صراع المافيا

By _ibriz_

13.6M 542K 875K

ألمانيا..بلد عُرف بهتلر و بعشيرتين حكمتا العالم السفلي و كانتا في عداء دموي شرس ..لهذا كان الدم هو كل ما يحدث... More

مختل منذ الولادة..وغد بالإختيار
أحفاد هتلر
𝐏𝐚𝐫𝐭 01: صافح عدوك
𝐏𝐚𝐫𝐭 02 : الملكُ في اللعبة
𝐏𝐚𝐫𝐭 3 : حين تُمطر رصاصا
𝐏𝐚𝐫𝐭 4 : عائلة أوغاد
𝐏𝐚𝐫𝐭 05 : الإنعكاس المزيف
𝐏𝐚𝐫𝐭 6 : إتباع الخيط
𝐏𝐚𝐫𝐭 07: ملاك وسط أفاعي
𝐏𝐚𝐫𝐭 08 : وردة في أرض الرب
𝐏𝐚𝐫𝐭 09: الفاديتا للفاديتا
𝐏𝐚𝐫𝐭 10 : ظهور الروي
𝐏𝐚𝐫𝐭 11: أعداء الحب
𝐏𝐚𝐫𝐭 12: أميرة من روسيا
𝐏𝐚𝐫𝐭 13: من المكسيك
𝐏𝐚𝐫𝐭 14 : دمية بين الحيوانات
𝐏𝐚𝐫𝐭 15 : أفاعي الأدغال
𝐏𝐚𝐫𝐭 16 : منزل على الحدود
𝐏𝐚𝐫𝐭 17 : راهبة من كابوس
𝐏𝐚𝐫𝐭18: تاريخ قديم
𝐏𝐚𝐫𝐭 19 : حب أم عداوة ؟
𝐏𝐚𝐫𝐭 20 : حكام العالم الحديث
Part 21 أحفاد هتلر
Part 22 : حين يركع النبلاء
Part 23 : أفعى ضد ملوك
Part 24: أسياد الحب و الموت
Part 25 : ممنوع القتل داخل المستشفى
Part 26: بُوكر الملك
Part 27: عروش على الحافة
Part 28 : ليلى و الذئب
Part 29: مقاتل اليوكونيري
Part 30 : كالسبعة تموتون
Part 31 : الوشوم الأربعة
Part 32 : أوتزي و حرب الروي
Part 33 : لصوص الألماس
Part 34 : أحمر الكاردينال
Part 35: بوابة سيبيريا
Part 36 : الجلوس على الضبع
Part 37 : منزل الحقيقة
Part 38 : آنسة ويكيبيديا
Part 39 : حفيد الأوساما
Part 40 : الفاء للأفاعي
Part 41 : حرق الفاديتا
Part 42 : ميثاق برازيلي
Part 43 : لائحة المئة
Part 44 : وفاة الملك
Part 45 : لؤلؤ إفريقيا
Part 47 : الوالد و الزوج
Part 48 : جثة في الغابة
Part 49 : عملات نقدية

Part 46 : فتاة النباتات

219K 10.8K 17.5K
By _ibriz_

أيديها كانت دموية

لكن خواتمها ألماسية..

..................................................................................................................................................

انحنت إيرا تتجنب الرصاص تستند بظهرها على الجدار قرب جيزيل التي كانت تعيد تلقيم سلاحها بحذر تخشى تكسير أظافرها..

الرصاص كان يتطاير حولهما و هي خائفة على أظافرها أكثر من حياتها ..

لذا قلبت إيرا أعينها و هي تضغظ على السماعات في أذنها تعيد تشغيلها قائلة لإيثان :

" ما الوضع عندك .."

" قهوتي لذيذة..شكرا لسؤالك.."

" كنت أسأل عن مواقع العهرة..لكن سعيدة بسماع أنك أحببت القهوة.."

قالتها إيرا بسخرية و هي تطل تصوب تطلق على ثلاثة رجال بدقة تصيبهم قبل أن يصيبوها ثم مدت يدها لجيب سترتها القصيرة السوداء تسحب منها قفازات يد سوداء لأن البرد شديد و أصابعها على الزناد تكاد تتجمد..

" تبقى لكم 75 رجلا حيا لكن تذكري لا نودهم موتى بقدر ما نود حصرهم و إخراج بروت من جحره .."

" لم أكن سأقتلهم كلهم.."

قالت له إيرا بعدم تصديق كأنها لا تصدق أنه اتهمها بأنها شريرة لتلك الدرجة..

" لم أقصدك أنت..كلامي موجه لجيزيل.."

وفور سماع هذا التفتت إيرا لجيزيل جانبها تراه تضع عينها على المنظار و تقوم بقنصهم كأنها تقوم بإسقاط علب طلاء الأظافر في غرفتها..و فقط على صوت إيثان في سماعتها توقفت و هي تعيد أعينها لإيرا باعتذار من أنها تسرعت في التصويب و أوقعت بالفعل 6 في الثواني التي أنهى فيها إيثان جملته..

لذا تنهدت إيرا و هي تلقي عليها نظرة من الأعلى للاسفل كما لو تستوعب توا ما ترتديه ..ثيابها كانت سوداء و ضيقة لكنها حتما لم تكن ثياب فوضى و دم و قتل..شعرها الاشقر كان مسرحا و مجموعا على شكل ذيل حصان مرتفع بدبوس ألماسي في شعرها..وجهها بمساحيق تجميل خفيفة و هي تكاد تقسم أنها فقدت عقلها لكن السترة التي ترتديها كانت شانيل..

لذا سألتها و هي ترفع حاجبها بينما تبعد رأسها قليلا حين تطايرت رصاصة في الجدار قربها :

" هل ترتدين سترة مضادة للرصاص فوق ثياب شانيل؟ ما الذي ترتدينه اصلا ؟.."

أضاء وجه جيزيل بإبتسامة واسعة كأنها انتظرت طوال حياتها أن يسألها أحد هذا السؤال و أجابت فورا بفخر :

" السترة شانيل..القميص أسفلها رالف لوران..السروال ديور و حذائي جديد سعره 18 ألف يورو ..أظافري طبعا جديدة وضعتها أمس و الدبوس طلبته من موقع ...."

ظلت جيزيل تسرد لها سعر كل قطعة ترتديها بينما إيرا تنظر لها بملامح جدية كأنها تود ضربها لكن صوت كيلان في السماعات و هو يهمس منعها :

" لا تقتليها..لا زلنا نحتاجها ليس طبعا لأنني أحبها..أهتم بالعمل فقط و هي مهمة جدا جدا جدا للعمل.."

قلبت إيرا أعينها مجددا و هي تبعد جيزيل للخلف حين ظهر رجل خلفها دون أن تنتبه له و قبل أن يطلق على جيزيل أطلقت عليه إيرا في حلقه تدفع جيزيل لتخرس و تحدق بها بأعين متفاجئة..

تبا لما وافقت على إحضارهم معها..وهذه فقط البداية..

" ركزي و لو متتِ فالسبب أنك تهتمين بأظافرك أكثر من حياتك.."

قضبت جيزيل جبينها تنظر لأظافرها الجميلة و قبل أن تتذمر أضافت إيرا :

" ثم من يرتدي شانيل و هو ذاهب لتنظيف نطاق ؟.."

أكبر قرار خاطئ فعلته إيرا أنها طرحت هذا السؤال لأن جواب جيزيل جعلها تود ضرب راسها في الجدار :

" ماذا لو متت ؟ روحي ستبقى معلقة بهذه الثياب..أود أن أكون أنيقة بين الأشباح لذا لا بأس أن أموت إن كنت أرتدي شانيل..."

أصدرت إيرا صوت تذمر و تكاد تقسم أنها سمعت على الأقل أصوات ضحك أربعة أشخاص في سماعاتها..

لقد كانوا في مالطا ..و بهم هي تقصد إيثان ..جيزيل..كيلان..آدلار..ريلا..فاليرو و بينيتو...

كل واحد منهم كان يملك مجموعة من الرجال يشرف عليها ...إيرا و جيزيل في هذه المنطقة مع فرقة من 9 رجال معهم..كيلان و بينيتو..آدلار و فاليرو...أما ريلا فهي مؤخرة مزعجة تفضل العمل لوحدها لهذا هي لوحدها..السبب في أنها ليست مع إيثان هو أن إيثان ليس معهم..

على حسب قوله هذه مهمة مملة جدا و يفضل إحتساء قهوته و مراقبة الوضع لهم من منظار سلاح القنص على أن يشاركهم ألعاب الأطفال..يقولها الرجل الأكبر منها بأربع سنوات فقط..أحيانا تشعر أنه في السبعين من عمره من كثر ما يكره الحياة و يشعر بالملل من كل شيء..

هم في مالطا لأن هناك جماعة في هذه الدولة ظهروا قبل أشهر و يسمون أنفسهم ' الماوسرز ' ..أجل أجل إسم غبي.. لكن هذا ليس الهدف..الهدف أنهم بدؤوا يستولون على المنطقة و يسرقون كل الشحنات التابعة لهم و يبيعونها على أساس أنها لهم ثم يستخدمون المال لبناء عمل لهم ..

قبل أشهر اعتبرتهم مجرد مبتدئين يريدون إسما لأنفسهم لكنهم كانوا يستهدفون أموال الفاديتا و بدأوا ينشرون الإشاعات..و إن كان هناك شيء يزعج إيرا فاديتا فهو أن هناك شخص آخر بقول عنها ما لم تفعله..لذا عليها إزالتهم..المنطقة منطقتها وهم يريدون أخذها منها ولو سمحت بالأمر سيعتبرها باقي العصابات إشارة ليستعيدوا مناطقهم التي أخذتها هي قبلا و يتمردوا لذا هي ستقتل أول من حاولوا حتى يصبحوا درسا لمن بعدها أن الحكم للفاديتا و من يريد الخروج سيخرج بكفن..

تطايرت رصاصة أخرى قربها و قرب جيزيل فسارعتا تنحنيان أرضا للنجاة قبل أن تنظر إيرا لجيزيل بجدية تخبرها :

" من صوت الرصاص و مواضعه .. خلفنا حوالي 14 عشر ..أكثرهم من جهتي هنا ..لذا أريدك أن تتحركي عند إشارتي للجدار هناك و تتسلقيه ..في اللحظة التي أُسقط فيها الثلاثة على يساري سيصبح بإمكانك التصويب من ذلك الإرتفاع ..أريدك أن تزيلي الأبعد أولا لأنهم أخطر سأتكفل بالباقي.."

أومأت جيزيل بجدية قبل أن تفعل شيئا جعل إيرا تتنهد..

أخرجت ملمع شفاه من جيبها تضعه على شفاهها تتأكد أن مظهرها جيد قبل أن تعيده مكانه ..

و بعدها فقط حملت سلاحها تعيد تلقيمه بخزان الصاص التي سحبته من سترتها و أطفأت سماعتها فقط لثوان لأن أصوات الفاديتا في أذنها صوت صراخهم و الرصاص سيشوشها عن التركيز..

انتظرت إشارة إيرا لها في حين إيرا ركزت مع السماعات تتلقى الأخبار ..

" المنطقة 1-ب آمنة..أنا و آدلار في انتظار التعليمات..لا وجود لأثر للرأس.."

بالطبع كان عليها أن تتوقع أن فاليرو سينهي أولا ..لقد كان يشعر بالملل و فاليرو ملله مثل مللها يلزمه الكثير من المهمات ليفرغ..

لذا منحتهم التعليمات :

" أجروا جولة تفقدية على المنطقة و لاقونا عند المخرج 3-7.."

" عُلم..."

" ماذا عنك بينيتو ؟..."

" أنا بخير شكرا لسؤالك..جرح في قدمي و أعتقد أنني كسرت إصبعي لكن لا شيء خطير لا تقلقي..."

أغمضت إيرا أعينها بنفاذ صبر من ابناء عمومتها خصوصا و أنه بعدم ما قاله بينيتو ضحك كيلان و فاليرو فأغلقت سماعتها عنهم العهرة..بينيتو ما هو أسوأ من إسمه هو استيعابه..لو لم يكن جيدا في القتال و استخدام كل الأسلحة و مهارات القيادة الجنونية لما أحضرته ..هي تجلبهم لمهام معها كل مرة و تندم..سيفقدونها أعصابها ...لذا أعادت تركيزها لعملها و حملت رشاشها الثقيل بمهارة رغم أنها تشعر بألم في كتفها من كثر ما استخدمته اليوم و ارتداد الرشاش على الكتف يؤلم قليلا و سيترك احمرارا طفيفا..

لذا وضعت يدها الوحيدة المغطاة يقفاز قطني أسود و بإصبعها جهزت الزناد و استمعت لموضع الرصاص بتركيز لثوان كما لو تحاول إيجاد مصدره و فور أن فعلت تحركت دون تأخير و أخرجت رأسها قليلا من خلف الجدار تصوب على المكان دفعة واحدة و أسقطت الثلاثة على يسارها تأخذهم على حين غرة كونهم لم يتوقعوا أن تعرف أماكن اختبائهم...

فور أن فعلت ذلك جعلت الزاوية مقابلهم آمنة لعبور جيزيل لذا التفتت لها تشير لها برأسها لتتحرك ففعلت..

بسرعة ركضت جيزيل و هي تسير على الجنب بينما تصوب سلاحها أمامها لتحمي نفسها في حال ظهر شخص من العدم فركزت إيرا على منعها من أن تُصاب و جلست في مكانها السابق تصوب على المتبقين منهم ليس لتصيبهم بل لتصيب الجدران حولهم تدفعهم للإختباء ..

بينما هي تفعل ذلك نجحت جيزيل في الوصول لموقعها و تسلقت الجدار تنحني فوقه بركبة واحدة بوضعية ما كأنها قطة بينما تصوب سلاحها و تبدأ التصويب بمهارة..رؤية ذلك جعل شفاه إيرا تكشف عن إبتسامة جانبية سرعان ما أخفتها..

لقد بدأت تتحسن مهاراتها في التصويب و في ثبات يدها اليمنى ..أما توازنها على حافة الجدار فهو راجع على الأغلب أنها ترتدي الكعب العالي كل يوم و منذ أن كانت فتاة صغيرة تسرق أحذية أمها من الخزانة و تسير بهم في المنزل و تتدحرج في الدرج بعدها..

على الأقل إصاباتها السابقة في الطفولة أتت بنتيجة...

واصلت إيرا و جيزيل العمل على منطقتهما تتبادلان التعليمات عبر السماعات أو بالإشارة ..أصوات الرصاص كانت تُحدث صدى في المكان...كونهم هنا في فاليتا عاصمة مالطا....كانت مدينة صغيرة هادئة جدا و كل أبنيتها و جدرانها تبدو كأنها قادمة من العصور الوسطى..حتى أن المكان الذي هم فيه الآن يشبه حصن قلعة ..الكثير من الجدران المتقاربة و الأسطح المنخفضة و المداخل و المخارج و الأزقة الضيقة..

لعل هذا السبب في أن عصابة الماوسرز اختاروا هذه المنطقة ليؤسسوا مقرهم يختبئون فيه ..المكان صعب لأنهم يستطيعون الاختباء في المداخل الضيقة و قتلك دون أن تراهم حتى..لهذا هي لم تأت لوحدها أو مع فاليرو فقط..أحضرت فريقا مكونا من سبعة من الفاديتا و40 من رجالهم ليحاصروا المكان بأكمله و يُخرجوا رأس العصابة..لأن قتله سينهي المشاكل كلها ..

هو من رفض الإستماع للفاديتا حين أرسلوا لها رسائل قبل أشهر ليوقف نشاطاته..وهو من تجاهل تحذير إيرا في أنها ستفجر دماغه و تلتقط صورة معه بعدها لو لو يتوقف عن الإستيلاء عن شحناتهم..وهو من نشر الإشاعات بأنه من سيحكم المدينة بدل الفاديتا و هو من نشر الإشاعات بأن الفاديتا ليسوا تهديدا له هنا..

الغبي...أسس عصابة من مئتي شخص في سنة كاملة و بات يعتقد أنه ملك..هي ستقضي عليه بربع ذلك العدد و في نصف يوم..

فاليرو دوما يخبرها أنها الزعيمة و لا يجدر بها القيام بالمهام النيدانية معهم لأن حياتها و منصبها أهم و أن أي شخص سيقتلها أو يؤذيها سيعتبره إنجازا في حياته..لكنها ترفض لأنها ستفقد عقلها مللا لو فعلت ذلك..

تعرف أنه محق و أن الزعيم يخطط و يمنح التعليمات لكنه لن ينزل للميدان لأن حياته أهم بكثير في العشيرة ..حتى جدها دوما يعترض على هذا يخبرها أنها ترفع من الخطر على حياتها و تمنح أعدائها الفرصة...

لكنها فقط تشعر بالملل ببساطة..

لذا مرت حوالي 46 دقيقة من عملها هي و جيزيل و انتقالهما من مكان لآخر ..خرجتا من المداخل السفلية للسطح..ثم نزلتا للأزقة أين طوال كل تلك الفترة تلقت إيرا معلومات أن فاليرو شعر بالملل و أخذ آدلار و ذهبا لمساعدة ريلا التي تذمرت و قامت بشتمهما لأنهما لم يتركاها لوحدها لتقتل..

ثم هناك كيلان و بينيتو اللذان كانا يضحكان لدرجة أن ضحكهما غطى على صوت الرصاص حولهما و هذا ما يحدث حين تضع مهرجين في فريق واحد..

أما إيثان فهي تسمع تنهيدته في السماعات كل ثلاث دقائق كأنه يكره الحياة و كل ما يحدث و هي بصعوبة منعت نفسها من أن تقول له كلاما غير لائق..تعرفون..إحترام المسنين واجب على مواطنة ألمانية صالحة مثلها..

شعرها كان على شكل ظفائر إفريقية رفيعة جدا و قبل أيام فقط بدأت تتعود على روتين جديد للعناية به..فغسل الظفائر هذه دوما يتطلب تقنيات مختلفة ..لذا الآن كانت تجمع نصفها على شكل كعكة مبعثرة و تترك البقية لينسدل حولها و ظفائر أخرى أصغر تحيط وجهها تعيقها أكثر من مرة أثناء قتالها لما اضطرت استخدام أيديها أسفلا في الأزقة..

هي منذ مغادرتها لتانزانيا لم تعد للمنزل حتى الآن..بل فقط نادت الفاديتا ليلحقوا بها ..لقد أنجزوا عملا في قبرص قبل يومين و الآن هم في مالطا لهذه المهمة..لهذا هم بعتقدون أن غيابها كان بسبب تنقلها من مهمة لأخرى..بينما هي كانت تنتقل من متعة لأخرى مع أندريه..

أندريه لا زال للآن يتنهد كلما يتذكر أنهما أشعلا حريقا في الغابات لما ثملا و أنهما أغرقا زورقا للصيادين و أطعما السمك للسمك و رميا اللؤلؤ المسروق في دلو حليب وجداه قرب بقرة ما .. كل مرة يتذكر يمنحها نظرة تجعلها تضحك ..رؤيته و هو يحاول أن يحافظ على نظام حياته مع وتيرتها الجنونية كانت مضحكة للحقيقة لأنه في اللحظة التي دخلت لحياته كان عليه أن يعرف أنه لا امل من أن يظل كما هو..

إيرا فاديتا تدخل حياتك تعني أنك دخلت عهدا جديدا ..فقط تقبل الواقع..

الرطوبة كانت قوية بسبب قربهم من البحر و في هذا الجو منتصف الشتاء ..السماء كانت داكنة و الشمس مخفية أسفل السحب..مما جعل أعين إيرا تبدو داكنة ..كل عظامها كانت تؤلم لأنهم يقومون بهذا منذ ساعات و دمها كان حارا من الركض و المجهود و بسبب الأدرينالين و الخطر لهذا هي متأكدة أنها مجروحة في مكان ما لكنها لن تشعر بعد حتى يهدأ الوضع..كما أن ثيابها سوداء كليا..من السروال العسكري الأسود للقميص للسترة المضادة للرصاص للسترة الشتوية بالفرو الرمادي عند الأكمام..تعودت على برودة ألمانيا لدرجة أنها و رغم برودة الجو هنا إلا أنها تشعر به قويا كما في بلدها...

" هناك حركة أرصدها..."

صوت إيثان و هو يقول هذا بينما هي تنزل من الجدار تقفز للزقاق أسفلا وتركض مع جيزيل لتنتقل لموقع آخر ..

" وجدتَ الرأس ؟..."

" أجل.."

جواب إيثان أتى فوريا و جعل كل الفاديتا في السماعات يصمتون ينتظرون المزيد منه ..كونهم يبحثون عن الرأس و كل هذه الخطة كانت لإخراجه و تهريبه حتى يمكسوه و قد نجحت..وضع السم حول جحر الفئران سيخرجهم جميعا ..وهي قامت يمهاجمة كل مداخل موقعه و حاصرت كل المكان لذا كان لا بد من أن يهرب..

" هو يستقل سيارة تويوتا رمادية ..ثيابه زرقاء و سوداء ..معه ثلاثة رجال مسلحين..الموقع : 9-1-1 قرب المخرج عند الطريق الخلفي للمبنى الذي بدأ منه فاليرو و آدلار.."

أشارت إيرا لجيزيل لتتوقف عن الركض و اختبئتا قرب سيارة مركونة في الشارع و الناس فور رؤيتهم للأسلحة انصدموا و ركضوا لبيوتهم..

أنفاسهن كانت سريعة لكن جيزيل كانت تركز بملامح جدية تسمع لإيرا تقول في السماعات :

" حاصروه..لا أريده أن يفر أو يستقل أي زورق من الميناء..لو فعل سيضيع تعبنا..توجهوا لتلك المنطقة كلكم ما عدا ريلا..خذي فريقك و توجهي للجحر الذي خرج منه و تفقديه..هدفنا كان إخراجه والآن سنمسكه.."

سمعت كل الفاديتا يخبرونها عُلم في السماعات لذا رفعت هي نظرها لبعض رجالها الذي كانوا يركضون خلفها من الأسطح يقفزون للأزقة للحاق بها لذا رفعت يدها تشير لأربعة منهم بأن يتخدوا الإتجاه الآخر و يكملوا العمل بين الأفضل في فريقها كان رجل و ..إمرأة أشارت لهما بالعودة من الطريق التي أتيا منها و الحرص ألا يلحق بهما أحد

..عند رؤيتها لإيماءتهم و انطلاقهم لتنفيذ الأوامر أشارت لجيزيل أن تلحق بها و بدأتا الركض

إيرا و جيزيل من منطقة ..فاليرو و آدلار من منطقة أخرى و كيلان من زاوية مخالفة.. كلهم كانوا يركضون بين الأزقة الضيقة بثيابهم السوداء و أسلحتهم يتسلقون الجدار و يقفزون بين السيارات يثيرون الفوضى و يدفعون سكان المنطقة للصراخ برعب و الهرب من طريقهم ...

و صلوا جميعهم للمكان الذين أخبرهم إيثان عنه و كان ممرا صخريا يشبه الجسر لكنه غير مرتفع و يطل على طريق أسفلهم طويل جدا قريب من الساحل أين البحر يرتطم بالصخور و في النهاية هناك مرفأ للزوارق..

تبا..كما توقعت الوغد يود اللهرب عبر البحر..

رأته من بعيد أسفل في السيارة يحاول المرور بين الناس الذين يصرخون عليه كونه يقود في ممشى ..لكنها تعلم لما يفعل ذلك.. ليصل أسرع..أسرع مما قد تفعل هي بأقدامها..

جميع الفاديتا أنفاسهم كانت متسارعة بسبب ركضهم ومجهودهم لساعات..أسلحتهم حولهم و بعضهم ملطخ بالدم و مميز بالجروح...شعر كيلان كان شديد الشقار و حتى هو الذي يهتم بالمظهر كثيرا لم يكن يرتدي ثيابا باهضة في مهمة اليوم بل ملامحه الآن حملت بعض الإنزعاج و الغضب و هو يرى الوغد يكاد يفلت من بين أيديهم..جميعهم كانوا هنا ما عدا بينيتو ...

و حين تحركت إيرا لتركض للناحية الأخرى تبحث عن حل لتمسك الحقير قاطعتها سيارة أوشكت أن تصدمها لكنها توقفت على بعد إنشات من قدمها فرفعت نظرها للسائق تجده بينيتو و هو يبتسم بإستمتاع يقود سيارة سرقها دون شك و لأول مرة ابتسمت له بمكر كذلك لأنها أول مرة لا تندم لأنها أحضرته معها في مهمة كونه فكر أسرع من الجميع و بدل الركض للحاق بهم على أقدامه سرق سيارة..

لهذا تحضره أحيانا...كسله مفيد كونه يجد الحلول الأسرع..

لذا بدل أن تستقل السيارة معه أخبرته أن يخفض نافذته و حين فعل فاجئته و فاجئت الفاديتا لما صعدت على مقدمة سيارته و أمسكت بابه من النافذة المنخفضة و أشارت له للأمام قائلة :

" انطلق بسرعة و اقترب كثيرا من الحافة حتى أراه ..."

لمعت أعين بينيتو لما علم ما ستفعله أين يتحتم عليه القيادة دون رؤية الإمام جيدا بسبب أنها تنحني على ركبتها في المقدمة ..لذا ضغط على البنزين و انطلق بسرعة تحت ضحك فاليرو و تصفيره ..

الرياح حركت خصلاته و ظفائر إيرا التي ثبتت جسدها على مقدمة السيارة..تمسك حافة النافذة بيد و سلاحها بالأخرى و حين اقترب بينيتو من حافة الجسر الصخري التق به بقوة لدرجة أنه خدش الباب فقط حتى تنظر لسيارة رأس العصابة أسفلا و حين رصدته ابتسمت باستمتاع ثم أعادت نظرها لبينيتو قائلة:

" ارفع السرعة بعشرة.."

فورا فعل ما تقوله و في اللحظة التي صارت سيارة ابن عمتها فوق الجسر في نفس مستوى سيارة العدو أسفل الجسر أفلتت النافذة تعدل وضعيتها تستعد للقفز...

الفاديتا تركتهم في الجسر خلفها بمسافة طويلة لكنهم كانوا يراقبون ما يحدث و هم يطلون من الجسر خشية أن تقع و ترتطم بالصخور أسفلا..

جيزيل وضعت يدها على فمها و هي تراقب ذلك بينما كيلان و آدلار لم يرمشا حتى..أما فاليرو فبدا مستمتعا أكثر منه قلقا عليها..

تقدم بينيتو بالسيارة أكثر و و اقتربت هي من الحافة أكثر و في اللحظة التي رأتها ملائمة بالضبط أفلتت السيارة تقفز منها و من الجسر المنخفض للأسفل..

شهقت جيزيل فورا قبل أن تضع يدها على قلبها لما رأتها وقعت فوق سيارة رأس العصابة بالضبط..

بينما هم يراقبون إيرا ضحكت هي باستمتاع لما ارتطمت في الزجاج الأمامي لسيارتهم تدفعهم ليصرخوا على ظهورها المفاجئ فوقهم و السائق انصدم لدرجة أنه بدأ يقود بطريقة مهتزة يمينا و شمالا..لكنهم مسلحين و هي لا تستطيع منحهم فرصة إصابتها لذا اكتفت برؤية زعيمهم يرتعب لوجودها قبل أن تتسلق لتصعد على سقف السيارة بوضعية الجنود و على ركبتها صوبت فوهة سلاحها و أطلقت الرصاص عدة مرات متتالية تراه يخترق السيارة و يقتل الرجال الثلاثة المسلحين في الخلف..

حينها فقط عادت للأمام و قبل أن يسحب رأس العصابة سلاحا من رجاله الميتين في الخلف ضحكت له بطريقة مختلة ترى وجهه يشحب لمنظرها بالأسود على مقدمة سيارته و الرياح تحرك ظفائرها قبل أن توقف قلبه حرفيا و مجازيا لما أطلقت ست رصاصات عليه من الزجاج تدفع السائق ليضغط على المكابح يركن و يخرج من السيارة ركضا لينجو بحياته..

رؤية ذلك جعلها تضحك قبل أن تنزل من على السيارة و هي تربت على كتفها بلمعة إستمتاع..كأنها فخورة بنفسها لكونها أنهت الأمر بسرعة ..

راقبت بأعينها الجثث الثلاثة في الخلف و رئيس العصابة ميتا في المقعد الأمامي بأعينه متسعة مفتوحة..

تجاهلت صوت الصراخ من الأشخاص حول المكان يهربون بعد ما رأوه و فتحت الباب لتفتش جثته عن أي شيء مثير للإهتمام و هي تقوم بتعليق سلاحها على كتفها..

في أعلى الجسر راقب الفاديتا ذلك كل واحدة بردة فعل ..بينيتو الذي كان أقرب لإيرا ضحك وهو يرفع قبضته دليل الإنتصار في مهمتهم..بينما فاليرو قفز من الجسر بإبتسامة ليلحق بها ..كيلان حمل وجهه إبتسامة جانبية خافتة و هو يدس أيديه في جيبه قبل أن يسير ليلحق بهم ايضا للاسفل يرفض أن يقفز و يخاطر بسمعته..

ظلت جيزيل و آدلار يحدقان بما فعلته إيرا في دقائق و همست هي :

" اشتقت لرؤيتها تعمل هكذا..."

قالتها تقصد أنها مرت أشهر منذ أن ذهبت مع إيرا في مهمات و رأتها كيف تنجز العمل ..لكن حين نظر لها آدلار تداركت ما قالته و سارعت تصحح :

" لا اقصد أنني أحبها...أعني لا لا لا..بل ما أقصده أن طرقها في العمل جيدة..أجل جيدة.."

" طبعا..طبعا..طبعا.."

وافقها آدلار كأنه يصدقها تماما لكن أعينه لمعت بإستمتاع و هما يعيدان النظر لها تنحني على الجثة تفتشها و تنهدا حينها في وقت واحد قبل أن يبتسما إبتسامة خفية..إبنتسامة فاديتا فخور بفاديتا آخر..لأنهم كانوا عشيرة رغم مشاكلهم و فوضاهم إلا أنهم يفتخرون بدمهم و أنهم يملكون زعيمة مثلها..

...

بعد دقائق كانوا جميعهم مع إيرا أسفل قرب سيارة رئيس العصابة الميت و رأوها تقرأ محتويات محفظته و ترميهم واحدة بواحدة للبحر بملل قبل أن تصادف علبة لبان في جيبه و بكامل جديتها أخرجت حبة تضعها في فمها تتذوقها و كانت ثوان حتى رمشت و هي تنظر لفاليرو قائلة :

" خذ واحدة..هذا اللبان لذيذ حقا..تبا..."

أخذ فاليرو العلبة منها يجربه وحين أعجبه بينما يمضغه مرره لكيلان الذي أخذ واحدة و مررها لجيزيل و مررتها هي لآدلار و بينيتو و هكذا و بينما هناك سيارة بأربعة جثث أمامهم و السكان حول المنطقة يهربون من المكان و يتهامسون حولهم ..بعضهم ينادون الشرطة إلا أن الفاديتا كانوا يتلذذون بعلبة اللبان التي وجدوها في جثة بل و يقيمونها...

" تعتقدون أنه يمكننا أن نجد محلا قريبا يبيعها...؟ .."

نطق كيلان و هو يمضغها و يتفقد العلبة و العلامة فيها فأجابته جيزيل :

" هي لذيذة بالفعل..سأتفقد إن كنت أستطيع طلبها من الإنترنت و إلا سنضطر لأخذ علب منها..كليمنتين ستحبها جدا.."

" أتفق..خاصتي مذاق العنب ماذا عنكم؟.."

" أنا ليمون .."

نطقت إيرا بهذا و أضاف فاليرو بعدها :

" أنا مذاق نعناع.."

" فراولة.."

" أنا لا أهتم المهم أن خاصتي سوداء كثيابي .."

من قال الجملة الأخيرة كان آدلار و هو يريهم علكته التي حين مضغها صارت قاتمة سوداء مما يعني أن مذاقها شيء قريب من التوت على الأغلب لكنه سعيد كون لونها كثيابه..كالعادة طبعا..

صنعت إيرا عدة فقاعات بلبانها قبل أن تمسح يدها من الدم في ثيابها و تشير لكيلان كي يمنحها هاتفه :

" أريد أن ألتقط صورا .."

" هنا ؟.."

" لقد أخبرت رأس الفأر هذا أنني سأقتله و ألتقط صورة لذلك..أنا لا أخلف بوعودي.."

" بالتأكيد .."

أجابها كيلان بلمعة إستمتاع و هو يسحب هاتفه ليقوم بتصويرها فقامت هي تصعد فوق مقدمة السيارة ..سلاحها ترتديه على كتفها ..تفرقع فقاعات اللبان بإبتسامة بينما هي تجلس و جثة رئيس العصاية خلفها في مقعد السائق ..

كيلان انحنى يلتقط لها عدة صور كونه خبير في هذا..

" أنظري لليمين قليلا..أجل..أعيدي ظفائرك للخلف..ممتاز..مرة أخرى..أجل..."

التقط لها عدة صور بينما البقية يراقبون باستمتاع وهم يمضغون العلكة ..ثيابهم السوداء و اسلحتهم و الدم الذي على أجسادهم لا يوافق حقيقة أنهم يمضغون اللبان و يصنعون فقاعات يلتقطون الصور كأنهم أطفال..

" زاي و كلار سيحبان هذا ..في ظرف ساعات سينشران الخبر بين العصابات .."

قالها كيلان بإبتسامة مستمتعة و هو يرسل صور إيرا لمجموعة الفاديتا في حين إيرا نزلت من السيارة و هي تقترب من بينيتو الذي كان يحاول سرقة مفتاح السيارة لكنها صفعته من راسه تقول :

" توقف عن هذا..كم مرة سأصفع رأسك اليوم ؟ يدي تعبت.."

قالتها بتذمر و هي تصنع المزيد من الفقاعات بلبانها تدفعه ليرفع أيديه باستسلام بينما يبتسم بحماقة لها ..قبل أن تسمع كيلان يقول لجيزيل :

" لا أصدق أن ثيابك خرجت سليمة ..."

اتسعت إبتسامة جيزيل و هي تدور حول نفسها تتموضع كأنها عارضة أزياء تريهم كيف أن ثيابها الباهظة لا تزال غير ممزقة لكن قطع عليها جولة عرض أزيائها تلك صوت صافرات الشرطة بعيدة عنهم فضحكت إيرا بإستمتاع تقول :

" بالضبط ما كنت أنتظره.."

نظر جميعهم لها بينما هي أعادت ظفائرها للخلف تقول بملعة في أعينها الزرقاء :

" يقولون أن المال لا يشتري لك السعادة..لكنه يجلب لك الشرطة..نفس تعريف السعادة.."

ضحك آدلار و فاليرو بينما البقية كتموا ضحكتهم بإبتسامة حمقاء..

ثم و وسط ضحكاته قال لها فاليرو :

" تبا....ألا يمكنك أن تكوني طبيعية ولو لمرة ؟.."

" حاولت من قبل..أسوأ دقيقتين في حياتي.."

اقتربت أصوات الشرطة فتحركت هي لتغادر المكان فلحقها فاليرو يلف ذراعه على كتفها و البقية يلحقون بهما و سمعا حديثهما مع بعض حين أخبرها فاليرو بإبتسامة :

" ألا يمكننا الهرب فقط و تناول الغذاء أنا جائع ..."

" يمكننا...أريد تناول السمك.."

" لكنني أريد شيئا فيه دجاج.."

" لا.."

" لكنني أملك حساسية منه.."

" و انا أملك دكتوراه في تخصص إسمه ' افعل ما تريده إيرا ' ..لذا إخرس.."

لكمها فاليرو من ضلعها فتأوهت بألم لكنه ضحك عليها قائلا :

" عظامك هشة و لم تعد صالحة للأكشن.."

" أتفق أنا في السابعة والعشرين فقط..لكن شهادة ميلادي عما قريب ستوضع في المتحف على أنها وثيقة تاريخية من قِدمها أقسم لك.."

دفعها فاليرو من كتفها مجددا و حين أرادت ضربه هرب فلحقت به ركضا يتركان البقية خلفهما يسارعون للحاق بهما بإبتسامة على وجوههم..

حينها همست جيزيل لكيلان بلمعة في أعينها :

" هل هي دوما مضحكة هكذا ؟.."

" أجل.."

" منذ متى تملك حس سخرية ؟.."

ضحك كيلان و هو يجيبها :

" منذ الطفولة..هل نسيتِ ماذا كانت تقول دوما ؟.."

" تقصد حين كانت تتأخر و تبرر ذلك بأنها ليست متأخرة و إنما مبكرة من أجل الغد ؟.."

" أو حين كان تقول أنها تجيد قراءة عقولنا و كل مرة ننظر لها تخبرنا أننا نفكر بلما هي مجنونة .."

" أجل..أجل و حين يسألها أحد لما تتجاهله فتجيب بأنها لا تتجاهله و إنما هي تتخيل تفاصيل موته في ذهنها لتمرير الوقت .."

" هي ليست مضحكة فقط بل تتحدث السخرية بطلاقة أيضا ...الفاديتا موهوبين لست متفاجئا.."

اتسعت إبتسامة جيزيل باستمتاع بينما آدلار دخل وسطهما يقول :

" أملك تحليلا ...هل تعتقدون أن إيرا جعلت شعرها على شكل ظفائر كي ترسل لنا رسالة خفية بأننا سنتجه بأعمالنا لإفريقيا عما قريب.."

قلب كيلان أعينه على ذلك بينما نطق بينيتو وهو يسير قربه :

" ما دخل الشعر باحتلال الفاديتا لقارة أخرى..؟.."

" النساء لا يفعلن شيئا دون سبب.."

" هنا أتفق.."

من قال الأخيرة كان كيلان و هو يتابع :

" الشعر الجديد يعني مرحلة حياة جديدة..زعميتنا على الأغلب تواعد رجلا ما أو تزوجت سرا.."

انفجر جميعهم ضحكا عليه كما لو قاله سحيف جدا بينما يركضون للحاق بفاليرو و إيرا يتركونه خلفهم ليتذمر قائلا :

" أنا جاد..أتحدث عن خبرتي في الحياة و الحب و النساء.."

مجددا سمعهم يضحكون عليه و هم يركضون فلحق بهم بخطوات سريعة حتى صار قربهم يحاول إقناعهم :

" لما تضحكون ؟..هل الأمر مستحيل ؟.."

" أنت تحتاج علاجا نفسيا كيلان.."

" لما أحتاج طبيبا نفسيا و أنا أملك النساء و وجهي ؟.."

قبل أن يجيبه أحد سمعوا صوت إيرا تناديهم ليسرعوا للحاق بها ففعلوا قبل أن تلحق بهم الشرطة و هم لم يتناولوا الغذاء بعد..

.......

في مبنى السكن الجامعي للإناث و في الغرفة 221 كانت هناك أورورا سييرا تستلقي على الأريكة تشاهد التلفاز قليلا بعد عودتها من الجامعة..كانت تأخذ راحة حتى تستطيع حضور حصة أخرى بعد ساعات و القيام بأبحاثها في المساء ..هي لا تتقن الحديث بالألمانية بعد سوى الأمور الأساسية للحياة اليومية و بصعوبة..لكن لأنها تكمل شهادتها في الدراسات العليا فهي أخذت حصصها كلها بالإنجليزية و هو مسموح به هنا..

نظرت لغرفتها حولها و التي لا يجدر بها ألا تناديها غرفة بسبب حجمها الكبير..كانت تريد عيش تجربة الإقامة الجامعية ككل لكن فور قدومها هنا وجدت أنها مسجلة بالفعل في هذه الغرفة...و يمكنها التخمين من خلف ذلك ببساطة..

أخوها وافق أن تعيش التجربة دون تأثير لقبها و وضعهم المالي لكنه حتما لم يقبل أن تعيش في غرفة صغيرة مع شريكة سكن ..و لا تعرف أصلا كيف تدبر أن يوفر لها غرفة كهذه...كانت كبيرة جدا و لها حمام منفصل و مطبخ صغير جانبي..و لعل هذا السبب في أن بعض الفتيات في الغرف المجاورة كن يمنحنها نظرات لئيمة..لأنهن تنمن مع بعض في غرفة صغيرة و هي لوحدها في مكان ممتاز كهذا..

أحد أسباب قدومها هنا هو أنها تريد الإبتعاد عن إسبانيا..ليس فقط هربا من حياة أخيها الإجرامية و رقابة لقبه في كل مكان..بل بسبب أنها تريد مساحة شخصية لتأخذ قرارات مهمة في حياتها دون أن يكون حراس شخصيين خلفها و أعين تراقبها من المجتمع المخملي في إنتظار خطأ منها ..

هنا لا أحد يعرفها و لقب سييرا لا يملك نفس التأثير كما في إسبانيا..هذا بلد الكابوني و الفاديتا و لا قانون فوقهم..

لقد أخبرت المشرفة أنها لا تريد البقاء لوحدها و انه مسموح لها بضم فتاة معها في الغرفة لكنها تنتظر منذ أيام و لم يأت أحد..ربما جميعهم انتقلوا بالفعل و لا يوجد طلاب جدد بتاتا مما جعلها تفقد الأمل قليلا..

من الجيد أنها سجلت في عدة أنشطة و وجدت ما الذي تشغل به وقت فراغها و إلا كانت ستشعر بالوحدة حقا..

طرقات على باب غرفتها أخرجتها من شرودها فنظرت للباب باستغراب قبل أن تقف من مكانها يتضح ما ترتديه و ثيابها كانت تصرخ بأنها باهضة جدا من سترته االجلدية الرمادية لأقراطها و أساورها و هي مشكلة عليها أن تعمل عليها أن أرادت العيش بسلام هنا فكل مرة تدخل لقاعة المحاضرات تتبعها الأعين و حتى خارج الجامعة ..سيتحتم عليها شراء ثياب عادية حتى الجينز خاصتها كان من علامة كبرى و هذا لا يساعد..

فتحت الباب لتتفاجئ من وجود فتاة حولها الكثير من الحقائب و الأغراض وحتى النباتات و تبدو أصغر منها سنا و على الأغلب هي أيضا تفاجئت بأورورا لأنها ظلت تحدق بها بشفاه متفرقة و أعين متسعة..

مررت أورورا أعينها الزرقاء عليها تحاول معرفة من تكون حتى لاحظت المفتاح في يدها و غرفة التسجيل فعلمت فورا أنها شريكتها في الغرفة لذا أضاء وجهها بالكامل بإبتسامة جميلة قبل أن تقول بسعادة :

" أنتِ ستقيمين معي ؟.."

ظلت الفتاة تحدق بها بنفس الطريقة فاعتقدت أورورا أنها لا تفهم الإنجليزية لذا عضت على شفتها قبل أن تخبرها مجددا :

" أنا لا أتحدث الألمانية ..آسفة.."

نبرتها المتأسفة و هي تقولها بطريقة ظريفة جعلت الفتاة تخرج من تحديقها و أخيرا و تحمر وجنتيها خجلا قبل أن تقول بالإنجليزية :

" أ..أنا أمريكية..أعتذر..لقد تفاجئت فقط لأنك جميلة..الفتاة في الأسفل أخبرتني أنك أسوأ شخص في السكن و كنت متخوفة قليلا.."

قالت الفتاة كل هذا بسرعة و بتوتر تجعل أورورا تتفاجئ ..

" فتاة أخبرتك أنني الأسوأ؟ لكنني لا أعرف أي فتاة هنا ؟ و لا أجيد اللغة لأتحدث معهن.."

" خمنت ذلك..وجهك السبب.."

كانت تقصد أن جمالها و حقيقة أنها لا تتحدث معهن جعلها توضع في جانبهن السيء..و مسحت أورورا على شعرها ترفض نفي أو تأكيد ذلك قبل أن تمد يدها تصافحها بإبتسامة لطيفة :

" أنا أورورا بالمناسبة.."

" إيفانكا.."

قالتها بهمس و خجل و هي تصافحها و فورا أدركت أورورا أنها ليست إجتماعية كثيرا خصوصا من وقفتها و كيف تبدو كأنها تود الإختفاء من الأنظار..

لكنها لا تمانع ..لقد أحبتها فورا لذا دون أن تنتظرها أمسكت حقائبها تجرهم للداخل تساعدها كونها كانت أصغر حجما منها و أغراضها تبدو ثقيلة .

" مرحبا بك إيفانكا..لا بد و أنك متعبة..دعيني أساعدك.."

حدقت بها إيفانكا مجددا بتفاجئ لنبرتها اللطيفة قبل أن تومأ لها بإبتسامة خجولة و هي تحاول جر حقائبها أيضا و نباتاتها للداخل و فقط حين أدخلت كل شيء تغلق الباب خلفها و التفتت اتسعت أعينها و هي تنظر للمكان..

الجدران كانت بلون أبيض و النوافذ كانت واسعة و كبيرة..هناك تلفاز و أرائك و حمام خاص و مطبخ في الجانب و سرير و مكتب و خزانات مختلفة الأحجام بالإضافة لزينة في كل المكان من آنيات الزهور لمرآة و أغراض التجميل و العطور وصولا للزرابي و طاولة أخر قرب النافذة..

فورا نقلت أعينها لورقة التسجيل في يدها تتأكد من المعلومات وهي تتمتم :

" أعتقد أن هناك خطأ ما هنا.."

توقفت أورورا مكانها تضع لها حقيبتها في الزاوية و ترى استغرابها و تحديقها بالورقة كما لو تحاول معرفة لما هي في مكان كبير كهذا و الذي لا يشبه غرف السكن الجامعي بشيء لكنها قررت ألا تخبرها الحقيقة..

هي تريد ألا يعرف أحد من تكون عائلتها لذا فورا أخبرتها :

" أنا أيضا فكرت بذات الشيء..لكن أعتقد أن كل الغرف محجوزة و لم يتبق سوى هذا لنا لأننا آخر الواصلين .."

فكرت إيفانكا بهذا قليلا قبل أن تقتنع فأومأت برأسها و ظهرت إبتسامة أخرى على ملامحها تتنهد براحة تهمس بصوت ناعم خافت مجددا :

" هذا مريح..حظي جيد اليوم..."

" ما عدا فيما يخص السرير .."

أشارت لها أورورا أنه يوجد سرير واحد قبل أن تتابع :

" سيكون علينا أن نتدبر أمرنا الليلة حتى نحضر سريرا لك غدا ..."

" حسنا لا مشكلة.."

صوتها دوما خافت كأنها تخشى أن يسمعه الناس و ينتبهوا كما أنها لا تحافظ على تواصل بصري أطول من ثلاث ثوان ..

هل أورورا سييرا حصلت على شريكة سكن خجولة و إنطوائية ؟ أجل ..

هل هي أحبتها ؟ أجل..

لقد كانت تبدو صغيرة و لطيفة..ربما هذه سنتها الأولى في الجامعة أصلا..

" ما تخصصك و عمرك إن لم تمانعي أن أسألك ؟.."

نزعت إيفانكا حقيبة ظهرها تضعها أرضا تجيبها بإبتسامة ظريفة :

" 18..سأدرس هندسة ميكانيكية.."

" هذا يعني أنك تتحدثين الألمانية ؟.."

لأن من يدرسون لشهادة البكالوريوس يجب أن يتحدثوا الألمانية هنا ..

" أجل..أمي ألمانية.."

فورا تنهدت أورورا براحة تخبرها بسعادة :

" الشكر للرب..لأنني لا أتقنها و هذا سبب لي مشاكل في التواصل.."

" سأساعدك إن أردتِ؟.."

عرضت عليها المساعدة بنفس النبرة اللطيفة و فورا اقتربت منها اورورا تمنحها عناقا كأنهما أعز صديقات فقط لأنها تحب منح الحب و الرعاية للأشخاص و معانقتهم دوما..و على الأغلب شريكتها في السكن تفاجئت من العناق أيضا..

لا بأس ستتعود..أورورا تحب عناق الأشخاص كثيرا..

" و أنا سأساعدك في ترتيب أغراضك..سأفرغ لك قسما من خزائني...هيا.."

فور أن قالت هذا أفلتتها و هي تتجه لكل خزانة تفتحها لتزيح لها مكانا بينما تخبرها أنها سعيد بعض أغراضها للحقائب كي يلائمها الوضع..و حدقت بها إيفانكا بإبتسامة و هي تتنفس بارتياح..حظها فقط لم يجعلها تحصل على مكان سكن مريح هكذا بل حصلت على شريكة سكن لطيفة جدا فوق ما أنها جميلة جدا لدرجة صدمتها..

ربما قرارها في أن تدرس في بلد أمها ليس سيئا كما اعتقدت أثناء قدومها هنا ..

.....

مرت ساعتين و أنهت أورورا مساعدة إيفانكا في ترتيب كل أغراضها و أثناء ذلك تحدثتا عن الكثير من الأمور..عن دراستهما و تخصصهما..عن بلدهما أين شرحت لها إيفانكا أن والدها أمريكي لكن أمها من هنا و هي بصعوبة أقنعتهما ليسمحا لها بالدراسة هنا و تجربة شيء جديد بعد أن قضت كل حياتها تدرس في الولايات المتحدة وهذا سبب التحاقها بالجامعة في وقت متأخر و أخذها صفوفها في الإنترنت قبلا..بينما أورورا أخبرتها أنها من مدريد و أرادت أن تكمل دراستها فقط في دولة مختلفة و ستعود بعد سنتين لبلدها ..

إيفانكا تحب النباتات و ركوب الدراجة ..بينما أورورا تحب لعب التنس و الغولف..الأولى إنطوائية و الثانية إجتماعية أكثر منها..

أورورا تحب الثياب و الموضة و التجميل لكن إيفانكا لا تستخدمهم كثيرا و بالتالي لا تملك الكثير من مساحيق التجميل أو العناية بالبشرة لهذا سمحت لها أن تستخدم أغراضها ..

إيفانكا كانت بيضاء البشرة شعرها أسود مموج يصل لكتفها ..تملك شيئا يشبه غمازة في ذقنها جعلت وجهها الدائري يبدو ملائكيا و اصغر سنا بكثير ..أعينها كانت واسعة كفتاة فضولية و ربما هي محقة في أنها لا تحب إستخدام أي شيء على وجهها لأن ملامحها كانت بريئة بشكل ناعم..

ثيابها كانت ملونة و حذائها مثل كل أغراضها المدرسية ..كل شيء مرسوم و ملون كأنها ترسم على أغراضها بنفسها و هذا كان مختلف جدا عن أسلوب أورورا لكنها لا تعترض بل أحبت اكتشاف جانب طبيعي من اي فتاة في هذا السن بعد أن تعودت على مصادقة فقط فتيات من طبقتها المخملية كونهن آمنات أكثر حسب قول أخيها ..

أول نصف ساعة كانت إيفانكا خجولة معها لكن الآن بدأت تتحدث براحة أكبر..

" أعتقد أنني سأضعهم هنا ليصلهم الضوء .."

قالت إيفانكا وهي ترتب نباتاتها في زاوية قريبة من النوافذ و وافقتها أورورا فورا بينما تقوم بتفريغ حقيبتها و وضع أغراض جديدة فيها..

" لا مشكلة ..انتبهي فقط للنافذة تلك لأن فتحها صعب قليلا .."

قضبت إيفانكا جبينها و نظرت للنافذة تحاول فتحها لكنها لم تستطع فابتسمت أورورا تنتبه لذلك لذا ارتدت سترتها الجلدية مجددا و اقتربت منها تقف قربها..فرق الطول بينهما كان واضحا جدا حتى حين مدت سييرا يدها للنافذة تسحبها تفتحها حدقت بها شريكتها لثوان قبل أن تتنهد و تقول :

" أنا بالكاد أستطيع فتح قارورة عصير أحيانا..لذا لا تتفاجئي.."

قالتها لأورورا كما لو تبرر لها أن حجمها الصغير جعل عضلاتها كسولة جدا و بالكاد تقوم بالأعمال الشاقة لكن أورورا فقط ضحكت بخفة تجيبها بينما تتوجه لسريرها :

" لا بأس بذلك..أخبريني كل مرة وسأفتحها لك.."

" شكرا.."

مجددا همست إيفانكا بطريقة خجولة و هي ترى أورورا تنحني لترتدي حذائها فاقتربت منها بتردد تسألها :

" هل ستخرجين ؟.."

رفعت أورورا أعينها الزرقاء لها تجيبها :

" أجل..لدي حصتين مساءا سأعود بعد ساعات....يمكنك النوم على سريري لا بد و أنك متعبة من السفر..هناك طعام في الثلاجة ايضا..خذي راحتك.."

قالتها و هي تقف بينما تتجه للمرآة تتأكد من أن خصلاتها مرتبة قبل أن تعيد وضع طبقة من ملمع شفاهها و رشات من العطر قبل أن تنتبه أن الأخرى ظلت صامتة لذا نظرت لها من المرآة تراها تعبث بأصابعها بتوتر ..حينها رقت ملامحها قليلا..

لقد كانت أصغر سنا منها و هذه مرتها الأولى بعيدا عن عائلتها ..بلد جديد و أول مرة تسافر..هي إنطوائية قليلا و لا بد و أنها متوترة من أنها ستبقى لوحدها في الغرفة..ربما هي لا تستطيع تفهم شعورها كليا كونها متعودة على السفر لوحدها منذ مراهقتها لكنها تستطيع التخيل أن الموضوع صعب عليها..

لقد كانت ظريفة و صغيرة لدرجة تود الإعتناء بها كليا لذا اقتربت منها تحمل حقيبتها قبل أن تمد يدها لها قائلة :

" امنحيني هاتفك .."

رمشت إيفانكا نحوها لثوان قبل أن تخرجه من جيب سترتها تمده لها ..حينها كتبت لها أورورا رقم هاتفها تخبرها :

" يمكنك أن تتصلي بي لو حدث شيئ ما..أو أرسلي لي رسالة إن شعرت بالقلق أو الملل أنا لا أمانع..."

أنهت كتابة رقمها و إسمها و أعادت لها الهاتف بإبتسامة ترى الأخرى تنظر لها بامتنان لم تستطع أن تقوله بلسانها لكنه انعكس على ملامحها و ذلك كان كافيا..

إيفانكا لم تكن قصيرة حقا..بل كانت بطول متوسط بالنسبة لأي أنثى ..هي فقط كانت طويلة بسبب جينات السييرا خاصتها و هذا كان يجعلها تبدو أكبر من شريكتها في السكن رغم أنها الحقيقة اصلا..

لذا ودعتها تتركها تجلس على حافة السرير كفتاة صغيرة ضائعة رغم أنها حاولت تخفي ذلك و هي تمرر أعينها على الغرفة و تتنفس ببطء..

لذا زمت أورورا شفاهها تغلق الباب و تسير في الرواق بينما تسحب هاتفها و تطلب لها سريرا ليتم إيصاله.. سرير مثل خاصتها بالضبط لأنها لا تودها أن تشعر بالفرق..ستمثل أن السرير وصل من خدمة السكن الجامعي و ليس منها ..لكنه أقل ما يمكنها فعله لها لتجعلها تشعر بالراحة..

لا تعلم ما الذي يجدر بها منحه لفتاة في الثامنة عشر تشعر بشعور الغربة والوحدة بعيدا عن أهلها..

كانت أورورا تسير و هي تقلب الصفحات في هاتفها تحاول طلب ثياب أخرى لنفسها عادية و أقل قيمة مما تملكه قبل أن تستوعب أن طلبها من الإنترنت لا يوافق المعايير التي تريدها اصلا لذا تنهدت تقرر أنها ستترك الأمر لنهاية الأسبوع لتخرج و تتسوق بنفسها من محل تجاري ما قريب..

كانت تسير و تسمع بعض الشبان يقولون لها شيئا ما من حين لآخر ..شيء قريب من الغزل نظرا للنظرات التي يرمقونها بها من الأعلى للأسفل..لكنها لا تفهم اللغة و هي ممتنة لذلك حاليا..

لذا وضعت أيديها في جيب سترتها الجلدية الزيتية القاتمة و هي تدخل للجامعة بهدوء تمرر أعينها الزرقاء على كل شيء حولها باهتمام ..تنظر للأبنية المختلفة للتخصصات المختلفة و تتساءل أين هو المبنى الذي ستدرس فيه إيفانكا ..

حتى فجأة سمعت صوت ضحكات قريب منها فنظرت لتجدهم جماعة من الطلاب ملتفين حول سياراتهم المركونة و يضحكون باستمتاع و كلهم يبدون من نفس نمط العائلات بسبب ثيابهم و سياراتهم الباهظة لكن ليس هذا ما جعلها تبتسم بل الشاب وسطهم..

كان موريس كابوني..ابن عم أندريه و لقد سبق و التقته في عدة مناسبات كما أن أندريه أخبرها أنه يعلم بانتقالها هنا و سيعتني بها هناك..موريس نفسه أرسل لها رسالة قبل أيام أخبرها أنه سيأتي للجامعة بعد أيام كونه منشغل في عمل ما مع العائلة..و هي لم تستفسر لأنها ترعف أي أعمال يقومون بها الكابوني و لا تريد التخيل حتى..

لكنه هنا الآن ..وسط رفاقه و يضحك معهم حول شيء ما..ثيابه كانت تجعله مختلفا و شعره كان مجعدا و مبعثر يسقط على جبينه ..طريقة جلوسه على مقدمة السيارة و ضحكه كانت مرتخية و مرحة و هو ما جعلها تتساءل عن نوع الأعمال التي يقوم بها لعائلته ..

كانت لحظات فقط حتى انجرفت أعينه نحوها كأن وجودها اخترق مستوى نظره و رأته يرمش يحاول التاكد مما يراه قبل أن تتسع إبتسامته و هو يقف معتدلا مكانه يقول شيئا لرفاقه يودعهم قبل أن يقترب منها بخطوات متسارعة و النظرات تلحقه..

" أورورا..أنتِ هنا.."

قالها بالإنجليزية وفور وصوله عندها عانقها عناقا عفويا قبل أن يحدق بها بلمعة في أعينه و هو يضيف :

" مسرور جدا لرؤيتك..أعتذر لأنني لم أكن موجودا هنا منذ يومك الأول..هناك الكثير من الكابوني هنا لكنني لم أرد من أحد منهم أن يكون صديقك قبلي لهذا لم أخبرهم أن يرحبوا بك.."

اعترف بهذا فورا بنبرة إستمتاع جعلتها تضحك بخفة و قبل أن تتحدث وضع يده على كتفها بعناق جانبي كأن الملامسات هذه بالنسبة له طبيعية و لا نية سيئة خلفها ..لأنه فورا التفتت للجماعة التي كان معهم و اشار لها بيده قائلا :

" ذلك سييان..ابن عمي ..ربما تتذكرينه من حفلة لوس آنجلوس قبل سنتين..صديقتك طلبت رقمه يومها ..لا ألومها حتى أنا طلبت رقمه لأنه يحظرني من رقمه القديم..."

ضحكت أورورا بخفة قبل أن تسمعه يضيف :

" تلك التي تبدو كأنها ولدت في القطب الجنوبي هي ميزا أبنة عمتي أيضا ..هي في نفس سنك لكن لا أنصحك بمصادقتها لأنها تتحدث بنفس مقدار الجنين..يعني لا شيء.."

حين قال موريس هذا قلب أعينه ثم تابع :

" من على يمينها مونتار..اين عمي أيضا هو الأصغر هنا و لو أردتِ شخصا أن يخبرك عن كل حفلة في المدينة فهو خيارك الأمثل...البقية ليسوا هنا و لم أرهم بعد لكن سأحرص على تعريفك بهم ..أما أنا فيمكنني أن أوفر لك أسئلة اختباراتك قبل يوم من الإختبار لو كنت تواجهين مشكلة مع مادة ما.."

قالها وهو يمنحها نظرة أخرى مستمتعة دفعتها لترفع حاجبها له بإبتسامة تخبره :

" هل يعلم أندريه أنك تتاجر بالإختبارات؟.."

" لا..لكنه عمل شريف يخدم الطلاب المساكين ..لذا لنحتفط بالأمر سرا..."

قالها و هو يسير معها بإبتسامة كما لو يود إيصالها للمبنى الذي تدرس فيه و أثناء ذلك تبادلت هي معه الأحاديث و توقفت معه عدة مرات ليعانق شخصا ما يعرفه ..أخبرها عن مواعيد وجوده دوما ليلتقيا وقتها قبل الحصص و أنه يود اصطحابها بعد يومين ليريها المدينة قليلا ..ثم أراها في الهاتف أين يمكنها أن تجد أهم الأماكن و المحلات في حال احتاجت لأي شيء..

أخبرها أنها تستطيع التواصل معه في أي وقت و أن أندريه سيذبحه لو علم أنها احتاجت شيئا منه و لم ينفذه لها..

توقف مجددا ليعانق شابا ما و رأت الشاب يرمقها بنظرة معينة تعرفها جيدا لكن موريس صفعه من رأسه يجيبه بشيء جعله يرفع أيديه باستسلام و يغادر قبل أن يلتفت لها قائلا بإبتسامة مستمتعة :

" أرى أنك تحدثين الفوضى بجمالك و منذ قدومك..لدي الكثير من العمل لأقوم به و جعل الكل يحترمون حدودهم ..أصدقائي كانوا يخبرونني أن هناك لاتينية جديدة في الجامعة يريدون التواصل معها هم يائسين جدا للحب لهذا منحتهم رقم الهاتف....."

اتسعت أعين أورورا عند سماع ذلك لكنه ضحك يتابع :

" رقم هاتف حبيبتي السابقة طبعا..تلائمهم.."

هزت أورورا رأسها تكتم إبتسامتها المستمتعة على تصرفه اللئيم قبل أن يصلا لمبنى تخصصها حينها توقف هو يفلت يده من حولها و قال لها :

" أنا لا أملك حصصا هذا المساء لذا على الاغلب سأغادر بعد قليل..كما أخبرتك إن احتجتي شيئا انا هنا دوما..الجميع يعرفونني ...حتى مشرفة سكن الإناث ..إسمها ماريتا أليس كذلك ؟..أخبريها أنك قريبة موريس و ستساعدك في كل شيء..."

طبعا أورورا لم تكن ستفعل ذلك لأنها تفضل القيام بأمورها بنفسها لكنها ممتنة أنه يمنحها شيئا لتستخدمه في حالة الطوارئ..رغم أنها تشك أنها لو أخبرت ماريتا بقرابته لموريس لن ترى ابتسامتها بل رعبها..لقب الكابوني ليس شيئا يدعو للإطمئنان هنا في هذا البلد و هي حتما لا تريد ترك هكذا انطباع عند المشرفة..

" حسنا سأفعل..ممتنة لمساعدتك..أعتقد أنني سآتي لأزور أندريه بعد أيام إن لم تكن هناك مشكلة.."

" هذا ممتاز..إن كنت هنا حين تقررين سآخذك بنفسي و إلا إسألي أي كابوني هنا ليأخذك معه..هم يعرفون بوجودك لكنهم لن يقتربوا منك كونها تعليمات أندريه.."

ربما لهذا رأتهم يمنحونها نظرات صامتة دون القدوم للترحيب بها..هل سبب فعل أندريه لذلك أنه يريد حمايتها و جعلها بعيدة عن الإختلاط بالكابوني كثيرا كي لا تجلب الأنظار لها ؟ لأنه لو كان كذلك فهي تود معانقته كشكر له..لأنها حقا لا تود أن تكون مرتبطة برؤيتها مع الكابوني دوما ..الأمر أشبه بما مرت به في مدريد بارتباطها بلقبها...

لكن موريس لا يبدو من الكابوني لهذا هي تخمن أنه الوحيد المسموح له بمصادقتها منهم...

و لأن موريس يتحدث أكثر منها فقد سمعته يضيف :

" لا أودك أن تعتقدي أن هناك رقابة على حياتك العاطفية..يمكنك فعل ما تريدين طالما أي شاب يقترب منك ليس بخطر..فقط ارفضي أي شخص لقبه كابوني لأن أبناء عمي غير مؤهلين للمواعدة بقدر ما هم مؤهلين للقتل.."

همس الجملة الأخيرة كأنه يحرص أن تسمعه هي فقط كأنه سرهم و ينتمي لعالمهما المشترك فقط..عالم المافيا..لذا منحته إبتسامة مستمتعة تسمعه يضيف :

" و ابتعدي عن أي شخص يرتدي جوارب بيضاء مع حذاء أسود لأن أي شخص مريع في الموضة مريع في الجنس.."

هنا ضحكت أورورا تتركه يواصل الحديث :

" و أي شاب يشرب الشاي بدل القهوة قومي بحظره ... جديا ذلك غير رجولي.."

هزت أورورا رأسها بنفس البسمة الجميلة ..

" و أهم من كل شيء..أي شخص لقبه فاديتا اعتبريه لافتة خطر حمراء جدا..مع احترامي للجمال لكن وضعهم النفسي ليس ممتازا حقا.."

هنا سقطت إبتسامة أورورا فورا و تسارعت ضربات قلبها كأن سماعها لقب الفاديتا جعلها تتذكر شخصا ما..

شعر أشقر..أعين بنية ..نظرات تلمس روحها بطريقة مؤلمة جميلة..

يا إلهي..المرة الماضية وجهه أنساها تماما أنه فاديتا..لقد مرت أسابي منذ أن رأته آخر مرة و قد لعبت التنس أربع مرات منذ آخر لقاء لهما وهم لم يظهر بعد..ليس و كأنها كانت تنتظر قدومه لكن المرأة لا تنسى رجلا مثله..

لذا لم تستطع ألا تتساءل بصوت خافت :

" ماذا تعرف عن الفاديتا..لم ألتق بهم من قبل.."

" هنا في ألمانيا سمعتهم سيئة جدا..لا يمكنني إخبارك التفاصيل لكن من الأفضل ألا تقتربي منهم..ربما ستصادفين أفرادا منهم لأنهم في كل مكان ..لذا حافظي على مسافة بعيدا عنهم..."

مسحت أورورا على خصلاتها البنبة الداكنة كما لو تخفي توترها مما تسمعه..شعور انقباض حل في معدتها أو بما خيبة أمل..هي كانت تعلم أن الفاديتا مجرمين لكن نظرا لأن موريس أيضا من عائلة إجرامية و يتحدث عن فاديتا بهذه الرطيقة تعني أنهم أسوأ...

بما ورطت نفسها بحق الرب ؟..

لذا منحته إبتسامة غير صادقة كليا قبل أن تتمتم تمثل أنها لا تعرف الحقيقة :

" إذن إيرا هي أكبرهم ؟ لهذا هي الزعيمة ؟.."

سؤالها جعل موريس ينظر حوله كما لو يتأكد أن لا أحد قريب ليستمع لهم قبل أن يجيبها بنبرة خافتة :

" اعتقدت أنك تعلمين بحكم عمل أخيك.."

قالها بتقضيبة كأنه يستغرب من كيف أنها أخت وولف سييرا لكنها لا تعرف الرتب في الحكم ..لذا هزت كتفيها تجيبه :

" لا أسأل أخي عن هذا بتاتا.."

تنهد موريس كما لو يتفهم نوعا ما سبب عدم فعلها لذلك قبل أن يحدق بها لثوان بصمت و يجيبها بنفس الهمس :

" لا..إيرا ليست الأكبر..إيثان كذلك..رجل ضخم أشقر يجمع شعره للخلف و لا يتحدث كثيرا..كان يجب أن يكون هو الزعيم لكن هناك شائعات حول سبب عدم تحقق ذلك لا أعتقد أنها تهمك كثيرا ..لكن أجل..هو شخص أفضل ألا أتحدث معه و لا عنه..سمعت أنه قتل شخصا مرة حين لكمه لحلقه..هذا كافي لجعلك تفهمين الوضع.."

مسحت أورورا على رقبتها بضحكة توتر كأنها لم تكن تحتاج بتاتا السماع للمعلومة الأخيرة.. لذا بقلب ينبض سريعا قررت ألا تؤلم نفسها أكثر و غيرت الموضوع فورا..

" حسنا..فهمت..الفاديتا خط أحمر..سأراسلك لاحقا إذن لتخبرني بالأماكن أو الملاهي التي يجب أن أتجنبها كي لا ألتقي بأحد منهم.."

" بالطبع .."

هذه المرة قالتها و هي تعنيها كأن ما سمعته كافي ليجعلها تتجنب أي مكان فيه الفاديتا و خصوصا رجل أشقر طويل يجعل قلبها ينبض بجنون كل مرة ينظر لها..كل هذا و هي لم تقابله سوى مرتين و لا تعتقد أنها ستنجو في الثالثة..

ربما عليها فقط التركيز على دراستها و الإستمتاع بحياتها كفتاة عزباء لأول مرة..حتى لو كان الرجل يجعلها تود خوض تجربة المواعدة من جديد..حتى و هو أكبر منها و يبدو كخطأ جديد في حياتها..

......

كانت كاترينا ترتدي فستانا أبيض طويل بأكمام طويلة و ياقته مرتفعة كذلك..شعرها الأسود كان مسرح بإستقامة و تجمعه على شكل ذيل حصان مرتفع أنيق تترك غرتها المثالية مكانها تمنحها مظهرا يلائم تقاسيم وجهها بينما شفاهها بأحمر شفاه قاتم ..في يدها كانت تحمل كأس شامبانيا و تقف في زاوية بعيدة عن الأنظار ترى الحفل الذي كان يفترض أن يكون ملكها لكنها كالعادة لا تحصل على مستحقاتها أو حفاظ على ملكية أفكارها للمشاريع المماثلة..

لهذا و بدل أن تكون هي صاحبة الحفل بكونها صاحبة الفكرة إلا أنها كانت هنا وحيدة تراقب والدها و شركائه يضحكون و يلتفون بين الضيوف لتلقي التهاني على عمل ليس ملكهم أصلا..و هذا لم يكن شيئا جديدا بل حتى أنها تتجرأ و تقول أنها تعودت عليه..لكن أيديها مقيدة و هي لا تملك حق التصرف بعد..

الجو كان باردا خارجا لكن قاعة الحفلات الكبرى في هذا الفندق كانت مزودة بالتدفئة..مع ذلك سبب إرتدائها لهذا الفستان بدل الفستان الأسود الذي تركته مرميا على سريرها أن الآخر كان قصيرا و ظهره مكشوف و هي تفضل تحمل الحفلة المملة هذه في الدفء...

زاكاريا كما توقعت لم يحضر ..هي أصلا لم تره و لم تسمع عنه أي شيء منذ أيام..عدا عن حراس البناية الذين تكفلوا بإيصال أغراضها و أجهزة تصميمها لها..طرقهما لم تتقاطع..لهذا قضت الأيام الماضية تحاول التعود على الشقة أكثر..رتبت أغراضها و ثيابها في غرفتها..اشترت أغراض المطبخ الملائمة كونها اتفقت مع العاملة التي كلفها لها ألا تطبخ لها لأنها تحب تناول طعامها بنفسها و بالتالي تركت لها فقط أعمال التنظيف..

الحقيقة أنها تطبخ لنفسها بسبب أنها لا تثق في العاملة بعد و في أن زوجها لن يحاول قتلها باستخدام طعامها ..و السبب الآخر أنها اشتاقت لأيام الجامعة حين كانت تعيش لوحدها و تطبخ لنفسها..تواجدها في المطبخ كان يمنحها شعورا بالألفة افتقدته طويلا...

أعينها الداكنة الواسعة ظلت تمررها على كل الحاضرين واحدا بواحد و هي تعلم أنها لو صرخت الآن و أخبرتهم أن التصميم تصميمها لما صدقها أحد...لأن إسمها غير معروف بينهم و والدها حرص على ذلك ..و بالأخص الليلة هو منعها من الوقوف بجانبه أو خلفه بسبب غياب زوجها بعدما أوضح من قبل أنها يجب أن تحضره معها...

لا تعتقد أنه يمكن إجبار شخص من الفاديتا على فعل أي شيء ما بالك زاكاريا بالذات..

مر شخص أمامها..رجل..ثم توقف حين لمحها و رأته يمرر أعينه عليها من الأعلى للأسفل دون خجل كأنها لا تراه يفعل ذلك و كأنه يملك الحق في ذلك..بينما هي حافظت على هدوء ملامحها و انتظرت أن ينهي تفحصه لجسدها و ينظر لوجهها و فقط حين فعل رفعت حاجبها له و في حين كان يفترض به أن يخجل فعل العكس حين ابتسم بمكر قبل أن تختفي إبتسامته و هو يرمش عدة مرات يغادر فورا ..

لقد سئمت من هذه الحفلة ..لذا احتست ما تبقى من شرابها في الكأس تشعر بالشامبانيا تلمس الحلق في لسانها بينما هي وضعت الكأس الفارغ على أقرب طاولة تستعد لتغادر ...

مرت ساعة بالفعل منذ تواجدها و هي تعلم أن زاكاريا لن يأتي و والدها سيظل غاضبا منها و يتجاهلها لذا من الأفضل أن تعود للشقة و تستعد لمواجهة غضبه غدا في المكتب ..

لذا عادت للخلف خطوة بينما تمسك فستانها بيد كونه طويل و ضيق يزعجها قليلا في المشي و فور أن استدارت تجمدت مكانها ترى زاكاريا ..

كان يتكأ بكتفه على العمود خلفها بمترين يرتدي بذلة سوداء بقميص أسود كذلك ..يد في جيبه و الأخرى يدخن بها بملامح باردة.. هناك جرح على جبينه و ما جعلها ترمش بتفاجئ كان المسدس الذي يظهر مثبتا عند سرواله ..

نظرت له و هي متجمدة مكانها و نظر لها أيضا كذلك ببرود يواصل تدخينه...هل كان خلفها طوال الوقت ؟ ..هناك رائحة السجائر و الشراب في القاعة لهذا لم تشك بتاتا في وجوده...لكن هل هو كان هنا منذ مدة ؟..

ألم يخبرها أنه مشغول وأنه غير مهتم ؟..

و لما هو يحمل مسدسا في حفلة خاصة بصناعة السيارات ؟..

" أرى أنكِ لا زلتِ حية.."

صوته وهو يقول هذا بينما يرمي سيجارته ينفث الدخان يتقدم نحوها ببطء و أيديه في جيوبه كأنه لا يهتم و يشعر بالملل بالفعل...

صوته فقط ما أخرجها من شرودها و هي تجيبه بهدوء :

" للأسف..تحملني لأيام أخرى.."

تنهد زاكاريا كأن تحملها لأيام أخرى أصعب مهمة في التاريخ و بصعوبة منعت هي ابتسامتها من الظهور تراه يتوقف جانبها يفوقها طولا و هو يمرر أعينه البنية الداكنة حول المكان بانزعاج كأن كل شخص في الحفلة هو يكرههم دون أن يعرفهم أصلا و سيفضل النوم على تواجده هنا..

لذا ظلت تقف جانبه و سألته :

" لقد تأخرت قليلا على إعلان الإصدار الجديد...الحفلة في ختامها ..."

" الحفلة تبدأ عند قدوم الفاديتا.."

قالها باعتيادية كأنه يقول الحقائق و بإبتسامة خفية هزت رأسها كونها تعودت على عادات و عبارات الفاديتا هذه..

" اعتقدتُ أن جدول عملك مزدحم..."

" أجل هو كذلك.."

" حقا ؟.."

" فض نزاع بين عصابتين في الصباح.. قتل شخص بعد الغذاء ..ثم حراسة شحنة مخدرات جديدة و نقلها للموقع الجديد مساءا ..و بعدها جنود أوغاد من السازايا خربوا عملا آخر لإبن عمي و نجوت من رصاصتين..يوم جيد حسب رأيي.."

قالها مجددا بجدية وهو يمرر أعينه على الحفلة أمامه بينما يمسح على شعره البني الداكن و انتبهت أن أيديه مجروحة و تحتوي كدمات تماما كالجرح في جبينه ..

الصدق في نبرته جعلها تحملق به تستوعب أنه فعلا لا يكذب و قد فعل كل هذا ...و حقيقة أن زاكاريا دوما يقول الحقيقة حين تسأله عما فعله كانت تفاجئها..صدقه من جهة و عدم اهتمامه بعواقب اعترافه بأشياء كهذه لإمرأة عادية مثلها..

و قبل حتى أن يمنحها وقتا كافيا لتنصدم أعاد أعينه لها يقول :

" ذكريني مجددا عما تدور عنه هذه الحفلة .."

" ألا تعتقد أنه يجب عليك إخفاء سلاحك أولا ..."

" لن أفعل.."

زمت كاترينا شفتيها على النظرة التي منحها لها كأنه لا يستوعب أنها تطلب منه إخفاء هويته ..

الفاديتا لقبهم على جبينهم...و إخفاء مسدس لن يخفي حقيقة أن الفاديتا يملكون بالفعل إستثمارات في كل شركات السيارات الألمانية لهذا هم يحصلون على سيارات معدلة و مصنوعة لهم خصيصا لتلائم عملهم ..كالصفائح المضادة للرصاص و مواضع لتخبئة السلاح أو تهريبه عند السفر..هي فقط لا تعرف هذا..

لذا هو اكتفى بالسير معها عند والدها الذي يقف مع شركائه و لاحظ فورا كيف عضت على شفتها السفلى بتوتر سرعان ما أخفته لما اقتربا من الجماعة...

أول من رآهما كان والدها الذي ظهر التفاجئ على ملامحه فسارع زاك يضع يده خلف ظهر كاترينا يشعر بتصلبها لحركته..لكنه هنا لخطة..و والدها يعتقد أن كاترينا أغوت زاك جنسيا و دفعته ليتزوج بها..بينما هي أخبرته بالحقيقة منذ أول اليوم و بالتالي عليه أن يمثل أمامه كما فعل دوما في الأسابيع السابقة و هو يصطحبها لمواعيد مزيفة يمثل أنهما في علاقة..

و بالتالي حين وصل عندهم قال بملامح خاوية كالمعتاد من زاك فاديتا :

" سيد دوستن..."

" زاك..لم أتوقع أن تحضر الحفلة ..."

قالها وهو يمد يده ليصافحه لكنه نظر لابنته بإبتسامة مزيفة تعني ' لما كذبتِ علي بأنه غير قادم ؟ '..و كرد عليه منحته كاترينا نفس الإبتسامة غير الصادقة..

لحظتها تدخل زاك يقول بنفس البرود وهو يمرر يده على ظهرها يمسح عليه كأنه متعود على فعل هذا دوما :

"رينا لم تكن تعلم أنني قادم..تأخرت بسبب بعض الأعمال.."

ما قاله جعل قشعريرة تمر على جسد كاترينا ..بسبب لمساته و بسبب اللقب الذي تعلم أنه تمثيل لكنه لا يزال غريبا سماعه منه..كيف اختصر إسمها من كاترينا لرينا كأنه فعله األف مرة من قبل..و عليها أن تعرف أن اللقب كان إضافة ممتازة لأن لا شيء سيؤكد قربهما أكثر من لقب حميمي صادر من زاكاريا فاديتا الذي يبدو كأنه شخص يفضل الموت على التصرف بحميمية..و على الأغلب والدها صدق ذلك لأنه أومأ بلمعة في أعينه و سقطت أنظاره على مسدس زاكاريا الظاهر في جانبه كتأكيد لأي نوع أعمال تأخر بسببها..

" بالتأكيد أتفهم ذلك...الحفلة بدأت توا أصلا..."

و لسبب ما رفعت كاترينا نظرها لزاك في تلك اللحظة لتجده التفت لها يمنحها إبتسامة جانبية كما لو يخبرها ' هل ترين ؟ أخبرتك الحفلة تبدأ بالفاديتا ' و سرعان ما أبعدت وجهها عنه لتخفي إبتسامتها كذلك ...

دار حديث بعدها بين والدها وزاك يعرفه عليهم قائلا بأنه زوج كاترينا إبنته يسبب تفاجئهم الكلي..ثم عرفه على الرجال معهم و من بينهم دينيس ألبريتش ..الرجل الذي بسببه أقام والدها هذه الحفلة لأنه من سيمول المشروع الجديد ...كانت هي تستمع للمحادثة بهدوء أين تحدثوا عن كل استثمار ناجح للفاديتا في هذا المجال و بدا زاكاريا يعرف بالضبط ما يتحدث عنه لأنه كان يمنحهم إشارة لإمكانية عودة الفاديتا للمجال هذه السنة دون أن يؤكد لهم حرفيا مما جعلهم يلفون حول الموضوع معه..

يودون معرفة من بالضبط من الفاديتا مهتم بالأمر حتى يستغلوا ذلك لإستعادة مال الفاديتا في الإستثمارات..لأن الحقيقة أن الفاديتا يملكون أسهما في الشركات الكبرى الألمانية للسيارات و العجلات ..لكن منذ سنوات لم يكونوا عضوا فعالا في المشاريع الكبرى للمجال...

و هي ليست متأكدة تماما لكن زاكاريا يبدو مهتما و يملك معرفة بالسيارات مع ذلك هو لم يذكر نفسه بتاتا في الحديث.. بل بنفس الملامح الجدية وجه المحادثة بأكملها لآخر مشروع لشركة والدها و منح رأيه فيه بكل صراحة ..

" ماذا عليهم أن يفعلوا ؟ على بورش أن يقللوا من تأثير الكربون إن أرادوا التوافق مع إتجاه السوق..حسنا أتفق أنهم لقد بدأوا في صناعة سيارات مثل تايكان ..لكن منافسة تيسلا في مجال السيارات الرياضية الكهربائية هو طريق طويل.."

قالها زاكاريا كأنه يتحدث عن الطقس و فورا رد عليه رجل آخر من الجماعة :

" لكن بورش تهدف لتقديم سيارات رياضية عالية الأداء ..."

" بالضبط..و هذا نوع جمهور كبير يحتاج تلبية حاجاته..لكنهم لا يصدرون طرازات بأسعار مناسبة.."

" أنت تكره بورش ؟..."

" لا..يمكنني منحك مثالا آخر بعلامة أخرى..أنظر مثلا للبي آم دبيلو..سمعتهم قوية في مجال التصميم..لكن مؤخرا كل تصميماتهم تلقى انتقادا واحدا لا غير..أنها كلها متشابهة..."

" الأمر ليس سهلا..."

" أعلم..لكن هناك تغييرات يمكنهم إجرائها..كتحسين الديناميات الهوائية مثلا..لما لا أحد يتحدث عنها..و صحيح أن الآي 4 و الآي إكس 3 جيدة عموما لكنهم لا يزالون بحاجة لتحسين مدى السيارات الكهربائية.."

كاترينا كان تستمع لكل هذا و تشعر أنه يقرأ أفكارها تماما لدرجة أنها كانت تنظر له و هي تفرق شفاهها قليلا بتفاجئ حاولت إخفائه..

ثم سمعت السيد دينيس ..أهم شخص في الحفلة يسأله بلمعة إستمتاع في أعينه :

" لو كنت تعمل في مجموعة أودي و أردت جعلها مميزة ..ماذا ستفعل ؟.."

حقيقة أن السيد دينيس سأل زاكاريا عن هذا وهو بنفسه مستثمر في آخر ثلاث مشاريع للأودي جعلت كاترينا مهتمة أكثر لأنها مثل دينيس ترى آراء زاك مهمة حتى و هو يقولها ببرود و إنزعاج كأن طرح أسئلة كهذه بدت له بديهية و تضييع وقت الإجابة عنها..

لكنه لم يتردد في القول فورا دون تفكير مطول أصلا :

" اعتماد تقنيات حقيقة الواقع المعزز مثل العرض على الزجاج الأمامي.."

كشفت شفاه كاترينا عن إبتسامة جانبية لأنها أحبت الجواب ..

" ماذا عن بنتلي ؟.."

" ربما استخدام بدائل عضوية في التصميم الداخلي و محركات أكثر كفاءة في إستهلاك الوقود.."

هنا ضحك السيد دينيس و نظر لوالدها يخبره :

" هل تصدق؟ الآن فقط ارتحت للمشروع و سررت لأنني قمت بتوقيعه معك..لأن الإصدار الجديد هذا و لحسن الحظ معاييره ملائمة و مخالفة لكل الإنتقادات التي قدمها توا..."

هنا تنهدت كاترينا بخفة وأخذت كأس شامبانيا من النادل الذي مر قربها تحتسي منه و انجرفت أعين زوجها لها بهدوء يلاحظ ذلك فورا..و لم يستغرقه الأمر كثيرا ليفهم تلك الحركة...لقد كان التصميم الذي يتحدثان عنه فكرتها..كالعادة كما فهم قبلا..والدها لا ينسب الحقوق لها..أي أن السبب الوحيد في أن تصميمهم هذا لا يستطيع هو انتقاده لأنها هي من أتت بفكرته و لا يحتاج أن يكون عبقريا ليعلم أنها تملك موهبة في مجال السيارات و أكثر منه بكثير مما يفسر أنه أحب كل تصميماتها في السوق قبل حتى أن يعرفها أو يعرف أنها من صممتهم...لأنها تفكر بطريقة أقرب له في المجال هذا..

لذا نظر لها تمرر أعينها على الحفلة بينما تشرب من كأسها كما لو فقدت رغبتها في السماع للمحادثة حين تم سحب الموضوع..و دون أي تفكير قال :

" ذلك لأن كاترينا من أتت بتلك الفكرة .."

رآها كيف أوشكت أن تختنق بشرابها و هي تلتفت له بسرعة قبل أن تعيد أعينها لوالدها الذي سقطت إبتسامته كذلك في حين باقي الرجال معهم و السيد دينيس التفتوا له بتفاجئ كما لو ينتظرون المزيد من التوضيح منه..

و لأنه من الفاديتا و لأنه وغد لا يخاف قال باعتيادية كلية :

" منذ أسابيع و هي تناقشني في فكرة الديناميات الهوائية الناعمة ..أليس كذلك كاترينا ؟ ذكرتِ شيئا عن بورش تايكان و نسيت ما هو ..."

فور قوله لهذا التفتت كل أعين المجموعة لها و من بينها أعين والدها الباردة كأنه يحذرها من الإجابة ..لكنها نظرت لزاكاريا و وجدته يرفع حاجبه لها ببرود أيضا لكن الفرق بين زاك و والدها كان أن والدها فعلها بغضب من أن تأخذ حقها في عملها بينما زاك فعلها ليحذرها من الخوف من والدها و أن تجيب..

هي لم تتحدث معه بتاتا عن كل ما قاله..لم تذكر بورش تايكان له و لم تذكر شيئا عن الديناميات الهوائية ..حتى أنها لا تملك فكرة كيف علم بأن هذه الخاصية بالضبط كانت فكرتها لكن ما فعله كان واضحا..لقد كان يخبرها أنه في هذا المكان هنا..كلمته ضد كلمة والدها..و في هذه الحالة الفاديتا يفوز..

لذا ابتلعت ريقها تشعر بالتوتر لأول مرة و أنظار أكبر الرجال في مجال صناعة السيارات عليها ينتظرون كلاما منها يؤكد بالفعل أنها فكرتها و هي تعودت أن يتم أخذ كل عملها و نسبه لوالدها و فريقه لدرحة نست كيف تنسب ما هو لها..لقد تمت سرقة عملها كثيرا لدرجة لم يعد يمكنها الدفاع عن أصليتها..

لكنها نظرت لزاكاريا مرة أخيرة قبل أن تعيد أعينها السوداء للسيد دينيس تجيبه بهدوء :

" أجل..تحدثنا عن أنه إن أردنا تصميما مثاليا للسيارات الألمانية يجب أن نركز على الديناميات الهوائية الناعمة و النحت الدينامي للهواء و نضيف ميزات كالعناصر الهوائية النشطة إن أردنا رفع الكفاءة..."

ظل دينيس أن يحدق بها قبل أن ينظر لوالدها ثم لها من جديد و يقول :

" لقد سمعت شيئا مشابها عن إصدار بوش تايكان.."

لقد رمى عليها العبارة كأنه يلمح لها أن ما قالته بالفعل موجود و تم ذكره في إصدار بورش ..وهذه هنا كانت لحظتها الفاصلة في إما أن تصمت و يتم إتهامها بأن ما قالته هراء ليس خاصا بها أو تستغل وجود زاكاريا و تقول الحقيقة التي لن يتجرأ والدها و ينكرها في وجوده..

لذا ضغطت على كأس الشراب في يدها كما لو تستمد منه القوة ودون أن تنظر لوالدها قالت للسيد دينيس :

" أعلم..تلك كانت فكرتي..اقترحت أن يجعلوا الواجهة الأمامية ملسة و متناسقة مع الهواء بالإضافة لمعامل مقاومة الهواء..إن كان 1 فإن مقاومة تايكان هي 0.22 و بالتالي هذا جعلها عالية الديناميات و تتحرك بفاعلية من خلال الهواء..أدى هذا لاحقا لرفع مدى البطارية و كفاءة استهلاك الوقود.."

قالتها كلها دفعة واحدة كأنها بالكاد تمسك لسانها من ألا تشرح المزيد من كل تفصيل عملت عليه.. قلبها ينبض بعنف داخل قفصها الصدري و حين أنهت حديثها أخذت رشفة كحول تحاول أن تحافظ على ثباتها و هدوئها..

لكنها سرعان ما تفاجئت بضحكة السيد دينيس و هو يمد يده لجيب بذلته الداخلي بينما ينظر لوالدها قائلا :

" لم تخبرني أن ابنتك خلف نجاح مشاريعك..هل لهذا تخفيها عنا ؟ حتى لا نسرقها لك ؟.."

قالها بمزاح كأن الأب يحب إبنته و مواهبها لدرجة لا يود أن يستغلها غيره بينما تلك هي الحقيقة لكن بطريقة أبشع..والدها يخشى أن تخطف الأضواء منه و لأنه يعرف يدها التي تؤلمها كان قادرا على إخضاعها له..

لذا حين تم حصره الآن بين نظرات زاك الباردة التي تتحداه أن يكذب و بين اعترافها هي ..رأته يمنحهم إبتسامة مزيفة و هو يقترب منها ليلف ذراعه حولها كأب حنون قائلا :

" كاترينا خجولة قليلا و لا تحب الأضواء..لهذا أمنحها راحتها في العمل..."

" لكن كان بإمكانك إخبارنا أنها فكرتها على الأقل حتى يمكننا شكرها بطريقة ما..."

كل ما فعله والدها بعدها أنه ربت على كتفها يدفعها لتتجمد مكانها بينما يمنحهم إبتسامة دون أن يقول أي كلمة بعدها و على الأغلب لا أحد كان يشك بوالدها من باقي الرجال لأنم اعتبروا ما فعله ناجما عن رغبته في حمايتها لذا السيد دينيس أخرج بطاقة عمله و سلمها لها بإبتسامة ..

" إن أردتِ أن تعملي شيئا خارج مجال والدك كنوع من التغيير تواصلي معي.."

أخذت كاترينا البطاقة منه بإبتسامة رغم أنها تعلم أنها لا تستطيع فعل ذلك..على الأقل ليس بعد ..

لذا حين انتقلت الأحاديث للعمل مجددا تم التحدث معها كذلك كأنها الآن باتت معنية بالنقاش و رأيها يهم كذلك..و فقط حين انشغل والدها بالحديث مرة أخرى أفلت كتفها يدفعها لتأخذ خطوة خافتة أبعد عنه قليلا و أقرب لزاكاريا ..لأن جحيم زاكاريا أفضل من جحيم والدها دوما ..

و للغرابة هو كان صامتا يضع أيديه في جيبه مما تسبب في ظهور مسدسه بشكل واضح و قد لاحظت أشخاصا من الحفل ينتبهون لذلك حين يمرون قربه و يتهامسون بخفة..حتى أنها حين مررت أعينها على كامل الحفل وجدت أشخاص يتجمعون و يتحدثون بينما ينظرون له بطريقة تؤكد أنهم يتحدثون عنه..

أما هو فكان غير مهتم بتاتا..بل ملامحه تكاد تحمل بعض الضجر ..ليس و كأنه نفس الشخص الذي قدم لها أكبر فرصة الآن في حياتها لأخذ حقها في أفكارها الخاصة..

لذا و لأنها قريبة منه همست له بخفة :

" شكرا .."

فورا انجرفت أعينه البنية صوبها يرفع حاجبه لها كما لو يود معرفة عما تتحدث عنه..لتلك الدرجة لا يعلم أهمية ما فعله ..

لكن و لأنها ظلت تحدق به فهم و أخيرا ما تقصده فأجابها فورا بجدية و بهمس أيضا :

" أنا لم أفعلها من طيبة قلبي.."

" أعلم.."

" جيد..."

و هكذا فقط أعاد كلاهما إنتباههما للمحادثة ...

دام الوضع على هذه الحال لفترة معينة كلهم يتحدثون عن الأعمال و المشاريع و السيارات و الإصدارات الجديدة حتى أن زاك تطرق للسيارات خارج ألمانيا و أي واحدة يفضل منهم و لما ...و لسبب ما لا تعلمه كان يُشركها هي في النقاش بحيث كلما يقول معلومة يلتفت لها يسألها لتؤكد ذلك ..رغم أنه لا يحتاج تأكيدها ليثبت صحة ما يقوله لكنه كان يفعلها ليسمح لها بتوسيع فكرته بطريقة أذكى تحمل طبعتها الخاصة و يتعرف السادة حولهم على مهاراتها ..

عمل المرأة في مجال تصميم السيارات صعب جدا و الأمر كان هواية و شغفا عندها منذ صغرها ..شيء كانت تراه سيشكل جزءا كبيرا في حياتها و يمكنها التفوق فيه لكنها كبرت و اصطدمت بالواقع ..و في مراهقتها حين بدأت تعمل على موهبتها لتطبيقها عمليا وجدت أن الفرص غير متساوية و أنهم لا ينظرون لفكرة المرأة كما ينظرون لفكرة الرجل..و والدها رغم ما يكونه و ما يملكه من نفوذ في المجال إلا أنها لم تستفد منه أو من إمتيازات كونها إبنته لأنه هو نفسه كان لا يمنح قيمة لآرائها إلا إن كان يحتاجا مشروعا جديدا أو تحديثا أفضل ليقدمه للسوق ..

لم يكن يأخذ فقط أفكارها بل حتى أقوالها..كل رأي تقدمه حول شيء ما أو نقد ما تجد فريق عمله يتحدثون عنه في الإجتماع المقبل كأنهم هم من اجتهدوا و أتوا بذلك النقد أو الرأي..الفكرة تكون فكرتها لكنهم يأخذونها و يضيفون لها ..يطورونها و يعدلونها فيصبح من الصعب عليها إثبات أصليتها وسط كل الأفكار التي تفرعت منها جزئيا..

ومع السنوات باتت الأولويات عندها مختلفة لأنها تعرف أنها لتحصل ما تريده منه سيكون عليها تركه يفوز ببعض المعارك الصغيرة و تأخذ هي النهاية لها...

" كاترينا ..تذكرت توا..السيدة ميناز سألت عنك الليلة ...أريد أن أعرفك على إبنتها التي أخبرتك عنها لتدربيها..."

قال والدها هذا فجأة يقطع المحادثة يمنحها إبتسامة تعرف كليا أنها مزيفة..خصوصا و أنها لا تعرف عمن يتحدث و أي تدريب يقصده ..لكنها لا تستطيع الإفلات من والدها دوما لذا منحته إبتسامة غير صادقة كذلك و هي تومأ برأسها تلتفت للسادة تسـتأذن منهم لتغادر ..

راقب زاكاريا بأعينه كيف رافقها والدها ليخرجوا من قاعة الحفلة و يختفوا في الأروقة الخاصة بهذا الجزء من الفندق..

لذا ظل فقط دقيقتين إضافيتين مع الرجال كي لا يثير الشكوك قبل أن يستأذن منهم قائلا أنه سيجري مكالمة هاتفية مهمة بينما هو اتبع طريق كاترينا و والدها...خرج من القاعة و سار في الرواق الذي يخلو سوى من بعض الأشخاص الذين سيتوجهون لدورات المياه و بالتالي بخطواته الهادئة حرص ألا يسمعه أحد و هو يتبع الطريق الذي يمكن أن يتخذوه و باعتبار أنه لا يوجد سوى حمامات و غرف في نهاية الرواق ذهب هناك...

الأبواب الأولى كانت مفتوحة بالفعل لهذا إستطاع أن يرى أنها لا تضم سوى عمال يخفون مقاعد و طاولات الحفلة يرتبونهم ..لذا أثناء اقترابه من الباب المغلق سمع صوت همس قادم من مكان آخر فتوقف لثوان يركز معه قبل أن يسير ببطء و يحرص أن ألا يصدر صوتا و بالتالي أطل من جانب الرواق على الزاوية الصغيرة على اليسار و المخصصة لوضع صناديق المزيد من كؤوس و قارورات الشامبانيا الإحتياطية و هناك نافذة صغيرة مفتوحة قربها..

هناك وجد كاترينا و والدها يقفان مقابل بعض نصفهما مخفي في الظلال..والدها ملامحه باردة بنظرات تحمل الغضب وهو يمسكها من فكها يهمس لها بحدة..حينها أعاد زاك ظهره للخلف حتى لا يروه و استند على الجدار يستمع للمحادثة ..

" ...لهذا ستكون آخر مرة.."

استمع لنهاية جملة والدها ثم ردها هي بنفس البرود :

" أنت تتصرف كأن الموضوع سهل.."

" أنتِ تضيعين الوقت..لولا فشل عملك قبل أشهر لما كنتِ متزوجة منه أصلا.."

فشل عملها قبل أشهر ؟..حقيقة أن القنبلة في سيارته لم تعمل ؟ حين وجدها في غرفته بزي يقطينة ؟ والدها يعتقد أن تصميمها لم ينجح لكن الحقيقة أنها هي من أتت و عطلت القنبلة..

لأنها لو فعلتها و تركته ليموت لم تكن ستتورط في حياته و تضطر للزواج به أصلا..

مسح زاكاريا على فكه وهو ينصت..

" لا يمكنك قتل الفاديتا في قصر الفاديتا .."

" لكنكما خرجتما من أرض الفاديتا منذ أيام لذا الليلة آخر فرصة لك.."

قالها و سمع زاكاريا لصوت فأطل برأسه مجددا يرى والدها يمنحها قارورة صغيرة و هو يتحدث :

" مفعوله لن يعمل سوى بعد ساعات..ضعيه الآن و غادري سأتكفل أنا بالباقي.."

أوه..كانت قارورة سم..هذا لطيف جدا..

قلب زاكاريا أعينه و هو يبتعد للخلف مجددا بملل..محاولات قتله صارت كثيرة هذه الأيام وهو لا يعرف كيف أنه ينجو كل مرة..لكن الوضع لم يعد حماسيا من كثرته..يفضل أن تتم مفاجئته بمحاولة قتله ..

لذا مسح على خصلاته و غادر المكان قبل أن ينتبهوا لوجوده بنفس الهدوء و التسلل الذي أتى به..و ذهب لينتظر في القاعة يجلس على طاولة فارغة ما لوحده..انتظر و انتظر في مكانه في زاوية لن يرصدها أحد منها في القاعة..

خرجت كاترينا و والدها ..هو غادر يتحدث في مكالمة في الهاتف يمنحها نظرة أخيرة و هي ظلت واقفة مكانها تحمل كأس شامبانيا مسموم ...

هذا لطيف..

لا أحد منهما انتبه لزاكاريا بينما هو ينظر لهما من بعيد و يعلم ما هو قادم كليا بل أتى مستعد له و راهن على حدوثه...لأن والدها صبر لأشهر لينفذ الأمر و الآن بعد أن تزوحت منه و ظل هو حيا لفترة أطول فصبره قد نفذ..لهذا اصلا استدعاه للحفلة ليقتله بطريقة أو أخرى..

كاترينا كانت تقف مكانها تحدق بالكأس في يدها بنظرات خاوية قبل أن تعيد ملامحها الهادئة الإعتيادية و تنظر ولها في القاعة..للوهلة الأولى اعتقدها تبحث عنه لتنفذ خطتها لكنها بحثت عن والدها الذي كان ينظر لها من بعيد فتحركت تسير دون أن ترمش بعيدا عنه و فقط في اللحظة التي نادى رجل ما والدها يقطع مكالمته الهاتفية فعلت شيئا فاجئه..

تقدمت بخطوات سريعة و سكبت الشامبانيا في أقرب إناء زهور و سارعت تحمل كأسا آخر من الصينية قبل أن ينتبه والدها أو يعيد أنظاره لها و حينها فقط رآها تمرر لسانها على شفتها السفلى تمسح على غرتها تعدلها و تسير حول الطاولات تبحث عنه هو..

ما اللعنة..

من المفترض أنها ستقتله ...لما رمت السم بعيدا و استبدلته بشراب نظيف ؟..

ظل زاكاريا يحدق بها من كرسيه دون أن يرمش ..هو يراها لكنها لا تفعل ..كانت تبحث عنه بأعينها السوداء الواسعة في كل مكان و من بعيد رأى والدها ينظر لها مرة أخرى وسط محادثته ليتأكد من أنها تحمل الشراب في يدها..

في اللحظة التي أوشكت كارتينا أن تنظر لزاك سارع هو بسحب هاتفه يبعد أعينه عنها ليمثل أنه لم ير ما حدث بل كان مركزا مع هاتفه و ظل ينتظر حتى استمع لصوت كعبها و هي تقف أمامه..حينها فقط رفع نظراته لها ..

جلست في الكرسي قربه و قالت بينما تضع كأس الشراب على الطاولة :

" أريد المغادرة..أشعر بالتعب..."

أطفأ زاك هاتفه رغم أنه لم يكن يستخدمه أصلا ثم أجابها بهدوء :

" ألا يفترض أنها حفلتك المفضلة ؟..."

" لا.."

أجابته باختصار و هي تمرر أعينها حولها تتجنب النظر له كليا و استغل هو تلك الفرصة ليحدق بوجهها كأنه ينظر لها و لأول مرة بشكل مختلف...

ما فعلته لم يكن متوقعا و لم يكن ضمن خطته..كان من المفترض أن يمسكها تحاول قتله هي و والدها كي يقتلهما و يواصل حياته كأن لا شيء حدث لكنها أنقذته للمرة الثانية..ليس و كأنه يحتاج إنقاذا لكنها فعلتها دون حتى أن يعلم.. و نظرا لعلاقتها بوالدها فهي كانت تخاطر بحياتها و أيا كان ما يمكله ضدها ليهددها به..

لا يعرف كيف يجدر به أن يشعر به حيال هذا و لا كيف يجدر به التصرف مع الوضع الجديد..هي كانت تجلس كأنها على الحافة و تريد إخراجه من الحفلة في أسرع وقت و لأنه استمع لوالدها فهو يعرف أنه يخطط لقتله الليلة...حقيقة أنها تريد إنقاذه دون إخباره بدت لطيفة..

لذا استند على الطاولة بمرفقه يمسح على فكه بتفكير بينما ينظر لها..هو كان فاديتا و يحمل مسدسا في جانبه لكن من كان متوترا كانت هي وهو ما يفسر أنها تعبث بأظافرها على غطاء الطاولة تخدشه ..

" انتظريني في المرأب قرب سيارتي سآتي بعد قليل.."

فور أن أخبرها بهذا الفتت له بسرعة كأنه أخرجها من شرودها و استفسرت :

" لكنني أتيت بسيارتي..."

" سأوصلك..."

حينها نظرت له بشك و لولهة أراد أن يبتسم لأنه حتى سماع نفسه يقول هذا بدت غريبة له حتى..فإن كانت قد تعلمت شيئا منه أن ليس طيبا و أنه يفضل الموت على إيصالها نظرا لعدد المرات التي اضطر فيها لفعل ذلك و أنزلها منتصف الطريق...

لكنه حمل كأس الشامبانيا الذي أحضرته و قبل أن ترمش احتساه دفعة واحدة يراها كيف فرقت شفاهها بتفاجئ ..هو يعلم أنه غير مسموم لكنها متوترة كأنها تشك في أن كل الشامبانيا في الحفلة مسمومة و تفصل ألا يحتسي شيئا...

لم يحتج أن يلتفت ليرى أن والدها انتبه لشربه الكأس بل من الأفضل ألا يلتفت له كي لا يشك بكونه يعلم أنه يراقبه..

وقف زاكاريا من مكانه يخبرها بهدوء للمرة الأخيرة :

" انتظريني خارجا..."

فور أن تمتم بهذا غادر يتجه صوب رواق دورات المياه يمثل أنه ذاهب لإستخدامها يتركها هناك خلفه لتأخذ أغراضها و تخرج..في حين هو في اللحظة التي اختفى فيها من قاعة الحفلة حتى ذهب لنفس المكان الذي وجد فيه كاترينا و والدها سابقا أين كانت هناك نافذة تسلقها و قفز منها للخارج دون أن ينتبه له أحد..

ظلت كاترينا تنتظره خارجا و هي ترتدي معطفها الثقيل تلفه حولها بسبب البرد و أنفاسها تخرج ضبابية ..أنفها وجنتيها احمرتا ..حقيبتها في يد و هاتفها في الأخرى تتفقد الساعة كل دقائق..

أخبرها أنه سيعود بعد دقائق لكن مرت 39 دقيقة وهو لم يخرج بعد و هي تكاد تتجمد...المشكلة كانت أنها لم تجد سيارته المعتادة في المرأب ولا تعرف سياراته الأخرى لذا ظلت واقفة هناك خارجا قرب الرصيف لوحدها في الليل..و لخمس مرات فكرت أن تستقل سيارتها و تغادر لكن زاك أصر أنه سيوصلها و هو شيء لا يفعله عادة ...بالإضافة لأنها ليست واثقة مما قد يفعله والدها بعد..أخبرها سأتكفل بالباقي و هي لا تملك أدنى فكرة عما سيفعله و حقيقة أن زاكاريا تأخر زادت من قلقها ورفضها للمغادرة قبل رؤيته حيا حتى و إن أتى غاضبا أو منزعجا كالعادة...

ما الذي حدث ؟..هل هو بخير ؟..

أين هو ؟ و هل يعقل أن والدها فعل شيئا ما له ؟..

🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬🎬

مرحبا يا رفاق ❤😩

فصل جديد من صراع المافيا..هدية عيد ميلاد  المافيوزا الجميلة جنى ❤❤✨

لقد كان أطول من الفصل السابق كتعويض لكم 🙊🙊

إيرا و الفاديتا في مهمة 😂😂 مهمة جمعت الأكثر جنونا حرفيا

زاك و كاترينا 😩😩

هل نحن نشهد تقدما ملحوظا ؟ أجل

هل كاتي فاجئت زاك بحركتها ؟ أجل و جدا 😩😩

ما الذي تتوقعونه سيحدث أو حدث له 🤓💀

أورورا العسل تسجل دخولها هنا بشكل واضح أكثر 😭😭

هي و موريس 💀💀

موريس خرب الموضوع عليها 😂😂

الكثيرون يطالبون بمشاهد لإيثان و أورورا..فقط اصبروا معي..أنا أمهد لدخولهما و لقائهما الرسمي و حين يحدث ستحصلون على مشاهد كثيرة لهما ..مشاهد فخمة هيهيهيهي 😭😭

الفصول القادمة سيكون فيها مشاهد للكثير من الثنائيات استعدادا للنقلة الكبيرة التي ستحدث في الرواية  و أعتذر مسبقا 💀💀

لا أريد أن أطيل الحديث أكثر..آمل أن يكون الفصل قد نال على إعجابكم يا رفقا ✨

أحبكم جميعا واحدا بواحد ❤❤


Continue Reading

You'll Also Like

827 109 13
أحذر لما تتمناه فقد تستيقظ في يوم لتجد نفسك في قصة غريبة مثلي cover made by Hera Graphic --- قصة متنوعة تتناول كل أنواع القصص الواتبادية بشكل جديد :...
788K 54K 47
تم تغير اسم الرواية من مجنوني الأنباري الى سجين الحب من بين الناس جميعاً، وفي شدة العتمه التي كانت في قلبي عندما غَدُرتُ من الحبيبه والصديق، ولم اعُد...
1.4M 71.2K 41
•تنويه: هٰذا الجُزء مستقل بِقصّة أُخرى وأبطال آخرين ولا ينتمي للأول بأي صِلة.. إنّهُ ذاك النوع مِن الرِجال اللذين يرمز لهُم بِالقوّة والقسوّة، مِن ال...
2M 70.6K 52
الدون الهجين ونقية الدم... ترى كم دماء ستراق ان التقيا...؟ . . . "كتفت وهي تنظر له باستعلاء "توقف عن اصدار اوامرك علي، لست جنديتك "جلس على كرسيه ثم د...