رأت باب غرفته مفتوحا فدخلت و تطلعت الى سريره المبعثر و ملابسه المتناثرة على السرير و لم تجده و استدارت بسرعة عندما اغلق الباب من خلفها و قالت باضطراب: "اخفتني"ضاقت عينيه و قال بحدة و الغضب باديا على شكله: "
اخبريني ما الذي يجري بينك و بينه؟
"قالت ببراءة مصطنعة:
"لا افهم عمن تتحدث"
اقترب و قال بغيظ: "صحيح ما يقوله؟ معقول انت تفعلين ذلك معه؟"
استدارت الى الناحية الاخرى و بقيت صامتة ادارها بعصبية قائلا: "اعترفي الان و لا تماطلي سلمت له؟
لا اصدق قولي انك لم تفعلي "
هي و بانفعال:
"لا يحق لك ان تحاسبني انا حرة
افرض ان ذلك صحيح"شدها من شعرها و قال منفعلا حتى فقدان الصواب:
"لكنت قتلتك"
دفعها و التصقت بمنضدة المرآة و هي تقول: "ما دخلك انت؟ ام انك تريد ان تحمي هاري ايضا مني؟"
اسرع و وضع يده على شفتيها ليغلق فمها و يقول بضعف: "ماذا تقولين؟ قولي انك تتظاهرين و انك كاذبة ارجوك"
و ابعد يده منتظرا ردها بتلهف قالت بعدم اكتراث: "السيد ياسر يريدك"
قال بنفاد صبر: "ارجوك اخبريني الحقيقة انا لا اصدق ابدا انا......... انا متضايق جدا"
قالت و هي متسلية بانفعاله: "احب هاري و يحبني"
ضحك بعصبية و قال: "صدقته؟ مازلت ساذجة تصدقين رجلا مثل هاري؟ انه يكذب انا اعرفه جيدا هو يريدك بك سوءا اخبرني بذلك اعلم انك لم تمنحيه فرصة
و"قاطعته قائلة بجدية مصطنعة:
"لا تقلق علي يا سيد زين لست بريئة كالسابق و متوطنة لكل شيء حتى لو كان يكذب علي فهذه ليست بجريمة امر طبيعي رجل مثله و مثل مقامه يقيم علاقة مع مجرد خادمة الحياة هكذا ربما يكون صادقا انا بالنسبة لي هو مكسب لديه مال كثير"
قال بنفور: "كيف تفكرين؟ انت افسدت حياتي كلها مازلت تعطين الضوء الاخضر لأبي مستغلة بذلك عدم قدرتي على اخباره و تقابلين هاري و تؤذيني انا بكل ذلك منذ فترة و انت تبذلين ما بوسعك لإغاظتي الا يكفي
"قالت بحقد مبطن: "
اتسلى عندما اراك تعيسا"
التقدت عينيه و قال: "لست تعيسا انت واهمة مستاء لعدم قدرتي على الاقل الان على ردعك ابي هو نقطة ضعفي لا اقدر ان اخبره ان الفتاة التي يمضي الوقت يغازلها كانت لي
"قالت بتحدي: "غاضبا و منهارا لأنك لم تحصل علي مجددا"
دفعها و قال بنفور: "لا اريدكلم اعد اريدك ابدا"
و ذهب الى الاسفل.
خفضت بصرها و قطبت جبينها أهو صادق بما يقول؟ لم يعد يريدها؟ لو يعلم كم هي مشتاقة اليه و قلبها محترق احبته بصدق منذ البداية منذ رأته و الان هي تموت عشقا به و يتمزق قلبها لما تفعله معه كل مرة تصده فيها تنهار و تتخاذل ابدا ليست سعيدة لما يحصل.
صحيح انها تراه مضطرب و لا ينعم بالهدوء و الراحة بسببها و هي بذلك تشعر برد اعتبارها امام نفسها لكنها ليست راضية و تود ان تنهي الامر معه و تكف عن ازعاجه و اغاظته و لكن هي قطعت وعدا على نفسها ان توصله الى الوقوع بحبها و تعذبه بذلك لحد الان لم يحبها هي واثقة من ذلك و تعرف جيدا لماذا يجن جنونه هكذا لأنه غير قادر على اخضاعها له مجددا غير قادر على النيل منها بعد
لن يكتفي قال لصديقه سابقا و الان ماذا الان؟ يبدو انه سئم منها و لم يعد بحاجة اليها ربما هو غاضب هكذا و مستاء لخصام خطيبته معه ربما هو مشتاق الى جيما فالفتاة تستحق جميلة و راقية بمستواه و مستوى عائلته.
عليها ان تتأكد من كلامه الاخير و الكارثة ستحل عليها لو فعلا كان كلامه جادا فستكون قد فشلت هي تلعب مع والده و صديقه كيف ستتخلص منهما لو قررت انهاء اللعبة؟
ليس عليها الا الهرب يجب ان تهرب ان تدهورت الامور.
هبطت السلم بتخاذل و هي تفكر بالأمر ان هربت كيف تستطيع ان تعيش وحدها و هل ستنسى حبه؟أ قادرة على فقدانه الى الابد و كيف ستواجه عالم وناس أخر و هي بقلب محطم؟
دخلت الصالة لترى ان كانوا بحاجة الى شيء و عندما رآها زين مقبلة قال بنبرة هادئة: "حسنا يا ابي سوف اصلح الامر مع جيما لا تقلق سندعوهم الليلة لتناول العشاء هنا و سأصلح كل شيء"توترت ملامحها و هي تقول بصعوبة:
"أمن خدمة اخرى سيد ياسر"
زين و بنبرة آمرة و مسيطرة: "تعالي انت اعطني الماء بسرعة هيا"
اقتربت و كانت زجاجة الماء و الكأس قريبا منه جدا و مع هذا اراد اذلالها و هذه المعامله جديدة على ما يبدو!
سكبت له الماء بأهداب خافقة و قدمت له الكأس لم يتناوله منها و قال باهتمام: "كيف ايرادات المزارع هذه الايام؟"
احرجت و هي تمسك بالكأس هكذا ياسر و بهدوء: "ليس على ما يرام هناك تكاسل من قبل الفلاحين حتى ان هناك الكثير من المشاكل و المحاصيل التي تلفت"
قال باحتقار و هي مازالت واقفة و تمسك الكأس قربه و يبدو متعمدا: "انت تعطي فرصة لهؤلاء الاوغاد ما كان ان نتعاطف مع هذه الاصناف الواطئة من الناس الفلاحين و العاملين و الخدم فهم بحاجة الى التعنيف و الحدة و القسوة لأنك لا تعلم ماذا يضمرون من حقد و غيره بداخلهم على اسيادهم"
و رمقها بنظرة و كان يعنيها و متعمدا ان يسمعها هذا الكلام المهم جدا بهذا الاسلوب الشديد القسوة الذي لم تعتاده منه و مسها بالصميم حتى ارتجفت يدها وقالت تريشا بسرعة:
"مهلا زين لماذا تتحدث بهذه الطريقة ليس ذنبهم ما يحدث المطر هو السبب"
قالت انجيلينا بوجه محتقن: "الماء يا سيدي" نهض و قال بعصبية: "انا سأتصرف مع هؤلاء من الان و صاعدا"
و مر و هو يضرب كتفها بكتفه بعنف مما ادى الى تناثر الماء بيدها على ملابسها و بقيت تنظر باتجاهه و هو يخرج و شعرت بالدوار حتى كأنها ستسقط الان و لم تستطيع حبس دموعها و بكائها
تريشا و بسرعة: "لا بأس انجيلينا تحملي انه عصبيا جدا"
ياسر و باستياء و تفكير: "نتحمله جميعا هذه الفترة فأن المشكلة التي حدثت بينه و بين خطيبته من جهة و بين صديقه من جهة اخرى يبدو انها اثرت على طباعه شكرا انجيلينا يمكنك الذهاب الان"
دخلت المطبخ و قالت سيلينا بسرعة: "ما بك انجيلينا؟ يا الهي لماذا لون وجهك هكذا..
قالت و هي تمرر يدها على جبينها و تمسح وجهها و عينيها و بنبرة واهنة: "اشعر بالتوعك"
كيشان وهو ينظف الارضية: "اذهبي عزيزتي الى غرفتك و استريحي"
قالت و هي تسكب لنفسها عصير ليمون و بضيق وبهوت: "لا استطيع لديهم اليوم ضيوف و علينا تجهيز انفسنا خطيبة السيد زين و عائلتها مدعوين على العشاء"
قطب نايل جبهته و نظر اليها مطولا ثم واصل عمله و قال بتبرة استخفاف: "لهذا انت متوعكة"
ابعدت الكأس عن شفتيها و قالت بانفعال: "ماذا تعني نايل ؟ انني اشعر بالغيرة؟ ذلك الرجل لم اعد اهتم لأمره الا تفهموا"
نظروا اليها جميعا نظرات زادت من انفعالها و غضبها فتركت لهم المكان و خرجت الى الحديقة الخلفية ثم تفاقم وضعها سوء و كآبة و خرجت الى المزارع لتستنشق الهواء النقي لعل ذلك يخفف من وطأة ما تشعر به.
سارت بشرود لمسافات لم تعدها و سالت دموعها بكثافة و ارتعدت اوصالها عندما تأملت غروب الشمس الحمراء وقت الشفق جالت ببصرها في هذا الفضاء حولها و حاولت السيطرة على نفسها امام الاخرين لا يجدر بها ان تكون موضع شفقة و الكل يشعروا بضعفها و فشلها ترددت على مسامعها كلماته و هي يهين كرامتها و عضت على شفتها عدة ضغوط الان تجعلها حزينة و يائسة من جهة اعتراف زين بعدم رغبته بها و اسلوبه المستبد قبل قليل لتحقيرها و من جهة حضور خطيبته الليلة و عودة المياه الى مجاريها.
استندت على جذع شجرة و اخفت وجهها و هي تفكر بجيما الفاتنة بالتأكيد سيعانقها و يقبلها و يذهب معها في سهرة ما و يمضيان الوقت معا يا ويلها لم تعد قادرة على الصبر تود ان تنتزع قلبها بيديها و تمزقه اربا لأنها مازالت مغرمة به و تشعر بالغيرة
كلامه الاخير الذي اسمعها اياه امام عائلته كان قاسيا عليها و اشعرها بحجمها الضئيل بالنسبة اليه تتمنى ان لا يعود مجددا الى هذا الاسلوب و يجرحها امام الاخرين.