خريف | Autumn

By Rarlas

2.3K 228 159

خريف, قصةُ العزلة, الكآبة والعجز بعد الفقد.. واقعٌ بريشةٍ خيالية, ذاتُ رذاذٍ لامعٍ بالأمل, دافئٍ بالمحبة, ومل... More

Autumn | خريف
Chapter 1
Chapter 2
Chapter 3
Chapter 5
Chapter 6-1
Chapter 6-2
Chapter 7-1
Chapter 7-2
chapter 8-1
Chapter 8-2
Chapter 9-1
Chapter 9-2
Chapter 10-1
Chapter 10-2
Chapter 11-1
Chapter 11-2
Chapter 12-1
Chapter 12-2
Chapter 13-1
Chapter 13-2
Chapter 14-1
Chapter 14-2
Chapter 15
The Epilogue.

Chapter 4

93 11 5
By Rarlas

"حياة الفراشة قصيرة جداً, مع أن إجتهادها عندما كانت يرقة, يستحق أن يكافئ بشئ كبير, كأن تعيش أطول مثلاً! لكن هذه دورة حياتها, وهذه دورة حياتنا! نولد ضعافاً لا نقدر على شئ بدون والدينا, الإهتمام والأمان, الحب والرعاية.. هذا مانحتاجه, ثم عندما نكبر نستقر ونتوازن بأنفسنا, نحقق طموحاتنا أو نتغلب على مصاعبنا, قد ننجح وقد نفشل, وقد نتدمر أثناء النجاح, أو قد نموت قبل أن نحقق ما نريد! لكن ما يبعث في قلبك الطمأنينة, أن أقدارنا, أنا وأنت كُتبت قبل أن نأتي على وجه هذه الدنيا!"
*
استمرَّت بقية الأيام بروتين موحش! لا أعرف الوقت ولا اليوم, غرفتي مظلمة دوماً, وتفوح منها رائحة الكآبة!!
أنام لأصحوا فأبكي ولأنام مجدداً.. لا أتناول شيئاً من الطعام.. أفقد الوعيَ كثيراً وأدخل المشفى أكثر!! صرت أتغذّى على أقراص دواء وماءٍ فحسب.. حاولت أمي مراراً وتكراراً إقناعي بالتغيير وأن هذه العُزلة لا تفيد, حاولت إقناعي بالخضوع لـطبيبٍ نفسيّ, لكني كنت أكتفي بالنظر إليها نظرة خالية من التعبير كما هو حال وجهي!!
فتعذل عن الفكرة, استطاعت أريج التغلب على حالتها النفسية والمقاومة, كانت تدرس الطب لذلك انشغلت عنا كثيراً وبات حلمها أن تكون أشهر دكتورة طبٍ بشري! كانت عندما غادرنا أبي في منتصف سنتها الثانية والان تكدح بجهدٍ لتنتهي منها.. ولا يبخل أحد من عائلتنا بمساعدتها.. وعلى هذه الحال بقيت أنا وانتصرت هي!!

لقد قالت والدتي أن خالتي أسماء أنجبت توأماً لطيفاً اليوم, يوم ميلاد الصغيرين كيوم ميلاد خالتي, الثالث من تشرين الأول..
لذا قررت في هذا اليوم البدأ في تحليل نفسي ومرضي ومعضلتي, وأردت أن أجعل قدوم أطفال خالتي بشيراً جيداً وفأل خير!
جلست وتنهدت بعمق, رحت أفكر في ما آلت إليه حالتي, إلى مشاكلي الضخمة..
قررت تصغير الأمر مجدداً, فبدأت. لعلّ مشكلتي الاولى هي المدة! كنت أتجنب سماعها ومعرفتها, لكن لم؟
مهلاً مهلاً, دعيني أسأل بطريقة اخرى.. كم هي المدة التي استمريت بها وأنت يا أنا على هذه الحال؟؟
- لا أعرف.. حسناً أنا أعرف أني أعرف لكني أتجنب الإجابة!
يبدو أن الفكرة فاشلة, سأحاول التفكير في الذي يجعلني لا أريد تذكر المدة!!.
ربما لأنها تقترن بمعرفة مدة غياب أبي عنا.. أو لأني أُضطر لتذكر تاريخ غيابه الأبديّ مع أني أتذكره.. السبب غير واضح بعد.
سأتذكرها وإن لم أُرد تذكرها.. خيّم الصمت أرجاء عقلي وكأني أتذكر, بدت على ملامحي الرغبة في سماع المدة لا التفكير بها, حاولت النطق لكن لساني أصبح كـكتلة من الحجر, لم أفهم مالسبب!!
حاولت أن أجد أنفاسي الضائعة، فقلت بضعف، *توفي والدي في ال.. ذاك التاريخ!*
أغمضت عيني وتنهدت بقوة * توفي يوم الاربعاء* مسحت وجهي علامة رضىً.. *توفي يوم الاربعاء* * الاربعاء* *اجل, الاربعاء, في آيار, الثلاثون منه* إرتسمت بسمة صغيرة على وجهي, كنت أتنفس بصعوبة وكأني أغرق, أحاول شفط الهواء, وكأنما ذُبحت لتوّي وقُصَّت حنجرتي!
*المدة تماماً, ااااه* كنت سأبكي لو أنني لم أقف مسرعة.. بدأت أمشي جيئةً وذهاباً, أمشي ببطءٍ بسبب خمول عضلات قدميّ..
*خمسة أشهر على أكثر تقدير* نطقتها بصعوبة وتنهدت، إبتسمت إبتسامة نصر..
لم أتذكر شيئاً سوى أنني إرتميت على سريري!
*
استيقظت مرتعبة على صوت أمي, في الرابع من تشرين الأول..
لقد نمت ليلة البارحة وأنا مبتسمة! كانت تلوح نظرة فرحٍ عارمٍ على وجه أمي تتخللها مسحة عجيبة من الحزن.. قدمت لي الأقراص والمياه.. وهي تقول:
* حبيبتي, أريدك أن تشفي, ساعدي نفسك وبهدوء.. لا تخافي, أنت امرأة قوية *
تأملت سعادتها العارمة بفرح شفاف.. قالت لي إن هذه أول مرةٍ أنام فيها لأكثر من ثلات ساعات..
خرجت أمي وعدت من جديد..
*أين توقفنا يا أنا؟؟ صحيح المدة.. أعتقد أنني حللت مشكلتها نوعاً ما, لم يعد يقلقني أمرها..*
الأمر المريب هو نظرة أمي.. أفهم أمي أحياناً أكثر حتى من أبي فقط بالنظر لـعينيها, ثم يتأكد حدسي دوماً بأن تعود وتخبرني بما حصل.. تستغرب أنني عرفت! لم تعلم أن عيونها تحادثني, لكن هذا الامر غريب, حروف مبعثرة لا أستطيع جمع شتاتها..
* الأمر صعب, لنذهب للاسهل.. لم لا أتحدث مع عائلتي؟ ماهي المشكلة بالضبط؟*
المشكلة كبيرة, لا أقوى على رؤيتنا بدون أبي! تفرقنا بالفعل, أمي تكاد تتمزق بيني وبين أريج وقاسم.. فـقاسم يعمل جاهداً ليل نهارٍ لـيُكمل منزله القابع فوق منزلنا ويتزوج, تحصّل على بعثة دراسة من كلية الطيران, يسافر بعد عدة أشهر..
أما أريج, ستكمل دراستها خارجاً, هي وخطيبها بعد عدة أشهر كذلك.. تحصّلت عليها بسبب تفوقها في الدراسة.. لذلك, سيكون زفافهما واحداً, وفي النهاية سنبقى أنا ووالدتي وحدنا.. وأريد الخروج من حالتي هذه لعلّي أُخفِّف عنها..
بأي حالٍ من الأحوال, سـأعتاد, لقد رحل أبي منذ مدة, وانقطعت عن دراستي الجامعية التي لم أبدأها بعد!!
يجب أن أعتاد الوضع لأنني أظن أن المسألة أخذت مايكفي من الوقت!!
تنهدت بعمقٍ, وسرحت, خطر ببالي أنني حللت مشكلة خروجي من غرفتي, أستطيع فقط أن أخرج وأطلب من أمي التحدث مع قاسم ليعمل على إجرآءات دراستي..
*سهل, سهل جداً *
قلتها ولم أشعر سوى بدموع حارقة تنهمر على وجهي البارد, ألقيت بظهري على السرير بعد أن كنت جالسة.. أردت الغرق في ذاك البحر من جديد..لا أريد لحياتي أن تبدأ من بعدك..
انتهت حياتي بالفعل, أنا ميتة الان, كل ما أفكر فيه هو حياة جديدة لشبحي, روحي معلقة معك.. معك أنت لا أحد غيرك..
كنت خائفة, جداً خائفة من كل شئ..
أخاف أن أخرج وأعتاد عليهم فيرحلون مجدداً..
أخاف لهجرتي أن تنتهي مدة إقامتي فيها!!
أخاف أن أبقى وحدي خارجاً..
أخاف أن أعود لحالتي هذه بعد أن أخرج منها, أريد أن أبقى هكذا!! فإما أن أنجح وأتخطاها أو أبقى كما أنا الان..
أخاف من الخوف نفسه!!
أخاف كثيراً بدونك, لا أمان لي بدونك, لا أحاسيس لي بدونك, لا أمل فيّ بدونك, لا مشاعر نابضة بدونك.. *أخاف* قلتها وقد خنقتني العبرات.. *أخاف من كوابيسي أن تعود!* تعالت شهقاتي..
*أخاف من العجوز, وأخاف من الغيوم البارقة الراعدة, أخاف من كلامهم الساحق, وأخاف من الشاحنات الكبيرة.. أخاف جداً, ليتني ألحقك لأريحك من أنين بكائي*
*أواه يا أبي, لم لم أتغير! لم لم تساعدني؟ أهجرت دورك كـأبٍ منذ زمن بعيد؟ .. هل أعذبك الان ببكائي؟؟ أعتذر, لا أستطيع التوقف..*
صرت أجهش بالبكاء, جاءت أمي مسرعة.. لم أفتح عيني مطلقاً, جلستْ بقربي واكتفيت بالارتماء في حضنها.. بكيت بمرارة..
كانت تقول كلاماً لم أُرد سماعه.. لكني سمعت بشكل لا إراديًّ صوتها تتلوا القرآن, إرتحت كثيراً..
غفوت, وعندما أفقت وجدت كوب ماء شربته وجلست..
لم أعرف مالساعة ولا اليوم, كم المدة التي نمتها؟ لا أعرف!!
*
سئمت مني, لا أريد الخروج من حالتي هذه ولا أريد البقاء فيها..
لا أريد شيئا!! فقط نومٌ أبديّ, تعبت الفشل رغم أن الوقت مبكر على الاستسلام! إلا أنه كان هناك شئ ما يمنعني ويجهدني ويضربني..
بعد التفكير الطويل, أحس وكأن جسمي دهسته شاحنة!!
أتعرف يا أبي ما أريد؟؟ أريد أن أفقد ذاكرتي.. أجل هو أفضل حلّ!
فقدان ذاكرة ثم لا شئ يحصل! حياة عادية وينتهي الموضوع!
ولم لا أنتحر! يكون الامر أسهل هكذا.. فشلت محاولاتي السابقة، تناول جرعات زائدة من الحبوب لم تجدي ولا قتلي باستخدام مكيف الهواء وتجميد الغرفة! لم ينجح أي منها.. ففي كل مرة تتدخل أمي! وأنا لا أستطيع أن أفكر بطرق أكثر من هذه لا تستطيع أمي أن تمنعني من تنفيدها!
أمي, إنسانة عظيمة! عظيمة بمعنى الحرف والكلمة.. امرأة قوية صبورة! تمنيت لو أكون مثلها لكن هذا صعب!
حاولت أن أقلدها ولم أنجح! مالسر الغريب الذي تخفيه ومالذي يجعلها بتلك القوة!
في الماضي أذكر أنني لم أملك شيئاً مخيفاً مميزاً سوى عينيّ..
كنت أنظر بهما نظرة غريبة, وكأنني أُنوّم الشخص مغناطيسيّاً, فينتهي الموضوع كما أريد!
أمي لا عينان كعينيّ ولا مبسم كـمبسم أبي ولا صوت كـصوت أريج, ولا صلابة كـصلابة قاسم! مالمختلف!!
ألم تفقد الامل في نهوضي؟ خمسة أشهر وأنا هكذا!!
مذهلة يا أمي, انقطعت كل الحبال التي تربطني بالعالم, حتى صلاتي لم أحافظ عليها, لا شئ ولا أحد سواها..
الوحيدة التي لم تيأس!! أهذا هو المرعب في أمي! ثقتها؟؟ إحتمالها؟؟ عدم يأسها؟؟ إنها تبذل المستحيل في سبيل عودتي.. إنها متعبة من كدمات الحياة المتتالية, وأنا الان أُضاعف من تعبها! أمي فقط لأجلك سأعود..
تنهدت بقوة جعلتني أشعر بقليل من الراحة, تلك الصخرة العالقة في صدري إنزاح منها شئ ما.. أصبحت أخفّ من السابق..
فكرت قليلاً في الذي يجعلني محبوسة هنا, والذي يمنعني من النزول للمخاوف والمحاولة!!
أنا, أمنع نفسي وبدون سبب, صرت أؤمن بالمقولة:
*لا أحد يقسوا عليك مثل نفسك! عندما تتشبّث بأشياء تسبب لك الكثير من الوجع والألم, وعندما تتذكر كل أسباب الحزن, وثم تتجاهل ألف شئٍ قد يسعدك!*
*
كانت حياتنا في السابق مجرد روتين, كنت تكسره دوماً بشئ ما.. وفي أحد الأيام, كسرته ياأبي بشئ غريب..
طلبتنا أن نغنّي! ضحكنا واستغربنا كالعادة! عذل قاسم عن الفكرة بفتور, لكنك ابتسمت في وجهه! ابتسامة فحسب!! فكان هو أول من سمعنا صوته.. ومالبثنا كثيراً إلا وقد نهرته بسبب سوء صوته..
غنينا, وكانت بسماتنا تلوح في الافق.. لم تغادرنا يوماً تلك البسمة.. راحت الان بدونك, خطفتها منا.. يالك من مجرمٍ قاسٍ!! كـمحامٍ أخذت حقوقك منا, أو بالأحرى مني أنا!! أخذت البسمة التي كنت أنت سببها, أخذت الامل الذي كنت أنت تبعثه, وأخذت روحي بجوارك.. أليس لدى المحامين شفقة؟
ألم تشفق عليّ.. أعلم جيداً أنك تعلم أنني أعلم أني أبحث عن أسباب واهية, لا أساس لها من الصحة!
أنت مذهل, تأتي في موقف المجرم والمحامي وأيضاً في الدفاع والادانة.. قد ترأف بي يوماً و... أو أصبح مثلك يوماً آخر..

لست أدري بمَ أشعر تماماً! ربما هي الوحدة! صحيح؟ أتذكر أنك قلت إن الوحدة أسوأ مايحصل مع الإنسان, وأتذكر كيف أن أريج جاءت بصحون الغذاء فتوقفت عن إكمال حديثك! شعرت بأنك لا تريد منهم أن يعلموا رأيك في الوحدة, فآثرت الصمت أنا أيضاً! وبعدها نسيت سؤالك عن الموضوع مجدداً!
أبي, سأخبرك برأيي أنا في الوحدة, وأظن أنه كرأيك تماماً!
الوحدة, كلمة فسّرها كل شخص على هواه!
لا أجد لها تفسيراً ولا معنىً واحداً..
الوحدة, أن تحس بظمأٍ ولا يوجد قربك ماء.
الوحدة, أن تشعر بالالم والسمُّ يسري في عروقك ولا يوجد لديك ترياق.
الوحدة, أن تتمنى توقف الأوجاع وليس لديك زر التحكم فيها..
الوحدة, أن تقول أنا بخير ولا خير فيك ولا أنت فيه.
الوحدة, أن تكون إرادتك شخصاً ولا تستطيع الوصول إليه.
الوحدة, أن تكون مشتاقاً وليس بيدك الذهاب.
الوحدة, أن تريد ولا تستطيع الأخذ.. تتألم فقط لـلوحدة.
الوحدة ليست بالضرورة أن تكون وحيداً, قد تشعر بالوحدة مع أنك في قلب الزحام..
كنت كاتبة, أكتب قصصاً فيها روح الدعابة والمرح, ثم انتقلت للروايات العاطفية.. والان أين أنا من هذه الدعابة والمرح والعاطفة؟
قتلت يا أبي, قتلت وانتهيت مذ رحلت, منذ اغمائتي الاخيرة وأنا ميتة, أسير بجسدٍ هشّ كأجساد الموتى, شبح الموت يلوح فوقي!
وهأنذي.. أمرّ بلحظات عصيبة, أودُّ الرجوع لحالتي السابقة.. مع أني أعرف أنه قد تغير الكثير, جلستنا وضحكتنا وفرحنا تغير..
تشتتنا أجل, كل منا يكاد ينسى أمر غيره, ضاعت عائلتنا..
أعتذر عن تعذيبي لك وعن إهمالي لكني لست بخيرٍ أبداً..
ألا تحس بأنني جننت يا أبي! هل تسمعني على الاقل؟؟
*
جاء اليوم الخامس من الشهر.. وجاءت أمي كعادتها.. تحدثت إليها لأول مرة بعد خمسة أشهر. لم أتحدث بحيت تسمع صوتي واضحاً.. كانت تسمعه بعينيها وتترجم كلماتي المبهمة بقلبها, وهي تتصرف تبعاً لغريزة أمومتها الغريبة.. ساعدتني في الذهاب لدورة المياه.. اغتسلت غسل التوبة..
قررت أن أتوب وأرجع إلى الله, عليّ أن أعود لحياتي وأساعدنا.. رأيت من النافذة شروق الشمس, أحسست أن حياة شبحي قد بدأت به, مجدداً!
أنا الان أحاول الاستيقاظ من غفوةٍ دامت خمسة أشهر..
دخلت غرفتي وصلّيت الفرض, أتبعته بصلاةٍ أخرى قضاءً لما فاتني وأنا ضائعة مغيبة عن الله..
جلست ودعوت ثم قرأت القرآن الكريم.. التحسن الذي شعرت به كان لا يصدق!! شعرت أنني أريد البكاء, لا لأجل أبي, بل لأجل ماكنت مبتعدة عنه وماكنت فيه من شرك!!
كانت الساعة التاسعة صباحاً, عندما فتحت باب غرفتي وخرجت منها لوحدي وبإرادتي.. ذهبت لغرفة أمي, وجدتها خاشعة تصلي وتدعو وتبكي في وقت واحد..
لم أشأ مقاطعتها.. بعدما انتهت التفتت ودمعت عيناها من جديد, دمعت رغم الدموع الاولى التي لم تجف! لم تكن دموعها دموع حزن, كانت عيناها تبرقان فرحاً وابتهاجاً وأملاً..
سارعت إليّ واحتضنتني.. وباتت تهمس:
* علمت أنك ستفعلينها, علمت أنك ستعودين.. حمداً لله ياحبيبتي.. لقد أطلت غيابك.. رباه, كم اشتقت لك!!*
سمعتها!!! أجل سمعتها بقلبي, فهمت ماتقصده, عاد إلي سمعي!! حمداً لك يا رب..
* أعتذر * نطقتها مع بسمة وجدت طريقها عبر دموع غزيرة, كانت هذه البسمة الدافئة تنبع من صميم قلبي!
ابتسمت أخيراً, الابتسامة الصحيحة..
* أنظري لك كم تغيرت! لم أرك هكذا منذ زمن.. أنظري لك ولبسمتك التي لا تقارن ببسمة الموناليزا الباردة.. هأنت يابنتي.. رجعت إلي صغيرتي أخيراً *
أخذت كلانا تبكيان الألم والفراق, لم تنكف ينابيعٌ عانت وقاست ورأت الكثير عن البكاء..
أخذتني أمي لحديقتنا الخلفية, شربت والدتي كوب قهوة بينما اكتفيت بكأس ماءٍ وأقراصي.. كانت ممسكة بيدي طول الوقت, تراقب حركاتي وسكناتي كلها.. كانت تحادثني وتستمتع عند سماعها صوتي الغائب من خمسة أشهر..
وقفت أريد دخول غرفتي, شعرتُ بالغرابة وعدم الاطمئنان, جزعت أمي لرؤيتي أقف.. تلعثمت قائلة:
*إلى أين؟* حركت سبابتي نحو غرفتي..
قالت بهمس *لا بأس, هذا إنجاز.. عديني أن تخرجي وقت الغذاء!* أشرت بإبتسامة موافقة..
دخلت غرفتي وشعرت بالاكتئاب, ويلي لم أجد مايريحني, لا أريد الخروج ولا الدخول!!
بحثت عن هاتفي المحمول, وجدته في درج مكتبتي..
كان مغلقاً, وضعته في الشاحن وجلست على سريري..
مالجديد الذي طرأ ومالسئ الذي حصل؟؟
لا شئ يذكر! زرعت في قلب أمي سعادةً لا توصف.. فرحت لأني خرجت..
تأملت غرفتي, لم تكن بها أية فوضى, كانت أمي تمر لتنظف مكتبة كتبي العملاقة!! بطبيعة حالي كنت أعشق الكتب, لا أهتم بالهاتف ولا الانترنت ولا شئ سوى الكتب, كنت أيضاً أكتب قصصاً قصيرة و قصصاً عاطفية, لكني توقفت مذ رحل والدي!
كُسر زجاج بيت أفكاري بحجر مضئٍ من الهاتف.. تبين أنه قد فُتح ولم تكتمل تعبئته بعد.. أحضرته وبدأت التقليب!
مالذي تغير الان؟؟ أصدقائي الذين كانوا أكثر من مجرّد أسماءٍ في لائحة, لم يفرق غيابي عنهم!
كانت هناك فقط "أثير" التي حاولت ويأست نهايةً, لكنها على الاقل حاولت.. شعرت بصداعٍ غريب, أغلقت الهاتف وارتميت كجثةٍ هامدة, لم أفكر بشئ, فوجدتني حيث السماء, حيث تخلد أنت!
كانت هناك كلماتٌ تدور في ذهني دُرت أنا بعدها لدوامة الحلم..
*هذا الروتين القاتل المعتم ,لأكسره, أجل.. سأكسره يا سادة!! لتشهدوا بأني سأفعلها!! أحتاج فقط خمسة أيام تعوضني وتعوض والدتي عن الخمس أشهر!!*
ثم, ظلمة!

Continue Reading

You'll Also Like

6.5K 993 38
"هل خنتِ ثقة أحد من قبل يا أنجل؟" كان سؤاله هامسًا وجفناه مرتخيان. نظرتْ له بشرود. ما الذي يريده الآن؟ "لا. لستُ من النوع الخائن." أجابتْ بصرامة ثم ب...
82K 5.1K 46
Highest rank in #الحركةوالأكشن : #1 Highest rank in #crime : #3 Highest rank in #action : #8 Highest rank in #مغامرة : #18 Highest rank in #romance :...
411K 20.2K 53
كام جاب سجينه جبيره زحفت وابجي ::- شتريد سوي شتريد ::- تبقين مالتي تعجبيني بكلشي وراح اسوي طول عمرج مراح تفكرين اصلاً برجال غيري همست بوجع ::- شاه...
1.1K 76 5
رواية مترجمة ¦ مُعلّقة. هَربَت من زَواجٍ حَتمِي لزواجٍ مُباغتٍ آخرٍ. زعيم القبيلة وعروسهُ البديلة.