الفصل الرابع والعشرون

238 14 1
                                    

الفصل الرابع و العشرون

" ماذا ؟!! .. هل سنقضي ليلتنا هنا ؟! .. لقد رحل الجميع و لم يبقى غيرنا ، الساعة تخطت الرابعة مساءا بحق الله متى سنعود ؟!! "
ألقت وصال سؤالها بتهكم ساخر فألتفت لها جاسم منتبها ثم قال :
" بقي القليل .. توقفِ عن التذمر كالاطفال "
رفعت له حاجبها باستياء ثم نهضت فجأة هاتفة بضيق و هي تجمع اغراضها :
" انا سئمت و سأعود الى المنزل في الحال "
تنهد جاسم قائلا بمهادنة :
"  فقط ربع ساعة سأنهي ما بيدي ثم نعود على الفور "
قطبت وصال ثم هتفت بعصبية :
" هذه ثالث مرة تقل لي فيها ربع ساعة و انا سئمت من هذه الجلسة المملة ، ثم انا لم اطلب منك ايصالي .. سأطلب سيارة أجرة "
أنهت كلامها ثم تحركت مبتعدة ليقصف صوته مناديا اسمها بعصبية فأصابها القلق لكنها سيطرت على اعصابها و التفتت تكتف ذراعيها ببرود تلعب دور اللامبالية بينما تكلم جاسم مشددا على حروفه و كأنه يوجه طفلة صغيرة :
" قلت سأنهي ما بيدي و نعود .. و الآن اجلسي و التزمي الهدوء من فضلك حتى انهي مراجعة العقود دون اخطاء "
ظلت على وقفتها قليلا ثم كادت أن تعترض لكن نظرة واحدة منه جعلتها تعود ادراجها بتبرم ليخفي هو ابتسامة تلح في الظهور ثم يعود بعدها إلى عمله حتى ينهيه بسرعة دون أن يغفل عن مراقبتها .
و بعد ربع ساعة كانا يخرجان سويا من مبنى الشركة بينما تتمتم وصال بغيظ مُشبع بالفضول :
" لقد رحل امين و عهد قبل الظهر و انا .. انا المتدربة ارحل قرب الخامسة ! "
لتلتفت بعدها إلى جاسم الذي يسير جوارها ثم تسأله :
" برأيك ماذا أراد منهما جدي ؟! "
هز جاسم كتفيه بجهل حقيقي فيما يقول :
" و الله انا أيضا لا افهم ماذا يحدث اليوم ؟!! "
توقفت وصال أمام السيارة بشكل مفاجئ ثم لوحت باصبعها في وجهه مثل المحقق فيما تسأله :
" جاسم .. هل هناك شيء تريد قوله لي ؟!! "
نظر جاسم الى اصبعها الذي سيخترق عينه ثم أمسك به قائلا :
" شيء مثل ماذا يا سيد كرومبو ؟!! "
لوت وصال شفتيها بحنق من سخريته ثم حاولت تحرير اصبعها من كفه فيما تقول :
" شيء له علاقة بالشيء الذي يدور في المنزل ولا يرغب جدي أن أحضره .. أخبرني إذا كنت تعرف لأنني لن اغفر لك إذا علمت انك تخبئ عني شيئا "
ترك جاسم اصبعها ثم أجابها ببساطة و هو يركب سيارته :
" اذا علمتِ أنتِ ما يحدث لا تنسي إطلاعي على الأمر "
ركبت وصال الى جواره فيما تتمتم بصوت خافت .. مصمم  :
" على العموم سأعلم فور عودتي ، فلا احد يصمد أمام الزن "
ضحك جاسم بخفة ثم علق ساخرا :
" أريني مواهبك الفذة .. لكن لنذهب اولا و نشتري لكِ البيتزا "
........................
صعد بكر الى جناحه بعد أن قضى أكثر من ساعتين بصحبة أباه الذي فاجئه بنيته في ترأس الشركة بدلا من أمين ليتحدثا بعدها عن بعض التفاصيل التي يجب أن يعرفها قبل أن يدخل الأمر في حيز التنفيذ على أرض الواقع ..
وقف بكر أمام باب الغرفة التي ستجمعهما معا ثم شرد قليلا محاولا توقع حالها !
فبعد أن انتهى العرض اختفى جده في غرفته معلنا رغبته في الراحة و محذرا الجميع بصرامة من مضايقته بينما اختفت جزاء هي الأخرى في غرفتهما و حين اتبعها أخبرته بلطف بأنها تريد الانفراد بنفسها لبعض الوقت فتركها على راحتها حتى تستوعب ضخامة ما حدث ..
فهو لم يخفى عليه كم المشاعر التي تعرضت لها اليوم بدءا من قلقها الطبيعي و رهبتها من الموقف ككل ثم غضبها المهول و هي تسمع تفاصيل ما حدث لأمها في تلك الليلة السوداء لتغرق بعدها في حزن و انكسار على ما تعرضت له امها ثم تنتشي فجأة و هي ترى جدها ينصرها و يرد لها حقها !
زفر بكر ثم شجع نفسه و دخل الى الغرفة ليتسمر مكانه قليلا بقلب يرتجف ..
رباه .. ما ابهاها في عينيه !
حدق بكر فيها للحظات بذهول حيث كانت تقف خلف إحدى النوافذ المفتوحة ترتدي مزأر ذهبي اللون يجعلها اقرب إلى هدية غامضة تجعله يتوق إلى اكتشافها ..
اما جزاء فحين شعرت بوجوده التفتت إليه بوجه متورد تشبك أصابع يديها ببعضها بتوتر ثم قالت بخفوت :
" تأخرت "
للحظة توقفت أنفاسه حين التفتت و ظل واقفا يحدق فيها و فيما ترتديه بانبهار و .... تعجب !
فهذه المرة الأولى التي تنتظره فيها بل و تستعد له أيضا !
ثم منذ متى و هي مبادرة من الأساس ؟!!
هل ما حدث سبب لها صدمة غيرت خريطة عقلها الملتوية لتتصرف عكس طبيعتها ؟!
" ماذا بك ؟!! "
سألته بوجه محتقن خجلا و نبرة يلونها الحياء و هي تتابع نظراته التي تأكلها اكلا فتحرك بكر بخطوات بطيئة غير مستوعب لما يحدث إلى أن وقف أمامها مجيبا على اول ما نطقت به منذ دخوله إلى الغرفة :
" لقد طلبتِ الجلوس بمفردك فتركتك على راحتك "
خرج صوته خشنا اكثر من اللازم دون أن يستطيع اخفاء تأثره بها بينما قالت هي بمشاكسة تشجع نفسها على الثبات :
" لقد فاجئتني بصبرك .. لقد ظننت أنك ستعود بعد نصف ساعة على الاكثر مقتحما المكان بعاصفتك المعتادة "
ابتلع بكر ريقه ثم رد كالمنوم مغناطيسيا :
" لم أرغب بفرض وجودي عليكِ فجلست مع أبي لبعض الوقت "
ارتفع حاجبيها للحظة من رده ثم اقتربت منه ببطء مهلك لأعصابه لتضيء الإجابة فجأة في عقله فيهتف دون سابق إنذار و يجفلها :
" أنتِ تكافئيني "
ارتدت جزاء للخلف مجفلة و نظرت له بعدم فهم بينما استطرد هو بحماس من وجد الإجابة الصحيحة في اخر دقيقة من لجنة الامتحان :
" انتِ تكافئيني لأنني ساعدتك .. لقد فهمت "
قال اخر كلمة بابتسامة عريضة فيما يطرقع بإصبعيه فضحكت جزاء على طريقته الطفولية في التعبير فقلدته و طرقعت بإصبعيها مثله ثم قالت :
" و لما لا تقول انني احتفل معك بما وصلنا إليه ؟! "
بنفس الحماس رد عليها بكر فيما يقترب منها من جديد :
" لم نختلف .. أنتِ تحتفلين معي و تكافئيني ، صحيح ! "
هزت له رأسها بموافقة ثم قالت بعدها بصوت دافئ .. مُحب :
" ليتني استطيع ان اقدم لك العالم بما فيه و اضعه تحت قدميك ، لكني لا أملك غير نفسي و قلبي و ها أنا اضعهم بين يديك و انا أدرك جيدا انك ستحافظ عليهم مثلما فعلت دوما "
امسك بكر بذراعيها يقربها منه أكثر قائلا بعاطفة جلية لعينيها :
" انتِ عالمي يا جزاء .. أنتِ الفلك الذي ادور فيه منذ وعيت على نفسي ، و لن اتصنع المثالية و اخبرك انني كنت سأفعل ما فعلته من أجل اي شخص غيرك ، انا فعلت كل ما فعلته من أجلك و من اجلي أيضا .. فعلتها انتقاما لسلبهن إياك مني ، لقد سرقن طفولتي حين سرقنكِ أمام عيناي لهذا فأنتِ لستِ مدينة لي بأي شيء لأنني فعلت كل هذا لأجلنا معا "
لمست جزاء لحيته الخفيفة التي تحبها ثم قالت بصوت مشاكس لا يخلو من التأثر :
" اذا انت لا ترغب في المكافأة ! "
في ثانية لون المكر حدقتيه دون أن يؤثر على عاطفته المتقدة ليرد عليها بصوت بائس .. مشاكس مثله :
" و من قال هذا ؟! .. انا رجل مسكين هلكت بحثا لسنوات طويلة عنكِ ، و حين عدتِ لم يكن ينقص إلا أن تشهري مدية في وجهي بل أكاد اجزم انكِ كنت ستفعلينها اذا امتلكـ.......... "
قاطعت جزاء ثرثرته بقبلة لاهبة خطفت بها أنفاسه لدقائق طالت بينهما لتبتعد عنه أخيرا فيهمس هو مشاغبا بأنفاس مسلوبة بعد لحظات طويلة من الصمت :
" رائع .. لقد اجدتِ فعلها "
فتحت جزاء عينيها تسأله باستغراب :
" ما هذه ؟! "
فيشير هو لشفتيه قائلا بوقاحة جمة :
" القبلة "
ثم بدأ في فك ازرار قميصه فيما يقترب منها اكثر و يستطرد ضاحكا :
" احسنتِ تلميذتي النجيبة اجدتِ فعلها كالمحترفين لكن الآن يجب أن ننتقل للمستوى التالي في الدورة التدريبية "
بادلته جزاء الضحك ثم سألته بدلال تعلم تأثيره عليه وهي تعود بظهرها الى الوراء :
" اي دورة هذه ؟!! "
فيميل هو عليها ليكتشف هديته كما سبق ووصفها فيما يجيب بوقاحة ضاحكة  :
" الدورة التدريبية لقلة الحياء يا غزال "
.............................
" الى اين تهرب ؟!! "
اجفل أمين من صوت وصال المرتفع فقد كان شاردا تماما فيما حدث و تأثيره على عهد في هذه اللحظة بالأخص !
لقد ترك لها ساعتين او اكثر من الخصوصية مع أبيها و لتستوعب صدمة ما حدث و الآن جاء دوره هو ليحتويها ..
" يا عم الشارد اين ذهبت بخيالك ؟!! "
اجفل أمين مجددا ثم نظر إلى وصال من نافذة سيارته و قال دون أن يبادر و ينزل منها خاصة بعد أن لمح جاسم يصف سيارته :
" لدي موعد مهم "
توقفت وصال قليلا أمام ملامح وجهه التي يظهر عليها الهم ثم سألته بقلق :
" ماذا بك يا امين ؟!! .. ماذا حدث ؟! "
لمح امين اقتراب جاسم و عاد بنظره إليها قائلا بصوت حنون .. مشفق :
" اعتني بنفسك جيدا حتى عودتي .. اتفقنا ؟! "
" هل ستهرب من المنزل ؟!! "
سألته وصال بغباء تام دون أن تستطيع تفسير جملته المريبة مثل حاله بشكل اخر غير الوداع بينما اتسعت عينا امين بتعجب من مسار أفكارها ثم قال بعدها باختصار:
" أي هروب ؟! ... انا ذاهب إلى عهد "
تنهدت وصال براحة مصطنعة ثم قالت و هي تضع يدها فوق قلبها ضاحكة بانطلاق :
" يا رجل أوقعت قلبي .. هل توصيني بنفسي لأنك ذاهب الى عهد ؟! "
لم يشاركها امين الضحك و تبادل رغما عنه نظرة واحدة مع جاسم جعلت الأخير يدرك أن هناك كارثة تنتظرهم في الداخل ...
كارثة ستمس وصال بشكل ما !
" هل جاءت جزاء ؟!! "
قاطعت تواصلهما البسيط بسؤالها المتحمس فأومئ لها قائلا :
" جاءت و صعدت إلى غرفتها منذ قليل "
اتسعت ابتسامة وصال ثم تركتهم و ركضت الى داخل المنزل فتابع جاسم رحيلها بعينيه ثم اقترب سائلا بهدوء كاذب :
" ماذا يحدث ؟!!! "
شغل امين سيارته و تحرك مبتعدا لكن بعد أن قال باقتضاب خافت :
" اعتني بها "
نظر جاسم متعجبا لسيارة امين المبتعدة ثم دخل مسرعا خلف وصال ليرى ما الذي قلب احوال الجميع بهذا الشكل !
.......
في الداخل توقفت وصال في منتصف الدرج  بحرج بعد أن فكرت أن اختها و ( زوجها ) بالتأكيد بحاجة إلى الراحة الان أكثر من أي شيء بعد رحلتهما المتعبة و ليس من الذوق أن تقتحم خلوتهما فقط لأنها اشتاقت لهما !
نظرت وصال الى الاعلى باحباط ثم عادت ادراجها بتبرم ليدخل جاسم في تلك اللحظة و يرى حالها فيبادر سائلا بقلق :
" ماذا هناك ؟!! "
هزت وصال كتفيها فيما تقول :
" لا شيء .. سأنتظرها حتى تستيقظ "
" من هذه ؟! "
سئلها جاسم مقطبا فقالت بضيق طفولي :
" جزاء .. و من غيرها ؟!! "
" وصال "
التفتا سويا على نداء عمهما الذي أشار لهما قائلا :
" تعاليا .. اريد التحدث معكما عن أمر مهم "
.........................
توقف امين أمام بيت عمته ثم أتصل بعهد مرة أخرى ليبادرها فور أن استقبلت المكالمة :
" عهد انا أمام منزلك .. هل ستخرجين أم ادخل انا ؟! "
فيأتيه صوتها المنهك و يزيد قلقه أضعافا :
" تعالى انت .. انا لا استطيع الخروج لك الآن "
نزل امين من سيارته ثم توجه إلى الداخل ملقيا التحية على العاملة ليُفاجئ بعدها بعهد التي اقتربت منه بوجه متورم من البكاء فيقترب منها بخطوات شبه راكضة ليستقبلها بين ذراعيه فتنفجر هي في البكاء من جديد فيما تشكي له حالها بصوت متقطع :
" انا لا افهم ، اقسم بالله لا افهم .. ما هذا الذي يحدث لنا بالضبط ؟! "
ربت امين على ظهرها ثم تحرك بها إلى أقرب أريكة لا يعلم ماذا عليه أن يقول في مثل هذا الوضع فيثرثر بغير هدى :
" تماسكِ قليلا حبيبتي .. يجب أن تكونِ قوية ، آخر شيء تساعدين به عائلتك الآن هو انهيارك هذا "
رفعت عهد رأسها عن صدره و سألته بقلق بالغ :
" ماذا فعل جدي بعد رحيلنا ؟!! "
توترت نظرات امين لكنه أجابها بعد لحظات بصوت خافت محاولا تبسيط الأمر :
" هو الآن غاضب للغاية لكنه لم يؤذي أيا منهن لا تقلقي "
مسحت عهد وجهها ثم نادته بنبرة من على وشك الانهيار و قالت :
" ماذا فعل بهن يا امين ؟! .. كيف عاقبهن ؟!! "
زفر امين بقنوط و لم يجد مهربا من الإجابة فقال باستسلام :
" لقد اشترى لهن شقة خاصة يقيمن فيها سويا "
شهقت عهد هامسة بذهول :
" هل طردهن ؟!! "
اومئ امين بضيق شديد و بكت عهد مجددا فيما تقول بعجز :
" لقد اختفى ابي في غرفته تماما منذ عودتنا دون أن ينطق بحرف أما ادم لم يدخل البيت من الأساس و تركنا و رحل دون أن يرد على هاتفه و لو لمرة واحدة "
تنهد امين مستغفرا ربه ثم ربت على رأسها من جديد مواسيا :
" كل شيء سيكون على ما يرام باذن الله .. لا تقلق ِ "
نظرت عهد لعينيه تطالعه باستجداء ثم همست كمن يبحث عن طمأنينة زائفة :
" امي لم تفعل ذلك يا أمين .. أليس كذلك ؟! "
اطرق امين برأسه دون رد فتطاير تماسكها و أمسكت بتلابيبه فيما تهتف بنشيج مؤلم :
" قُل هناك شيء خاطئ و أنها لم تفعل ذلك .. قل ، استحلفك بالله يا أمين قلها "
ضمها أمين الى صدره من جديد يود لو أن بإمكانه فعل أي شيء لتخفيف ألمها بينما ظلت هي تضرب صدره تطالبه بقول ما تريد دون توقف ليدوي بعدها صوت إمام الذي يبدو أن صراخ عهد المنهار أخرجه من غرفته :
" توقفِ عن البكاء و العويل يا عهد "
التفتا سويا لكن امين حافظ على بقائها بين ذراعيه بينما وقف إمام أمامهما شامخا كعادته و كأن كل ما حدث لم يهز به شعره قائلا بحزم :
" أنتِ لستِ طفلة صغيرة حتى تفعلين ما تفعلينه الآن ، و أمين لن ينكر حقيقة ما فعلته امك من أجل أن يمنحك شعور الراحة الذي تركضين خلفه ، واجهي الأمر يا عهد .. أمك اخطئت خطأً جسيما و ما فعله جدك اقل شيء تستحقه "
عادت دموعها تدفق كسيل لا ينتهي بينما تهتف بانهيار :
" ربما لو كنا انتظرناها كانت لتوضح لنا حقيقة ما حدث و حقيقة موقفها "
هدر صوت إمام مدويا فجأة مما جعلها تنكمش بين ذراعي امين :
" اي توضيح اكبر من رؤيتي لها تقدم مالا لذلك الملعون هنا في بيتي انا دون خجل بل و كذبها وقتها بكل صلف أنه لم يكن أكثر من مسكين تعطف عليه ! "
دمعت عيناها بعدم تصديق لأنهيار عالمها بهذا الشكل المريع بينما استطرد إمام بمرارة التقطها أمين في نبرته :
" قد يرفض عقلك أنتِ تصديق الأمر حتى لا تتشوه تلك الهالة المقدسة التي قمتِ برسمها حول امك رغم كل أخطائها و مساوئها لكن انا كزوج رأيتها دائما كبشر تخطئ و تصيب وهذه المرة الخطأ اكبر بكثير من أن احتمله أو امرره "
التقطت عهد ما يريد قوله فهمست برهبة :
" انت لن تطلقها يا ابي .. أليس كذلك ؟! "
حدق إمام في عينيها للحظات ثم قال بعدها بنبرة قاسية لا جدال فيها :
" بل سأفعل .. امك لن تبيت ليلتها على ذمتي "
شهقت عهد برعب ثم نظرت لأمين تناشده الغوث ليشفق إمام عليها فيأخذها بين ذراعيه قائلا بنبرة حنونة خاصة بها :
" لا تفجعي هكذا .. اعتبري كل هذا إختبار من الله سبحانه وتعالى و كونِ على قدر المسؤولية كما اعتدتك "
ابعدها عنه بعدها و نظر لعينيها يغرس كلماته في عقلها غرسا :
" أنتِ قوية يا عهد .. لطالما كنتِ و دائما ستظلين ، إياك ِ أن تدعي هذا الأمر يؤثر عليكِ ابدا ، فأمك من اخطئت و هي من ستُعاقب "
ليقبل بعدها جبينها بحنان بالغ فتتمسك هي به قليلا ثم يبعدها هو قائلا لأمين :
" لا تتركها يا بني ، و انا ساعة على الاكثر و سأعود "
اومئ امين بطاعة ليتركها إمام تقف مع أمين ذاهلة و يذهب إلى المأذون لينفذ وعيده .
......................................
على الناحية الأخرى وقفت وصال تهمس بذهول :
" ماذا تقول يا عماه ؟!! .. مستحيل أن تفعل امي مثل هذا الشيء ، امي أضعف بكثير من ان تقدم على فعل شيء مرعب مثل هذا "
زفر عبد الحميد بانهاك ثم نهض قائلا بثبات :
" للأسف يا ابنتي هذا ما حدث و امك لم تنكر حرفا منه "
اتسعت عيناها اكثر ثم رددت بعدم تصديق :
" يعني امي انا حرضت رجلا لينتهك ام جزاء ثم رمتها هي و ابنتها خارج البلدة ! .. ما جو الأفلام الهابطة هذا ؟!! "
نظرت بعدها إلى جاسم الذي لم يكن بنفس التشتت الذي كانت عليه ثم عادت إلى عمها تقول بيقين :
" انا متاكدة أن امي لا تستطيع فعل ذلك ، انا اقول لك انها اكثر ضعفا من أن تفعلها .. صدقني "
استغفر عبد الحميد ربه ثم قال بعدها بصوت قوي :
" اسمعي يا وصال .. انا أدرك جيدا انها صدمة قوية لكِ ، لكن ها أنا اخبرك للمرة الثالثة أن امك اعترفت لجزاء بكل ما فعلته بل و اعترفت أيضا أمام الجميع "
لا تصدق !
أمها !!!!!!!
مستحيل !
حسنا تعترف أن أمها ليست بالشخص المثالي و لا حتى اماً مثالية لكنها أيضا تعلم جيدا أن أمها اكثر جبنا من أن تنفذ مثل هذا المخطط !
حسنا عمتها قد تفعلها لكن امها !!!!
امها التي تنكمش خوفا ما أن يهتف بها أحدهم تفعل ذلك !
يا الله ستفقد عقلها ..
ظلت وصال تنظر إلى عمها بغير تصديق فاضطر الى إخراج ذلك التسجيل الذي أصبح بحوزته و جعلها تسمع بنفسها صوت امها و هي تروي تفاصيل جرمها لتشهق بصدمة وتضع كفيها فوق فمها تنظر الى جاسم الغير مصدوم بنفس القدر على الأقل بارتياع ثم تميد الأرض بها فجأة فتترنح في وقفتها ليجلسها جاسم بسرعة بقلب يتفتت ألما على حالها ثم يهتف في عبد الحميد :
" اغلق هذا الشيء يا عمي بحق الله .. كفى "
أغلق عبد الحميد هاتفه ثم اقترب منها مربتا على رأسها بمواساة فيما تردد هي بهذيان دون أن تسقط منها دمعة واحدة :
" لماذا ؟! .. كيف استطاعت فعلها ؟! "
امسك جاسم بكفيها الباردتين و دلكهما هاتفا بقلق و هو يرى شحوب وجهها :
" وصال .. هل انت ِ بخير ؟! .. بما تشعرين حبيبتي ؟!! .. وصال "
ربت على وجنتها لتستعيد تركيزها لتظل هي على حالها للحظات ثم تستعيد بعضا من ثباتها وتهمس فجأة و كأنها تذكرت الطرف الآخر في الأمر :
" جزاء .. كيف حالها ؟!! "
رفع عبد الحميد كتفيه بجهل حقيقي فيما يجيبها :
" لقد انسحبت إلى غرفتها ثم لحقها بكر فيما بعد "
همست وصال باستجداء و هي تحرك وجهها بين جاسم و عمها :
" انا أحتاج إلى رؤيتها .. ارجوك "
نظر عبد الحميد و جاسم الى بعضهما ثم اتصل عبد الحميد ببكر عدة مرات دون أن يتنازل الأخير و يرد فنظر إلى وصال بعجز بعد أن يأس من رد ابنه على هاتفه لتنفجر وصال بشكل مفاجئ في بكاء موجع اجفلهما معا فنظرا اليها و هي تغطي وجهها بكفيها مثل الاطفال ليبادر جاسم مبعدا كفيها عن وجهها فيما يهمس لها بنبرة محترقة :
" كفى يا وصال .. توقفي عن انهاك نفسك بهذا الشكل "
انتحبت وصال اكثر وهي تتمتم بصوت متقطع من البكاء :
" كيف استطاعت فعلها ؟!! .. كيف ؟!! "
ظل جاسم ينظر لها بعجز يود لو يسحبها و يخبئها داخل قلبه ويبعدها عن كل تلك الكوارث التي لا تأتي إلا من وراء أمها ..
ليت بإمكانه معانقتها على الأقل .. ليته من حقه !
ظل جالسا أمامها على ركبتيه يحاول تهدئتها بينما انسحب عبد الحميد مستغفرا و هو يحاول الإتصال بابنه مرة أخرى إلى أن تكرم الأخير و استقبل المكالمة ليبادره عبد الحميد موبخا :
" اين انت يا متخلف ؟! .. لما لا ترد على هاتفك ؟! "
تنحنح بكر ثم أجاب بحنق :
" كنت نائم يا ابي .. ألا يحق لي النوم في بيتي ! "
هتف عبد الحميد بغيظ :
" نام عليك حائط يا شيخ "
اتسعت عينا بكر بصدمة من توبيخ والده بينما اغمض عبد الحميد عينيه و زفر مستغفرا من جديد ثم هتف آمرا :
" اخبر زوجتك أن اختها تبكي و ترغب في رؤيتها "
تنهد بكر ثم قال بعدم إحساس :
" جزاء نائمة .. كيف ساوقظها الان ؟!! "
شتم عبد الحميد بخفوت فهو اعلم الناس بألاعيب ابنه الوغد و لم يشعر بنفسه إلا وهو يهتف بغضب حقيقي :
" قسما بالله يا بكر إن لم تنزلا في غصون عشر دقائق على الاكثر لأصعد و اجلبكما كما انتما و انت تفهم جيدا ما اعنيه "
وصلته بعض التمتمات الخافتة قبل أن يغلق الهاتف شاتما مرة أخرى ثم تحرك بعدها إلى غرفته عسى أن يجد راحة لم يحظى بها منذ أكثر من أسبوعين .
.............................
" وصال ! "
نادتها جزاء بخفوت حين نزلت و رأت حالها فرفعت لها وصال رأسها التي كانت تنكسها أرضا و ما أن رأتها أمامها حتى ركضت و ارتمت عليها دون سابق إنذار تبكي بألم فيما تردد بلا توقف :
" أنا آسفة .. أنا آسفة ، لم اكن اعلم اقسم بالله لم اكن اعلم "
تسمرت جزاء قليلا بصدمة من رد فعلها لكنها عانقتها و هي تحدق في وجه جاسم و بكر و قالت بخفوت :
" أنا متأكدة أنكِ لم تكونِ على دراية بأي شيء .. اهدأي "
انسحب جاسم و بكر تاركين لهن بعض الخصوصية لتهتف وصال بعدم تصديق من بين دموعها :
" كيف فعلت هذا بكِ و بأمك ؟! .. كيف استطاعت ؟! .. كيف طاوعها قلبها ؟! .. كيف ؟!! "
التوت شفتي جزاء بمرارة شديدة ثم ردت بنبرة غريبة :
" الغيرة تفعل ذلك و اكثر "
ابتعدت عنها وصال تهز رأسها نفيا فيما تهتف بغضب عارم :
" لا .. هذه ليست غيرة ابدا ، هذا حقد .. قلب أسود لا يعرف الرحمة و لا يملك أدنى مشاعر ولا ضمير "
دمعة غافلت جزاء و سقطت منها فأطرقت برأسها لتجد وصال اقتربت منها و رفعت وجهها تمسكه بين يديها فيما تقول بوجه احمر من فرط البكاء :
" لا تبكي ، أنتِ لم تؤذي و لم تظلمِ .. أنتِ المظلومة و الله رد لكِ حقك اليوم ، و ما فعله جدي هو أقل بكثير مما يستحقن لكنه فقط أشفق على عمرهن "
نظرت لها جزاء باستغراب من الغضب الأسود الذي يلون مقلتيها بينما استطردت وصال :
" لقد حاولت مرارا تربيتي على كرهك من قبل حتى أن يظهر احتمال عودتك .. لقد كبرتني على قصة ابنة الخادمة التي ورثت مقت امها لنا و التي هربت بها امها من زمن ، علياء صدقتها و كرهتك دون حتى أن تراكِ و انا كادت أن تنجح معي لولا انني سمعت بكر بالصدفة يتحدث عنكِ و عن امك فأثار فضولي لأجد نفسي أسأل أم رمزي عن امك مرارا فتحكي لي عنها في اقل الحدود لكن تلك التفاصيل القليلة التي عرفتها عنكن بنيت بها جدارا عازلا يمنع وصول نفور أمي منكن من الوصول إلى قلبي "
دمعت عينا جزاء تأثرا لتدمع عينا وصال في المقابل فيما تهمس :
" لقد انتظرت عودتك يا أختاه .. أجل لم ابحث عنكِ ، أجل لم تتوقف حياتي على وجودك مثل بكر .. لكني على الأقل انتظرتك و تمنيت وجودك و لم اضمر لكِ اي شر ثم احببتك بصدق حين رأيتك و تعاملت معك "
تدفقت دموعهن بينما تنهي وصال حديثها تهمس بتقطع :
" أنا آسفة على كل ما مررتِ به "
جذبتها جزاء من جديد تحاول تهدئتها ..
فهي لم تشعر يوما أن وصال اقتربت منها مثل اليوم ، فهي ببكائها بأسفها و غضبها الشديد من أجلها كانت اقرب إليها من اي وقت مضى .
ربت جزاء على رأسها فيما تتمتم بوعد يجب عليها كأخت كبيرة أن تقطعه  :
" سيمر .. سيمر كل هذا و سننساه كأنه لم يكن يوما "
..........................
( بعد فترة )
خرجت جزاء من غرفة المستشفى بعد أن أتمت مهمتها  و تبرعت لوصال و رغم كل إرهاقها إلا أن شعور رائع بالرضا اصبح يغمرها من رأسها حتى أصابع قدميها في الفترة الأخيرة !
فعلى الرغم من أن الفترة الماضية كانت أكثر صعوبة مما توقعت على الجميع لكن و للحق لم تشعر ابدا أن هناك من يدينها أو يحقد عليها لما حدث .. عدا عهد !
عهد التي على الرغم من تعاملها اللطيف المتحفظ معها إلا أنها ترى احيانا في عينيها بعض اللوم على ما آل إليه وضع امها بعد أن طلقها زوجها و حجزها جدها في تلك الشقة التي اشتراها من أجلها هي و مديحة لكنها اكثر ذكاءاً من أن تلفظ حرفا واحدا مما يدور في خلدها لأنها تدرك جيدا من الجاني و من المجني عليه ..
و مع ذلك لا تلومها فهي أدري الناس بمرارة خسارة الأم !
" هل أنتِ بخير ؟!! "
انتبهت جزاء على صوت بكر الذي كان يمشي بجوارها حذرا تحسبا لأي دوار قد يصيبها فأهدته جزاء اجمل ابتسامة قد يراها منها فيما تطمئنه :
" لا تقلق .. كل شيء تحت السيطرة "
عبث بكر بخصلة من شعرها لينتبها معا الى خروج ادم من غرفة وصال فسألته جزاء بقلق :
" هل ستكون بخير ؟!! "
اومئ لها ادم ثم قال بعد أن قرأ بعضا من الأوراق الممسك بها :
" ستكون بأفضل حال بإذن الله "
" متى سنراها ؟!! "
رد ادم مجددا بنبرة عملية دون أن يرفع عينيه عما يقرأ :
" ليس الان .. سأخبركما ليلا متى سيُسمح بالزيارة "
انهى آدم إجابته ثم استأذنهما لينهي بعض الأشياء فأجلسها بكر على أحد مقاعد الانتظار و تحرك خلف ادم قائلا بهدوء :
" الى متى ستظل متخذا مني هذا الموقف ؟!! "
التفت إليه ادم ثم قال بنبرة باردة :
" ليس الان يا بكر .. لا وقته و لا مكانه "
رفع بكر حاجبه قائلا بسخرية :
" و متى وقته بالضبط حتى تكون مستعد لمحادثتي يا دكتور ؟!! .. متى سينتهي خصامك و تجنبك لي ؟!! "
تنهد ادم ثم قال باختصار :
" انا لا اتجنبك يا بكر .. انت تعلم جيدا وضعنا المتوتر هذه الفترة لذا كل ما في الأمر هو أنني لا اريد أي ضغوط زائدة حولي "
هذه المرة ارتفع حاجبي بكر بمفاجأة فيما يردد خلفه بلوم :
" ضغوط زائدة ! .. هل اصبحت ضغط زائد عليك يا صاحبي ؟! "
استفزته نبرة اللوم الساطعة في صوت بكر فاقترب منه قائلا من بين أسنانه بصوت خفيض :
" كنت تخطط منذ أشهر و لم تفكر بإخباري و لو لمرة واحدة يا ..... صاحبي "
ألقى ادم اخر كلمة بتهكم ساخر فزفر بكر بضيق شديد ثم قال بعدها :
" انت لا تفهم و لن تفهم يوما و لن تنظر الى الأمر من زواية محايدة لأنها امك .. لكنك تعلم جيدا أن كل ما حدث هو العدل بعينه "
رفع ادم كتفيه ثم أنهى حديثه قائلا ببساطة شديدة :
" حسنا .. و الى أن استطيع رؤية الأمر من زاوية محايدة كما تقول دعنا لا نفتح هذا الأمر من الجديد فأنا اريد بعض الإستقرار بعد كل تلك الإنقلابات التي تسببت بها يا بكر "
شد بكر على قبضته ثم قال بنفس البساطة و هو يلتفت عائدا الى زوجته :
" حسنا .. كما تشاء "
و ما أن تركه بكر و التفت حتى وجد جزاء بمواجهة زوجة أبيها فتقدم بخطى ثابتة نحوهن ثم وقف على بُعد خطوة منهن ليسمع نبرة زوجته الباردة التي بات يحفظها و هي تقول :
" لم افعلها من أجلك "
لتطرق مديحة برأسها ثم تتحرك مبتعدة عنهما تجنبا للسان جزاء المؤذي و نظرات بكر النافرة فجلست على مقعد يبعد نسبيا عن مقعد جاسم الذي يجلس بهدوء و يشاهد كل ما يحدث بلا مبالاة و كأنه لا يخصه في شيء!
شامت هو بها .. تدرك ذلك جيدا و لا تستطيع لومه !
إذا كانت ابنتها نفسها ترفض رؤيتها حولها كيف تلوم البقية على موقفهم منها !!
" هل نذهب ؟!! "
سأل بكر جزاء فسألته هي في المقابل بعد أن رأت تهجم وجهه :
" هل لا يزال ادم على موقفه ؟!! "
زفر بكر ثم قال و هو يساعدها للنهوض :
" سيفهم مع الوقت .. ما بيننا صداقة عمر لن يهز ثوابتها شيء "
ربتت جزاء على كفه ثم رددت خلفه :
" سيفهم .. لا تقلق ، كل شيء سيعود كما كان بينكما "
اومئ لها بكر دون تعقيب ليتحركا معا أمام نظرات جاسم الهادئة التي يخبئ خلفها قلقه العارم على حبيبته التي يفصل بينه و بينها باب سخيف يرغب بتحطيمه ليأخذها بين ذراعيه يحتوي خوفها الذي حاولت مرارا إخفائه عن عينيه لكن قلبه التقطه و فطن لوجوده !
رفع وجهه و ابتهل هامسا بخفوت :
" احفظها لي يا الله .. ليس لي غيرها "
أنهى جاسم دعاءه ثم فتح هاتفه يقرأ بعض الآيات منتظرا رؤياها بشوق حارق .
..................................
وصل امين أمام منزلها ليصطحبها معه كعادته في الفترة الأخيرة لكن اليوم لن يأخذها إلى العمل مثل كل يوم ..
فبعد أن عرض عليه والده ترأس الشركة بدلا منه وهو يشعر كما لو أن حملا ثقيلا قد أُزيح من فوق كاهله فبات محلقا بعد أن حصل اخيرا على حريته و اصبح من حقه أن يحظى بامتيازات الموظف العادي .
رآها تخرج من المنزل فنزل من السيارة و استقبلها مقبلا خدها بحنان فابتسمت له هي بحب جارف ..
ما اجملها من امرأة حظى بها بعد أعواما من الشقاء و الضغط !
راحته هي التي تجسدت في إنسانة تفهمه دون كلام .. تحتوي تقلباته و تحتمله بكل عيوبه دون أن تشتكي حتى من صمته الكريه الذي بات يمقته في الفترة الأخيرة ..
ألقى عليها تحية الصباح ثم ركبا و انطلقا معا فخيم الصمت عليهما لبعض الوقت إلى أن لاحظت عهد أنه يسلك طريقا مختلف عن طريق الشركة فقالت بعدم فهم :
" أمين هذا ليس طريق الشركة .. الى اين تأخذني ؟!! "
نظر لها امين بنصف استدارة ثم أجابها بصوت مخيف .. مشاكس :
" سأخطفك الى منطقة نائية و التهمك كما يحلو لي "
ضحكت بخفة ثم شاكسته هي الأخرى :
" هل عليّ أن أصرخ الآن ؟!! "
امسك امين بكفها المجاور له فجأة فيما يقول :
" اصرخِ كما ترغبين ، اليوم سأختطفك يعني سأختطفك و لن يعثر علينا أحد الى أن اقرر انا عكس ذلك "
قالت عهد ببعض التردد :
" لكن ابي لـ............ "
فيقاطعها أمين بتفهم :
" لا تقلقِ .. لقد أخبرته و اخذت إذنه "
ابتسمت عهد و استرخت في جلستها تاركة نفسها له تماما عسى أن يستطيع سد فجوة روحها التي خلفتها الاحداث الأخيرة !
بعد مضي بعض الوقت لاحظت عهد اختفاء معالم المدينة تماما ليظهر شاطئ البحر على استحياء بينما قال امين بحماس كبير :
" لقد وصلنا يا عهدي "
كانت تدرك أن حماسه لا يخصها بمفردها لكنه في الفترة الأخيرة تحديدا منذ أن سلم مسؤولية الشركة إلى أبيه يبدو كمن يحاول تعويض نفسه عن كل لحظة عاشها تحت ضغط جده و العمل فوجدت نفسها تحدق في حماسه الطفولي بحنان هامسة بعشق تحمله له منذ طفولتها :
" مفاجأة رائعة .. لقد كنت بحاجة إلى هذه النزهة بالفعل "
اتسعت ابتسامته ثم نزلا الى الشاطئ يتحركا سويا في تناغم ليضحك امين بخفوت مفاجئ فنظرت إليه عهد بتساؤل ليهمهم هو :
" لم أتخيل أبدا أن اتنزه على الشاطئ بصحبة حبيبتي بعد كل هذا العمر .. الأمر يبدو أشبه بمراهقة متأخرة "
قطبت عهد ثم وقفت أمامه قائلة بغير رضا :
" و هل انت مسن حتى تتحدث هكذا ام أننا خُلقنا للعمل فقط ! "
ضحك امين مجددا ثم رفع كتفيه مجيبا ببساطة شديدة و هو يسحبها للتحرك من جديد :
" لقد ظننت أنني خُلقت لذلك بالفعل "
ازدادت تهجم وجهها ليستطرد هو بعد لحظات :
" أتعلمين ! .. حين أخبرني أبي أنه يرغب في ترأس الشركة و استلام العمل بدلا مني ظللت احدق فيه للحظات بعدم فهم ثم سألته بكل غباء و ماذا سأفعل انا فما كان منه إلا أن أجابني بكل بساطة ستعيش حياتك كما ترغب "
ظلت عهد على صمتها فأكمل هو بصوت خافت :
" قد لا تصدقين الأمر لكني كنت احسد بكر احيانا على وقاحته و تمرده على كل الأوامر و الأعراف و كنت اسئل نفسي دائما لما لم اولد انانيا مثله  افعل ما يحلو لي ضاربا بكل شيء عرض الحائط ! "
وقفت عهد أمامه مجددا فيما تقول بصوت دافئ :
" لم اكن لأعشقك كل هذا العشق وقتها ، انا احببت بك ايثارك و حنانك .. احببت امين لأنه يفكر في كل شخص حوله و لا يختزل العالم كله في نفسه و رغباته أو في شخص معين "
حدق امين في عينيها العسليتين بصفائهما المريح للنفس بينما قالت هي بصوت خافت :
" انا أحبك لأنك هكذا فإياك ان تتغير "
رفع امين اصبعيه يمررهما على ملامح وجهها الناعمة مثلها يحمد الله سرا أنه فاز بها في نهاية المطاف و لم تصبح ملكا لأخر كما كان يظن سابقا !
فهي عهده التي بقيت على عهد حبها له لسنوات و سنوات دون أن يخفت بريق حبها و صدق عطائها لمرة ..
حتى عندما تزوج غيرها و انجب منها أمام عينيها احتفظت هي بما تكنه له لنفسها و تمنت له السعادة بل و ساعدته في تجهيزات عرسه بكل تفاني !
تهجم وجهه عند الخاطر الأخير فأي غباء و قسوة جعلته يعرضها لمثل هذا الأمر !
مال امين و طبع قبلة خفيفة مفاجئة فوق شفتيها فشهقت عهد و نظرت حولها بصدمة و خوف من وجود متلصص فضربته على ذراعه بغيظ بينما كان هو هائما في أفكاره حولها و شيء واحد يتردد داخل عقله دون توقف و كأنه أمر مباشر غير قابل للمناقشة !
تستحق أن تعلم ..
تستحق أن يبدأ معها دون شوائب ماضي دُفن مع صاحبته ..
تستحق أن يعري روحه أمامها و يهديها نفسه دون أسرار تُشعرها بأنها على الهامش ..
تستحق كل الحب ..
كل الشغف ..
تستحق أن يهب لها كل نفس يخرج منه !
كانت عهد تنظر له صامتة مدركة أنه يحل معضلة كبيرة بينه وبين نفسه لتجده همس فجأة دون سابق إنذار :
" هناك ما يجب أن تعرفينه يا عهد "

نهاية الفصل الرابع و العشرون


ضربة جزاء .. الجزء الأول من سلسلة قلوب تحت المجهر Where stories live. Discover now