١٣

88.9K 3.7K 103
                                    

الفصل الثالث عشر..

وجد باب شقته مفتوحاً على مصرعيه، قطب مابين حاجبيه بقلق ثم دلف وهو ينادي عليها : ندى!!، ندى ،سايبة باب الشقة مفتوح ليه...
لم يأتيه رد، تقدم بخطوات واسعة يبحث عنها في ارجاء الشقة لم يجدها، التفت حوله هامساً بتفكير والقلق بدء ينهش صدره : ندى .
التفت بجسده ليغادر الشقة ، وجدها تدلف وما ان رأته ابتسمت برقة : مالك انت جيت.
اقترب منها بـ لهفة : اه، انتي كنتي فين، قلقتيني عليكي!.
ندى بهدوء وهي تغلق الباب خلفها : سمعت صوت دوشة خفيفة برة كنت بحسبك انت، فتحت الباب لقيتها خديجة وايلين وجوزها شايل البنت وباين عليها تعبانة دخلت معاهم اطمن عليها وكده، ولسه جاية ..
جعد جبينه هاتفاً بغيرة : وانتي بقى دخلتي وجوزها معاها!.
تحركت لداخل وهي تقول بلامبالاة : اه، نتغدى ايه.
جذبها من ذراعها وأوقفها أمامه ليقول بصرامة : ندى لما أكون بتكلم تقفي تكلميني، وياريت متتكرريش اللي انتي عملتيه ده تاني، جوزها موجود متعتبيش باب شقتها.
ندى بتعجب : ليه؟!، مش فاهمة يعني..
قاطعها بنبرة حادة : مفيش ليه، ومش ضروري تفهمي، انا جوزك ومن حقي لما اقولك حاجة تسمعيها..
تجاهلت حديثه ذلك بسبب تلك الكلمة، نطقها بطريقة غريبة ، بطريقة جعلها تبتسم بهدوء، حتماً لو ألقى بحديثه ذلك من غيرها لجادلته به، ولكن بسببها جعلها تصمت وتبتسم وينشغل ذهنها بتفسير نبرته بها، اهي تملك، ام حب، ام غيرة ، كلمة تحتوي على خليط من المشاعر أثار الفوضى بداخلها حتى انها لم تشعر بيده وهي تمسد بطول ذراعها ووجهه الذي اقترب منها قليلاً، انتبهت على همسه امام عيناها : ممكن أعرف القمر مبتسم ليه؟!.
همست برقة : قمر!.
مد يده وأزاح حجابها فسقط شعرها كالعادة بهيئته الكثيفة على ظهرها وجانبي وجهها، ابتسم عندما رأه : بحب اشوفه.
هتفت بهدوء وهي تنظر بعيناه مباشرة : هو ايه ده؟.
مد يده ومسد على خصلاته وتملك الحنان من صوته : شعرك.
صمتت، بسبب تلك الهالة التي رسمها هو بحديثه وأنفاسه الحارة التي تلطم وجهها بين الفينة والاخرى فتجعلها في حالة لا يرثى لها، وتلجم لسانها وعقلها عن التفكير، وتجعلها تغرق بإرادتها في دوامة عشقه..انتشلها من تلك الحالة رنين جواله، فـ همست بخجل : تليفونك.
أجابها بعد ثانية بهمس عندما نجح في اخراج صوته : ماله.
ابتعدت عنه قليلاً وهي تبتسم : بيرن .
استعاد وعيه الذي كاد يفقده من رقتها وجمالها، فقال وهو يضع يده على جيب بنطاله : اه، بيرن فعلاً.
ندى : طيب هادخل الحمام.
نعم هي تريد المرحاض باقصى سرعة لتلقي بالماء البارد فوق وجهها لعله يخفف من درجة حرارته المرتفعة ... بينما دلف مالك لشرفه وهو يجيب على الهاتف
:_ ايوا يا امي.
ماجي : حبيبي عاوزه اتكلم معاك في موضوع فاضي.
التفت بجسده صوب الباب الزجاجي ليتابع بعيناه مجيئ ندى فقال : ايوا في ايه؟!.
ماجى : في عريس كويس ومحترم جاي ليارا، انا لسه معرفتهاش، هاعرفها وهاخلي يجيي يتقدم اقعد معاه ومع اهله وهي كمان تتعرف عليه، فكرت ان انت مش موجود فـ أجيب اخوها التاني فارس..
ضغطت على حروف اسمه، ثم اكملت : يبقى مكانك، موافق.
صمت لبرهة يستكشف مغزى والدته من ذلك العريس، ليعود قائلاً : ماشي وماله، قوليله، بس قبل فارس ما يكون موجود، عمرو يكون موجود وحاضر .
ماجى : اكيد طبعًا، مش هانتفق في اي حاجة الا لما انت تيجي.
مالك متعجباً : وايه خلاكي متأكدة كده ان يارا هتوافق.
ماجى بمكر : المرة دي هتوافق، انا حاسة بكده.
مالك بتنهدة : طيب يا امي ابعتيلي معلوماته في مسج، علشان أسال عليه .
اغلق معاها الاتصال ثم قال بضيق : اهو انا مبحبش الامهات تخطط، صعب الواحد يفهم ايه في دماغهم، ربنا يستر يا ماما.
..........
دلفت غرفة ابنتها خديجة بخطوات بطيئة ، وجسدها لم تعد تشعر به من كثرة ضربه بها وخاصة عندما علم بزواج خديجة من ابن خالتها عمار، ليلة أمس كانت أصعب ليلة مرت عليها منذ زواجها منه، رقدت بألم بجانب ابنتها الصغيرة " ليلى" ثم وضعت رأسها على الوسادة تكتم شهاقتها من الالم خوفًا ان تستيقظ ابنتها، اغلقت عيناها وجسدها يصرخ من الوجع، لاشك ان هناك شئ بداخلها يخفف عنها ألمها، لقد اطمئن قلبها أخيراً على خديجة ، الان هي مع عمار وستبقى معه بأمان بعيداً عن علي ، فتحت عيناها تتأمل سقف الغرفة وتذكرت ما حدث منذ ثلاث أعوام، تذكرت عندما القت على ابنتها ذلك الخبر المفزع لاشك انه يسعد اي فتاة الا خديجة لانه ببساطه السعادة ستكون من شخص أخر ليس حبيبها او ما تمنته زوجها..
( فلاش باك )..
اغلقت الباب خلفها وهتفت بصوت خافت: يعني ايه يا علي كتبت كتاب البت!.
خلع قميصه وارتدى سترة قطنية مريحة ثم التفت لها قائلاً بوجه جامد خالي من اي تعابير : زي ما قولتلك الباشا مش فاضي ومستعجل فكتبنا الكتاب في الشغل.
حاولت استيعاب جمودية حديثه ، فعادت تقول مستفهمة : طب هو الفرح امتى على كده!؟
هز رأسه بنفي ليقول بغلظة : مفيش فرح، بقولك الباشا مش فاضي، هي بكرة بليل هاتروحله على البيت.
ضربت بكفيها على صدرها لتقول بصرخة مكتومة : يالهوي، ليه هي كانت معيوبة ؟ بنات المنطقة يقولوا ايه عليها، وفستان الفرح، وهي ونفسيتها دي هاتتقهر...
قاطعها بوحشية قائلاً : ده كله ماليش فيه، خليها تلم هدومها وبكرة هاتروح بليل، وفستان الفرح رجعيه هو ايجار اصلاً، ونفسيتها والقهرة اللي بتقولي عليها بكرة هاتتظبط من غنى الراجل ومتعرفيهاش ياختي ده رائد كبير في الجيش وغني هي طايلة ، احسن من عمار الف مرة .
اقتربت منه قائلة ببكاء : بس بتحبه يا علي ، والحب احلى وقيم من الفلوس.
جذبها من ذراعها سريعاً قابضاً بشدة عليه وهو يقول بغضب اعمى قلبه وعقله : اه وهو هايطلع الكلام ده الا من واحدة زيك خاينة ، ايه مش قادرة تنسيه، حتى بعد السنين دي كلها، ايه قلبك لسه محروق اوي عليه!.
هزت رأسها بنفي لتقول بصوت باكي يغلبه الرجاء : سيب ايدي يا علي ، انا قلبي محروق علشان انت لغاية دلوقتي فاكرني خاينة !.
قاطعها بصفعة قوية على خدها ليقول بصوت جهوري : خاينة وهاتفضلي خاينة ، وبنتك انا هامنعها تكون نسخة منك، وهاتتجوز اللي انا عاوزو وشايفه كويس ليها، يالا انجري من قدامي بلغيها.
هزت رأسها بضعف ثم تقدمت من باب الغرفة وقبل ان تفتحه القت نظرة اخرى عليه ليشير برأسه حتى تغادر ، وعيناه ترسل لها شرارات غضب لتقابلها بـ نظرات وجع وقهر منها، غادرت الغرفة ثم توجهت الى المرحاض غسلت وجهها جيداً بالماء البارد حتى تزيل اثار صفعته القوية ثم جففته ولكن عيناها كانت لها رأي أخر فلم تمتنع عن البكاء، فـ استمرت بالهبوط كشلالات على صفحات وجهها الحزين!...
امسكت المقبض بتردد وهى تلقي ذلك الخبر التعيس الذي من المؤكد سيكسر قلب ابنتها الى اشلاء، قررت ان تلقي بحديثها كدفعة واحدة وتغادر الغرفة ، فهي لم تعد لديها القدرة على تحمل حديث اخر موجع يصيب هدفه بقلبها بقوة ... وبالفعل دلفت فوجدت خديجة تجلس بجانب اختها الصغيرة " ليلى" وتتابع رسم اختها بصمت تام، رفعت عيناها تستفهم مجئ والدتها لها في هذه الساعة ، فقرأت الألم والضعف بأعين والدتها، تفهمت نصف الحديث تقريباً، والنصف الاخر أصاب قلبها قبل عقلها عندما تفوهت به والدتها، نظرت لوالدتها وهي تهرب بعيداً عنها مغلقة الباب خلفها، وكأنها اغلقت اخر باب للأمل من الهروب من تلك الزيجة!، ابتسمت بسخرية على حظها التعيس.
( بااااك ).
عادت من ذكرياتها لتهمس بضعف : يارب المرادي يكون حظك كويس يا خديجة ، انتي طيبة اوي يابنتي ومتستاهليش الا كل خير.
.........
ضحكت ليلة بقوة وهي تقفز على الاريكة بسعادة قائلة : بااااااس مريم هي اللي وقعت.
وقفت مريم بتذمر تنظر بحزن لعمرو، فزفر الاخر قائلاً : انا اللي هانزل مكان مريم .
يارا بحنق : ايه الهبل ده، لا مريم هي اللي مطلعتش على حاجه عاليه يبقى هي اللي عليها الدور.
عمرو بضيق : ياستي وانتي مالك، مش المهم نمشي الدور.
جلست يارا قائلة : لا خلاص مش هالعب بدام اللعب كده.
صفقت ليلة قائلة : بس يا جدعان، احنا نلغي اللعبة دي ونلعب صلح ويكون عمرو اول واحد اهو نتسلى عليه شوية .
نهضت يارا قائلة بحماس : اشطا، يالا يا عمرو..
رمقها عمرو بإستنكار : دلوقتي اشطا يا عمرو.
هتفت مريم برجاء : علشان خاطري يا عمرو يالا اللعبة دي بنضحك فيها.
ضيق عينيه قائلاً بهمس : هونت عليكي، دول بيكرهوني هايفرموني.
همست له بمكر طفولي : انا هاغششك.
هتف عمرو بصوت مرتفع : ماشي يالا.
أخذ وضعه المناسب ووضع يديه مغلقاً عيناه قائلاً بتحذير : اللي هاتضرب بغشامة هاموتها.
فركت ليلة يديها بسرعة وهي تبتسم بمكر، وقبل ان تهبط يديها على يده كانت ماجى تسبقها وصفعت يديه بقوة .
التفت عمرو بحنق : مين الح...، ماما.
ابتسمت باستفزاز : كمل يا عمرو، كمل يا دكتور، كمل يا محترم، واقف بتلعب، وسايب دراستك.
ضحكت ليلة بقوة : شكلك بقى وحش اوي.
لكزتها ماجى بذراعيها قائلة : امشي يابتاعت الثانوي ذاكري، امشي.
دبدت كالاطفال قائلة بحنق وهي تصعد لغرفتها : كل شوية روحي ذاكري، كل شوية زهقت.
نهرتها ماجي : امشي يا قليلة الادب.
التفت لــعمرو قائلة : يالا وصل مريم، علشان باباها كلمني ورجع من شغله أجازة .
انتفض عمرو قائلاً بحنق : ايه ده هو لحق ينزل أجازة ، ايه النحس ده.
لملمت مريم اشيائها قائلة : يالا بسرعة يا عمرو .
هتف بتذمر من خلفها : ياختي براحة، مستعجلة على ايه.
غادرا المنزل، فهتفت يارا بمكر : ها بقى يا ماما، في ايه خلتيهم يمشوا، اكيد عاوزه حاجة..
جلست ماجى قائلة بجدية : اه عاوزه اقولك حاجة وتستوعبي اللي هاقوله كويس، في عريس متقدملك ويبقى سراج زميلك في المدرسة، انا شايفه انسان كويس ومناسب.
نهضت يارا تقاطعها بغضب : هو سراج ده متخلف ما انا قولتله لا ازاي يتخطاني اصلاً ويجيلك.
مسكت ماجى يديها وجعلتها تجلس مرة اخرى قائلة بهدوء : اسمعي كويس يا يارا، العمر بيجري بيكي وانتي معيشة نفسك في عذاب، رفضتي رجوع فارس وده حقك يابنتي.
بكت يارا قائلة : مش هاقدر يا ماما، والله ما هاقدر.
مسدت ماجى على شعرها قائلة بحنو : حاولي يا حبيبتي، مش هاتخسري حاجة، وان حسيتي فعلا انك مش قادرة مش هاقف في طريقك، بس حاولي علشان خاطري، انا قولتله يجي بعد يومين، وبلغت فارس يجى يحضر معانا مكان اخوكي.
همست بعدم فهم : فارس!.
هزت ماجى رأسها وهتفت بمكر : اه، مش هو في مقام اخوكي.
دق قلبها بعنف قائلة : وهو قال ايه .
نهضت ماجى تنهي الحديث : موافق، هايرفض ليه!.
رفعت يارا وجهها وسألتها بوضوح : انتي عاوزه توصلي لايه يا ماما.
انحنت ماجى نحوها وأشارت لقلب يارا قائلة : انا عاوزه اوصل ان ده من حقه يرجع ويحب تاني ويعيش، وعاوزه أثبت لفارس انه خلاص مبقاش له مكان في ده.
انهت حديثها وطبعت قبلة فوق جبينها وتركتها، اما يارا فانزلت ببصرها نحو قلبها هامسة بوجع : ازاي مالوش مكان فيه، ده مبقاش لحد مكان فيه بسبب انه مسيطر على قلبي.
...........
بشقة مالك...

قلوب مقيدة بالعشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن