٣ | طيور الهاربيز

Start from the beginning
                                    

نكس برأسه نحو الأسفل لتُغطي خصلاته الفضيّة عينيه، تأمل موضع قدميه لعدة ثوينات حيث تداعب أمواج البحر المُتهادية والفاترة قدميه، تاركةً عدة خطوط صغيرة متناسقة على الشاطئ الرملي المُمتلئ بالصخور الضخمة الداكنة مثل خطوط الأرض المحروثة.

نقل نظره بعيداً عن رمل الشاطئ تحديداً عند ظهور الغاب بأقترابه من الغابة وأزدياد كثافة البساط الأخضر المليء بالأزهار الملونة، وأنواع النباتات المختلفة. رفع رأسه قليلاً ليُبهر بأشجار الغابة العالية المُغطاة بالأزهار المتفتحة التي تتراقص أغصانها مع الهواء النقي مُطلقةً حفيفاً محبباً للآذان وقد زادها الندى روعة وجمالاً، داخلها يسير نهرٌ صغير بين السواقي كاشفاً عن تعرجاته ونتوءاته وينثني في انحناءه حادة ليخط سيله مختفياً عن الأنظار. وقد ترائ له من بعيد ذلك الجبل المُنتصب بشموخ في مُنتصف الغابة الذي يرتدي قُبعةً بيضاء من الغيوم لعلوه الشاهق، مُسربلاً بالضباب.

ذلك المنظر قد أسّرَ حواس آركيت تماماً فهو يكاد يقسم أن الغابة القابعة أمامه هي أجمل ما قد رأتهُ عيناهُ يوماً وكأنها لوحة فنان يتلاعب بألوانها كيفما يشاء لتصبح في غاية الجمال حتى أن الناظر إليها يخالها فراديس الجِنانّ.

ولكن في قرارة نفسه كان مُتأكداً من أمرٍ واحد وهو أنهم لم يعودوا داخل مُوندهيلو بل هما في مكان آخر بعيدٌ عنها، مكان أكثر دفئاً حيث يغطي اللون الأخضر المُنعش كل شيء، والهواء مُحمل بعبق رائحة الأزهار الحُلوة.

جمح برأسه نحو الأعلى لتضرب أشعة الشمس التي تتوسط كبد السماء قزحتيه فسارع بأطباق جفنيّه سريعاً، ورفع كفه أمام وجهه ليحجب أشعة الشمس من التسلل لعينيه. إمارات التفكير أعتلت ملامح وجهه الجامدة والباردة، يتسائل عن المدة التي قضياها فاقدين للوعي على هذه الجزيرة.

أطراف أنامله الشاحبة لامست ذقنه بتفكير «تعرضنا للهجوم من كائنات الزينيف في حدود الساعة العاشرة والنصف تقريباً؟..» أنّبَسَ بنبرة متسائلة، أخذ يُحدق بآري وهو يفكر بأنه ربما لم يمضي على بقائهما الكثير في هذه الجزيرة، فسم الزينيف الفتاك عندما يدخل جسد الفريسة يشُّل حركتها تماماً في غضون ستون دقيقة من الأصابة، ثم يلي ذلك أصابة الشخص بالهلوسة والحمى الشديدة، ويستغرق وصول السُّم للقلب وإيقافه عن النبض ثلاث ساعات أخرى ليموت بطريقة مؤلمة وبطيئة جداً.

ونظراً لأصابة آري بالحمى فربما قد مر على إصابتها بالسم ساعتين تقريباً. أعتدل في وقفته، واجه الشمس مُباشرة مُعطياً ظهره للغابة، ضيّق عينيه ومد ذراعه أمامه بحيث تكون راحة يده مُتجهةً نحوه والأصابع موازية للأفق، وضع سبابته بحيث تستقر أسفل الشمس مُباشرةً ويكون الخنصر موازياً لحافة الأفق.

أخذ يحسب بترو عدد الأصابع التي تحتاج للوصول من الشمس إلى الأفق، يُمثل كل إصبع صاعد خمسة عشر دقيقةً حتى غروب الشمس. وضع يده اليسرى أسفل يده اليمنى مُباشرة وأستمر في العد، كل يد تمثل حوالي ساعةً واحدة.

ڤيكسن | أنثى الثعلبWhere stories live. Discover now