ملائكياً المنبت

595 38 30
                                    

إلتقيت به ملاكاً هابطاً من الفردوس يوم ما ظننت أن الشياطين فقط من تحيا بيننا
التقيتُ به حين قضى الخوف على كل آمالي في اللقاء، حين أقعدتني التجربة عن التطلع، حين ماتت أحلامي في رجلٍ يحسن معاملتي كأنثى، يقدر كياني كإنسان، يعطف عليّ كطفلة، حين فقدت الأمل في وجود إنسان يشبهني في هذا الكون، قلبًا وعقلًا وفكرًا وشخصيةً وحنانا وإنسانيّة. حين رأيتُ الجميعُ مسوخًا تغلفهم القساوة والكبر وسوء الخلق.. حين أردت إنسانًا وعز عليَّ الطلب

لازالت الأرض تدور و العقارب تسير و المارة يتحركون في عالم و هما الإثنان معاً في عالم آخر...عالم لا دقات للساعة فيه ولا دوران للأرض به ولا حركة تحدث غير أنامله الشغوفة بشكل يزيدها حناناً التي تحتوي عنقها بتملك و أناملها الرقيقة المرتجفة بشكل يزيدها نعومة التي تنزلق ببطء شديد من فوق كتفه لتمر على ساعده بكسل دون أن يُكتب على قُبلتهما الإنقضاء بعد حتى مع نهوضه و نهوضها واقفين
و بعد مرور بضعة ثواني على حالهم هذه إبتعدت الطبيبة عنه أخيراً بعدما عاد لعقلها أين هم و بأي صفة هي هنا و الحقيقة المؤسفة بوجود آخرين معهم على الكوكب
و لكن حتى مع ابتعادها عنه لم تقوى على الخروج عن مدار ذراعيه الملتفة حول خصرها أو حتى الرحيل بعينيها الزائغتان عن عينيه المشتعلة بالشغف أبداً
- دينيز ، أنا يجب أن أذهب..
مجرد كلمات مبحوحة الحروف قالتها عن الرغبة في العودة من حيثما آتت هي من تحررت من شفتيها و لم يستوعبها قلبها أبداً فبالرغم من كونها على صواب من جهة التفكير بالعقل أن وجودها هنا في هذا الوقت الليلي ممنوعا طبقاً لسياسيات المستشفى و قد يتسبب لها في حرج كبير إذا مر أحد أفراد الطاقم الطبي لتفقده أو حتى إذا عادت شريكتها في السكن و لم تجدها إلا أن قلبها الذي كان ينتفض فرحاً داخل صدرها و يقرع بجنون لقرب إشتاقه...تلك اللحظة ، هذا القرب الشديد منه ، هذه النظرة المشتعلة بجنون الحب في عينيه الجميلتين ، هاتان العينان اللتان يسحبونها نحو عمق البحار بنظرة واحدة ، هذان الذراعين اللذان أحاطا بها في عناق حرمها منه لتسع أيام كاملة ، هؤلاء الأنفاس اللواتي عادت تهرب و تسلل من و إلى رئتيه بسلاسة
كل هذه النعم الغارقة فيها الآن هن اللواتي بكت و تضرعت فجر ليلة وصولها هنا لكي يمنحها الله فرصة للتمتع بهم فكيف ستقنع قلبها بحتمية الذهاب بعد كل هذا؟
و رفقاً بها من القدر و من دون أن تنتظر من أياً عقلها أو قلبها ترجيح إحدى الكفتين شعرت بقُبلة صغيرة تنام على شفتيها مجدداً و هو يغمغم بحزم بينهما
- لن تذهبي..لن أتركك تذهبي
أغمضت عينيها بإستسلام حتى بعد رحيل شفتاه عنها و عقلها الذائب تماماً لازال يتخبط بين كل هذا محاولاً إيجاد طريقة يقنعها من خلالها بأهمية الذهاب و بشكل سريع من هنا لو لم تشعر بشفتيه تُقبل جبينها طويلاً و يضم رأسها إليه معترفاً أخيراً بما كان يخالجه من إشتياق خبأه وراء كبرياء غبي طوال تسعة أيام...أحترق بالشوق مهما إدعى الكبر...لم تغب عن أحلامه طوال الليل...رأى الكثير من السيناريوهات المختلفة لتصالحهم في أحلامه حتى مع إستيقاظه كل صباح مدعياً الجمود... ذاب مع دلالها عليه حتى مع تمثيله للثبات...أراد ضمها إلى صدره منذ لحظة إفاقته حتى وهو يرتدي عباءة اللامبالاة لمدة يوم كامل...إشتاق بشكل يجعل الخدر ينتشر في جسده الآن و هي محتجزة بين ذراعيه بهذا الشكل
- إشتقت إليكِ جداً..إشتقت جداً يا أدا!
و على الفور يعود هذا الدلال يجري في عروقها فتكور قبضة يدها و تلكمه بخفة في ساعده السليم و هي تقول بدلال مدعية الغضب منه
- الآن تذكرت يا حضرة القبطان.. لقد كدت أيأس من أن تنطق هذه الكلمة
تلمع عيناه مع دلالها عليه و تشتد قبضته على خصرها و هو يشعر بقلبه يرتعش بقوة داخل محبسه مع طريقتها في الدلال..إنها تقتله دون أن تدري و هي تدلل بطريقة لا يفهم عقله أبداً كيف يمكن أن تجمع بين طفولة صغيرة لم تتجاوز حدود السبعة أعوام و بين دلال أنثى تعرف كيف تنادي العاشق من داخله مهما كان محتجزاً وراء آلالاف الأسوار
و لكنها لو ظنت أن طريقتها هذه ستمر من أمامه مرور الكرام فقد إخطئت و لهذا ما إن أنهت كلمتها مال بوجهه بعدها مباشرةً ناحية أذنيها هامساً بعبث يعرف جيداً تأثيره عليها
- و لكنكِ سمعتيها في أنفاسي و قرأتيها مرارا في عينايّ..لا تنكري هذا
و إستمراراً لتصنعها الغضب حركت جسدها خطوتين للخلف لكي تخرج من حضنه تماماً ثم بدأت سيل لومها المتدلل مرةً آخرى و هي تتابعه بعيون متوترة من إبتسامته الجانبية المرسومة على شفتيه و كأنه نصب لها فخاً ما و ها هي بمحض حريتها تسير نحوه بخطى ثابتة
- و إذا قلت أنه لم يكن يكفيني..؟
تراه إقترب منها ما إبتعدته من خطوات و قد أصدر من فمه صوت يحثها به على الإستمرار فترتجف رموشها خجلاً من نظراته لها و تتعاظم رغبتها في إستكمال لومها له و هي تتراجع خطوات آخرى عنه مستكملة حديثها بسؤال آخر
- و لو قلت أنني إشتقت إلى سماعها من شفتيك ؟
يعاود للإقتراب منها أكثر فتبتلع ريقها الجاف أساساً و هي تتراجع القليل من الخطوات الجديدة و التي سرعان ما قلصها هو بحركة واحدة منه و لازالت أعينهم متعلقة ببعضهم البعض
- هل هذا عيباً ؟
و في اللحظة التي أطلقت فيها سؤالها الأخير شعرت بقدميها تصطدم بالحائط فرفعت عينيها الجميلتين المستعتين بدهشة و ترقب و هي تراه يتحرك خطوة واحدة فقط تغدو على أثارها محتجزة بين الحائط من جهة و دينيز من الجهة الأخرى
ترفع عينيها المتوترة ناحيته بدلاً من الأرضية مع حركة أصابعه لكي يزيح شعرها على إحدى كتفيها ثم همس داخل أذنيها متنهداً بشوق يحرق كل حرف من حروف إعترافه بالشوق الشديد لها طوال فترة غيابها عنه
- لو قُلت أنني إشتقتُ إليكِ كل يوم...رأيتكِ في أحلامي كل ليلة...رأيت تصالحنا كلما غفت عيني...هل سيكون عيباً ؟
تهز رأسها بالنفي فوراً شاعرة بوجنتيها يحترقان من شدة الخجل بينما صدرها يعلو لأقصى إرتفاع تارة و يهبط لأدنى مستوياته تارة أخرى دلالةً على توترها بين إحدى كفوف يديها المرتعشتان قد تحرك ليمسك بكفه الأيسر و كأنها تحاول أن تبقيه على هذا الوضع كي تقي ذراعه الجريح من أي تهور قد يفترقه أما أن عن كفه الآخر فقد إستلقت أنامله على الحائط الذي ورائها و هو يقترب بوجهه منها أكثر حتى بات لا يفصلهما إلا إنشات مغمغماً بنبرة عابثة يطفو على وجهة حروفها بعض العتاب
- هل. سيكون عيباً لو قلت أنني لم أكن لأتركك ترحلين عني خطوة لولا كلام‍..
عند هذه النقطة قرر قلبها أن يأمرها بآخذ ردة فعل تقاطع بها لومه الذي كان سيبدأ فيه لتوه فهي لا تريد سماع ما قالته...لم يغب عن عقلها أساساً...لامت نفسها عليه قبله...لا تريد سماع و تذكر شماتة إستيرا بها مجدداً...لا تريده أن يأتي بأسم أبيها أمامها مجدداً...لا تريد إفساد جنون الليلة بأي شيء جدي و عقلاني!
و لهذا السبب و على الفور حركت كف يدها الحر لكي تضعه على رقبته و تجذبه ناحيتها فجأة لتقبله برقة شديدة مقاطعة مسار حديثه بعدما همست بصوت خفيف جداً لا يكاد يُسمع
- ألست بحاجة إلى الراحة قليلاً في رأيك بعد هذه الليلة الطويلة ؟
في البداية تفاجأ الرجل من حركتها و لكن سرعان ما تبخرت دهشته في لحظات و أغمض عينيه مستسلماً لقُبلتها الرقيقة حتى النهاية
...............................................................

Aşk AdasıWhere stories live. Discover now