الفصل العشرون

270 17 3
                                    

الفصل العشرون :
وقفا متقابلين ...
المسافة بينهما خطوة .. و بين قلبهما بعرض السماء و الارض !
عيناه تبحث عن صبر، عن ثقة، عن تفهم .. عن سؤال قبل إصدار الحكم ..
و عيناها تبحث عن القطعة الناقصة فيما سمعت ..
تبحث عن لمحة واحدة في وجهه تخبرها أن ما سمعته لم يحدث قط !
ستصدقه .. تقسم أنها ستصدقه فهو بوصلتها .. ملاذها .. هو ... هو أباها كما يخبرها دائما ً ..
بكر لا يكفر عن ذنبه بها ..
هو يحبها من كل قلبه و كيانه ...
أليس كذلك ؟!
وهو يقف أمامها حاله لا يختلف عن حالها كثيرا ً ...
لم يرغب أن تعرف بهذا الشكل !
عيناها لأول مرة ترتدي ثوب الطلاسم في حضوره فلا يفهم ما يدور بخلدها ..
يتخبط وحده و داخله يهتف حانقا ً أنه ليس من العدل أن تحاكمه على خطأ ارتكبه في طفولته فتبزغ عقدة ذنبه القديم و ترد باستهزاء لا يرحم أن خطئه الصغير دفعت هي ثمنه بطول عمرها كله !
تحركت جزاء فجأة من أمامه فلحقها ليهتف عبد الحميد محاولاً إيقافه :
" انتظر .. دعها تهدئ أولاً "
فلا تتوقف خطواته الملاحقة لها و كله مرتعب من أن تجن فتهرب من بين يديه من جديد فيما يرد على أبيه بصوت مهزوز :
" لا .. إن كانت ستنفجر فلتنفجر بي "
هربت إلى غرفتها و همت بإغلاق بابها لكن يده كانت لها بالمرصاد ليدخل بعدها إلى غرفتها و يغلق عليهما الباب بالمفتاح ليضعه بعدها في جيبه ثم يستدير إليها محارباً رجفة قلبه فيما يهتف بأول ما جاء في عقله بعد لحظات طويلة من الصمت المطلق بينهما :
" لا تقول ِ انكِ ستحاسبينني الان على ذنب اقترفته و انا طفل "
بقيت جزاء على صمتها للحظات كارثية بالنسبة له و عقله يموج بألف سؤال ..
هل ستتركه ؟!!!
هل ستفهم ؟!!
كيف ستتقبل ؟!!
كيف ستغفر و هو نفسه لم يغفر ؟!!
بكلمة منه كان سيغير قدرها لكنه شاركهم جريمتهم بصمته !
" لا تصمتِ هكذا .. تكلمي، تشاجري معي، عاتبيني .. افعلِ اي شيء  "
انتفضت حين هدر بها فزفر بتوتر جلي لعينيها ماسحاً وجهه بكفيه ثم قال بعدها بتوسل واضح و إن كانت نبرته اكثر تماسكاً دون أن يجرؤ على الاقتراب منها :
" جزاء .. ارجوكِ لا تصمتِ هكذا "
أجلت جزاء حلقها و سألته بخفوت :
" لما لم تخبرني ؟!! .. لما لم تخبر أحد ؟! "
سألته و قلبها يردد بعنف لديه سبب .. بالتأكيد لديه سبب جعله يصمت
بكر يحبها و لم يكن ليتركها تعاني الويلات بمفردها ابدا ً إلا لسبب قهري !
عيناه لا تزال تبحث عن تفهم يلمع في نظراتها يطمئنه فلا يجد ضالته ..
كتابه المفتوح احترقت صفحاته و نشبت نيرانها في قلبه هو !
" كنت طفل .. لم اعي ما يحدث ، خفت "
يمطرها بأسبابه دفعة واحدة فتقطب هي و تقترب منه تسأله من جديد :
" لما لم تخبر اباك أو حتى امك ألم تكن حافظة اسرارك ؟!! "
كاد أن يتكلم فتقاطعه هي بهذيان ترسم الصورة من وجهة نظرها :
" حسناً خفت وقتها حين رأيتهم يأخذونني من امامك .. ماذا عن السنوات التي تلت ما حدث ؟!! .. بعد أن أبتعد عنك الخطر .. لما لم تتحدث بعدها أبداً يا بكر ؟!! "
أنهت سؤالها بنبرة حادة عالية فأجابها هو و عقله يهول له عظم ذنبه :
" لم املك اي دليل .. لم يكن ليصدقني أحد "
ضحكة مستهزئة منها تبعتها اول دمعاتها لتقترب منه أكثر إلى أن وقفت أمامه و سألته بسخرية مريرة :
" و هل كنت تملك دليلا ً حين قررت الاستعانة بأبيك بعد عودتي ؟! "
صمت غير قادراً على الرد فتمسح هي دموعها فيما تقول بألم :
" أتعلم انك بصمتك حكمت عليّ و على امي بأكثر من عشرين سنة من العذاب ! "
" كنت طفل "
يهمس بها و هي تلقي في وجهه الحقيقة الذي كان يهرب منها دائما ً ..
انه شاركهن بجرمهن !
" أعلم .. و لا استطيع القاء اللوم عليك "
رفع عيناه عن الأرض بأمل لم يجد الوقت ليزهر حين استطردت هي بما جعل عيناه تتسع بغباء :
" لكن معنى هذا أن كل ما قدمته لي كان أكذوبة .. مجرد تعويض عن ذنبك، كنت فقط تكفر عن خطيئتك و ......... "
لم يصله بقية حديثها و عقله يردد بلا توقف انها مجنونة حتماً !
هل اصبحت الآن تشك في مشاعره و تصنفها على مزاجها ؟!!
هل هد بغبائه جسور الثقة التي كان يبنيها بينهما طوال الشهور الماضية ؟!!
اقترب منها بكر بغتة فكادت تتراجع خوفاً الى الوراء لكنه امسك بها قائلاً بعنف :
" حقاً ؟!! .. اكفر عن ذنبي ! .. حسناً ماذا عن هذا ؟!! "
قالها و هو يمسك يدها و يضعها فوق صدره هاتفاً من جديد :
" هل اضطرابه و ركضه إليكِ فور أن يشعر بوجودك حتى لو لم تراكِ عيناي عقدة ذنب ؟!! "
اضطربت جزاء وكادت تبعده عنها لكنه تمسك بها اكثر و وضع كفها على جانب جبهته مستطردا :
" و ماذا عن هذا ؟!! .. صورتك التي لا تفارقه و تفكيره بكِ ليل نهار عقدة ذنب ! "
ارتعدت جزاء و شهقت حين جذبها مرة واحدة فارتطمت بصدره و أكمل حديثه قائلاً بجنون أمام شفتيها :
" و ماذا عن هذا ؟!! "
ليميل إليها و يقبلها بلا ارتواء لدقائق طالت بينهما واضعا ً كفه فوق قلبها و واضعاً كفها فوق قلبه يستشعر كل منهما نبضات قلب الآخر ليبعدها عنه بعدها هامسا ً بلهاث :
" هل تلك الرجفة التي تسيطر علينا معاً حين يلمس أحدنا الآخر عقدة ذنب أيضاً ؟!! "
دمعت عيناها بعجز ممتزج بخوف من أن يكون كل ما تحيا به مجرد خدعة من القدر !
تكاد تموت رعباً من أن يتضح لها أن هواجسها حقيقة فيتركها بكر بعد أن يثبت براءة امها حين يكتشف أنـ.......
و كأنه في نزال مع أفكارها فيزلزلها اكثر وهو يداعب وجهها بطرف أنفه مقبلاً كل انش منها ثم يميل مجدداً غامرا ً وجهه في شعرها هامسا ً باحتياج و لهفة :
" قلبك يجن و يرتجف حين المسك و قلبي حاله لا يعلم به غير الله ... عن أي عقدة ذنب تتحدثين أنتِ ؟!! "
قبلاته الصاخبة لعنقها لا تتوقف و هدير قلبها يشاركه الصخب فتهمس هي تناجيه باسمه أن يتوقف دون أن تقدر على إبعاده لكنها لا تزيده الا جنونا ً بها ليهدر هو بعنف قبل أن ينقض على شفتيها من جديد :
" كل ذرة بروحي ترغب بك .. تناجيكِ ، طامعة بكِ .. لن يسلبك مني إلا موتي "
حاولت جزاء مقاومته حين تجرأت يداه عليها أكثر لكنه كان كالجدار لا يتزحزح فلم تجد حلاً اخر و ضربته بقدمها على ساقه بكل قوتها فتأوه بألم مبتعداً عنها ينظر لها بلهاث فيرى آثاره واضحة عليها بدئاً من شعرها المشعث مروراً بوجنتيها القرمزيتين و انتهاءً بشفتيها التي تلطخت ببقايا احمر الشفاه الذي كانت تضعه في الصباح و آثار احتكاك شعيرات ذقنه الخشنة فوق عنقها !
" هل وعيت لنفسك ؟!! "
هتفت بها حتى توقظه من تأملاته التي توهنها فيرد عليها بوقاحة تغطي توقه لها :
" وعيت .. وعيت لما بين يدي "
كادت أن تطرده كعادتها لكنه رفع كفه قائلاً بدلاً منها :
" سأرحل .. هذه اخر مرة ستطردينني بها من الأساس "
اعطاها ظهره و اخرج المفتاح ليفتح بعدها الباب فتحركت هي الأخرى حتى تغلق الباب على نفسها بعد ذهابه لكنه قال قبل أن يرحل بجدية مدركاً أن ظنونها لم تُطمس بعد :
" انا اعشقك يا جزاء .. امتلكتِ قلبي يوم عودتك .. اسميه جنون، هوس أو حتى غباء لا يهم ، قد يكون تعلقي القديم بكِ عقدة مثلما تقولين لكن هذا حين كنت انا طفل لا يدرك ما يمر به أما كل مررت به معك منذ أن جئتِ لا مسمى له عندي غير الحب ومهما يحدث بيننا سأظل عاشقاً لكِ "
خرج بكر بعد ذلك من غرفتها متمنياً أن تكون المرة الأخيرة التي يتركها فيها بمفردها مدركاً للأسف أنه لا يزال أمامه الكثير حتى يحظى بثقتها المطلقة .
..............................................
( اليوم التالي )
يقف في الحديقة يتابع بعينيه العاملين و هم يضعون لمساتهم الأخيرة على المكان فيما يضع هاتفه على أذنه ليأتيه نفس الرد من جديد ..
" الهاتف المطلوب مغلق او غير متاح من فضلـ..... "
اغلق أمين هاتفه و شتم من بين أسنانه لاعناً غباءه المرة الألف !
هل كان يجب أن يحدث ما حدث في هذا التوقيت ؟!!
هل حظه اسود لدرجة أن يقضي يوم عقد قرآنه و عروسه غاضبة منه ؟!!
غاضبة !! ...
الوصف الأصح انها ساخطة عليه ..
منذ ما حدث وهو يحاول التواصل معها بلا أي نتيجة تُذكر و كأنها انقلبت لأخرى قاسية غير عهد التي عرفها تماماً !
حسناً لقد أدرك خطأه معها و تسرعه كما يعلم أنها لا ذنب لها في تلك التجربة اللعينة التي جعلت منه ما هو عليه الآن لكن اليوم يوم مختلف بل يوم لن يُكرر في حياة أياً منهما أبدا ً !
اليوم سيتوحدان ، سيمتزجان .. سيلتف عمره على عمرها ..
اليوم ستُكتب على اسمه هو مما يوضح أنه اليوم بالأخص لا مجال الخصام فيه !
" وااااااااااااااو ما هذه الوسامة يا زينة الشباب ؟!! .. لا يجب أن ارقيك قبل أن تصيبك عين "
التفت امين لتتسع عيناه للحظات بانبهار واضح قبل أن يغشاها الحنان فيقترب من وصال التي تقف أمامه بثوب اقل ما يقال عنه أنه رائع يجعلها تبدو مثل الأميرات بلونه الازرق الغامق و تصميمه الفريد حيث التف حول صدرها و خصرها فيرسمهما بشكل جذاب خاصةً بعد فقدانها للوزن في الفترة الأخيرة ثم ينساب عليها بطبقات متعددة من الشيفون الثقيل المرصع ببضعة فصوص بلون ذهبي باهت كالتي تنتشر على طبقة الشيفون الأخرى التي تغطي ذراعيها ..
اما عن شعرها المفقود فقد استعانت بشعر مستعار طويل و جمعته خلف عنقها بشكل كلاسيكي أضاف إلى طلتها نعومة و ألق غير معتاد .
" هل ابدو بكل هذا الجمال ؟!! .. احترس أن تراك العروس ، ستفتك بك بعصا المكنسة "
قالتها وصال ضاحكة فاقترب منها امين قائلاً بمزاح :
" يحق لي التحديق .. من يراكِ يظن انكِ العروس ، من أين لك ِ بهذا الفستان الرائع ؟!! "
اسبلت وصال اهدابها وقالت بغموض :
" هدية "
كاد أن يستفسر لكنها قاطعته بمكرها المعتاد :
" هل تشاجرت معها ؟!! "
اتسعت عينا امين و سألها بتعجب :
" كيف عرفتِ ؟!! "
ضحكت له بخفه ثم قالت بخفوت عابث :
" انا اعرف دبة النملة في اي مكان اكون فيه .. أخبرني ماذا فعلت يا آخرة صبري ؟!! "
احتدت نظرته بتمثيل فقالت هي ضاحكة بحبور :
" لا تحاول .. انت لا تجيد الايذاء يا أمين "
عادت ابتسامته تتشكل فوق ثغره و إن كانت مصطنعة هذه المرة ثم زفر بعدها وقال بغموض :
" اجيده يا صغيرة .. مثلما اجيد المداواة اجيد أيضاً الايذاء "
ربتت وصال على مرفقة ثم قالت بعدها بمؤازرة تجيدها :
" لقد علمت أن هناك ما حدث بينكما من ملامحها ، عهد ليست على طبيعتها رغم أنها حاولت جاهدة لعب دور العروس السعيدة "
زفر امين بقنوط فقرصته هي بخفة ثم استطردت :
" هون عليك يا اخي، هل اخبرك سراً ؟!! "
نظر لها امين بترقب فقالت بثقة و هي تضع اصبعيها الإبهام و السبابة أمام بعضهما :
" تلك الفتاة التي في الأعلى غارقة في عشقك حتى أذنيها منذ أن كانت بهذا الحجم .. احبتك طفلة و مراهقة و سأكشف سرها و اخبرك انني رأيتها تبكي في ركن خفي يوم زفافك انت و علياء لهذا عدل الله يقول ان بعد كل هذه السنوات التي مرت و تحملت هي فيها لا تؤاخذني غبائك و لعبة اصدقاء حتى الموت التي كنت تلعبها معها انك اليوم مُطالب بفعل اي شيء حتى تنال رضاها و تسعدها حتى و إن وصلت أن ترقص لها فوق الطاولات والكراسي "
لم يضحك امين على مزحتها و ابتلع ريقه مجفلاً ..
رباه هل كانت تنتظره كل تلك الأعوام ؟!!
هل جرحها بدون قصد لأكثر من .....
يا الله لا يدرك حتى منذ متى !
كيف لم يراها منذ البداية و سلم مقاليد قلبه لأخرى خائنة ؟!!
و كيف احتملت هي حضور كل مراسم زواجه ؟!!
" يا الله يا عهد .. ماذا فعلت بكِ و بنفسي ؟!!! "
تمتم بها امين قبل أن يتخذ قراره و يدخل الى البيت بخطوات سريعة قاصداً غرفتها مقسماً بأغلظ الايمان أن لا يتركها الا بعد أن تصفح عنه .
.........................
يبحث عنها بعينيه في كل مكان إلى أن اصطدمت عيناه ببهاء حضورها فكادت أن تخرج منه شهقة كتمها بمعجزة ثم ظل واقفاً مكانه ينهل بعينيه من عبق حضورها ..
لم يتخيل في أعتى أحلامه أن تكون بكل هذا الحُسن و كأنها حقاً أميرة قد وجدت طريقها إلى أرض الواقع !
يراقبها بقلب ينتفض غيرة تشاكس امين و تضاحكه كما لم تفعل معه يوما لكن هل يلومها ؟!!
ألم يكن هو من نبذ نفسه من العائلة و كل ما يخصها حتى قررت تلك الشقية أن تدك كل حصون حقده و تأتي به رغماً عن أنفه !
طوال الفترة الماضية و عقله يثأر منه يومياً فيذكره بحقارته معها في اكثر من موقف فيزداد غضبه من نفسه اكثر و اكثر كما يزداد أيضاً تصميمه في الاقتراب منها و نيل رضاها .
تزامنت خطواته المقتربة منها مع ابتعاد الآخر حتى لا يفتعل مشكلة هو في غنى عنها ثم وقف أمامها مطلقاً صفير خافت فيما يقول محاولاً استفزازها :
" ما هذا ؟!! .. هل لدينا عروس ثالثة ؟!! "
رفعت له وصال عينيها بعد أن كانت تعبث بهاتفها رغم علمها بقربه منها تنظر له بتحدي رغم أن كل جزء فيها يستحلفها بأن توقف حربها الباردة ضده !
رباه كم اشتاقت إليه ..
جل ما تتمناه الآن أن تختفي بين ذراعيه تبكي استحالتهما !
أجل لم يعد هناك أي طريق يجمعهما بعد ما أصابها ..
فماذا تملك هي الآن لتهديه إياه ؟!!
جسد واهن !
خطر يحوم حولها دائما ً !
ام أنوثة ناقصة بعد أن صار احتمال انجابها ضعيف للغاية !
انتشلها صوته العميق من لجة أفكارها حين قال :
" الحمد لله انكِ قبلتِ هديتي لكن هناك شيء ..... "
تعمد ترك جملته مفتوحة حتى يسترعي انتباهها فنظرت إليه تتفحص بذلته التي اختارها بنفس لون فستانها ثم قالت ببرود تعمدته :
" ماذا ؟!! .. ألا ابدو جيدة بنظرك ؟! ... يؤسفني اخبارك بأن رأيك لا يهمـ..... "
قاطعها جاسم حين أمسك بكفها و تحرك قائلاً بهدوء و كأنها لم تكن تهينه منذ لحظات :
" تعالي يا وصال .. اريد ان اعطيك شيئا ً "
حاولت سحب يدها منه قائلةً بسخافة تداري خلفها مشاعرها :
" لا اريد منك شيء ..... "
ابتلعت بقية كلامها حين التفت لها قائلاً أو بالأحرى آمراً بصرامة :
" قلت تعالي "
تحركت وصال معه بصمت إلى أن تواريا عن الأنظار فنظر لها قائلاً بصوته الرخيم الذي يزلزل قلبها :
" تبدين فاتنة ، لم اتخيل أبدا ً أن الفستان سيناسبك هكذا "
توترت من تبدله و كادت تتحدث لكنه قاطعها من جديد حين اخرج من جيبه علبة من القطيفة الناعمة باللون الازرق الداكن و اخرج منها عُقد مرصع بالماس فيما يقول :
" اعتقد ان هذا سيكمل اطلالتك "
نظرت وصال الى ما يحمل و اتسعت عيناها بإعجاب تداركته هي حين قالت بصوت خرج رغماً عنها مهتزاً :
" قلت لك ......  "
قاطعها جاسم حين لفها من كتفيها غير عابئاً بشهقتها المصدومة ليضع بعدها العُقد حول عنقها بسرعة اربكتها فيما يقول مهادناً بصوت خفيض :
" توقفي عن الدلال .. لقد رأيت أنه اعجبك "
أنهى إغلاق القفل ثم مال سارقاً قبلته الأولى من خلف عنقها مما جعلها تنتفض بين يديه لكنه لف ذراع حول خصرها يدعمها و يمنعها من الهرب و لف الآخر حول كتفيها واضعاً كفه فوق قلبها فيما يهمس جوار اذنها بأنفاس كاللهب :
" منذ طفولتك و أنتِ تسرقين القلب ببراءتك و شقاوتك .. يزيد العمر عاماً بعد عام و تبقين أنتِ كما أنتِ و كأن الزمن يتوقف عندك فلا يستطيع تغييرك "
حاولت وصال الفكاك منه لكنه كمن القى عليها تعويذة ثبتتها و اوهنت مقاومتها لكنها مع ذلك ردت عليه و إن كان بصوت متهدج :
" مخطئ .. لقد تغيرت كثيرا ً "
فيناطحها هو بالقول :
" للأجمل .. للأقوى و للأشهى  ، لا تزال الصغيرة التي كنت أضعها فوق كتفي عالقة بداخلك .. رغم ابتعادي رغم هروبي رغم غبائي السابق لا تزال تنتظرني هنا "
قالها مشيراً إلى قلبها لترتجف هي أكثر ثم تهمس بصوت مكتوم تحارب دموعها التي تهددها :
" لم يعد اي شيء كما كان ، انتهى ...... "
و كأنه مقسماً على ألا يجعلها تكمل اي حديث تبدأه إذ قاطعها من جديد ضاماً إياها إليه اكثر قائلاً بصبر :
" لم يبدأ بعد حتى ينتهي .. و لن ينتهي أبدا ً يا وصال ، انا مستحيل أن اتركك بعد أن وجدتك "
هزمتها دموعها ليتجمد هو للحظات ثم يلفها أخيرا ً لتواجهه قائلاً بألم :
" لما الدموع الآن ؟!! "
تطرق برأسها فيضمها هو إليه ثم يميل و يقبل رأسها مراراً معتذراً عن كل لحظة اوجعها فيها بقصد أو حتى بدون قصد لكن شهقاتها المكتومة في صدره لا تتوقف فيجد نفسه يبعد رأسها عن صدره و يهتف ناظراً إلى عينيها :
" قسماً بالله سأعوضك عن كل ما فعلته معك و إن امضيت عمري كله أسألك الغفران "
فتبتعد هي عن كفيه الممسكين بها بتملك و تهتف بحرقة :
" افهم .. أفهم لم يعد يجدي نفعا ً "
" لماذا ؟! .. أنتِ تحبيني وانا أحبك ، أنتِ ترغبين بي و انا لم اعد أرغب بسواكِ إذا ً اين المشكلة ؟!! "
اعترافه بالحب بهذه الطريقة ارهبها و اخرسها فبقيت تنظر إليه بدموع لا تنضب ليتغلب عليه طبعه النزق و يهتف بها :
" انطقِ .. هل اصابك الخرس ؟!! "
اتسعت عيناها مجفلة بينما تدارك هو نفسه فاقترب منها من جديد دون أي محاولة للمسها قائلاً بهدوء مصطنع محاولاً عدم اخافتها :
" اسمعي .. انا اعلم جيدا ً حجم ما مررت ِ به و أدرك أبعاده لكن هذا الشيء انا لن اسمح لك ِ أن تجعليه حائلاً بيني وبينك ، انا سأتزوجك يا وصال حتى لو اضطررت لانتظارك العمر كله .. سأنتظرك لأنني احبك و لا اريد غيرك و ضعِ هذا الكلام في رأسك العنيد و اقهري به أي مخاوف وهمية تنتابك "
يجب أن تهرب ..
أجل عليها أن تفر من أمامه الان و تستعيد ثباتها قبل تنهار من جديد في حضرته  !
أدرك جاسم ما يدور في عقلها فهمس لها بحنان أصبح يتخذه منهجاً في تعامله معها :
" اذهبِ الآن و قومي بتعديل تبرج عينيكِ "
لكن طبعه الحامي لا يتركه دون أن يضع لمسته في كلامه لتجده هي وقد تبدلت نظرته الحانية لأخرى فيما يمد سبابته و يحركها على شفتيها قائلا ً بغلظة :
" و خففي هذا الشيء بالله عليك ِ .. او يستحسن أن تزيليه تماماً "
ابعدت وصال رأسها عنه بحده و التفتت تعطيه ظهرها و قد عاد طبعها المتمرد لموقعه فقالت بتحدي وهي تتحرك عائدة :
" لن افعل "
اتسعت عيناه بغيظ و هم يلحق بها منادياً اسمها بخفوت حاد لكن اوقفه نداء عمه فذهب إليه متأففاً ثم اندمج معه بعد ذلك دون أن ينسى إلقاء نظرة خاطفة عليها كل دقيقتين .
....................................
لم يفلح ...
فعل كل شيء حتى تغفر له زلته الاخيرة لكنها لم تفعل !
تكلم معها لأكثر من نصف ساعة لكن عنادها الذي يعرفه تمكن منها بل إنها طردته في نهاية الأمر حتى تكمل تحضيراتها التي تعطلت بما يكفي كما سبق و اخبرته ..
حسناً يعلم جيداً أنه أخطأ لكنه اعتذر منها مراراً لما لا تصفح ؟!
لم يقل غضبها منه ولو قليلاً حتى إنها أعادت عليه حديثها السابق و أخبرته أنه لولا كرامة والدها لكانت ألغت عقد القران نهائيا ً !
أين عشقها السابق اللامحدود له ؟؟
كيف تحبه كل هذا الحب ولا تغفر له ؟!
تنهد أمين بضيق يشغل نفسه بمشاهدة المكان في شكله النهائي بعد أن انتهى تحضيره بالكامل ..
البالونات مختلفة الأحجام و الورود البيضاء و البنفسجية التي تلائم حفل زفاف نهاري أصر عليه السيد بكر متعللاً بأنه لن يطمئن اذا سافروا كل تلك المسافة من المزرعة حتى العاصمة في وقت متأخر ..
بدأ المدعوون في الحضور فلبس قناع الدبلوماسية الذي أصبح يمقته و بدأ في الترحيب بضيوفه حاقدا ً على أخيه الذي تركه بكل أنانية ليهتم بالمدعوين و لا يعلم أحد اين اختفى في تلك الدقائق الأخيرة قبل زفافه !
.............
( في غرفة جزاء )
لقد ذهبت اخيراً تلك المتخصصة التي حضرتها للحفل
تنهدت جزاء بتوتر ثم وقفت أمام المرآة تحدق في نفسها بوجل !
هل هذه هي ؟!!
كم تبدو ......
" ربااااااااه "
اطلقت صرخة مرتعبة و التفتت تحدق في المجنون الذي لا تعلم كيف اقتحم غرفتها هذه المرة !
صدرها يعلو و يهبط إثر المفاجأة بينما ظل هو متسمراً مكانه لا يقوى على الاقتراب منها ..
هل ترى بريق دموع في عينيه ؟!!
" كـ..ـيـ..ـف دخلـ...ـت ؟!! "
سألته بصوت هامس جاهدت لتخرجه ثابتاً و فشلت امام عينيه التي تنظر لها كما لو أنها .....
" فاتنة "
هل قال فاتنة أم يُهيئ لها ؟!!!
أخيراً تحركت خطواته ليقف أمامها قائلاً بعينين لامعتين :
" لم اكن سأسمح أبداً أن يراكِ أحدا ً قبلي "
زفرت بتوتر خيم عليها بينما مد هو يديه نحو وجهها برهبة و كأنه مرتعباً من أن يكون كل ما يمر به مجرد حلم آخر و سيتبخر من بين أصابعه !
لمس وجنتيها الساخنتين لتخرج منه زفرة حارة هامساً اسمها بخفوت فترفع له عينيها التي زادها الكحل اتساعاً فترى دموعه المكتومة بوضوح اكبر ..
قطبت لوهلة و همست اسمه تنظر له بلا فهم فيميل هو و يقبل رأسها بإجلال :
"كيف يمكن أن يكون الواقع اكثر روعة من الخيال ؟!! .. تخيلتك كثيراً و حلمت بكِ مراراً حتى من قبل أن اراكِ لكن لم يصل خيالي أبداً لجمال تلك اللحظة و أنتِ تقفين أمامي هكذا بثوبك الأبيض تُزفين لي "
ينظر بافتتان إلى ثوبها الأبيض المائل للذهبي الذي يلف كتفيها مظهراً عظمتي الترقوة لينحدر بعدها بتطريزاته الثقيلة متسعاً حولها راسماً قدها الرشيق بطريقة تعذيبيه لعينيه العاشقتين لكل ما فيها ..
اما شعرها فتركته منسدلاً حولها إلا من خصلتين رفعتهما من كل جانب فأعطى وجهها استدارة ناسبته ..
ظلت عيناه كعادتها تطالع كل انش منها و لا تغفل عن اي لمحة بينما فرت هي بعينيها الى كل مكان بخجل رهيب من نظرته التي تراها في عينيه لأول مرة !
لم تكن نظرة اعجاب ..
لم تكن نظرة انبهار ..
و لا حتى نظرة عشق ..
بل إنها نظرة رجل ينظر إلى جل ما يتمنى ، رجل ينظر إلى حلمه بعينين مفتوحتين كما سبق و اخبرها  !
كيف لها أن تتصدى له بمفردها و هو يسقيها كل إحساس حرمت منه حتى ترتوي ؟!!
" لن يسلمك أحد لي .. لن اسمح لغيري بلعب اي دور في حياتك ، انا اباكِ و اخاكِ و حبيبك و زوجك و حاميك و عاشقك .. انا كل عائلتك "
يختم حديثه بقلبة أخرى منه على جبينها مدركاً بحدسه احتياجها كأي فتاة الى امها في يوم مثل هذا ...
رباه لو كانت أمه على قيد الحياة لكان منحها إياها عن طيب خاطر !
استغفر بكر ربه بخفوت بينما كانت هي الأخرى تطوف بنظراتها فوق ملامحه المشدودة لتجد لسانها همس دون سابق إنذار :
" انا احبـ...... "
" اياكِ "
قاطعها هادراً قبل أن تكملها فأجفلها ليضع بعد ذلك اصبعيه على شفتيها قائلا ً بغيظ عارم من توقيتها السيء :
" لو قولتيها الآن لن يخرج أحدنا من هنا و لو أتوا لي بالدفاع المدني ، اقبّل يدك احتفظي بها لنفسك لساعتين على الأكثر حتى يرحل هؤلاء المتطفلون و بعدها غنيها إذا شئت ِ "
كتمت ضحكتها فنظر لها شزراً و اعطاها ذراعه لتتمسك به فيما يقول من بين أسنانه :
" ادور حولك منذ عودتك و لم يحلو لك ِ قولها إلا الآن "
هزت رأسها يأساً منه بينما فتح هو الباب ليجد وصال و أباه أمامه الذي كان يحدق فيه ساخراً فيما يقول :
" حين أخبرني امين باختفائك المريب علمت انك هنا "
صمتت جزاء بينما قطب بكر قائلا ً بطفولية :
" كنت احضر زوجتي "
التوت شفتي عبد الحميد قليلاً ثم أشار لهما بالنزول فيما يقول :
" الحمد لله اني سأتخلص من فضائحك اخيراً "
اطلقت وصال ضحكتها الرنانة ثم علقت و هي تنزل معهم :
" ألا تعرف ابنك جيداً يا عماه ؟!! .. الأخ فضائحه لا تنتهي ما شاء الله عليه طاقته متجددة فيما يخص الفضائح "
ضحك لها عبد الحميد بينما نظر لها بكر بطرف عينيه لتستقبلهم بعدها الزغاريد من كل جانب .
............................
و على الجانب الآخر كانت العروس الأخرى ترسم ابتسامة مجاملة تقابل بها كل من يهنئها ..
تتصنع دور العروس السعيدة بامتياز خشية من أن يلاحظ أباها وجود شيء خاطئ فيسألها عما ألم بها ووقتها لن تستطيع اخفاء الأمر لا عنه و لا عن ادم الذي ينظر لها الان من بعيد بعينين ثاقبتين و كأنه يشعر بحدسه إنها ليست على طبيعتها !
نظرت الى امين الذي حاوط خصرها في تلك اللحظة هامسا لها بابتسامته التي لم يفقدها منذ بداية الحفل رغم حديثهم السابق :
" أنتِ ممثلة فاشلة جداً حبيبتي ، دعينا نتصافى الان حتى ترسمين ابتسامة حقيقية على وجهك بدلاً من تلك الابتسامة المستفزة التي تقابلين بها الجميع "
ضحكت عهد باصطناع ثم ردت عليه بنبرة باردة :
" هذا اقصى ما استطيع تقديمه يا ابن العم فلا تضغط عليّ أكثر من اللازم إذا كنت لا ترغب بفضيحة توصم بها لبقية عمرك "
بادلها الضحك جازاً على أسنانه بغيظ منها فقط يتمنى أن ينتهي هذا الحفل في اقرب وقت حتى يستطيع استمالتها من جديد ..
" هل يمكنني مقاطعة هذه اللحظة السعيدة و اراقص اختي ؟!! "
جاءتهم المقاطعة من ادم الذي لم ينتظر رأي امين و سحب أخته يراقصها مزاحماً بكر الذي كان يراقص جزاء بدوره غير عابئاً بصدمة امين البادية على وجهه ..
" متى تشاجرتما ؟!! "
حدقت عهد في أخيها تحاول اخفاء توترها ثم قالت :
" اول البارحة "
" لماذا ؟! .. ماذا فعل لكِ ؟!! "
وصلها سؤال ادم بنبرة جامدة فقالت كاذبة :
" لقد أثرت غيرته و هو غضب مني "
ابتسامة ادم المتهكمة كانت ابلغ رد على عدم تصديقه لروايتها ليأتيها قوله الساخر مؤكداً لها أنه لم يصدق حرف مما قالته :
" حقاً ؟!! .. أنتِ من اغضبته و هو من يحاول مراضاتك الآن ؟!! "
ابتسمت عهد بتوتر ثم أكملت كذبتها قائلة بخفوت متجنبة النظر إلى امين :
" أجل لأنني قلبت الطاولة عليه .. لقد اغضبته فصرخ عليّ و ها أنا اعاقبه على صراخه و فقدانه لأعصابه "
" انا لا اصدقك "
قالها ادم صريحة فزفرت عهد بقنوط تفكر بسخرية مريرة أنها لا تستطيع مشاركة أخاها ما حدث ..
ماذا ستخبره بحق الله ؟!!
هل ستخبره انها صُدمت في اخر لحظة بشخصية أخرى تسكن أمين و لم تراها هي من قبل ؟!!
هل ستخبره أن هذا الرجل الذي كُتبت على اسمه منذ دقائق معدودة لم يهتم بالضرر الذي حدث لها و ما كاد أن يحدث و ان كل ما فرق معه ان ابن عمه اللدود هو من ساعدها ؟!!
هل تخبره انها لم ترى في عينيه يومها خوف أو لهفة فأدركت انها لا تمثل له غير زوجة مثالية أهداها له القدر بينما كانت هي تعيش و ترسم وهم الحب طوال تلك الفترة بمفردها ؟!!
أجل اخبرها أنه يحبها لكن ليس بالقدر الكافي الذي يجعل خسارتها كارثة له مثلما كانت خسارة علياء ..
آه علياء ....
و هل تصل هي لمكانتها في قلبه ؟!!
مستحيل ..
" هل اكتفيت و استطيع أخذ زوجتي الآن ؟!! "
تنبهت على صوته فنظرت له عهد بهدوء ميت بينما هز ادم رأسه قائلاً بغموض ساخر :
" بالطبع .. لكن احترس قد استعيدها منك في اي لحظة فأنا لا املك اغلى منها "
نظرت عهد الى أخيها مبتسمة بدفء ..
كم تحب وقوفه جوارها دائما ً دون أسئلة او استفسارات !
يقدم لها دعم غير مشروط و يكاد يفتك بمن يضايقها رغم أنه الأصغر سنا ً !
ربت ادم على وجنتها بمحبة ليحاوطها امين بعدها سائلاً بهدوء :
" هل تكلمتِ معه عما حدث ؟! "
نظرت له عهد و شددت على حروفها :
" وهل ما حدث يمكن الكلام عنه ؟!! "
قطب امين ثم سألها من جديد :
" إذا ً لما شعرت بلهجة تحذير في كلامه ؟!! "
رغماً عنها ابتسمت و اجابته بمكر و كأنها توضح له إنها ليست بلا سند :
" لأنه لا يفكر حين يعلم أن أحدهم ضايقتني وما يوقفه الان هو أنني لم اقلها صريحة "
" هل تهدديني بأخيكِ يا عهد ؟!! "
سألها امين بذهول فردت عليه بلا تهاون :
" الأمر لا يحتاج إلى تهديد .. انت سألت و انا أجبت "
تنهد امين مستغفراً ثم حاول معها من جديد :
" يا عهد لقد اعتذرت منكِ مراراً .. ماذا افعل لتسامحيني على ما حدث ؟!! "
نظرت له و حدقت في عينيه لثواني ثم قالت بعدها بصوت قوي يخالف تماماً تلك الابتسامة الحالمة التي ترسمها على شفتيها بمهارة :
" هل تريد أن حقاً ينتهي الأمر ؟!! "
" بالطبع "
قالها بلا تردد فقالت هي بتحدي :
" أخبرني عما يدور بينك وبين جاسم و سأنسى ما حدث نهائيا ً كأنه لم يكن "
كعادته جمدت نظرته بل و اشتدت يده حول خصرها ثم أجابها كاذباً :
" أنتِ تعلمين أمر العمل و الشركـ...... "
قاطعته عهد و قد اتخذت البرود منهجاً في التعامل مثله :
" لا داعي .. لا تكمل "
زفر امين بضغط و رغماً عنه ألقى نظرة نحو ذاك الذي يقف في أبعد نقطة عنه !
ذاك الذي أسماه يوماً صديقاً و اخاً ..
ذاك الذي طعنه في ظهره ..
ذاك الذي فضلته زوجته عليه ..
ذاك الذي يبادله الان النظرات و كأنه يدرك ما يدور في خلده فيحدق في عينيه بتحدي وقح مثله ..
ذاك الذي سمع حديثه البارحة مع زوجة عمه و رآه كيف اهانها بصلافة ثم أدرك أنه كان يضع عينيه على زوجته و منذ زمن بعيد !
كما سمع علياء بأذنيه تهتف بحبها لجاسم وهي على ذمته ، سمع جاسم أيضاً وهو يعترف أنه أرادها لنفسه !
كل ما يريد معرفته الان هو الى اي مدى تطورت علاقتهما ..
عاد بنظره الى عهد فوجدها كما هي بل أصبحت نظرتها أكثر بروداً و تباعدا ً ..
هل يخبرها ؟!!
هل يصفعها بحقيقته و يعري أمامها كرامته المهدورة ؟!!
هل ستشفق عليه ؟!!
و هو نفسه .. هل سيقدر ؟!!
لا يعلم رد فعلها و لا يعلم كيف سيواجه هو الأمر !
لكن كل ما يعلمه أن هذا الجرح اللعين الذي ارقه لسنوات طوال آن اوان فتحه من جديد بل و التخلص من قيحه الى الابد .


نهاية الفصل العشرون



ضربة جزاء .. الجزء الأول من سلسلة قلوب تحت المجهر Kde žijí příběhy. Začni objevovat