الخاتمة

8.8K 361 30
                                    


"آدم..
كنت قولتلي قبل كده إن كل حاجة قضاء و قدر، و إن محدش بياخد غير نصيبه..
بس أنا قولتلك إنه في حاجة مش طبيعية فيّا..
فاكر ساعتها قولتلي أيه؟
قولتلي إن كل حاجة ليها حكمة لو فكرنا هنعرفها..
و ادي اهيه الحكمة من إنك عرفتني، خسرت حلم حياتك بسببي!"
تساقطت دموعها لتظهر على الورقة التي تكتب فيها: "أنا بجد آسفة، مكنتش أتمنى إن يحصلك كده بسببي، بس أنا أكتر من مرة نصحتك و قولتلك أبعد عني و أنت اللي مسمعتش الكلام!"
ليؤلمها قلبها و هي تتذكّره واقعاً على أرضية الملعب، محمولاً على العربة، فاقداً حلمه..
لتكتب بإصرار: "بس خلاص، أنا مش هستسلملك أكتر من كده، مش هستنى لما أشوفك بتموت قدام عينيّا، أنا هبعد، هبعد و مش هخليك تشوفني تاني، و أتمنى لك السعادة من كل قلبي..
أماني".
طوت جوابها، لتلتقط حقيبة صغيرة بها أغراضها الضرورية، و تخرج من منزل عمها دون أن ينتبه إليها أحد!
اتجهت إلى المشفى المتواجد فيه آدم حتى تنتهي فحوصاته، لتقف عند الاستقبال، و تطلب من الموظف أن يعطي الظرف إلى اللاعب آدم جاسم، ثم ترحل.. للأبد!
**********
"الحمد لله احنا كده اتطمنا، الإصابة بسيطة و هتاخدلها بالكتير أسبوعين، يعني هتلحق كاس العالم إن شاء الله".
تنهد والدي آدم و أصدقائه براحة، ليشاكسه أحدهم:
"لا ليه كده، ده أنا قولت إنهم هياخدوني مكانك".
ليضحك الجميع عليه، ثم يقول آدم: "معلش بقى، تتعوض المرة الجاية".
فتمسح والدته على شعره، و تقول بحنو: "بعد الشر عليك يا حبيبي، ربنا يحفظك".
دخلت حينها الممرضة، بابتسامة واسعة لم تتلاشى منذ أن وصل آدم إلى المشفى، لتقول بسعادة:
"الحمد لله على سلامتك يا كابتن، و الله قلبنا وقع من الخوف عليك".
فيرد آدم عليها بابتسامة صغيرة: "الله يسلمك، شكراً".
ثم يلتفت إلى والده، و يسأله بضيق: "هي أماني مردتش عليك برضه يا بابا؟"
فينفي والده بهزة من رأسه، ليتأفف آدم بحنق، و يتوعدها بداخله إن كانت ابتعدت مثل المرة السابقة!
تذكّرت الممرضة السبب الرئيسي لمجيئها الغرفة، فقدمّت لآدم ظرفاً أبيضاً، و هي تقول:
"الظرف ده فيه واحدة سابته لحضرتك في الاستقبال".
التقط آدم الظرف منها بحيرة، ليفتحه بفضول، فتقع عيناه على كلمات أماني، ليجز على أسنانه بغضب، و يقبض على الورقة بعنف.
"غبية، و الله العظيم غيية".
ليتحرك بعدها، و يقف على قدمه بصعوبة، فتسأله والدته بفزع: "على فين يا آدم، رجلك يا حبيبي".
إلا أن آدم لم يهتم، و قال بحنق: "رايح أشوف الغبية دي بتفكر ازاي".
فيلحقه والده بعدم فهم، بينما يتطوّع أحد أصدقائه بإيصال والدة آدم إلى منزلها، مطمئناً إياها أن آدم سيكون بخير.
**********
"طيب استنى، و اطلع أنا اتفاهم معاها الأول".
قال جاسم لولده بعد أن عرف مضمون الرسالة التي تركتها له أماني.
ليقول آدم بحنق: "دي عايزالها ضربة على دماغها علشان افهم، الكلام بالعقل مش بسنفع معاها".
ثم ترجّل من السيارة، صاعداً إلى شقة عم أماني.
"مساء الخير".
حيّا زوجة عم أماني بشبه ابتسامة، بينما عيناه تتطاول إلى داخل الشقة، باحثاً عن خطيبته الحمقاء.
"مساء النور يا كابتن، ازيك؟"
حيّته زوجة عم أماني، ثم وقفت على أطراف أصابعها تتطّلع خلفه، و هي تسأله بحيرة:
"أومال فين أماني؟"
لتتوسع حدقتي آدم بصدمة، و يسألها: "هي مش هنا؟"
لترفع السيدة حاجبيها بحيرة، و توضح: "لاء، من ساعة ما طلعت و راحت شغلها مجتش..
دي لما اتأخرت افتكرت إنها معاك".
ليغادر آدم البناية بسرعة، بينما يتعالى صوت السيدة: "هو فيه حاجة و لا أيه؟
أنتوا اتخانقتوا و لا حاجة؟"
إلا أن آدم لم يرد عليها، و قد خرج من البناية من الأساس.
لتمصمص السيدة شفتيها بعدم رضى، ثم تغلق باب شقتها بلا مبالاة.
**********
اتجه آدم من فوره إلى منزل روضة، ليلحقه والده بدهشة، و صوته يتعالى في وسط الشارع:
"آدم استني".
لكن آدم لم يرد عليه، و صعد إلى شقة روضة.
"أيه ده كابتن آدم، الحمد لله إنك كويس".
نظر آدم إلى شقيقة روضة التي فتحت له الباب، ليسألها بلهفة: "هي أماني جوا؟"
لتهز الطفلة رأسها بنفي، و هي تجيبه: "لاء، أبلة أماني مجتش، و لا راحت مع أبلة روضة الشغل حتى، و من الصبح و هي بتحاول تتصل بيها لكن الموبايل مقفول".
عبس آدم بملامحه و الخوف بدأ يأكل قلبه عليها.
لتظهر روضة من خلف ريم، قائلة: "كابتن آدم، أهلاً و سهلاً، نورت".
ليرمقها آدم بأمل، و يسألها بلهفة: "أنتِ شوفتي أماني النهاردة؟"
لتتنهد روضة بأسى، و تقول: "لا للأسف، من امبارح معرفش عنها حاجة، ده أنا حتى قلقانة عليها جداً، حالتها امبارح بعد ماوقعت مكنتش كويسة".
فيقبض آدم على كفه بقوة، و يقول: "صاحبتك دي غيية، و أنا و الله لما أشوفها مش هرحمها".
لترفع روضة حاجبيها بدهشة، و تسأله: "ليه خير بس، أيه اللي حصل؟"
فيعطيها آدم الرسالة التي تركتها له أماني، و يقول بحنق: "لما تشوفيها فهميها إني مش هعديلها اللي بتعمله ده، احنا مش بنلعب!"
ليعود إلى والده، و هاتفه على أذنه، يكرر الاتصال بها، آملاً أن تفتح هاتفها.
**********
مرت عدة أيام و لم تظهر أماني، و لم يصل إلى آدم أو روضة أي خبر عنها، حتى أن الأخيرة قد سألت عن الفتاة كل مَن تعرفهم، إلا ان الجميع نفى رؤيتها في الأيام السابقة.
"طيب هي معندهاش أي قرايب من بعيد حتى؟"
سأل آدم روضة بيأس، و حاله قد تغيّر في الأيام السابقة بسبب بُعد أماني عنه و خوفه عليها، فأحاط بعينيه السواد، و فقد شهيّته، و أصبح سريع الغضب لا أحد يستطيع الحديث معه بهدوء.
لتُجيبه روضة بحزن: "عندها خالة متجوزة و عايشة في اسكندرية..
بس أنا كلمتها و أكدتلي إن أماني مش عندها، و إنها من أكتر من شهر متعرفش عنها حاجة".
سارعت بقول كلماتها الأخيرة قبل أن يتسّلل الأمل إلى آدم.
ليضرب اللاعب الطاولة بغضب، و يستند عليها برأسه مفكراً..
فيتدخّل فارس مشفقاً على آدم: "على فكرة أنتوا مكبرين الموضوع أوي".
ليرفع آدم نظراته له، قائلاً من بين أسنانه: "أيوه فعلاً مكبرينه جداً، خليني أخد خطيبتك و متعرفش عنها حاجة، و ساعتها وريني هتعمل أيه!"
ليُسارع فارس بالتوضيح: "أنا مش قصدي، بس أماني اللي تعرفه إنه جالك رباط صليبي و مش هتقدر تلعب في كاس العالم، و ده اللي خلاها تتصرف كده و تبعد..
بس في كل الأحوال أنا و روضة فرحنا بعد عشر أيام، و هي أكيد مش هتسيب روضة في يوم زي ده".
ليلتفت إلى خطيبته منتظراً تأييدها لحديثه.
فتقول الفتاة بتأكيد: "فارس عنده حق، أكيد أماني هتيجي يوم فرحي، و ساعتها ممكن أنت تقعد معاها و تتكلموا".
ليشرد آدم مفكراً، ثم يقول: "طيب بصوا بقى احنا هنعمل أيه".
**********
يوم فرح فارس و روضة
لا يصدق حتى الآن أن حلم حياته سيتحقق، أن الفتاة التي عشقها بكل كيانه ستكون زوجة له على الرغم من كل الظروف الصعبة التي عاشاها سوياً!
عدّل فارس ربطة عنقه و الابتسامة تملأ وجهه، ثم خرج بعدها متجهاً إلى الكوافير، ليأخذ حبيته من هناك.
**********
"أماني".
سقطت دموع روضة فور أن رأت صديقتها المُختفية منذ أسابيع أمامها، لتحتضنها بقوة، و هي تقول: "كنت هزعل أوي لو مجيتيش النهاردة".
فتبتسم لها أماني ابتسامة لم تصل إلى عينيها، و تقول: "و هو ينفع أسيبك في يوم زي ده برضه؟"
فتبتعد روضة عن حضنها، قائلة بعتاب: "كمتِ فين يا أماني؟
و ازاي تختفي كده من غير ما نعرف عنك حاجة؟
أنتِ متعرفيش الأيام اللي فاتت عدّت علينا ازاي، حتى آدم...".
لتقاطعها أماني بحزم، و عيناها مليئة بالحزن "من فضلك يا روضة، أنا مش عايزة اتكلم في الموضوع ده".
"بس يا أماني".
حاولت روضة معها، لتقول أماني بنفس الحزم: "خلاص يا روضة لو سمحتي، خليكِ في ليلتك بس..
على فكرة أنتِ طالعة زي القمر".
و خرجت جملتها الأخيرة بابتسامة صادقة.
لتتورد وجنتي روضة بخجل، و تسألها بشك: "بجد؟
يعني هعجب فارس".
فتضحك أماني عليها، و تقول بتأكيد: "طبعاً".
فتصمت روضة بخجل، و توترها من الليلة يزداد.
فتتنهد أماني بارتياح عندما ام تتحدث روضة عن آدم مرة أخرى، و لا تعلم أن الأخيرة لم تفعل ذلك سوى لأن آدم سيتحدث معها بنفسه!
**********
عودة إلى الوقت الحالي
التفتت أماني حولها متطّلعة إلى الباخرة الواسعة، متخيّلة سعادة صديقتها و هي تقضي شهراً عليها، بالتأكيد سيكون من أجمل شهور حياتها.
لتعترف بداخلها أنها شاكرة لها لأنها أخذتها معها في هذه الرحلة، فهي حقاً.. و كما قالت، بحاجة إلى الابتعاد و إعادة ترتيب حياتها..
عادت لتتذكر صباحية روضة، عندما زارتها مع والدة الأخيرة، لتسحبها روضة بعيداً، و تخبرها أن فارس جاءته رحلة على إحدى الباخرات التي تجول الوطن العربي لثلاث أفراد، و أنها اقترحت عليه أن تذهب معهما و وافق..
تدكّرت حينها خجلها و رفضها، لتخبرها روضة أن الرحلة قادمة من عمله و بمبلغ رمزي، و أنها فرصة جيدة لها طالما تريد الابتعاد.
"و أخيرا وقعتي في أيدي!"
خرجت أماني من ذكرياتها على صوته، لتلتفت إليه مصدومة من وجوده!
"آدم!"
فيبتسم آدم بوحشية، و يقول بغضب قد انفجر أخيراً: "أيوه آدم، آدم اللي قررتي تسيبيه من نفسك كده، رميتيه و مسألتيش عنه ميت و لا حي، عامل أيه..
كل اللي همّك إنك تهربي و بس".
فتتساقط دموعها من اتهاماته، و تصيح بانفعال: "أنا هربت علشان خاطرك، سبتك علشان احميك، علشان انقذك من الموت".
فيقبض على ذراعها بغضب، و قد بدأت الأنظار تتجه إليهم، ليقول جازاً على أسنانه: "موت أيه هاه، هي وقعة ملعب هتموت!
ماتبطلي غباء بقى".
فتحرر ذراعها منه، و تصيح: "الوقعة دي مموتتكش، بس ضيّعت منك حلم حياتك، مش هتلعب بسببها في كاس العالم".
فيعود آدم للقبض على ذراعها بقوة آلمتها، و يقول من بين أسنانه: "مش بقولك غبية، مين قالك إني مش هلعب في كاس العالم؟
أنا إصابتي بسبطة و مش هتاخد كتير، و الدليل إني واقف قدامك اهوه".
فتتوسع حدقتي أماني بعدم تصديق و تمشّطه بنظراتها..
صحيح، إن كانت إصابته قوية، إن لن يلعب في كأس العالم، لم يكن ليكون واقفاً أمامها الآن!
"بس اللي كان ببعلق على المباراة مقالش كده".
ليعنفها بعدم رضى: "و هو المعلق ده دكتور علشان تصدقيه، و بعدين حتى لو كده، المفروض توقفي جنبي و تسانديني، مش تهربي و تسيبيلي جواب أهبل".
فيتهدّل كتفيها، و تقول بقلة حيلة: "ده لو مكنتش أنا اللي...".
فيقاطعها بتحذير: "اخرسي يا أماني اخرسي، أي كلمة هتقوليها دلوقتي مش هتكون في مصلحتك".
ثم يلتفت حوله باحثاً عن شئ محدد، فتسأله أماني بارتياب: "أنت بتدور على أيه؟"
فيهتف آدم دون أن ينظر إليها: "هووس، مش عايز اسمع منك حرف لغاية لما اربطك".
فيرتفعا حاجبيها بعدم فهم، و تسأله: "تربطني ازاي يعني مش فاهمة!"
فيظهر حينها فارس و معه المأذون، و بجانبه عم أماني على كرسيه المتحرك و زوجته تدفعه، بينما روضة سارعت للإقتراب من صديقتها بسعادة.
"زي مانتِ شايفة كده".
انتبهت أماني إلى كلماته، بينما روضة تحضنها بقوة مهنئة إياها.
فتقول بحيرة: "أيه ده ازاي؟"
فيقول آدم بابتسامة جانبية: "أيه هو اللي ازاي!
أومال أنتِ كنتِ فكراني هضيّع فرصة وجودك في فرح فارس ببساطة كده، ده أنا ابقى غبي لو مربطكيش".
لتنظر أماني حولها بذهول، غير مصدقة أن آدم سيتزوجها الآن حقاً!
فتعود و تكرر بغباء: "تربطني ازاي!"
ليتعالى صوت فارس من بعيد: "ما يلا يا عم آدم، مش باقي كتير و الباخرة تتحرك".
فيبتسم آدم لأماني باستمتاع، و يقول: "دلوقتي هتعرفي".
و يتحرك من أمامها ليجلس بجوار المأذون، و يكتب كتابه عليها!
**********
حملها آدم إلى إحدى غرف الباخرة، و أماني تتمسك به بعدم تصديق، معتقدة أنها في حلم ستستيقظ منه في أي لحظة.
ليضعها آدم على السرير، و يقول: "أنا قدامي أسبوع واحد بس قبل مادخل معسكر الكاس..
و و الله لأنتقم منك كل ثانية في الأسبوع ده على كل حاجة عملتيها فيّا، بس.. بطريقتي!"
تمت بحمد الله

و كان القدر (كاملة)Where stories live. Discover now