هذا الشارع.

774 71 25
                                    

للروح نظرة، للأعين نغمات، للقلوب أوتار. يمتلك كل شيء جانبًا غريبًا لا نعرفه، وربما لا نهتم به.

للشوارع رائحة. رائحة تبث الحب في أعماقي حينًا وتشعل في عقلي النيران حينًا أخرى. للشوارع رائحة تحكي بشفقة عن من خطوا فوقها، عن من بكوا هنا، من ضحكوا هنا، من ولدوا ومن ماتوا ومن وعاشوا هنا.

لهذا الشارع رائحة تحكي عن امرأة كفيفة لا ترى من الحياة سوى ما تلمس، ولا تفهم منها سوى ما تسمع. للشارع رائحة تبكي على الزهور التي لا تعرف المرأة ألوانها، والقطط التي لا ترى نظراتها، والشمس التي لا تدرك كم من المرات قد أنارت غرفتها.

لهذا الشارع رائحة تحكي عن ركب الأطفال المجروحة، وإطارات السيارات المسرعة، والحلوى التي لطالما نجدها في الركن ولا نعرف كيف يتبدل لونها، لا نعرف من يلقيها، ومن يأكلها. رائحة تحكي عن دموع كثيرة لا نعرف مصدرها، وضحكات عالية...متلاشية.

لهذا الشارع رائحة تحكي عن قلوب محطمة، وصرخات مدفونة، وأضواء لا تنطفئ.

يخبرني أني مررت من هنا قبلًا، أنه يعرفني جيدًا...يعرف أن عيناي لا تحبها الأزهار، وأن أيامي لا تضيؤها الشمس. يعرف أن قططه الضالة تحسبني خيالًا لا ملاذ له، فترمقني بشفقة حين أعاكسها،وتعرض عني حين أجالسها، ويعرف أن في دواخلي جروح لا تداويها الضمادات كركب الصغار. يعرف أن إطارات الحياة المسرعة تدهسني ولا يسعني الهروب منها، وأن المنازل الفارغة على جانبي الطريق تجذبني حين تذكرني بذاتي. ويعرف أن قلبي صارخ، وصراخه محطم، وحطامه مدفون أسفل لمعة عيني...لمعة يخبرني أنها كأضواءه، لا تنطفئ.

يخبرني هذا الشارع كلما يتساقط فوقه رماد سيجارتي أنني مررت من هنا قبلًا، أنه يعرفني جيدًا، وأني لا أعرف عنه سوى...رائحته.

you can cry | تستطيع البكاءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن