الفصل الثاني عشر

252 17 20
                                    


" اشتقت اليك ِ "
ابتسمت عهد بخجل أنثوي دون رد فتنهد أنس يقاوم خيبة أمل بدأت تداعب قلبه من خجلها المبالغ فيه ثم اقترب منها بجلسته قائلاً بهدوء :
" هل قريبتك بخير ؟! "
نظرت له اخيراً ثم ردت عليه بهدوء يعكس نفسه على صفحة عينيها مما يجلب له دائما ً الاحباط :
" الحمد لله .. أصبحت افضل "
إذاً ما يضايقها ليس وضع قريبتها الصحي !
ابتسم انس بمجامله فيما يقول قاصداً إثارة غيرتها و عينيه لا تترك لمحه منها دون أن تسجلها :
" شافاها الله .. وصال فتاه جميله جدا و بشوشه و سهلة المعشر و تستحق كل خير "
ردت له ابتسامته دون أن تفطن لما يحاول أن يفعل :
" معك حق .. وصال فتاه رائعة "
حدق فيها انس لبضعة لحظات ثم قال بمكر :
" لكني اراها معظم الوقت بجوار امين ... هل هناك مشروع ارتباط قريب بينهما ؟! "
رغماً عنها امتقع وجهها لبضعة لحظات فيما كانت عيناه لها بالمرصاد حين ردت بصوت حاولت أن تسيطر على اختناقه :
" لا اعلم "
اكمل انس مسرحيته أحادية الجانب معلقاً بنبرةٍ عادية :
" ربنا يوفقهما لما فيه الخير "
امنت عهد وراءه ليطول بعدها الصمت لأول مره بينهما مما اربكها بينما كان هو يضع ما يخاف أن يقول عنه حقائق بجوار بعضها ليتنحنح بعد لحظات فيما يقول بترقب لردة فعلها :
" ما رأيك أن نبدأ غداً في البحث عن منزل ام انكِ تفضلين الإقامة في بيت العائلة ؟! "
للحظه توترت عهد و لم يسعفها عقلها برد مناسب فقالت بصراحه تامه :
" لم افكر في الأمر بعد "
اومئ لها دون معنى ثم قال باختصار :
" إذاً ابدئي بوضع الأمر في خططك حتى نبدأ في تجهيزات الزواج "
تورد وجهها حرجاً من نفسها بينما قلبها ينغزها خوفاً من تسارع وتيرة الأمور فيما كان عقلها يهيئ لها أن أنس يشك بشيء ما و يحذرها من مغبة ما يحدث ..
تنفست بعمق ثم توكلت على ربها وقالت بصوت خافت .. محرج :
" أنس .. انا اسفه على ما حدث اليوم في الشركة "
ابتسم لها أنس لتلتقط لمحة سخريه مرت على وجهه مما اخافها اكثر ثم قال بعد ذلك بصوت هادئ خالي من اي انفعالات :
" لا بأس .. الموضوع ابسط مما تظنين"
حل عليهما الصمت الخانق لدقائق لتهمس عهد بارتباك فيما تدعو الله سراً أن يدخل ادم أو أباها أو حتى امها حتى لو لم تتعامل مع أنس حتى الآن كما يجب :
" هل اصنع لك قهوه أخرى ؟! "
نهض أنس يهم بالرحيل فيما يقول بنبرة شعرت ببرودتها :
" لا داعي .. لقد تأخر الوقت على كل حال "
نهضت عهد أيضاً لتودعه فتحرك معها إلى الخارج تاركاً لعقله كل الوقت حتى يقرر حركته القادمة بعد أن وضع كل تلك الشكوك نصب عينيه ثم قال مودعا ً بعد أن وصلا أمام الباب الخارجي :
" تصبحي على خير "
ليتركها بعد ذلك و يرحل دون أن يأبه بنظراتها المرتابة من تغيره !
فهو في العادة يظل واقفاً معها لعدة دقائق يتحدث عن اي شيء و كل شيء حتى يطيل فترة بقائه معها و لو لعدة دقائق معدودة لكنه اليوم لم يكن على طبيعته منذ وصوله أو بالأحرى من بعد ما فعله امين و نظراته الغير مرحبة التي ألقاها له دون مراعاة !
عادت أفكارها و اتخذت طريقها نحو الآخر مجدداً تسأل نفسها عن سر تغيره !
لولا أنها تدرك مدى حبه لعلياء و تعلقه بها و أنه لا يراها الا مجرد صديقه لقالت أنه يغار عليها من أنس !
مهلاً .. هل يمكن ان يكون يغار عليها حقاً لكن كصديقه ؟!
تمتمت عهد بغضب نمى بين عروقها فجأة من الفكرة :
" قسماً بالله إن كان الوضع على هذا النحو سأفجر نفسي بك .. لا ينقصني إلا أن تغار عليّ كصديقه ! "
" هل تتكلمين مع نفسك يا أختاه ام ُيهيئ لي  ؟! "
التفتت عهد تنظر بارتباك الى ادم الذي حدق فيها لبضعة لحظات واضعاً كفيه في جيوبه ليسألها بعد ذلك بشكل مباشر :
" هل يضايقك خطيبك الوسيم في شيء ؟! "
نفت عهد بتوتر ليقترب منها انس قائلاً بغيظ :
" لا اعلم لما منعني ابي من الاقتراب منكم ؟! .. اقسم بالله لا افهم هذا الرجل .. أحياناً تشتعل غيرته لأتفه الأسباب و أحيانا يضع عقله و قلبه في الثلاجة .. كيف يعني نترككما سوياً ؟! "
ابتسمت له عهد بدفء لترد عليه بينما يتحركا سويا ً الى المنزل من جديد :
" اباك يعطينا الوقت لندرس بعضنا جيداً .. كما أن باب الغرفة كان مفتوحا ً على مصراعيه "
التفت لها ادم بحده فيما يقول بغضب مصطنع :
" و هل كنتِ تريدين أن نغلق عليكم الابواب أيضاً ؟! .. يا خسارة تربيتك يا حاج "
ضربته عهد على كتفه بينما فلت لسانها قائلةً بغيظ :
" ما أمر الابواب معكم جميعاً اليوم ؟! "
اعتدل آدم قائلاً :
" لم افهم .. ماذا تقصدين "
تنهدت عهد بضيق ليقترب ادم منها قائلاً بجديه :
" ماذا بك ِ يا عهد ؟! .. هل تشاجرت ِ مع خطيبك ؟! "
ستخبره !
في النهاية يجب أن تتحدث مع احد حتى لا تنفجر من الضغط و الغيظ !
نفت عهد بهزه من رأسها فيما تقول بصوت خفيض :
" لقد حدث أمرا ً ما في الشركة صباحا ً و اريد ان اخبرك به "
اومئ لها ثم قاطعها قبل أن تبدأ حديثها قائلاً بضحكه خافته :
" ليس هنا .. تعالي معي إلى غرفتي لأن ست الحبايب تمارس هوايتها المفضلة و تتنصت علينا "
التفتت عهد فوجدت أمها تصطنع التركيز على يعرضه التلفاز بينما اذنها تكاد تشاركهم الوقفة فابتسمت تهز رأسها بلا أمل ثم تحركت مع اخاها الى الأعلى غير عابئين بنظرات امهم الغاضبة ولا ابتسامة أبيهم المتسلية على ما يدور !
بعد عدة دقائق قال ادم بعدم تصديق :
" هل تشاجرت ِ مع أمين ؟! "
توترت عهد مجدداً ثم اجابته بضيق :
" ليس شجار بالمعنى الحرفي لكنه احرجني للغاية يا ادم .. ماذا أردت مني أفعل ؟! "
قطب ادم يرد عليها ببوادر غضب :
" لكنه محق .. كيف تغلقين الباب عليكما بل و تتركينه يمسك يدك ؟! "
تأففت عهد فيما تقول بصوت حاد :
" لا تجعلني اندم على اخباري لك بما حدث .. دعنا نتكلم بعقلانية "
" الحدود ليس بها عقلانية يا هانم "
طأطأت عهد رأسها بإرهاق ثم وضحت حقيقة ما حدث :
" يا ادم لقد تحدثت مع أنس عن هذا الأمر ووعدني أن يحافظ على المسافة بيننا لكن هذا لا يعطي الحق لأمين في التعامل معه بهذه الطريقة .. لقد أوضح له دون كلام أن وجوده امر غير مرغوب فيه ، كما إنه وبخني و كأنني طفله لا أفقه شيئاً فيما أفعله و قال إن الشركة ليست المكان المناسب للقائي العاطفي و بعد كل ذلك يعيش هو دور الغاضب رغم أنني مررت له  اسلوبه الغير مهذب في التعامل مع انس "
ظل ادم على صمته لبضعة لحظات ثم قال بعد تفكير :
" على الأغلب امين لم تعجبه شخصية أنس "
هتفت عهد بضيق :
" لكن هذا لا يعطيه الحق في ...... "
قاطعها ادم بوقاحة قائلاً :
" حسناً فهمنا أنه ليس من حقه "
صمتت عهد على مضض ليستطرد هو بعد لحظات  :
" سأذهب إليه غداً و ارى ما مشكلته "
انتفضت عهد من مكانها و هتفت بجزع :
" لا .. سيظن انني اشتكي منه لك و سيغضب مني اكثر "
رفع لها ادم حاجبه قائلاً بسماجة :
" أولاً أنتِ فعلاً تشتكين منه الآن .. ثانياً كل ما في الأمر انني سأذهب و اقيس نبضه ، لن اتحدث معه عما حدث لا تقلقِ "
" لا يا ادم .... ارجوك "
تدفق العناد في عروقه بينما أنفه تستقبل رائحه غيرة رجولية تفوح في الأفق لا تدرك عنها هذه المسكينة شيئاً ليهز رأسه قائلاً بتصميم :
" سأذهب لأرى ماذا حل على رأس فتى العائلة الأول "
.................................................
( بعد عدة أيام )
" صباح الورد غزالتي "
رفعت جزاء رأسها من فوق المكتب ثم قالت بصوت مرهق لا يخلو من الحنق :
" حل عن رأسي يا بكر .. و يستحسن أن لا اراك لبقية اليوم "
و كأنها تأمره بالعكس إذ دلف الى المكتب بأريحية قائلاً بمزاح مغيظ و هو يجد طريقه الى جلسته المفضلة على حافة مكتبها :
" لما هذه القسوة ؟! .. هل هناك عروس تعامل خطيبها بهذا الشكل ؟! "
رفعت له عينين يملئهما حقد الخسارة ليمعن هو في غيظها قائلاً بتشدق :
" ماذا ؟!! .. ألست خطيبك ؟! .. انظري الى هذا الخاتم الرائع في اصبعك و سيخبرك هو عن قصة عشقنا الملتهبة التي سنكللها بعقد قران قريب بناءاً على اوامر جدي "
تأففت و رأسها يكاد يصرخ من الصداع فأشاحت بوجهها عنه فيما ابتسم هو و ذكرى حديثه مع جده الذي وافق على اقتراحه بعقد القران بل و اتخذ على عاتقه مهمة اقناعها تعود فتزيده سعادة خاصة ً وأنه اخيراً سيحظى بمكانه مستقرة وواضحة في حياتها !
مكانة ستجعله ينام ليلاً قرير العين غير قلقاً من تقلبها الذي لا نهاية له !
رباه لو علمت أنه تخلص من التسجيل الصوتي الذي تظن أنه يدينها به و انها مضطرة بسببه الى هذا الزواج ستركض ركضاً الى جده و تعلن فسخ الخطبة في الحال ..
لهذا يجب أن لا تعلم بالأمر ابدا ً .. على الأقل في الوقت الراهن !
يجب أن يضمن وجودها اولاً بين يديه بعقد زواج لن تستطيع الفكاك منه أبداً ثم يحسن من صورته بعينيها بعد ذلك و يخبرها بالحقيقة ..
تجاهل بكر شعوره بالضيق الذي يعنفه لأنه يجبرها على ما لا تريد و يعكر عليه صفو سعادته ليصمته صوت أنانيته التي بات يعشقها مؤخراً و التي تؤيد كل ما يفعله ليحظى بمن يتمناها قلبه .
لفتت انتباهه حين اطرقت برأسها بتعب واضح فوق سطح المكتب فسألها بقلق :
" ماذا بكِ ؟! "
جسدها كله يؤلمها كما لو أن شاحنه مرت فوقها لكنها مع ذلك لم ترد عليه  بشيء فهي حتى الآن لا تصدق انها تورطت معه لهذه الدرجة !
عقد قران ! .. عقد قران !
هذا الأبله المستفز المزعج المترصد سيصبح زوجها !
يا الله فيما اوقعت نفسها ! ..
ليتها اختارت جاسم و اهتمت بعدها بقصة التسجيل اللعين الذي يمسكه عليها هذا الحقير .
نزل بكر على ركبته ليوازي وجهها المطرق مما اجفلها فحاولت ابعاد رأسها عن يديه المستكشفتين لحرارتها لكنه ثبتها بحزم فيما يقول بغير رضا :
" حرارتك مرتفعة .. تباً لكِ لما خرجتِ من المنزل و أنتِ مريضه ؟! "
ابعدت جزاء وجهها عن يده بحده رافضة الرد عليه .. فماذا ستقول له ؟!
كيف ستخبره بأنها جاءت الى هنا لأن جلوسها في المنزل أصبح ثقيلاً للغاية على قلبها خاصةً بعد الأحداث الأخيرة ؟!
لن يفهم .. و هي لا تريد مشاطرته أفكارها من الأساس .
" جزاء "
همسه خافته منه جعلتها تفتح عينيها المغلقتين بإرهاق و ضعف فشتم هو بغيظ من عنادها ثم نهض ممسكاً بها بحزم يسندها ليعيدها إلى المنزل لتأن هي برفض ممتزج بالضعف فهتف فيها بغضب كارهاً رؤية ضعفها بينما يلف ذراعه حول خصرها يسحبها إليه لتستند على جسده مستغلاً حالة الاستسلام النادرة والتي نتجت عن اعيائها :
" اصمتِ الان لوجه الله يا جزاء "
اسندها و تحرك بها إلى الخارج مغادراً الشركة تحت أنظار الموظفين الفضولية ليضعها بعدها في سيارته و ينطلق بها دون أن يترك كفها الساخن المستكين بين يديه باستسلام بينما غرقت هي في احلام متفرقة لا تنتهي .
( بعد عدة ساعات )
" كيف حالها الان ؟! "
سأل بكر ام رمزي التي تولت مهمة الاعتناء بها لتبتسم له بسماحه فيما تقول :
" لا تقلق يا ولدي .. لقد انخفضت حرارتها عن قبل و الحمد لله ، و الآن هي نائمه و لا تشعر بشيء "
زفر بكر ثم اومئ لها و عاد إلى غرفته بعد أن نزلت الأخرى لتكمل أعمالها في المنزل .
دخل الى غرفته يدور فيها كليث حبيس بينما قلبه يستحلفه بإلقاء نظره واحده عليها و لو من بعيد بينما عقله يحذره من مغبة الدخول الى غرفتها ليظل واقفاً مكانه لعدة لحظات ثم حسم الأمر قائلاً لنفسه و كأنه يبرر فعلته
( لن يحدث شيئاً من دقيقتين و في النهاية هي خطيبتي )
فتح باب غرفته ببطء يتحسس طريقه بحذر ليخطو في اقل من ثانيه الى داخل غرفتها ثم اغلق الباب عليهما حتى يضمن أن لا يراه أحد بجوارها .
تحرك بعدها ببطء شديد دون أن يصدر أي صوت يلف حول فراشها و ينظر إليها بشيء من .... الانبهار !
نائمه على ظهرها بوجه احمر من الحمى التي هاجمتها تهمهم بما لا يفهمه بينما شعرها الطويل مفرود حولها كهالة من السحر !
تثني أحد ذراعيها جوارها فيما وضعت الآخر فوق بطنها ..
للحظه ظل بكر متسمراً مكانه ينظر إليها بلا شبع و قد غاب صوت عقله الذي كان ينهره منذ لحظات ليخرج بعدها هاتفه من جيب بنطاله و يلتقط لها صوره اخرى يحتفظ بها لنفسه .
اقترب منها بعد لحظات ثم جلس على الكرسي المجاور لسريرها و الذي على الأغلب وضعته ام رمزي لتجلس عليه أثناء اعتنائها بها ليمد يده برهبه سيطرت عليه و يداعب شعرها كما تمنى دائما ً كاتماً أنفاسه بينما قلبه يرتج بين ضلوعه بطوفان عشق لا سبيل للسيطرة عليه !
يمر الوقت و هو لا يتحرك قيد أنمله و أصابعه تستمتع بملمس شعرها بينما يده الأخرى امتدت تحتضن كفها فيما كانت هي تطوف داخل حلمها الذي ترى فيه امها غاضبة و شيخها يعطيها ظهره تاركاً اياها في نفق مظلم متخذاً هو طريقه نحو النور غير مبالياً بندائها و رعبها من الظلام الذي يسحبها الى الأسفل بغير رحمه ليمسك أحدهم بيدها فجأة و يسحبها مما تغرق فيه دون أن تتعرف على وجهه بسبب الظلام الحالك الذي يعم المكان لكنها مع ذلك تمسكت بذراع من يمسكها بشده إلى أن أخرجها مما سقطت فيه ووقف أمامها لا يظهر منه سوى عينيه التي تتطلع فيها بعشق لطالما تمنته .
" راضي ! "
همست تسأله بتشوش و الظلام و الخوف يمنعاها من التعرف على وجهه ليسحبها هو خلفه الى منطقه مضيئه بعيده كل البعد عن ظلام النفق المظلم الذي استهلك روحها جزعاً ثم ترك كفها بعد ذلك و تحرك في طريقه تاركاً اياها بمفردها لتركض هي خلفه تمسك بيده مجدداً تناديه باستغاثة :
" راضي .. لا تتركني بمفردي "
فيلتفت إليها اخيراً لتجد نفسها أمام بكر الذي ظل يحدق فيها لبضعة لحظات ثم اقترب منها حين همست اسمه بخفوت هامساً لها هو الآخر بابتسامته اللعوب التي تناقض دائما ً دفء عينيه :
" لن اتركك أبداً غزالتي "
فتحت عينيها بوهن تنظر حولها بتشوش تام دام للحظات لتجد يدها قابعه في يد بكر الذي كان ينظر لها بترقب شديد ناسياً أن عليه الفرار الان قبل أن تستوعب حقيقة وجوده في غرفتها من جديد لكنها همست اسمه بخفوت شديد ثم عادت و اغمضت عينيها تسبح في عالمها الخاص من جديد ليميل هو رغماً عنه و يقبل باطن كفها هامساً بما أراد أن يبوح به لها دوماً :
" سامحيني يا روح بكر .. اغفري لي جُبني الذي سمرني في مكاني وقتها و الذي أيضاً منعني من البوح بعدها لأجد السنين مرت و اصبح البوح بلا دليل لا قيمة له "
قلب كفها بين يديه فيقبل ظاهره مستطردا ً بوعد :
" لكن اعدك أن أبحث عنه من جديد .. سأجد هذا القذر و سأبرئ سيرة امك و اطبب كل جروحك "
مسح حبات العرق المتجمعة فوق جبينها ثم داعب شعرها مجدداً هامساً بعشق محموم دون أن يبعد شفتيه عن كفها :
" ليت كل ندوبك ترتد في جسدي انا يا حبيبة بكر "
" بكر "
رفع رأسه ينظر إلى والده الذي كان يبادله النظر بغير رضا فيما يقول بغضب مكتوم :
" كنت اعلم انني ساجدك هنا "
ترك بكر يدها ببطء ثم تحرك بعدها إلى خارج غرفتها متبعاً خطى والده ليلتفت إليه عبد الحميد هاتفاً بحنق شديد من تصرفات ابنه الغير مسؤوله:
" هل فقدت عقلك ؟! .. هل كلما اعطيك ظهري ثم أعود و ابحث عنك اخرجك من هذه الغرفة ؟! .. كيف تسمح لنفسك بدخول غرفة ابنة عمك و هي شبه فاقده للوعي ؟! .. هل هذا ما ربيتك عليه ؟! "
تنهد بكر ثم رد على أبيه بثبات :
" لقد كنت اطمئن عليها لا اكثر "
" ليس من حقك "
هدر بها عبد الحميد بقوه ليرد عليه بكر بقوه مماثله :
" لا حقي ... كل ما يخصها كل ما له علاقة بها حقي ، ام انك نسيت انها خطيبتي يا ابي و في اقرب وقت ممكن ستكون زوجتي ؟! "
اقترب منه عبد الحميد قائلاً من بين أسنانه :
" حتى تلك اللحظة التي ستصبح فيها زوجتك ليس من حقك الدخول الى غرفتها أو الانفراد بها في اي مكان .. انا حذرتك من قبل و اخبرتك ان هناك من ينتظر للفتاه اقل خطأ حتى يشوه صورتها به لكنك أصبحت غبي في كل ما يخصها .. أول مرة دخلت غرفتها و افتعلت فضيحه جعلتك تخطبها و الآنـ ...... "
قاطعه بكر مصححاً :
" انا خطبتها لأني احبها و ارغب بها .. جزاء فتاتي ، خاصتي "
نظر إليه عبد الحميد قليلاً ثم قال بتحذير :
" اذا كنت تحبها كما تقول لا تسبب لها الأذى بتصرفاتك المتهورة و اعتبر هذا اخر تحذير مني في هذا الشأن "
ليتركه بعدها ويرحل بينما ظل بكر واقفاً مكانه ينظر إلى باب غرفتها المغلق في وجهه بضيق و غيظ يود لو يحطمه ثم يأخذها و يرحل فلا يعرف لهما أحد طريق و لا يضع اي شخص عوائق بينهما !
زفر بتعب ثم عاد إلى غرفته منتظراً استيقاظها فيما يعيد إليه عقله صوتها الهامس باسمه في أحلامها فيغمض عينيه وتنتشي روحه كما لم تكن يوماً .
...............................................
" يا ابنة الحلال تناولي بعض الطعام .. امك اكلت لحم رأسي من كثرة الإلحاح "
تأففت وصال بنزق تدير عينيها في الاتجاه الآخر لتقفز رغده بجوارها و تدثر نفسها معها بالغطاء كما اعتادت أن تفعل لتقول بعد عدة لحظات بحنق واضح :
" لا اعلم ماذا حدث لنا جميعاً ! .. جدي مرض و جاسم ترك المنزل و أنتِ طريحة الفراش و مكتئبة و بكر ذهب و خطب التي لا اسم لها و امين أصبح منطوي لدرجة الاختناق "
لم ترد عليها وصال بشيء لتستطرد هي بغيظ لا ينتهي :
" بالتأكيد هذا من وجه النحس التي طلت على المنزل "
التفتت لها وصال تنظر بتوبيخ فيما تقول بصوت بارد كنصل سكين :
" لأخر مره سألفت نظرك أن من تتحدثين عنها هي اختي الكبيرة "
تأففت رغده بنزق فيما تهتف وهي تنهض من فوق الفراش :
" لا استطيع تقبلها ... ماذا افعل ؟! "
نظرت لها وصال نظره ذات مغزى فأكملت معترفة بضيق :
" حسناً على الأغلب انا لا اطيقها لأنها نجحت فيما فشلت فيه انا دوماً و جذبته إليها "
ضحكت وصال رغماً عنها لتهتف رغده بطفوليه و هي تدب الارض بقدمها :
" لا تضحكِ .. و لا تنكري انها ايضا ً بارده و غير ودوده على الاطلاق "
ردت وصال تدافع عن اختها :
" و هل وجدت منكِ ود حتى ترده إليكِ ؟! "
لم ترد رغده و قد اخرستها حجة وصال القوية لتتحرك بعدها في الغرفة بلا هدف تعبث في كل ما تراه أمامها لتتوقف بعدها أمام صندوق خشبي بسيط الصنع رائع المنظر تعرفه جيداً فأمسكت به فيما تقول بتملق :
" هل يمكنني رؤية ما به ؟! "
فتحت وصال عينيها التي كانت اغلقتها في وقت سابق فيما ترد ببرود :
" لا "
ضربت رغده الأرض بقدمها فيما تقول بحنق :
" هذا صندوق علياء "
" أعلم .. و مع ذلك لا تعبثي به ، انا نفسي لم ارى كل ما فيه و اكتفيت بوجوده في غرفتي مثل الزينة "
ألحت رغده و هي تحدق في الصندوق بانبهار مثل ما اعتادت أن تفعل مع كل ما يخص علياء !
فلطالما رأتها مبهره .. غامضه ،جاذبه للنظر ، أنيقة و متفردة
" ارجوكِ يا وصال .. و الله لن اعبث بشيء ، سأرى محتوياته فقط .. لأجل خاطري "
تأففت وصال من الحاح ابنة عمها التي تعلم جيداً أنه لن ينتهي حتى تصل إلى ما تريد ففتحت الدرج المجاور لها و أخرجت منه مفتاح مصمم بشكل اثري جميل و القته إليها فيما تقول ببرود :
" ها تفضلي .. لكن اياكِ أن تعبثي أو تأخذي شيء "
" حسنا ً "
هتفت بها رغده بسعادة و حماس شديد فيما تفتح الصندوق ببطء و كأنها على وشك الاطلاع على عالم غامض تمنت الدخول إليه دوماً !
" راااااااااائع "
همست بها بانبهار تام و هي تحدق في بعض المجوهرات وقطع الحلي التي كانت تمسك بها تتفحصهم بحذر شديد لتعيدهم مكانهم برفق بعد دقائق طويلة من الاستمتاع بشكل كل قطعه لتمسك بعدها بزهره حمراء ذابله ثم بعض الأوراق المالية الغير محليه رفعت عينها عن الصندوق فوجدت وصال قد أغلقت عينيها بكسل فعادت تكمل استكشافها ...
ترتدي خاتم مره ، تعبث بسلسال الى أن لفت نظرها شيء يشبه جيب سري مصنوع من الجلد الثقيل ملتصق بأحد جوانب الصندوق فعبثت به قليلاً تشاهد محتوياته لتمسك اول شيء بورقه مطويه بعناية وصوره قديمة تجمع كلا من علياء و جاسم و بكر و امين الذي كان يحمل وصال و هي رضيعه !
ابتسمت تحسدهم للحظات في سرها على طفوله لم تحظى هي بمثلها ثم فتحت تلك الورقة متجنبه إصدار أي صوت حتى لا تلاحظ وصال ما تفعله لتجد أمامها خط علياء الأنيق مثلها فبدأت بقراءة السطور بعينيها لتقطب لعدة لحظات ثم اتسعت عيناها بصدمه !
تحركت وصال في نومتها الكسولة فلملمت رغده محتويات الصندوق و أعادت كل شيء الى مكانه و خبئت تلك الورقة في جيبها قبل أن تفتح وصال عينيها على حين غفلة فيما تقول بترقب حين لاحظت وقفة رغده المريبة :
" ما بك لما تقفين هكذا ؟! ... هل افسدتِ شيء من أغراض علياء ؟! "
نفت رغده بهزة من رأسها ثم قالت بكل ما استطاعت من هدوء :
" لا .. لا تقلقي ، لقد أعدت كل شيء الى محله "
" إذا ً لما تقفين بهذا الشكل و كأنك تخفين كارثة أو تواجهين مشكلة ؟! "
رفعت رغده كتفيها بعفوية زائفة فيما تقول بمرح مصطنع :
" و اي مشكلة قد اواجهها الان ؟! .. كل ما في الأمر انني انتهيت من رؤية اغراض علياء و سأمت من الجلوس معك فقررت العودة الى غرفتي من جديد "
نظرت لها وصال بغير اقتناع لتسألها رغده على حين غفلةٍ مما عزز من شكوكها :
" وصال منذ متى تحتفظين بهذا الصندوق ؟! "
اجابتها وصال بعدم فهم :
" منذ عام أو أكثر تقريبا ً "
اومأت رغده بتفهم ثم سألت بعد ذلك بنبرةٍ مرتبكة :
" و هل فتحته من قبل ؟! "
تأففت وصال بنزق ثم أجابت :
" اجل فتحته .. اخذت مره منه عقد و ارتديته ثم أغلقته و لم افتحه بعدها مجدداً .. الى ماذا تريدين الوصول بكل هذه الأسئلة ؟! "
ضحكت رغده بعصبية مفتعله فيما تقول وهي تنسحب من الغرفة :
" لا شيء .. انا فقط استغرب وجود صندوق علي بابا هذا معك دون أن تفتحيه و تستخدمي محتوياته "
علقت وصال وهي تغمض عينيها من جديد باسترخاء :
" انا و علياء لا نتشارك نفس الذوق ، انا فقط احتفظت به معي كذكرى منها لا اكثر "
" حسنا ً .. اراكِ فيما بعد و لا تنسي تناول الشطائر "
غمغمت وصال بشيء غير مفهوم بينما خرجت رغده من الغرفة تضع يدها على قلبها بقلق بالغ من أن تكون وصال اكتشفت أمرها ثم أخرجت هاتفها من جيبها و اتصلت بجاسم الذي أجابها بعد عدة لحظات من الانتظار و الترقب :
" مرحباً يا رغده "
تنفست بعمق ثم ردت :
" مرحباً اخي .. اين انت ؟! "
قطب جاسم ثم أجابها ببساطه :
" في المنزل ، انهيت العمل و عدت منذ ساعتين تقريباً لكن لما السؤال هل حدث شيء ؟! "
نفت رغده بسرعه ثم قالت وهي تدلف إلى غرفتها :
" لا .. لا تقلق ، انا فقط كنت اريد ان اجلس معك قليلاً .. اشتقت اليك "
رفع جاسم حاجبيه باستغراب فهذه المرة الأولى التي تعبر فيها رغده عن مشاعرها بشكل واضح ليجلي حلقه قائلاً بهدوء لا يعكس ما يشعر به :
" حسنا ً .. تعالي لنتناول غذائنا سوياً ، سأطلب لكِ بيتزا من المطعم الذي يعجبك "
على عكس مع اعتاد منها لم تقفز و لم تصيح بسعادة لكنها قالت بهدوء اقلقه قبل أن تنهي المكالمة :
" حسناً يا اخي .. سأكون عندك بعد أقل من ساعه "
................................
" كيف حال فتى عائلتنا الأول ؟! "
هتف بها ادم ضاحكاً و هو يطل من خلف باب مكتب امين بشكل مفاجئ لتتسع ضحكة الآخر الذي نهض من مكانه قائلاً بترحيب :
" أهلاً ادم .. كيف حالك انت يا بني ؟! "
دلف ادم إلى المكتب قائلاً باستعراض :
" انا بألف ألف خير "
ضحك امين بخفه فيما يقول :
" لقد سرقك العمل منا و أصبحنا نراك في المناسبات "
جلس ادم على أحد المقاعد قائلاً بغرور مضحك :
" ماذا افعل ؟! .. انا رجل مهم و مشغول مشغول مشغول ، المستشفى ستغلق أبوابها إذا حصلت عطله "
جلس أمامه امين فيما يقول بسخرية :
" طبعاً يا مجدي يعقوب زمانك .. المهم أخبرني اي ريح رمتك علينا ؟! "
كشر ادم ليجيبه ضاحكاً :
" اشتقت "
ابتسم امين و هز رأسه بلا امل ليستطرد ادم بتلاعب :
" اتصلت بالسيد بكر باشا و لم يرد عليّ فقررت المجيء إلى هنا و مفاجئته لكني لم أجده أيضاً "
اجابه امين وهو يعود يريح ظهره الى الكرسي :
" لقد مرضت جزاء في الصباح فأخذها و عاد إلى المنزل "
ابتسم ادم قائلاً بوقاحه :
" امممممم قلت لي .. يا اخي منذ أن شرفت هذه الحسناء و بكر تحول إلى دجاجة منزلية ، لكن من يلومه .. انا نفسي سقطت صريع سحرها و من اول لحظه فما بالك بمن يقيم في الغرفة المجاورة لها "
ضحك امين و مازحه :
" بحق الله يا ادم أنت تسقط صريع سحر اي تنوره تمر من امامك "
ضحك ادم بصوت مرتفع قائلاً بغرور :
" هن من يسقطن .. لكن انا قلبي منيع "
ضحك امين مجدداً فقال ادم بمكر :
" العقبى لك يا كبير .. لنرى كيف ستكون من ستسقطك صريعاً في شباك الهوى !! "
اسبل امين اهدابه مكتفيا ً بابتسامه باهته ليعاجله ادم قائلا ً من جديد بما يشبه التعجب :
" ما هذه الابتسامة ؟! .. ماذا ؟! .. هل تريد اقناعي انك ستظل راهباً بعد زوجتك رحمها الله ؟! "
أوشك امين على الرد عليه لكن قاطعهم دخول عهد التي تفاجئت بوجود ادم بعد أن استنفذت معه كل الحيل ووعدها في النهاية بعدم الحضور فنظرت إليه بعتب ثم قالت بعدها من بين أسنانها بغضب مكتوم :
" ماذا تفعل هنا يا ادم ؟! "
تطلع بها مبتسماً بغيظ ثم أجابها ببساطه :
" اصل رحمي .. أبناء خالي و جئت لرؤيتهم "
جزت عهد على أسنانها بضيق ثم تقدمت ووضعت ما بيدها أمام أمين قائله بسرعه وعمليه مقيته تستفز الآخر :
" هذه الأوراق تحتاج توقيعك "
فلتت ضحكه من ادم فنظرت له عهد شزراً ليجيب على سؤال امين الغير منطوق قائلاً بمرح :
" تشبهين الإنسان الآلي عندما تتحدثين بسرعة هكذا "
بادله امين الابتسامة فقال بمكر :
" غريب ! .. لم تعنفني لأجلها مثل كل مره ! .. هل تشاجرتما ام انك تركت مهمة تعنيفي لصهري المستقبلي الوسيم ؟! "
بالكاد اخفى امين ضيقه لكن عينا ادم المتيقظتين التقطتا غضبه المكتوم بينما هتفت عهد بغضب خافت :
" ادم .. توقف عن هذا "
نهض ادم يعانقها و يقبل خدها مسترضياً ليتأفف أمين بخفوت يود لو يسحبها من بين يدي هذا المستفز دون أن يدري أن المستفز يراقبه و يستمتع بما يفعله به !
أبعدته عهد بضيق و خجل ليمازحها هو قليلاً و يعلن رحيله بعد أن ودع امين ليتحرك مجاوراً أخته الى الخارج التي هتفت به بحده خافته فور أن انفردا :
" ماذا تفعل هنا ؟! .. ألم تعدني بالأمس أنك لن تأتي ؟! "
هز رأسه موافقاً فيما يقول موضحاً :
" وعدتك ان لا اتي من أجل امين و وفيت بوعدي و اتيت من أجل بكر لكني وجدته يطارد فتاته كما العادة "
" ادم .... "
قاطعها ادم بوقاحة قائلاً بنبرة خافته :
" قبل أن توبخيني .. هل اخبرك بسر و تحتفظين به لنفسك و تغلقين عليه بمفتاح صدئ ؟! "
قطبت عهد بدون استيعاب ثم قالت بخفوت مماثل :
" اي سر ؟! "
" لقد توصلت الى مشكلة امين ؟! "
لوت عهد شفتيها بسخرية فيما تقول :
" حقاً ؟! .. و ما هي مشكلته التي اكتشفتها من الجلسة الأولى يا عبقري زمانك ؟! "
ضحك ادم ثم أجابها و هو يرفع كتفيه ببساطه :
" يغار "
قطبت عهد ثم سألته بعدم فهم :
" و لما يغار منك ؟! "
تأفف ادم قائلاً بغيظ :
" بحق الله يا عهد تخلصي من هذه السذاجة المستفزة .. لا يغار مني يا حمقاء بل يغار عليك ِ "
اتسعت عينا عهد بغير تصديق فأكمل هو متشدقاً بسخرية:
" يغار من كل ما هو مذكر و يحوم حولك .. هل فهمت ؟! "
همست عهد بصدمه :
" مستحيل "
اقترب منها ادم يربت على كتفها قائلاً بمكر :
" لا ممكن .. انا رجل و أؤكد لك ِ الامر و أنتِ بالطبع تعلمين جيداً أن الغيرة لا تأتي إلا مع الـ....... "
قصد أن يترك جملته مفتوحه ثم غمز لها و قبّل رأسها ليرحل تاركاً اياها تستوعب ما قاله ببطء برعب و دون تصديق بينما تمسد فوق قلبها الذي يرتجف بين ضلوعها كما لو أنه غافل و نهض اخيراً من سباته بينما كلمة أخيها تعود و تعبث بكيانها كله !
ابتسمت ببلاهة لينطفئ عالمها قبل أن يزدهر حين رن هاتفها و لمحت اسم أنس و كأنه يذكرها بوجوده .
...........................................
" كيف حالك اخي ؟! "
ألقت رغده سؤالها و هي تجلس على تلك الأريكة التي تتوسط غرفة الاستقبال في شقة أخيها الذي أصر سابقاً على شرائها في نفس فترة زواج امين و علياء و أقام بها عدة أشهر قبل أن يجبره الجد على العودة لبيت العائلة من جديد !
تفحصت المكان بعينيها فلم تجد الكثير قد تغير منذ آخر مره زارت فيها المكان ...
لا تزال الالوان الغامقة تسيطر على المكان عاكسة ً مزاج صاحبها و طباعه العصبية كما إنه ترك تلك المفارش الصغيرة الملونة التي أصرت هي على وضعها يوماً ما لتكسر هالة الكآبة المحيطة بالمكان بناءاً على اقتراح وصال !
تغصن جبينها عند الخاطر الاخير لتجفل عندما فرقع جاسم بإصبعيه أمام عينيها قائلاً بصوت نزق :
" هل جئت ِ لتفقد حالة الشقة ام ماذا ؟! "
اعتدلت رغده في جلستها لا تدرك كيف ستبدأ معه الحديث الذي اتت من أجله فقال هو مجدداً :
" ماذا بك ِ ؟! .. انتِ لستِ على طبيعتك ، لاحظت ذلك منذ أن تحدثت معك على الهاتف "
ابتسمت رغده بتوتر ثم وقعت عينها على علبة البيتزا فهتفت بمرح مصطنع و قد بدأت رغبتها في الحديث معه تتراجع :
" لقد جاءت البيتزا .. هيا لنأكل أولاً "
نهضت من مكانها فأمسك جاسم بكفها و اجلسها مجدداً فيما يقول بصرامة مخيفه لها :
" ماذا بك ِ ؟! "
توترت رغده و ابتلعت ريقها مما ارسل القلق الى نفسه هو الآخر فوجد لسانه يسأل لا ارادياً :
" هل الجميع بخير ؟! .. هل حدث شيء لوصال ؟! "
نفت رغده بهزة من رأسها فهتف بها مما ارعبها :
" تكلمي مثل الخلق لما اردتِ رؤيتي فجأة ؟! "
دمعت عيناها خوفاً من هيئته الغاضبة ليتمالك هو نفسه ثم زفر بعمق محاولاً تهدئة القلق الذي أثارته به تلك الحمقاء ثم قال بعدها بصوت اهدئ حتى يطمئنها :
" يا رغده .. اخبريني ماذا تخبئين عني لقد اثرتِ بي القلق بما يكفي "
استدارت رغده ثم اخرجت من حقيبتها ما وجدت فيما تقول بصوت مهزوز :
" لقد وجدت هذه في صندوق علياء القديم و على الأغلب وصال لا تعرف عنها شيئاً .. انا متأكدة أن علياء كاذبة لهذا احضرتها فوراً اليك قبل أن تقع في يد وصال أو غيرها و يصدق تلك الأكاذيب "
قطب جاسم بعدم فهم و اسم علياء يرسل إليه التحفز ليتناول من أخته الورقة ثم فتحها ليقابله خط علياء الذي اشتاق اليه ثم بدأ يقرأ ما كتبته ..
( ترددت كثيرا ً قبل أن أكتب لك ِ هذه الكلمات لكنني اتخذت قراري بعد أن فقدت الجرأة على قولها امام وجهك .. لكن لا بأس بعض الأمور على قدر صحتها على قدر ما ألمها ، حسناً دون مقدمات و دون كثير من الثرثرة الفارغة انا لاحظت تعلقك بجاسم .. رأيتك تنظرين إليه كما لو أنه فتى احلامك لهذا وجب عليّ تحذيرك .. جاسم ليس كما تظنين أختاه )
راقبت رغده حاجبي أخيها ينعقدان فعلمت أنه وصل للجزء الأصعب بينما اكمل هو قراءته لتتسع عيناه بصدمه ....
( و إذا حدثت معجزه يوماً ما و شعر بكِ فأعلمي انني ضد هذه العلاقة قلباً و قالباً فأنا لن ارضى أبداً أن ترتبط اختي بمن حاول معي مسبقاً و انا على ذمة رجل اخر هو ابن عمه و اعز اصدقائه )
انتفض جاسم من جلسته لتنهض رغده هي الأخرى تتابع وجهه المكفهر برعب ليقرأ هو اخر ما سطرته من اسماها في يوم حبيبته ...
( أعلم أنني احطم قلبك البريء لكن ما باليد حيله ، ابتعدي عن جاسم يا وصال لأنني لن أقبل أبداً أن يكون هو بالذات زوج اختي )
ظل جاسم واقفاً متسمراً يحدق في الحروف أمامه و داخله يغلي كبركان !
هل هذه من أحبها حقاً ؟!
هل هذه من سلم قلبه لها ؟!
هل هذه من اخلص قلبه لها حتى بعد أن خانته و حطمته لألف قطعه ؟!
تفتري عليه و تسوء سمعته حتى تقتل مشاعر اختها المستحدثة ناحيته !
لقد احبها ، هام بها ، جعل من قلبه محراب عشق لها لكنه لم يقترب منها أبداً من بعد أن اختارت امين و طعنت قلبه هو بخنجر خيانتها !
رفض ان يجمعه بها مكان واحد  ...
رفض كل ما يخصها و كل ما يجمعه بها حتى من كان اعز أصدقائه رفضه بسببها و هي ....... !
جعد جاسم الورقة بين يديه مغمضاً عينيه بغضب شديد يداهمه صداع بشع كما لو أن ضغطه قد ارتفع لمعدلات مهولة !
اقتربت منه رغده بقلق و أمسكت بكتفه تهمس اسمه بخوف فتكلم بصوت مكتوم دون أن يفتح عينيه :
" ارحلي يا رغده .. ارحلي الان "
جاءه صوتها ممتزجاً بالبكاء تهمس باسمه مجدداً فقال بأعصاب على وشك الانهيار :
" قلت لكِ ارحلي يا رغده .. ارحلي "
ارتعبت رغده من منظره فأخذت حقيبتها و رحلت بخطوات هاربه بينما ظل هو مكانه لدقائق لا يعلم عددها مغمضاً عينيه و عقله يدور به آلاف الذكريات التي جمعته بها و كأنه يكويه و يهوى تعذيبه ليضغط اكثر على الورقة التي تكاد تنطق و تستغيث من ضغطه عليها لتشق صرخته الملتاعة باسمها سكون المكان فيما يضرب كل ما فوق الطاولة أمامه فيتناثر حطام ثم يمسك بمزهريه شاء حظها العثر أن توضع جواره و يقذفها نحو الحائط فتتفتت دون أن تتوقف صرخاته الغاضبة ليهمس بعدها لنفسه بلهاث كمريض فاق اخيراً من غفلته :
" انتهيتِ بالنسبة لي ، من هذه اللحظة أنتِ لا شيء .. لا شيء ، حتى رابطة الدم انتهت معك اليوم "

نهاية الفصل الثاني عشر

ضربة جزاء .. الجزء الأول من سلسلة قلوب تحت المجهر Where stories live. Discover now