لا مجال للهرب

631 44 31
                                    

إنني أُحبكَ بعمق ، بعمقِ الدمِ الذي يسري تحتَ الجلدِ ، وبعمقِ الشوقِ الذي ينخرُ عظامي في ليالي الشتاءِ الحزينة..
بعمقِ تجمعِ الدموعِ في طرفِ عيني ، وبعمقِ صوتكَ الذي ما زالَ يطنُّ في أذني
أُحبكَ بعمقٍ يدفعني لأتخللَ مسامكَ الآن وغدًا وللأبد

تناثرت خيوط الشمس الذهبية لتسكن جفون كل النائمين و أحداق من لم تذق عيونهم النوم للحظة و من بينهم تلك الحمراء القابعة فوق الأرضية داخل منزلها تراقب إحتراق الحطب داخل المدفأة و ألسنة اللهب تنعكس داخل مرآة عسليتيها الواسعتان
لم تشعر متى أغربت الشمس و متى تبلور القمر في سماء ليلها و متى إنبثقت خيوط الفجر الأولى من ظل القمر في السماء و متى عادت الشمس بقوتها الطاغية للإشراق مجدداً
لم تدرك أبدًا كم من ساعة مضت و هي مندثرة داخل ملابسها الثقيلة شاردة الذهن بهذا الشكل…لازال عقلها عالقاً في حالته التي ألمت به طوال وجودها بالمشفى...هدوء يثير في قلبها الريبة…تساؤل لا يصمت في عقلها حول السبب…دمعة عالقة في طرف تأبه الهبوط أو الإنحسار…برودة قاتلة تنخر عظامها كالخنجر رغم نيران المدفأة و دفء الملابس و حرارة الشمس
ألهذه الدرجة كان بعدها قاسياً..؟ ألهذه الدرجة كان جفاؤها معه جارحاً..؟ هل يذيقها من نفس الكأس الآن ؟ و لكن كأسه أكثر مرارة بكثير فهو لا يعاملها بجفاء بتاتاً...هو يغرقها بإهتمامه و يحرقها بالصمت…طوال فترة وجودها بالمشفى لا ينبس ببنت شفة يعرف كل أخبارها من الاطباء…يحقق طلباتها صامتاً تستل الكلمات من فمه كالسيف…ترى في عينيه نهراً لا ينضب من الحنان و لكن لسانه يضرب عن بلورة حنانه هذا في الكلمات
أغمضت الفتاة عينيها الجميلتين و هزت رأسها رافضة لذلك الشعور القاسي الذي يطالبها بالإعتراف أنها السبب في هذا الصمت الذي يعاقبها به…ليته فقط يعرف أنها ليست بنفس قدره من الشجاعة لتهرب من ماضيها مثله…ليست بتلك الفروسية لتمتطي خيل المستقبل و تطير مثله…هي عصفور صغير فحسب…عصفور صغير حبيس في قفص لعين لم يختار العيش فيه يوماً…عصفور صغير ينتظر من القدر أن يفتح له باب القفص وهو أقسم لكم لن يعود إليه…هي هريرة صغيرة تنتظر فقط أن يُفتح لها الباب و هي ستركض كالبرق و لن تنظر ورائها مجدداً أبداً هي فقط بحاجة ليد تساعدها على الصعود أولى خطوات الخلاص و هي ستهرول وحدها ما تبقى…و لكنه لا يعرف كل هذا مع الاسف و هي لم تخبره أيضاً!
أولم تخبره عينيها الجميلتين بالحقيقة ؟ ألم تكفيه رسالتها المطوية في جيب معطفه ؟ ليته يدرك أن هذا أقصى ما يمكنها فعله حالياً
ولا يطردها من نعيمه و كأنها أكلت من الشجرة المحرمة
نهضت الفتاة بتثاقل روحها الجريحة متجهة نحو غرفتها و قد قررت العودة إلى عملها كفاها توانياً عن تأدية مهامها...أنها تحمل على عاتقها مسؤولية علاج العشرات غير دينيز ولا يجب عليها أبداً التخلي عنها لمجرد أنها ضعيفة بشكل يمنعها من تخطي ماضيها
و كما كان الوضع دائماً أستطاعت الحمراء بمجرد التفكير في عملها أن تنفض عنها عباءة الكآبة و تستعيد جزء لا يستهان به أبداً من شغفها و بسرعة البرق ألتقطت الفتاة هاتفها لتحاور مساعدتها لتطلب منها إبلاغ جميع مرضاها بأنها ستعود اليوم و ستعوض الجميع بجلسة اليوم تعويضاً لهم عن غيابها الطويل و كأنها تخشى أن تنتظر قليلاً أو تعيد التفكير قليلاً فتتراجع عن قرارها
- ليلى من فضلك أمنحي الجميع مواعيداً اليوم أنا سأكون موجودة في العيادة بعد نصف ساعة فقط
أنهت مكالمتها الهاتفية سريعاً و بعدها مباشرةً أنطلقت راكضة نحو  غرفتها لتخرج من خزانة ملابسها ذلك البنطال النسائي الناعم ذو اللون البيج و قميص أسود ذو رقبة بأكمام طويلة تاركة لشعرها الياقوتي مطلق حريته ليتأرجح بين أحضان نسيم الصباح الشتوي البارد كما يحلو له و تاركة وجهها الجميل خالي من الزينة كلياً و كأنها لك تعد تهتم لفكرة ظهور آثار بكائها المرير للعلن أم لا

Aşk AdasıМесто, где живут истории. Откройте их для себя