت معلومة حقيقية في المقرر ؟!! .... أنا فخورة بك حقا ...... )

احمرت وجنتي مجدي و عدل من ياقة قميصه قائلا بحرج

( الفضل لعينيك يا استاذة ........ )

تعالت الضحكات و الصفير مجددا ..... فابتسمت تيماء و قالت بجدية

( حسنا يا مجدي لقد ربحت .... عد الى مكانك و اعرني تركيزك من فضلك ...... )

تعالى فجأة صوت صفق عالي بدا عنيفا بشدة .....صادرا من نهاية المدرج .... فانتفضت تيماء و نظرت الى الباب الخلفي الذي ارتج اثر خروج أحدهم و صفق الباب خلفه بمنتهى العنف ...

قالت تيماء بصرامة

( ما هذا ؟!! ..... من خرج من المحاضرة صافقا الباب بهذا الشكل و قلة الذوق ؟!! ..... لقد منحتكم حرية الخروج و الدخول الى محاضراتي من البداية , لأن التركيز لا يأتي غصبا .... لكن هذا ليس معناه أن يصفق الباب بهذا الشكل و كأن من خرج يخبرني بوضوح أنه قد سئم الوضع .... بعض الإحترام من فضلكم , هذا كل ما اطلبه ..... )

زفرت تيماء بعدم ارتياح ... ثم لم تلبث أن قالت متابعة شرحها

( حسنا ... دعونا نعود الى المحاضرة ..... بالفعل و كما بسط لنا مجدي المعلومة فعلم الانثروبولوجيا يتضمن جزئا طبيعيا و حيويا .... و علم الوراثة و حتى علم التشريح ايضا ..... بالاضافة الى الجانب الاجتماعي و الثقافي .... سأطرح عليكم سؤال .... لو لدينا شخص نشأ في بيئة معينة ... و تحت ظروف خاصة , ... هذا الشخص له موروثات معينة ولد بها ... و أخرى اكتسبها .....

لو زرعنا نفس الشخص بنفس الموروثات التي ولد بها في بيئة أخرى بحضارة مختلفة و ظروف مغايرة ... هل سنحصل على انسان مختلفا جذريا أم أن الموروثات هي الأساس ؟!! .... )

.................................................. .................................................. ....................

حين خرجت من المدرج , سمحت لنفسها اخيرا باسقاط قناع الابتسامة الذي تضعه ...

كانت مرهقة نفسيا لدرجة أكبر من تلك القوة التي تدعيها ....

تنهدت تيماء و هي تسير في رواق الكلية الطويل ... تنظر الى مربعات الأرض تعدها بشرود

أوراقها و ملفاتها في يدها و بيدها الأخرى تمسك بحقيبتها ....

خمسة أيام مرت دون أن يهاتفها أو يأتي لرؤيتها ....

و كعادتها تشعر بنفسها دائما كمرتبة ثانية في حياة كل من هم حولها .....

المخزي في الأمر أنها لا تزال تشتاق اليه بكل غباء ..... و تتقلب على فراش من جمر كل ليلة و هي تتخيله في احضان زوجته الأخرى ....

نعم هي لا تزال تعشقه بكل جنون ... و بكل غباء , و تشك في أنها قد تستطيع نبذ عشقه يوما ....

ستنبذه هو ..... و تخرجه من حياتها , الا أنها لن تتمكن من أن تنبذ عشقه ....

كيف تستطيع وهو الرجل الوحيد الذي احتل سنوات ادراكها كلها ... منذ نهاية الطفولة و حتى المراهقة و حتى هذه اللحظة , بعد ان جعلها امرأة كاملة .... امرأته .....

توقفت تيماء مكانها و هي تشعر بنفسها مراقبة !! ....

هذا الأحساس يراودها منذ عدة أيام .... تكاد تستشعر وجوده في كل مكان حولها , الا انها تتلفت حولها فلا تجده

و هذه المرة ليست استثناء ..... فقد توقفت مكانها , ثم استدارت لتبحث عمن يراقبها , الا أن الرواق كان خاليا و طويلا من خلفها ....

ظلت تيماء على حالها تنظر بوجوم الى الرواق الخالي و الممتد الى ما لا نهاية و كأنه طريق حياتها التي اسقطت منه كل زائريها و بقت هي وحيدة في نهاية المطاف ....

( تيماء ........ )

انتفضت تيماء و هي تستدير مسرعة لتنظر الى من يناديها مجفلة رغم هدوء الصوت ,

ابتسمت برزانة و هي تبتلع الغصة في حلقها قائلة بابتسامتها المشرقة

( مرحبا عماد ........ )

قال عماد زميلها في الكلية ,مبتسما ببشاشة

( هل أجفلتك ؟! ........ )

هزت رأسها نفيا و هي تقول

( على الإطلاق ....... كنت شاردة فحسب , .... )

ابتسم و قال بروح طيبة

( جيد ...... كيف حالك و ما هي آخر أخبار المنحة ؟؟ ...... )

قالت تيماء بابتسامة مماثلة

( لا زلت أدور في دائرة الأوراق و الإجراءات التي لا تنتهي ........ لكنني لن أستسلم , .... انها فرصة لا تتكرر كثيرا ... )

قال عماد مبتسما بأسف

( سنشتاق اليكِ يا تيماء ..... لست وحدي بل و كل الطلاب , لا أعلم ماذا فعلتِ لهم فأحبوكِ في مثل هذا الوقت القصير !! ..... )

ابتسمت تيماء بسعادة و هي تقول

( و أنا أيضا أحببتهم جدا .... و أحببت العمل هنا , و احيانا أشعر بأنني لا أرغب في السفر , لكن للأسف .... إنه هدف أكثر منه رغبة ..... )

قال عماد بصدق

( اتمنى لكِ كل التوفيق يا تيماء ...... و ان كان في سفرك خير لكِ فليتممه الله لكِ و ان كان شر , فليبعده عنكِ و يرضيكِ بقضاءه ..... )

ابتسمت تيماء و هي تنظر اليه ....

عماد معيد معها في الكلية تعرفت عليه منذ عدة اشهر , شديد الطيبة و النقاء ....

و شديد الالتزام ايضا .....

لا يشبه شخصية الدكتور ايمن مطلقا ..... على الرغم من انها تستشعر رغبة منه في التقدم لخطبتها و هي تتغابى و تتعامى ...

الا انها لا تملك منع نفسها من مراقبة صفات كل من يمر في حياتها

انها تعرف حق المعرفة أنه لم يقع رجل في هواها من قبل ...

لكنها كانت خطيبة محتملة لعدد منهم ... و لكل منهم نظرة و طلب مختلف عن الآخر

الدكتور أيمن ...

كان يبحث عن زوجة تناسب وضعه ... اجتماعيا و علميا وماديا ..... لأنه وصل للسن المناسب للزواج بل و تعداه قليلا ...

عرابي ابن عمتها , فقد كان أفضل حالا قليلا من الناحية العاطفية , نشأ على فكرة زواجه من ابنة عمه , وهو متقبل الفكرة تماما ... و ما أن رآها ووجدها مقبولة قليلا حتى بدأ يستعد نفسيا و عاطفيا لها دون أي تواقف عقلي بينهما .... يكفيه أنها ستكون مميزة عند جدها و بالتالي سيكون لها الكثير من العطايا ...

أمين ابن عمها .... هذا هو من صدمها فعلا ...

للوهلة الأولى يبدو لطيفا للغاية و أنيق كما أنه متحضر و هادىء الطباع .... يختلف في ظاهره عن باقي أبناء أعمامها .... الا أن سؤال واحد منه جعلها تجفل و تنظر اليه بعدم تصديق

حين كان يتمشى معها ذات يوم أثناء اقامتها في البلد ....

سألها بهدوء

" تيماء ..... هل سبق لكِ الإرتباط من قبل ؟؟ ..... "

يومها ارتبكت و لم تعرف كيف تجيب , فقالت ممازحة

" حسب علمي لم أخطب من قبل .... و لم اتزوج ..... لذا ... "

قاطعها امين مبتسما

" اعلم انكِ لم تكوني مخطوبة او متزوجة ..... انا اتسائل عن شيء آخر , هل كنت مرتبطة بشخص عاطفيا ؟؟ "

ارتبكت تيماء أكثر و توترت , لكنها قالت بثبات

" هل لي أن أسالك عن سبب سؤالك ؟؟ ...... "

قال أمين ببساطة وهو يسير الى جوارها

" أنا انسان صريح يا تيماء .... و قد يكون هذا شيء ايجابي الا أنه في أكثر الأحيان يظهر أشد عيوبي .... لذا علي الإعتراف لكِ بما أنكِ على وشك اختيار زوج لك و قد أكون زوجا محتمل .... أنني كشخص لم استطع يوما تقبل العلاقات العاطفية الخفية .... و الارتباطات الغير رسمية تحت مسى الحب .... أنا لا احاكم أي امرأة لكنني غير قادر على تقبلها كزوجة لي و الوثوق بها فيما بعد .... فمن تخون ثقة أهلها من السهل جدا أن تخون ثقة زوجها .... "

فغرت تيماء شفتيها و هي تنظر اليه بذهول .... فما كان منه الا أن ابتسم باستياء و قال بهدوء

" صدمتك ..... اليس كذلك ؟؟ .... "

اجابت تيماء على الفور

" بصراحة ..... نعم ..... "

قال أمين بهدوء

" كما أخبرتك .... صراحتى تتسبب في اظهار أسوأ عيوبي ... "

أطرقت تيماء بوجهها و هي تسير بجواره ثم قالت بعد فترة

" أنا أقدر الصراحة مهما كانت صادمة ..... و من حقك أن تحدد خياراتك في زوجتك المستقبلية حتى ولو اختلفت معك في وجهة النظر ... لذا سأكون صريحة معك بالمقابل .... "

رفعت وجهها اليه و قالت بخفوت

" كنت مرتبطة منذ سنوات ..... احببت شخص لكن هذه العلاقة لم يكتب لها النجاح , لذا اهتممت بدراستي و عملي و حاولت جاهدة ان اتجاوز الأمر .... "

ساد صمت طويل بينهما ... الى ان قالت تيماء كي تعفيه من الحرج

" اتمنى لك التوفيق في حياتك يا امين ..... و عسى ان يرزقك الله بالزوجة التي تناسبك ... "

عادت تيماء من شرودها و هي تنظر الى عماد الذي لا يزال واقفا مكانه يحدثها ببشاشة ...

ثلاث نماذج من الرجال فكرو بها كزوجة محتملة ... و كل منهم على النقيض من الآخر ....

اما الرابع .....

الرابع هو الوحيد الذي ارتبطت به روحا و زوجا .... هو الوحيد الذي امتلكها بمحض ارادتها

فان كان الثلاثة قد فكروا في الزواج منها محكمين العقل ... الا ان قاصي هو من فاز بها مع غياب تام للعقل و المنطق ... و ها هي تعاني الآن من فرط غبائها ....

( تيماء .... هل تسمعينني ؟؟ ..... )

نظرت اليه تيماء و هي تقول بشرود

( ها .... عفوا يا عماد , يبدو انني متعبة قليلا .... )

قال عماد بقلق

( لا عليكِ .... اذهبي و ارتاحي قليلا , انا فقط كنت اسألك ان كنت ستشتركين معنا في الرحلة ؟؟ ..... جميع الطلاب يريدون منك الذهاب معهم و انا كذلك .... )

ابتسمت تيماء ابتسامة مرتجفة و هي تقول

( لا أعلم يا عماد .... ظروفي غير مستقرة هذه الأيام و لا أعلم ان كنت س ..... )

قال عماد برقة

( حاولي ...... فقط حاولي و ستستمتعين بها جدا , أنا شخصيا أشترك بها كل عام .... الا أنه العام الأول لكِ و لن يكون الأخير ان شاء الله .....)

ابتسمت تيماء و قالت بخفوت

( حسنا ..... سأحاول ....... )

ابتعدت عنه بعد أن ودعته و هي تشعر بالإرتباك .... لا أحد يعلم بعد أنها متزوجة ....

و هي لا تعرف كيف تعلن الأمر و هي على وشك الإنفصال ....

عماد يتقرب منها و قد وصلها من احدى زميلاتها أنه يبحث عن عروس ملتزمة دون تشدد و تكون طيبة و قنوعة ....

عندها تأكدت من أنه يراها العروس المناسبة .... و لا يعلم بزواجها ...

إنها لا تخدعه , لكن ليس من المنطقي أنه تحييه ذات صباح قائلة

" صباح الخير يا عماد ... بالمناسبة أنا متزوجة لكن على وشك الإنفصال , لأن زوجي تبين أنه نذل و حقير و خائن ...... و أكثر من آلم قلبي ... "

تابعت تيماء سيرها في الرواق الخالي و هي تهمس مكررة بشرود

" و أكثر من آلم قلبي !! ....... "

.................................................. .................................................. ......................

دخلت تيماء الى شقتها و أغلقت الباب خلفها بتعب ....

ككل يوم نفس الشقة الخاوية ... الا انها اصبحت كل عالمها , هي و نباتاتها الصغيرة ...

فلقد اشترت العديد من شاليات أشجار الزينة و النعناع ... و أشجار ورود متعددة ....

كانت تهتم بها و كأنها أطفالها ... علها تبدد الوحدة المقيتة التي تحياها ممتزجة بألم الغدر ....

حتى أمها ..... نالت منها أكبر خذلان ....

و هي تتصل بها كل يوم تهتف بغضب و ووعيد عن الكارثة التي اوقعت نفسها بها و تهورها في زواجها من قاصي ... و ما ينتظرهما من بلاء على يد سالم الرافعي ...

حتى أن تيماء في النهاية توقفت عن الرد على اتصالات أمها .... و قررت الانعزال تماما ....

عملها و طلابها صباحا .... و نباتاتها و القراءة مساءا .....

كانت تعالج نفسها ببطىء و تنهض من سقطتها ككل مرة ....

القت بمفاتيحها جانبا .... و خلعت حجابها تلقي به ايضا ..... , الا انها انتفضت صارخة بعنف و هي تسمع الصوت المعروف لقلبها يقول بعمق أجش

( أنيقة للغاية ............ )

رفعت تيماء يدها الى فمها تكتم صرختها القوية و هي ترى الظل الطويل يقف في بداية رواق شقتها الصغيرة ...

مستندا بكفه الى الجدار .....

هو .... هل هو فعلا أما أنها تتوهم مجددا ؟!! .....

تحرك قاصي الى الضوء الشاحب لغرفة الجلوس حتى بانت ملامحه واضحة بما لا يقبل الشك ....

عيناه بوهج الجمر .... و لحيته قد استطالت كشعره , بينما بدا الجرح في وجهه اكثر بروزا ,,,, او ربما وجهه هو ما كان اكثر نحولا .....

دس يديه في جيبي بنطاله الجينز الاسود وهو يراقبها بنظرات مشتعلة صامتة ... من اعلى رأسها و حتى اخمص قدميها .....

متفحصا حلتها شديدة الأناقة ... و حذائها الجميل رغم أنه منخفض الكعب ....

و شعرها الهمجي تهدل على ظهرها و كتفيها بلمعانه المعدني و تشابكه العسير .....

قال مجددا بصوت أكثر خشونة و كأنها ادانة لا مدح

( أنيقة للغاية ........ )

كلمته الباردة جعلتها تستفيق من صدمتها الأولى فانتفضت صراخة بعنف

( ماذا تفعل هنا ؟؟ ...... و كيف دخلت الى شقتي في عدم وجودي ؟؟!! ..... )

ابتسم قاصي ابتسامة قاسية دون أن يتحرك من مكانه و دون أن يتنازل عن مراقبته الوقحة لها

ثم قال ببساطة

( استخرجت نسخة من مفتاحك حين كنتِ في بيتي ....... )

بهت وجه تيماء و فغرت شفتيها , محدقة الى لامبالاته الواضحة و صفاقته قبل أن تقول ببطىء

( كيف تجرؤ؟!! ....... كيف تجرؤ؟!!! ....... تخطط و تقتحم حياتي الخاصة كالمجرمين ؟!! .... )

ازدادت ابتسامته التواءا .... ثم قال بامتعاض

( أقتحم حياتك الخاصة ؟!! ....... أنت زوجتي , أي أنه لم يعد لكِ حياة خاصة غير مسموح لي " باقتحامها " كما تدعين ..... )

كانت لا تزال على نفس ذهولها و صدمتها من مدى بروده .... بينما بادرها متابعا بهدوء

( تركتك خمسة أيام كاملة على أمل أن تهدأي و نتفاهم ..... لكن نظرات عينيكِ الشبيهة بالقطط البرية لا توحي بالتفاؤل ..... )

ظلت تيماء على صمتها لعدة لحظات ... تراقبه و تدرس انفعالاتها الداخلية المجنونة , الى أن تمالكت نفسها و اتجهت الى باب شقتها ... ففتحته و التفتت الى قاصي قائلة بكل هدوء جامد بل ميت ...

( أخرج من بيتي ...... الآن ......... )

ضيق قاصي عينيه و قد تشنج وجهه من معاملتها الباردة له .... فتحرك ببطىء يقترب منها دون ان يزيح عينيه عن عينيها ....

بينما ظلت واقفة مكانها متشبثة بالباب المفتوح عله يمنحها القوة و الشجاعة ....

و ما أن وصل اليها حتى وقف أمامها يواجهها بصمت ... فأبعدت وجهها جانبا و هي تلعن قلبها المنتفض الغبي في عشقه البائس ...

ثم قالت ببرود متمنية أن تنتهي تلك اللحظة المضنية

( وداعا ............ )

شعرت فجأة بالباب ينتزع من يدها ليصفق بعنف فاستدارت اليه بغضب صارخة

( ما اللذي ؟!! ........ )

الا أنه لم يمنحها الفرصة لتتابع صرخة تذمرها , فقبض على خصرها و الصقها بالباب وهو يهدر بحدة

( اخرسي ........ )

برقت عينا تيماء بعنف و هي تصرخ

( لن أخرس ...... )

فرد عليها هاتفا بحدة أكبر جعلتها تجفل

( بل ستخرسين .......... )

حاولت دفعه عنها بجنون و هي تهتف

( أيها المتوحش الطاغية ... لن أمتثل الى أوامرك , و لن تستطيع اخراسي ابدا .... ... .... )

ابتسم قاصي ابتسامة تلاعبت بقلبها المتداعي و قال بخفوت مفاجىء

( أستطيع تقبيلك و حينهار ستخرسين على الفور .... )

رمشت بعينيها و تأثرت بمداعبته الخشنة , لها للحظة .... الا أنها تمكنت من الهتاف بعنف و غضب

( توقف عن سخريتك المقيتة ..... أتظن نفسك بطل أحد أفلام رعاة الأبقار ؟!! ..... )

اتسعت ابتسامته حتى بانت اسنانه و غزت قلبها , ثم قال بنبرة مداعبة

( تعالي لنمثل فيلما لرعاة الأبقار ...... نحن وحدنا و يحق لنا القدر الذي نريده من الجنون .... )

صمتت تيماء و هي تلهث بعنف , غير مستوعبة ... تهز رأسها بعدم تصديق , ثم همست بذهول

( كيف تمتلك القدرة على المزاح ؟!!! ..... من أين لك بمثل هذه السادية , لقد ذبحتني ..... لقد ذبحتني حرفيا و ها أنت تقف أمامي تمزح بمنتهى البساطة !! ...... )

تأوه قاصي و قال بنبرة متملقة و صوت أجش

( لا تبالغي بمأساوية يا تيماء ...... أنا لم أذبحك , و أنتِ لا تكرهينني الى هذا الحد ..... دعينا نتفاهم .... )

فغرت شفتيها اكثر , كانت ببساطة غير قادرة على استيعابه .... كان هذا التفاوت في ردات فعله يرهقها ... بل يحرقها نفسيا ....

رفع قاصي يده و غطى بها عنقها ثم مال بوجهه ليهمس امام وجنتها

( مرت خمسة ايام يا تيماء .... .... )

ابتلعت ريقها و الغصة الحادة , فتحرك عنقها تحت كفه و هي تهمس بجمود

( ماذا تقصد ؟؟ .......... )

رفع عينيه الى عينيها الميتتين و هي تنظر اليه نظرة طعنته في الصميم ..... ثم تابعت بنبرة اكثر جمودا

( هل تريد اخذ حقوقك الشرعية مني مجددا ؟!! ...... هل تتخيل أن أرتمي في أحضانك بضعف مخزي كالمرة السابقة ؟!! ..... أخبرتك عن سبب قبولي بك , كانت لحظة عذاب و انتهت .... )

قال قاصي مكررا بنبرة عميقة

( مخزي ؟!! .......... )

عضت على باطن شفتيها و هي ترى بأنها قد نالت من كبرياء رجولته , الا انها قست قلبها و قالت بشدة

( نعم .... و لن تتكرر ......و لعلمك , لست مفتونة بالأمر كثيرا و أنت خير من يعلم ذلك .....)

ساد صمت كئيب بينهما ... بينما شحبت ملامح قاصي قليلا ثم قال بصوت خافت

( أعلم ..... وأستطيع تغيير ذلك , لو منحتني الفرصة ..... لحظة الضعف المخزي كما تطلقين عليها بامكاني تكرارها .... )

ارتفع حاجبيها قليلا ..... و امتقع وجهها , ثم همست من بين اسنانها

( ايها الوغد !! ......... )

صمتت و قد اختنقت الكلمات في حلقها , الا أنها لم تلبث أن ضربته في صدره بكلتا قبضتيها و هي تهتف

( تريد حقوقك ؟!! ...... خذها .... خذها .... ليس عليك سوى اغتصابي .... )

ظل قاصي واقفا أمامها كالطود بينما هي تستفزه الى أقصى حدود سيطرته .... فضربت صدره مجددا بقبضتيها هاتفة من بين أسنانها

( هيا ..... اغتصبني .... مارس رجولتك ..... هيا ,...... )

لم يتحرك قاصي من مكانه .... بل تركها تتصرف كما يحلو لها و ظل واقفا أمامها يراقبها بصمت ...

الا أن صوتها علا و هي تهتف لتضربه مرة ثالثة

( هيا .... خذ حقوقك ....... )

قال قاصي أخيرا بصوت جامد

( أخفضي صوتك ..... فأنت حتما لا تريدين أن يظن جيرانك , جارتهم البريئة الطفولية , تعاني من هذا القدر من الماسوشية ..... )

الا أن تيماء كان الغضب قد استبد بها حتى تحول الى عاصفة و هي تضربه مجددا صارخة

( هيا ..... خذ حقوقك ..... انتزعها ....... )

حينها أمسك بها قاصي يجرها بعيدا عن الباب و هي تقاومه بشراسة .... الى ان دفعها لمنتصف غرفة الجلوس ..... ثم تركها ووضع يديه في خصره ناظرا اليها بغضب بدا في الاشتعال ثم قال

( هيا .... تابعي عرضك المسرحي , فأنا أستمتع به ....... )

صرخت تيماء و ضربته مجددا بكل قوتها على صدره دون أن تهتز به عضلة واحدة .... بل تركها تفعل , و هي تهتف بعنف

( أيها الحقير ....... أيها الحقير ...... )

شعرت فجأة بالتعب و الدوار , فتشبثت بقميصه بكلتا قبضتيها و تتنفس بمجهود .... حينها فقط امتدت يدي قاصي و أمسك بخصرها يسندها , ثم قال بجفاء خافت

( هل اكتفيتِ ؟؟ ....... )

هتفت بغضب مجهد ...

( لااااااا ..... لم أكتفي و لن أكتفي الا بموتك ..... )

شعرت بأصابعه تتشبث بخصرها لدرجة آلمتها , فتأوهت بصمت بينما قال قاصي بصوت خافت عميق

( أتتمنين موتي يا تيماء ؟؟........ )

عضت على شفتها و هي تطبق جنيها بشدة , كي لا تبكي .... بينما هتف قلبها صارخا

" لا .... لا ..... سأموت قبلك ..... "

الا أنها رفعت وجهها المجهد تنظر اليه بعينين غائرتين ... ثم قالت بصوت قاتم خافت

( طلقني ........ )

أظلمت عينا قاصي و تصلبت ملامحه فجأة .... ثم قال بصوت جامد كالصخر مشددا على كل حرف

( سيكون قتلك لي اسهل يا تيمائي ...... )

ارتجفت شفتيها للحظة و هي تنظر الى عمق عينيه الحارتين , فابتعدت عنه بتعب توليه ظهرها .... حينها قال بخفوت من خلفها

( هل هدأتِ الآن ؟!!..... لم أكن أريد سوى الكلام معك , ليس لدي أي أفكار اخرى .... )

كتفت تيماء ذراعيها و هي تغمض عينيها بألم دون أن تستدير اليه ....

الا أنها سمعت صوت خطواته تقترب منها الى ان أصبح خلفها مباشرة ....

ارتجفت بشدة حين التفت ذراعاه حولها يضمها اليه برفق حتى الصق ظهرها بصدره , حاولت الابتعاد بتخاذل الا أنه همس في اذنها برفق

( اهدئي ....... و اسمعيني جيدا ...... )

أصدرت أنينا منهكا الا أنه ضمها اليه أكثر و همس في أذنها بصوت أجش

( لم ألمسها ......... لم تكن زوجتي الا اسما فقط .... )

تسمرت تيماء مكانها و ارتجفت شفتاها , لحظة ارتياح خائنة اجتاحت كيانها كله .... فهمس قاصي متابعا

( أنا لم ألمس أي امرأة اخرى منذ أن عرفتك ...... )

فغرت تيماء شفتيها المرتجفتين و همست ببطىء

( أهذا هو ما اردت قوله ؟!! ..... هل هذا هو عذرك ؟؟......)

هز قاصي رأسه نفيا وهو يشدد من ضمها اليه كي لا تهرب ..... ثم قال بنفس الصوت الأجش

( ليس عذرا .... لكنها حقيقة , يتوجب عليك معرفتها ..... )

رمشت تيماء بعينيها و هي تنظر لاعلى كي لا تبكي , ثم قالت بصوت مختنق بغصة في حلقها

( حقيقتك لا تهمني في شيء يا قاصي .... عد اليها و ابدا معها حياة جديدة , أما أنا فلا تأمل في ان نتابع ذلك الحلم المزيف معا مطلقا .... )

جذبها من ذراعيها فجأة بعنف حتى دارت حول نفسها فترنحت الا انه امسكها بقوة و نظر الي عينيها بعينيه المشتعلتين ثم قال بصوت غريب

( أتظنين أنكِ قد تخدعيني ببرودك المزيف هذا ؟!! .... لو أنا اقتربت من امرأة أخرى يا تيماء فستموتين في اللحظة ألف مرة ...... )

ضحكت ضحكة كلها قهر و هي تهز رأسها هامسة

( يا لغرورك!! ..... لقد وصلت الى حد جنون العظمة ..... )

قال قاصي بعنف

( بل ثقة في حبك ........ )

أبعدت وجهها و هي تقول بصوت ميت

( سأقتله ..... سأقتل هذا الحب با قاصي ...... )

رد عليها قاصي بصوت مرتجف قليلا

( وإن نجحتِ في قتلك حبك لي فهل ستتمكنين من قتل ابني معه ؟!! ......... )

انتفضت تيماء بقوة و هي تهمس بعدم فهم

( ابنك ؟!!! ......... .... )

مد قاصي يده ليضعها على معدتها المسطحة وهو يقول بخفوت حنون

( قد تكونين حامل الآن ........)

ارتجفت تيماء بشدة .... , لم تفكر بهذا الإحتمال من قبل !! .... بهت لونها بشدة و هي تقول بتعثر

( هذا احتمال بعيد ......)

قال قاصي ببساطة

( الا أنه يظل قائما .........)

ردت تيماء بعنف و هي تبتعد عنه بالقوة

( حينها سنتصرف كأي والدين منفصلين و متحضرين ..... )

لم تتوقع أن يرجع رأسه للخلف ليضح عاليا و بقوة ... ضحكة جعلتها ترتجف أكثر , الى ان انتهى تماما , فنظر اليها بعينين غاضبتين ... مخيفتين !! ... على الرغم من ضحكته الصاخبة ...

ثم قال اخيرا بصوت شرس , لا يمت للمرح بصلة .....

( بعد الحياة التي عشتها .... اتتخيلين أن احرم ابني من بيت ووالدين ؟!! .... والله لن يحدث يا تيماء ... أنت تتحججين بالحجة الخطأ مع الشخص الأكثر خطأ ..... )

هتفت تيماء بقوة و عنف

( انت تتصرف و تحكم كما و كأنك متأكد من حملي !! ....... )

ضيق قاصي عينيه و قال بصوت صلب شديد الصدق

( أنا اتمنى هذا الولد يا تيماء .... أتمنى ابنك الذي سيحمل اسمي ..... إنها الرغبة الأكثر سيطرة على حياتي كلها .... )

هتفت تيماء بقوة تمنع عن نفسها سحر التأثر بكلماته ...

( لديك ابن بالفعل ........ )

رد عليها قاصي بنفس العنف

( لا يحمل اسمي ........ )

فصرخت تيماء بقوة

( الا أنه الاسم الذي تريده .... و لهذا ابقيت عليه و تزوجت من أمه ...... )

صمت قاصي و تراخت عضلاته قليلا وهو ينظر اليها طويلا قبل ان يقول برفق

( لطالما علمت أنكِ ذكية يا تيماء ..... )

ابتسمت تيماء بمرارة و هي تهمس ملوحة بذراعيها

( ليس ذكاء يا قاصي ..... انما أعرفك أكثر من نفسك .... أفهمك أكثر من كل البشر ..... )

اقترب منها خطوة الا أنها تراجعت عنه برفض , فقال بقوة

( و طالما أنكِ تفهمين ما أعيشه و ما أريده .... لماذا تصعبين الأمور ؟؟ ..... )

هتفت تيماء بقسوة

( أصعب الأمور ؟!! .......... هل أنت مجنوووووون ؟؟ ..... )

أغمضت عينيها و هي تحاول السيطرة على نفسها , ثم فتحتهما و نظرت الى عينيه قائلة بهدوء

( قاصي .... لقد سمعت منك كل ما أردت قوله , و الآن عليك سماعي .... أنا سأسافر في منحة , ستسمر لأربع سنوات تقريبا ....سأبتعد عنك للأبد .... انساني أرجوك و كفاني ما نالني منك ... . )

صدرت منه ضحكة ساخرة .... ثم طال الصمت بينهما وهو ينظر اليها بنظرة غير مريحة , الى ان قال اخيرا

( كان عليك التفكير في ذلك قبل الزواج مني ...... فأنا لن أسمح لكِ بالسفر , و لن أحررك .... )

Continue Reading

You'll Also Like

241 88 12
ليست رواية انها فقط مجرد اقتباسات وإسكربتات للمتعة ومجموعة من القصاصات الصغيرة هنا سأحكي عن تلك التراهات التي تراودني كل ليلة قبل نومي... وشكراً...
239K 12.6K 25
احبك مو محبه ناس للناس ❤ ولا عشگي مثل باقي اليعشگون✋ احبك من ضمير وگلب واحساس👈💞 واليوم الما اشوفك تعمه العيون👀 وحق من كفل زينب ذاك عباس ✌ اخذ روحي...
258 76 15
اكشن رومانسي حركة اجتماعي
4.3K 1.5K 14
رامبو ايدوغاوا في هذه الجريمة ، اخذت بعض الظواهر على انها حقائق منذ اللحظة الاولى ، و ذلك بدلاً من محاولة التأكد من انها حقائق فعلاً الجشع الشهوة ال...