الفصل الثالث عشر

186 11 0
                                    

الفصل الثالث عشر....

(الطريدة)
وضعت يديها على رأسها ورددت: "الحمد لله الحمد لله انا هنا .... من اليوم هذه هي جنتي هذا البيت الذي كنت اجده بائس أصبح جنتي .... انه حلم .... مجرد حلم .... مجرد وهم"
وانزلت يديها بارتياح لتتغير تعابير وجهها تماما عندما وجدت منديل قرب الباب!
اقتربت ببطء ولما وصلت الى الباب جثت ولمست المنديل بأنامل مرتجفة وقربته من انفها ليغمرها ذلك العطر البغيض ويخبرها بكل قسوة وصراحة انها لم تكن اوهام!
أسندت راحتي يديها على البلاط وارخت جسدها بتخاذل وحزن مع ان الحقيقة لم تصدمها لأنها كانت تعلم بقرارة نفسها انه لم يكن كابوس او وهم وان ميرال كانت هنا بالفعل لكنها اختارت ان تصدق املها ورجائها انها هنا بمنأى عن العالم وان لا أحد يمكنه الوصول اليها
يبدو ان الأمور تسير معها على نحو خاطئ او عكسي لترجعها الى نفس النقطة التي انطلقت منها كلما حاولت الابتعاد وان الحصن والجدار الذي بنته حولها مجرد سور من الوهم اختلقته لترضي غرورها بالمقدرة على التحرر من العبودية المقيتة
يبدو ان الذي يحصل معها وما واجهته هنا من عراقيل ومواقف يشير الى ان كل الطرق تؤدي بها الى نفس الكابوس
كأن يد القدر تشد طرف ثوبها شدا نحو حافة الحفرة التي نفذت منها بمغامرة وكأنها رسالة صريحة تطالبها بالاستسلام!
ان الذي وجدته هنا من متاعب كأنها صفعة تلقتها على وجهها وما ان ادارت وجهها الى الناحية الأخرى حتى تلقت صفعة أخرى بظهور ميرال المفاجئ وبتلك العينين الثاقبة القاسية ذاتها التي عجزت ان تسبغ عليها نظرة الحنو المزيفة مهما اجتهدت وبنبرتها المغلفة باهتمام مصطنع اعتادت ان تزيفه كي تسبغ على نفسها شرعية الامومة التي لا بد منها على الصعيد الاجتماعي والتي تجردت منها كليا لكنها لم تستغني عنها بل حولتها الى غطاء تستر به على اخطاءها الفادحة متى احتاجت الى ذلك.
لكن الذي يحيرها الان ما الذي حصل كي تجد نفسها مازالت هنا؟
وميرال غير موجودة! انها لا تتذكر كيف فقدت الوعي وكيف اختفت ميرال من امام عينيها حتى بدأ الشك يساورها وكأن تلك المرأة قامت بتخديرها او استخدام أي حيلة من حيلها الملتوية لتحقيق مآربها المريبة العميقة!
رفعت رأسها المحني ببطء وتسمرت نظرتها نحو الباب وهي تصغي الى القرع الخفيف وبدت عيناها فارغتين .... انها هي!
عادت من جديد .... عادت لتصحبها معها .... لا لن تفتح الباب ابدا ستتركها تطرق وتطرق وكأنها لم تسمع شيء
استمر الطرق حتى تزايدت حدته وبدى قويا لان الطارق استخدم مقرعة الباب المتآكلة وكأن صبره نفذ وهي مصرة على موقفها وملتزمة الصمت وكأنها قطعة محنطة على الأرض!
تحول الطرق الى ضجيج حتى خفقت اهدابها وتفاقم توترها عندما سمعت صوت بارع خلف الباب وهو ينادي عليها باسمها!
يبدو قلق!
لم يمهلها الوقت كي تنهض اذ بادر بتصرف غريب جعل سحاب تنهار وتهز رأسها بصدمة وذهول اذ رأت ثقب الباب الذهبي يتحرك وكأنه يفتح!
واتسعت عينيها وكأنها ارادت ان تمحو هذه اللحظة من التاريخ انه يفتح بابها وهذا يعني ان يمتلك مفتاح!
وهذا فسر لها امر بغاية الخطورة اذ معنى الذي حصل الان ان الذي اقفل عليها بالمفتاح هو ذاته الذي يفتحه الان! وان كان هو الذي اقفله لماذا يطرق؟ الذي حصل جعلها عاجزة عن التفكير وعن الحراك أيضا!
اقتحم الدار ولما وجدها جاثية على الأرض وتحدق به بذهول ممزوج بتأنيب كبير قال وعيونه تتحرك اعلى وأسفل عليها ليتفحصها بالكامل: "انت بخير؟"
هزت رأسها غير مصدقة ما يجري وكأن كل شيء سقيما وغير واقعي وشدت على ملابسها بأظافرها وكأنها تغرزها بجسمها الذي يشع من حرارة وجوده وبالكاد نطقت وبمنتهى الانفعال والاتهام: "كيف تسمح لنفسك باقتحام بيتي هكذا؟ كيف دخلت ومن منحك الحق؟ وما هذا المفتاح بيدك؟"
رمقها بنظرة صامتة لكنها توحي بضيقه منها وبنفس الوقت بدى مرتبك لانها واجهته بالمفتاح وعندما خطا نحوها انتفضت وهمست بغضب ونفور: "توقف مكانك"
ضاقت عيناه وهو يتطلع بملامحها الهائجة غضبا وتشتت واسدل اهدابه عندما قالت بخفوت: "لم تجبني على سؤالي .... تظن انني صدقت تلميحاتك انك بريء من دم الأبرياء هنا؟ اصدقك وانت تحيط نفسك بهالة من الأكاذيب المتتالية منذ قابلتك؟"
رفع بصره بسرعة وبدت عليه امارات الحدة والاستياء ولما واصلت باتهام: " انت القاتل المنبوذ من قبل كل الأهالي هنا ولا اعرف كيف جلبني سوء حظي الى هنا كي اجاور سفاح غريب الاطوار مثلك لا تتوقف عن الأكاذيب منذ اول معرفتي بك و"
لم تكمل عبارتها وخفقت اهدابها عندما خطا نحوها بسرعة وكأنه يريد ان يوقف لسانها عن إطلاق الكلمات اللاذعة اذ امسكها من ذراعيها بقبضتين من غضب قائلا كأنه يحاول ان يتمالك نفسه: "لم اكذب عليك بشيء لا تسترسلي بكلماتك المتهكمة لم ات الا للاطمئنان عليك فقط"
انتزعت ذراعيها من يديه بنفور هامسة بتحدي: "الطريدة التي تشغل رأسك بنسج الخطط للإطاحة بها كشفتك .... انت مكشوف يا .... بارع بالكذب"
وتبددت ثقتها بنفسها عندما قبض على ذقنها حتى اوجعها واخرسها قائلا بعيون مسترخية النظرة كعيون المجرم الضليع: "لما وجدت تلك السيدة تنتظر عودتك تملكني الفضول لأعرف من هي وماذا تريد كأنني قلقت من الوضع وعندما دخلت معك لم اشأ ان أهمل الامر وكأني شعرت بأن هناك خطب ما وبالفعل صدق حدسي عندما وجدتها تخرج من البيت لتجلب معها رجل كان بانتظارها في الخارج ورأيتهما يخرجونك من البيت وانت كالجثة .... اضطررت ان أوقف كل ذلك من اجل الحفاظ على سلامة .... طريدتي"
قال كلمته الأخيرة وهو يرخي انامله وكانت نبرته مغلفة بشيء من السخرية وقبل ان تستوعب كلامه ابعد يده عن وجهها وقال متأملا اثار أصابعه على بشرتها وبصوت بارد ساخر: "لا بأس ان تكوني الطريدة اعجبني ذلك ان كنت وضعت نفسك تحت ذلك الإطار وسأعاملك على هذا الأساس"
ابتلعت ريقها وقالت بنبرة لينة وكأن كل انفعالها وغضبها تبخر: "انت من أوقفها؟ لا اعرف ماذا علي ان أقوله لك؟"
هو وبابتسامة باردة: "شكرا .... حروفها ليست صعبة .... ابصقيها بوجهي ام لا تجيدين الا الشتم؟"
اسدلت اهدابها ولا تدري أي مشاعر اعترتها تحت نظرته وكلامه بدى لها كزيت القرنفل ومفعوله على ضرسها وسرعان ما اضطربت بوضوح عندما قال بنبرة جادة: "من تلك السيدة؟"
هي وبارتباك: "لماذا اخذت مفتاح بيتي انا لا اثق بك؟"
وسرعان ما ندمت على محاولتها التهرب من سؤاله بتفاهة كبيرة جعلت ملامحه تتصلد ويرمي بالمفتاح على الطاولة ويقول: "هذا مفتاحك لا شأن لي به .... من حقك الا تثقي بي لكن تذكري انني من وضعك بسريرك ليلة أمس ان شئت تفحصي ما تريدين الاطمئنان عليه لئلا تكوني خسرت شيء ايتها الطريدة"
وانزل بصره الى جسدها بنظرة ذات مغزى ثم استدار واتجه الى الباب وقبل ان يخرج التفت اليها قائلا: "تهربت من الجواب الم اقل لك انك هاربة"

اغوار جارى لكاتبة هند صابرWhere stories live. Discover now