الفصل الواحد والعشرون

272 20 0
                                    

الفصل الواحد والعشرون
ماذا عليه أن يفعل الآن ؟!!
هو يوم لا يعلم به إلا الله من الأساس ...
بعد كل ما خاضاه سوياً .. بعد كل ما كادت تهتف بعشقه في الصباح و بعد هذا العمر الطويل الذي انتظرها فيه و الأهم بعد كل تلك الطموحات و الاحلام والأماني التي رسمها لليلة زفافه عليها ها هو الآن يقف مثل التلميذ المُعاقب بعد أن هبطت عليه ابنة خاله التي لا يجد لها وصفا ً و خربت له الليلة !
لما يحدث كل هذا معه ؟!!
هل هذا حسد ؟!!
لا .. لا هذا حظه الأسود ..
ام إنه الاثنين سوياً ؟!!!!
اغمض عينيه ببؤس و هو يمج من سيجارته فتعود الذكرى و تقصف عقله مثل الصاعقة ...
حضور خاله و عائلته ليباركوا له ثم اقتراب جهاد ابنة خاله منه بحجة المباركة له و لزوجته لتقبل جزاء أولاً ثم تصدمه هو بقبلتين !
شتم بكر بخفوت و هو يضرب سور الشرفة أمامه بقبضته مردداً بغضب مكتوم :
" المنحلة القصيرة .. قبلتين ؟! .. قبلتين ؟! .. ليست واحدة حتى ! "
ليرمي بعدها السيجارة على طول ذراعه بضيق منفثاً الدخان بغل ثم يتحرك إلى الداخل مقرراً المحاولة معها من جديد ...
وقف أمام باب غرفتهما التي بات يعتقد أنه سيصيبه الشلل قبل أن يشاركها بها و استغفر ربه عدة مرات ثم طرق على الباب منادياً اسمها بأمل فلم ترد عليه ..
طرق مجدداً ثم قال بمهادنة :
" حبيبتي افتحِ الباب و دعينا نتفاهم بالعقل "
فترد هي عليه هادرة بوقاحة :
" احضر لي رجل يقبلني أمامك أولاً و بعدها نتفاهم بالعقل يا صاحب العقل "
اتسعت عيناه بغضب مجنون ليضرب على الباب هاتفاً بسخط :
" احترمي نفسك "
و كأن مستوى استفزازه لها قد تخطى حدود المعقول إذ فتحت له الباب و هتفت بجنون يساوي جنون نظراتها في تلك اللحظة :
" تقل لي انا احترمي نفسك ؟! .. و ماذا عنك انت يا محترم ؟!! .. لقد جعلتني أضحوكة و مادة للتندر و السخرية لعام مقبل بفعلتك السوداء "
تتسع عيناه بذهول فيشير إلى نفسه قائلاً بصوت مرتفع :
" فعلتي ؟!! .. ماذا فعلت انا ؟!! .. هي من قبلتني و ..... "
قاطعته جزاء تصرخ به و هي تعود ادراجها للغرفة :
" و ماذا فعلت انت يا محترم ؟!! .. اعطيتها الوجنة الأخرى لتتم مهمتها كاملة .. أتعلم انت .... انت ...... تباً لك "
صرخت في اخر حديثها حين لم تجد وصفاً له لتهم بمغادرة الغرفة فيمسك  بمرفقها هادراً بصوت اعلى :
" لا ترفعي صوتك عليّ و اياكِ أن تصرخي في وجهي من جديد "
تحاول تخليص مرفقها منه فيما ترد عليه بنفس النبرة المرتفعة :
" انا لا أصرخ .. انت من يصرخ "
" انا لا اصرررررررررخ "
يصرخ بها بعلو صوته فتنكمش داخليا و تنظر له مجفلة ليعم عليهما الصمت المطلق لعدة لحظات بقيا ينظران فيها إلى بعضهما و يلهثان ..
سحبت جزاء مرفقها من جديد بين يديه فلم يقاومها هذه المرة ثم بادر هو من جديد قائلاً بنبرة اكثر تماسكاً : 
" هل عاد عقلك لرأسك ؟!! "
ارتفع حاجبيها باستنكار و همت بالرد عليه ليقاطعها مهدداً :
" اقسم بالله اذا صرختِ مجدداً لن ينجدك أحد مني "
أغلقت فمها من جديد ليزفر بكر ثم يستغفر و يحاول إقحام الكلام داخل عقلها الملتوي :
" اسمعي .. اعترف انني لم اتدارك الأمر لكن هذا لأنها باغتتني بفعلتها ، لكن تأكدي انني لم يسعدني الأمر على الاطلاق و اعلمي أيضاً أن جهاد ليست أكثر من فتاة افرط خالي في تدليلها فباتت تتصرف بغير حساب "
نظرت له جزاء شزراً و نظرات عمتها الساخرة حين شاهدت ما حدث مثل البقية تجلدها جلداً فتقول له من بين أسنانها :
" لم تبعدها عنك حتى .. تركت فتاة شابة تتعلق برقبتك وانت تقف بجواري أمام الجميع يا بكر "
ضيق بكر عينيه ثم سألها بضيق سافر :
" هل ما يضايقك انها قبلتني ام انها فعلت ذلك أمام الجميع ؟!! "
جزت على أسنانها فهدر بغيظ منها :
" أجيب ِ "
" توقف عن الصراخ "
عض بكر على شفتيه ثم اقترب منها سائلاً بصبر اوشك على النفاذ :
" هل تتشاجرين معي الان لأنك تغارين عليّ ام لأن واجهتك تضررت إثر ما حدث ؟!!! "
سألها وفي قرارة نفسه يدعو أن الا تخيب أمله هذه المرة وحين ظلت على صمتها تكلم وخيبة الأمل تداعب قلبه :
" هل سؤالي صعب لهذه الدرجة ؟!! .. هل تغارين ام لا ؟!! "
" نعم أغار "
اتسعت عيناه و داعبت الابتسامة شفتيه و هتافها المتهور يبدو لأذنيه اجمل من اجمل اعترافات الحب !
على الأغلب هذه الفتاة ستظل تتلاعب به لما تبقى من عمره لكن المثير في الأمر أنه يستمتع بذلك جداً ..
عيناه تلقفت حمرة الخجل التي هاجمت وجهها بسعادة جمة و كأنها قد أدركت هي الأخرى حجم ما تفوهت به
تحركت جزاء من أمامه بخطوات متعثرة بثوبها الذي لم تستطع تبديله حتى الآن فوقف أمامها يسد عليها طريق الخروج و قد تبخر مزاجه العكر تماما ً و حل مكانه العبث فيهمس لها بتوق شديد و هو يقترب منها ببطء مخيف لها :
" هيا قوليها "
ابتعدت جزاء و نظرت له بتوتر تسأله بعدم فهم :
" ماذا اقول ؟!! "
فيقترب بكر من جديد وبسمته تتسع فوق صفحة وجهه :
" ما كنتِ ستقولين قبل حفل الزفاف و انا اوقفتك "
ابتسمت له أخيراً فرفرف قلبه في صدره ثم اقتربت منه أمام عينيه المترقبتين لتهمس له اخيراً بدلال :
" دع من قبلتك تقولها لك "
هل تلاعبت به حقا للتو ؟!!
شتم بكر بخفوت و نظر لها يود لو يلكمها حتى تختفي تلك الابتسامة الشامتة الصفراء من فوق شفتيها لتكتم هي ضحكتها و تهم بالتحرك نحو الخزانة حتى تخرج ملابسها فيوقفها مجدداً يسد عليها الطريق بجسده و يديه بدأت تعبث بأزرار قميصه فيما يقول بصوت خافت :
" هل تحتاجين إلى مساعدتي في تغيير ملابسك ؟! "
للأسف الشديد تحتاج لكن على جثتها أن تطلب منه مثل هذا الأمر لهذا ارتدت ملامحها ثوب البرود و اجابته بلا مبالاة ظاهرية :
" لا شكراً لك "
ضحك بكر بخفة ليسد عليها طريقها من جديد قائلاً بعبث :
" حسناً .. ساعديني أنتِ ، أزرار القميص عالقة "
ابتعدت جزاء خطوة للخلف فيما تقول بنبرة مهتزة :
" توقف عن الوقاحة "
ضحك بنبرة اعلى ثم رد عليها ساخراً :
" إذا لم اتواقح يوم زفافي متى سأتواقح ؟! "
كادت أن تبتعد لكنها أطلقت شهقة فزعة حين جذبها من مرفقها مرة واحدة فارتطم ظهرها بصدره ليهمس ضاحكاً بجوار اذنها :
" انتهى وقت الهرب يا غزال .. لقد وقعتِ في الفخ "
تسمرت جزاء مكانها حين شعرت بأصابعه تفك عقدة ثوبها من الخلف ببطء شديد فحاولت الهرب للمرة العاشرة قبل أن ينزلق الثوب من على جسدها لكن ذراعه كان لها بالمرصاد فيلتف حول خصرها يضمها إليه أكثر هامسا ً بنبرة ثقيلة :
" كُفي عن المحاولة فأنا لن اتركك أبداً "
ينزلق الثوب قليلاً عن كتفها فيميل بشفتيه يقبلها برفق لترتجف هي بين ذراعيه تتنفس بعنف ثم تهمس بتعثر :
" انا ... اريد ... "
فيقاطعها و قبلاته تصبح أشد حرارة :
" و انا ايضا ً اريد و أريد و اريد "
تختض فيديرها لتواجهه يحدق في عينيها الفاتنتين التي لا تجرؤ على رفعهما إليه فيقبل جبهتها محاولاً طمأنتها فتتشبث بكم سترته رغماً عنها تختبئ منه فيه كعادتها ..
فلتت ابتسامة حانية منه و أبعد شعرها عن وجهها ثم همس و قربها منه بهذا الشكل الغير مسبوق يصيبه بالثمل و الجنون :
" انتِ أمنيتي التي ولدت بها و كبرت على أمل تحقيقها .. لستِ أمام عيني لكنك كل ما ارى .. كنتِ البعيدة عن العين المختبئة في القلب "
اغمضت جزاء عينيها لتجده رفعها من على الأرض فتتشبث بثوبها حتى لا ينزلق بينما يتحرك بها ناحية الفراش و لسانه يهمس لها شاكياً حال صاحبه :
" من يوم ما رأتك عيناي و قلبي متورط بكِ .. يمر العمر يوماً بعد يوم .. شهراً بعد شهر .. عاماً بعد عام فتترسخ جذورك في قلبي و تحتلين روحي بلا رحمة فأتوحد بك و اهيم على وجهي بحثاً عنكِ في كل وجه أقابله إلى أن رأف بي القدر و وجدتِ أنتِ طريقك لي فولدت بكِ من جديد "
قلبها يعصف بصدرها و قربه منها يهلك مشاعرها فتود لو تخبره بمدى تعلقها به و عشقها له فلا يخرج منها إلا اسمه كمناجاة خافتة فتزيده جنوناً فوق جنون و اشتعال فوق اشتعال ليختم بكر حديث اللسان هادراً بصوت خافت خشن قبل أن يبعد ثوبها عنها هذه المرة بلا صبر :
" قلبي يضج بشوقه لكِ يا ابنة عمي .. ارحميه "
فتغمض جزاء عينيها تحلق معه فوق غيمة وردية لا تهمس إلا باسمه و كأنها اختصرت به كل الابجديات و الحروف .
.........................................
( بعد عدة أيام )
تقف أمام مرآتها تحدق في ملامح وجهها و كعادتها تصنع من السخرية جدار تختبئ خلفه فتتكلم مع نفسها مبتسمة بألق لا يزال كسير :
" شعرك المستعار فوق رأسك ، تبرجك على وجهك ، مديتك في جيبك .. من يقل لكِ تغيرتِ قطعيه "
أضافت بعض الكحل لعينيها ثم همست بخفوت شديد تحفز نفسها اكثر :
" هيا يا ويسا .. هيا حان وقت عودتك لساحتك يا رويتر "
رغماً عنها ابتلعت ريقها ببعض القلق والتوتر لكنها مع ذلك لن تتراجع عن قرارها بشأن عودتها إلى العمل ..
اجل .. لا اختباء بعد اليوم
ستمارس حياتها بشكل طبيعي إلى أن يأذن الله و تخرج نتيجة تحليلها النهائية ثم تعود لإجراء العملية ..
فقد مقتت بقائها هنا و معاملتها كعاجزة و اليوم قررت على الرغم من أنها لم تستعد صحتها بشكل كامل الخروج من هذا السجن الذي باتت تحيا فيه !
وضعت بعض أدواتها الشخصية في حقيبتها ثم ارتدها بشكل معكوس و نظرت إلى نفسها تقيمها للمرة الأخيرة  لتسمي الله ثم تخرج من الغرفة .
و بالأسفل على مائدة الإفطار جلس الجميع كعادتهم بعد أن اكتمل عددهم من جديد بعودة جاسم الذي فاجئهم بقراره عقب الزفاف مباشرة ً و كأنه يعلن بشكل غير مباشر أن ايام انفصاله عن العائلة قد ولت بلا رجعة !
انتبهوا جميعاً و التفتوا حين هلل صفوان مبتسماً بوقار فور أن رأى وصال تنزل من على الدرج فأدرك انها قررت أن تخرج من عزلتها اخيراً :
" يا صباح الخيرات .. اخيراً استيقظت ِ "
ابتسمت وصال و انضمت إليهم بعد أن قبلت جدها فيما تقول بمشاغبة :
" أرى أن مزاجك أصبح رائقاً منذ أن تخلصت من بكر يا جدي "
ابتسم لها جدها يدعمها بنظراته ليرد عليها قصي بنبرة ناعسة :
" متى سيعود ؟! ... لقد اشتقت إليه "
ابتسمت له وصال بمحبة متجاهلة نظرات من يجلس قبالتها يراقبها كالصقر ثم قالت ضاحكة بشقاوة :
" انساه ... عمك لن يعود قبل شهر على أقل تقدير "
" الى اين ستذهبين ؟!! "
سألها جاسم بنبرة متزنة تعاكس تماماً نظراته التي لم يرفعها من عليها فردت عليه دون أن ترفع عينيها إليه :
" الى الشركة "
كاد أن يخبرها بأنها لا تزال تتعالج ولا يجب أن تجهد نفسها فهي من الأساس خرجت من المستشفى لفترة مؤقتة لحضور زفاف اختها ثم ستعود لإجراء عملية نقل الخلايا الجذعية لكن جده وضع كفه على يده ليومئ له و يخبره بعينيه ان يتركها على راحتها
عم الصمت عليهم للحظات إلى أن نظرت وصال الى امين ثم قالت بأدب نادر :
" امين .. هل يمكن أن تأخذني في طريقك ؟!! .. سيارتي اللعينة تعطلت من جديد "
لتبرطم بعد ذلك بعدم رضا :
" تلك السيارة تتعطل اكثر مما تعمل "
" انا سآخذك معي "
قالها جاسم بحسم ليرد امين بعناد و صبيانية رغم أنه كان يخطط للمرور على عهد ليحاول مراضاتها من جديد :
" لا .. سآخذها انا "
تواجها بالنظرات النارية كعادتهما فقال الجد بحسم و ذكاء موقفاً الجدال قبل أن يبدأ :
" جاسم خذها معك و مر على صاحب معرض السيارات الذي تتعامل معه و اشتري لها سيارة جديدة بدلا ً من تلك الخردة المعدنية الملقاة في الأسفل "
قفزت وصال من مكانها تصرخ بسعادة جمة و قد طغت فرحتها بالسيارة الجديدة على اي شيء اخر ثم ركضت ناحية جدها و هجمت عليه تقبله مراراً و تشكره فضحك صفوان و ربت على رأسها بخفه فيما قالت رغدة بغيرة زائفة :
" و انا أيضا ً اريد واحدة "
نظر لها جدها ثم أجابها ببساطة :
" بعد تخرجك ... و بتقدير ممتاز "
كشرت رغدة بطفولية و وضعت رأسها في طبقها تتمتم بما لا يفهمه غيرها بينما ربتت مديحة على كتف ابنتها تدعو الله أن يحفظها لها فيما تنظر الى جاسم الذي بدأ يعلن ملكيته لطفلتها يوماً بعد يوم بغيظ ممتزج بقلق بالغ من أن يكون ذلك المختل ينوي أن ينتقم من لعبة علياء القديمة عليه و يؤذي طفلتها التي لا ذنب لها في شيء .
..................................
وقف بكر في الشرفة يشاهد شروق الشمس بعينين صافتين ..
ما أجمله من يوم يبدأه برؤيتها تنام بعمق بين ذراعيه !
حتى هذه اللحظة لا يستطيع وصف إحساسه في كل مرة يفتح فيها عيناه فيراها تنام جواره تتوسد ذراعه ..
لكن الماكرة خاصته لا زالت تعاقبه على خطأ ابنة خاله فترفض رفضاً قاطعاً بل ريقه بتلك الكلمة التي قالتها بكل الطرق إلا شفهياً !
وهو طماع ... يرغب بسماعها و الشعور بها بكل السبل
تنهد بكر و التفت برأسه ينظر إلى تلك النائمة بعمق ليشعر برغبة شديدة في تدليلها و مشاكستها قليلاً ..
أنهى سيجارته ثم لمعت الفكرة برأسه فابتسم بشغب و تحرك يغادر الغرفة حريصاً على عدم ايقاظها ... على الأقل الان !
..........
و بعد ربع ساعة أو أكثر بقليل ..
فتحت جزاء عينيها بإجفال حين صدح صوت الموسيقى في الغرفة يرافقه صوت ( مطرب الهنا ) الذي تزوجت به فأغمضت عيناها مجدداً بيأس قاتل ..
فها هو انتقل لمرحلة اعلى في الازعاج و اصبح يقتحم غفوتها بصوته المزعج مثله !
فركت عيناها تطرد النعاس بينما تعد ذلك المستفز الذي ينتظرها في الخارج بوصلة نكد من العيار الثقيل رداً على ما يفعله بها !
نهضت تبحث عنه تتبع صوت الموسيقى الغير مفهومة بالنسبة لها حتى وصلت إلى المطبخ لتتسع عيناها للحظات ثم تدمع من الضحك المكتوم و هي تراقب حركات ذلك المجنون الذي ابتُليت به و الذي لا تفهم حتى الان  سر حبه للغناء رغم بشاعة صوته !
راقبته للحظات و هو يقف عارياً كعادته الا من سرواله القصير الذي يهددها دوماً بخلعه هو الآخر اذا علقت اكثر على موضوع الملابس بينما كان يصنع فطوراً بدا لعيناها شهياً للغاية !
التفت اليها فجأة و كأنه شعر بها ليرقص لها حاجبيه بمشاكسة و هو يقترب منها ففلتت منها اول ضحكاتها حين رقص لها كتفيه يمينا و يسارا بمشاغبة وهو يردد مع المطرب بصوت اعلى بعد أن أعاد الاغنية من البداية :
تعال اشبعك حب اشبعك دلال "
تعال يا ابن الحلال بس لك منطي مجال
تعال .. تعال .. تعال
اريد اگلك اني قافل عليك
و اريد اشرد بيك تروح ما اخليك
تُعال .. تُعال .. تُعال "
تعالت ضحكاتها حتى ادمعت عيناها و هي ترى عدم فهمه لبعض الكلمات لكنه يهز رأسه بلا مبالاة و يكمل غناءه بل و يمثل لها ما يفهمه بوجهه و يغمز لها بوقاحة و يحرك رقبته في كل مره يردد فيها المطرب " تعال"
اريد احضنك حضنة ما انتقام
واحسسك بالغرام واسمعك احلى الكلام
تُعال .. تُعال .. تُعال "
"  ماذا تفعل ؟!!"
هتفت بها بصوت مرتفع ضاحك تحاول أن تغطي على صوت الموسيقى الاكثر ارتفاعا فيتجاهل هو الرد عليها و هو يلف حولها دون أن يتوقف عن الرقص ليجلب الملح من الرف خلفها مكملا ما يفعله ممعناً اكثر في غيظها فتبتعد هي بسرعة البرق تتجنب ملامسة جسده العاري !
فرغم انها اصبحت زوجته بشكل كُلي إلا أنها لا تزال تشعر بالخجل كلما رأته عاريا !
لكنه لا يرحم خجلها فينظر لها بطرف عينه بخبث و يقترب منها خطوة جانبية دون أن يلتفت لها فتبتعد هي خطوة فيقترب منها مجددا إلى أن الصقها في الحائط دون أن يلمسها ليلتفت لها اخيراً فيكون اقرب إليها من انفاسها يحدق في وجهها بطريقه اربكتها ليهمس بعد لحظات بنبرة مغوية بينما يغمز لها بوقاحة :
" تعالي "
قطبت جزاء بعدم فهم تسأله بغباء :
" أين ؟! "
فيعض شفتيه قائلاً بتنهد وقح وعيناه تطوف عليها بلا خجل :
" تعالي اشبعك حب اشبعك دلال "
تورد وجهها من تعابير وجهه و أوشكت على الرد عليه لكنه قاطعها رافعاً صوته عائداً الى أغنيته الغريبة مثله و قد أضاف اللحن الى الكلمات مجدداً :
" تعال يا ابن الحلال .. تعال .. تعال .. تعال "
رفعت له حاجبها باستخفاف فيما تقول بضيق مفتعل :
" صوتك بشع و دمك ثقيل "
رقص لها حاجبيه مجدداً فيما يرد و قد التقط ضحكتها المكتومة :
" يا كاذبة "
التفتت لتخرج من المطبخ بحنق تداري خلفه خجلها الذي لا يزال يكبلها فناداها بكر مجددا قائلا بنبره أنثوية معترضة :
" تعالي هنا .. من سيأكل هذا الطعام الذي وقفت و تعبت في تحضيره من الصباح ؟! "
تأففت فيما تقول بغيظ من نفسها التي باتت حليفته بشكل كامل :
" لا اريد .. كما انني قلت لك ألف مرة ارتدي بقية ملابسك و لا تجلس لي هكذا "
وقف امامها بكر متخصراً يتطلع إليها من الاعلى الى الاسفل ببرود ثم قال بجدية مفاجئة :
" أنتِ يضايقك هذا السروال ، يثير حنقك ... أليس كذلك ؟! "
اجابته جزاء مستغربة نبرته الجادة المفاجئة :
" اجل "
فقال مرة واحدة و هو يمسك بطرفي وسط السروال يهم بشده الى الأسفل مما جعلها تصرخ بجزع و هي تضع كفيها فوق عينيها :
" و ها هو السروال الذي يضايقك يا جزاء "
أدارت وجهها للاتجاه الآخر و هي تسبه بكل ما تعرف من الفاظ بينما تعالت ضحكاته هو فعلمت أنه كان يهددها و يمزح كعادته لكنها مع ذلك التفتت تنظر إليه بحذر لتجده واقفاً كما هو يكتف ذراعيه و يضحك بانطلاق فيما يقول :
" اذا كانت امي رحمها الله بجلالة قدرها لم تستطع تغيير عادتي .. ستقدرين أنتِ ! "
تمتمت بسبة خافتة  وهي تراه يقترب منها مجددا و يسحبها خلفه الى المطبخ فيما يقول :
" هيا لنفطر حتى نجد طاقة للجري خلف بعض بقية اليوم "
فلتت منها ضحكة خافتة رغماً عنها ليجلسها هو فوق المقعد ثم يميل إلى اذنها هامساً بشقاوة :
" هكذا الأغنية القادمة ستكون ضحكت يعني قلبها مال و ربنا لا يحرمنا من الهضبة "
ارتفع صوت ضحكتها اكثر لتُفاجئ به و قد مال فجأة مقبلاً وجنتها فيما يقول لنفسه متجاهلا ً ارتباكها :
" الصبر حلو .... كله بالحنان يرق "
ثم جلس أمامها مناقضاً نفسه في ثانية يسألها بطفولية :
" أليس لديكِ شيئا تقولينه لي ؟! "
فترد هي سؤاله بسؤال دون أن ترفع عينيها إليه :
" شيء مثل ماذا ؟!! "
" اللبيب من الإشارة يفهم "
ألقاها بكر بغيظ فرفعت له عيناها ثم ابتسمت بحلاوة و قالت باستفزاز :
" سلمت يداك .. الطعام رائع "
وضع لقمة في فمه يمضغها بغيظ دون أن يجيبها بشيء فالتقطت جزاء حركته و تعبير وجهه الحانق فلم تتمالك نفسها و ضحكت ضحكة عالية انتهت بسعال شديد و قد توقف الطعام في حلقها لينهض بكر مجفلا و هو يرى اختناقها واحمرار وجهها الشديد ثم يصب لها كأس ماء قائلا بقلق بالغ وهو يضرب على ظهرها برفق :
" تنفسي حبيبتي .. تنفسي "
بعد لحظات تنفست جزاء بعمق بينما مسح بكر وجهها بكفيه فيما يقول :
" هل اصبحت ِ افضل ؟!! "
اومأت له ثم شربت مجدداً فقال هو كطفل مذنب :
" اعتذر .. لن امازحك على الطعام مجددا "
رغما عنها ضحكت بخفة مجددا ثم أمسكت بكفيه و قبلتهما بمحبة فيما تقول بنبرة مقصودة :
" سلمت يداك على كل شيء يا بكر "
سحب بكر مقعدها إليه ثم مسح دمعتها الناتجة عن اختناقها السابق فيما يرد عليها بشقاوة :
" لا اريد هذا الشكر الجاف .. اعطيني اجرتي "
و دون أن يمهلها انهال عليها تقبيلا من جديد فيما يهدر آمرا بلا يأس بصوت خشن :
" قوليها ... هيا قوليها "
لتضحك جزاء و تهمس بتعثر و هي تشعر بملمس يده المتسللة على جسدها :
" احمق ... لكني احبك "
..........................
" صباح الخير يا ابي "
رفع إمام عيناه من على الصحيفة ليبتسم الى عهد و يرد تحيتها ثم طوى الصحيفة بعدها ليسألها باهتمام :
" كيف حال معدتك الان ؟! .. هل زالت التشنجات ؟!! "
ابتسمت له عهد و اومأت تدعو الله ان لا يلاحظ أباها تغيرها الأخير لتجفل عندما سألها بغتة :
" كيف حالك مع أمين ؟!! "
ردت عليه و هي تتفادى نظرته المحدقة فيها :
" بخير .. الحمد لله "
اومأ لها إمام مرددا الحمد خلفها ليقول بعدها بلهجة ذات مغزى :
" كنت اظن انكِ ستطيرين من السعادة بعد ارتباطك به .. لكنك فاجأتني حقا بتشنج معدتك الذي لا يظهر إلا وقت توترك أو حزنك "
توترت عهد و افتعلت ضحكة عصبية فيما ترد بمرح زائف :
" هذه المرة اخطئت التشخيص يا حجوج .. فأنا لم اعاني من القولون العصبي بل مرضت بسبب تغير الجو لا أكثر "
ثم أكملت حين رأت عدم اقتناعه يبدو جلياً على وجهه :
" الحمد لله الأمن مستتب بيني و بين امين .. لا تقلق "
ارتشف إمام قهوته ليتمتم بهدوء و هو ينهض مغادرا إلى عمله :
" حسناً .. شفاكِ الله مما يتعبك "
لم تنظر إليه عهد تدعو الله ان يمر الأمر على خير لتنتبه بعدها على صوت وصول سيارة أحدهم فخرجت ناهد في تلك اللحظة من المطبخ تمسح يديها فيما تسأل :
" ترى من سيأتي في بكرة الصباح ؟!! "
لتأتيها الإجابة من إمام :
" خطيب ابنتك "
نهضت عهد تنظر له بوجل و هو يصافح أبيها باحترام معللاً قدومه بأنه سيوصلها اليوم معه إلى الشركة ليبتسم له إمام و يدعوه لمشاركتهم الإفطار فيعتذر امين بلباقة دون أن يحيد بعينيه من على عهد التي لم ترحب بقدومه حتى الآن !
اقتربت عهد حين لاحظت نظرات أبيها إليها و اقتربت منهم ترحب به على مضض راسمة ابتسامتها الدبلوماسية حتى لا يشك والدها في شيء ثم قالت بسرعة خوفاً من أن يدعوه والدها إلى الداخل و يستجوبه :
" انا انهيت فطوري الحمد لله .. هل نذهب ؟!! "
نظر لها امين مستغرباً تصرفها لكنه ابتسم لها قائلا :
" كما تشائين .. هيا بنا "
ودعا الجميع ثم انطلقا بسيارته ليسالها بعدها باستغراب :
" لم طلبتِ ذهابنا بهذه السرعة ؟!! .. هل ضايقك حضوري ؟! "
نظرت له عهد بطرف عينيها ثم اجابته بصراحة تامة :
" ابي كان سيسألك اذا حدث شيء بيننا و انا لا أريده أن يعرف "
قطب امين و زفر بضيق ليسالها بعد عدة لحظات من الصمت المطلق بينهما :
" الى متى يا عهد ؟!! .. لقد اعتذرت منكِ مئات المرات "
ردت عليه عهد ببرود :
" انا لم اطلب منك أن تعتذر يا امين "
نظر لها امين بضيق ثم ضرب على المقود بغضب دون أن ينطق بحرف إلى أن وصلا إلى الشركة فدخلت عهد الى مكتبها لتجده قد تبعها قائلا بغضب مكتوم :
" أنتِ الى اين تريدين أن تصلِ ؟!! "
وضعت حقيبتها على المكتب ثم اجابته بثقة :
" الى اعمق اسرارك .. اريد ان اصل الى الشيء الذي تكتمه بداخلك و الذي ما أن يقترب أحد منه حتى تنفجر في وجهه مثل البركان "
" أنتِ تتوهمين "
ألقاها امين بضيق فرفعت هي كتفيها ببساطة وقالت باستفزاز :
" اذا اعتبر انك أيضاً تتوهم غضبي منك "
رفع امين حاجبيه ثم اقترب منها قائلا بصبر على وشك النفاذ :
" عهد .. أنتِ لطالما كنت ِ الشخص الوحيد الذي يسمعني و يدعمني دون شروط .. ما الذي تغير الان ؟!! "
لوت شفتيها بابتسامة ساخرة لتجيبه بقوة :
" ما تغير هو أنني أصبحت زوجتك يا امين و انا لن أقبل أبداً أن تهمش وجودي في حياتك .. فكما وهبت لك نفسي و اعطيتك الحق في مشاركتي كل تفاصيل حياتي الخاصة اظن من حقي انا ايضا أن املكك بالكامل و اشاركك كل تفاصيلك لكن ما رأيته منك يخبرني انك وضعتني في خانة محددة غير مسموح لي بتخطيها و الا سينالني سخطك "
كانت تعلم انها تضغط عليه لكنه لا يدرك أن فرحتها بزواجهما غير مكتملة بسبب ما يؤرقه ..
كل ما تريد أن تزيح هذا الحمل عن كاهله ..
جل ما تتمنى أن ينالا نصيبهما من السعادة دون شوائب تحول بينهما ..
هل هذا كثير عليها ؟!!
صمته المطبق جعلها ترمي اخر أوراقها فقالت بصوت مكتوم و قلبها يقرع في صدرها كطبول الحرب :
" اظن أنه من الأفضل أن نعيد التفكير في مدى صحة ارتباطنا "
هل جازفت بخسارته الآن ؟!!
هل عرضت عليه الانفصال ؟؟!
غبية يا عهد و ستبقين غبية الى ما تبقى من عمرك !
كل أفكارها توقفت حين رأت اتساع عينيه ليقترب منها قائلاً بخفوت :
" عفواً ماذا قلت ِ ؟!! .. مدى صحة ارتباطنا ! .. هل تظنين بعقلك الصغير انكِ هكذا تضغطين عليّ مثلا ام انكِ تظنين أن انفصالك عني سيكون سهلا ؟!! "
ابتلعت عهد ريقها ليهدر هو مرة واحدة و قد انفجر غضبه في وجهها كما سبق و أخبرته :
" بعينك أن اتركك و لن اخبرك بما ترغبين بسماعه و اضربِ رأسك في اقرب الحائط "
ليتركها بعد ذلك و يغادر الشركة ساخطاً على كل شيء ..
لما كل شيء في حياته بهذه الصعوبة ؟!!
لما لا يتمكن من نيل نصيبه من السعادة ؟!
زواجه الاول بات لعنة تلاحقه منذ أعوام يضفي طعمه المر على كل شيء حوله ..
لكن عهد ..
ضوء أيامه السوداء ..
نجمته اللامعة التي تهديه لطريقه دائما اصبحت حمل جديد فوق كاهله !
لا يلوم عليها .. يشهد الله أنه لم يلوم عليها يوما خاصة بعد أن ادرك انها كانت تكن له الحب منذ طفولتها لكنها اكتفت بنصف الرغيف المتمثل في صداقته و لم تطمع ابدا في الشبع !
لكن صعب ...
صعب للغاية أن يشاركها ما مر به !
صعب ان يحكي لها عن كرامته المهدورة و ذلك الجرح النازف في ظهره الناتج عن غدر صاحبه !
صاحبه !!
ضحك امين ساخرا من نفسه متمتما بحقد :
" طعنك في ظهرك ثم استدار ليبدأ حياته من جديد و انت تقف مكانك كالابله لا تقوى على تخطي الأمر "
جلس في سيارته ينظر أمامه دون أن يرى شيئا !
داخله يغلي ..
قلبه يغلي ..
روحه تغلي ..
ماذا عليه أن يفعل حتى يتحرر ؟!!
اين و لمن يذهب ؟!!
بعد عدة لحظات شغل سيارته و تحرك تاركا القدر يسوقه حيث يشاء !
..................................
و على الجانب الآخر ...
لا يعلم ما الذي يجلبه إلى هنا هذه الفترة !
هل اشتاق اليه ؟!!
لا مستحيل ..
لكنه في نفس الوقت لا يستطيع محو كل ما تشاركاه سويا على مدار عمرهما !
اجل يمقته و يمقت تصرفاته و أسلوبه ..
اجل غاضب منه رغم علمه بأنه لم يكن إلا دمية في يد قذرة تلاعبت بهما سويا دون أن يرف لها جفن ..
اجل يكره تفضيل جده له عليه بل و على الجميع لكن مع ذلك .....
مع كل ذلك لم يستطع ابدا أن يدهس على كل ما جمعهما من ذكريات كانا فيها كتفا في كتف !
و ها هو حتى هذه اللحظة لا يزال يحتفظ بجزء مما كان بينهما داخل قلبه متمثلاً في مجيئه إلى نفس البقعة التي كانا يجتمعا فيها مراهقين يبحثان عن التمرد و رجلين بالغين يفضيان لبعضهما بما يؤرقهما ...
ابتسم جاسم بسخرية مريرة حين أدرك أنهما تصارحا بكل شيء عداها و عدا مشاعر كلا منهما ناحيتها !
كانا يحفاظان عليها و يحترمان كونها ابنة عمهما و ما هي إلا.....
اوقف أفكاره قسراً عند هذا الحد و نفث اخر دخان سيجارته ينظر إلى المدينة من فوق هذا الارتفاع حيث يقف اعلى المنطقة الجبلية ثم أخرج هاتفه يبعث لأميرته رسالة جديدة ..
فقد اتخذ الرسائل النصية القصيرة منهجا في التعامل معها في الفترة الأخيرة بسبب اقصائها الغير مفهوم له !
يبعث له صباحا مساءا كل تفاصيل يومه مصراً أن يقحم نفسه في عقلها و أفكارها ..
يسألها عن رأيها في كل شيء و حين لا ترد يغيظها بقوله الواثق انها لو كانت معه الان لاختارت ما اختار و كأنه يؤكد لها أنه يحفظها عن ظهر قلب !
ضحك جاسم بخفوت و هو يبعث لها رسالته الجديدة متمنيا أن ترد عليه هذه المرة ..
( سيارتك الجديدة ستصل اليوم مساءا .. الن تشكري من اقتطف من وقته و عطل نفسه و ذهب معكِ لشرائها أولاً ثم اوصلك الى الشركة فيما بعد و كأنه يعمل عندك ؟! )
اتسعت عيناه للحظة حين رأى علامة انها استلمت الرسالة و تكتب الرد فابتسم منتظرا بترقب
( لو كنت أمامي الان لأريتك كيف يكون الشكر على كل تلك الملفات التي بعثتها احتفالا بعودتي )
تعالت ضحكاته متخيلا شكلها وهي تستلم هدية عودتها التي خصها بها ثم كتب مشاكساً إياها
( هذا اقل واجب أقدمه ترحيبا بعودتك اميرتي )
على الناحية الأخرى حاولت وصال تجاهل ضربات قلبها التي رقصت بسعادة بسبب كلمته البسيطة لتبعث له دون تفكير
( اين انت لأشكرك كما يجب ؟!! )
شتمت نفسها و فضولها الذي سيطر عليها بعد أن بعثتها ليأتيها سؤاله في المقابل
( هل افتقديني ؟!! )
توترت و لم ترد عليه بشيء ليكتب هو من جديد يجيب نفسه كعادته في الفترة الأخيرة
( انا ايضا افتقدك جدا ، لقد كنت انهي بعض الأعمال ثم توقفت قليلا عند منطقة ( ..... ) الجبلية لكن بما أن الحلوة الصغيرة تفتقد وجودي سأعود الى الشركة في الحال )
تركت وصال هاتفها بعد أن اغلقته دون أن تشعر بتلك الابتسامة التي ارتسمت على صفحة وجهها و هي تسترجع كل ما يفعله معها الفترة الأخيرة محاولاً ان يثبت لها تمسكه بها و مكانتها التي تترسخ في قلبه في قلبه بكل الطرق !
يجعلها تعيش حلمها القديم معه ..
فلطالما حلمت بتغيره أو بالأحرى عودته لما كان عليه سابقا من أجلها وهذا ما تلمسه منه خاصة في الأيام الأخيرة !
ذاك الضخم الحنون الذي فتنها في طفولتها عاد ليتربع فوق عرش قلبها من جديد ..
كل ما عليها فعله الان أن تهزم شبح خوفها الذي بات يسيطر عليها !
عليها أن تخرج طبع الأنانية من مكمنه فتنهل به من بئر سعادتها معه دون أن تلتفت لأي شيء ..
تنهدت وصال بعمق و قد بدأ يداهمها الصداع من كثرة الملفات الموضوعة أمامها بينما عقلها يردد سؤالا محددا ..
هل ستقدر على كسر مخاوفها و تلك الحواجز التي بنتها فتحرر مشاعرها ناحيته من جديد ؟!!
وكأنها في نزال مع أفكارها إذ ضربت فجأة على مكتبها فيما تقول بصوت واثق :
" سأفعل "
.......
اغلق جاسم هاتفه و كاد أن يغادر ليُفاجئ بسيارة امين التي توقفت على بعد خطوات منه ليترجل منها الأخير ناظرا إليه بصدمة لا تقل عن صدمته لكنه سرعان ما تغلب على صدمته و اقترب بخطوات سريعة ينظر له بعينين لا ترى سوى الدم و كأنه وجد المنفث المناسب لإخراج كل ضغوطه فلكمه بكل قوته فيما يهدر بجنون :
" و لك عين تأتي إلى هنا "
اتسعت عينا جاسم بصدمة و هو يتلقى اللكمة الاولى متفاجئا فترنح قليلا في وقفته ثم اعتدل قائلا بتحذير لا يعلم لماذا اطلقه الان :
" لا تتمادى "
لكن امين كان بعالم اخر و معاناته طوال تلك السنوات الماضية تتجسد أمام عينه فلا تزيده الا جنونا ...
خيانة زوجته ..
غدر صاحبه ..
فقده المحتمل لعهد و قبل كل شيء خسارته لنفسه ليتحول على مر الأعوام الى بائس جبان لا يقوى على المواجهة ..
كل شيء .. كل الافكار و المواقف تدور في رأسه مثل الأعاصير القاتلة و لا قربان غيره !
رفع قبضته يريد تسديد لكمة أخرى لسبب معاناته لكن جاسم تصدى له هذه المرة و امسك بذراعه قائلا ببوادر غضب يعلم جيدا أنه سيحرقه و يحرق امين اذا انفلت من عقاله :
" لا تجبرني على اذيتك "
زمجر امين كلمات الآخر التي تستهين في ظاهرها بقوته تشحنه بطاقات غير مسبوقة من الغضب و الجنون فلا يشعر بنفسه الا وهو يرفع ركبته و يسدد بها ضربة جديدة في معدة جاسم الذي زمجر بجنون فلكم امين بكل قوته مما اسقط الاخير أرضا لينهض بعدها بسرعة كبيرة و ينطلق كالدبابة ناحية جاسم فيسقطه أرضا و يجثم فوقه يكيل له اللكمات بلا توقف فيما يهدر بغضب من نار :
" انت السبب .. قذر ، خائن ، عديم الشرف "
فيقلبه جاسم و يحين دوره في رد الضربات فيما يرد بنفس الجنون :
" افق لنفسك يا مدلل جدك .. هل تصدق حقا ما تقول ؟! "
ازاحه امين من فوقه بصعوبة لاهثا بتعب لينهضا سويا و يقفا أمام بعضهما فيبادر امين بلكمة جديدة و إن كانت قوته قد بدأت تخور :
" كنت صاحبي .. اعتبرتك اخي "
فيترنح جاسم للخلف قليلا ثم يرد اللكمة صارخا بلهاث مشابه :
" لم تكن ملكك وقتها "
ارتد امين بضعة خطوات للخلف من قوة الضربة لكن غضبه يتحكم فيه من جديد و يمده بطاقة تجعله يماثل من يقف أمامه قوة فيسدد ضربة أخرى لفك جاسم هادرا بثورة :
" لطالما كانت ملكي "
مال جاسم بوجهه إثر الضربة لكنه تمالك نفسه و هجم على امين يمسكه من تلابيب قميصه صارخا بعلو صوته :
" لم تكن سوى ساقطة "
يصرخ بها ثم يضربه برأسه فيطلق امين انين وجع بينما ينفضه جاسم عن ذراعيه و لا يعطيه فرصة حتى للاستيعاب فيلتف من خلفه و يكبل ذراعيه هادراً جوار أذنه :
" تلاعبت بي و بك في آن واحد "
يزمجر امين و يحاول تحرير نفسه لكن جاسم استغل قوته البدنية فسيطر عليه و استطرد :
" طلبتها للزواج من امها قبلك و اقسمت لي أن لا تكون لغيري ، سيطرت على عقلي و طلبت أن نؤجل اعلان الأمر قليلا من أجل اختبارات وصال .. ذهبت بعدها لأخبر جدي فوجدته يزف لي خبر زواجكما المرتقب "
سكنت حركة امين فجأة فتركه جاسم ليلتفت له امين بعينين تشعان كرها و حقدا فيكمل جاسم غير مباليا :
" لم اكن اعلم انها حسبت حسبتها و رأت انك الخيار الأفضل خاصة مع تصرفات جدك ووضعه لك في مكانه معظم الوقت "
برغم أنه يعلم جزء من الأمر بعد أن سمعه منها في تلك الليلة الملعونة إلا أن سماعه الأمر من جديد شق قلبه فنظر لجاسم قائلا بنفور :
" حتى لو كان هذا ما حدث .. لم تخبرني و فضلت أن تذهب و تلتف من خلفي ...... "
قاطعه جاسم بصوت صارم .. مزلزل :
" لم اتمادى معها ابدا .. لم اقترب منها ابدا منذ اليوم الأول "
نظر له امين بعدم تصديق ثم صرخ من جديد و لكمه في أنفه :
" كنت تحب زوجتي لعنك الله "
مسح جاسم الدماء التي سالت منه ثم رد له الضربة بأقوى منها و دافع عن نفسه من جديد :
" لم تكن زوجتك وقتها .. انا لست بخائن ، لم يكن هناك خائن سواها .. خانتني معك اولا ثم حاولت خيانتك معي فيما بعد "
العالم يدور به ..
كل شيء من بدايته كان خدعة !
خدعة الغرض منها الوصول إلى ماله و مكانته التي دفع ثمنها سنوات من شبابه ..
مكانته التي تخلى في مقابلها عن أحلامه ..
مكانته ..
كانت ترغب بمكانته و سلطته و لم تراه ابدا ..
لم تراه و هي كانت له كل النظر !
سقط امين على ركبتيه يتنفس بعنف شديد كمحارب أعلن استسلامه ليسقط جاسم هو الآخر أمامه بنفس الوضع فيما يردد بلا توقف و كأنه يقحم الكلمة عنوة في رأس من أمامه :
" هي الخائنة .. اعترف بالأمر وواجه نفسك يا امين ، انا و انت وقعنا في شباك ساقطة .. ابنة عمك كانت مستعدة تبيع نفسها لمن يدفع أكثر "
دمعة غادرة سقطت من عين امين تنعي اخر اثر لرجولته المطعونة ليسقط بعدها بظهره الى الخلف يستلقي أرضا غير مباليا بشعره و لا ملابسه ..
لا يفعل شيء عدا النظر إلى السماء بخواء تام فتغافله دمعة اخرى و تنسكب من مقلتيه ..
قلده جاسم دون أن يشعر و استلقى هو الآخر ينظر بدوره إلى السماء يتنفس بعمق شديد و قد القى اخيرا هذا الحمل العظيم عن كاهله ..
لا يعرف ماذا يخبئ لهما الغد ...
لا يشغله موعد المعركة القادمة بينهما و لا سببها ..
لم يعد يعلم إلا شيء واحد هو أن تلك الصفحة الملوثة قد أغلقت بينهما الان و إلى الابد .

نهاية الفصل الحادي والعشرون

ضربة جزاء .. الجزء الأول من سلسلة قلوب تحت المجهر Where stories live. Discover now