المقدمة

1.2K 30 5
                                    


في استراحة بسيطة تكاد تكون معدومة الموارد تقع على قارعة الطريق السريع على أطراف العاصمة وقفت تنهي أعمالها لهذا اليوم و الذي لا يختلف كثيرا ً عن ما قبله، يوم شديد الحرارة يمر ما بين مسح الأرضية و الطاولات و صُنع كميات لا متناهية من اكواب الشاي لرواد المكان الذين كان أغلبهم من التجار الذين يتخذون المكان كاستراحة نظراً لبُعد المسافة و حرارة الجو في مثل هذا الوقت من العام .
سمعت صوت أحدهم طالبا ً منها زجاجة ماء تطفئ عطشه فتحركت بينما تحاول اخفاء تعبها عن عيون صاحبة المكان السيدة " حُسنه " التي كانت تراقبها كما العادة بعينيها كصقر لا يغفل عن فريسته .. فرغم كبر سنها و بوادر الخرف التي تُعاني منها إلا أنها تقف فوق رأسها دائما ً و أبداً و تنغص عيشتها هي و المسكينة الأخرى في العمل كأحد ضباط الجيش و لا تنفك تعنفهن على أقل شيء أمام الجميع !!
" انتي يا فتاه تعالي هنا "
تحركت بتثاقل و الحمى تنخر في جسدها ثم وقفت امام كرسي العجوز فيما تقول بإعياء واضح :
" امرك يا خاله حُسنه "
لتشير العجوز ناحية طاوله معينة فيما تقول بتوبيخ :
" انظري هناك .. لقد رحل الرجال و انتي لم تجمعي الاكواب بعد .. هل انتِ بحاجه الى دعوة للقيام بعملك ؟! "
تنهدت بتعب واضح بدأ يهزمها ثم قالت بعدها بصوت مبحوح :
" حسناً خاله حُسنه سأنظفها في الحال "
لم تهتم المرأة كثيرا ً بينما تُكمل تساؤلاتها بنبرة نزقه :
" و أين الاميرة الأخرى ؟! .. ام انها تعتقد أن هذا بيت أبيها تذهب و تأتي وقت ما تشاء !! "
الرحمة يا الله !
اجابتها و عيونها على وشك على البكاء من فرط التعب :
" يا خاله لقد اخبرتك انها استأذنتك في الصباح لإنهاء بعض المصالح المُعلقة و هي الآن على وشك الوصول "
لوت حُسنه شفتيها بعدم رضا فيما تتمتم :
" لا اعلم ماذا يصبرني عليكن ! .. واحده مهمله في عملها و الأخرى ... "
أكملت جملتها بنظره غير راضية اعتادتها منها ثم هتفت فجأة بضيق :
" اذهبِ و انهي عملك و قسماً بربي اذا اوقعتِ شيئاً سأركلك من هنا بغير رجعه "
تحركت الفتاه من أمامها مجدداً تكمل عملها بينما تدعو الله أن تعود صديقتها بسرعة فتحمل عنها بعض العبء ثم عادت و خجلت من نفسها الا يكفي انها الفتاه تبرعت أن تذهب هي لاستلام هوياتهن الشخصية بعد أن اصابتها هي الحمى هذا الصباح ... تباً لموظفي الدولة الذين فرضوا على الجميع الغرامات المالية و تجديد الهويات اول بأول حتى لا تزداد تلك الغرامات .
لحظات مرت و شعرت بعدها بحركة غريبه داخل المكان حيث ظهر عدد كبير من الرجال الذين يركضون هنا و هناك فتحركت محاولة ان تفهم ما يحدث حولها ليخبرها أحدهم أن حادث مروع قد وقع بالقرب من المكان حيث اصطدمت سيارتين ببعضهما و اشتعلت بأحدهما النيران !
" اذهبِ ايتها الصنم و اعلمي ماذا يحدث ثم عودي و اخبريني "
كان هذا حديث حُسنه التي كانت تتابع هي الأخرى ما يحدث فتحركت الى الخارج دون أن تملك حق الرفض فمن هي حتى تناقش ولية نعمتها التي من دونها ستعاني من الجوع و المذلة و قذارات البشر اللامتناهية!!
تحاملت على نفسها و تحركت وسط الراكضين و حرارة الشمس تزيد من انهاكها خاصةً مع بُعد موقع الحادث و كأن هذا اليوم قد اقسم الا يغادر دون أن يوقعها ارضاً من فرط الإرهاق .
وصلت بعدها إلى مكان الحادث الذي امتلئ بالرجال الذين يحاولون مساعدة بعضهم البعض في اطفاء حريق احد السيارتين لتقع عيناها بعدها على الجسد الغارق في دمائه وسط الكثير من المصابين و الموتى فتقف الدنيا حولها و يلفها الدوار اكثر و اكثر ثم ظهر فجأة صوت أحد الواقفين الذي هتف بالجميع أن يبتعدوا لأن السيارة على وشك الانفجار في اي لحظه !
لم تكن معهم بالكامل فقد انفصل عقلها فجأة عن كل ما يدور حولها و كأن عالمها قد انحصر في ذلك الوجه الذي كان يهون عليها وجودها على هذه الأرض الظالمة ..
ربااااه .. اما لضربات القدر من نهايه !
شعرت بقوتين أحدهم تسحبها للخلف و قد اكتشفت انها اقتربت للغاية من السيارة المهددة بالانفجار و الاخرى تسحبها بقوة أكبر لعالم آخر .. عالم حمدت الله ألف مره على وجوده حيث لا شعور ، لا آلام .. و لا بشر !

نهاية المقدمة

ضربة جزاء .. الجزء الأول من سلسلة قلوب تحت المجهر Where stories live. Discover now