الفصل السادس

6.9K 258 10
                                    


الفصل السادس
رمق جاسم أبنه بابتسامة ماكرة، مدركاً أنه يراوغ من أجل قول شئ محدد، و هو بانتظار معرفة ما يريده أبنه بصبر!
"ما تيجي ندخل نشرب حاجة يا بابا؟"
هتف آدم بهذه الكلمات و هو يشير إلى أحد الكافيهات القريبة منهما.
فالتفت إليه والده، و سأله: "أنت ميعادك في المعسكر امتى؟"
فأجابه آدم بعد أن نظر في ساعته: "لسه قدامي وقت".
لتصدر ضحكة صغيرة من جاسم، قبل أن يقول: "يبقى ندخل نشرب حاجة".
و بالفعل دخلا الرجلين إلى الكافيه، و اختار آدم طاولة في زاوية هادئة بعيدة عن الضجة ليجلسا عليها، ثم طلب له و لوالده كوبين عصير.
ليهتف جاسم بابتسامة: "مش كفاية لف و دوران بقى".
ازداد توتر آدم، فنسى الكلمات التي كان يحضّرها منذ أمس ليخبر والده بها.
فقال والده بمرح ليستحثه على الحديث: "أيه يا كابتن، احنا من امتى بيننا توتر و أسرار، هو احنا مش أصحاب و لا أيه؟"
نجحت كلمات والده في إزالة القليل من توتره، و مع ذلك هتف بمراوغة:
"فاكر صاحبي اللي كلمتك عنه قبل كده و قولتلك إنه عايز يتجوز من بنت...".
لم يستطع متابعة كلماته، بل لم يستطع نطق أن أماني وجه نحس أو نذير شؤم كما يلقبوها الآخرين، لسانه لم يطاوعه.
تظاهر والده بالتفكير لثواني، قبل أن يقول بإدراك: "تقصد البنت اللي بينادوها وش نحس دي؟"
أزعجته الكلمة، فأومأ بعبوس دون رد.
ليسأله والده بفضول، ليعرف كل شئ عن هذه الفتاة، فلقد تأكد أن الأمر لا يتعلق بصديق ولده!
"إلا قولي، هما بيقولوا عليها كده ليه؟"
ليبتلع آدم ريقه بتوتر، و يقرر إخبار والده بكل شئ، فبالتأكيد هو سيسأل عن أماني و يعرف التفاصيل، لذا من الأفضل أن يخبره هو..
دقات قلبه العنيفة أنسته أنه يتحدث عن صديقه، و أن عليه اختيار كلمات مناسبة، فهتف باستفاضة:
"بص بقى يا بابا، الموضوع و ما فيه إنه..".
و قصّ عليه كل ما أخبرته به روضة من قبل، ليظهر التأثر على وجه والده مع كل كلمة يقولها، مما جعل الراحة تتسلل إليه، فوالده سيقف بجانبه و يحقق له ما يريده بكل تأكيد!
"و من ساعتها و هي مرتبطتش بحد، أو بالمعنى الأصح محدش قرّب منها".
أنهى كلماته بهذه الجملة.
ليهاجمه والده بعدم رضى: "و أنت بقى البطل اللي هتنقذها من معانتها!"
أطرق آدم برأسه مدركاً أنه قد تفوّه بما لا يجب قوله في هذه اللحظة.
ليُتابع والده بلوم: "و ليه اللف و الدوران ده من الأول؟
ليه مقولتش إنك أنت اللي عايزها؟"
ليُجيبه آدم بحرج دون أن ينظر إليه: "لأني عارف إنك أنت و ماما مش هتوافقوا بسهولة، فحبيت أجسّ نبضكم الأول (أرى رد فعلكما)، و بعدين أقرر هعمل أيه".
فيواجهه جاسم، ليرى ما ينوي ولده فعله: "و أنت شوفت بنفسك أمك عملت أيه لما عرفت عن الموضوع، و المفروض إنك بتتكلم عن صاحبك كمان، مش أنت!
بتلف و تدور تاني ليه بقى؟"
ليرفع آدم نظراته إلى والده رامقاً إياه برجاء، و يقول باستعطاف: "بس أنت رأيك مكنش زيها، و ممكن يعني لو وقفت جنبي نعرف نقنعها و توافق".
ليركز والده على عينيه ليستشف مشاعره من خلالها، و هو يسأله: "و أنت بتحبها للدرجة دي يعني؟"
ليبتسم آدم باتساع، و تلمع عيناه بعشق ذُهِل جاسم من شعور ولده به، ليُجيبه بما يشعر به نحو أماني:
"بصراحة، أنا في الأول مكنتش عارف، يعني مجرد شوفتها صدفة و عجبتني، لكن بعد كده لاء، حسيت إنه فيه حاجة شداني ليها و بتسحبني ناحيتها كل مرة أكتر من التانية، لغاية لما عرفت قصتها و...".
ليُقاطعه والده قائلاً بإدراك: "شفقت عليها، فقلبك أقنعك أنك بتحبها".
ليهز آدم رأسه باعتراض، و يُسارع بالقول: "لا أبداً، بالعكس أنا متأكد إني بحبها".
ليسأله والده محاصراً إياه: "و اتأكدت ازاي؟"
صمت آدم غير قادر على الرد، هو يحبها.. و متأكد من مشاعره نحوها، و لكنه لا يستطيع وصف هذه المشاعر، أو لا يجد الكلمات المناسبة ليقولها.
"أنا مش عارف أقولهالك ازاي، بس أنا.. أنا".
ليصمت بقلة حيلة.
فيقول والده حاسماً الموضوع: "أنا عايز أقابل البنت دي".
تفاجأ آدم من طلب والده، فلقد توقع أن يسأل والده عنها أولاً، و بعدها يقنع والدته لتفكر في الموضوع حتى، و لكن أبداً لم يأتي إلى باله أن أول ما يطلبه والده هو مقابلة أماني!
"تقابلها!
ليه طيب؟"
فأجابه والده ساخراً: "هو أيه اللي ليه يا كابتن؟
هو فيه اعتراض على مقابلتي ليها و لا أيه؟"
فهز آدم رأسه مرة أخرى نافياً، و قال: "لا أبداً، بس اتفاجئت".
"المفروض تكون متوقع حاجة زي كده يا كابتن".
قال جملته ثم انتظر قليلاً متأملاً ملامح ولده، قبل أن يقول: "سيبلي رقمها و أنا بعد ماقعد و اتكلم معاها هقولك رأيي..
و يلا قوم امشي علشان متتأخرش على التدريب بتاعك".
انعقدا حاجبي آدم، قائلاً بارتباك: "لا تدريب أيه بقى، ده أنا كنت واعدها إني هلعب و هآدي أحسن ماعندي و اكسب الماتش علشان هي هتتفرج عليّا".
كلماته صدمت جاسم، فلم يكن يعلم أن الفتاة تسللت إلى قلب ولده لهذه الدرجة.
ليتابع آدم: "لكن شكلي كده و لا هعرف العب و لا أعمل حاجة، و ربنا يستر لاحسن المدرب أصلاً هيوقفلي على الواحدة في الماتش ده".
تنهد والده مفكراً، ثم قال مقترحاً: "مش هقابلها غير لما تخلص الماتش بتاعك حلو كده؟"
ثم أردف بتوضيح: "و بعدين أنت عارف غلاوتك عندي، و إني مستحيل أعمل أي حاجة ضد سعادتك أو مصلحتك..
يعني لو شايف إن البنت دي هي اللي هتكمل باقي حياتك معاها و أنت مرتاح أكيد مش هبعدك عنها".
أراحت آدم كلمات والده قليلاً، و إن كان بعض التوتر لا زال يسيطر عليه.
لينتبه على سؤال والده: "أنت قولتلي هي أسمها أيه؟"
فأجابه آدم: "أماني، أسمها أماني".
ليأومأ والده، ثم يقول: "طب قوم يلا روح على تدريبك، و ركز كويس لاحسن متوفيش بوعدك و تاخد عنك فكرة مش كويسة من أولها".
قال كلماته الأخيرة ضاحكاً، ليختفي توتر آدم، و يقول بابتسامة: "عيب عليك يا حج، أبنك رجل في كلمته".
**********
سارعت الصغيرة لفتح الباب، و ابتسامة بريئة كبرائتها ترتسم على وجهها الدائري ذو الملامح الطفولية.
لتهتف بترحيب: "أبلة روضة، اتفضلي، اتفضلي".
و ابتعدت عن الباب سامحة لروضة بالدخول، فدخلت الأخيرة مبتسمة، قائلة:
"ازيك يا نوجة، عاملة أيه؟"
فهتفت نوجة بنبرتها الطفولية: "الحمد لله يا أبلة، أنتِ ازيك؟"
"كويسة يا حبيبتي، أومال أبلة أماني فين؟"
سألتها روضة، مع أنها كانت متأكدة أن أماني في غرفتها، فهي نادر ما تغادرها.
و بالفعل أجابتها الصغيرة: "جوه في الأوضة".
"طيب أنا هدخلها يا حبيبتي".
لتتحرك روضة بعدها متجهة إلى الغرفة التي تضم أماني..
و مع أنها كانت تعلم أن الأخيرة غاضبة منها بسبب ما فعلته و حديثها مع آدم، إلا أنها قررت التعامل معها و كأنه لم يحدث شئ!
فتحركت بعفوية لتجلس بجانب أماني متربعة، و قالت بعتاب:
"يعني الصبح قعدت استناكِ علشان نمشي للشغل سوى زي كل مرة و أنتِ مجيتيش، و اتصلت بيكِ علشان أكتر من مرة و أنتِ مردتيش عليّا".
لتقاطعها أماني قبل أن تتابع حديثها: "روضة أنتِ عارفة كويس إني متضايقة منكِ، فبلاش الحركات بتاعتك دي".
لتقول روضة ببراءة و هي تشير إلى نفسها: "مني أنا!
ليه هو أنا عملت أيه؟"
رمقتها أماني بحنق، إلا أن عينيها كانت تفضح السعادة التي تشعر بها.
فقالت روضة بابتسامة واسعة: "ياستي ازعلي براحتكِ طالما هتكوني مبسوطة و مرتاحة".
ليعود الحزن و يرتسم على ملامح أماني، و تهتف: "و مين قالكِ إني مبسوطة؟
بالعكس أنا خايفة جداً".
لتضغط روضة على كف صديقتها بدعم، ثم تسألها: "و خايفة ليه بس؟
ده حتى آدم شكله أبن حلال و عايزكِ بجد".
فترمقها أماني بعينين تلمعان بالدموع، و تقول: "و دي أكتر حاجة مخوفاني، إنه عايزني بجد..
لو واحد كان عايز يتسلى و لا حاجة كنت عرفت أبعده بسهولة، لكن ده كل مابعده يقرّب أكتر..
و أنا، أنا خايفة أتعلق بيه، خايفة أشوفه العوض ليّا عن كل سنين العذاب اللي شوفتها، علشان في الأخر انصدم بالواقع".
لتحاول روضة بعث الأمل في نفس صديقتها، بكلماتها: "تفائلوا بالخير تجدوه يا أماني..
أنتِ ليه دايماً حاطة في دماغك إنه هيحصله حاجة بسببكِ و هتشيلي ذنبه؟
ليه ماتحلميش بحياة حلوة معاه، و يكون عندكم بيت و أولاد".
أغمضت أماني عينيها متخيّلة ما تقوله روضة، فيتراءى أمامها بيت صغير دافئ يجمعها بآدم، و طفلين.. صبي و فتاة يملآنه بالسعادة و الفرح.
لتفتح عينيها عائدة إلى واقعها، فتقول بأسى: "ده ممكن لو مكنتش أماني وش النحس اللي مستحيل حد يقرب منها..
تفتكري إن أهله هيوافقوا إنه يتجوزني بالسهولة دي؟
استني بس لغاية لما يفتح معاهم الموضوع، و هتلاقيه بعِد لوحده، لو مش برضاه يبقى غصب عنه".
"أنتِ تتوقعي كده؟"، سألتها روضة بفضول حذِر.
لتضحك أماني بمرارة، ثم تقول: "أومال أنا بقولك أنا خايفة ليه!"
**********
يوم المباراة
أدّعت أماني عدم مبالاتها، و رغم إصرار روضة الكبير عليها، إلا أنها لم توافق على الذهاب إلى بيتها لمشاهدة المباراة المهمة -كما تطلق صديقتها عليها- مع عائلتها.
"طيب بلاش تيجي عندي، اقعدي اتفرجي على الماتش هنا لوحدكِ".
لتستمر أماني في إدّعاء اللامبالاة، و تقول بلا اهتمام: "مرات عمي مبتحبش الكورة، و كمان الماتش في ميعاد المسلسل اللي بتتابعه".
يئست روضة من عناد صديقتها، فقررت تركها لتفعل ما يحلو لها، و تحركت مغادرة، بينما تقول: "خلاص براحتك اعملي اللي أنتِ عايزاه".
توسعت عينا أماني بصدمة، هل الموضوع انتهى هكذا؟
هي كانت ترغب في مزيد من الإصرار من قبل روضة، مزيد من الضغط لقتل مخاوفها و جعلها تتحرك..
إلا أن روضة استسلمت سريعاً على ما يبدو!
انتبهت على كلمات صديقتها: "أنا همشي، أخر كلام عندك خلاص مش هتيجي معايا؟"
لتنهض أماني مستغلة الفرصة، قائلة: "أنا زهقت منك و من زنك (إصراركِ) و الله".
لتبتسم روضة و هي تراها تعقد حجابها، غير مصدقة أن أماني وافقت على مشاهدة المباراة لأنها فقط أصّرت على ذلك!
**********
وضعا زياد و ريم وسادة خفيفة على الأرض ليجلسا عليها في مواجهة التلفاز مباشرة، ليستقر خلفهما روضة و والديها و أماني، و الكل يتابع المباراة بتركيز.
تأملتهم أماني بدهشة، حائرة من أن تستحوذ لعبة تافهة على انتباههم بهذه الطريقة، فمالت على صديقتها قائلة:
"هو أنتوا بجد بتقعدوا تتفرجوا..."
ليتعالى صوت زياد و هو يشير إليها: "هسسس، الماتش بدأ".
هسسس!
هذا الصغير، كيف يتحدث معها بهذه الطريقة؟"
كادت أن تنهره على أسلوبه معها، لولا صوت المعلّق الذي تعالى في الشقة الصغيرة مخترقاً أذنيها.. مسبباً لها الإزعاج.
"بسم الله الرحمن الرحيم...".
استمعت أماني إلى المقدمة العقيمة التي صدحت في الشقة، تبعها تشكيل اللاعبين..
لترتكز بعدها الكاميرا على آدم، فتظهر صورته على التلفاز واضحة، بينما المعلّق يقول:
"في الأيام الماضية تداولت إشاعات بعدم تواجد المهاجم آدم جاسم في الملعب، و لكنه موجود اليوم، و سيشارك في المباراة، و بالطبع سيكون له دوراً كبيراً، و سيعتمد عليه الفريق".
تأملت أماني صورته و هو يقف منتصباً يؤدي النشيد الوطني، فتتسارع نبضاتها دون إرادة منها.
"بسم الله الرحمن الرحيم، هنبدأ المباراة، و تسعين دقيقة من الإثارة و المتعة".
شاهدت أماني المباراة بملل، فهي حقاً لا تحب كرة القدم، إلا أن هذا الملل كان يزول عندما تكون الكرة مع آدم، و تظهر صورته على الشاشة و هو يركض بعرض الملعب، يراوغ و بمرر الكرة حتى يصل إلى هدفه.
"جوووووووووول".
تعالت الصيحات الفرحة من حولها، و ريم تقفز في مكانها مصفقة، بينما يصدح صوت المعلّق:
"جوووول جوووول جوووووول، فعلها آدم في الدقيقة العاشرة من أحداث الشوط الأول".
و أُعيد هدفه مرة أخرى على الشاشة، لتبتسم أماني مُعترفة بمهارته العالية في المراوغة..
قبل أن تأتي الكاميرا على صورة آدم و هو يضع يده على شكل قلب أمامها بعد أن أحرز الجول..
"أيوه يا عم".
لكزتها روضة في خصرها و هي تشاكسها غامزة بعينها..
لتلتفت إليها أماني رافعة حاجبيها بدهشة، و تسألها: "أيوه يا عم أيه؟"
فتضربها روضة على كتفها بخفة، و تقول: "أيه أيه بس، دي وصلت إنه يعملك قلب على الهوا..
بكرة لما تتجوزوا يبوس الدبلة بقى و حركات".
لتتورد وجنتي أماني بخجل، و تقول ناكرة: "لاء طبعاً أيه الكلام ده؟
تلاقيها حركة عادية".
فتوضح لها روضة مبتسمة: "عادية يا حبيبتي بس بيبقى وراها رسائل، و آدم عمره ما عمل الحركة دي مع إنه دخل أجوال كتير قبل كده..
فاشمعنى بقى يعملها في الوقت ده بالذات".
و للمرة الثانية يقاطعهم زياد، إلا أن هذه المرة كانت العصبية تظهر في نبرته: "اسكتوا بقى، مش عارفين نتفرج".
لتضربه روضة على رأسه بخفة، و تقول: "اتفرج اهوه، هو حد عملك حاجة".
و دقائق مرت قبل أن ينتهي النصف الأول من المباراة بتقدم فريق آدم..
ليمنح زياد عدة دقائق للعائلة للتحدث براحة، قبل أن تُستأنف المباراة..
نهضت روضة إلى المطبخ لتعد الشاي، و سحبت أماني معها لتستطيع الحديث معها براحة.
"أها لو تشوفي عينيكِ بتلمع ازاي".
رمشت أماني بعينيها مُحاولة إخفاء مشاعرها، و لم ترد على صديقتها.
لتتابع روضة بسعادة: "متعرفيش أنا فرحانة لك أد أيه يا أماني، ربنا يسعدكِ يا حبيبتي".
لتتنهد أماني غير مصدقة أن هذا الحلم من الممكن أن يتحقق، و أنه سيأتي اليوم الذي تكون فيه ملكاً لآدم، و الخوف مازال يحتل قلبها!
ظهرت ريم أمامهما حاملة في يدها هاتف أماني الصغير، صائحة:
"تليفونك قاعد يرن يا أبلة".
ثم عادت إلى مكانها راكضة.
توسعت عيني أماني بصدمة و هي ترى أسم آدم يضيء الشاشة، لتقول لصديقتها:
"ده آدم!"
فتهتف روضة بارتياب: "غريبة بيتصل دلوقتي ليه".
رفعت أماني كتفيها بعدم فهم بينما تفتح الخط، لتصلها نبرة آدم المتعجّلة: "مردتيش من الأول ليه؟"
فأجابته بحيرة: "أنا في المطبخ مع روضة، و التليفون كان برا و مش..".
ليقاطعها آدم على عجلة: "المهم بتتفرجي على الماتش و لا لاء؟"
ابتسمت أماني غير مصدقة، هل يتصل بها فقط لمعرفة إن كانت تشاهد المباراة أم لا؟!
"هو أنت عادي كده تتصل في الوقت ده، مش المفروض تكون بتحضّر للشوط الثاني؟"
تنهد آدم براحة، فما قالته يثبت أنها كانت تشاهده.. و ستتابع مشاهدته على التلفاز، فهتف بابتسامة:
"الجول الأول ده كان ليكِ، و الجول الجاي إن شاء الله برضه ليكِ..
و أنا بلعب كويس و الكل فرحان و بيهتف بأسمي علشان بس أنتِ بتتفرجي عليّا".
تعالى صوت من جانبه، ليقول بسرعة: "أنا لازم أقفل دلوقتي، دعواتكِ".
و أغلق الخط تاركاً إياها في عالم أخر، عالم لأول مرة تدخله، و لا تعلم كيف ستكون نهايته!
"أمااااااااااااااني".
انتفضت على صيحة صديقتها، لتنظر إليها بشزر، هاتفة:
"أيه فيه أيه؟
بتصوّتي (تصرخي) كده ليه؟
"اللي واخد عقلكِ يتهنّى به".
قالتها روضة غامزة بعينها بمكر.
لترتسم ابتسامة سعيدة على شفتي أماني، لم تلبث أن تحوّلت لضحكة، و قالت:
"روضة يا حبيبتي أنتِ لازم تكشفي، واضح إن عينيكِ وجعاكِ".
و تحركت لتأخذ صينية الشاي للخارج، بينما روضة تتبعها، تسألها بإلحاح:
"طيب قوليلي هو قالكِ أيه؟"
**********
صيحات زياد العالية كانت تملأ الصالة الصغيرة في كل مرة يأخذ فيها آدم الكرة..
فلقد كان الأخير يراوغ اللاعبين بمهارة عالية، و يتسلل من بينهم و الكرة بين قدميه بخفة، فيمررها إلى أحد أصدقائه ليُضيع فرصة محققة، أو يسددها هو على المرمى فيتألق الحارس في منع دخولها الشبكة..
شاهدته أماني بدهشة، فمستواه أفضل من نصف المباراة الأول بكثير، و هي مَن كانت تعتقد أن أدائه في النصف الأول أفضل أداء له!
"هو بيلعب كده ازاي؟"
ليلتفت إليها زياد بصدمة، صائحاً باستنكار: "ازاي أيه؟
ده أفضل لاعب في مصر، عايزاه يلعب ازاي يعني؟"
في حين أن روضة فهمت سؤالها، فدنت منها هامسة بخبث: "البركة في اللي خلته بصوتها و لا حصان في الملعب".
لتفغر أماني فاهها بانبهار، هل كل هذا بسببها؟
تابعت المباراة بحماس، و ابتسامتها تتسع تدريجياً عندما تكون الكرة مع آدم، لتنقلب ملامحها عندما سقط آدم على الأرض، تزامناً مع صوت المعلّق:
"و فوّل، فوّل للنادي... من مكان مميز جداً..
بس لسه.. لما نتطمن على آدم الأول".
وضعت أماني يدها على قلبها، و الذعر يظهر على وجهها، و صوت بداخلها يتعالى:
"أنتِ السبب، وشك نحس على الرجل".
"سلامات لآدم، واضح إنه بيتألم بشدة، صوت صراخه واصلني لهنا".
انتبهت أماني إلى كلمات المعلّق، لتصيح بجنون:
"شوفتي.. شوفتي، اهوه علشان تصدقيني بعد كده..
قولتلك هتحصله حاجة بسببي، عاجبكِ كده!"
انتفض الجميع من صياحها المفاجئ و التفتوا لها بارتياب، لتقترب منها روضة و تضمها إلى صدرها لتُهدأها، فتبعدها أماني عنها بعنف، مستمرة في صياحها:
"قولتلك أكتر من مرة هينأذي بسببي، هيخسر مستقبله و حياته، و أنتِ كل اللي عندك اتفائلي مش هيحصل حاجة".
حاولت روضة الاقتراب منها مرة أخرى، و هي تقول: "اهدي بس يا حبيبتي، هو كويس محصلوش حاجة".
لتصيح أماني بجنون، و قد تورد وجهها: "محصلوش، أومال..".
ليقاطعها زياد رافعاً صوته، حتى تنتبه له وسط انهيارها: "قام اهوه و هيكمل الماتش".
التفتت أماني إلى شاشة التلفاز، لتشاهد آدم يسير على قدميه بصورة طبيعية، و يطلب الأذن من حكم المباراة لدخول الملعب..
فجلست على الأريكة لتتابع المباراة بصمت، و كل ما يدور في عقلها أن ما حدث إشارة!
**********
"اعترف يلا، أنت واخد منشطات صح".
تعالت ضحكات آدم على مزحة صديقه، و قال ممازحاً: "ليه أنت فاكرني زيّك".
ليهتف صديقه باستنكار: "زيي!..، ده أنا غلبان، هو أنا كنت بجري في الملعب رايح جاي زيّك".
ليهمس آدم بابتسامة: "لو الحب منشط، يبقى أنا واخد أكتر من واحد".
ليقترب منه، و يسأله: "أنت بتبرطم بتقول أيه؟"
ليدفعه آدم من وجهه بمزاح، و يقول بضحكة: "يا أخي ابعد عني بقى، أنت عايز أيه؟"
ليتعالى صوت أحد اللاعبين: "أنتوا بتتكلموا في أيه بس!
المهم إن احنا وصلنا لنص النهائي يا جماعة، و قريب هنرفع الكاس".
ارتفع صوته في الجملة الأخيرة، ليصيح بقيّة الفريق بسعادة، و يبدأوا بالغناء و الاحتفال..
تسلل آدم من بينهم و كله حماس لسماع صوتها و معرفة رأيها في أدائه..
فتح هاتفه ليتصل بها، و دقات قلبه تتسارع بلهفة مع كل رنين..
عبس بملامحه عندما لم يجد رداً منها، ليتأفف بصوت عالي، مفكراً أن عليه في الأيام القادمة تعليق الهاتف في عنقها حتى لا تتركه في مكان و هي في في مكان أخر..
اتصل بها مرة أخرى، لتأتيه نفس النتيجة، فيهتف بضجر:
"و بعدين بقى!"
اتصل للمرة الثالثة، ليُصدم بالهاتف مُغلق!
أبعد الهاتف عن أذنه باستغراب، قائلاً: "معقول يكون فصل شحن!"
أعاد الاتصال للمرة الرابعة، و كأنه غير مصدق أن الهاتف مغلق، ليأتيه نفس الرد:
"إن الهاتف المطلوب مغلق أو غير متاح حالياً، يمكنك إرسال رسالة...".
أغلق الخط متأففاً، و قرر أن يعيد الاتصال بها فور عودته إلى منزله.
**********
"إن الهاتف المطلوب مغلق..".
أغلق الخط بحنق، قائلاً بعصبية: "و بعدين يعني، معقول كل ده مش واخدة بالها إن التليفون مقفول!"
استلقى على سريره بعنف، هامساً لنفسه بحزن: "دي حتى مفكرتش تتصل تهنيني من نفسها، معقول مش فارق معاها!"
هز رأسه بقوة، متابعاً: "بس لاء، لو مكنتش فارق معاها من الأول مكنتش اتفرجت على الماتش أصلاً".
ليطرق جبينه بعصبية، صائحاً: "أومال أيه بس".
طرقات على باب غرفته أوقفت حديثه مع نفسه، ليعتدل في جلسته، قائلاً:
"اتفضل".
دخل والده إلى الغرفة، ليبتسم آدم ابتسامة لا تصل إلى عينيه، و يقول:
"اتفضل يا بابا".
فيشاكسه والده و هو يتجه ليجلس بجانبه: "اتفضل يا بابا!
هو فيه حد يكلضم (يعبس) كده بعد اللي عمله في الماتش؟"
ليرفع آدم أكتافه بلا مبالاة، فلا شئ يهمه هذه اللحظة سوى سماع صوت أماني و معرفة رأيها!
"عادي يعني".
ليرفع والده حاجبيه مستعجباً، و يسأله: "عادي أيه؟"
دقائق من الصمت حلّت، قبل أن يقطعه جاسم بإدراك: "أنت كلمت البنت اللي أسمها أماني دي النهاردة؟"
ليزداد عبوس آدم، و يقول بحنق: "كلمتها دقيقة بين الشوطين، لكن من بعد الماتش تليفونها مقفول مش عارف ليه".
لتتعالى ضحكة جاسم المستمتعة، فهو لأول مرة يرى أبنه على هذا الوضع: "و ده اللي مضايقك يعني؟"
زمّ آدم شفتيه دون رد، ليهز والده رأسه، و ينهض قائلاً: "طيب لما تبقى تكلمها ابقى قولها إني هقابلها بكرة إن شاء الله..
اتفقوا على الميعاد و المكان و بلغني".
و خرج بعدها من الغرفة، تاركاً آدم ينظر في أثره، مردداً: "بكرة!
يارب هو الموضوع ناقص تعقيد".
ليلقي الوسادة بغضب، و يعاود الاتصال بأماني آملاً أن تكون فتحت هاتفها.

و كان القدر (كاملة)Kde žijí příběhy. Začni objevovat