الفصل ٢٣
فتحت سمر الباب الخلفي للمنزل ليتسلل منه الأربعة في الداخل ؛ يمنى وصالح ، ويونس ، وسالم ، بعد تنبيههم لهم من قبلها سابقًا في الهاتف؛ بوجود الزائرين الجدد في المنزل :
- هي عمتك في البيت بقالها فترة طويلة يابت؟
سأل سالم مخاطبًا سمر والتي أجابته على الفور :
- ايوة يابوي، اصلها جات من العصرية واحنا دلوكت الساعة داخلة على تمانية العشية ، وطول الوقت كانت بتسأل عليكم انتوا التلات واحنا كل شوية نطلعلها بحجة شكل .
- وه دا احنا دي تلاقيها قلقت على كدة .
قال يونس وهو يخلع الشال الصوفي من رقبته، فرد سالم بسأم :
- واحنا كنا نعرف يعني بجيتها، ماهي اللي طبت فجأة كمان ومدتناش فكرة بتلغراف ولا حتى تلفون .
اردف يونس بحيرة :
- ايوة بس احنا دلوك هانقولها ايه ، انه حجة دي اللي هانبرر بيها غيابنا احنا التلاتة، طول الوقت ده ؟
- اي حجة ياعمي وخلاص ، عمتي روحية طيبة أساسًَا وما افتكرش انها هاتكدب حد فينا ، المهم دلوقت ؛ احنا لازم نفكر ونشوف مكان لصالح يبات ويقعد فيه ، بعيد عن عمتي .
قال صالح من جهته ، وهو يقوم بخلع الرداء النسائي الأسود
ومعه غطاء الوجه :
- ياجماعة ماتشلوش همي ، انا هاطلع دلوقت ، اتصرفلي في نومة في جمب مداري في البلد ، ولو غلبت يعني هاطلع عالجبل ، ما انا ليا عشة هناك كنت قاعد فيها قبل ما اجيلكم .
هدر عليه سالم بصوت خفيض :
- تطلع الجبل كيف انت كمان ؟ هو انت ناقص لديب ولا حاجة عفشة هناك تهجم عليه في الدنيا الضلمة دلوقت .
تبسم له صالح وهو يتحرك لينزل بجسده جالسًا على حجر كبير وجده أمامه ، في ارض الحديقة :
- ياعم الوحوش والديابة امرها هين ، طلقة في الهوا وهاتخوفهم وتبعدهم عني ، انا خلاص اتعودت عليهم .
- طب والبرد الشديد اتعودت عليه برضوا كمان ؟
سألته يمنى برد فعلِ غاضب اثار الحنين بقلبه نحوها ، وتابعت :
- انت جسمك ضعيف وراسك لسة جرحها مطابش ، يعني انت مش حمل برد ولا انفعال حتى .
رد سالم أيضًا :
- عندها حق ياولدي ، دا السقعة في الوقت ده تنشف الدم وتجمد الحي في مكانه .
- ايوة انتوا الاتنين يعني هاتبيتوه فين يعني ، بعد الكلام والحديت دا كله .
اردف بها يونس بسأم ، فوجد الإجابة من ناحية أخرى :
- انا عملت حسابي من قبل ما تيجوا يابوي ، فرشت للأستاذ صالح في اؤضة الخزين بتاعة الغلة وحبوب القمح ، دا لو يرضى يعني .
قالتها سمر وهي تنظر صالح بخجل ، اثار ابتسامة داخله لقرب شبهها من طباع شقيقتها يمنى، فقال مشفقًا :
- وانا ليا حق اعترض واكسفك بعد ما قدرتيني وافتكرتِ فيا يااا.
- اسمها سمر ياولدي .
قالها سالم وأكمل له :
- كدة حلو قوي ، يالا انت روح مع سمر دلوك هاتوديك لفرشتك ، واحنا بقى هانلف وندخل من الباب التاني عشان نسلم على اختي ، ياللا يايونس ياللا يا يمنى .
اردف بكلماته الاَخيرة وهو يتحرك للخروج ، فتحرك خلفه شقيقه ، لكن يمنى تثاقلت اقدامها في التحرك ، بعد أن ذكرها برحيله المحتوم ، هتف ابيها بحزم :
- جري رجلك شوية يايمنى ، خلينا نطلع واختك تقفل الباب من جوا ، أومأت هي لأباها ثم خرجت بعد أن تقابلت عيناه بعينه حتى اختفت من أمامه ، تنهد صالح بثقل وكأنه يشعر بما تقوله بأعُينها
.............................
- عمتي روحية ، حمد الله عالسلامة ياجميل .
هتفت بها ندى بمرح فور أن طلت برأسها لداخل غرفة الجلوس ، التفتت اليها المرأة بصيحة هي الأخرى :
- اهلًا بالسنيورة الحلوة ندى ، تعالي بابت سلمي ، وحشتيني يابت الفرطوس .
دلفت اليها ندى راكضة بمرح ، فتلقفتها عمتها بالعناق وهي تقبلها باشتياق وهي تنكزها بقبضتها قائلة :
- ماتعرفيش تتصلي وتكلميني مع حتى مع امك في التلفون ، صغيرة انتِ على السؤال على عمتك يابت ؟ ها قوليلي صغيرة ؟
قهقهت ندى بضحكة جلجلت في قلب الغرفة ، فهتفت نجية من الناحية الأخرى :
- وطي صوتك يابت وخفي الضحك شوية ، في شباب في الأؤضة هنا قاعدين .
نزعت ندى من أحضان عمتها على الفور ، فقالت روحية مخاطبة لها :
- سيبك منها يابت مافيش حد غريب ، دا واد عمتك عيد مش فاكره؟
التفتت ندى على الجهة التي تشير اليها فتقابلت عيناها بأخرى بنية على وجه أسمر ضاحك حتى ظهرت أسنانه البيضاء ، يقول لها :
- انا مش حد غريب ، انا واد عمتك ، يعني اضحكي وخدي راحتك في الضحك كمان .
انخفصت عيناها من الخجل امامه مع ابتسامة كبيرة حاولت اخفائها ، لتجفل على نكزة أخرى من عمتها وهي تخاطبها :
- ما قالك انه مش غربب ، اتحركي يالا وروحي سلمي عليه .
خطت مضطرة نحوه حتى وصلت اليه لتمد اليه كفها على استيحاء ، قابله هو بمرح وهو يردف لها :
- وه وه وه ، دي بتتكسف صح ياجدعان ، الله يرحم خنقاتها معايا واحنا صغيرين ، فاكرة لما زقتيني في حوض الميا وابوكي بيسقي الأرض زمان ؟
انطلقت الضحكات الصاخبة من الجميع في قلب الغرفة ، وضعت هي كفها على فمها تداري ضحكتها ايضًا وتبتعد بخجل عنه ، قالت روحية بمشاكسة لابنها :
- ما انت اللي كنت خايب وحيلك مبتوت ، تعملك ايه هي بقى ؟
- لا والله ياما عمري ماكنت خايب ، دا هي اللي كانت عفريتة ودايمًا تاخدني على خوانه ومن ضهري ، صح ولا لاه ياندى ، عيني في عينك كدة وكدبيني لو كنت بتكلم غلط ، ها قولي ان كنت بتكلم غلط .
هزت برأسها اليه ، غير قادرة على الرد من فرط ضحكها أمامه ، هتفت روحية من خلفها :
- اهي اللي كانت عفريتة زمان ياخوي ، كبرت وادورت وبقت عروسة تملى العين والقلب ، ناقصها غير فارس خيال .
اومأ برأسه ضاحكًا يردد بمكر :
- ايوة ماانا واخد بالي .
واخد بالك من ايه ياناصح ؟
رددها خلفه سالم بمرح وهو يدلف الغرفة وخلفه يونس ويمنى أيضًا ، هتفت على اثره روحية وهي تنهض بتهليل :
- وه يامرحب يامرحب بالناس اللي غايبة من الصبح ومحدش شايفها .
- لساكي برضوا لسانك مسحوب ياروحية يابت ابوي .
قالها سالم قبل ان يعانق شقيقته ويرحب بها بشوق لقاء الأحباب .
.............................
بعد قليل كان الجميع مجتمعون على مائدة الطعام ، بتناولون وجبة العشاء في جو اسري افتقده الأشقاء منذ زمن طويل ، قالت روحية بمشاكسة كعادتها مخاطبة نجية :
- اهو وكلك الحلو ده يانجية ، هو اللي مخلي اخويا ماسك فيكي بيديه واسنانه .
ردت نجية على مشاكستها :
- يعني من غير الوكل الحلو ، سالم ما هايمسكش فيا بآيديه وسنانه ، طب انت ايه رأيك في الكلام ده ياابو العيال ؟
- رأيي ان اختي رأيها صح ؟
قالها وصمت يرى رد فعل زوجته التي سهمت بصدمة ، فعاد يردد ضاحكًا سالم :
- وانت كمان صح يام العيال ، هو انا اقدر استغني عنيك حتى لو ما طبختليش واصل حتى .
ضحك الجميع وتفاخرت نجية بزهو امام روحية التي تابعت موجهة خطابها لشقيقها الأصغر :
- واخد بالك انت ياحزين ، مش ناوي بقى تحل عقدتك انت كمان وتمسك في واحدة بيديك وسنانك ، ياواد عديت التلاتين سنة .
تأوه يونس بفكاهة قائلًا :
- يا بوووووي ، عليكِ يابت ابوي ماتفكرنيش ، دا انا لو عليا لكنت اتجوزت من عشر سنين وعبيت البيت بعيالي ، لكن اعمل ايه بقى في نقص الفلوس، ها قوليلي اعمل ايه ؟
ضحكت روحية بصوت عالي مرددة :
- ههههه كنت عايز تتجوز على عشرين سنة يايونس ، يخرب مطنك ، دا على كدة واد اختك عيد كمان كبر زيك مدام اهو هايقفل ٢٤ سنة .
- لا كدة بقى اللحق نفسي ياما .
قالها عيد ردًا على والدته واكمل وعيناه تركزت على ندى :
- على العموم انا برضك نفسي اتفتحت وعايز امشي على نصيحتك ياخال ، جوزيني يامااا.
انطلقت الضحكات مرة اخرى حتى اصبحت بقهقهة على دعابة عيد وجرأته، حتى التفتت روحية على يمنى التي كانت تبتسم بمجاملة شعرت بها عمتها فخاطبتها:
- وانت يا يمنى يا حتة بسبوسة انتِ ، بكرة ربنا هايكرمك بواحد حلو زيك كدة .
سبقت نجية في الرد ابنتها ورددت لروحية :
- والنبي يا حبيبتي ، العريس اللي زي العسل موجود ، بس هي تقول امين وتوافق .
التوى ثغر يمنى وقد علمت بما تلمح اليه والدتها ، ولكن اباها كان قام بالرد عنها :
- عسل ولا بصل حتى ، كل شئ نصيب، وهي نصيبها قاعد بأذن الله .
- والنبي عندك حق يا خوي في كل كلمة ، فعلا كل شى نصيب ، وكل بنت ومسيرها لبيت جوزها، مهما طال الزمن او قصر .
رددت روحية خلف شقيقها ، الجمت بكلماتها نجية على التكملة فيما تود التحدث فيه ، شعرت يمنى ببعض الارتياح ، ولكن مع تذكرها لصالح ونومته اليوم بين اشولة الغلال والحبوب ، شعرت بغصة في قلبها تحجر اللقيمة التي تمضغها وتجعل من الصعوبة في ابتلاعها ولو حتى بالماء .
................................
بعد انتهاء وجبة العشاء استمرت السمر بين روحية واشقائها ، واولادهم ، بالتحدث عن الذكريات القديمة ومواقف الطفولة بينهم ، وسخريتهم منها ، اندمجت ندى مع هذا الجو الاسري الجميل المرح ، ودعابات ابن عمتها هذا المدعو عيد وخفة ظله في اطلاق النكات ، بالإضافة الى تلميحاته نحوها بمكر يجعلها تشعر بالسعادة والفرح نحوه ، انتبهت على دوي هاتفها بالرقم الذي باتت تحفظه عن ظهر قلب ، زفرت داخلها ، تنظر للرقم بسأم وملل ، وهي لا تريد ترك الجلسة الجميلة هذه ، ولكن مع الحاحه اضطرت ان تستأذن للذهاب والرد على مكالمته بامتعاض ، تحركت بخطواتها لتبتعد عن الجمبع حتى دلفت لداخل الحديقة كالعادة ، ثم ردت على مضص :
- الووو....... ايوة ياكرم
وصلها صوته الملتهف بسرعة :
- ايوة ياندى ، توك ما افتكرتي تردي عليا ، برن عليكي فوق المية ، وانتِ ولا سائلة حتى برسالة على الوتس ، تحنى عليا بيها .
لوت ثغرها بضيق وردت ببعض اللطف :
- وانت عايزني ارد ليه يعني ياكرم ؟ ما انا قولتلك على اللي فيها ؛ ابويا مش موافق ياسيدي ، اعمل ايه انا بقى .
صاح بصوت جهوري يوشك على خرق اذنها :
- انتِ بتساليني ياندى ؟ ماتعرفيش توقفي في وشه وتتمسكي بيا ، ماتعرفيش تقوليله انا هاموت لو ماقبلتش بكرم خطيب ليا ، ماتعرفيش تهدديه بعدم جوازك العمر كله بواحد غير كرم .
فغرت فاهاها وهي تنظر للهاتف غير مصدقة لما يطلبه منها ، والحدة التي يتفوه في توجهيها لشئ غير مقتنعة لفعله .
- مابتروديش ليه ؟
قالها اخيرًا حينما استمرت على صمتها ولم ترد عليه ، فقالت هي بهدوء :
- بقولك ايه يا ابن الناس ، ماتسيب كل حاجة بإيد ربنا ، واللي يريد بيه ربنا يصير .
ردًا على كلماتها سألها بريبة :
- تقصدي ايه بكلامك ده ياندى .
اجابته بنفس الهدوء غير مبالية بحالته :
- يعني لو لينا نصيب بعض تمام ولو مافيش خلاص بقى ، لأن انا بصراحة مش هاقدر اعصى ابويا ولو على موتي حتى ، ماشي ياواد الناس ، سلام بقى عشان بيندهوني .
اغلقت المكالمة وذهبت عائدة لجلستها ، غير مكترثة لما قد يحدث منه بعد ذلك ، وغافلة عن من وقف بمحله متسمرًا بنظر في اثرها بدهشة ، بعد ان خرج بالصدفة من مخبأه ، وسمع لجميع ما قد قيل في المكالمة ، فوضعت بقلبه الحيرة ، انسته همه وماكان يشغل عقله من دقائق صغيرة ، قبل ان تدلف ويراها بداخل الحديقة .
..... يتبع