الهمسة الثالثة: نشوة تملك.

121 19 68
                                    

...

اللعنة عليكم جميعًا، لقد أخبرتكم بأن تستعجلوا وتحجزوا تلك السيارة لي قبل ذلك الغبي، لقد سبقني للمرة الثانية، هل تدرك معنى هذا؟ أنا إياس المهند يهينني نفس الشخص مرتين،
وبسبب من؟ بسببكم أنتم أيها الحثالة.

تابع صراخه بهياج مستعر وهو يزمجر فوق رؤوس موظفيه المساكين، الذين كان خطأهم الوحيد هو عدم قدرتهم على هزيمة القدر الذي سبقهم بربط خيوطه مسبقًا دون استئذان، ولم يكن في نصيب رئيسهم أن يحصل على مراده.

الذي لم يكن ضروريًا البتة أصلًا، ولم يكن مصير أحد متوقف عليه، بل كان من الكماليات الغير لازمة، ورغبة الحصول عليه نابعة من قلب رئيسهم المسرف الذي لا يشبع أبدًا.

بل رغباته كثقب أسود ضخم، قدر ما ابتلع اتسع أكثر بضعفها مرتين، وتلاشى من في جوفها بلا فائدة، كأنه لم يكن لكيانهم وجود، مثل جهنم الملتهبة التي تشتهي للمزيد والمزيد ولا يلفظ لسانها جملة يكفي، لقد رضيت.

غايته جمع المال والمتاع حتى وإن لم يكن إليها في احتياج، حياته عبارة عن إحصاء للدولارات وبعدها بذخ وإسراف بلا حدود.

يمسي على طلب لأشياء فانية وحجز لمختلف الأغراض فور عرضها في الأسواق وإن كلفه ذلك أبهظ الأثمان، فالمسألة بالنسبة له مسألة شرف، وفوز وخسران.

وكأنه في ملعب، لاعبوه هو وأقرانه من أمثاله، والكرة هي الأموال والعباد ونحن المتفرجون بعجب عن ما آلت إليه أحوال الشباب، في زمن تقعرت فيه البطون من آهات الجوع، وتيبست الأجساد من أذى المطر وصرصر الريح الجموح؛ لفقدان ظل يخفيهم من تربص ذئاب الإنس الضروس، وسهرت سبخات العيون تكدح من أجل كسرة خبز يرمون بها في بئر طوية، لن يرتد صداها أبدًا وهي محقة.

وهو هنا يرمي بالملايين في عرض البحر، لتذهب هدرًا دون مراعاة لأتعاب من شقوا في كسبها، ولم ينالوا منها سوى القليل من البقايا الضئيلة، التي لن تؤخر أو تؤجل في قدره التعيس!

يصبح على أوامره التي تكون مجابة، وعلى متاع آخر أضيف لمملكته الخامدة التي لا منفعة منها، فقط مبنية لغرض الرياء والتباهي والغرور بملك أورثه له الله الغني الذي يملك خزائن السماوات والأرض.

ولكنه يحسب أنه أوتي هذا الرزق الكثير بعلم من عنده كما قارون المسرف الكافر وليس كسليمان الشاكر العابد، ولم يخشى قط أن تكون عاقبته مثله ويخسف به وبمملكته خسفًا!

وإن لم يُقَدر لطلباته أن تغلف بطابع القبول، يثور كالبركان كما الآن؛ لأن أحد طلباته التي لا تحصى ولا تعد أصبحت في قبضة مسرف آخر مثله، ولم يكتب لها أن توصم باسمه.

همسات هلال Dove le storie prendono vita. Scoprilo ora