اغوار جارى لكاتبة هند صابر

By AyaMostaffa

6.3K 323 6

اغوار جارى More

الفصل الاول
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادى عشر
الفصل الثانى عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادى والعشرون
الفصل الثانى والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون والاخير

الفصل الثانى

363 14 1
By AyaMostaffa

الفصل الثاني ....
صورة وصوت!

عندما ازاح فوهة المصباح عنها ببطء انزلت ذراعها وتراءت امامها هيئة رجل ضخم البنية بلحية كثة لم تتمكن من رؤية تعابيره وملامحه بسبب الظل الذي يغطي وجهه لكن الذي جعل قلبها يطرق بشدة البندقية التي كان يحملها!
لا تستطيع ان تصف كمية الذعر الذي تملكها من وجود ذلك الغريب في بيتها وهو يشهر سلاحه كأنه رجل محارب!
كرر السؤال بنبرة اقل حدة لكن يشوبها الارتياب والاتهام ودون ان تستطيع ان تميز معالم وجهه: "من انت؟ ماذا تفعلين هنا؟ كيف اقتحمت البيت؟"

اجابت بتلعثم وهي تنحني وتمسك ركبتها المتوجعة وبنبرة مستخفة بعض الشيء: "من تراه يفكر ان يسرق شيئا من ذلك البيت السحيق؟ انا .... انا صاحبة هذا المكان"
ساد صمت حتى فاجئها بنبرة اتهام أخرى: "صاحبة المكان!"
ارتبكت عندما وجدته يخطو ببطء نحوها واجتاحها الارتياب ربما هو اللص الذي يتحدث عنه او قاطع طريق وسيستغل كونها وحيدة ويعتدي عليها بطريقة ما!
هواجسها زادت من قلقها وراقبته بحذر وهو يضغط على ازرار الانارة وبادرت: "انها معطلة تماما"
حدقت بجانب وجهه الذي اتضح امامها وقد أوحى لها بأنه يمتلك تقاسيم حادة وقوية وربما قاسية!
التفت اليها وقال بنبرة خافتة: "ومن يضمن لي إنك صاحبة البيت كما تدعين؟"
ازعجتها ريبته ووجدت نفسها غير ملزمة بالتبرير له وقالت وقد جعلت بينها وبينه مسافة مناسبة: "ولماذا عساي ان اكذب؟ وجودي بقلب البيت وبمفتاحي الخاص لا يفسر لك حقيقة الامر؟"
كانت واضحة امامه بكل تفاصيلها لانه يسلط المصباح ناحيتها اما هو بقي شكله غامض بالنسبة لها سوى هيئة رجولية كظل جبل جاثم!
هو وبصراحة مزعجة: "وجود فتاة هنا بهكذا ساعة وبهكذا ظرف وتبدو بكل هذا الاضطراب له تفاسير عدة سقط منها كونها لصة"

تملكها شعور غريب حيال صوته ونبرته واسلوبه بغض النظر عن انه متهكم لكنه مختلف!
اتسعت عينيها بصدمة عندما واصل بنبرة لاذعة: "اشك بالأمر .... ربما جئت مع أحدهم وانت الان بالانتظار"
لم تجد ما تقوله وبقيت تتطلع نحوه مستغربة إصراره على تكذيبها حتى قال وهو يضع المصباح على الطاولة ليغرق شكله في ظل معتم: "خذي هذا لعله ينفعك الليلة هذا كل ما أستطيع ان أقدمه لفتاة .... هاربة"

امتعضت من عبارته .... هاربة!
ما الذي أوحى له بذلك؟ كيف علم انها بالفعل هاربة؟ قرأ افكارها ام قارئ فنجان؟ اخبرته انها صاحبة المكان ويخبرها انها هاربة! .... أي حدس هذا بداخله؟ حيرها ذلك حتى ظنت انه يعرفها بطريقة ما وقد ارعبتها مجرد الفكرة .... يعرفها؟

شعرت بالامتنان نحوه ليس لشيء سوى لأنه انصرف واختفى تاركا مصباح الشحن الضخم لها واسرعت مهرولة نحو الباب الذي تركه مفتوح خلفه واغلقته بقوة وأقفلت بالمفتاح مرتين فربما يتراجع ويعود اليها من يدري.
من زائر الليل هذا؟ تراه أحد رجال الحراسة المتجولين هنا؟ انه يحمل السلاح وهذا ما أوحى لها بذلك؟ لكن يبدو ان قلبه قوي حتى يفكر ان يهاجم لص مقتحم بكل شجاعة!
المساعدة التي قدمها لها تبدو باهظة الثمن بهكذا ظرف عصيب انه المصباح .... المصباح أكثر ما تحتاجه الان

قاومت شعور الاكتئاب الذي حاصرها وهي تتطلع بزوايا المنزل ماذا عساها ان تفعل ومن اين تبدأ؟ ان كل شيء متوقف لا حياة به ولا امل للحياة به
وكأن أبواب المكان قد أقفلت بوجهها ولم تترك لها سبيل للتفاؤل ككل شيء تركته
ارادت الجلوس على الاريكة لكنها اعدلت بسبب الغبار الذي يغطيها واتجهت الى المطبخ بذلك المصباح الصاخب الذي أوضح لها حتى بيوت العناكب الواهنة والشقوق الدقيقة التي تملأ الجدار
شهقت وتراجعت عندما قفز من الحوض فأر صغير وتمنت ان تصرخ عاليا لكنها بدلا من الاستسلام للضعف اسرعت وفتحت حنفية الماء للتأكد من وجود ماء جاريا بها وقد اكتملت تعاستها عندما وجدت الحنفية قاسية جدا يصعب لفها بفعل مرور الزمن عليها دون استخدام .... رباه!
اتجهت الى الموقد وقد لمعت عينيها عندما وجدت قداحة ملقاة محاولة ان تشغل العين لكن من البديهي فشلها وذلك بسبب نفاذ أنبوب الغاز او ربما عدم وجوده أصلا!
واثناء تخبطها في المطبخ سلطت المصباح على النافذة لتلمح ستارة نافذة المنزل المجاور تسدل بسرعة! أه ان أحدهم يراقبها وهذا ما كان ينقصها لا ستارة تظلل عليها ولا سبيل للعزلة حتى هنا
لم يخيفها شيء لا الجرذان ولا العناكب ولا كافة ما ستواجه الان من الحشرات ربما لو كانت رأت تلك المشاهد قبل زمن لكانت ارعبتها واصابتها بالفزع الهستيري لكنها اليوم لم تشكل لها شيء سوى قرف يزيد من احباطها.
ترددت ان تخرج الى السيارة وتجلب حقيبة اغراضها الصغيرة وحافظة الطعام التي هي بأمس الحاجة اليها لأنها خشيت من مصادفة ذلك اللوح الضخم في الخارج مجددا
انتظرت لدقائق ولما استبد بها اليأس خرجت من المنزل لكن بهمس وحذر وقد اطفأت المصباح واستعانت بمصباح هاتفها الضئيل وعندما نزلت من التلة كانت قلقة جدا وترهف السمع لما حولها ونباح الكلاب البعيد يفاقم من اضطرابها
بالكاد وصلت الى موقع السيارة وعندما فتحتها واخرجت ما تحتاج اليه زاد من اضطرابها سماع خشخشة العشب بالقرب منها ربما هو كلب مسعور متخفي خلف الشجرة ويهم بمهاجمتها او ذئب يتحين الفرصة ليمزق جسدها وبدلا من ان تسلط الضوء لاستكشاف المكان هرولت كالهاربة معتليه التلة وقد سقطت منها الحقيبة والتقطتها ليسقط منها الهاتف على الأرض الرملية وبدت مرتبكة وهي تلملم اغراضها المتناثرة وما ان دخلت وأغلقت عليها حتى تنفست الصعداء كأنها وصلت الى بر الأمان!
يا له من إحساس متناقض أصبح الان هذا المنزل بر الأمان؟ انه شعور فطري ما دام ذلك المكان ملكيتها فقد شكل لها مصدر من الحماية لا اراديا
اوه كم كانت ساذجة عندما تخيلت ان ما ينتظرها كوخ ممتع وسط جنة من الزهور والشجيرات المتعافية فيه موقد خشبي امامه كرسي هزاز وطاولة مستديرة صغيرة عليها آنية من الزهور الميتة يابسة الاغصان يرفقها مصباح نفطي تلجأ اليه حين انقطاع التيار الكهربائي وارائك مغطاة بقماش ابيض او بالنايلون لترفعها بخفة وتتخلص من الغبرة بسهولة وبالخارج سقيفة مطلة على مناظر خلابة يمكنها احتساء القهوة وقت ما بعد الظهيرة تحتها مستمتعة بزقزقة العصافير ومناظر الرعاة وهم يسوقون اغنامهم ومواشيهم الى الحظائر البعيدة
وجارة شابة مرحة ليست فضولية تلمحها وتطرق بابها فيما بعد حاملة سلة مغطاة تحوي شطائر وحلوى كنوع من الترحيب الودود دون ان تسأل بثرثرة تلك الأسئلة التي تمقتها هل انت متزوجة؟ لديك أطفال؟ ما نوع صباغ شعرك الصاخب وهل اظافرك المشذبة اصطناعية؟

كل شيء وجدته مختلف بالطبع لأن الواقع دائما مختلف عن الخيال الواقع صادم وصافع كي يجبر المرء على التصلد وخوض معتركات الحياة بمختلف أنواعها اما الخيال مجرد نفحات للروح يسمح لها تنفذ من خلاله وتلاقي احلامها وجه لوجه لكن لا تستطيع ان تلمسها كالفراشات المحلقة التي تعشم الأطفال بإمكانية الإمساك بها.

اول ما قررت الخوض فيه الان ترتيب السرير وتنفيض الغبار عنه كي تطمئن لوجود مأوى للراحة والاسترخاء بانتظارها بعد الانتهاء من ترتيب بعض الأشياء ولعل ذلك الدوار اللعين يختفي عندما تستلقي بعد تناول قرص البراستمول الذي حرصت على وجوده في حقيبتها اثناء السفر.

انتزعت الغطاء السميك عن السرير الضيق وهي تخنق أنفاسها وتكتمها ورمته جانبا وبدأت بالضرب على الأجزاء بعد ان فتحت نافذة غرفة النوم لتسمح لتيار الهواء البارد المنعش بالنفاذ الى الأركان الخانقة المشبعة بالرطوبة ولفت انتباهه شيء كالقرص الكبير سقط اثناء تحريكها السرير والتقطته لتجدها ساعة ذهبية!
اوه تبدو من الذهب الخالص انها قديمة واثرية وتبدو ثمينة!
انها موضة قديمة جدا ان تحمل الساعة بجيب الملابس وعادة ما يستخدمها الرجال المهمين او الشيوخ وكأن والدها كان يحبذ قضاء أيام الاجازات في الريف للاستجمام والهدوء وكأنه منفى له لكن من نوع اخر ينعزل به عن العالم الصاخب
لا تستبعد ذلك من الرجال الأثرياء الذين يمتلكون عقول مكتظة بزحمة الحياة فيميلون ان يكون لهم مكان منعزل نائي خاص بهم للانفراد مع أنفسهم كنوع من الترفيه الذاتي
كلا له مفهومه الخاص عن العزلة وكل له هدفه فهروبها اليوم مختلف عن هروب والدها الترفيهي المؤقت انه هروب أبدي من عالم اسود الى عالم النقاء المجهول.

وضعت حقيبتها على السرير بعد ان تأكدت من خلوه من الشوائب واخرجت قطع الملابس القليلة التي احضرتها معها فضلا عن كتابها المفضل وزجاجة عطر وفرشاة شعر وفرشاة اسنان جديدة ومزيل تعرق ومنشفة حمام .... هذا كل شيء لم تجلب معها لا صور ولا البوم ولا ذكرى ولا مساحيق تجميل ولا اعتزاز بشيء يلزمها بالاحتفاظ به .... فقط ذكرى وحيدة لا يجب ان تضعها في الصندوق المحكم لا تقدر .... انها مجرد صورة مستحيل ان تقفل عليها
فتحت الكتاب بأنامل مضطربة باحثة عنها حتى تدحرجت من عينيها دمعة وبذلك اخلفت الوعد الذي قطعته بأن لا تسمح لشيء من الماضي يغزي ذاكرتها انها اول هفوة ونقض للعهد وزعزعة كبيرة للتحدي
تأملت الصورة بإمعان ككل مرة .... فتاة ابنة الثامنة عشر .... جميلة حسناء بملامح ملائكية وعيون مميزة بسحر بريء وشفاه دقيقة وابتسامة عذبة وبشرة نقية ناصعة البياض تضج انوثة ونقاء .... لكن كيف؟ كيف حصل كل ذلك؟ كيف؟
أغلقت الكتاب
الصورة فقط من استطاعت الاحتفاظ بها اما المضمون فقد أقفلت عليه بذلك الصندوق الذي ضيعت مفتاحه
المضمون لا يجب ان تسترجعه ابدا .... ابدا لأنه .... لأنه وصمة عار وماض اسود حالك.

تناولت فطائرها وهي منكمشة بجلستها في الصالة الوحيدة على كرسي نكتت الغبار عنه جيدا وتاقت بقوة الى كوب شاي او قهوة بالحليب لكن .... وقبل ان تكتمل سلسلة افكارها وتخيلاتها اوقفها صوت غريب جعلها تقفز من مكانها وتتجول في المنزل بتخبط قرب النوافذ باحثة عن أي منفذ يرشدها لتتبين ماهية ذلك الصوت الذي خرم اذنها رغم خفوته!
صوت ليس له معنى محدد لا تعرف له شبيه .... صوت رهيب صوت غريب صوت دق كل نواقيس الإنذار والترقب بداخلها!


انتهى الفصل

Continue Reading

You'll Also Like

2.1K 59 23
تشبه الشتاء العاصف ..... كشمس تتوارى خلف الغيوم .... كمطر بارد غزير .......... 💔💔💔💔💔💔💔 يشبه الجبل ..شامخا حد السماء.... قاس الملامح ...ظاهره ص...
10.8K 355 43
أهو ذاك العذر الذي تتشبث به حين تتسرب الى حياة الآخرين ... متشربين كل ذرة من أرواحهم ... معللين الإمتلاك وكأن العذر مبرر أنه بأمر من الحب حين ن...
471K 36K 61
من رحم الطفوله والصراعات خرجت امراءة غامضة هل سيوقفها الماضي الذي جعلها بهذة الشخصيه ام ستختار المستقبل المجهول؟ معا لنرى ماذا ينتضرنا في رواية...
254 55 21
غفا الحبر على الاوراق ...فلُطخت اوراقه ..وتبعثرت الكلمات..