الهمسة السابعة: إلى الريان.

31 10 7
                                    

...

كانت ليلة ربيعية دافئة، يضئيها الهلال المقوس الذي اتكأ على أريكته الإسفنجية الناعمة بخمول، وتضامنت معه شموع القناديل المصنوعة من القارورات البلاستيكية، التي كانت مصطفة بانتظام على طول شارع حينها الصغير، في نشر عبير وبركة الشهر الفضيل.

فقد اجتمع كل الأحباب من الأهل والجيران من شتى بقاع قريتنا، التي كانت الأكبر في إقليمنا الريفي ليستقبلوا رسل الرحمة، التي تزور الدنيا مرة كل سنة، وتسجن فيها الشياطين، وتتصافى فيها القلوب، ويبدأ كل مسلم صفحة نظيفة من حياته، ويولد فيها من جديد.

تلك اللافتات والزينة التي كانت تتغنى وتثني على روعة تلك الليالي المقدسة، معلقة في كل صوب وحدب، على الجدران والأبواب وشرف المنازل وأسقفها المتواضعة.

الموائد العظيمة التي فرشت على الطاولات المجاورة لبعضها البعض أمام كل بيت، متوازية مع الفوانيس التي تراقصت ببهجة مع نسائم الريح.

وكيف لا يكون تاج المسرة متوجًا على رأس هذه الليلة وقد أخذت السماء هذه القضمة الكبيرة من رفيقنا البدر ليصير هلالًا نستبشر به على قدوم أشرف ضيف على شهور السنة؟

الموائد كانت ممتلئة بشتى أنواع الأطعمة التي صنعت على أيدي أطيب الأمهات والأخوات وحتى الجدات، اللواتي جلسن في منتصف الجمعات، يروين لأحفادهن قصصًا وعبرًا وذكريات.

لتصبح ضحكاتهم الآن، لحظات قيمة ستخلد في تاريخ هؤلاء الصغار ليقصوها على الأجيال القادمة غدًا في المستقبل البعيد بحنين وحماس.

كانت النساء وأزهارهن اليانعة ينسقن ترتيب الأطباق الساخنة، التي تمايلت فوقها أبخرة تعيد للشبعان نشوة الجوع ثانية أضعافًا وأضعاف، على المائدة وكأنها أعجوبة تفننوا في رسمها.

وأما الرجال وشبالهم فكانوا يعدون الساحة الصغيرة في حديقة الحي لتشهد أشجارها الممشوقة الجذوع صلاة المغرب وما يتبعها من بركات العشاء والتراويح.

وكنت أنا منهم، خالد، ابن الثماني سنوات، أتبع أبي وأخي الكبير كذيل القطة كما اعتدت أن أفعل منذ أن وعيت على هذه الدنيا، حاولت المساعدة لكن هذه الكلمة لا تنسجم معي فوظيفتي الوحيدة هي تخريب الأشياء لا إصلاحها.

همسات هلال Where stories live. Discover now