الفصل الرابع

249 13 0
                                    

الفصل الرابع ....

يبدو بخيلا!

وهي تتسلق التل المؤدي الى بيتها وبيدها تحمل الرغيف وكيس الخضار كانت مهمومة وشاردة .... لماذا لا أحد يريد ان يخبرها شيء؟ لماذا عليها المغادرة؟ .... هناك امر مبهم لم تتوصل اليه.
عندما أدخلت الأغراض التي ابتاعتها تنهدت ولم تعد تحتمل ان يمضي يوما اخر وهي بلا موقد ولا شاي ولا قهوة وليس لديها خيار سوى ما فكرت به الان ورغما عنها اتجهت الى المنزل المجاور!

اسرعت بخطاها غير آبهة بالوقت اذا كان مناسب ولا بمظهرها ان كان لائقا للزيارة ولم تبالي الان بمن عليه المبادرة بالتعارف أولا؟ كل همها الحصول على حاجتها كأنها حصرت كل تفكيرها في زاوية واحدة وهي طلب المساعدة
عندما اقتربت من المنزل رفعت رأسها متأملة البناية وبدت لها شاهقة كالقلعة مع انها ليس كذلك
لكن شيء ما مبهم أوحى لها بذلك الإحساس واعتراها شعور بالضيق عندما تطلعت الى قارعة الباب الحديدية المذهبة التي غزى الصدأ معظمها
اقتربت بخطوات منكمشة وبسطت يدها نحوها بقليل من الثقة حتى لمستها ثم رفعتها بتردد ووجدتها ثقيلة للغاية كأنها تابعة لباب زنزانة قديمة!

قرعت مرة واثنان ولما لم تجد استجابة انتظرت لثواني حتى قرعت مجددا لكن هذه المرة بثقة أكبر
وما ان تسربت الى اذنيها أصوات وقع اقدام منبعثة من الداخل تراجعت خطوة وبدأ قلبها يطرق بسرعة ايقاعية كالتي تنتظر اعلان نتيجة ما وقد غمرها إحساس بعدم الثقة الكافية كعادتها عندما تقابل ناس جدد وبدأت بمحاولة ترتيب الكلمات برأسها: " اريد ان استعارة انبوبة غاز الليلة فقط"
لا ذلك أسلوب سمج للغاية نابع من حاجتها الماسة الى كوب من الشاي الساخن
"من فضلك سيدتي ارغب بأنبوبة غاز ان كان بالإمكان .... انا جارتك في المنزل المجاور"
ووجدت نفسها تشير كالبلهاء الى بيتها البالي حتى اعتدلت بسرعة عندما فتح الباب ببطء غريب وكأن رافعة اثقال سحبته الى الداخل!
وكأن الذي خلفه لا يرغب بمقابلة أحدا مباشرة حتى يعرف من خلف الباب ويتحقق من هويته!
رمشت عيناها المهدبتين برموش جميلة عندما مثل امامها رجل!
شهقت بسرها هيئته مألوفة لديها وكأنها رأته من قبل نعم نعم انه .... انه هو .... حارس القرية صاحب البندقية! رغم انها لم تتبين وجهه بالكامل الليلة الماضية الا انها بدت واثقة من ذلك لكنها لم تتوقع ان تكون عينيه بهذا الشكل!
اذ ان الشمس التي نزلت لتعلن انتهاء جولتها لهذا اليوم سلطت اشعتها مباشرة على وجهه واكسبت عينيه لون لامعا
ان عينيه نمريه حادة النظر بلونها الأخضر الداكن وكأنها تتطلع بكهفين يوجد داخل كل منهما وحش كامن!
كان يتطلع بها بصمت دون ان يتأمل تفاصيلها وملامح وجهها بل مخترقا عينيها فقط وكأنها المتهمة ذاتها التي أوحى لها بذلك الليلة الماضية! وكأنه يريد اختراق داخلها من خلال محجري عينيها!
إحساس مرتبك سيطر عليها وقالت بحذر وكأنها تتضاءل تدريجيا امام هيئته الضخمة: "ظننتك مجرد حارس لم اعرف إنك جاري"
أدركت كم عبارتها غبية وتفتقر الى اللباقة وتخيلت بلادة ملامحها امام نظرته الثاقبة وتمنت ان تعود ادراجها وتتنازل عن رغبتها بالحصول على الانبوب
أنزل اهدابه التي تشبه عتمة السماء عندما تسدل بستار الليل على الارجاء بالتدريج كأنه أطلق سراح عينيها ليدين جسدها وبدأ يتأمل به بإمعان كأنها طالبة فنون جاءت لتعرض موهبتها امام لجنة تحكيم لتقيمها وأدركت مع نفسها ان ربما لباسها يستفزهم هنا!
كانت ترتدي كنزة قصيرة بيضاء تصل الى سرتها لتنتهي بسروال زهري ضيق جدا ينتهي عند ركبتيها والمسافة الشحيحة بين الكنزة والسروال قد تعري جزء من خصرها عندما تحرك يديها ويبدو ان ذلك ليس مناسب هنا
قال بصوته الخشن وقد بدت مخارج الحروف لديه صريحة وحازمة: "نعم اعرف"
استغربت كلماته البخيلة وقالت بشيء من الاعتداد: "اتصلت بمتعهد الصيانة وأخبروني انه سيصل غدا وكما تعلم بحال البيت التيار الكهربائي معطل بالكامل ومنذ الليلة الماضية لم انعم بكوب شاي لعدم توفر أنبوب غاز"
لم يكن بالغلاظة التي استوحتها من مظهره ولا بالحدة التي توحي بها عينيه اذ طلب منها ان تسبقه الى الدار وسيرى الامر وبنبرة لا بأس بها بثت شيء من الاطمئنان بداخلها

اغوار جارى لكاتبة هند صابرWhere stories live. Discover now