مازالت العنود واقفة وهي تهتف لموضي:
موضي هذا كله تجيبين عصير
بتجين وإلا رحت؟!!

فارس يهتف في داخله
" لا لا تروحين.. لا تصيرين قاسية كذا
ماشبعت من شوفتش!!"

كان ينظر لها بتمعن
كأنه يريد أن يخزن كل تفصيل من تفاصيلها في ذاكرته
شعرها السرمدي
عيناها الناعستان
شفتاها الشهيتان
نحرها المبهر

وصوتها!!
غرامه الأبدي!!

(أريد أن أسمع صوتها مرة أخرى)

ابتعد عن النافذة قليلا
واتصل بموضي وهمس لها: موضي خليها تسولف وطولوا شوي

موضي بهمس: تراك مسختها

فارس بثقة: نفذي وأنتي ساكتة..

موضي من داخل المطبخ:
العنود ماقلتي لي وش سويتي في المادة اللي أنتي خايفة منها؟؟

بدأت العنود في الحديث وهي تسترسل تماما
فموضي عرفت كيف تختار الموضوع
فهذه المادة بالذات هي مأساة العنود التي ما أن يفتح موضوعها
حتى تبدأ بالشكوى التي لا تنتهي

كانت تتحدث بحماس حينا وبشكوى حينا آخر
عيناها تلمعان
ويداها تتحركان
تبتسم حينا وتعبس حينا

وكل حركة وإيماءه وهمسة وابتسامة تذيب قلب فارس المتيم
ونبرات صوتها طيور نوارسٍ حلقت به فوق البحر الشاسع
جعلته ينفصل عن عالمه لعالم آخر
عالم يحلق فيه مع صوتها الملائكي المثير

(أي مخلوقة أنتِ
أ اعتدتي على نحر القلوب؟؟
أ تنحرينها وأنتي لاهية يا طفلتي؟!
متعب أنا أيتها الصغيرة
متعب
متعب منكِ
وبسببكِ
أحبكِ
وأريد أن أكرهكِ
أريد أن أكرهكِ كثيرا
كثيرا
اجعليني اكرهكِ
أرجوكِ لا تكوني عذبة هكذا!!
وشفافة هكذا!!
ولذيذة هكذا!!"

موضي خرجت أخيرا وهي تعطي العنود صحنا
وتعود لتحضر هي صحنا آخر
وتغادران

وتتركان المأسور المصاب بحمى العشق واقفا أمام شباكه

ما أن رأهما تغادران حتى جلس
يشعر أن قدميه لا تحملانه
كثير كل هذا عليه وعلى رجولته
أن تعبث هذه الطفلة به
تطعنه وتهينه
ثم تجعله يذوب فيها ومن أجلها
أ هكذا تكون العدالة؟!!
بدلا من أن ينتقم منها
يكون قلبه أسيرها؟!!!

وماذا ؟ ليكن أسيرها.. ولكن هي لن تعلم!!

موضي ما أن أوصلت العصير حتى عادت له وهي تغلق الباب خلفها
أشعلت الأنوار
وجدته جالسا
موضي بقلق: بسم الله عليك فارس وش فيك؟؟

فارس بهدوء وكأن صوته قادم من عالم آخر: مافيني شيء.. أنا باروح

موضي بنعومة: تبي تطق وما تقول لي رأيك في المدام

فارس وهو يخرج ليلملم مشاعره المبعثرة، يقول بثقته المعتادة:
بعدين بعدين موضي

موضي هزت كتفيها وعادت للبنات

اسى الهجران Where stories live. Discover now