داء الحب

537 46 22
                                    

أنا أحبكِ و أعلم جيداً أنكِ تحبينني رغم جمود نظراتك و قساوتك معاملتك إلا أن عيون قلبك نطقت بحبي و فضحت كذبتك المهترئة و لهذا فيلطمئن قلبي فأنتِ لي اليوم أو غداً أو حتى بعد عام...بإختصار يا سيدتي قلبي و عيناكِ و الأيام بينهما..!

إنحنى الشاب نحوها لكي يحتضنها بشكل أقوى و بعدها تحرك مهرولاً نحو سيارته بينما كفه يمسد فوق شعرها برقة متمتماً بأنه بجانبها تارة و يطالبها بإتباع حركات لتنظيم أنفاسها تارة أخرى بينما كانت قدميه تطير ناحية سيارته
و من دون إبعادها عن حضنه حرك أنامله ببطء لفتح الباب المجاور لكرسي القيادة في السيارة و بعد ذلك أدخل جسدها النحيل شديد البرودة داخل السيارة و بأنامل مرتجفة أغلق حزام الأمان حولها لثقته التامة أنها في حالتها تلك ستحتاج إليه لعدم مقدرتها على البقاء ثابتة طوال الطريق بل إنها حتى لم تستطع البقاء واعية لدقائق قليلة حتى فقد فقدت أنفاسها بالفعل و عاد وجهها الجميل للتزين باللون الأزرق الدال على الإختناق مجدداً مانحاً إياه الإنذار بأن عامل الوقت ليس في صالحه على الإطلاق فتنهد بمرارة واضعاً قُبلة صغيرة فوق جبينها المتعرق و من ثم إنطلق كالريح مقنعداً فوق كرسي السائق

كانت السيارة مجنونة كصاحبها تطير كما صقر الشاهين متجاوزة جميع إشارات المرور و رادارات السرعة القانونية...صوت زامور السيارة يخترق مسامع السائقين من حولهم...السيارة تطلق بكل ما لديها من قوة صافرات الإنذار بتخطيه السرعة القصوى للسيارة...تلك الصافرات يعرفها حق المعرفة...صافرات إنذار آخرى...حبيبة آخرى...تلك الحالة المرتعبة عاشها من قبل...صافرة إنذار تهدد بأن هذه السرعة قد تؤدي إلى فقدانه حبيبة أخرى...و لكن تلك المرة هو في كامل وعيه...هو ليس فاقداً للوعي ولا جسده ملبد بالكسور بل هو في كامل وعيه و كامل صحته و كأن القدر يثبت له عجزه عن حماية من يحب أيا كانت حالته
و لكن لا...هذه المرة لن يُهزم...لن يستسلم ستنتهي صافرة الإنذار مع وصولهم للمشفى و ليس مع فقدانه لها...سينقذها ولو دفع عمره ثمناً لذلك
قاطع وعوده لنفسه رغبة قلبه المرتعب في الإطمئنان عليها فرمى رأسه ناحيتها ليرى تعرقها الذي إزداد غزارة...رزقة وجهها بدأت تؤول إلى مرحلة أشد خطورة من ذي قبل و عيونها لم تعد تقوى على الإنفتاح...فقط شفتيها مفتوحتان قليلاً بحاولا محاولات فاشلة في إلتقاط الإنفاس فإلتقط كفها الثلجي يضغط عليه برفق و هو يتمنى بكل جدية لو كان بإمكانه إعارتها الأنفاس المحبوسة في رئتيه لتنقذها من ذلك الألم
- ben...Ölü...yorum
" أنا...أم‍...وت "
و بشكل فوري بهت وجهه فور وصولها جملتها المتقطعة إلى أذنيه فدار بوجهه المرتعب نحوها و قد باتت عيونه ككأس الدم من فرط إحمرار و أصبح قلبه المسكين أشلاء بفعل جملتها
لا لا، لن يأخذ منه الموت مخلوقاً آخر...لن يأخذ الموت منه قلبه مجدداً...سيحارب لسلامتها مهما كلفه الأمر...سينتصر على القدر هذه المرة!
Hayır, hayır, bu defa başka...korkma her şey iyi olacak
" لا، لا، هذه المرة مختلفة...لا تخافي كل شيء سيكون بخير "
في الواقع لا يمكننا الجزم بأن كان ينطق هذه الكلمات مطمئناً إياها أم نفسه و لكن في جميع الأحوال فقد كان إرهاق الجهاز التنفسي لدى الفتاة الحمراء صاحب اليد العليا في هذه اللحظة فلم تنبس ببنت شفة تاركة له المجال كاملاً ليقول ما يشاء دون أن رد أو مجادلة منها بينما كان وعيها قد وصل إلى النهاية فعلياً و هجرها تماماً جاعلاً يدها الممسكة بيده ترتخي و جفونها تنغلق معلنة بذلك فقدانها للوعي كلياً
و بالرغم من أن طريقهم للمشفى لم يأخذ دقائق قليلة إلا أن ذلك لم يمنع القبطان المتوتر من الضرب فوق تارة القيادة بغضب مع كل شيء يعترض طريقه و كأنه يخشى أن يهزمه الموت مجدداً حتى
و بعد قرابة العشر دقائق من السرعة القصوى الجنونية وصلت السيارة إلى بوابة المشفى فضغط فوق فرامل سيارته بشكل تدريجي حتى تتوقف السيارة دون إحداث إصابات لأي منهما و بعد ذلك ترجل القبطان من سيارته مهرولاً للطرف الآخر من السيارة ليفتح بابها ملتقطاً منها تلك الحمراء الفاقدة للوعي
للمرة الأولى يحملها في حضنه...للمرة الأولى تكون بقربه بهذا الشكل...رائحتها سرقت أنفاسه...شعور غريب يعتريه...شعور غريب يجعل قلبه يرتجف داخل صدره...نيران جسده المحترق تدفئ جسدها البارد...بينما كانت قدميه تركض ناحية الإستقبال مطالباً بالأطباء كان قلبه يتمنى لو كان بالإمكان أن يطول الممر قليلاً بعد كي ينعم بوجودها في أحضانه لمدة أطول و لو أطول بدقيقة واحدة فقط حتى فهو يعرف حق المعرفة أن منذ لحظة تسليمها للفريق الطبي بن يستطيع حملها هكذا مجدداً...لن يستطيع الإقتراب منها حتى..فهو بالنسبة لها...لا شيء!
ساعدوني....إنها تختنق...ساعدوني
صدح صوته الغاضب في بهو المشفى كما الإعصار و هو يرمي جميع من بالمكان بنظرات لائمة و كأنه يحملهم ذنب مرض تلك الفتاة النائمة في ٱحضانه و لم يقطع وابل رصاص نظراته الجحيمية هذه إلا صرير وصول ذلك السرير المتحرك المصحوب بإثنان من الأطباء المهرولين نحوه فإنحنى بلطف كمن يضع طفلته الرضيعة في مهدها واضعاً إياها فوق الفراش الطبي الصغير لترتطم رأسها بالوسادة فور إبعاد يده كن تحتها مثلما إرتطم قلبه بألم مدوي فور إبتعادها عن حضنه
- إفرغوا من أجلها غرفة عناية فائقة فوراً...حالتها الصحية حرجة جداً...نقص الأوكسجين في الدم بهذا الشكل قد يؤدي إلى تلف جهاز الحركة في جسدها في غصون خمس دقائق فقط لو لم يتم وضعها على جهاز التنفس الصناعي
كان الرجل ذا الرداء الأبيض يصرخ مهاتفاً الممرضات اللواتي بدأوا يهرلون في جميع الإتجاهات لينفذا ما طلبه منهن الآن
و على عكس كل تلك الجلبة و الهرولة فقد أعلنت أقدام شاه السمر عيصانها عن الحراك لخطوة واحدة إضافية و قد وقعت كلمات الطبيب في قلبه وقوع الصاعقة لتقتلع قلبه من صدره و ترميه سجيل...سمع الطبيب يقول بكل وضوح أن حالتها خطرة...سمع الطبيب يقول ان خمس دقائق فقط إضافية كادت تُفقدها القدرة على الحركة...كادت أدا ألتوناي أن تثبت له عجزه عن حمايتها لو تأخر لدقائق فقط..كاد كل شيء أن ينتهي شيء لو تأخر قليلاً...بل أنه و لهذه اللحظة لازال مهدد بفقدانها
أمسك دينيز بكف الطبيب مستفيقاً بتلك الحركة من دوامة أفكاره و معطياً للطبيب إشارة منه لرغبته في إيقافه عن السير للحظات...تلك الأشارة التي فهمها الطبيب على الفور فإستدار بعيونه نحوه متسائلاً
- تفضل...من تقرب إلى المريضة
من يقرب للمريضة ؟ هل يمكنه أن يجيب بلا شيء ؟...هل يمكنه أن يجيب بلا أعرف ؟...لا تعتبره شيء...بل إنها تهرب منه...هل يخبره بأنه حتى و رغم أنه يموت قلقاً عليها و حباً لها فهي لا تريد أن يجمعهما مكان ؟
زفر الشاب بمرارة و كأن حلقه يسعى في طرد جراح قلبه بينما ركضت عيونه وراء سرير الذي دخل غرفة العناية المركزة و هؤلاء الممرضات اللواتي حملوا جسدها الضعيف و وضعوها على الفراش و بدأوا في تغطية وجهها الجميل بقناع الأكسجين و يوصلون إحدى الطرفين بعرق يدها و الأخرى بجهاز إستشعار النبض
- حبيبتي..
همس الرجل بألم و كأن صوته يأتي من بئر سحيقة خالية جعلت صوته يتكرر مرات في رأسه كالصدى و كأنه يذكره بما نطقه و بمكانتها عنده الذي يحاول عقله رفضها أم من طرف صاحب الرداء الأبيض فأنطلق مسرعاً هو الآخر نحو غرفة العناية بعدما طلب من الطبيبة المساعدة له إحضار بعض الإبر الطبية لأخذ عينة دم منها بهدف معرفة سبب حالتها هذه
تلك الإبرة التي طعنت قلبه و ليس ذراعها و سحبت الدم من جسده و ليس من وريدها فتحرك بخطى ثقيلة مبتعداً خطوات قليلة ليهاتف والدته و يخبرها بإمكانية مبيته خارج المنزل لفترة فلو أنها على طرفة الموت لن يتحرك من هنا خطوة واحدة
و بعد مكالمة هاتفية لم تدم طويلاً رغم عدم إقتناع جولاي بالأسباب التي قدمها علة لبقاؤه إلا أنها فهمت من نبرة صوته المنقبضة بأن لا مكان للرفض أو للجدال أبداً و عوضاً عن ذلك طلبت منه أن يطمئنها عليه بإستمرار لتنهي المكالمة بعد ذلك و يعود هو للوقوف أمام غرفة العناية و آهات قلبه تخترق صلابة الجدران خاصةً مع رؤية لانتفاضة جسدها المتكررة تحت ضربات الجهاز الكهربائي الخاص بتنشيط عضلة القلب
ذلك الجهاز الذي ينفض قلبها ليحييه و ينفض قلبه ليميته...ذلك الضوء الأحمر المنبعث منها الذي يعني أن عدد دقات قلبها منخفضة للغاية يعمي بصيرته…هتاف الطبيب للممرضات بالإسراع يصم آذانه
عيونه المذعورة تتطاير بين جموع البشر بحثاً عن وجهها الذي لم تعود له حمرة الحياة بعد حتى وجده مُخبأ تحت قناع الأوكسجين فتمتمت عيونه مُتوسلة مناجية روحها التي تجابهة من أجل البقاء
- يقتلني حبك يا امراة إنبعثت لي من خلف ستار لم أعلم يوماً أن هناك حب كاسر مغوار حب يكسر كل الاسوار و يضرب قلبي مثل الاعصار
………………………………………………………

Aşk AdasıWhere stories live. Discover now