مأساة روز ✓

De ArwaSoliman4

57.3K 3.9K 817

لا نختار حياتنا بأيدينا ولا نختار قدرنا.. بل نُولد لنرى أنفسنا في مكانٍ لا نتخيله، لا نريده، نتمنى لو نختفي... Mais

اقتباس
مُقدمـة
1 - تمّ الإمساك به!
2 - الجارة الجديدة
3 - مسألةٍ مُعقدة
4 - يعيش اللحظة
5 - مسافة الطريق
6 - لماذا قتلت!
7 - أمام وجهها
9 - انفجار مدويّ
10 - رمىٰ القنبلة في وجهها
11 - ثمن الحساب
12 - تمّ خطفها
13 - خبرٌ صادم وعاجل
14 - فاقدًا للوعي
15 - ليست الحياة وردية
16 - من دمه!
17 - من جاء؟
18 - ما الخطوة القادمة!
19 - تزداد النيران
20 - هل ستكون النهاية؟
21 - من أنتِ؟
22 - الحياة ليست عادلة
23 - اتشاهدي على روحك
24 - بوليس الآداب
25 - سيُقتل!
26 - تتمنى الموت!
27 - آكلة لكلّ شيء
28 - على أي نحوٍ!
29 - بصدرٍ رحب
30 - صرخة فزِعة باسمه
31 - أريد خَبرُها
32 - ثمانية وأربعونَ ساعةٍ
33 - صورة بِـ عيون من تُحبين
34 - وَقعت بَين يَديه
35 - الأخير
الخاتمة
هـام "روايتي الجديدة"
حَلقة خاصّة

8 - تمّ الاعتداء!

1.2K 103 10
De ArwaSoliman4

.
«متنسوش الڤوت قبل القراءة، وأتمنى لكم قراءة ممتعة».
.
.

صلّـوا على رسول الله...

...

«مأساة روز»
«أروى سُليمان»

8 - تمّ الاعتداء!

...

غسلت وجهها بقوة عدة مراتٍ، ثم رفعت عينيها تنظر لانعكاسها في المرآة، عينيها الحمراء من كثرة كبحها للدموع، وقد فرّت دمعة خائنة حارقة من عينيها لترفع يدها سريعًا وقامت بمسحها بعنفٍ وهي ما زالت تنظر لانعكاسها، ترى أشياءً، تسمع أصواتًا، أشياء بداخلها تصرخ وتحترق، ولكن جمودها الظاهريّ لا يجعلها تبالي لصراخها الباطنيّ، النيران التي بقلبها تزداد وإن خرجت لن تكن خيرًا.

تذكرها لليوم وما فعله ذلك الحقير في چيهان، جعلها تتذكر كيف كان الحقير الآخر يتمتع بتعذيبها ورؤية ضعفها وتوسلها له، وبكل قوتها لكمت المرآة بعنفٍ شديد لتتهشّم محدثة صوتًا عاليًا، والزجاج أحدث جرحًا بيدها، ولكن ألمها الداخليّ أقوى بكثير من ألم يدها المجروحة، طالت يدها تلك المزهرية التي توضع على الطاولة الصغير لتمسكها ترميها بقوة لتتهشم بقوة تريد شيئًا يجعلها لا تسمع صرخاتها الداخلية، تريد شيئًا يمحي كل ذلك ولكن كيف!

بعد وقتٍ كانت انتهت من تضميد جرحها، وانتهت من لملمة الزجاج المهشّم لقطعٍ صغيرة كقلبها تمامًا.

وضعت وجهها بين كفيّها ثم استمعت لرنين الجرس لتمرر يدها على وجهها وخصلاتها ثم نهضت متوجهة نحو الباب، وقامت بفتحه لتجد أمامها غيْث بابتسامته المعتادة وبيده طبق يحتوي على مكرونة بالبشاميل وقطع فراخ "بانيه" ليصدح صوته بابتسامة يمده بالطبق قائلًا:

"عارف إنك متغدتيش ومتعادنيش، دي حاجات مش مسكرة وأكل طبيعي زي البني آدمين" 

ارتسمت بسمة صغيرة جانبية على ثغرها، وهي ترفع يدها لتلتقط الطبق ليظهر الضمادة البيضاء التي بيدها اليمنى ليردف غيْث متسائلًا:

"مال إيدك؟"

تناولت من الطبق قائلةً بهدوء:
"اتعورت عادي، شكرًا على الأكل"

نطق غيْث بغموضٍ قائلًا:
"خلي بالك عشان باللي بتعمليه ده هيجيلك كتمان مزمن وده بيأدي لأمراض تانية، أنا ما زلت موجود"

زفرت رزان ثم هدرت بجمودٍ:
"خليك موجود ، كدا كدا مش جاية"

انتهى اليوم على تلك الأحداث، ليمر وتتسلل أشعة الشمس من جديد على المدينة معلنة بداية يومٍ جديد.

في مستشفى الهلالي.

وصل أدهم يسير بخطى ثابتة حتى دخل لموقف الاستقبال ليسأل الموظفة بكل هدوء:
"فين الدكتورة إيناس أحمد شوقي؟"

رفعت الموظفة عينيها لتجاوبه بعملية:
"الدكتورة في الدور الرابع، بس هي أخصائية أشعة يعني حضرتك لو محتاج كشف أو بتعاني من شيء يبقى تشوف دكتور الأول!"

غلغل أدهم يده في خصلاته يعيدها للخلف يهتف بهدوءٍ:
"أنا عايزها في موضوع تاني؛ مش عيان ولا عايز كشف ولا أشعة"

"هو حضرتك مين؟"

أخرج أدهم بطاقته التعريفية وأراها إياها، لتنهض سريعًا بتوتر جعلته يناظرها بسخطٍ، ولكن حافظ على تعابير وجهه الجامدة واستمع لها تقول:
"هي في الدور الرابع يا فندم ممكن تكون في مكتبها، بس هيا يا فندم عملت إيه؟"

سألته في نهاية جملتها بفضولٍ شديد، ولكن لم يرد بل تحرك يضع يده في جيبه متوجهًا نحو المصعد ليصعد للطابق الرابع، وخرج يبحث بعينيه على لافتة تضم اسمها لكي يبدأ تحقيقه معها وينتهي ذلك، تحرك ولكن أوقف ممرضة يسألها بهدوءٍ:
"دكتورة إيناس أحمد فين؟"

أشارت له على فتاة جالسة على أحد المقاعد بجانب غرفة مكتب، وتضع السماعة في أذنها وتتفحص هاتفها ويصعد صوت دندنة منها مع الموسيقى التي تسمعها، ولا يرى وجهها بسبب خصلاتها البنية التي تأتي عليه، ترك الممرضة يتحرك بخطى هادئة حتى وصل إليها وجلس بجانبها تاركًا مسافة بينهم لا بأس بها ولكن لم تنتبه له بسبب اندماجها الكليّ مع الموسيقى وتدندن بصوتٍ ليس عذبًا ولكن ليس سيئًا، وعينيها على الهاتف تتفحصه باهتمامٍ مما جعلها لا تنتبه للذي جلس بجانبها، حمحم أدهم ولكن لم تستمع له ليرفع إصبعه ليطرق طرقة خفيفة على كتفها على أثرها فزعت بشدة منتفضة بسبب اندماجها الشديد، ليحاول كبح ضحكاته على مظهرها، لتنزع السماعات مغلقة الموسيقى قائلةً:

"أنت مين؟"

شبك أدهم كف بالآخر مستندًا بمرفقيه على ركبته قائلًا بابتسامة جانبية:
"حلو ذوقك في الأغاني علفكرة"

"أفندم؟؟؟؟"

قالتها باستنكار وهجوم لتتسع بسمته ثم اعتدل في جلسته ومد يده لها في نية المصافحة قائلًا بابتسامة:

"معاكِ الرائد أدهم فارس من مكافحة الجرايم!"

أعادت خصلاتها المتمردة لخلف أذنها ثم مدت يدها قائلةً بسخرية:
"الدكتورة إيناس أحمد شوقي!! خير يا سيادة الرائد؟"

عاد بيديه يغلغلها في خصلاته قائلًا بنبرةٍ هادئة:
"رانيا توفيق!"

تهجم وجهها رغم أنها منذ أن علمت بوفاتها وهي تدعوا لها بالرحمة ولكن سيرتها تجعلها تتذكر ماذا فعلت تلك الخبيثة الحقيرة بها وكيف كانت ستفضحها في مكان عملها، وقالت عليها أشياءٍ لم تحدث وهذا فقط لكسب ثقة شخصٍ أحقر منها.

"مالها؟"

نبرتها جعلته يعرف أنهم لم يعودوا أصدقاء وحدث شيء عميق بينهم لتتكلم بتلك النبرة المتهجمة والجامدة إلى أبعد حد، زفر بقوة ثم أردف بهدوءٍ:
"أنتِ طبعًا عارفة إنها انتحرت، وعارف إنها كانت صحبتك الأنتيم، بس باين من نبرة صوتك إنكم مبقتوش صحاب"

نطقت إيناس بضيقٍ شديد:
"دي متستاهلش أصلًا إن حد يصاحبها؛ بص مش عايزة أتكلم عشان هي ميتة وأدعلها بالرحمة بدل ما أدعي عليها"

"حصل إيه بينكم يوصل الكره ده؟"

سألها أدهم منتظر إجابة مقنعة، لتزفر هي بقوةٍ ثم نظرت له قائلةً:
"قولتلك مش حابة أتكلم، بس أنت شرطة وكدا لو جاي عشان قضية وتحقيق يبقى جيت للشخص الغلط يا حضرة الظابط، أنا قاطعة علاقتي برانيا بقالي سبع شهور تقريبًا وهي صفحة واتقفلت من بعدها"

نهض أدهم لتنهض هي الأخرى وابتسم لها بهدوءٍ:
"شكرًا يا دكتورة، لو تعرفي أي شخص أو أي حاجة ليها علاقة بالمرحومة ياريت تبلغينا علطول، وأحب أقولك لتاني مرة ذوقك حلو في الأغاني"

أنهاها بابتسامة ودودة عكس الابتسامة العملية التي كان يبتسمها لتبتسم هي له بلطفٍ وودّ قائلةً:
"ميرسي يا حضرة الظابط"

رحل أدهم تاركًا إيناس التي وقفت لثوانٍ تحاول أن تتذكر ماذا تفعل أو ما الذي لديها، لتأتي ممرضة لها تقول:
"فيه مريض محتاج أشعة على المخ يا دكتورة"

تحركت إيناس معه قائلةً:
"يلا بينا"

♡♡♡♡♡

في عيادة غيْث.

اقترب غيْث مجددًا من المقعد الذي يتواجد أمام المقعد العريض الذي يقبع عليه مرضاه، وجلس متحدثًا بكل هدوءٍ وعملية:

"أنا هكتبلك أدوية مضادة للاكتئاب تمشي عليها مع شوية تمارين وحاجات لازم تعمليها، وكويس إنك جيتِ بدري يعني حالتك الحمدلله ممكن تستغرق أربع شهور خمس شهور أو حتى ست شهور بالكتير علاج، هنبدأ رحلة علاج سوا ولازم الانتظام ثم الانتظام عشان حالتك متتدهورش، فيه ناس رحلة علاجها ممكن توصل لسنة، فإحنا هنكون رحلة علاجنا نفسيًّا ودوائيًّا يا سارة"

أومأت تلك المدعوة سارة بدون كلام، ليردف غيْث بعدها بابتسامة هادئة مكملًا حديثه:
"أولًا الأدوية هكتبهالك وأقولك هتمشي عليها إزاي، ثانيًا حاولي تتجنبي الشيء الأساسي اللي جابلك الاكتئاب وخلاكِ بالمنظر ده ألا وهو صحابك اقطعي علاقتك بيهم أصلًا"

زفرت سارة بقوةٍ ثم نطقت بنبرةٍ خافتة:
"كدا كدا بعدوا عني من أول لما عرفوا أني بدأت أتعالج عند دكتور نفسي"

"أحسن برضه"

قالها بنبرةٍ مرحة، ليعود بعدها لهدوءه مردفًا:
"كدا نبعد تمامًا عنهم، نحاول نغير نشاطنا، نخرج من القوقعة اللي إحنا حاطين نفسنا فيها، نحاول نقرب من ناس بنحبها وبنرتاحلها وزي ما قولتلك نبعد عن السبب الرئيسي للاكتئاب"

واستمر الحديث لما يقارب نصف ساعةٍ أخرى وقد انتهت الجلسة لينهض غيْث وكذلك سارة التي شكرته ورحلت مع شقيقتها، ليتنهد ذاهبًا لثلاجته مخرجًا عبوة لمشروبه المفضل فهو مدمن لذلك المشروب "جهينه ميكس بطعم الشوكولاتة"، بدأ بارتشافه وذهب نحو الشرفة ينظر للشوارع والمارين وهو يرتشف من مشروبه ويفكر في حياته وزواجه وكيف تزوج بين يومٍ وليلة بدون أهله وأخوته، وتزوج من فتاة غامضة لا يعرف عنها شيء قد فهم بعض منها بسبب دراسته، ولكن ما زالت تحوي على هيئة غامضة، كيف لها أن تتحمل عائلتها وتعاملهم بتلك الطريقة، يبدو أنها تعاني ولها ماضي يجعلها بذلك الشكل وسيعمل على معرفته لا يعرف فضولًا أم ماذا!

♡♡♡♡♡

في شركة الأدوية 'GEH'.

انتهى يوسف من عمل المواد الكيميائية للدواء على حسب التعليمات التي طُلبت منه، اقترب منه صديقه عمار الذي قال:

"أنت عارف يا چو، أنا عارف أنك واقع بس مش عايز تتكلم"

نزع يوسف قفازه الطبي ورماه في سلة المهملات ينظر لعمار بتعجب قائلًا:
"واقع!!! أنت أهبل يالا؟ شكل المواد الكيميائية أثرت على مخك"

ضحك عمار بشدة يغمز له ثم جلس على المقعد قائلًا:
"آه، امبارح كنا مع غيْث ولما جاله مكالمة أن أخواته البنات في مصيبة واتخانقوا، أول ما سمعت چُمانة من هنا قومت طرت وراه من هنا"

أمسك يوسف ما طالته يده يرميها على وجهه قائلًا بغيظٍ:
"اكتم يالا، إيه الهبل اللي أنت بتقوله ده؟"

وضع عمار يده للحماية يضحك بشدة، ثم اتجه نحو يُوسف يربت على كتفه هادرًا بخبثٍ:
"متنكرش كتير بدل ما تروح من إيدك، أنا عرفت أنها جاية تدريب في شركة الهلالي اللي هي دي، لو اتقبلت حلو يا معلم، بس متقولش لحد"

ثم رحل تاركًا يُوسف يفكر في حديثه، هل يبان أنه يحب چُمانة ويتبين هيامه ولهفته عليها، ولكن لا يراها كثيرًا لذلك لا يقدر على جعلها تعجب به وتحبه ولكن ارتفعت دقات قلبه بسعادةٍ بعد معرفته أنها قادمة لتدريبٍ في تلك الشركة، سيعمل كل ما في وسعه لكي يدرب الطلاب القادمين في تلك الشركة ويختار بعناية تلك الفرقة التي بها محبوبته.

♡♡♡♡♡

ركن يونس السيارة أمام العمارة التي تقطن بها رزان، فهي لا ترد عليه منذ الصباح ولم تذهب للإدارة فقلق عليها فلذلك جاء لرؤيتها وأيضًا مثلما قالت له والدته أن يذهب ليطمئن عليها، نزل من السيارة متجهًا للعمارة ليرى چيهان تقف وأمامها ذلك الشاب، يعرف ذلك الشاب جيّدًا هذا إبراهيم صديق رمزي، ولكن لماذا تتكلم معه؟ ومن أين تعرفه؟ اقترب من موضعهم قائلًا:

"مساء الخير"

رفعت چيهان عينيها لترى يونس الذي ما زال ينظر لإبراهيم بجمود، ليبتسم إبراهيم بتوتر واضح وقد لاحظه يونس ولكن حاول أن يحافظ على ثباته وردّ:

"مساء النور، خلاص يا چيهان.. "

لم يكمل جملته بسبب يونس الذي قال:
"قاطعت عليكم حاجة"

نظرت چيهان لإبراهيم بمقتٍ ثم نطقت:
"لا، الأستاذ كان شكله جاي يستظرف.. إيه ده عرفت اسمي منين؟؟"

قالت الأخيرة بصدمةٍ فهي قد جاءت للتوّ من عملها ليوقفها إبراهيم ويتحجج ليتحدث معها وكادت أن تتشاجر معه وتصعد لعمارتها ولكن أوقفها معرفته باسمها، من أين يعرفه؟

توتر إبراهيم بشدة فـ مجيء يونس أربكه بشدة وجعله ينسى خطته، يعلم جيّدًا من هو المقدم يونس الشريف، ويعلم أنه يماثل رزان في جحوده بل يتفوق عليها، ليتحدث إبراهيم بارتباك:

"عرفت من البواب، بس خلاص لازم أمشي"

ليرحل سريعًا من أمامهم وتابع يونس أثره بغموضٍ شديد، لينظر بعدها نحو چيهان قائلًا:

"تعرفيه؟؟"

هزت چيهان رأسها بنفيٍ وأردفت هاتفةً:
"لا معرفوش، أنا لسة جاية من الصيدلية وطالعة، لقيته بيوقفني وبيتكلم كدا وبعدين لسة ههزقه وأطلع لقيتك جيت.. ومعرفش أصلًا يعرف اسمي منين"

ابتسم يونس ابتسامةٍ جانبية خبيثة لم تراها چيهان وأردف بعدها بجمودٍ:
"طالعة؟"

هزت رأسها بإيجابٍ واتجهوا نحو الداخل لتسأله چيهان قائلةً:
"أنت طالع لمين؟"

"رزان"

أرغمها فضولها على أن تسأله هادرةً:
"أنت تقربلها إيه؟ أصل هي حاليًا مرات أخويا، إزاي يعني تقبل أن حد يجلها كدا؟"

ضحك ضحكةٍ طفيفة ثم ابتسم ناطقًا:
"رزان بنت خالتي وأختي"

"في الرضاعة"

تأتأ نافيًا وقت وصول المصعد للطابق المحدد، ليخرجا منه ثم هدر بهدوءٍ قائلًا:
"الواد اللي شوفتيه النهاردة لو شوفتيه تاني ياريت تبلغي رزان وهي تبقى تبلغني، ابعدي عنه عشان هيحاول يحتك بيكِ"

قطبت حاجبيها بتعجبٍ هاتفةً:
"هو مين ده أصلًا؟"

اتجه يرن جرس شقة رزان، ثم عاود إليها قائلًا بهدوءٍ:
"مش مهم تعرفيه، المهم ابعدي عنه مهما كان"

لم تفهم ولكن أومأت متجهة نحو منزلها ترن الجرس، ليتجه هو نحو شقة رزان بعدما فتحت الباب ورأته مع چيهان لتفسح له مجال الدخول مغلقة باب الشقة ناطقةً بهدوءٍ:
"هنفرح قريب ولا إيه؟"

اتجه يجلس على الأريكة المتواجدة في الصالون بأريحية قائلًا بابتسامة:
"هنفرح بإيه؟"

اتجهت للمطبخ المفتوح على الصالون بحيث يتاح لها رؤيته ورؤية الصالون خاصتها، وبدأت بعمل أكواب قهوة قائلةً:
"چيهان أخت غيْث، كنت واقف ترغي معاها من الصبح"

قهقه بخفة غامزًا لها قائلًا:
"مراقبة بقى أنتِ الكاميرات من بدري"

ابتسمت بجانبية وعبثٍ هاتفةً:
"عيب عليك يا باشا، تربيتك"

ضحك بشدة وانتهت من صنع القهوة مقتربة منه تضع الأكواب على الطاولة جالسةً على المقعد نابسةً:
"إيه اللي جابك صحيح؟"

رد عليها بسؤالًا موازيًا:
"مختفية من الصبح ليه؟ ومش بتردي على الموبايل؟"

غلغلت يدها في خصلاتها ليرى الضمادة الذي رآها منذ دخوله ليشير بعينيه قائلًا:
"برضه مش ناوية تحكي وبتطلعيه عليكِ، أنتِ غبية يا رزان؟ أنتِ عارفة أنك هتقعي؟ أنا آخر ما أزهق هروح أعرف من أنيس نفسه"

نهضت تنهر بغضبٍ شديد لا يظهر إلا عندما تكون قد فاض بها الكيل:
"أنت فاكر أنه سهل؟؟ أنت فاكر يعني أن الموضوع سهل أني أحكي وأفتح جرح قديم قفلاه مؤقتًا وبمجرد ما يبدأ الانتقام كل ده هيتفتح، الجرح كبير يا يونس.. متفكرش أن الحكي سهل عشان لو انهارت مش هلاقي اللي يمدني بالقوة ويقومني من تاني، مينفعش الانهيار ولا كل ده دلوقتي، أنيس عرف البيت هنا وجمال ومش بعيد زهرة تكون عرفت، كل ده مش سهل، أنا مش بحكي أهو والكوابيس مش سايباني في حالي أمال لو حكيت؟"

ارتمت على المقعد بعد رميها بذلك الحديث دفعة واحدة، تضع وجهها بين كفيها ليعتدل يونس في جلسته ناطقًا بحنانٍ:

"طب اهدي متحكيش ومتتكلميش، أنتِ عارفة أنك مش لوحدك أنا موجود وماما موجودة، اهدي خالص وأنا وقت ما تحتاجيني هتلاقيني موجود يا رزان"

مررت يدها على خصلاتها ووجهها بقوة، ليستمع لرن الجرس فنهض ليفتحه ليجد في وجهه غيْث فابتسم يونس يصافحه وغيْث الذي بادله المصافحة بابتسامةٍ مرحة:

"أخويا، تصدق بالله أنا كنت فاكر العيلة كلها بومة طلع في حد بيضحك عادي أهو"

ضحك يونس بشدة قائلًا:
"ولما تشوف خالة رزان، هتعرف أننا مش من العيلة أصلًا"

ضحك غيْث معه ثم ابتسم متسائلًا بمرحٍ رغم ضيقه الشديد:
"جاي عند مراتي تعمل إيه؟"

"شغل وكدا، تعالى"

دخل يونس ومعه غيْث الذي اتجه يجلس على المقعد المجاور لرزان وعلى الأريكة يونس، تحدّث غيْث بتساؤل:

"مالك؟"

كادت أن ترد بعد رفع وجهها، ليسبقها هو بقوله مقلدًا نبرتها:

"ماليش"

قهقه يونس عاليًا ينظر لكليهما، يعرف تمامًا أن غيْث الشخص الوحيد الذي سيكون صالحًا لها، زفرت رزان بقوةٍ هادرةً:

"إيه اللي جابك يا دكترة؟"

رسم تعابير الحزن على وجهه قائلًا:
"كدا بتطردي جوزك وتعامليه بالطريقة دي!! يرضيك كدا يا أبو النسب"

ضحك يونس يهز رأسه نافيًا يقول:
"لا ميرضنيش، وبعدين ما معاه حق يا رزان مش جوزك ما يجي وقت ما يحب"

وما طالته يدها كان جهاز التحكم الخاص بالتلفاز لترميه في وجهه ليلتقطه بسرعة وهو يقهقه عاليًا يقول:

"ينفع كدا يعني يا رزان، طب علفكرة يا رزان ناري عايزة تشوف غيْث وبتقولك تعالوا بكرة، سلام"

ونهض لكي يذهب لمنزله غالقًا الباب خلفه، نظر غيْث نحو رزان هاتفًا ببعض الضيق:
"اتغديتِ؟"

لم يأتيها فضول لضيقه بل تأتأت بنفيٍ ليبتسم باتساعٍ قائلًا:

"أنا بقى هعملك أكلة هتاكلي صوابعك وراها"

ونهض ليستعد لتهتف رزان بسخريةٍ:
"المطبخ مش زي مطبخكم، هنا مفيش غير قهوة ومشاريب بس.. أنا بطلب أكل من برة أطلبلك؟"

جلس مكانه يهمهم بحنقٍ شديد ثم نظر لها قائلًا:
"هملالك التلاجة عشان مبحبش أكل الشوارع، وآجي أعملك أكلة عسل"

زفرت بقوة ليقاطعهم رنين هاتفها لترى أن المتصل كريم أخيها، لتتعجب ولكن ردت قائلةً ببرود:
"نعم؟"

جاءها رد كريم بنبرةٍ ينبعث فيها ضيقه الشديد:

"ماما بتقولك تعالي اتغدي معانا، بس هي قالتلي أكلمك تيجي عشان تشرفي على الغدا وكدا، وهاتي جوزك معاكِ"

أصدرت صوتًا ساخرًا من فمها ثم نطقت بسخريةٍ لاذعة وسخطٍ:
"تشرف على الغدا، على العموم جايين"

أنزلت الهاتف تغلق في وجهه لتنظر بعدها لغيْث قائلةً:

"هنتغدى عند نيّرة، هقوم ألبس" 

نهض وأردف قائلًا:
"وأنا هشوفهم هناك، تكوني لبستِ!"

وافقته ليتوجه نحو شقته، وتدخل رزان لغرفتها لتبدل ملابسها بأخرى للخروج، تشعر اليوم أنه لن يمر مرور الكرام، بل يوجد شيء فنيّرة أخبرتها أنها لا تريد رؤيتها يبدو أن هناك شيء لن يعجبها اليوم، لنذهب ونرى.

♡♡♡♡♡

في منزل مدبولي.

كانوا يلتفون على طاولة للغداء يتناولون في صمتٍ تامّ، لا يتواجد غير أصوات تصادم المعالق والأشواك بالأطباق، قاطع ذلك الصمت نبيل الذي هدر بجمودٍ:

"بكرة هكلم رزان تيجي هي وجوزها يتغدوا معانا"

تهجم وجههم وهمهموا باعتراض ورفضٍ واضح على تعابير وجههم، ليقاطعهم نبيل الذي هدر بجمودٍ وصوتٍ صارم:
"زي ما قولت مش عايز أسمع اعتراض" 

نطقت زهرة بضيقٍ شديد وضجرٍ:
"مالك كدا إيه اللي قالبك علينا؟ أكيد قابلت البت الشؤم دي!"

زفر نبيل بضيقٍ، ليردف إياد بجمودٍ شديد:
"لو هي جت محدش يستناني على الغدا بكرة"

تحدّثت نادين بجمودٍ يماثل جمود شقيقها:
"أيوة يا بابا، محدش بيحبها هنا ليه تخليها تيجي!!"

ترك نبيل ما في يده يناظرهم بضيقٍ ثم تابع بنبرةٍ هادئة بعض الشيء:
"ليه؟ مش بتحبوها ليه!! هي أختكم الكبيرة ولازم تحترموها وتحبوها"

خرج صوتًا ساخرًا من فم إياد حاول ألا يبينه ليميل قليلًا هاتفًا بسخطٍ:
"أنت بنفسك طاردها يوم كتب كتابها من هنا؛ حاسب نفسك الأول يا بابا"

ثم نهض تاركهم لتبتسم زُهرة بفخرٍ وهي ترمق أثر ابنها لتميل على الأخرى على مقربة من زوجها:

"انساها يا نبيل، هي اتجوزت واختارت ومن غير ما تقولك، انساها وخليك في بيتك وعيالك إياد ونادين أولى"

ويبدو أنه تناسى واقتنع بحديثها، اقتنع أن رزان قد نضجت وكبرت ولا تحتاجه، وقد تزوجت لذلك لن تحتاجه أبدًا لذلك سيضعها هكذا وعلاقتهم ستكون العمل فقط.

وقد نسي أنها ابنته، نسي أنها تحتاج لحنانٍ، ودفء والدها الذي حُرمت منه منذ صغرها، تركها صغيرة ينهشها الغريب، وتركها غريبة تحارب وحدها غير مباليًا بجروحها وأوجاعها، بل لم يهتم بمعرفة ما هي جروحها؛ قد جال لعقله أنها لن تحتاجه ولن تتحدث معه، لذلك يغلق هو الطرقات تاركًا علاقتهم للعمل فقط مثلما كان.

♡♡♡♡♡

في منزل المستشار أنيس الباهر.

التفوا حول الطاولة بعد وصول رزان وغيْث والصمت يعمّ المكان لا يتحدث أحد، مال غيْث على رزان يهمس لها قائلًا:

"أنتوا دايمًا كدا!! قصدي يعني مفيش كلام مفيش ابتسامات"

"هنبدأ طفح المرار دلوقتي اتقل"

وتلك الجملة همستها له بعفويةٍ على غير المعتاد، ولم يكد يتحدث حتى نطقت نيرة بابتسامةٍ لغيْث:

"وأنت بقى يا غيْث شوفت رزان فين أول مرة؟"

"في العيادة بتاعتي، كانت جاية تقبض عليّا"

قالها بسماجةٍ وضيقٍ من هؤلاء الناس، فهو لا يحب الجلوس مع أشخاصٍ كارهين لذاتهم وللناس الذين حولهم، ليقهقه أنيس بخفة مشيرًا بشوكته نحو رزان قائلًا:
"أحلى لقاء، مش كدا ولا إيه يا رُو.."

"رزان"

قاطعته بجمودٍ شديد وهي ترفع عينيها بعدما وضعت قطعة اللحم في فمها، تناظره بجمودٍ ظاهريّ ليبتسم باتساعٍ قائلًا:
"مش عيب! مش عيب أنا اللي أطلع الاسم ده وتعدليه عليا"

كان غيْث ينظر له بتعجبٍ شديد وتذكر جملتها "مبحبش الاسم ده، كنت بحبه أوي بس دلوقتي بكرهو جدًّا"، إذًا يبدو أن ذلك المدعو أنيس شخصٌ من ماضيها، لم يكد يتحدث حتى دخل شخصٌ لم تتوقع مجيئه أبدًا ولم يكن في الحسبان أن يأتي هنا، لينهض أنيس مرحبًا به بخبثٍ شديد:

"إزيك يا جمال منور، اقعد اتغدى معانا"

سحب مقعد جالسًا فوقه وقد جاءت الخادمة لتضع أمامه طبقًا ومرت خمس دقائق واستقروا من جديد يكملون تناول الطعام، تحدّث كريم قائلًا:

"أول مرة أعرف أنك صاحب دكتور جمال الهلالي يا بابا"

ابتسم جمال بخبثٍ وردّ أنيس قائلًا:
"إحنا صحاب من زمان جدًّا يا كريم أنت مش فاكر وأنت صغير لما كان بيجي هنا، أكيد رزان أكتر واحدة فاكرة لأنها كانت كبيرة شوية"

إذًا فهمت ما يدور، لقد أقنع أنيس والدتها أن يجعلها تأتي وأحضر هو جمال لكي يذكروها بأشياءٍ قذرة فعلوها في الماضي، مال غيْث عليها يهمس بهدوء:

"لو عايزة تروحي قولي، ويولعوا بجاز معفن ولا يهمك"

ابتسمت له ابتسامة صغيرة ثم بعدها عادت لجمودها ناظرةً نحو أنيس قائلةً:
"للأسف يا أنيس آه فاكرة، وده مش لمصلحتك أصلًا"

لا يفهم أي شخص في الجلسة غير ثلاثة رزان وأنيس وجمال، والباقي لا يفهم ما يدور، ليتحدث كريم بعدم فهمٍ:

"فيه إيه؟ أنا شايف معرفة من سنين للتلاتة"

نطق جمال أخيرًا بخبثٍ دفين:
"سنين كتير يا كريم، شكل رزان مش اجتماعية ومش بتحكلكم حاجة، طب ده زمان وهي صغيرة جيت أنا هنا.. "

كانت تضغط يدها بقوة على الشوكة التي بيدها، لا تريده أن يفتح أي ماضي أو أي ذكرى فالجرح إن فُتح الآن لن يتم تضميده بسهولة، ليلاحظها غيْث فنطق مقاطعًا جمال بغيظٍ:

"محدش قال تحكي الانجازات ولا الذكريات بتاع زمان يا جمال بيه، خلينا في الحاضر هو أسوأ من الماضي والله بسبب رؤيتي لوشكم في الوقت الحالي، آه صح مستغربين كلامي بالطريقة دي.. استغربوا عادي، بتعامل مع الأشكال اللي زيكم بالطرق اللي تناسبهم، والصراحة يا نيرة هانم ابقي غيري الطباخة عشان الأكل طعمه يقرف الكلب.. فهاخد مراتي ونروح نتغدى بدل سدة النفس دي، كتكوا الغمّ" 

أنهى جملته بعدما نهض يسحب رزان خلفه تاركًا نظرات الاشتعال مصوبة على الجميع، من ذلك الذي جاء ليكون في صفّها بعدما كانت وحيدة من تدافع، جاء شخصًا يدافع عنها ولا يهمه مخلوق يجلس، شعر كريم برغبة في الابتسام والضحك ولكن كبحها وهو ينهض تاركهم، لتنهض كارمن أيضًا.

مال أنيس على جمال هامسًا:

"في الليستة وحطه"

رمق جمال أنيس لثوانٍ معدودة قبل أن يرفع كوب العصير يرتشف منه عدة رشفات وعلى ثغره بسمة متوعدة.

♡♡♡♡♡

توقف بالسيارة أمام النيل، وترجلا منها، استندت بيديها على السور تنظر لموجات المياه التي تصارع بعضها ونسمة الهواء العليلة التي تعلن باقتراب فصل الشتاء، وقف بجانبها واستمر الصمت لثوانٍ قبل أن يقول بابتسامة:

"الجو حلو جدًّا، ده محتاج سهرة جامدة كدا على السطح"

ظلّت صامتة ليردف من جديد قائلًا:
"فكك منهم، شكلهم هُبل أصلًا ودماغهم تعبانة"

ثم زفر بقوة ناظرًا للمياه هاتفًا:
"كل الناس عندها ماضي، فيه اللي ماضيه كان سعيد مرح زي الفل، وفيه اللي ماضيه حزين وقاسي ومأساوي، اللي سعيد ومرح يتعلم يحافظ على ده، واللي كان ماضيه مأساوي أكيد اتعلم منه حاجات كتير بس أكيد الماضي مش هيخلينا نوقف الحاضر والمستقبل"

كانت تستمع له بتركيز وهي ما زالت تتابع المياه حتى أردفت بهدوءٍ:

"فيه اللي ماضيه بيترك أثر وجرح لحد الآن مش عارفة أداويه، الجرح لو اتفتح دلوقتي مش هعرف أضمده"

"هكون معاكِ وأدويهولك وأضمدهولك كمان"

نطق غيْث بعفويةٍ شديدة بما جال في قلبه أن ينطقه، لتطالعه رزان هادرةً بنبرةٍ حاولت ألا تبان ساخرة:
"هتمشي، وده اللي المفروض يحصل.. أنت مجبور على الوضع اللي أنت فيه يا غيْث"

ترك الجملة بأكملها لتتحول نبرته للعبث مائلًا بعض الشيء نحوها هاتفًا:

"قوليها تاني كدا؛ غيْث يعني.. بتطلع من بقك زي الشربات والعسل"

لم تقدر هنا على كبح ضحكاتها رغم الذهول بعض الشيء ولكن ضحكت مظهرة تلك الغمازة التي بوجنتها اليُمنى ليبتسم هو لا إراديًّا غامزًا لها:

"حلوة علفكرة!"

توقفت عن الضحك تغلغل يدها في خصلاتها تعيدها للخلف هاتفةً:
"إيه دي اللي حلوة"

أشار بعينيه على وجنتها ناطقًا بعبثٍ:
"غمازتك"

اتسعت بسمتها رغمًا عنها ليبتسم هو أيضًا بسعادة بعدما أنساها بعض الشيء حزنها وأيضًا جعلها تضحك، تلك معجزة كُبرى، نطق بعدها بابتسامة حماسية:

"تشربي عصير قصب!!"

تأتأت نافيةً تقول:
"مش بشرب حاجات مسكرة"

"يبقى تاكلي حمص، ودرة مشوي، وأشربك قهوة سادة وندوقها معاكِ يمكن نحبها" 

ضحكت ضحكة طفيفة ولكن أومأت بإيجابٍ ليبتسم بحماسٍ وسعادة، وأخبرها أن تظل هنا سيغيب لدقائق صغيرة، وبالفعل دقائق وعاد معه الذرة المشوي وحمص الشام، وضعهم أمامهم ثم ابتسم مشيرًا لها:

"كلي يلّا"

بدأت بأكل الحمص بتلذذ فهي تعشقه بشدة ولكن قد توقفت عن أكله لأسباب كثيرة من ضمنهم والدتها، ولكن الأشياء التي تحوي على سكر لا تقدر على العودة لأكلها بسبب غثيانها وتقيؤها، فيجعلها تتذكر الماضي بحوافره، انتهوا من تناول الحمص والذرة في جو لم يخلوا من مرح غيْث وعبثه، وأحضر كوبان من القهوة وجلسوا على مقعد عريض موضوع في الشارع أمام النيل، بدأت بارتشاف القهوة ولكن هو ما زال ينظر للكوب، لم يشرب قهوة بدون سكر في حياته، ضحكت رزان على تعابير وجهه قائلةً:

"ليه تعذب نفسك وتشربها سادة أو تشربها أصلًا وأنت مش بتحبها" 

"بحبها جدًّا علفكرة"

قالها وبدأ بارتشاف رشفةٍ، ليشعر بمرارتها الشديدة فهو منذ سنواتٍ لا يشرب قهوة أبدًا وعندما كان يشربها كان يشربها بمعدل سكر طبيعي، شعر أنه يرغب في بصقها ولكن ابتلعها بصعوبة ولم تتمالك رزان نفسها على تعابير وجهه المثيرة للضحك، لتضحك بشدة وكانت الضحكة تنبع من قلبها بحقّ، تناسى امتعاضه من القهوة ليبتسم قائلًا:
"والله مستعد أعملك أي شيء.. بس ضحكتك تنور الدنيا كدا"

حمحمت بعد تمالكها لنفسها بابتسامة ثم بدأت بارتشاف قهوتها وهي تنظر للنيل، أما هو نظر للكوب باشمئزاز ثم وضعه جانبًا وأخرج علبة لمشروبه المفضل قد أحضرها وهو يجلب القهوة، وبدأ بارتشافها بتلذذٍ واستمتاعٍ، لتبتسم رزان هاتفةً:

"هاجي يوم وأجرب مشروبك زي ما جربت مشروبي كدا"

أخرج عبوة أخرى من جيبه وناولها لها بابتسامة قائلًا:

"كله هنا"

نظرت للعبوة بتردد ولكن تناولتها منها ووضعت كوبها بجانبها وبدأت بفتحها ثم وضعتها على فمّها ولكن قبل أن ترتشف منها أردف بهدوءٍ:
"لو هتعملك حاجة متشربيش، أنا عارف السكريات بتكون أسوأ"

ابتسمت ابتسامة صغيرة ثم ارتشفت رشفة أنزلت المشروب تضعه جانبًا تشعر باشمئزاز وشعور بغثيان شديد ورغبة في التقيؤ، أمسك كوب القهوة يناوله لها قائلًا:
"امسكي اشربي، شكلك عندك حساسية"

ارتشفت من كوب قهوتها المُـرّ، لتعود لطبيعتها حلّ الصمت لدقائق كل واحد يستمتع بمشروبه المفضل ويطالع المياه بشرود وتفكير، انتهوا وترجلا إلى السيارة للعودة للمنزل، بدأ غيْث بقيادة السيارة بسرعة تفوق القياسية بعض الشيء، وقد أشعل الموسيقى ليدندن معها بصوتٍ يكاد يكون مسموع.

"يا حبيبي خلصت معاك ألاعيبي
أنت جميل وأنا عيبي
بضعف قصاد الجمال الجمال،
يا جماله.. قلبي الصغنن ماله
شقلبت طبعه وحاله.. ماله
مستقوراك راحة.. راحة"

"يا لــيـالي اعذري استعجالي.. ده الغالي
هالقمر وناداني…"

أغلقت المسجل تقطع انسجامه الشديد ثم نظرت نحوه قائلةً بحنقٍ وانزعاج:

"مبحبش الصوت العالي ده"

لم يبالي بها بل أكمل غناؤه لأغنية أخرى:

"كان عنا طاحون على نبع المي..
قدامه ساحات مزروعة في
وجدي كان يطحن بالحي
قمح وزهريات"

"أنت شخص مستفز وعايز تشوفني وأنا متعصبة مش كدا؟"

قالتها بضيقٍ شديد ليضحك هو بشدة ناظرًا للطريق هاتفًا:
"أمم، لا أنا مش مستفز بس بحب أشوفك متعصبة"

أنهاها وهو يضحك بشدة، لترد هي بسخريةٍ لاذعة:
"وكدا متبقاش مستفز!!"

تأتأ نافيًا ثم نظر نحوها قائلًا:
"أنت هادية جدًّا ومش بتتكلمي كتير وأنا مبحبش كدا، فنعصبك عشان تتكلمي ويبقى في ريأكشن، مش كله بومة وبس"

"مش شايف أنك أخدت عليا بسرعة!!"

قالتها بنصف عينٍ ونظرة ثاقبة، عاود النظر للطريق ثم نظر حوله قائلًا:
"لا مش شايف، أنتِ شايفة؟ وبعدين أخدت عليكِ إيه دي طبيعتي من أول يوم شوفتك فيه يا حظابط روز"

ابتسمت تدير رأسها نحو النافذة تنظر للطريق ليبتسم هو أيضًا يعود بنظره للطريق بتركيز.

♡♡♡♡♡

في الليل.
في مقهى راقية.

كان يتفحص هاتفه بانتظار إبراهيم الذي جاء بيده ملف ووضعه على الطاولة، اعتدل إياد في جلسته مبتسمًا بخبثٍ هادرًا:

"تشرب إيه يا هيما؟"

أخرج إبراهيم علبة سجائره يضع واحدة في فمه ثم أشعلها هاتفًا:
"على ذوقك يا إيدو"

ثم سحب هواء السيجارة داخل رئتيه وزفره على مهلٍ لينادي إياد النادل وطلب كوبان قهوة، ثم أخرج هو الآخر سيجارة وأشعلها قائلًا بخبثٍ:
"جبت المعلومات عن رائف!"

أشار بعينيه على الملف ثم رفع نظره له يسأله بعينيه وأنت، ليشير إياد على الملف الذي يحتوي على معلومات تخص رزان، ليتبادل الاثنين الملفات وبدأوا بقراءتها بتركيز وبيدهم سيجارة وعلى ثغرهم بسمة خبيثة، أنزل إياد الملف وهز رأسه قائلًا:
"حلوة!"

أنزل إبراهيم الملف أيضًا وقت وصول القهوة، ثم نظر لإياد قائلًا:
"بس معلوماتك مش حلوة؛ كلها مش مفيدة.. شكلك مش عارف حاجة عن أختك يا إيدو"

أنهاها بخبثٍ شديد ليطفئ سيجارته ثم مال قليلًا مشيرًا لإياد بالاقتراب ثم نطق:

"مفيش المعلومة اللي أنا عايزها وكنت فاكرك عارفها"

"اللي هي؟؟"

"تمّ الاعتداء على أختك رزان مدبولي وهي عندها 16 سنة من قِبل أنيس باهر جوز أمها"

……………………… يُتبع.

انتهى الفصل.
أتمنى أن ينال إعجابكم ♡

مستنية رأيكم في البارت
متنسوش الڤوت

إلى الله اللقاء في الفصل القادم ♡

«مأساة روز»
«أروى سُليمان»

Continue lendo

Você também vai gostar

247K 12.5K 92
Being flat broke is hard. To overcome these hardships sometimes take extreme measures, such as choosing to become a manager for the worst team in Blu...
28.7K 2.4K 45
Story of a family - strict father, loving mother and naughty kids.
2.1K 67 7
Kid really didn't expect this, like at all. How was he supposed to respond to this? He didn't know. He doesn't know anything by this point. But what...