الفصل السابع والأخير

1K 34 0
                                    

الفصل السابع:

صدمة، ضياع،ألم، خوف.
اجتاحته تلك المشاعر باليوم التالي حينما اتصل برقمها وأجابت حور لتخبره أن جنة صدمتها سيارة أمام الجامعة، وهما في الطريق إلى المشفى، ليصعقه الخبر، تحتل الصدمة ملامحه، شعر بجسده يتجمد بغتة، ،الهواء انسحب من حوله، وجاهد ليلتقط أنفاسه لكن لا فائدة، بدا كل شيء يدور من حوله، لا يدري حقًا كيف وصل للمشفى الآن، لا يذكر شيئًا سوى الألم الذي هيمن على كل خليه بجسده منذ أن سقط هذا الخبر ليشطر قلبه إلى نصفين، كان يركض بتلك المشفى والعرق يتصبب من وجهه، فكرة فقدانها تنهش روحه بلا شفقة، قلبه يختلج بقسوة يكاد يشق صدره، حتى وصل لغرفة العمليات ووجد شقيقته تسير جيئة وذهابًا هناك ليركض نحوها قابضًا على كتفيها، يسألها بجنون:
"كيف حدث هذا؟؟"
نظرت إليه من خلال سحابة دمع تغشا عيناها وقالت من بين شهقاتها:
"كل شيء حدث فجأة ريان..أنا عبرت الطريق وهي كانت خلفي..لكن فجأة سمعت صراخ واجتمع الناس حولها حتى وصلت سيارة الإسعاف"
ارتفع صدره وهبط بعنف وهو يتخيل المشهد أمامه، صدمة السيارة لجسدها النحيل، سقوطها على الأرضية، الألم الذي اجتاحها وقتها، ليفغر فاه وتتسارع أنفاسه، أحس أن روحه على وشك مغادرة جسده، أخذ القلق يحرق أحشائه، لن يتحمل فقدانها، لا يمكنه أن يفنى بعد أن دبت الحياة بقلبه، يريد أن يقتحم تلك الغرفة ليعتصرها بين ذراعيه ويدخلها بين أضلعه ويجعل من صدره ملجأ لها، يحميها فيه من أوجاعها وألامها ومن كل ما يحول بينه وبينها، لم يفق إلا على خروجها من الغرفة على السرير المتحرك لينطلق نحوها ناظرًا لجسدها الساكن وعينيها المطبقتين بحزن طاحن، راقبها وهي تدخل إلى غرفة العناية المركزة، ثم هرول نحو الطبيب حتى يسأله عن حالتها ليصدمه بدخولها في غيبوبة مؤقتة وتتفاقم الصدمة حينما أنبأه عن عدم قدرته على إنقاذ الجنين، فيستشرى الألم، هو لم يفكر به منذ أن علم بما حدث، لكن الخبر كان مؤلمًا، قاتلاً بالنسبة إليه، هذا طفله الثاني الذي يفقده، ويكاد يخسر زوجته أيضًا، أسند جبهته إلى الحائط وأخذ يوجه إليه ضربات متتالية، يبثه غضبه وحزنه، بينما دنت حور وهي تبكي بحرقة لتربت على ظهره قائلة بحنان:
"ستكون بخير أخي اهدأ أرجوك"
لم ينبس ببنت شفة وكأنه في عالم آخر، مليء بالأوجاع والأحزان، والفراق يطرق بابه بإصرار، ولبث على هذا الحال حتى سمح الطبيب له بالدخول لغرفة العناية المركزة، ووقف بعينين حمراوتين ووجه شاحب، ينظر إليها بذهول، هو مأخوذ، مروع، لا يدري من تكون هذه الذابلة؟!، أهذه جنته التي أنارت حياته؟!، لكن جنته حينما تراه تقبل عليه بابتسامتها المشرقة لا تتركه يتألم وحده هكذا، دنا منها وخفقات قلبه تتعالى بقوة متسائلاً بنبرة ضائعة:
"لماذا لم تنهضي جنة؟!"
تحشرج صوته وهو يسألها وقلبه يحترق وجعًا:
"أستتركيني حقًا؟!"
ثم أجاب على نفسه وهو يبتسم، ابتسامة تجسدت بها كل معاني الوجع:
"لا أنت لن تفعلينها..جنة أنا أضيع بدونكِ انهضي"
تجمعت العبرات بمقتليه وهو يقو :
"ليس من العدل أن تهجريني بعد أن تعلمت معنى الحياة على يديكِ"
تسللت العبرات إلى وجنتيه وهو يلامس كفها بحرص حيث الكانيولا المغروزة بظهرها، هامسًا بصعوبة:
"أنا وجدتكِ متأخرًا ولا استطيع فقدانكِ باكرًا"
وتفاقم اختلاج قلبه لتخرج الكلمات منه كهمسات مذبوحة، يبوح لها بما أخفاه عنها مقبلاً باطن كفها بحرقة لتسيل دموعه مغرقة إياها:
"أنا أحبك..جنة"
كفكف دموعه بظهر كفه مسترسلاً:
"خفت قولها لأنني رفضت جميع مسميات العشق..لكنها كانت بداخلي بكل لحظة..كنت أتمنى أن أصرخ بها أمام العالم كله..لكنني عجزت عن نطقها حقًا..سامحيني لأنني لم أفصح عن مكنون قلبي..جرحتني امرأة سواكِ..فأرتعبت من كلمات الحب..أحسستها تهدم أكثر ما تبني..كنت مخطىء..نعم..لكنني أحببتك وأصبحتِ بداخل قلبي وحدكِ جنة صدقيني..ويا ليتكِ تشعري بيّ الآن..يا ليتها تلامس قلبكِ حبيبتي"
أخذ يتأمل ملامحها الشاحبة، يعذب نفسه برؤية ذبولها وسكونها، لامس وجنتها بأنامله الخشنة، قال متوسلاً من بين أنفاسه المتسارعة:
"افتحي عينيكِ جنتي لتصغي لحديثي..لاعانقِك وأعتصر جسدك بين ذراعي..لأمنع الفراق من التسلل بيننا"
استرسل في ضعف طاحن:
"أرجوكِ جنتي..أرجوكِ"
دلفت الممرضة لتطلب منه الخروج، ليلقي عليها نظرة أخيرة ثم يهبط بشفتيه مقبلاً وجنتها، فر من الغرفة إلى حمام المشفى، وضع رأسه أسفل صنبور المياه، تدفق الماء البارد وغمرها، لعله يخمد النيران المستعرة بداخله، يريد أن يعلم كل مشاعرها نحوه، كل ما كانت تخفيه، يجب أن يقرأ ما كتبته بدفترها، لم يرد هذا الحل، لكنه سيجن إذا لم يفعل، رفع رأسه ينظر للمرآة بعزم، ويرجع شعره للخلف للتساقط المياه على جسده، تلذعه بهذا الطقس البارد، سار بخطوات منفعلة حيثما كانت تجلس حور، تساءل بحدة:
"أين حقيبة جنة؟؟"
نهضت وناولته إياها وهي ترمقه بمزيج من الشفقة والتعجب بسبب مظهره لكن لم تستطع التحدث فقط قالت:
"أمي ستأتي مع نيار وعهد الآن..فيمكنك الذهاب للمنزل لترتاح قليلاً وسنبقى معها أنا وأمي"
جلس على أحد المقاعد وهو يهم بفتح حقيبتها، قائلاً بحزم:
"أنا لن أتركها حور..وستذهبي أنتِ وأمي مع نيار للمنزل ولا أريد النقاش في هذا الأمر"
"لكن!"
قالتها باعتراض ليرفع إليها عينيه المنهكتين:
"كفى أرجوكِ"
لاذت بالصمت رفقًا به وجلست جواره، وبدأ هو في قراءة ما كتبته بالدفتر بعينيه فقط وكانت البداية.
"أحببتك في صمت، عذاب ووجع، أحببت حتى اكتوى القلب وذبلت الروح من عشقك لامرأة سواي بالبداية، وحزنك على الألم الذي نقشته بداخلك الآن، نعم أنت زوجي وحبي لك لم ولن يفنى، لكني لم أرغب منك سوى حبك ريان، فلماذا حرمتني منه؟؟؟!!، وهل هناك سبيل للخلاص من عذابي أم لا؟؟!!"
كان يحبس أنفاسه وهو يلتهم الكلمات بعينيه ليطلقها بتسارع من آخر كلمة، يتنفس بسرعة كدقات قلبه الذي يضطرم بالنيران، أخذ يقرأ كلماتها من جديد، يتأكد مما رأته عيناه، حروفها تنطق، تئن، تبكي، تستجدي الرحمة، سيل من النيران سرى بأوردته وهو متسع العينين في صدمة، أكانت تحبه منذ زواجه من أميرة؟!، كيف؟؟؟!!، ولماذا لم تخبره؟؟؟!!!، تصاعدت الدماء إلى رأسه ونهض يسير بالممر بخطوات سريعة، يقلب الصفحات يقرأ المزيد والمزيد من حروف نقشها الألم، تعذبت بعشقه لسنوات، وهو لم يدر، لم يفهم، لم يشعر، تهاوى على المقعد وصدره يرتفع ويهبط في جنون والصدمة تخيم على ملامحه لتسأله حور بهلع:
"أأنت بخير ريان؟؟!!"
أومأ برأسه بصعوبة، والألم يلتهم قلبه، ولبث يعاود قراءة المذكرات كلما جلس وحده، حتى حفظ كلماتها عن ظهر قلب، هو أحب من لا تستحق وكانت هناك من تكتوي بعشقه ولم يتناقص حبه بقلبها، ذكر حديثها عن تلك البطلة التي أحبت في صمت ولم يقل حبها بل إزداد، والآن عرف سبب غضبها حينما تعجب من حبها هذا، كانت تدافع عن عشقها هي، عن ألمها وعذابها، تمنى لو تبقى ليبدل أحزانها بغبطة لا مثيل لها، ويغمر عمرها القادم بعشقه.

أحبك في صمتي(مكتملة)Where stories live. Discover now