الهمسة السادسة: هندسة قدر.

80 16 41
                                    

...

قصر كبير يعشعش على أعلى الهضبة الصخرية، يطل على قرية صغيرة أسفله، قرية تحتضنها الغابات من ثلاث جهات، وهذه الهضبة هي منفذهم الوحيد من السجن المؤبد.

يغلف القصر قزع من السحاب الرمادي الخفيف، ولا ينير هذا المكان المبهم سوى ضياء البدر المستدير، ولا يسمع فيه همس إلا حترشة الحشرات ونهام البوم.

وفي داخل ذلك القصر الضخم، تسير تلك الفتاة الشابة بحيرة ورهبة، فتاة حسناء ذات شعر مرمري متهدل، وقامة متوسطة، تلبس البياض.

تصعد درجات السلم ببطئ ووجل وتتلفت يمنة ويسارًا، كأنها تبحث عن شيء ما بين ذلك السراب المجهول، حتى أسرعت من وتيرة مشيها، وشرعت في الركض بعشوائية، تدخل غرفة وتخرج من أخرى وهكذا استمر الحال حتى شعرت بأنين خافت، ارتد صداه بين الجدران.

وشيئًا فشيئًا ازدادت وتيرة هذا الصوت وعظمت حالته من البكاء والنواح وحتى التوسل! فزعت الفتاة وشهقت بصدمة من الذي يحدث، ففقدت انتباهها وتداخلت رجلاها في بعضها فوقعت أرضًا بخوف، متربصة حولها بحذر، وكتمت أذنيها بشدة بيديها الحرة وجثت على الأرض، ضامة رجليها المرتجفة لصدرها.

انزوت على نفسها ببكاء انسجم مع مثيله من الجلبة التي حاصرتها بعنف، وبين كل هذا، شقت صرخة مدوية سحاب كل تلك الضوضاء، هازمة إياها ليحل الهدوء ويخرج السكون من مخبأه، مسيطرًا على الأجواء من جديد.

لتستكين الفتاة وترتخي ملامحها وقد انخدعت بمأمن المحيط ولكنها فجأة أحست بشيء لا تبان ملامحه ولا حدود شكله، يتحرك في الدجى الفارغ حولها، كان يقترب منها بسرعة شديدة.

ولما كاد أن يصل إليها وبين دوامة كل تلك الغرابة والخوف، فتحت أمها ستارة النافذة بعصبية  لتستيقظ شيرين بفزع من كابوسها الغريب الذي يلازمها منذ فترة.

قامت جالسة بفزع، وأسدلت جفنيها عن عينيها العسلية الواسعة ثم ضيقتها بانزعاج بسرعة؛ بسبب هجوم الضوء عليها فجأة وتكدسه على بؤبؤتيها الداكنة، لتردف بتذمر.

أمي، لم لا تتدرجين في إيقاظي بدل السطو على غرفتي ومقاطعة أحلامي هكذا كل صباح؟ سوف أموت يومًا ما من هذا العذاب! هناك دراسة تؤكد خطورة هذا الأمر وأنه يؤدي إلى الوفاة، لكن لا احترام للنائم في هذا المنزل بدراسات أو بدونها.

ردت الأم بتوبيخ.

لن تموتي من الإيقاظ المفاجئ بل من كثرة النوم
يا أيتها الدبة الكسولة، وكفاكِ ثرثرة من الصباح، يشتغل مذياعك هذا من فور انفتاح عينيك، هيا إلى المطبخ قبل أن يقوم أخاكِ الأكبر.

همسات هلال Where stories live. Discover now